#1  
قديم 05-12-2014, 07:40 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة الكشف في المعتقد الصوفي


الكشف في المعتقد الصوفي*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

13 / 7 / 1435 هــ
12 / 5 / 2014 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_3855.jpg



إذا كانت بعض المذاهب والتيارات والأفكار الفلسفية الغربية الحديثة قد غالت في النفعية والمادية, وأسرفت في إشباع متطلبات الجسد والنفس البشرية, فإن بعض الطرق الصوفية قد غالت في إرهاق الجسد باسم مجاهدة النفس وإزالة أدرانها للوصول إلى مرحلة الكشف التي يطمحون إليها, مخالفين بذلك وسطية الإسلام الذي جاء يوازن بين متطلبات الجسد والروح.

جاء في الحديث الصحيح عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضى الله عنهما - قَالَ: (كُنْتُ أَصُومُ الدَّهْرَ وَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ - قَالَ - فَإِمَّا ذُكِرْتُ لِلنَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم- وَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَىَّ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِى : أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ . قُلْتُ بَلَى يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ. قَالَ : فَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ . قُلْتُ يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنِّى أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ : فَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) صحيح مسلم برقم 2787

وفي هذا التقرير سيكون التركيز - بإذن الله تعالى - على موضوع الكشف عند الصوفية, من خلال التعريف به و بحقيقته وأنواعه, وكيف أن الصوفية خرجوا به عن حجمه الطبيعي في الإسلام إلى الغلو والتطرف حتى اعتبروه مصدرا للتلقي, وما هو رد علماء أهل السنة والجماعة على أمثال هذه الشطحات.

تعريف الكشف
----------

الكشف لغة: رفع الشيء عما يواريه ويغطيه, تقول كشفت الشيء كشفا أي: أظهرته.

واصطلاحا: هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الحقيقة وجودا وشهودا.

ويزعم الصوفية أن من أهم الحجب الظلمانية التي تحول بين القلب ورؤية الحقائق – عن طريق الكشف طبعا - هي الشهوات وعلائق الدنيا, بل ورؤية الإنسان لنفسه وإحساسه بأنه موجود, فلا بد للصوفي لتنقشع الحجب الظلمانية المسدلة على عين قلبه أن يتطهر من شوائب الحس وأدران المادة, وأن يسلك ما يسمونه "سبل المجاهدة", حتى يدرك القلب الحقائق العلوية والسفلية, ويصل إلى مرحلة الكشف الذي يبدأ بالمحاضرة – أي حضور القلب مع الحق سبحانه وتعالى – وينتهي بالمشاهدة البصرية للملائكة والأنبياء واللوح المحفوظ وغير ذلك من الأمور, وهي أقصى مراتب الكشف, الذي لا يقتصر على الأمور الكونية فحسب, بل يشمل الأحكام الشرعية كذلك, والتي يدعي بعض الصوفية تلقيها شفاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخضر أو غيره من خلال الكشف.

منزلة الكشف عند الصوفية
-------------

يعتقد الصوفية أن الكشف هو الحق واليقين المطابق للصواب, بينما النص – من الكتاب أو السنة الظاهر – قد يرد عليه ما يجعله بخلاف الحق واليقين, فقدموا الكشف على النص, شأنهم في ذلك شأن من قدم العقل على النقل من المتكلمين كالمعتزلة وأمثالهم في العصر الحديث, أو قدم قول من يظنه من الأئمة المعصومين من الرافضة على قول رب العالمين والأنبياء والمرسلين.

ومن أجل ذلك فرق الصوفية بين علم المكاشفة وعلم المعاملة, فعلم المعاملة ما استند إلى العقل وأنظاره واستدلالاته والعلوم التي تعتمد على التجربة والحس, والصوفية لا يعتمدون على شيء من ذلك في تحصيل علومهم, فالقلب هو أداة معرفتهم كما يقول أبو الوفا التفتازاني, حيث يأخذون أنفسهم بتطهيره من الشوائب والأدران, لتنكشف لهم الحجب ويصبحون قادرين على إدراك الحقائق.

أضف إلى ذلك أن الكشف عند الصوفية أرقى مناهج المعرفة وأعلى درجات اليقين, فازدروا لذلك العلوم الاستدلالية جميعها, وعزفوا عن العلم وطلب الحديث وكتابته, يقول الداراني: (إذا طلب الرجل الحديث أو تزوج أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا) (1)

وقد وصل الأمر بالصوفية إلى التحذير والتشنيع بأصحاب العلوم التعاملية, حيث يوصي إبراهيم الدسوقي مريديه بقوله: (ومقصودي لجميع أولادي أن يكونوا ذائقين لا واصفين, وأن يأخذوا العلوم من معادنها الربانية لا من الصدور والطروس ...) (2), ثم جاء كلام ابن عربي ليزيد خصومة الصوفية للعلوم التعاملية بقوله: (وما خلق الله أشق ولا أشد من علماء الرسوم على أهل الله المختصين بخدمته, العارفين به من طريق الوهب الإلهي, الذين منحهم أسراره في خلقه, وفهمهم معاني كتابه وإشارات خطابه, فهم لهذه الطائفة مثل الفراعنة للرسل ..) (3)

أنواع الكشف عند الصوفية
--------------

يشمل الكشف عند الصوفية الأمور الكونية والشرعية كما سبق, كما أنه ينقسم إلى رؤية الأنبياء والأولياء يقظة بعد موتهم, ورؤية الخضر, والرؤى المنامية, والفراسة والهواتف والمعاريج والإسراءات, والإطلاع على المغيبيات بعين البصيرة أو بعيني البصر.

يقول السهروردي : ( ...وقد يتجرد للذاكر الحقائق من غير لبسة الخيال, فيكون ذلك كشفا وإخبارا من الله تعالى إياه, ويكون ذلك بالرؤية تارة وتارة بالسماع, وقد يسمع في باطنه, وقد يطرق ذلك من الهواء لا من باطنه كالهواتف ..) (4)

وهناك تقسيم آخر للكشف عند ابن عربي وهو:

· الكشف العقلي: وبه تنكشف المعاني الععقولات وتظهر أسرار المكنونات ويسمى أيضا بالكشف النظري.

· الكشف السري: ويكشف عن أسرار المخلوقات وحكمة خلق الموجودات ويسمى إلهاما.

· والكشف القلبي: وفيه تنكشف أنواع مختلفة خاصة بالمشاهدة.

· الكشف الروحي: ويشمل الكشف عن الجنات والجحيم والمعاريج والإسراءات الروحية, ورؤية الملائكة, وإذا صفا بالكلية تظهر العوالم غير المتناهية, ويرتفع حجاب الزمان والمكان, ويحصل الاطلاع على أخبار الماضي والمستقبل والأمور الخفيات.

· الكشف الصفي: وهو أن ينكشف الله تعالى إما بالجلال أو الجمال على حسب المقامات والحالات, ويسمى أيضا كشفا حقانيا, فإن انكشف بصفة العالمية تظهر العلوم الدينية, وإن انكشف بصفة السمعية يظهر استماع الكلام والخطاب, وإن انكشف بصفة الجمال يظهر شوق شهود الجمال وهكذا. (5)

ثم إن هذه المكاشفات تكون في ثلاثة أحوال هي: حالة النوم وحالة اليقظة وحالة متوسطة بينهما, ويدخل في الحالة الأولى الرؤى المنامية والهواتف, بينما يدخل في الحالة الثانية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم والخضر والفراسة والكشف الحسي أو الصوري, في حين يدخل في الحالة الثالثة المعاريج والإسراءات.

وسنكتفي في هذا التقرير بالكشف من خلال رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة بعد موته كما يدعي بعض الصوفية, حيث يعتبرون ذلك من أوثق المصادر التي يستقي منها الصوفية علومهم ومعارفهم.

ومن يطالع كتب الصوفية ومراجعهم المعتمدة يراها مترعة بذكر ما تم بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم من السؤالات والمباحثات والمصافحات والمبايعات وغير ذلك, وقد نص على الأخذ والاستمداد منه صلى الله عليه وسلم غير واحد من الصوفية كالغزالي الذي يقول: (..حتى إنهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون أصواتهم ويقتبسون منهم فوائد) (6), وكالشعراني الذي أخبر أن جماعة باليمن يشغلون المريد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا يزال يكثر منها حتى يصير يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة ومشافهة, ويسأله عن وقائعه, كما يسأل المريد شيخه من الصوفية, وأن مريدهم يترقى بذلك في أيام قلائل, ويستغني عن جميع الأشيخ بتربيته صلى الله عليه وسلم" (7).

ويدعي الصوفية أنهم يأخذون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال الكشف ما يلي:
--------------------------------------------------

1- الأوراد والأدعية والأذكار وما لها من خصائص وفوائد وآثار.

2- مناقب الشيوخ وطرائقهم وأتباعهم وما يدخل في هذا المعنى من تباري كل واحد منهم بأفضلية أتباعه وعلو منزلة طريقته على غيرها من الطرق.

3- تفسير بعض الآيات القرآنية وتصحيح الأحاديث وأخذ الأحكام الشرعية. (8)

وعن درجات رؤية النبي صلى الله عليه وسلم كثر خلاف الصوفية حول إمكانية رؤيته صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده, أم بروحه المتشكلة بصورة بدنه الشريف, أو بمثاله على التحقيق ..الخ, كما اختلفوا في أحوال الرائي له: هل يراه بعين البصر أو البصيرة؟ فبعضهم قال بالرؤية القلبية لا البصرية, وبعضهم من أوصلها إلى الرؤية البصرية. (9)

ورغم أن الذين قالوا بالرؤية البصرية نفوا أن يترتب على تلك الرؤية اقتضاء الصحبة, حيث أن من شرط الصحبة الرؤية في عالم الملك, بينما هذه الرؤية واقعة في عالم الملكوت, فإنه يفهم من عبارات بعضهم اقتضاء الصحبة على هذه الرؤية, كقول ابن عربي مثلا: (ومن كان من الصالحين ممن كان له حديث مع النبي صلى الله عليه وسلم في كشفه, وصحبة في عالم الكشف والشهود وأخذ عنه, حشر معه يوم القيامة, وكان من الصحابة الذين صحبوه في أشرف المواطن ..) (10)

حقيقة الكشف عند أهل السنة والجماعة

لقد رد شيخ الإسلام ابن تيمية على غلو الصوفية في مسألة الكشف, وبين أن ما يحصل من نوع المكاشفة للإنسان ثلاثة أصناف: ملكي ونفسي وشيطاني, فما كان من الملك ومن قلب المؤمن فهو حق, وما كان من الشيطان ووسوسة النفس فهو باطل.

وقد مثل شيخ الإسلام الكشف الشرعي بما كان يحدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه, مستشهدا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قد كان في الأمم قبلكم محدثون, فإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر) (11)

كما ذكر الكشف البدعي والذي يكون سببه الجن والشيطان, منبها أن كل من كان من أهل الكشف لم يكن أفضل من عمر رضي الله عنه, وبالتالي فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسنة تبعا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا أن يجعل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم تبعا لما ورد عليه, وظنوا أن كشفهم يغنيهم عن اتباع العلم المنقول. (12)

وقد ذكر شيخ الإسلام أنه بالرغم من نص الحديث الصحيح الذي يجعل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه محدث ومخاطب, إلا أنه كان يعرض ما يقع له من كشف على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, فتارة يوافقه فيكون ذلك من فضائل عمر وموافقاته لما نزل من القرآن غير مرة, وتارة يخالفه فيرجع عنه رضي الله عنه كما حصل يوم الحديبية. (13)

و في الختام يمكن القول: أن الصوفية قد غالت كثيرا في مسألة الكشف, وخرجت به عن جادة الصواب والحق, إلى الشطط والغلو الذي نهى عنه الإسلام, وأن الحق - في مسألة الكشف وغيره - ما كان متوافقا مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج الإسلام الوسطي الذي لا إفراط فيه ولا تفريط, قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا...} البقرة/143

ـــــــــــــــ

الفهارس

(1) إحياء علوم الدين 1/61

(2) طبقات الشعراني 1/172

(3) الفتوحات المكية 1/279

(4) عوارف المعارف 5/128

(5) أضواء على التصوف د . طلعت غنام ص 156

(6) المنقذ من الضلال ص140

(7) الأنوار المقدسية ص19-20

(8) الفتوحات المكية 3/50

(9) انظر تفصيل ذلك في كتاب : مصادر التلقي عند الصوفية عرضا ونقدا 238 وما بعدها .

(10) الفتوحات المكية 3/50

(11) صحيح البخاري باب مناقب عمر 3/1349

(12) الفتاوى 10/613 و 13/74 و 8/351

(13) ) الفتاوى 11/205 وانظر تفصيل ذلك في : موقف ابن تيمية من الصوفية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المعتقد, الصوفي, الكشف


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الكشف في المعتقد الصوفي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشريعة والحقيقة في المعتقد الصوفي عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 04-28-2014 07:30 AM
أركان الإسلام في المعتقد النصيري عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 04-22-2014 08:16 AM
عقيدة الجفر في المعتقد الشيعي عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 04-16-2014 07:55 AM
الكشف والمشاهدة في المعتقد الصوفي عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 03-29-2014 07:44 AM
المسيح المنتظر في المعتقد اليهودي عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 09-26-2013 07:53 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:25 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59