|
بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية تربية وتعليم , علم نفس ، علم اجتماع |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
محددات إنتاج المعرفة واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا بجامعة السلطان قابوس
حمل المرجع من المرفقات "الواقع والتحديات" د. عبدالوهاب جودة عبدالوهاب الحايس جامعة السلطان قابوس Email: gouda_2000@hotmail.com المستخلص:حاول هذا البحث رصد محددات إنتاج المعرفة العلمية وتحدياتها لدى طالبات الدراسات العليا، بالإضافة إلى مصادر اكتسابها بجامعة السلطان قابوس، وتحديد أهم المتغيرات المؤثرة فيها، انطلاقا من منظور سوسيولوجيا العلم، مع محاولة التوصل إلى بعض المقترحات اللازمة لتطوير بيئة البحث العلمي، وقد اعتمد البحث على المنهج العلمي الوصفي التحليلي، معتمدا على طريقة المسح الاجتماعي، مستخدما أداة قياس مقننة - من إعداد الباحث -لقياس وتشخيص أبعاد الظاهرة، طبقت على عينة ممثلة لمجتمع البحث، قوامها 156 مفردة، سحبت بالطريقة العشوائية الطبقية. وقد توصل البحث إلى عدة نتائج أهمها: تنوع مصادر اكتساب المعرفة لدى طالبات الدراسات العليا، واستمرار اعتمادهم على المصادر التقليدية، مع بروز دور شبكة الإنترنت كمصدر حديث للحصول على المعلومات، كما اتضح ارتفاع مستوى بيئة إنتاج المعرفة واكتسابها، رغم ظهور عدد من التحديات منها فقدان الطالبات لمهارات اللغة الأجنبية وصعوبة الحصول على المصادر الالكترونية، والتحديات المرتبطة بالأعباء الأسرية، وضعف حالة المناخ الاجتماعي المحيط بعملية إنتاج المعرفة، علاوة على، عدم كفاية الوقت المخصص لهن نتيجة عدم التفرغ، وصعوبة الالتقاء بالمشرف، وقلة المراجع المتخصصة. وقد كشفت التحليلات الإحصائية عن فروق دالة إحصائيا بين كل من الحالة الاجتماعية، ونمط الكلية، ومستوى التفرغ، والفصل الدراسي للباحثات. وقد انتهى البحث إلى مجموعة من التوصيات لتفعيل عملية إنتاج المعرفة واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا. أولا: مقدمة البحث يعيش العالم اليوم في حالة سباق محموم لاكتساب أكبر قدر ممكن من المعرفة الدقيقة المستمدة من العلوم التي تقود إلى التقدم؛ ذلك أن المعرفة العلمية تمثل مفتاحاً للنجاح والتطور نحو الأفضل. وقد طرحت مناقشات مستفيضة حول موضوع إنتاج المعرفة خلال السنوات الأخيرة في كل من الدول المتقدمة والنامية بشكل واسع، ألا أن طبيعة العملية التي يتم بها إنتاج المعرفة وخصائصها بالدول النامية لم تحدد بشكل واضح (Choung et al, 2003: 115). ويحتل البحث العلمي في الوضع الراهن، مكاناً بارزاً في تقدم النهضة العلمية وتطورها، من خلال مساهمة الباحثين _ ذكورا وإناثا - بإضافاتهم المبتكرة في رصيد المعرفة الإنسانية؛ حيث تعد المؤسسات الأكاديمية مراكز محورية لهذا النشاط العلمي الحيوي، بما لها من وظيفة أساسية في تشجيع البحث العلمي وتنشيطه، وإثارة الحوافز العلمية لدى الباحثين حتى يتمكنوا من القيام بهذه المهمة. وقد أكد (Metcalfe, 2009: 209-225) على أن الجامعات – بما تضمه من باحثين ذكورا وإناثا - مؤسسات رئيسية في إنتاج المعرفة العلمية الوطنية واستدامة إبداعها. ونظراً لكون البحث العلمي أهم وأعقد أوجه النشاط الفكري، فإن الجامعات تبذل جهوداً مستمرة في تدريب وتأهيل الباحثين أثناء دراستهم الجامعية لتمكُّنِهم من اكتساب المهارات البحثية، وتجعلهم قادرين على إضافة معرفة جديدة إلى رصيد الفكر الإنساني، كما تسعى الجامعات إلى إظهار قدرة الطلبة في البحث العلمي عن طريق جمع وتقويم المعلومات وعرضها بطريقة علمية سليمة في إطار واضح المعالم، يبرهن على قدرتهم على إتباع الأساليب الصحيحة للبحث وإصدار الأحكام النقدية التي تكشف عن مستواهم العلمي ونضجهم الفكري كمحدد أساسي لإنتاج المعرفة المتجددة. وتتزايد التنافسية داخل قطاع التعليم على مستوى العالم حيال عملية تأهيل وإعداد الكوادر البحثية من أجل إنتاج المعرفة وامتلاكها في ظل تصاعد التنافس حول بناء مجتمعات المعرفة، وقد أكد (Dell et al, 2005: 3) على أن التنافسية سوف تتضح على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، متضمنة كل من: الرؤية والرسالة والهدف، والبرامج، ومستويات الترقي الأكاديمي، وغيرها وفقا للقياسات الدولية. وأشار (Bliss,2009: 4) إلى أن سياسات وبرامج البحث العلمي تشكل سياق إنتاج المعرفة داخل مؤسسات التعليم العالي، كما تعد وحدات تحليل فعالة لفهم التأثيرات الخارجية التي تؤثر على جيل المعرفة بشكل أفضل. وأوضح كل من (Metcalfe,2009: 215); (Delanty,2003: 65) أن بروز مجتمع المعرفة يفرض أعباء ومسؤوليات على الجامعات في قدرتها على إنتاج المعرفة المتجددة لربط قضايا بحوثها بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية بالمجتمع، الأمر الذي يخلق بعض التحديات والتناقضات وصراع الأدوار على المستوى المؤسسي. علاوة على ذلك، لفت (Ozoga, 2007: 17) الانتباه إلى، إن التوجه نحو المجتمع القائم على اقتصاد المعرفة يفرض تطوير وتعديل نظم التنافسية داخل الجامعات، وذلك عن طريق وضع سياسات وبرامج تهدف إلى بناء قدرات المعرفة الوطنية، ودعم البحث الأساسي، أو المعرفة من أجل المعرفة. وتصبح المعرفة في مجتمع ما بعد الصناعة وفقا لرأي (Forstorp, 2007: 228) ملكية وطنية، ومورد وطني، يجب تنميته من أجل مستقبل آمن اقتصاديا. إن تحول مركزية إنتاج المعرفة واستخدامها إلى الجامعات ودورها في الانتشار الثقافي، أكسبها دورا جديدا وحاسما في بداية القرن الحادي والعشرين، وحملها مسؤوليات التعجيل بتطوير أدوارها ووظائفها، وحتى تستطيع القيام بمهمة إنتاج المعرفة، ولكي تستطيع الجامعة القيام بهذا الدور والإسهام في عملية الانتشار الثقافي والمعرفي، بالإضافة إلى توطين التكنولوجيا، أكد كل من (Cutrighty, 2003: 123; Delanty,2001: 1) على أهمية " دمقرطة المعرفة وتطبيقاتها ". ورغم احتلال الجامعات مركز الصدارة في إنتاج المعرفة داخل النظام الاجتماعي، إلا أن هناك اتجاه متزايد نحو تنويع مصادر إنتاج المعرفة، حيث يرى (Gibbons et al, 1994: 2) أن المشهد المعاصر لعملية إنتاج المعرفة يتسم بعدم التجانس، في حين توضح الدراسات البيبليوجرافية من وجهة نظر (Godin et al, 2000: 9) أن هناك نمو متزايد في البحوث غير الجامعية، وأنها متصلة بقطاعات إنتاج المعرفة بالجامعات. وعلى مستوى الدول النامية، هناك اهتمام متزايد في إنتاج المعرفة ببلدان شرق أسيا خلال السنوات الأخيرة، وزادت العلاقة بين العلم والتكنولوجيا في مجتمعات أسيا، حيث أوضح دليل التوثيق العلمي أن إنتاج المعرفة العلمية بكوريا مثلا يتزايد بقوة، حيث احتل الرتبة الأولى في العشر سنوات الماضية في إنتاج المعرفة، وأن الجامعات سيطرت على إنتاج المعرفة (Choung et al, 2003: 116). ويرى (Choung et al, 2003: 52) أن تزايد الإنتاجية المعرفية بالدول النامية، أغلبه في قطاع البحوث الأساسية، وتمثل النساء فيه أقلية من حيث الإسهام، مؤكدا على أن فهم إنتاج المعرفة بالدول النامية مازال بعيدا عن المستوى المنشود؛ بسبب الأداء الضعيف لنشاط البحث العلمي بتلك البلدان. وبناء على ذلك، لابد من وجود فهم نقدي لأنظمة إنتاج المعرفة المعاصرة وبرامجها وبيئتها، وأنظمة التعليم المؤهلة للوصول إلى مجتمع المعرفة. ثانيا: الدراسات السابقة كشفت عملية مسح التراث السابق حول عملية إنتاج المعرفة، عن وجود العديد من الدراسات، يمكن للباحث عرض فحواها على النحو الآتي:- أوضحت دراسة (Venkatraman, 2009) عن أهمية دور المرأة في العلم والتكنولوجيا، ودورها المحوري في اكتساب المعرفة وإنتاجها ونشرها. كما أفصحت دراسة (Dan, 2009) بكندا عن بروز المصادر الالكترونية كمصدر أولي في اكتساب المعرفة وإبداعها، لاسيما في ميدان العلوم الاجتماعية، كما كشفت الدراسة عن الصعوبات التي تواجه الباحثات في التعامل مع اكتساب المعلومات من شبكة الانترنت. وأبرزت دراسة (Zavos and Bigilia, 2009) أهمية القدرات المنهجية والكفايات العلمية المكتسبة للباحثات من خلال ممارستهن للبحث العلمي، وتوضيح الفروق النوعية في عملية إنتاج المعرفة العلمية، مشيرة إلى المعوقات التي تواجه النساء في ممارسة البحث الفعال، لاسيما التحديات الثقافية والنوعية، وممارسة التفكير القائم على إنتاج المعرفة الجماعية. وأكدت دراسة (Aeberhard and Rist, 2009: 1171-1181) على أهمية الاعتماد على أسلوب الإنتاج التعاوني للمعرفة عن طريق الاعتماد على المدخل " العابر للتخصصات " في العلم، الأمر الذي يمكن الباحثات النساء من المشاركة الجادة في عملية إنتاج المعرفة العلمية، وممارسة التفكير التعاوني والجماعي. كما كشفت دراسة (Marts, 2002) عن أهمية البحث البيني في العلوم الصحية كمفتاح لفهم الفروق النوعية في إنتاج المعرفة العلمية وتجاوز التحديات التي تعترض البنات في إنتاج العلم. وكشفت دراسة (Bebbington, 2002: 360) عن تعرض الباحثات النساء لتحديات حيال إنتاج المعرفة العلمية، كالتحديات الإدارية، والثقافية، والعرقية، وفرص الترقي والحصول على المعلومات. كما أشار كل من (Sharma, 2005; Johansson et al: 2002) إلى تحيزات الجنس في مجال إنتاج العلم، موضحين مواجهة النساء في مجال إنتاج المعرفة الفيزيقية داخل الجامعات لتحديات كبيرة، أهمها التحديات الثقافية، والتمكن من التمثيل بالمؤسسات العلمية، والحصول على الاستشارات والتوجيه، وفقدان العلاقة المنتورية داخل حقل إنتاج المعرفة، والتمييز النوعي في اكتساب المعرفة العلمية والتدريب على أساليب إنتاجها. وناقشت دراسة (Araujo, 2008: 141-153) الفروق بين الجنسين في إنتاج المعرفة بأمريكا اللاتينية، حيث أوضح فيها معاناة النساء من بعض القيود ثقافية، والإثنية، وتمكينهم من فرص استخدام التكنولوجيا، ومصادر اكتساب المعرفة مقارنة بالذكور. وتوصلت دراسة (Long and Fox, 1995)إلى أن الجامعة ومراكز البحوث مؤسسات تنظيمية، يجب أن تتمتع بمساواة في نيل الوظيفة لكل من النساء والجماعات الأقلية، موضحة انخفاض درجة المشاركة، وتدني مكانة الباحثات النساء، وضعف إنتاجيتهم العلمية، وضعف الاعتراف بهم من قبل الباحثين الرجال. وفي إطار مناقشة أثر النوع في تمكين البنات من مقومات إنتاج المعرفة العلمية، أفصحت دراسة (Brouns, 2000) عن التحيزات في إجراءات تقييم مخططات البحوث المقدمة للحصول على المنح التمويلية للبحث العلمي بهولندا، حيث انخفضت معدلات حصول البنات على المنح مقابل الذكور، علاوة على معاناتهم من قيود تحد من قدرتهم على التواصل في الدراسة وإنتاج المعرفة. وكشفت دراسة (Mozffarian and Jamali, 2008) عن مواجهة المرأة الإيرانية لتحديات في مجال العلم في البلدان الإسلامية، لاسيما انخفاض مشاركتها في عملية إنتاج المعرفة العلمية. وقام كل من (Peffer, Leong and Strehl, 1977) بإجراء دراسة تحليلية لقياس مفهوم التخصيصية Particulation وتأثيره على الإنتاج العلمي، واختبار مدى تأثير الخصائص الشخصية الموروثة ( كالعرق والخلفية الشخصية، والنوع، والاتصالات الشخصية ) على إنتاج المعرفة العلمية وقرارات الإجازة لنشرها، وقد توصلوا إلى أن ميادين العلوم الإنسانية أكثر تأثرا بمعيار الخصوصية مقارنة بالعلوم الطبيعية. وقام (Long, 1990: 1297-1316) بدراسة لقياس الاختلافات الكمية والنوعية في الإنتاجية العلمية بين الذكور والإناث، بهدف قياس معدل الإنتاجية عبر التاريخ المهني، وقد توصل إلى أن هناك فروقا دالة بين الذكور والإناث فيما يتصل بمعدل النشر المعرفي لصالح الذكور، وقد كشف عن مصادر الفروق النوعية ( بين العلماء الذكور والإناث )، محاولا اختبار تأثيرات نمط التخصص، والأستاذية، والأسرة والزواج على الفروق بين النوعين، وقد توصل إلى انخفاض درجة إسهام العلماء النساء في المشروعات العلمية، وإنتاجيتهم العلمية من حيث النشر العلمي عن قرنائهم من العلماء الذكور، وعلل ذلك بالمسؤوليات الأسرية ورعاية الأطفال. وقد أجرى (Kith et al, 2002: 5) دراسة حول سياق الإنجاز العلمي بهدف قياس تأثير السياق التنظيمي، وحالة النوع، على مخرجات العملية العلمية Scholarship، ومع تثبيت متغير السياق التنظيمي، انتهى الباحثون إلى وجود فروق دالة بين الذكور والإناث حول النشر العلمي، خاصة في السنوات الأولى بعد الحصول على الدكتوراه، ويستمر هذا الفرق على مدار التاريخ المهني وعلى المستوى العربي كشفت دراسة (جودة، 1996: 142) حول الوعي الاجتماعي للباحثين وانعكاساته على المنتج البحثي لدى طلاب الدراسات العليا، ضعف اهتمام البحث العلمي بالقضايا والموضوعات التنموية، وغلبة الأساليب المنهجية التقليدية، وضعف الترابط المنهجي، وسيادة النظريات الغربية على البحث العلمي في إنتاج المعرفة، مع معاناة البنات من صعوبات في عملية إنتاج المعرفة مقارنة بالذكور. وكشفت دراسة (الجرف، 2007: 13) عن صعوبات استخدام الطالبات لمصادر المعلومات الإلكترونية، حيث تبين أن 13% من طالبات الدراسات العليا يستخرجن بعض الأبحاث باستخدام محركات البحث مثلGoogle, Altavista, Yahoo ، وأفادت الطالباتاللاتي يستطعن استخدام محركات البحث، أنهن مبتدئات، ويبحثن فيها باللغة العربية؛ نتيجة ضعف لغتهن الإنجليزية، ولا يستخدم قواعد المعلومات المتخصصة مثل ERIC إلا 4% من طالبات الدراسات العليا، وبدرجة قليلة، كما أشرن إلى أنهن لم يتلقين أي تدريب على البحث الإلكتروني في أي مكان. كما أظهرت نتائج الدراسة الاستطلاعية أن القليل من أساتذة مقررات الدراسات العليا يكلفون الطالباتاستخراج الأبحاث من الإنترنت، ولا يقومون بتدريب الطالباتعلى أي من مصادر المعلومات الإلكترونية. وحتى بعض طالبات الدراسات العليا المتخصصات في الحاسب الآلي، وتقنيات التعليم لا يستطعن استخراج الأبحاث من الإنترنت، وبعض الطالباتفي القسم نفسه لا يستطعن استخدام الحاسب على الإطلاق؛ حيث إن القسم لا يشترط ذلك للالتحاق بالدراسات العليا. أما في مادة ندوة وبحث فيستخدم 3% فقط من الطالباتالإنترنت للحصول على المعلومات. وتمثلت تحديات قدرة الطالبات على البحث في قواعد المعلومات الإلكترونية في: ضعف اللغة الإنجليزية، وعدم إمكانية الاتصال بقواعد المعلومات من الحرم الجامعي، وعدم المعرفة بوجود هذه القواعد في المكتبة المركزية وعدم معرفة كيفية استخدامها، وأبدين رغبتهن الشديدة في التدرب على مهارات البحث الإلكتروني. كما أفصحت دراسة (جودة، 2007: 41) حول السياق الأكاديمي وحالة البحث الجامعي، عن أهمية خطط وبرامج المعدة لإعداد وتأهيل الباحثين للتمكن من إنتاج المعرفة، كما كشفت عن أهمية التسهيلات والخدمات الجامعية، والإشراف العلمي في اكتساب المعرفة العلمية، موضحة بروز عدة تحديات يواجهها الباحثون أثناء اكتساب مهارات إنتاج المعرفة، لاسيما البنات منهم، على رأسها ضعف القدرات والكفايات البحثية، الأمر الذي يقلل من ضمان جودة المنتج المعرفي. وأفصحت الملاحظات المباشرة لأداء الطلاب في عملية إعداد أطروحاتهم عن تعرضهن لتحديات متعددة تتصل: بكيفية وضع مخطط الأطروحة، وسلامة تصميمه، وضعف القدرة على متابعة التراث السابق، لاسيما الأجنبي، والقصور النظري والمنهجي اللازم لمساعدة الطالب على السير في عملية إنتاج المعرفة، علاوة على المهارات المختلفة المساعدة على إمكانية إنتاج المعرفة، علاوة على التحديات الثقافية، وتحديات النوع، والتفرغ الكامل لإعداد الأطروحة. ونتيجة لاستمرار تلك التحديات، لاسيما لدى الإناث، كشفت البيانات الإحصائية المتعلقة بأفواج الطلاب المسجلين في الدراسات العليا بجامعة السلطان قابوس عن تعثر البعض منهم، لاسيما البنات، وانسحاب عدد كبير منهم من الدراسة طواعية من الطالبات، أو الانسحاب بطلب من الجامعة، أو الانسحاب الرسمي بعد التسجيل، أو الحرمان المؤقت، أو التأجيل، ويشكل هذا التسرب من برامج الدراسات العليا عملية هدر في التعليم العالي، الأمر الذي يدعونا إلى محاولة فهم آليات عملية اكتساب المعرفة وإنتاجها لدى الطالبات في قطاع الدراسات العليا، والوقوف على التحديات التي تواجهه. ثالثا: مشكلة البحث وفروضه وأهدافه مشكلة البحث: انطلاقا من المؤشرات السابقة، يمكن للباحث تحديد مشكلة البحث في التساؤل الآتي: ما طبيعة عملية إنتاج المعرفة العلمية واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا بجامعة السلطان قابوس؟ وما التحديات التي تعترضها؟ تساؤلات البحث: للإجابة عن التساؤل الرئيسي، يحاول الباحث الإجابة عن الأسئلة الآتية: 1- ما مصادر اكتساب المعرفة لدى طالبات الدراسات العليا بجامعة السلطان قابوس؟ 2- ما محددات إنتاج المعرفة واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا بجامعة السلطان قابوس؟ 3- ما طبيعة التحديات التي تواجه عملية إنتاج المعرفة واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا بجامعة السلطان قابوس؟ 4- ما المقترحات التي يمكن تفعل من عملية إنتاج المعرفة، وتقلل من الصعوبات التي تواجهها؟ فروض البحث: للكشف عن الشروط المحددة لعملية إنتاج المعرفة لدى طالبات الدراسات العليا، يطرح الباحث الفروض الآتية: 1- مستوى أبعاد ومحددات عملية إنتاج المعرفة العلمية لدى طالبات الدراسات العليا لا تقل عن مستوى 80% عند مستوى دلالة 0.05. 2- تختلف مستويات أبعاد عملية إنتاج المعرفة واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا باختلاف متغيرات: نمط الكلية، ومستوى التفرغ، والمرحلة التي وصل إليها المنتوج البحثي، ومستوى تدريب الطالبات، والحالة الاجتماعية للطالبة. 3- التحديات التي تواجه عملية إنتاج المعرفة واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا لا تزيد عن مستوى 8% كمستوى افتراضي عند مستوى (0.05). 4- تتفاوت درجة التحديات التي تواجه عملية إنتاج المعرفة واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا بتفاوت متغيرات: نمط الكلية، ومستوى التدريب البحثي، والحالة الاجتماعية، والمستوى الدراسي، ومستوى التفرغ للبحث، ومكان الإقامة الدائم للباحثة. أهداف البحث: بناء على التساؤلات المطروحة لتحديد مشكلة البحث، يتبدى الهدف الأساسي للبحث الراهن في: محاولة الكشف عن المحددات الاجتماعية لإنتاج المعرفة العلمية واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا في ظل تصاعد موجات النهوض بتأسيس مجتمع. وعلى ذلك، يمكن عرض الأهداف الفرعية للبحث في الآتي: أ- التعرف على مصادر اكتساب المعرفة ومقومات إنتاجها لدى طالبات الدراسات العليا. ب- الكشف عن التحديات التي تواجه عملية إنتاج المعرف واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا. ج- الوقوف على الشروط الاجتماعية المتحكمة في عملية إنتاج المعرفة لدى طالبات الدراسات العليا. د- محاولة الوصول إلى بعض المقترحات اللازمة لتعزيز فرص طالبات الدراسات العليا حيال اكتساب المعرفة وإنتاجها، أملا في زيادة مشاركاتهن في التقدم الاجتماعي. أهمية البحث: تعود أهمية البحث الراهن إلى: على المستوى النظري، محاولة الوصول إلى مجموعة من النتائج المعرفية المتعلقة بطبيعة عملية إنتاج المعرفة العلمية وشروطها في محاولة لإثراء النظرية العلمية حول المعرفة العلمية وشروطها الاجتماعية. وعلى المستوى التطبيقي، يحاول البحث التوصل إلى مجموعة من النتائج التي يمكن بعد تطبيقها الإفادة في تطوير برامج الدراسات العليا، ومراعاة بعض الشروط الملائمة لتهيئة البيئة الملائمة لإنتاج المعرفة العلمية عموما، ولدى الباحثات الإناث على وجه الخصوص. مفاهيم البحث: يحدد الباحث هنا المفاهيم المحورية للبحث إجرائيا على النحو الآتي: إنتاج المعرفة: يقصد بإنتاج المعرفة العلمية في هذا البحث، العملية التي يتم من خلالها القدرة على الإضافة العلمية إلى رصيد المعرفة القائم من قبل طالبات الدراسات العليا عبر عملية إعداد أطروحة الماجستير باعتبارها منتجا علميا. وتعد عملية توليد المعرفة أو إنتاجها العملية الأرقى ضمن منظومة اكتساب المعرفة، وتمثل المدخل الوحيد للولوج إلى مجتمع المعرفة. اكتساب المعرفة: يقصد باكتساب المعرفة في هذا البحث، العملية التي يتم من خلالها حصول طالبات الدراسات العليا على المعارف المتاحة من المصادر المعرفية المختلفة، والقدرة على توظيفها في توليد معارف جديدة في جميع حقول المعرفة المختلفة ( الطبيعية – البيولوجية – الإنسانية ). محددات إنتاج المعرفة: يقصد بها الشروط الاجتماعية المؤثرة في مستوى القدرة على توليد المعارف واكتسابها من قبل طالبات الدراسات العليا، وحددها الباحث في: برامج التكوين والتأهيل الأكاديمي، ومستوى توافر الخدمات والتسهيلات المكتبية والمعملية، وطبيعة الأنشطة الأكاديمية والعلمية، ونسق الإشراف العلمي الموجه لعملية توليد المعرفة. تحديات إنتاج المعرفة واكتسابها: ويقصد بها، مستوى المتطلبات الواجب توافرها لتوليد المعرفة مثل: توافر القدرات المتعلقة بامتلاك اللغة الأجنبية والقدرة على توظيفها في إنتاج المعرفة، والقدرات والكفايات البحثية اللازمة لتمكين الباحثين من إنتاج المعرفة، طبيعة الخصائص النفسية والأخلاقية للباحثين، وطبيعة المناخ الاجتماعي المحيط بعملية إنتاج المعرفة، والصعوبات المرتبطة بتلك العملية. رابعا: الأدب النظري للبحث أ- الشروط الاجتماعية لإنتاج المعرفة العلمية أكدOgborn على أهمية القاعدة الثقافية لإسهامات العلماء و " تراكمية التكنولوجيا"، كما وجه الانتباه إلي كل من العوامل الذاتية والبنيوية المؤثرة في عملية إنتاج المعرفة الإبداعية مثل: الخيال الإبداعي Creative Imagination للفرد، وظاهرة الإبداع المتغير، والسياق البنائي للجامعات. كما أشار سروكين(Sorokin, 1941) إلى العلاقات الدينامكية بين الثقافة والمجتمع، وبين العلم والاختراعات، موضحاً العوامل البيئية الاجتماعية في معدل الاكتشافات العلمية. وأوضح زنانيكي F.znaniecki في كتابة " الدور الاجتماعي لرجل المعرفة "، إلى تأثيرات الجماعة المحلية والمجتمع علي إبداع المعرفة وابتكارها، وتقدم وانتشار كافة أشكال المعرفة، وقد رأى أن الدور الاجتماعي للباحث يمثل نسق يضم أربعة مكونات متفاعلة معاً هي: الدائرة الاجتماعية للباحث Social circle والمتمثلة في مجموعة الأفراد المتفاعلين معه كمجموعة مرجعية له، والباحث ذاته بخصائصه الفيزيقية والنفسية والاجتماعية، والمكانة الاجتماعية, والوظائف الاجتماعية للباحث (جودة، 2004: 7). وأكد Parsons في كتابة النسق الاجتماعي Social system علي أهمية تنمية وتطوير الدور التخصصي والحرفي للباحثين، ودور الدعامات التنظيمية للجامعات في التقدم العلمي، محددا أربعة قواعد أساسية لإنتاج المعرفة العلمية هي: الشرعية التقليدية، والوضوح والدقة، والتماسك المنطقي بين المفاهيم المنظمة، وعمومية المبادئ، ويري أن كيان المعرفة العلمية محدد بوضوح بالملامح الثقافية النظامية، وقد رأى أن القصور في فنيات الأدوات المهنية تمثل صعوبات قوية تعترض إنتاج المعرفة العلمية و التقدم العلمي،وتؤدي إلي حالة التردد أو التأخر في مسارها؛ لذلك أكد على أهمية اكتساب الباحث لمهارات البحث العلمي، ودور العلماء في تربية وتعليم أجيال من تلامذتهم، مع الابتعاد عن التفضيل الذي لا يعتمد علي الكفاءة العلمية (جودة، 2004: 8). ويمثل المنظور الوظيفي الميرتونىMertonian'sالتأثير الأقوى في مجال علم اجتماع العلم؛ حيث افترض أن العلم منظمة اجتماعية مسئولة عن إنتاج المعرفة العلمية المعتمدة Credited، ويشكل بنائه مستويان هما: بناء معياري، وبناء اجتماعي. وقد حدد النموذج المعياري للعلم في أربعة خصائص من المجموعات النظامية هي: العالمية أو الشمولية Universalism، والمشاعية أو العمومية Communism، والنزاهة، أو اللا مصلحة Disinterestedness، والشك المنظم Organized Skepticism، واعتبر ميرتون تلك المعايير نواميس منهجية ملائمة من الناحية الأخلاقية لإنتاج المعرفة العلمية، علاوة على أنها موجهات قوية للسلوك العلمي إنها باختصار، تعد قيماً وأخلاقيات لمكونات أساسية لدور الباحث تقتضيها ممارسة العلم وإنتاج المعرفة (Merton, 1973: 270-285; Merton, 1968: 604-615). أما البناء الاجتماعي للعلم: يتضمن كلا من البيئة الكبرى والبيئة الصغرى لعملية إنتاج العلم والمعرفة، وتتمثل البيئة الكبرى Macro للعلم في النظم الكبرى للمجتمع، كالسياسة، والاقتصاد، ونظام الطبقة، والوعي الاجتماعي، بينما تمثل البيئة الضيقة للعلم في الوسط الثقافي الذي يضم المناخ الفكري، والمدارس المختلفة للتفكير، والجامعات والأكاديميات، والتقاليد والمعايير التي تحكم هذه السياقات المحلية. وأكد ميرتون على التفاعل والاعتمادية لكل من البيئة الكبرى والصغرى للعلم، وأن الفصل بينهما يؤدى إلى الفهم الضيق للعلم، أي انعزال العلم عن المحيط الاجتماعي كما وضع ميرتون أسس علم اجتماع المجتمعات العلمية من حيث الإنتاج والانتقاء والتوزيع والمعرفة العلمية (Merton. R., 1971: 15). وقد طور ميرتون مقترحه عن طريق وصف معايير عديدة للسلوك المناسب للعلماء، ويعتقد أن العلماء يجب أن يكونوا عالميين Universalistic في أحكامهم على الاستحقاقات الفكرية لبحوث العلماء الآخرون (أي الابتعاد عن الأحكام الإثنية والخصائص الذاتية التي ليس لها علاقة بالفكر مثل العرق أو الدين أو الجنس أو العلاقات الشخصية، أو النواحي العاطفية..الخ، والشهرة أو ما طلق عليها " تأثير الماثيو" Mtthew Effect(Merton, 1968: 56-63)، والاعتراف بالفضل العلمي. وقد رأى ميرتون أن معيار "الاعتراف بالفضل الفكري للآخرين" يساعد على التقدم العلمي؛ ذلك لأن تقدير الآخر يعد مصدر لدافعية العلماء ووسيلة للتدريب على الضبط الاجتماعي في العلم (Stewart, 83: 176). ويفترض هذا المعيار، أنه إذا اختلف العلماء في قيمة مساهماتهم الفكرية فإنه ينبغي أيضا الاختلاف في كمية حصولهم على الاعتراف بفضلهم الفكري؛ وهنا لابد من وجود تمييز على مستوى الإنتاجية والتقدير داخل بناء العلم. ومنح نيدهام متغير " التقاليد العلمية " أهمية في ضبط عملية إنتاج المعرفة العلمية، مركزا على نبذ العناصر الميتافيزيقية، والاهتمام بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية، والنفسية واللغوية للباحثين ومنحها أهمية خاصة كمحددات لإنتاج المعرفة العلمية. وقد أكد على أن التحديات التي تواجه عملية إنتاج المعرفة تتصل بالبنية الاجتماعية بما فيها الأفراد، وعلى رأسها الهيمنة البيروقراطية على مؤسسات إنتاج المعرفة (هاف، 2006: 85 ). وأفصح تحليل بنجامين نيلسون عن أهمية "الجماعة العلمية" وفاعليتها في تحفيز عملية إنتاج المعرفة العلمية، كما أكد على أهمية تفعيل المشاركات بين أعضاء الجماعة العلمية، وإيجاد صيغ قانونية تضمن البيئة الجيدة المهيأة لإنتاج المعرفة العلمية، كما المح إلى أن قصور التقدم العلمي في مختلف الحضارات يعود إلى قصور في المجال الثقافي وليس قصور في التقنية العلمية (توبي أ.هاف: 53). وأشار كل من "جوزيف بن دافيد وساليفان" إلى أهمية دور الباحث ومكانته ضمن الجماعة العلمية في إنتاج المعرفة العلمية، موضحا أن غياب الدور المعترف به من أفراد الجماعة العلمية يؤدي إلى ضآلة فرصة إنتاج وانتقال ونشر المعرفة العلمية(Ben David,99: 10). ويؤكد على أن كل دور اجتماعي إنما ينطوي علي مركب من أدوار مترابطة في علاقتها بالمكانة الفردية؛ فالباحث/ الباحثة كمشارك في دور المجموعة يتفاعل باستمرار مع الآخرين، ولكل منهم دوره الخاص بالنسبة للآخرين، فالعلماء والباحثين ليسوا ممارسين منعزلين في مختبراتهم، وإنما هم ممثلون ثقافيون يستند صميم وجودهم إلي أفراد عديدين، وهم يعاونون المؤسسات في التدريس، أو في فرص البحث من أجل إنتاج المعرفة العلمية ونشرها (David &Sullivan, 1975: 203). وفي إطار تحليل طبيعة السياق الأكاديمي بأبعاده الداخلية وعلاقته بالبيئة الاجتماعية الخارجية، يلفت إزراهى (Ezrahi, 1971: 221-213) الانتباه نحو تأثر النسق الأكاديمي بالبناء الاجتماعي والسياسي المحيط، موضحاً العلاقة القهرية التي تمارسها السلطة السياسية علي النشاطات الأكاديمية والعلمية؛ ومن ثم التأثير على عمليات إنتاج العلم والمعرفة. ويشير إزراهي أيضاً إلي أهمية موقف المجتمع والدولة من العلم ونشاطاته، ومن ثم الباحث العلمي. وأفصح تحليل (Ellis, 1971: 188) عن أشكال الصراع الدائر بين العلم والإدارة والسلطة كمعوقات بنيوية لعملية إنتاج المعرفة العلمية. ومن منظور نقدي، كشف أنصار مدرسة فرانكفورت النقدية (هوركهايمر، وأدورنو، و ماركيوز، وهابرماس) عن انعكاس أزمة البناء الاجتماعي على بنية المؤسسات الأكاديمية وقدرتها على إنتاج المعرفة العلمية، حيث يري (Horkheimer, 1972: 3-9) أن المؤسسة الأكاديمية بنشاطاتها جزء من الإطار الاجتماعي العام، وتتغير بتغيره. كما أكد (Hbermas, 1971: 122-208) علي أنه لا يمكن فهم بنية المؤسسات العلمية وتنظيماتها، وما يدور فيها من ممارسات للعلماء والعلاقات الدائرة بينهم وما يقومون به من إسهامات والوصول إلى نتاجات علمية إلا من خلال فهم العمليات المتضمنة في الحياة اليومية السابقة علي إنتاج العلم والمعرفة. وفي إطار التوجه النقدي، أوضح "رايت ميلز" في كتابه الخيال السوسيولوجي المسئوليات والالتزامات التي تقع على عاتق الباحث العلمي؛ مؤكدا على أن دور الباحث العلمي يختلف باختلاف السياق الاجتماعي والتاريخي، وما يفرزانه من ضغوط وتحديات على النسق الأكاديمي، ومن ثم الباحثين والعلماء. ويؤكد ميلز على مبدأ الالتزام الاجتماعي لدى الباحث العلمي كمحترف في إنتاج المعرفة، وعدم توجيه بحوثه نحو أهداف خاصة، وأن يتجنب الانحراف في العلم قدر استطاعته (ميلز، 1986: 324)؛ وذلك عن طريق الالتزام بمجموعة من الآليات هي: أن يبتعد عن الجدل السوسيولوجى العقيم، وأن يحدد مفاهيمه بوضوح، وأن يستخدم الأسلوب المقارن في شرح البناء الاجتماعي، وأن يدرس الأبنية الاجتماعية العامة التي تنظم الأوساط الصغيرة وألا يدرس كل وسط على حدة، وأن يضع صورة الإنسان تاريخيا نصب عينيه، وألا ينعزل عن التراث العلمي، وألا يفهم المشكلات العامة بالطريقة التي يدركها الفرد وألا يؤثر ذلك على اختياره وتحديده للمشكلات (Mills, 1970 : 129-151). وشخص (Gouldner, 1970: 120-138) أزمة المؤسسة العلمية في علاقتها بالبناء الاجتماعي العام بطريقة راديكالية محللا أدوار الباحث، وطبيعة المؤسسة الأكاديمية، فلم يفصل نقد العلم عن نقد المجتمع، مشيرا إلى ضروب المعاناة والضغوط التي يعانيها الباحثون أثناء عملهم العلمي، وتأثير مكانتهم ضمن الجماعة العلمية على قدراتهم في إنتاج المعرفة العلمية. وربط بيير بورديو إنتاج المعرفة العلمية بمكونات وخصائص الحقل العلمي، مستخدما مفهومي "الهابيتوس habitus" و "الحقل Field" كأدوات للتحليل السوسيولوجي، حيث اعتبر الحقل العلمي مجالا اجتماعيا كغيره من الحقول الأخرى له خصائصه المميزة، فهو في تفاعل وارتباط بالحقول الاجتماعية الأخرى، مع احتفاظه بخصائص نوعية تميزه عن غيره من الحقول الأخرى، وتحدد آليات التفاعل الاجتماعي والأكاديمي بين أعضاء الجماعة العلمية، وكذا آليات الممارسة العلمية وإنتاج العلم والمعرفة (بورديو، ترجمة مغيث: 112– 113). واستنادا إلى مفهوم الهابيتوس " نظام الاستعدادات والتصورات" يرى بورديو أن الرغبة والاستعداد العلمي لدى الباحثين والعلماء داخل الحقل العلمي تمثل حالة الولع، وهى القوى المحركة لجميع أنواع الأفعال والسلوكيات. وقد اعتبر الحقل العلمي أحد أهم حقول رأس المال الرمزي[1]، ويستطيع أي حقل علمي الوصول إلى درجة عالية من الاستقلالية والقدرة على تشكيل قوانين تنظم الأنشطة والأعمال العلمية، وفرض قواعد قادرة على إلزام الباحثين وخضوعهم لشروط المؤسسة، تمكنهم من تحقيق أهدافهم داخل الحقل العلمي عن طريق الالتزام بطرائقه العلمية كما يحددها هو في لحظة معينة، مع استخدام الحوار العلمي القائم على عرض الأدلة لإثبات صحة أو خطأ نظرية ما. (بورديو، ترجمة مغيث: 114)، وهنا يكتسب الحقل العلمي بكل نشاطاته، وباحثيه ما أسماه بورديو المصداقية العلمية، والتي تمكنه بعد ذلك من إعادة استثمارها لإنتاج معارف جديدة، والحصول على المزيد من المصداقية التي يؤدى تراكمها إلى رأس مال رمزي. ويصنف بورديو رأس المال العلمي إلى نوعين: الأول: رأس مال علمي "صاف" والثاني: ورأس مال علمي "مؤسساتي"؛ ومع تراكم رأس المال العلمي، ومن ثم الرمزي يكتسب الحقل العلمي مصداقيته[2]. ويرى بورديون أن بنية العلاقات الموضوعية داخل الحقل العلمي هي التي تتحكم في توجيه التفاعلات بين أعضاء الجماعة العلمية بالحقل، فهي توجه وجهات النظر، وتحدد المداخلات العلمية، وأماكن النشر العلمي، كما أنها تحدد نوعية الأشخاص والباحثين، كما تحدد اهتماماتهم بالموضوعات البحثية، إضافة إلى تحديد الأعمال التي يستطيع الأفراد القيام بها أو عدم القدرة على أدائها (chirley, 1986 : 96). ومن هنا، نلحظ تركيز بورديو على أهمية العلاقة بين السياق الأكاديمي، والبنية التنظيمية، وبيئة الجامعة، والتفاعلات الداخلية للوسط الأكاديمي وما يضمه من نشاطات علمية وعلاقة كل ذلك بعملية إنتاج المعرفة، حيث لفت الانتباه إلى تأثير الصراعات الفكرية، وأهمية المناقشة الجماعية، موضحا الفرق بين وضع المعلم الذي ينقل المعرفة بطريقة نمطية وبين الأستاذ الذي يساعد الطالب على اكتساب المعرفة وإنتاجها. وركز (Kitcher, 2000: s33-39)على أهمية البواعث والاهتمامات الشخصية للعلماء كعوامل محددة للإنتاجية العلمية، بالإضافة إلى متغيرات أخرى هي: القوى البشرية العلمية ( الباحثون والفنيين)، وعمليات التعاون، والمشاركة، والمنافسة، والمكانة والهيبة، والنفوذ، والاهتمامات الاجتماعية، والبناء الطبقي والتكوين الإثني لجماعات العلماء في الحقول العلمية المختلفة، والسيرة الذاتية للباحثين ودورها في تحفيز الاكتشافات العلمية أو عرقلتها. ولفت (Pickering, 1993: 559) الانتباه إلى عملية تشويه الممارسة العلمية داخل النسق الأكاديمي لإنتاج المعرفة، ونظر إليه باعتباره كل متكامل يتكون من جوانب مادية وأخرى إنسانية، يتفاعلان بصورة ديالكتيكية، حيث يؤدى هذا التفاعل إلى إنتاج بنية جديدة بشكل تفاعلي، ويرى أن المكونات المادية لها أهمية تماثل المكونات الإنسانية في إنتاج المعرفة العلمية وتحديد معالم السياق العلمي. وفي نفس السياق طرح كل من " لاتور، وكالون، وولجار"رؤية حيال تحليل أوضاع السياق الأكاديمي، وعلاقته بتطوير مجتمع المعرفة والتكنولوجيا، مفادها أن النسق العلمي بمثابة شبكة اجتماعية فاعلة Actor-Network Theory، تضم مجموعة من العناصر المادية والإنسانية المتكاملة معا، وتتسم بالديناميكية، والانسيابية والتجدد، وتعمل بشكل منظومي، (Fountain, 1999: 339-48).ومن هذا المنطلق، اهتم أنصار النظريةبدراسة المجتمع العلمي، وفهم وتحليل العلاقات البينية بين أعضاءه وتحديد آليات التفاعل والتنشئة الأكاديمية داخله، مبرزين أهمية الإسهامات والحوارات الأكاديمية، وتنسيق الأعمال في تنظيم المشاركات بين أعضاء الجماعة الأكاديمية، ويؤكد (Latour, 1990: 56-57) على أن الحوارات، واللقاءات العلمية، والمؤتمرات، الاقتباسات داخل السياق العلمي، تساهم في تشكيل وإعداد العلماء الصغار وجعلهم أعضاء فاعلين ومساهمين في إنتاج وتأسيس مجتمع المعرفة.(Latour, 1987& Callon, 1986& Fountain, 1999: 339). [1] - يرى بورديو أن " رأس المال الرمزي " يشير إلى القبول أو الاعتراف، أو الاعتقاد بقوة أو بسلطة من يملك مزايا أكثر، أو شكلا من الاعتراف بالشرعية، ومبدأ التميز أو الاختلاف (في الخصائص) ومبدأ الأشكال المختلفة لرأس المال. ويدخل هذا المبدأ في مختلف الحقول، وجميع أشكال السلطة والهيمنة، أو في مختلف أشكال العلاقات (lawley, 2004 : 7) [2] - يرى (فنيك، 2000: 81 – 83) أن مفهوم المصداقية عند بورديو يختلف عن مفهوم الاعتراف، ذلك أن الاعتراف يعد شكلا من أشكال المكافأة، وهو يستند إلى بعد سيكولوجي، تمنحه المؤسسة نتيجة توافق تصرفات الأفراد أو الباحثين مع قواعدها ومبادئها، أما المصداقية فهي رأسمال رمزي يكتسب من أعضاء الجماعة العلمية نتيجة امتلاك صاحبه للسلطة والكفاءة العلمية. إن الشخص داخل هذا الحقل، وبامتلاكه لهذه الخصائص يصبح مرجعية علمية، وتمنحه الجماعة الأكاديمية هذه الصفة وهذه السلطة بناء على الاعتراف الاجتماعي بهذه القدرة، وهى بذلك رأسمال رمزي، ويتم التعرف عليه من خلال مؤشرات ملموسة كاللقب العلمي، والجوائز، والوظائف الأكاديمية، والمسئوليات التي توكل إليه .. الخ. المصدر: ملتقى شذرات
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
مدى, محددات, المعرفة, الدراسات, السلطان, العليا, بجامعة, إنتاج, واكتسابها, طالبات |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع محددات إنتاج المعرفة واكتسابها لدى طالبات الدراسات العليا بجامعة السلطان قابوس | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
غياب السلطان قابوس يثير القلق | عبدالناصر محمود | أخبار عربية وعالمية | 0 | 01-09-2015 02:23 PM |
وفاة السلطان قابوس.. هل تكون الكارثة المقبلة للشرق الأوسط؟ | Eng.Jordan | مقالات وتحليلات مختارة | 0 | 12-16-2014 12:23 PM |
توجيه البحث العلمي في الدراسات العليا في الجامعات السعودية لتلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية | Eng.Jordan | بحوث ودراسات منوعة | 0 | 03-13-2013 03:43 PM |
دليل كتابة خطة البحث لطلبة الدراسات العليا | Eng.Jordan | بحوث ودراسات منوعة | 0 | 01-26-2012 12:29 PM |
مركز تطوير الدراسات العليا و البحوث في العلوم الهندسية | احمد ادريس | المكتبة الهندسية | 0 | 01-20-2012 07:00 PM |