|
أخبار ومختارات أدبية اختياراتك تعكس ذوقك ومشاعرك ..شاركنا جمال اللغة والأدب والعربي والعالمي |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
التعريب وتوطين العلم
د نبيل سليم علي - مصر نجاح تعريب العلوم يمثل أحد الشروط الجوهرية لتحقيق نهضة علمية وتكنولوجية تغرس جذورها في تربتنا الثقافية القومية, ومجتمعنا العربي. وتوطين التكنولوجيا -وأي نوع من المعرفة- لابد أن يكون بلغة الوطن الذي يسعى لتوطينها، أي أن توطين التكنولوجيا يحتاج أولاً إلى (تعريب) العلم، وهذا التعريب مرتبط ارتباطاً مباشراً بقضية البحث العلمي وتطويره. لذا أصبح من أهم القضايا المطروحة للمناقشة والإسهام والحوار بين المفكرين والعلماء العرب نظرياً ومنهجياً، من أجل الوصول إلى معنى شامل للتعريب لا يقتصر على تعريب المفردات والمصطلحات وما في مستواها، وإنما يتعداها إلى تعريب المفاهيم، والتصورات الرئيسة التي قام، ويقوم عليها العلم. من المهم أن نوضح أولاً معنى التعريب, فنقول: إن مفهومه يعني تحويل الفكر غير العربي إلى فكر عربي، وتعريب المصطلحات وصياغتها صياغة صوتية وصرفية مقبولة في اللغة العربية، وترجمة علوم ومعارف الآخرين حتى يتم التفكير والكتابة والتأليف والمحاضرة والتعلم والبحوث والإنتاج العلمي باللغة العربية، ومن أهم ما يلزم ذلك إتقان اللغة العربية من منابعها الأساسية. وهنا يقفز سؤال مهم: ما ملابسات إبعاد اللغة العربية عن العلوم في أغلب الدول العربية وتدريسها بلغات أخرى؟ وما أثر ذلك على التقدم العلمي بها؟ لكي تكون الإجابة واضحة ومحددة، سنختار نموذجاً يتم تدريس العلوم فيه باللغة الأجنبية، وليكن النموذج المصري، فبداية التعليم العالي في مصر كانت طيبة ومبشرة للغاية، فعندما أنشأ محمد علي باشا مدرسة الطب عام 1727م، كان التعليم فيها باللغة العربية، مع أن أوائل أساتذتها كانوا من الفرنسيين والإيطاليين والأسبان والألمان، فلم يحاول هذا الرجل الذكي أن يجعل التدريس فيها بلغة أولئك الأساتذة، ولا حتى بالتركية أو الألبانية اللتين انحدر منهما، وكذلك لم يفعل رئيس مدرسة الطب الفرنسي (كلود بك) الذي حاول أن يعلم الأساتذة الأجانب اللغة العربية, لا أن يعلم الطلاب اللغة الفرنسية. وظل التعليم العالي معرباً في مصر ستين عاماً، حتى وقع الاحتلال الإنجليزي لمصر، وفرض المستعمر الإنجليزي تعليم الطب باللغة بالإنجليزية عام 1887 م، وقبل هذه النكسة كان اليابانيون يُبعثون إلى مصر من أجل التعرف على الوسائل التي اتبعتها في نهضتها الحديثة الرائدة حين ذاك، ولا شك أن لغة التعليم قامت بدور كبير في هذه النهضة. لقد كانت مصر مؤهلة لبلوغ ما حققته اليابان من تقدم مذهل فيما بعد لولا أن وأد الاستعمار ذلك الأمل بتحويل لغة التعليم إلى لغة أجنبية، وقضى على قوة الإبداع والاختراع. فقضية التعريب قضية ضرورة ملزمة، ولها منافع مؤكدة، والاعتراضات عليها مفندة وما هي إلا مجرد تسويفات مفتعلة، وما يتهم به الجاهلون العربية اليوم من العجز عن الوفاء بمتطلبات العلم الحديث، إنما هو في واقع الأمر تعبير عن عجزهم في العلم والعمل واللغة جميعاً، فالبعض يدعي أن اللغة العربية غير قادرة على استيعاب معطيات النهضة العلمية الحديثة، وهذا ادعاء وافتراء كاذب. إن اللغة العربية غنية وقادرة على أن تستوعب كل ما ينتجه الفكر، والدليل على ذلك: تلك النهضة الرائعة في العصر العباسي، فعلم المنطق مثلاً ترجم العرب ما أُلف فيه، واستخدموا لقواعده ألفاظاً عربية مثل (الموضوع، المحمول، النتيجة) وليس ذلك فقط، بل طوروه وأخذ الغرب عنهم، وهذا يدل على أن هذه اللغة لغة غنية، والإحصاءات تؤكد ذلك، فاللغة الفرنسية مثلاً بها 25 ألف كلمة، أما العربية فبها 80 ألف مادة، والمادة عدد من الكلمات، كما أن اللغة العربية لغة اشتقاق أيضاً، وبعقد مقارنة بسيطة بين اللغتين العربية والإنجليزية، يتضح الفارق الكبير بينهما، ويوضح ثراء اللغة العربية، فمثلا كلمة: أخ، أخت، ابن أخ، بنت أخت.. إلخ؛ نجد أن ثلاثة أحرف فقط مستعملة في كل هذه الكلمات، أما في الإنجليزية فنجد أخ Brother، وأخت Sister, ابن أخت Nephew, بنت أخت Niece, كما نجد أنه لا صلة بين هذه الكلمات تشير إلى علاقة الأخوة، وينطبق ذلك أيضاً على كلمة كتب، كتاب، مكتب، مكتبة، كاتب، مكتوب.. إلخ مقارنة بمثيلاتها الإنجليزية، فاللغة العربية تحتاج إلى من يستعمل ذلك، والعلماء حينما كانوا يسجلون أفكارهم وسائر العلوم التطبيقية باللغة العربية جعلوا الآخرين يتعلمونها. وأذكر جيداً عندما كنت مشاركاً في أحد المؤتمرات العلمية التي عقدت في موسكو أيام الاتحاد السوفييتي (سابقاً)، أن تحدث السوفييت عن أحد كبار علمائهم القدامى بفخر عظيم واصفين إياه بأنه (أبو العلوم), وأنه قد وصل إلى هذه الدرجة لتعلمه اللغة العربية -كما يقولون. وقد قال أحد المستشرقين عن اللغة العربية: (إنني لم أجد لغة من بين اللغات التي تخترق القلوب والعقول إلا اللغة العربية، فهي لغة تقاس بالموسيقى). والدليل على غنى اللغة العربية أننا لو أردنا مثلاً أن نحصي الكلمات التي تعبر عن حركة السير لوجدناها تزيد على 30 كلمة منها مثلاً: يمشي، يسير، يسعى، يهرول، يدور… إلخ. التعريب إذن أمر مهم جداً، بل أصبح قضية حيوية أمام الموقف المتردي لوضع اللغة العربية في النظام التعليمي العام، الذي يساوي بينهما وبين اللغة الأجنبية في عدد ساعات الدرس في المدارس الحكومية بما لا يتطابق مع نصوص الدستور والقانون من وضع أصيل للغة العربية في المجتمع، ولا يفوتنا أن نشير إلى أن إنشاء المدارس التجريبية -وهي مدارس لا يتطابق مسماها مع واقعها، لأنها مدارس لتعليم المواد العلمية بغير اللغة العربية، وليست تجريبية في نظامها التعليمي- يعد مخالفة للنظام الإسلامي، بل الدستوري العام الذي ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وإذا كان هناك مبرر ملح لتعليم اللغة الأجنبية، فلا يجب أن يطغى على اللغة القومية وعلى الأساس العلمي للمؤسسات التعليمية، كما أن الدراسات أثبتت أن كفاءة خريج هذه المدارس أقل في مستواه العلمي من خريج مدارس التعليم الحكومي الذي يكون فيه تدريس مختلف المواد العلمية باللغة العربية عدا اللغة الأجنبية، ناهيك عن المخاطر التي تتعلق بهوية طلبة هذه المدارس التجريبية، ومدارس اللغات الخاصة، والمدارس التي لا تخضع للنظام التعليمي العربي، في تلك المراحل المبكرة، التي لا تكون العربية لغة تعاملهم العلمي، كما ظهرت أيضاً ممارسات لغوية لبعض المؤسسات العامة يقصر عن التطابق مع نصوص القانون وروحه بالنسبة للغة العربية، حتى أني رأيت بعض بنوك القطاع الحكومي بدأت مخاطبة عملائها بغير العربية، كما أن قانون الاستثمار سمح للمؤسسات الخاضعة لأحكامه بالتعامل بغير اللغة العربية، بل إن هناك مؤشرات إلى مخاطر وشيكة من جراء تغريب أوجه الحياة العامة، كل ذلك يتعارض مع القوانين المؤسسة للنظام العام، ويجب التعامل مع هذا الوضع قبل أن يستفحل. أيضاً هناك من يزعم أن تعريب العلوم سيؤدي إلى انقطاعنا عن مصادر العلم، وعدم متابعة التطورات العلمية المتسارعة من حولنا، ولا شك في أن مجرد انقطاعنا عن مصادر العلم العالمي المتجددة حماقة، بل انتحار! ولكن الصلة بين طلابنا وبين تلك المصادر ينبغي أن تتوثق من خلال أساتذتهم أولاً، ومن خلال تعريفهم بالمصطلحات العلمية العالمية، ومن خلال الصفوة المختارة للدراسات العليا التي يحدد دورها في القيام بواجبات الريادة، ومن ثم تعد لها إعداداً خاصاً من الناحيتين العلمية واللغوية، وهذه الصفوة ستقوم عند نضجها بالترجمة والتأليف للقاعدة العريضة، وبذلك لا تنقطع عن مصادر العلم، ويؤدي ذلك إلى توطين العلم، وقيام النهضة العلمية على أساس وطني. ولا يعني تعريب العلوم عدم الاهتمام باللغات الأجنبية بل يعني الاهتمام بها، والإعداد الجيد للمترجم، فالترجمة أساس مهم من أسس التعريب. ونحن لا نقصد أن تكون الترجمة أو التعريب منصبة على مجرد تعريب المفردات والمصطلحات وما في مستواها –رغم أهمية هذا الجانب وأساسياته– وإنما نقصد أيضاً تعريب المفاهيم والتصورات الرئيسة التي يقوم العلم عليها, وهي دون ترتيب: مفاهيم التوحيد القياسي للتجربة، والتجريب، والملاحظة، والاستنتاج -استناداً إلى وقائع فعلية محددة ومتكررة- والقياس الكمي -الحسابي والرياضي- والفصل بين الموضوعي والذاتي، وبين القابل للحساب كمياً وبين القاصر لا على التأمل الذهني أو الاستدلال المنطقي.. إلى آخر ما أنتجته فلسفات العلم من مختلف المدارس والتيارات. كما نقصد بالتعريب أيضاً، تعريب تاريخ العلم، فإن فلسفة العلم دون تاريخه هي روح بغير جسد، وتاريخ العلم دون فلسفته جسد بلا روح، كما يقولون. وغني عن البيان أنه يستحيل أن تكتسب عقلية مجتمع ما هذا النوع من البصيرة العلمية، إذا ظل العلماء، معلمو العلم، والجماعة العلمية يتخاطبون ويعلمون تلاميذهم ويكتبون أبحاثهم ويطلبون أن تؤدى اختباراتهم أو امتحاناتهم بلغة أخرى، غير اللغة القومية أو اللغة السائدة في بقية إنتاج وتبادل ونشر الأنواع الأخرى من الخطاب الاجتماعي –الإبداعي أو العملي–, فالنتائج المؤكدة لمثل هذا الفصل بين أنواع الخطاب الاجتماعي الإبداعية والعملية والعلمية في المجالات المختلفة تشير إلى أحد ثلاث نتائج: أما أن يتبع الخطاب العلمي ثقافة ومجتمع اللغة التي يستخدمها، فيكون ملحقاً بها، تابعاً أو مستهلكاً، وإذا تمكن من الإنتاج فإنه لاشك سيكون إنتاجاً فردياً خالصاً من ناحية، وناتجاً –في أغلب الأحوال- لبنية القاعدة المعرفية والعلمية والبحثية العلمية التي تنتجها ثقافة اللغة المتبوعة، المتفوقة. وإما أن يطغى الخطاب العلمي ونتائجه –باللغة المستعارة من الثقافة المتفوقة المتبوعة– على الحياة العملية للمجتمع، فينسلخ بالتدريج من ثقافته الأصلية ويتخلى عن لغته التي ستتوارى إلى الاستخدامات المحدودة والمحلية والضيقة، والأعمال السطحية أو الفلكلورية.. إلخ.. وإما أن تتجمد الثقافة القومية المحلية وتبسط قشرتها المتحجرة سيطرتها على الخطاب العلمي حتى يضمر المجتمع وثقافته داخل قوقعة ماضيه ويتحجر في مكانه نائياً في المكان أو الزمان. وفي تصوري أن معوقات التعريب نوعان: أولا: النوع العملي، الخارجي. ثانياً: النوع البنيوي الداخلي: وهو الأخطر. فالنوع العملي له أصوله وتجلياته، ومن أصوله: طول عهدنا بالتغريب إثر إعادة فتح معاهد التعليم العلمية التي أغلقت عام 1841م بعد الهزيمة النهائية لمشروع محمد علي. ومن أصول هذا النوع العملي من معوقات التعريب أيضاً: أن المرحلة الطويلة (التي شملت معظم سنوات القرن العشرين) هي المرحلة التي شهدت أكبر التحولات والتطورات والكشوف في مختلف العلوم (الرياضيات والفيزياء والبيولوجيا والكيمياء والجيولوجيا والفلك حتى اللغويات والمعلوماتية!) وتطبيقاتها المتداخلة في تكنولوجيا الثورة الصناعية الثانية (عصر الكهرباء وتداخل الفيزياء والكيمياء والميكانيكا), وشملت هذه الكشوف والتطورات مختلف الميادين النظرية والبحثية والتطبيقية، وكان أن انهمرت سيول من المصطلحات مرتبطة بمصطلحات سابقة. ومع تطور الرياضيات الحديثة وتداخلها مع كل من علوم المنطق واللغويات، تطورت مفاهيم وفلسفات تخرج مباشرة من معامل البحث لتعود فتتحكم في البحث العلمي. والأصل الثالث لهذا النوع العملي من المعوقات هو أننا لم نواكب في اللغة العربية هذه التطورات: لم نشارك فيها بأي قدر تقريباً: ولم نترجم أمهات أعمالها المؤسسة في حينها، ولم نضع لها المعاجم ولم نضم إلى معاجمنا الموجودة مصلحاتها العملية والنظرية ومصطلحات العلم التقنية، ولا مصطلحاته الفكرية المفاهيمية، فإن نظرة سريعة إلى معجم عربي حديث نسبياً – كالمُنجد، أو حديث فعلاً – كالوسيط - سوف تكشف لنا مقدار غيبة مجموعات كاملة من أهم علوم عصرنا ومصطلحات أهم نظرياته العلمية،أو فكره النظري العلمي، وفلسفات العلم التي ارتبطت بتطور تلك العلوم بالذات أو نبعت منها، أو ارتبطت بتيارات نظريات المعرفة وعلم العلم والمعرفة.. إلخ. وحتى ما تم تعريبه من بعض تلك الأعمال واجه عقبات أخرى منها: أن المترجمين لم يكونوا متخصصين فامتلأت ترجماتهم بأخطاء كبيرة، وتركيزها في اتجاه الامتحانات السنوية والتوظيف المكتبي, ومنها محدودية انتشار التعليم نفسه، ثم ضعف القدرات الاقتصادية لدى الجمهور المتعلم، وضعف –أو تقليدية– العقليات التي تنتجها المنظومة التعليمية/الترفيهية أو الإعلامية للمجتمع ككل، الأمر الذي يجعل النشر العلمي عملاً غير مربح مادياً، وقليل العائد معنوياً. أما عن تجلي هذه المعوقات العملية التي تعترض عملية التعريب، فيمكن حصرها في ارتباط المتخصصين باللغة التي تعلموا تخصصهم العلمي بها، وضعف تعلمهم للغة العربية التي لم يزودها اللغويون والمعجميون والمفكرون بالأدوات والمعدات اللغوية اللازمة، الأمر الذي يحتم على غالبية المتخصصين الارتباط بأدوات ومعدات اللغة التي تعلموا بها. وحتى العلماء المتخصصون الذين عملوا على نشر (معاجم) لتخصصاتهم، أو شروحاً للمفاهيم الفكرية المرتبطة بها؛ فإنهم مالوا أساساً إلى ترجمة معاجم عن لغات أخرى (الإنجليزية والفرنسية غالباً) دون محاولة لإضافة أي مساهمة أصيلة في تطوير تلك المفاهيم أو تأصيلها في ثقافتنا العربية أو البحث عن جذور لها في الفكر العربي. إن هذا النوع العملي من معوقات التعريب يمكن مواجهته ومحاصرته بالتدريج من خلال حملة متوسطة المدى قد تستغرق خمسة وعشرين عاماً إلى جيل واحد فقط, وتعمد في وقت واحد إلى: 1 - ترجمة أمهات الأعمال العلمية وشروحها الأساسية من مختلف اللغات المنتجة للعلم الحديث, مع إضافة (معجم) للمصطلحات مع كل ترجمة. 2 - وضع معاجم للمصطلحات والمفاهيم يشارك فيها أساساً متخصصون ولغويون. 3 - تأليف شروح بالعربية, معززة بالمعاجم التي تعرب المصطلحات والمناهج. 4 - تعظيم ميزانيات البحث العلمي وميزانيات النشر العربي. 5 - تعظيم وتعزيز البحث والتحقيق والنشر لأمهات وشروح أعمال التراث العلمي العربي. 6 - إعمال القوانين الخاصة بالتعليم في مدى زمني وجيز. أما النوع الثاني من معوقات التعريب الذي قلنا إنه الأخطر, فهو النوع البنيوي, ويمكن تلخيص هذا النوع كله في عائق رئيس وحيد، لكنه ضخم ومتجذر إلى درجة تحيله إلى سلسلة متراكمة ومرتفعة من العوائق المانعة؛ إنه يتمثل في العقلية الكامنة التي شاعت وترسخت في (المجتمع العلمي) أو جماعة العلماء والمتخصصين، على مدى عدة أجيال الآن، وهي عقلية التسليم بالأمر الواقع على أساس أنه هو الممكن الوحيد والمتاح الواحد بغير بديل، رغم كل ما يقال لهم، ويثبت بالتاريخ المحقق أنه أمر عارض ومفروض. إنها عقلية تستند إلى وقائع كلها حقيقية ولكنها كلها بلا استثناء عارضة وخاضعة للتغيير وليست أبدية وليست من قبيل قوانين الطبيعة ولا من فروض الخالق عز وجل. عقلية تقول بأبدية حقائق: أن التطورات في الخارج قد سبقتنا وتسبقنا إلى الآن، وأنه لا يمكن ملاحقتها، وأنه لا بحوث لدينا –نظرية خصوصاً– ولا وقت عندنا.. إنها عقلية خمول وكسل ذهني يؤدي إلى ميل يفضل (التبعية) حيث يرتبط التغريب (بالغين) واستمراره بالمصالح – من قبيل الدعوات والمؤتمرات، والنشر في المجلات العالمية الغربية، وعضوية اللجان الدولية، والتلميع والوجاهة العالمية..إلخ. هذا النوع البنيوي المتعلق ببنية العقلية الاجتماعية السائدة (خاصة العقلية السائدة لدى الجماعة العلمية) يحتاج إلى نوع من إعادة (تربية وطنية وقومية) على المستويين التربوي والمعنوي، ولكنه على المستوى المادي والعملي يحتاج إلى عدة إجراءات عملية منها: 1 - تعظيم ميزانيات البحث العلمي النظري والتطبيقي ونشر نتائجه بالعربية. 2 - إلزام المؤسسات الإنتاجية بتوظيف العلماء واستثمار بحوثهم (تطبيقياً) وإشراكهم بنسبة يحددها القانون في عوائد الاستثمار. 3 - إنشاء مراكز بحثية تهدف إلى تطوير قاعدة معرفية علمية وطنية تكون بالضرورة منفتحة على الجماعات والمؤسسات العلمية المناظرة في الخارج. 4 - العمل على إقامة هيئات علمية عربية فاعلة, ويمكن طرح الفكرة على الجامعة العربية لتكون للهيئة المقترحة صلاتها بكل من مجلس الوحدة الاقتصادية العربية والمنظمة العربية للعلوم والتربية والثقافة. 5 - إنشاء جوائز عربية للبحث العلمي ذات قيمة عالية، وإصدار مجلات عربية قومية في العلوم ومفاهيم الفكر العلمي وفلسفاته. 6 - تعريب لغة تدريس العلوم في بلاد الوطن العربي، فهو عنصر جوهري في منظومة تنميتها البشرية والقومية، وخطوة أساسية في تأصيل العلم والأسلوب العلمي في التفكير والسلوك وتنمية ملكة الابتكار والإبداع. 7 - أن تكون العربية هي اللغة الوحيدة التي يتم بها تدريس المواد العلمية في جميع مراحل التعليم قبل الجامعي، ولا يشرع في تعليم التلاميذ لغة أجنبية إلا بعد تمكنهم من لغتهم العربية القومية، ويتم تحويل المدارس التجريبية ومدارس اللغات والمدارس الأجنبية إلى تدريس مختلف العلوم باللغة العربية رفعاً لكفاءة العملية التعليمية وتعميقاً لتوطين العلم في المجتمع وحفاظاً على هوية أبنائنا. 8 - اتخاذ جميع الخطوات الضرورية للبدء فوراً في تعريب التعليم الجامعي استناداً إلى القوانين العربية التي صدرت من جميع الحكومات العربية في هذا الصدد وإلى توصيات اتحاد الجامعات العربية، وأن تكون السيادة للغة العربية في مختلف وجوه النشر العلمي، وكذلك في المؤتمرات التي تعقد بالبلاد العربية، وعلى قبول البحوث المنشورة باللغة العربية بين الإنتاج العلمي الأصيل لأعضاء هيئة التدريس المتقدمين للترقية. 9 - إنشاء لجنة للتعريب والترجمة والتأليف الجامعي في كل كلية جامعية أو معهد بحثي، وأن تكون لها مهام محددة بما يخدم قضايا التعريب والترجمة، ويتم تحويل أقسام اللغات في الكليات التي درجت على أن تكون العربية لغة التدريس فيها إلى تدريس مختلف العلوم باللغة العربية. 10 - الالتزام بكتابة الإعلانات الرسمية (سواء الحكومية أو الصادرة عن شركات وهيئات قومية) ونشرها وإذاعتها بلغة عربية صحيحة، وألا تتضمن إعلانات الوظائف إكساب وضع متميز لخريجي أقسام اللغات في الجامعات أو خريجي مدارس اللغات والاستعاضة عن ذلك –إن لزم الأمر– بامتحان في اللغة الأجنبية المطلوبة. 11 - قيام رجال التشريع بمراجعة القوانين الخاصة باستخدام اللغة العربية في الدولة، وإصدار قانون يستكمل ما نقص فيها، والحزم في مراقبة تنفيذ تلك القوانين ومتابعة كل ما يستجد في هذا المضمار. 12 - قيام جهات الإنتاج والخدمات وهيئات تحرير الصحف والمجلات والدوريات ودور النشر بالبلاد العربية بالاستمرار في استعمال الرقم العربي الأصيل (9876543210) بالأسلوب والمواصفات الصحيحة في مختلف أنشطتهم وأعمالهم، حيث لا يوجد على الإطلاق ما يبرر العدول عنها إلى الأرقام الغبارية المستعملة في أوروبا، مع الانتباه إلى أن تغيير الأرقام يخشى أن يكون تمهيداً لتغيير الحرف العربي نفسه، كما أن تمسك المشرق العربي بالأرقام العربية الأصيلة فيه حفاظ على اللغة العربية ذاتها، ومن المنطقي أن يتوحد العرب جميعهم على الأرقام العربية الأصيلة فالتمسك بها تمسك بالعربية. 13 - أن يضاعف المهتمون بقضية التعريب جهودهم الدؤوبة لتحقيق رسالتهم، والـتأكيد على أن البدء الفعلي لتعريب لغة العلم سيذلل العقبات، ويعمل كل منهم – في حدود إمكانياته الشخصية, أو في حدود مسئولياته المباشرة – على تحقيق أي قدر مستطاع من التعريب فيما يدرس أو يكتب من مواد علمية، وعلى الدعوة لتعريب تدريس العلوم بالإقناع الموضوعي، وتفنيد الاعتراضات التي تثار ضده، واستخدام اللغة العربية الصحيحة في أعمالهم، وحوارهم وتدريسهم، والتأكيد على أن تعريب العلوم شرط أساس في توطين العلم والتقنيات لدفع الاقتصاد الوطني إلى الأمام، كما أنه عنصر ضروري في تفعيل آليات التنمية في المجتمع. إن استقلال العلم العربي ضرورة بقاء ومصير من حيث ضرورة العلم وتطبيقاته (من سلوك الأفراد – بتأثير العلم والفكر العلمي عليهم، إلى التصنيع وإدارة مؤسسات مجتمع حديث), فالاستقلال العلمي دعامة رئيسة وأساسية للاستقلال الاقتصادي وللمشاركة من مواقع المشاركة الفاعلة والإيجابية في حركة العالم وتقدمه. المصدر: ملتقى شذرات
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
التغريب, العلم, وتوطين |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع التعريب وتوطين العلم | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تعزيز الدور المجتمعي في مواجهة التغريب | عبدالناصر محمود | شذرات إسلامية | 0 | 01-09-2017 08:56 AM |
غرانيق التغريب حين فاتهم مكر فارس! | عبدالناصر محمود | مقالات وتحليلات مختارة | 0 | 04-02-2015 08:33 AM |
مصطلحاتنا اللغوية بين التعريب والتغريب | Eng.Jordan | دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية | 1 | 05-28-2013 05:54 PM |
التعريب في زمن التغريب | Eng.Jordan | دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية | 0 | 05-18-2013 02:07 PM |
التغريب | Eng.Jordan | شذرات إسلامية | 3 | 06-06-2012 01:49 PM |