#1
|
||||
|
||||
أسرار التطور العلمي في شبه القارة الهندية
العربي العلمي - العدد 17 - 2013/5 - تحقيق علمي - سناء الصادق زيارة علمية إلى الهند الجمهورية الهندية بلد متقدم تكنولوجيًّا وصناعيًّا, نظام التعليم فيها تحت التاج البريطاني، وهي دولة نووية عظمى, ثورة الاتصالات والبرامجيات فيها في ذروتها حتى سُميت بلد العلماء، واللغة الإنجليزية هي لغة التعامل الرسمية ولغة التعليم في الهند، وحصلت على التصنيف الرابع على مستوى العالم بعد أمريكا، وكندا، وبريطانيا. * لا توجد شركة تكنولوجيا معروفة عالميًّا إلا ولها معهد أو مكتب أو مركز بيانات هناك بهدف أن يتخرج الشاب ليعمل في تلك الشركة * لا يوجد موقع في الهند إلا وتجد فيه معهدًا أو مدرسة أو حتى جامعة، بما يعكس تعطش الشباب الهندي، الفقير في معظمه، إلى الوصول لأعلى المستويات بالدراسة يعيش العالم اليوم حالة تغيير واسعة النطاق، سريعة النتائج، تصل في بعض جوانبها إلى ما يطلق عليه، حقًا لا مجازًا، «ثورة»، بل ثورة شاملة، ليس تكنولوجيًّا فحسب، وإنما أيضًا ثورة معرفية هائلة تشمل عددًا كبيرًا من العلوم وتؤثر في مختلف أبعاد الحياة الإنسانية. ولا تفيد فحسب في عمليات وطرق الإنتاج أو الإدارة والرقابة والتسويق، بل في جوانب أخرى من الحياة الاقتصادية، وتتعداها إلى الجوانب الاجتماعية والسياسية. ويؤكد الكثيرون أنها لم تكتمل بعد، ولن تكتمل قبل نصف قرن من الزمن، وأنها ستُحدث ثورة جديدة يسميها البعض بالموجة الثالثة، تختلف عمقًا واتساعًا وتأثيرًا عن سابقتها، وتتجاوز ما نتحدث عنه في أيامنا هذه عن الثورة المعلوماتية، والاتصالات، وثورة التقنيات البيولوجية، وثورة المواد الجديدة، وعن إمكانات تقنية وإنسانية تبشر بحضارة جديدة ومعرفة جديدة لاتزال في بدايتها؛ وستُحدث تغيرًا جذريًّا في المجتمعات الصناعية، وتبشر بخلق مستقبل بشري جديد، وعالم جديد وحضارة جديدة وثقافة جديدة، وعلاقات إنسانية جديدة، تُمكن الإنسان من الارتقاء بمستوى معيشته وتفجير قدراته وتلبية حاجات لم يطمع إليها من قبل، تؤهله دومًا إلى تحقيق نوعية أفضل لحياته اليومية. هذا ما يحدث حاليًا في العالم الصناعي (الغربي والشرقي)، خاصة الشرقي الذي يعمل جاهدًا لتأمين مستقبل الغد المعرفي والتقني. ولعل جمهورية الهند من أهم الدول التي تنطلق في هذا الاتجاه بسرعة الصاروخ، فنظرًا لمساحتها الجغرافية الهائلة وكونها «شبه قارة»، يلعب التطور العلمي أهمية كبرى في مسيرة النهضة التي تجري في الهند، والتي يتوقع أن تكون إحدى الأربع الكبار للعقد الحالي - روسيا، والصين، والبرازيل، والهند - في مجالات التقدم التكنولوجي والاقتصادي والعلمي، وفي البنى التحتية. فالهند تقوم بتطوير العلوم لتناسب احتياجاتها، ولا تقوم باستيراد العلوم معلبة من الخارج بما لا يتناسب واحتياجات الخطة العشرية التي هي في طور التنفيذ. قمت بزيارة مدينة Tech City في حيدر أباد. لا توجد شركة تكنولوجيا معروفة عالميًّا إلا ولها معهد أو مكتب أو مركز بيانات هناك بهدف أن يتخرج الشاب ليعمل في تلك الشركة. لقد أثبتت الهند، بما لا يدع مجالاً للشك، أن أي قفزة في التعليم والتكنولوجيا والعلوم والبنى التحتية لا يمكن أن تتم إلا بإرادة سياسية جادة وبعيدة تمامًا عن الفساد الذي تعمل الهند على اجتثاثه من مؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الدينية، مستهدفة تطوير الصناعة والزراعة ووسائل النقل بما يتوافق والتطلعات البيئية والظروف المناخية: كاستعمال الغاز الطبيعي لمركبات النقل في المدن، وطاقة الريح والمياه، وبناء أكبر مجمع طاقة شمسية في العالم لتزويد نيودلهي بالطاقة الخضراء بدلاً من توليد الكهرباء بمشتقات البترول، وتقليل انبعاثات الكربون لتقليل التلوث في الجو. المدارس والجامعات تفوق عدد العمارات لا يوجد موقع في الهند إلا وتجد فيه معهدًا أو مدرسة أو حتى جامعة، بما يعكس تعطش الشباب الهندي، الفقير في معظمه، إلى الوصول لأعلى المستويات بالدراسة منذ الفجر والعودة إلى المنزل مساء. فالشخص المجد والمجتهد، ترتفع الأبصار إليه، ولا ينظر إليه بدونية، فهو يتجه إلى «العلم والإتقان» وليس إلى مجرد «المعرفة»، ولا يحتقر العمل اليدوي والتقني. تولي الهند اهتمامًا غير مسبوق بالتكنولوجيا، يدفعه اهتمام النخبة السياسية بالتكنولوجيا في الإلكترونيات والصناعة والزراعة، وكذلك الطب والتجارة. فرخص الأيدي العاملة أعطى فرصة للشباب الهندي للتعرف والاطلاع على مختلف التقنيات - وهي فرصة حرم منها شبابنا، لارتفاع تكلفة الأيدي العاملة من جهة، وعدم انتشار ثقافة الربح التكنولوجي من جهة أخرى، نظرًا لاستمرار الاعتماد على قنوات الربح التقليدية القائمة على التجارة والعقار، والبعيدة عن الصناعة والإنتاجية. لا يمكن بأي حال المضي في المجالات السابق ذكرها دون مشاريع عملاقة، لا في بناء عمارات أكثر ومبان أطول، بل في استثمار المليارات في مشاريع بنى تحتية للمواصلات والاتصالات، بما لا يمكن وصفه بأقل من أنها جبارة. فمشروع الطريق السريع الذي يهدف لوصل الشمال الهندي بجنوبه، والذي سيمر عبر أماكن لا ترى النور بعد حلول الظلام حتى الآن - كما رأيت وشهدت بعد مروري بالباص في رحلة امتدت 7 ساعات في طرق بالكاد تكون معبدة وسط حقول القمح - سيوفر قنوات لمرور السيارات والقطارات والألياف الضوئية للاتصالات، وسيحول هذه الحقول الممتدة إلى مشاريع زراعية حديثة، تنتقل منها المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية إلى مراكز المدن الرئيسية والمرافئ البحرية والجوية خلال ساعات وليس أيام، مقللاً تكلفة الإنتاج والنقل وفرصة فساد الأغذية خلال نقلها، وانتقال المواطنين والمعدات بين مدن الشمال والجنوب في سويعات. الهند والصين والأرز الهجين أثناء حضوري مهمة علمية تابعة لكليتي في مجال تخصصي بحيدر آباد، شاركت خبراء أرز من الهند والفلبين وهم يدرسون تكنولوجيا زراعة الأرز الهجين في الصين. فقد زار وفد من خبراء الأرز في الهند والبرازيل والفلبين ومصر وإندونيسيا محافظة ييهوانج بمقاطعة جيانجشي، الواقعة في شرق الصين، لدراسة أحدث التكنولوجيات المتطورة لزراعة الأرز الهجين التي ابتدعتها الصين. وفي بلدة فونجقانج بالمحافظة، لفتت تكنولوجيا، عرضها المزارعون المحليون، أنظار أعضاء الوفد المتكون من بضعة عشر خبيرًا، يطلق عليها «تربية شتلات الأرز الهجين باستخدام أطباق بلاستيكية»، وتتميز هذه التكنولوجيا برفع إنتاج الشتلات المستخدمة في الزراعة بشكل ملحوظ. يقول رودولفو سوليف توليدو, خبير أرز فلبيني, إنه إذا أراد أحد تعلم أحدث التكنولوجيات لزراعة الأرز الهجين, فلابد أن يذهب إلى الصين، إذ إنها مصدر هذه التكنولوجيات لإنتاج المحاصيل عالية الغلة. كما ذكر لياو جيا خواي, عالم من معهد بحوث الأرز التابع لأكاديمية العلوم الزراعية بالمقاطعة، أن مجموعات من الخبراء الأجانب يزورون المقاطعة كل عام لدراسة أحدث التكنولوجيات في العالم لزراعة الأرز الهجين، عبر المشاركة في دورات تدريبية أو زيارات ميدانية تنظمها الهيئات المعنية الصينية. وأضاف لياو أنه بفضل هذه الدورات التدريبية والزيارات الميدانية المفيدة، شهد إنتاج شتلات الأرز الهجين المستخدمة في الزراعة بالهند ارتفاعًا ملحوظا من نحو 50 كيلوجرامًا لكل مو (15 مو تساوي هكتاراً واحدًا) إلى أكثر من 100 كيلوجرام في السنوات الأخيرة. هكذا تبحث الهند دومًا عن الجديد في التكنولوجيا لتتعلمه وتطوره وتدخله ضمن مناهجها الدراسية في الجامعات، حتى أصبحت الدراسة الجامعية الهندية أفضل خيار للحصول على شهادة قوية تحظى بالاعتراف دوليًّا وعربيًّا، وأكثر تميزًا في جودة التعليم. يبلغ المجموع العام لقبول التخصصات العلمية والأدبية لطلبة الماجستير والدكتوراه 55 في المائة فما فوق، ويبدأ العام الدراسي عادة في شهر 7 أو 8 وينتهي في شهر 3 أو 4 من العام التالي، حيث تجري امتحانات نهاية العام. وتتبع أغلب الجامعات نظام التعليم السنوي، حيث تنقسم السنة الدراسية إلى فصلين أو ثلاثة. يبدأ موعد التقديم بالنسبة للماجستير من الشهر الثاني أو الثالث من العام، حسب الجامعة، ويستمر حتى آخر شهر 8، وأحيانا قبل ذلك. أما بالنسبة للدكتوراه، فيمكن التقديم في أي وقت خلال السنة. تبلغ مدة دراسة الماجستير عامين، وتنقسم إلى أربع كورسات، يضم كل منها خمس مواد تقريبًا، ما عدا الكورس الرابع فهو بحث. أما الدكتوراه فتتراوح بين عامين إلى ثلاثة أعوام. أنظمة جامعية رائدة يوجد حاليًا في الهند 229 جامعة ومعهدًا، تنقسم إلى ثلاثة أنظمة: 1 - جامعات الولايات: وهي الجامعات التي تضم عددًا كبيرًا من الكليات ذات التخصصات المختلفة، وعادة ما تتبع ولاية بعينها. حاكم الولاية هو مستشار للجامعة أو المعهد، ونائب المستشار هو رئيس الجامعة. تمنح الكليات درجة البكالوريوس، وتقوم أقسام الجامعة الأم بالتدريس على مستوى الدراسات العليا لمنح درجتي الماجستير والدكتوراه. 2 - الجامعات الموحدة (المركزية): وهي الجامعات التي تشارك في إداراتها الحكومة المركزية، حيث يقوم رئيس الدولة بترشيح المستشارين لهذه الجامعات، ويكون رئيس الدولة رئيسًا فخريًّا (زائرًا) لها. لا تضم هذه الجامعات كليات، وإنما أقسامًا علمية، وتمنح درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ودكتوراه فلسفة العلوم. 3 - الجامعات ومعاهد البحوث المتخصصة: وهي الجامعات أو المعاهد التي تختص في دراسة مجال محدد بعينه: مثل الزراعة، والهندسة، والهندسة التقنية، والطب. تضم هذه الجامعات أكثر من 8000 كلية، ويزيد عدد طلابها على خمسة ملايين. تتوزع الجامعات والمعاهد والكليات التابعة لها حسب التخصصات العلمية كالتالي: - الجامعات التقليدية: بالإضافة إلى أقسام الجامعات الموحدة، توجد أكثر من 1000 كلية للآداب، والعلوم، والتجارة، والدراسات الاجتماعية والإنسانية، واللغات، والعلاقات الدولية. وتمنح درجة البكالوريوس في مدة ثلاث سنوات، ودرجة الماجستير في مدة سنتين، وتتراوح درجة الدكتوراه بين سنتين وثلاث سنوات؛ في حين تتبع بعض الجامعات نظام «فلسفة الماجستير» في أي مادة معنية من هذه التخصصات فقط. - الجامعات الزراعية: إضافة إلى أقسام الجامعات المتخصصة، توجد 34 جامعة تتبعها 170 كلية لمنح درجة بكالوريوس الزراعة والتخصصات ذات الصلة، مثل: علوم الغابات، والأسماك، والعلوم البيطرية، وعلوم الحدائق والبستنة. وتمنح الكليات درجة البكالوريوس خلال ثلاث أو أربع سنوات، حسب الكلية؛ وتمنح الدرجات العليا في الجامعات المتخصصة. - الجامعات التقنية والهندسية: توجد في الهند 18 جامعة متخصصة في العلوم الهندسية والتقنية، و6 معاهد تكنولوجية، و438 كلية هندسة لمنح درجة بكالوريوس خلال أربع سنوات، ماعدا الهندسة المعمارية التي تمتد لخمس سنوات. والجامعات المتخصصة تمنح درجة الماجستير في مدة تتراوح بين سنة ونصف إلى سنتين، ودرجة الدكتوراه بين سنتين وثلاث سنوات. والجدير بالذكر أنه لا توجد درجة «فلسفة الماجستير» بالنسبة للعلوم الزراعية والهندسية والطبية؛ حيث يتأهل الطالب الحائز على درجة الماجستير إلى درجة الدكتوراه مباشرة. - الجامعات الطبية: إضافة إلى 14 جامعة لتدريس الطب بأنواعه وتخصصاته، توجد كليات عديدة لدراسة العلوم الطبية، وتُوزع حسب التخصصات العلمية كالتالي: 151 كلية للطب، تمنح بكالوريوس الطب والجراحة، ومدة الدراسة أربع سنوات ونصف وسنة للتدريب بالمستشفيات، أما الدكتوراه مثلها مثل الهندسة والماجستير فمدتها 3 سنوات؛ 68 كلية لطب الأسنان، تمنح درجة البكالوريوس في أربع سنوات، وسنة للتدريب بالمستشفيات؛ 126 كلية صيدلة، تمنح البكالوريوس في أربع سنوات؛ 62 كلية تمريض. وتختلف الدرجة العلمية ومدة الدراسة من كلية لأخرى. وفي جميع التخصصات، يتطلب من المتقدم أن تكون شهادته العلمية تضم دراسة الفيزياء، والكيمياء، والأحياء. - إدارة الأعمال: توجد 305 كليات ومعاهد متخصصة، بالإضافة إلى 6 معاهد متخصصة في الإدارة. وهي مراكز للدراسات العليا. وتمنح درجة البكالوريوس في سنتين أو ثلاث، ودرجة الماجستير في سنتين. الأوطان لا تبنى بالكلام إضافة إلى الكم الهائل من الجامعات والمعاهد، توجد مراكز عدة للأبحاث العلمية والصناعية، منها: «مركز بابا للأبحاث الذرية»، و«المركز الهندي للأبحاث الزراعية»، و«المركز الهندي لأبحاث العلوم الاجتماعية»، وكلها تابعة لنظام الجامعات الهندية، وتمنح الفرصة لدراسة الدكتوراه وما فوقها. أما في مجال الأبحاث الفضائية، فهناك عدة هيئات ومؤسسات متخصصة تضم آلاف العلماء والباحثين في علوم الفضاء. ولعل أهمها وأشهرها «هيئة أبحاث الفضاء الهندية». ويمكن تتبع معظم الأبحاث الحديثة في الهند من خلال العالم ميترا الذي أجرى العديد من الاختبارات الصوتية على الأيونوسفير بتطبيق آلية الراديو الأرضي في عشرينيات القرن الماضي في كلكتا تحديدًا؛ ولاحقًا، هناك علماء هنود مثل سي. في. رامان ومگناد ساها وغيرهم، توجهوا إلى العلوم الفضائية الإدارية التطبيقية في المجالات الفلكية. وخلال الفترة التالية لعام 1945، أصبحت العلوم الفلكية الهندية في حالة تطور وتقدم مهم. أما البحوث الفضائية، فكان رأس حربتها عالمان هما فيكرام ساراباهي - المنشئ لمركز البحوث الفيزيائية في أحمد آباد، وهومي باهباها. ------------------- * أستاذة بكلية الزراعة، جامعة الإسكندرية – كاتبة علمية مصرية. المصدر: ملتقى شذرات
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
أسرار, التطور, العلمي, الهندية, القارة, شبه |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع أسرار التطور العلمي في شبه القارة الهندية | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قراءة في التطور التاريخي لنظرية صدام الحضارات | Eng.Jordan | بحوث ودراسات منوعة | 0 | 01-15-2016 08:50 AM |
القاعدة تنشأ فرع لها في "شبه القارة الهندية" | عبدالناصر محمود | أخبار منوعة | 0 | 09-05-2014 06:37 AM |
الجماعة الإسلامية في شبه القارة الهندية | عبدالناصر محمود | المسلمون حول العالم | 0 | 05-17-2014 07:08 AM |
التطور التكنولوجي في الصنعة | Eng.Jordan | بحوث ودراسات منوعة | 1 | 03-12-2013 10:31 PM |
من ملامح التطور اللغوي في العربية -الضميــر | Eng.Jordan | دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية | 0 | 07-01-2012 01:02 PM |