عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02-11-2012, 05:55 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

بالغناء خاضت دول البلطيق ثورتها وتحررت من الاتحاد السوفييتي

الثورة بدأت بأغانٍ وطنية تتحدى الحزب الشيوعي وكانت مؤشراً على قرب انهيار المعسكر الشرقي ومعه جدار برلين

بقلم: محمد الحسيني
بالغناء أربع سنوات تحررت دول البلطيق الثلاث: استونيا ولاتفيا وليتوانيا من الاتحاد السوفييتي المتداعي مطلع 1991.

حفلت هذه الثورة بكثير من الرمزية التي ألهمت باقي الثورات في أوروبا الشرقية، وكانت مؤشرا على قرب انهيار المعسكر الشرقي ومعه جدار برلين.

امتدت بين 1987 و1991 وبدأت بأغان وطنية تستعيد الخصوصيات القومية والاثنية والتاريخية للدول الثلاث التي ضمت الى الاتحاد السوفييتي ابان الحرب العالمية الثانية.

حملت الأغاني رسائل رفضٍ وتحدٍ للحزب الشيوعي وحكمه وأشواقا الى الحرية والعودة الى الماضي وتطلعا الى الغرب الذي تعتبر الدول الثلاث جزءا منه اليوم بعضويتها في الاتحاد الأوروبي.



منذ 1987 ايضا بدأ الثوار السلميون خاصة في استونيا وعاصمتها تالين التي كانت المحطة الأهم للثورة برفع الأعلام التي تعود لمرحلة ما قبل الحقبة السوفييتية في تاريخها ونشيدها الوطني الخاص ما قبل الشيوعية، وكلها كانت أمورا ممنوعة طيلة عقود. وفي 1990 كانت استونيا أول دولة سوفييتية تتحدى قانون الاتحاد بتوفير خدمة بديلة للخدمة العسكرية الإلزامية في الاتحاد.

تتألف منطقة البلطيق من 3 دول هي استونيا ولاتفيا وليتوانيا، تبلغ مساحتها معا نحو 175 ألف كلم2 أي أقل من 1% من مساحة الاتحاد السوفييتي وسكانها نحو 8 ملايين أي أقل من 3% من سكان الاتحاد. وكانت هذه الجمهوريات مستقلة ما بين الحربين العالميتين، لكن الاتحاد السوفييتي ضمها عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية بموجب الاتفاق السري بين ستالين وهتلر عام 1939.

أدت أجواء الارهاب الفكري والجسدي في عهد ستالين ثم استمرار التشدد وان بوتيرات أقل في عهد كل من خروتشيف وبريجنيف ثم اندروبوف وتشيرننكو الى منع أي تحرك جدي بهدف المعارضة والانفصال، واستمر الوضع على ما هو عليه الى ان جاء غورباتشيف الى السلطة في 11 مارس 1985.

وصل غورباتشيف في حقبة صعبة جدا على الاتحاد، حيث كان التضخم في تصاعد والنمو في تراجع وشبح المجاعة يخيم فوق أجزاء عديدة من أكبر دولة في العالم.

الاتحاد السوفييتي الذي كان لايزال في خضم الحرب الباردة مع الغرب والذي كان يضخ المساعدات الاقتصادية والعسكرية الى دول العالم الثالث من المعسكر الشرقي ليدعم سياساته الخارجية وجد نفسه على حافة الانهيار. لقد كان انهيارا حتميا، لذا كان الاتحاد السوفييتي يحتاج الى مشروع لمواجهة الانهيار بأقل قدر من الأضرار، وقد قدم غورباتشيف هذا المشروع على أساسين البيروسترويكا (إعادة البناء) والـ «غلاسنوست» (الانفتاح).

لم يغب عن بال غورباتشيف ما كانت مناطق الاتحاد تشهده من تغيرات سلوكية واجتماعية وعودة للمشاعر الوطنية والدينية والتعددية، خاصة في الشعر والأدب والسينما والموسيقى مع ازدياد التأثير الغربي والضغوط الاقتصادية، وكان يعرف ان هذا الرماد الذي يغطي البلد «الجبار» الذي يمتد من أواسط أوروبا الى أقصى آسيا في شمال العالم يخفي تحته ما يخفيه من جمر.

وهكذا جاء قرار التغيير في الاتحاد السوفييتي من أعلى الهرم أي من الكرملين وليس من تحت (أي من القاعدة الى القمة).

استشعر غورباتشيف الانهيار القادم فكان دوره الأساسي ان يهندس الظروف المواتية لمواجهته بأقل قدر من الأضرار. كما انه نجح في الظهور بمظهر «المجدد».

في إحدى زياراته الى بريطانيا توجه الى المرأة الحديدية مارغريت تاتشر بالقول: «ان أوروبا هي بيتنا المشترك، بيت وليست مسرحا للعمليات العسكرية»، هذا الانفتاح هو الذي فتح له الأبواب في الغرب، كما كان ينادي بامكانية قيام شيوعية جديدة واشتراكية مختلفة غير مثقلة بما عانته من صدأ بسبب السلطوية والديكتاتورية والبيروقراطية التي جعلتها التجربة عناوين ملتصقة بها.

لن نخوض بالبيروسترويكا فهي ليست موضوعنا وسننطلق من الغلاسنوست وما أتاحه من هوامش لحرية التعبير.

لم يصدق المراقبون ان غورباتشيف ليس رجل «كي.جي.بي» جديدا يستأثر بالسلطة ويصرح بعكس ما ينوي القيام به، ولكن مع بدء الافراج عن مئات المعتقلين السياسيين، والتمسك بالخطاب الانفتاحي استثار هذا الرجل مشاعر الليبراليين وحرك رغبات التغيير خاصة بالشفافية في التعاطي مع أزمة تشرنوبيل وحرب افغانستان والرغبة في الانفتاح على الغرب.

في الواقع كان يأمل ان يساهم ذلك في إعادة الروح إلى جسد الاتحاد، ولكن كان ذلك متأخرا جدا.

في استونيا واعتبارا من 1997 كانت الأغاني الوطنية تسود في المهرجانات المحلية وبدأ التمايز عن الاتحاد السوفييتي بشعبه وأرضه وحضارته واستفاقت ذكريات الظلم والقمع والإرهاب الموروث من الحقبة الستالينية وتحولت الى وقود لرفع الصوت في عصر «الغلاسنوست» والمناداة بالاستقلال.

كانت استونيا المبادرة لقربها من فنلندا وتأثرها بحياة الشعب الفنلندي وعاداته وتقاليده من خلال وسائل إعلامه التي كانت تلتقط في استونيا.

لقد كان غورباتشيف والسوفييت يرون أو على الأقل يأملون ان مشاعر التحرر لن تبلغ حد مطالبة شعوب الاتحاد غير الروسية بالانفصال وبالاستقلال النهائي والطلاق البائن من ارث الحقبة السوفييتية الا ان الرغبة في تغيير الواقع والعودة الى الجذور كانت أكبر وفرضت نفسها.

مراحل الثورة

في استونيا كانت البداية وبعد سلسلة من التجمعات بلغ أضخمها نحو 300 ألف (أكثر من ربع عدد سكان البلد) في حي مدينة القديم في العاصمة تالين، شهد مهرجان «تارتو» لموسيقى الپوپ في 14 مايو 1988 اطلاق 5 أغان وطنية أداها الحضور وهم يرقصون بأياد متشابكة وتتالت المهرجانات تعبيرا عن المشاعر الوطنية.

وفي 16 نوفمبر 1988 أصدر برلمان استونيا وثيقة إعلان السيادة.

حاول السوفييت الزحف بدباباتهم مطلع عام 1991 لمنع الاستقلال لكن الاذاعة والتلفزيون الاستوني اللذين سارعا لبث أغان وطنية وحشد المواطنين نجحا في دفع آلاف المواطنين للخروج وتشكيل دروع بشرية لحماية المقرات الرئيسية في الدولة.

سارت الأمور على نفس المنوال والوتيرة في كل من جارتي استونيا لاتفيا وليتوانيا.

في لاتفيا كان التوتر والحراك على أشده منذ الاعلان عن مشروع سوفييتي في 1986 لبناء محطة كهربائية على نهر دوغافا وخط مترو سريع في العاصمة ريغا، فيما يشكل تهديدا للتراث الثقافي والبيئي في البلاد، ولعب نشطاء البيئة ولاسيما أعضاء النادي البيئي دورا كبيرا في تحريك الجماهير.

وفي 1 و2 يونيو 1988 عقد اتحاد الكتاب اللاتفيين مؤتمرا جاهروا فيه بالمطالبة بالديموقراطية في المجتمع وبوقف النزوح من مناطق الاتحاد السوفييتي الأخرى إلى بلادهم وبالاستقلال الاقتصادي وحماية لغتهم وتراثهم.

ومن المحطات البارزة في الثورة قيام سكان جمهوريات البلطيق الثلاث في 23 أغسطس 1989 بتشكيل خط بشري بين العواصم الثلاث: تالين وريغا وفيلينوس لإرسال رسالة استقلالية الى الاتحاد.

بالنسبة لليتوانيا، التي شهدت ايضا محطات غنائية كان ابرزها احياء نشيد ليتوانيا والعلم الثلاثي الألوان، كانت اولى الجمهوريات التي سارعت الى اعلان استقلالها في 11 مارس 1990.

لكن الرد السوفييتي لم يكن سلميا كما في استونيا، حيث قتلت القوات السوفييتية 14 متظاهرا يوم الأحد 13 يناير 1991 حاولوا حماية المباني على غرار ما جرى في استونيا، لكن ذلك لم يثن المتظاهرين عن مواصلة تظاهرهم السلمي ما اعطى اشارة واضحة على أن الدماء لن تحل المشكلة ولن تسكت الغناء!


__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59