#1  
قديم 04-10-2012, 09:36 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي حمل كتاب صيد الخاطر ...لابن قيم الجوزي




حمل الكتاب من المرفقات



----------------------------



من المحتوى






تأليف
أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بنالجوزي
· مقدمة
الحمد لله حمداً يبلغ رضاه وصلى الله على أشرف من اجتباهوعلى من صاحبه ووالاه وسلم تسليماً لا يدرك منتهاه‏.‏
لما كانت الخواطر تجول في تصفح أشياء تعرض لها ثم تعرض عنها فتذهبكان من أولى الأمور حفظ ما يخطر لكيلا ينسى‏.‏
وقد قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ قيدوا العلم بالكتابة‏.‏
وكم قد خطر لي شيء فأتشاغل عن إثباته فيذهب فأتأسف عليه‏.‏
ورأيت من نفسي أنني كلما فتحت بصر التفكر سنح له من عجائب الغيب مالم يكن في حساب فأنثال عليه من كثيب التفهيم ما لا يجوز التفريط فيه فجعلت هذاالكتاب قيداً - لصيد الخاطر - والله ولي النفع إنه قريب مجيب‏.‏
· فصل : تفاوت الناس في تقبل المواعظ
قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة ، فإذاانفصل عن مجلس الذكر عادت القساوة و الغفلة ! فتدبرة السبب في ذلك فعرفته .
ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك ، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفتهمن اليقظه عند سماع الموعظة و بعدها ، لسببين :
أحدهما : أن المواعظ كالسياط، و السياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت و قوعها .
و الثاني : أن حالةسماع المواعظ يكون الإنسان فيها مزاح العلة ، قد تخلى بجسمه و فكره عن أسباب الدنيا، و أنصت بحضور قلبه ، فإذا عاد إلى الشواغل اجتذبته بآفاتها ، وكيف يصح أن يكونكما كان ؟ .
و هذه حالة تعم الخلق إلا أن أرباب اليقظة يتفاوتون في بقاءالأثر :
فمنهم من يعزم بلا تردد ، و يمضي من غير التفات ، فلو توقف بهم ركبالطبع لضجوا ، كما قال حنظلة عن نفسه : نافق حنظلة ! و منهم أقوام يميل بهم الطبعإلى الغفلة أحياناً ، و يدعوهم ما تقدم من المواعظ إلى العمل أحياناً ، فهمكالسنبلة تميلها الرياح ! و أقوام لا يؤثر فيهم إلا بمقدار سماعه ، كماء دحرجته علىصفوان .
· فصل : جواذب النفس بين الدنيا و الآخرة
جواذب الطبع الى الدنيا كثيرة ،ثم هي من داخل ، و ذكر الآخرة أمر خارج عن الطبع من خارج و ربما ظن من لا علم له أنجواذب الآخرة أقوى ، لما يسمع من الوعيد في القرآن ، و ليس كذلك ، لأن مثل الطبع فيميله إلى الدنيا ، كالماء الجاري فإنه يطلب الهبوط ، و إنما رفعه إلى فوق يحتاج إلىالتكلف .
و لهذا أجاب معاون الشرع : بالترغيب و الترهيب يقوي جند العقل . فأما الطبع فجواذبه كثيرة ، و ليس العجب أن يغلب ! إنما العجب أن يغلب .

· فصل : البصر في العواقب
من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها ،نال خيرها ، و نجا من شرها . و من لم ير العواقب غلب عليه الحسن ، فعاد عليه بالألمما طلب منه السلامة ، و بالنصب ما رجا منه الراحه .
و بيان هذا في المستقبل، يتبين بذكر الماضي ، و هو أنك لا تخلو ، أن تكون عصيت الله في عمرك ، أو أطعته . فأين لذة معصيتك ؟ و أين تعب طاعتك ؟ هيهات رحل كل بما فيه !
فليت الذنوب إذتخلت خلت !
و أزيدك في هذا بياناً مثل ساعة الموت ، و انظر إلى مرارةالحسرات على التفريط ، و لا أقول كيف تغلب حلاوة اللذات ، لأن حلاوة اللذات استحالتحنظلا ، فبقيت مرارة الأسى بلا مقاوم ، أتراك ماعلمت أن الأمر بعواقبه ؟ فراقبالعواقب تسلم ، و لا تمل مع هوى الحسن فتندم .

· فصل : متاع الغرور
من تفكر بعواقب الدنيا ، أخذ الحذر ، و من أيقن بطولالطريق تأهب للسفر . ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثم ينساه ، و يتحقق ضرر حال ثميغشاه ! و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه.
تغلبكنفسك على ما تظن ، و لا تغلبها على ما تستيقن . أعجب العجائب ، سرورك بغرورك ، وسهوك في لهوك ، عما قد خبىء لك . تغتر بصحتك و تنسى دنو السقم ، و تفرح بعافيتكغافلاً عن قرب الألم . لقد أراك مصرع غيرك مصرعك ، و أبدى مضجع سواك ـ قبل الممات ـمضجعك . و قد شغلك نيل لذاتك ، عن ذكر خراب ذاتك :
كأنكلم تسمع بأخبار من مضى و لم تر في الباقين مايصنع الدهر
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم محاها مجال الريح بعدك و البقر !
كم رأيت صاحب منزل ما نزل لحده ، حتى نزل ! و كم شاهدت والي قصر وليهعدوه لما عزل ! فيا من كل لحظة إلى هذا يسري ، و فعله فعل من لا يفهم لو لا يدري ...
و كيف تنام العين و هي قريرة ؟ و لم تدر من أيالمحلين تنزل؟

· فصل : الحزر طريق السلامة
من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة . و من ادعىالصبر ، و كل إلى نفسه .
و رب نظرة لم تناظر ! و أحق الأشياء بالضبط و القهر : اللسان و العين . فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى ، مع مقاربة الفتنة ،فإن الهوى مكايد .
و كم من شجاع في صف الحرب اغتيل ، فأتاه ما لم يحتسب ممنيأنف النظر إليه ! و اذكر حمزة مع و حشي .
فتبصر و لاتشم كل برق رب برق فيه صواعق حين
و اغضضالطرف تسترح من غرام تكتسي فيه ثوب ذل و شين
فبلاء الفتى موافقه النفس و بدء الهوى طموح العين

· فصل : لا تأخذك العزة بالاثم
أعظم المعاقبةألا يحس المعاقب بالعقوبة . و أشد من ذلك نفع السرور بما هو عقوبة ، كالفرح بالمالالحرام ، و التمكن من الذنوب . و من هذه حاله ، لا يفوز بطاعة . و إني تدبرت أحوالأكثر العلماء و المتزهدين فرأيتهم في عقوبات لا يحسون بها و معظمها من قبل طلبهمللرياسة .
فالعلم منهم ، يغضب إن رد عليه خطؤه ، و الوعظ متصنع بوعظه ، والمتزهد منافق أو مراء . فأول عقوباتهم ، إعراضهم عن الحق شغلا بالخلق . و من خفيعقوباتهم ، سلب حلاوة المناجاة ، و لذة التعبد إلا رجال مؤمنون ، و نساء مؤمنات ،يحفظ الله بهم الأرض ، بواطنهم كظواهرهم ، بل أجلى ، و سرائرهم كعلانيتهم ، بل أحلى، و هممهم عند الثريا ، بل أعلى .
إن عرفوا تنكروا ، و إن رئيت لهم كرامة ،أنكروا . فالناس في غفلاتهم ، و هم في قطع فلاتهم ، تحبهم بقاع الأرض ، و تفرح بهمأملاك السماء . نسأل الله عز و جل التوفيق لاتباعهم ، و أن يجعلنا من أتباعهم .

· فصل : كمال العقل
من علامة كمال العقل : علو الهمة ! و الراضي بالدوندنيء ! !
و لم أر في عيوب الناس عيباً كنقصالقادرين على التمام


· فصل : يحبهم و يحبونه
سبحان من سبقت محبته لأحبائه ، فمدحهم على ما وهبلهم ، و اشترى منهم ما أعطاهم ، و قدم المتأخر من أوصافهم ، لموضع إيثارهم ، فباهىبهم في صومهم ، و أحب خلوف أفواههم . يا لها من حالة مصونة لا يقدر عليها كل طالب ! و لا يبلغ كنه وصفها كل خاطب .

· فصل : ضع الموت نصب عينيك
الواجب على العاقلأخذ العدة لرحيله ، فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه ، و لا يدري متى يستدعى ؟
و إني رأيت خلقاً كثيراً غرهم الشباب ، و نسوا فقد الأقران ، و ألهاهم طولالأمل .
و ربما قال العالم المحض لنفسه : أشتغل بالعلم اليوم ثم أعمل بهغداً ، فيتساهل في الزلل بحجة الراحة ، و يؤخر الأهبة لتحقيق التوبة ، و لا يتحاشىمن غيبة أو سماعها ، و من كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع .
و ينسى أن الموتقد يبغت . فالعاقل من أعطى كل لحظة حقها من الواجب عليه ، فإن بغته الموت رؤىمستعداً ، و إن نال الأمل ازداد خيراً .

· فصل : من أعمالكم سلط عليكم
خطرت لي فكرةفيما يجري على كثير من العالم من المصائب الشديدة ، و البلايا العظيمة ، التيتتناهى إلى نهاية الصعوبة فقلت : سبحان الله ! إن الله أكرم الأكرمين ، و الكرميوجب المسامحة .
فما وجه هذه المعاقبة؟
فتكفرت ، فرأيت كثيراً منالناس في وجودهم كالعدم ، لا يتصفحون أدلة الوحدانية ، و لا ينظرون في أوامر اللهتعالى و نواهيه ، بل يجرون ـ على عاداتهم ـ كالبهائم .
فإن وافق الشرعمرادهم و إلا فمعولهم على أغراضهم . و بعد حصول الدينار ، لا يبالون ، أمن حلال كانأم من حرام . و إن سهلت عليهم الصلاة فعلوها ، و إن لم تسهل تركوها . و فيهم منيبارز بالذنوب العظيمة ، مع نوع معرفة الناهي . و ربما قويت معرفة عالم منهم ، وتفاقمت ذنوبه ، فعلمت أن العقوبات ، و إن عظمت دون إجرامهم . فإذا وقعت عقوبة لتمحصذنباً صاح مستغيثهم : ترى هذا بأي ذنب ؟ و ينسى ما قد كان ، مما تتزلزل الأرض لبعضه .
و قد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب ، و لا يدري أن ذلك لإهماله حقالله تعالى في شبابه . فمتى رأيت معاقباً ، فاعلم أنه لذنوب .

· فصل : المقارنة بين علماء الدنيا و علماء الآخرة
تأملت التحاسد بين العلماء ، فرأيت منشأه من حب الدنيا ، فإن علماء الآخرةيتوادون و لا يتحاسبون ، كما قال عز و جل : و لا يجدون في صدورهمحاجة مما أوتوا.
و قال الله تعالى : والذين جاؤوامن بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل فيقلوبنا غلاً للذين آمنوا.
و قد كان أبو الدرداء : [ يدعو كل ليلة منإخوانه ] .
و قالالإمام أحمد بن حنبللولدالشافعي: [ أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت ***** ] .
و الأمر الفارق بين الفئتين : أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها ،و يحبون كثرة الجمع و الثناء . و علماء الآخرة ، بمعزل من إيثار ذلك ، و قد كانوايتخوفونه ، و يرحمون من بلي به .
و كان النخعي ، لا يستند إلى سارية . و قالعلقمة : أكره أن يوطأ عقبي . و يقال علقمة . و كان بعضهم ، إذا جلس إليه أكثر منأربعة ، قام عنهم . و كانوا يتدافعون الفتوى ، و يحبون الخمول ، مثل القوم كمثلراكب البحر ، و قد خب ، فعنده شغل إلى أن يوقن بالنجاة .
و إنما كان بعضهميدعوا لبعض ، و يستفيد منه لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا ، فالأيام و الليالي مراحلهمإلى سفر الجنة .

· فصل : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
من أحب تصفيةالأحوال ، فليجتهد في تصفية الأعمال .
قال الله عز وجل : و ألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً.
قالالنبي صلى الله عليه و سلم فيما يروي عن ربه عز وجل : لو أن عباديأطاعوني لسقيتهم المطر بالليل ، و أطلعت عليهم الشمس بالنهار ، و لم أسمعهم صوتالرعد.
و قال صلى الله عليه و سلم : البر لا يبلى، و الإثم لا ينسى ، و الديان لا ينام ، و كما تدين تدان.
و قالأبو سليمان الداراني: [ من صفى صفي له ، و من كدر كدرعليه ، و من أحسن في ليلة كوفىء في نهاره ، و من أحسن في نهاره كوفىء في ليله ] . وكان شيخ يدور في المجالس ، و يقول : من سره أن تدوم له العافية ، فليتق الله عز وجل . و كان الفضيل بن عياض ، يقول : [ إني لأعصي الله ، فأعرف ذلك في خلق دابتي ، وجاريتي ] . و اعلم ـ وفقك الله ـ أنه لا يحس بضربة مبنج ، و إنما يعرف الزيادة منالنقصان المحاسب لنفسه و متى رأيت تكديراً في حال فاذكر نعمة ما شكرت ، أو زلة قدفعلت ، و احذر من نفار النعم ، و مفاجأة النقم ، و لا تغتر بساط الحلم ، فربما عجلانقباضه .
و قد قال الله عز وجل : إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
و كانأبو عليالروذبارييقول : [ من الاغترار أن تسىء ، فيحسن إليك ، فتترك التوبة ،توهما أنك تسامح في العقوبات] .

· فصل : غوامض تحير الضال
تفكرت يوماً في التكليف ، فرأيته ينقسم إلى سهل، و صعب . فأما السهل فهو أعمال الجوارح ، إلا أن منه ما هو أصعب من بعض ، فالوضوءو الصلاة أسهل من الصوم ، و الصوم ربما كان عند قوم أسهل من الزكاة . و أما الصعبفيتفاوت ، فبعضها أصعب من بعض . فمن المستصعب ، النظر ، و الإستدلال ، الموصلان إلىمعرفة الخالق . فهذا صعب عند من غلبت عليه أمور الحس ، سهل عند أهل العقل . و منالمستصعب غلبة الهوى ، و قهر النفوس ، و كف أكف الطباع عن التصرف فيما يؤثره .
و كل هذا يسهل على العاقل النظر في ثوابه ، و رجاء عاقبته ، و إن شق عاجلاً .
و إنما أصعب التكاليف و أعجبها : أنه قد ثبتت حكمة الخالق عند العقل ، ثمنراه يفقر المتشاغل بالعلم ، المقبل على العبادة ، حتى يعضه الفقر بناجذيه ، فيذلللجاهل في طلب القوت . و يغنى الفاسق مع الجهل ، حتى تفيض الدنيا عليه .
ثمنراه ينشىء الأجسام ثم ينقض بناءالشباب في مبدأ أمره ، و عند استكمال بنائه ، فإذابه قد عاد هشيماً . ثم نراه يؤلم الأطفال ، حتى يرحمهم كل طبع . ثم يقال له : إياكأن تشك في أنه أرحم الراحمين . ثم يسمع بإرسال موسى إلى فرعون ، و يقال له : اعتقدأن الله تعالى أضل فرعون ، و اعلم أنه ما كان لآدم بد من أكل الشجرة و قد وبخ بقوله : و عصى آدم ربه.
و في مثل هذه الأشياء تحير خلق، حتى خرجوا إلى الكفر و التكذيب .
و لو فتشوا على سر هذه الأشياء ، لعلمواأن تسليم هذه الأمور ، تكليف العقل ليذعن ! و هذا أصل ، إذا فهم ، حصل منه السلامةو التسليم .
نسأل الله عز وجل أن يكشف لنا الغوامض ، التي حيرت من ضل ، أنهقريب مجيب .

· فصل : المحافظة على الوقت
ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه ، و قدروقته ، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة . و يقدم الأفضل فالأفضل من القول و العمل . و لتكن نيته في الخير قائمة ، من غير فتور ربما لا يعجز عنه البدن من العمل ، كماجاء في الحديث : نية المؤمن خير من عمله. و قد كان جماعةمن السلف ، يبادرون اللحظات . فنقل عن عامر بن عبد قيس ، أن رجلاً قال له : كلمني ،فقال له : أمسك الشمس . و قال ابن ثابت البناني : ذهبت ألقن أبي ، فقال : [ يا بنيدعني ، فإني في وردي السادس ] .
و دخلوا على بعض السلف عند موته ، و هو يصلي، فقيل له . فقال : [ الآن تطوى صحيفتي ] .
فإذا علم الإنسان ـ و إن بالغ فيالجد ـ بأن الموت يقطعه عن العمل ، عمل في حياته ما يدوم له آجره بعد موته . فإنكان له شيء من الدنيا وقف وقفاً ، و غرس غرساً ، و أجرى نهراً ، و يسعى في تحصيلذرية تذكر الله بعده ، فيكون الأجر له . أو أن يصنف كتاباً من العلم ، فإن تصنفالعالم ولده المخلد . و أن يكون عاملاً بالخير ، عالماً فيه ، فينقل من فعله مايقتدي الغير به .
فذلك الذي لم يمت .
[
قد مات قوم و هم في الناسأحياء ]

· فصل : شرف الغنى و مخاطرة الفقر
رأيت منأعظم حيل الشيطان و مكره ، أن يحبط أرباب الأموال بالآمال ، و التشاغل باللذاتالقاطعة عن الآخرة و أعمالها .
فإذا شغلهم بالمال ـ تحريضاً على جمعه ، وحثاً على تحصيله ـ و أمرهم بحراسته بخلاً به .
فذلك من متين حيله ، و قويمكره . ثم دفن في هذا الأمر من دقائق الحيل الخفية ، أن خوف من جمعه المؤمنين ،فنقر طالب الآخرة منه ، و بادر التائب بأن يخرج ما في يده .
و لا يزالالشيطان ، يحرضه على الزهد ، و يأمره بالترك ، و يخوفه من طرقات الكسب ، إظهاراًلنصحه و حفظ دينه . و في خفايا ذلك عجائب من مكره .
و ربما تكلم الشطان علىلسان بعض المشايخ الذين يقتدي بهم التائب ، فيقول له : اخرج من مالك و ادخل في زمرةالزهاد .
و متى لك غداء أو عشاء ، فلست من أهل الزهد ، فلا تنال مراتب العزم .
و ربما كرر عليه الأحاديث البعيدة عن الصحة الواردة على سبب و لمعنى .
فإذا أخرج ما في يده ، و تعطل عن مكاسبه ، عاد يعلق طعمه بصلة الإخوان . أويحسن عنده صحبة السلطان ، لأنه لا يقوى على طريق الزهد و الترك إلا أياماً ، ثميعود فيقاضى مطلوباته ، فيقع في أقبح مما فر منه .
و يبذل أول السلع فيالتحصيل دينه و عرضه ، و يصير متمبدلابه ، و يقف في مقام اليد السفلى .
و لوأنه نظر في سير الرجال و نبلائهم ، و تأمل صحاح الأحاديث ، عن رؤسائهم ، لعلم أنالخليل عليه الصلاة و السلام كان كثير المال ، حتى ضاقت بلدته بمواشيه .
وكذلك لوط عليه الصلاة و السلام ، [ و كثير من الأنبياء عليهم الصلاة و السلام ] ، والجم الغفير من الصحابة . و إنما صبروا عند العدم ، و لم يمتنعوا من كسب ما يصلحهم، و لا من تناول المباح عند الوجود .
و كان أبو بكر رضي الله عنه يخرجللتجارة و الرسول صلى الله عليه و سلم حي .
و كان أكثرهم يخرج فاضل ما يأخذمن بيت المال ، و يسلم من ذل الحاجة إلى الأخوان . و قد كان ابن عمر لا يرد شيئاً ،و لا يسأله .
و إني تأملت على أكثر أهل الدين و العلم هذه الحال ، فوجدتالعلم شغلهم عن المكاسب في بداياتهم ، فلما احتاجوا إلى قوم نفوسهم ذلوا ، و هم أحقبالعز .
و قد كانوا قديماً يكفيهم من بيت المال فضلاً عن الإخوان ، فلما عدمفي هذا الأوان ، لم يقدر متدين على شيء إلا يبذل شيء من دينه . و ليته قدر فربماتلف الدين و لم يحصل له شيء . فالواجب على العاقل أن يحفظ ما معه ، و أن يجتهد فيالكسب ليربح مداراة ظالم ، أو مداهنة جاهل ، و لا يلتفت إلى ترهات المتصوفة ، الذينيدعون في الفقر ما يدعون .
فما الفقر إلا مرض العجز ، و للصابر على الفقرثواب الصابر على المرض . اللهم إلا أن يكون جباناً عن التصرف ، مقتنعاً بالكفاف ،فليس ذلك من مراتب الأبطال ، بل هو من مقامات الجبناء الزهاد .
و أما الكاسبليكون المعطي لا المعطى ، و المتصدق لا المتصدق عليه ، فهي من مراتب الشجعانالفضلاء . و من تأمل هذا ، علم شرف الغنى و مخاطرة الفقر .

· فصل : فضول الدنيا
تأملت أحوال الفضلاء ، فوجدتهم ـ في الأغلب ـ قدبخسوا من حظوظ الدنيا ، و رأيت الدنيا غالباً ـ في أيدي أهل النقائص .
فنظرتفي الفضلاء ، فإذا هم يتأسفون على ما فاتهم مما ناله أولو النقص ، و ربما تقطعبعضهم أسفاً على ذلك . فخاطبت بعض المتأسفين فقلت له ، و يحك تدبر أمرك ، فإنك غالطمن وجوه :
أحدها : أنه إن كانت لك همة في طلب الدنيا ، فاجتهد في طلبها تربحالتأسف على فوتها ، فإن قعودك ـ متأسفاً على ما ناله غيرك ، مع قصور اجتهادك ـ غايةالعجز .
الثاني : أن الدنيا إنما تراد لتعبر لا لتعمر ، وهذا هو الذي يدلكعليه علمك ويبلغه فهمك .
و ما يناله أهل النقص من فضولها يؤذي أبدانهم وأديانهم . فإذا عرفت ذلك ثم تأسفت على فقد ما فقده أصلح لك ، كان تأسفك عقوبةلتأسفك على ما تعلم المصلحة في بعده ، فاقنع بذلك عذاباً عاجلاً إن سلمت من العذابالآجل .
و الثالث : أنك قد علمت بخس حظ الآدمي في الجملة ، من مطاعم الدنياو لذاتها بالإضافة إلى الحيوان البهيم ، لأنه ينال ذلك أكثر مقداراً ، مع أمن و أنتتناله مع خوف ، و قلة مقدار .
فإذا ضوعف حظك من ذلك كان ذلك لاحقاً بالحيوانالبهيم ، من جهة أنه يشغله ذلك عن تحصيل الفضائل . و تخفيف المؤن يحث صاحبه على نيلالمراتب . فإذا آثرت الفضول مع قلة الفضول ـ عدت على ما علمت بالإزراء ، فشنت علمك، و دللت على اختلاط رأيك . . .

· فصل : من يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه
تأملت إقدام العلماء على شهواتالنفس المنهي عنها ، فرأيتها مرتبة تزاحم الكفر ، لولا تلوح معنى : هو أن الناس عندمواقعة المحظور ينقسمون .
فمنهم : جاهل بالمحظور ، أنه محظور ، فهذا له نوععذر .
و منهم : من يظن المحظور مكروهاً لا محرماً ، فهذا قريب من الأول . وربما دخل في هذا القسم آدم صلى الله عليه و سلم .
و منهم : من يتأول فيغلط ،كما يقال : إن آدم عليه الصلاة و السلام . نهي عن شجرة بعينها ، فأكل من جنسها ، لامن عينها .
و منهم : من يعلم التحريم ، غير أن غلبات الشهوة أنسته تذكر ذاك . فشغله ما رأى عما يعلم . و لهذا لا يذكر السارق القطع ، بل يغيب بكليته في نيلالحظ و لا يذكر راكب الفاحشة الفضيحة و لا الحد ، لأن ما يرى يذهله عما يعلم .
و منهم : من يعلم الخطر و يذكر . . . غير أن الأخذ بالحزم أولى بالعاقل ،كيف قد و علم أن هذا الملك الحكيم قطع اليد في ربع دينار ، و هدم بناء الجسم المحكمبالرجم بالحجارة ، لالتذاذ ساعة .
و خسف ، و مسخ ، و غرق . . . .
· فصل : ميزان العدل لا يحابى
من تأمل أفعال الباري سبحانه ، رآها علىقانون العدل ، و شاهد الجزاء مراصداً ، و لو بعد حين .
فلا ينبغي أن يغترمسامح ، فالجزاء قد يتأخر . و من أقبح الذنوب التي قد أعد لها الجزاء العظيم ،الإصرار على الذنب ، ثم يصانع صاحبه باستغفار ، و صلاة ، و تعبد ، و عنده أنالمصانعة تنفع .
و أعظم الخلق اغتراراً ، من أتى ما يكرهه الله تعالى ، وطلب منه ما يحبه هو ، كما في الحديثو العاجز من أتبع نفسه هواهاو تمنى على الله الأماني.
و مما ينبغي للعاقل أن يترصد ، و قوعالجزاء ، فإن ابن سيرين قال : [ عيرت رجلاً فقلت : يا مفلس ، فأفلست بعد أربعين سنة ] .
و قالابن الجلا: [ رآني شيخ لي و أنا أنظرإلى أمرد ، فقال : ما هذا ؟ لتجدن غبتها ، فنسيت القرآن بعد أربعين سنة ] . و بالضدمن هذا ، كل من عمل خيراً أو صحح نية ، فلينتظر جزاءها الحسن ، و إن امتدت المدة .
قال الله عز وجل : إنه من يتق و يصبر فإن الله لا يضيعأجر المحسنين. و قال عليه الصلاة و السلام : من غض بصرهعن محاسن امرأة أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه. فليعلم العاقل أنميزان العدل لا يحابى .

· فصل : و لا تنس نصيبك من الدنيا
تأملت أحوال الصوفية و الزهاد ، فرأيتأكثرها منحرفاً عن الشريعة ، بين جهل بالشرع ، و ابتداع بالرأي . يستدلون بآيات لايفهمون معناها ، و بأحاديث لها أسباب ، و جمهورها لا يثبت .
فمن ذلك ، أنهمسمعوا في القرآن العزيز : و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرورأنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينةثم سمعوا فيالحديث : للدنيا أهون على الله من شاة ميتة ، على أهلهافبالغوا في هجرها من غير بحث عن حقيقتها .
و ذلك أنه ما لم يعرفحقيقه الشيء فلا يجوز أن يمدح و لا أن يذم .
فإذا بحثنا عن الدنيا رأينا هذهالأرض البسيطة التي جعلت قراراً للخلق ، تخرج منها أقواتهم ، و يدفن فيها أمواتهم.
و مثل هذا لا يذم لموضع المصلحة فيه و رأينا ما عليها من ماء ، و زرع ، وحيوان ، كله لمصالح الآدمي ، و فيه حفظ لسبب بقائه . و رأينا بقاء الآدمي سبباًلمعرفة ربه ، و طاعته إياه ، و خدمته ، و ما كان سبباً لبقاء العارف العابد ، يمدحو لا يذم ، فبان لنا أن الذم إنما هو لأفعال الجاهل ، أو العاصي في الدنيا ، فإنهإذا اقتنى المال المباح ، و أدى زكاته ، لم يلم .
فقد علم ما خلف الزبير ، وابن عوف و غيرهما ، و بلغت صدقة علي ـ رضي الله عنه ـ أربعين ألفاً . و خلفت ابنمسعود تسعين ألفاً ، و كان الليث ابن سعد يشتغل كل سنة عشرين ألفاً ، و كان سفيانيتجر بمال ، و كان ابن مهدي يشتغل كل سنة ألفى دينار .
و إن أكثر من النكاحو السراري ، كان ممدوحاً لا مذموماً فقد كان للنبي صلى الله عليه و سلم زوجات ، وسراري . و جمهور الصحابة ، كانوا على الإكثار من ذلك . و كان لعلي بن أبي طالب ـرضي الله عنه ـ أربع حرائر ، و تسع عشرة أمة . و تزوج ولده الحسن ، نحواً منأربعمائة .
فإن طلب التزوج للأولاد ، فهو الغاية في التعبد ، و إن أرادالتلذذ فمباح ، يندرج فيه من التعبد ما لا يحصى ، من إعفاف نفسه و المرأة ، إلى غيرذلك . و قد أنفق موسى ـ عليه السلام ـ من عمره الشريف عشر سنين في مهر بنت شعيب .
فلولا أن النكاح من أفضل الأشياء ، لما ذهب كثير من زمان الأنبياء فيه و قدقالابن عباسرضي الله عنهما : [ خيار هذه الأمة أكثرهانساء ] .
و كان يطأ جارية له ، و ينزل في أخرى . و قالت سرية الربيع بن خيثم : كان الربيع يعزل . و أما المطعم ، فالمراد منه تقوية هذا البدن لخدمة الله عز وجل، و حق على ذي الناقة أن يكرمها لتحمله .
و قد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يأكل ما وجد اللحم أكله و يأكل لحم الدجاج ، و أحب الأشياء إليه الحلوى والعسل ، و ما نقل عنه أنه امتنع من مباح . و جيء علي رضي الله عنه بفالوذج فأكل منه، و قال : [ ما هذا ] ؟ قالوا : يوم النوروز ، فقال : [ نوروزنا كل يوم ] .
و إنما يكره الأكل فوق الشبع ، و اللبس على وجه الاختيال و البطر .
وقد اقتنع أقوام بالدون من ذلك ، لأن الحلال الصافي لا يكاد يمكن فيه تحصيل المراد ،و إلا فقد لبس النبي صلى الله عليه و سلم حلة اشتريت له بسبعة و عشرين بعيراً . وكان لتميم الداري حلة اشتريت بألف درهم ، يصلي فيها بالليل .
فجاء أقوام ،فأظهروا التزهد ، و ابتكروا طريقة زينها لهم الهوى ، ثم تطلبوا لها الدليل .
و إنمان ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل ، لا أن يتبع طريقاً و يتطلب دليلها . ثم انقسموا :
فمنهم ، متصنع في الظاهر ، لبث الشري في الباطن ، يتناول فيخلواته الشهوات ، و ينعكف على اللذات . و يري الناس بزيه أنه متصوف متزهد ، و ماتزهد إلا القميص ، و إذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون .
و منهم : سليمالباطن ، إلا أنه في الشرع جاهل .
و منهم : من تصدر ، و صنف ، فاقتدى بهالجاهلون في هذه الطريقة ، و كانوا كعمي اتبعوا أعمى .
و لو أنهم تلمحواالأمر الأول ، الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة رضي الله عنهم ،لما زلوا .
و لقد كان جماعة من المحققين ،لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حادعن الشريعة ، بل يوسعونه لوما .
فنقل عنأحمدأنهقال لهالمروذي: ما تقول في النكاح ؟ فقال : [ سنةالنبي صلى الله عليه و سلم ] . فقال : فقد قال إبراهيم . قال : فصاح بي و قال : جئتنا ببنيات الطريق ؟ و قيل له : إفي سريا السقطي قال : لما خلق الله تعالى الحروف، و قف الألف و سجدت الباء ، فقال : نفروا الناس عنه .
و اعلم أن المحقق لايهوله اسم معظم ، كما قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : أتظن أنا نظن أنطلحة و الزبير ، كانا على الباطل ؟ فقال له : [ إن الحق لا يعرف بالرجال ، أعرفالحق تعرف أهله ] .
و لعمري أنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام ، فإذا نقلعنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله ، لتعظيمهم في نفسه . كما ينقل عن أبي يزيد رضيالله عنه ، أنه قال : [ تراعنت علي نفسي فحلفت لا أشرب الماء سنة ] . و هذا إذا صحعنه ، كان خطأ قبيحاً . و زلة فاحشة ، لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن ، و لايقوم مقامه شيء . فإذا لم يشرب فقد سعى في أذى بدنه . و قد كان يستعذب الماء لرسولالله صلى الله عليه و سلم . أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له ، و أنه لا يجوزالتصرف فيها إلا عن إذن مالكها .
و كذلك ينقلون عن بعض الصوفية ، أنه قال : [ سرت إلى مكة على طريق التوكل حافياً ، فكانت الشوكة تدخل في رجلي فأحكها بالأرض ولا أرفعها ، و كان علي مسح ، فكانت عيني إذا آلمتني أدلكها بالمسح فذهبت إحدى عيني ] .
و أمثال هذا كثير ، و ربما حملها القصاص على الكرامات ، و عظموها عندالعوام ، فيخايل لهم أن فاعل هذا أعلى مرتبة منالشافعي، وأحمد.
و لعمري ، إن هذا من أعظمالذنوب أقبح العيوب ، لأن الله تعالى قالو لا تقتلوا أنفسكم.
و قال النبي عليه الصلاة و السلام : إن لنفسكعليك حقاً. و قد طلب أبو بكر رضي الله عنه ، في طريق الهجرة للنبي صلى اللهعليه و سلم ، ظلا ، حتى رأى صخرة ففرش له في ظلها .
و قد نقل عن قدماء هذهالأمة بدايات هذا التفريط ، و كان سببه من وجهين : أحدهما : الجهل بالعلم ، والثاني : قرب العهد بالرهبانية .
و قد كان الحسن يعيب فرقد السبخي ، و مالكبن دينار ، في زهدهما فرأى عنده طعام فيه لحم ، فقال: [ لا رغيفي مالك ، و لا صحنافرقد ] . و رأى على فرقد كساء ، فقال : [ يا فرقد إن أكثر أهل النار أصحاب الأكسية ] .
وكم قد زوق قاص مجلسه بذكر أقوام خرجوا إلى السياحة بلا زاد و لا ماء وهو لا يعلم أن هذا من أقبح الأفعال ، و أن الله تعالى لا يجرب عليه . فربما سمعهجاهل من التائبين فخرج فمات في الطريق ، فصار للقائل نصيب من إثمه . و كم يروون عنذي النون : أنه لقي امرأة في السياحة فكلمها و كلمته ، و ينسون الأحاديث الصحاح : لا يحل لامرأة أن تسافر يوماً و ليلة إلا بمحرم.
و كم ينقلون : أن أقواماً مشوا على الماء ، و قد قالإبراهيمالحربي: [ لا يصح أن أحداً مشى على الماء قط ] . فإذا سمعوا هذا قالوا : أتنكرون كرامات الأولياء الصالحين ؟
فنقول : لسنا من المنكرين لها ، بل نتبعما صح ، و الصالحون همالذين يتبعون الشرع ، و لا يتعبدون بآرائهم .
و فيالحديث : إن بني إسرائيل شددوا فشدد الله عليهم.
وكم يحثون على الفقر حتى حملوا خلقاً على إخراج أموالهم ، ثم آل بهم الأمر إما إلىالتسخط عند الحاجة ، و إما إلى التعرض بسؤال الناس . و كم تأذى مسلم بأمرهم الناسبالتقلل ، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : ثلث طعام ، و ثلثشراب ، و ثلث نفس. فما قنعوا حتى أمروا بالمبالغة في التقلل .
فحكىأبو طالب المكي في [ قوت القلوب ] : أن فيهم من كان يزن قوته بكربة رطبة ، ففي كلليلة يذهب من رطوبتها قليل ، و كنت أنا ممن اقتدى بقوله في الصبا ، فضاق المعي وأوجب ذلك ، مرض سنين .
أفترى هذا شيئاً تقتضيه الحكمة ، أو ندب إليه الشرع ؟
و إنما مطية الأدمي قواه ، فإذا سعى في تقليلها ، ضعف عن العبادة . فإنا لودخلنا ديار الروم ، فوجدنا أثمان الخمور و أجرة الفجور ، كان لنا حلالاً بوصفالغنيمة .
أفتريد حلالاً ، على معني أن الحبة من الذهب لم تنتقل مذ خرجت منالمعدن ، على وجه لا يجوز ؟
فهذا شيء لم ينظر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . أو ليس قد سمعت أن الصدقة عليه حرام ، فلما تصدق على بريرة بلحم فأهدته ، جازله آكل تلك العين لتغير الوصف . و قد قالأحمد بن حنبل[ أكره التقلل من الطعام ، فإن أقواماً ما فعلوه فعجزوا عن الفرائض ] . و هذا صحيح . فإن المتقلل لا يزال يتقلل إلى أن يعجز عن النوافل ثم الفرائض ، ثم يعجز عن مباشرةأهله و إعفافهم ، و عن بذل القوى في الكسب لهم ، و عن فعل خير قد كان يفعله .
و لا يهولنك ما تسمعه من الأحاديث التي تحث على الجوع ، فإن المراد بها إماالحث على الصوم و إما النهي عن مقاومة الشبع . فأما تنقيص المطعم على الدوام ،فمؤثر في القوى ، فلا يجوز .
ثم في هؤلاء المذمومين من يرى هجر اللحم ، والنبي صلى الله عليه و سلم كان يود أن يأكله كل يوم .
و اسمع مني بلا محاباة : لا تحتجن علي بأسماء الرجال ، فتقول : قال بشر ، و قال إبراهيم بن أدهم ، فإن مناحتج بالرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ أقوى حجة . على أنلأفعال أولئك وجوهاً نحملها عليهم بحسن الظن . و لقد ذاكرت بعض مشايخنا ما يروى عنجماعة من السادات ، أنهم دفنوا كتبهم فقلت له : ما وجه هذا ؟ فقال : أحسن ما نقولأن نسكت ، يشير إلى أن هذا جهل من فاعله . و تأولت أنا لهم ، فقلت : لعل ما دفنوامن كتبهم ، فيه شيء من الرأي ، فما رأوا أن يعمل الناس به .
و لقد روينا فيالحديث ، عن أحمد بن أبي الحواري : أنه أخذ كتبه فرمى بها في البحر ، و قال : [ نعمالدليل كنت ! و لا حاجة لنا إلى الدليل بعد الوصول إلى المدلول ] .
و هذا ـإذا أحسنا به الظن ـ قلنا : كان فيها من كلامهم ما لا يرتضيه . فأما إذا كانتعلوماً صحيحة ، كان هذا من أفحش الإضاعة ، و أنا و إن تأولت لهم هذا ، فهو تأويلصحيح في حق العلماء منهم ، لأنا قد روينا عنسفيان الثوري: أنه قد أوصى بدفن كتبه ، و كان ندم على أشياء كتبها ، عن قوم ، و قال : حملني شهوة الحديث ـ و هذا لأنه كان يكتب عن الضعفاء و المتروكين ، فكأنه لما عسرعليه التمييز أوصى بدفن الكل .
و كذلك من كان له رأي من كلامه ثم رجع عنه ،جاز أن يدفن الكتب التي فيها ذلك ، فهذا وجه التأويل للعلماء .
فأماالمتزهدون ، الذين رأوا صورة فعل العلماء ، و دفنوا كتباً صالحة لئلا تشغلهم عنالتعبد ، فإنه جهل منهم ، لأنهم شرعوا في إطفاء مصباح يضيء لهم ، مع الإقدام علىتضييع مال لا يحل تضييعه .
و من جملة من عمل بواقعه في دفن كتب العلم ،يوسف بن أسباط، ثم لم يصبر عن التحديث فخلط ، فعد فيالضعفاء .
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك ، قال : أخبرنا محمد بن المظفرالشامي ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي ، قال : حدثنا يوسف بن أحمد ، قال : حدثنا محمد ابن عمرو العقيلي قال : حدثنا محمد بن عيسى ، قال : أخبرنا أحمد بن خالدالخلال . قال : سمعت شعيب بن حرب يقول : قلتليوسف بن أسباط: كيف صنعت بكتبك ؟ قال : [ جئت إلى الجزيرة ، فلما نضب الماء دفنتها عليها، فذهبت ] .
قلت : ما حملك على ذلك ؟ قال : [ أردت أن يكون الهم هماً واحداً ] .
قالالعقيلي: و حدثني آدم ، قال : سمعتالبخاريقال : قال صدقة : [ دفن يوسف بن أسباط كتبه ، وكان يغلب عليه الوهم فلا يجيء كما ينيغي ] .
قال المؤلف : قلت : الظاهر أنهذه كتب علم ينفع ، و لكن قلة العلم أوجبت هذا التفريط ، الذي قصد به الخير ، و هوشر . فلو كانت كتبه من جنس كتبالثوري، فإن فيها ، عنضعفاء و لم يصح له التمييز ، قرب الحال . إنما تعليله يجمع الهم هو الدليل على أنهاليست كذلك ، فانظر إلى قلة العلم ، ماذا تؤثر مع أهل الخير .
و لقد بلغنا فيالحديث عن بعض من نعظمه ، و نزوره ، أنه كان على شاطئ دجلة ، فبال ثم تيمم ، فقيلله : الماء قريب منك ، فقال : خفت ألا أبلغه ! !
و هذا و إن كان يدل على قصرالأمل ، إلا أن الفقهاء إذا سمعوا عنه مثل هذا الحديث تلاعبوا به ، من جهة أنالتيمم ، إنما يصح عند عدم الماء . فإذا كان الماء موجوداً كان تحريك اليدينبالتيمم عبثاً . و ليس من ضروري وجود الماء أن يكون إلى جانب المحدث ، بل لو كانعلى أزرع كثيرة ، كان موجوداً فلا فعل للتيمم و لا أثر حينئذ . و من تأمل هذهالأشياء ، علم أن فقيهاً واحداً ـ و إن قل أتباعه و خفت إذا مات أشياعه ـ أفضل منألوف تتمسح العوام بهم تبركاً ، و يشيع جنائزهم ما لا يحصى . و هل الناس إلا صاحبأثر نتبعه ، أو فقيه يفهم مراد الشرع و يفتي به ؟ نعوذ بالله من الجهل ، و تعظيمالأسلاف تقليداً لهم بغير دليل ! فإن من ورد المشرب الأول ، رأى سائر المشارب كدرة .
و المحنة العظمى مدائح العوام ، فكم غرت ... ! ! كما قال علي رضي الله عنه : [ ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً ] . و لقد رأينا و سمعنا منالعوام ، أنهم يمدحون الشخص ، فيقولون : لا ينام الليل ، و لا يفطر النهار ، و لايعرف زوجة ، و لا يذوق من شهوات الدنيا شيئاً ، قد نحل جسمه ، و دق عظمه حتى أنهيصلي قاعداً ، فهو خير من العلماء الذين يأكلون و يتمتعون . ذلك مبلغهم من العلم ،و لو [ فقهوا ] علموا أن الدنيا لو اجتمعت في لقمة فتناولها عالم يفتي عن الله ، ويخبر بشريعته ، كانت فتوى واحدة منه يرشد بها إلى الله تعالى خيراً و أفضل من عبادهذلك العابد باقي عمره . و قد قالابن عباسرضي الله عنه : [ فقيه واحد ، أشد على إبليس من ألف عابد ] .
و من سمع هذا الكلام فلايظنن أنني أمدح من لا يعمل بعلمه . و إنما أمدح العاملين بالعم ، و هم أعلم بمصالحأنفسهم . فقد كان فيهم من يصلح على خشن العيش ،كأحمد بن حنبل. و كان فيهم ، من يستعمل رقيق العيش ،كسفيان الثوري، مع ورعه ، ومالكمع تدينه ، والشافعيمع قوة فقهه .
و لا ينبغي أن يطالب الإنسان بمايقوى عليه غيره ، فيضعف هو عنه .
فإن الإنسان أعرف بصلاح نفسه . و قد قالترابعة : [ إن كان صلاح قلبك في الفالوذج ، فكله ] .
و لا تكون أيها السامعممن يرى صور الزهد . فرب متنعم لا يريد التنعم و إنما يقصد المصلحة . و ليس كل بدنيقوى على الخشونة ، خصوصاً من قد لاقى الكد و أجهده الفكر ، و أمضه الفقر ، فإنه إنلم يرفق بنفسه ، ترك واجباً عليه من الرفق بها.
فهذه جملة لو شرحتها بذكرالأخبار و المنقولات لطالت ، غير أني سطرتها على عجل حين جالت في خاطري ، و اللهولي النفع برحمته .

· فصل : مصير النفس بعد الموت
قد أشكل على الناس أمر النفس و ماهيتها ،مع إجماعهم على وجودها ، و لا يضر الجهل بذاتها مع إثباتها . ثم أشكل عليهم مصيرهابعد الموت ، و مذهب أهل الحق أن لها وجوداً بعد موتها ، و أنها تنعم و نعذب . قالأحمد بن حنبل: [ أرواح المؤمنين في الجنة ، و أرواحالكفار في النار ] .
و قد جاء في أحاديث الشهداء : [ أنها في حواصل طير خضرتعلق من شجر الجنة ] .
و قد أخذ بعض الجهلة بظواهر أحاديث النعيم ، فقال : إن الموتى يأكلون في القبور ، و ينكحون .
و الصواب من ذلك أن النفس تخرج بعدالموت إلى نعيم أو عذاب ، و أنها تجد ذلك إلى يوم القيامة ، فإذا كانت القيامة ،أعيدت إلى
الجسد ليتكامل لها التنعم بالوسائط . و قوله : [ في حواصل طير خضر ] ، دليل على أن النفوس لا تنال لذةإلا بوساطة . إلا أن تلك اللذة لذة مطعم أو مشرب، فأما لذات المعارف و العلوم فيجوز أن تنالها بذاتها ، مع عدم الوسائط .
والمقصود من هذا المذكور أني رأيت بعض الانزعاج من الموت . و ملاحظة النفس بعينالعدم عنده فقلت لها : إن كنت مصدقة للشريعة فقد أخبرت بما تعرفين و لا وجه للإنكار، و إن كان هناك ريب في أخبار الشريعة ، صار الكلام في بيان صحة الشريعة .
فقالت : لا ريب عندي .
قلت : فاجتهدي في تصحيح الإيمان ، و تحقيقالتقوى ، و أبشري حينئذ بالراحة من ساعةالموت ، فإني لا أخاف عليك إلا من التقصيرفي العمل . واعلمي أن تفاوت النعيم بمقدار درجات الفضائل ، فارتفعي بأجنحة الجد إلىأعلى أبراجها ، و احذري من قانص هوى ،أو شرك غرة ، و الله الموفق .


· فصل : العقل بين التكليف و الإذعان
قلت يوماً في مجلسي : لو أن الجبالحملت ما حملت لعجزت . فلما عدت إلى منزلي ، قالت لي النفس : كيف قلت هذا ؟ و ربماأوهم الناس أن بك بلاء و أنت في عافية في نفسك و أهلك ‍‍ ‍‍‍‌‌‍‍‍‍‍‍!!. و هل الذيحملت إلا التكليف الذي يحمله الخلق كلهم ؟ فما وجه هذه الشكوى ؟
فأجبتها : إني لما عجزت عما حملت ، قلت هذه الكلمة لا على سبيل الشكوى ، و لكن للاسترواح .
و قد قال كثير من الصحابة و التابعين قبلي : ليتنا لم نخلق ، و ما ذاك إلالأثقال عجزوا عنها . ثم من ظن أن التكاليف سهلة ، فما عرفها .
أتى يظن الظانأن التكاليف غسل الأعضاء برطل من الماء ، أو الوقوف في محراب لأداء ركعتين ؟ هيهات ! هذا أسهل التكليف .
و إن التكليف هو الذي عجزت عنه الجبال ، و من جملته : أنني إذا رأيت القدر يجري بما لا يفهمه العقل ، ألزمت العقل الإذغان للمقدر ، فكانمن أصعب التكليف . و خصوصاً فيما لا يعلم العقل ، معناه كإيلام الأطفال ، و ذبحالحيوان ، مع الاعتقاد بأن المقدر لذلك و الأمر به ، أرحم الراحمين .
فهذامما يتحير العقل فيه ، فيكون تكليفه التسليم ، و ترك الاعتراض ...!!
فكم بينتكليف البدن و تكليف العقل ... ؟!
و لو شرحت هذا لطال ، غير أني أعتذر عماقلته ، فأقول عن نفسي و ما يلزمني حال غيري .
إني رجل حبيب إلي العلم من زمنالطفولة فتشاغلت به ثم لم يحبب إلى فن واحد منه ، بل فنونه كلها . ثم لا تقتصر همتيفي فن على بعضه ، بل تروم استقصاءه . و الزمان لا يسع ، و العمر أضيق ، و الشوقيقوى ، والعجز يظهر ، فيبقى وقوف بعض المطلوبات حسرات .
ثم أن العلم دلنيعلى معرفة المعبود ، و حثني على خدمته ، ثم صاحت بي الأدلة عليه إليه ، فوقفت بينيديه ، فرأيته ، في نعمه ، و عرفته بصفاته ، و عاينت بصيرتي من الطافه مادعاني إلىالهيمان في محبته ، و حركني إلى التخلي لخدمته ، و صار يملكني أمر كالوجد كلماذكرته ، فعادت خلوتي في خدمتي له أحلى عندي من كل حلاوة . فكلما ملت إلى الانقطاععن الشواغل إلى الخلوة ، صاح بي العلم أين تمضي ؟ أتعرض عني و أنا سبب معرفتك به ؟
فأقول له : كنت دليلاً و بعد الوصول يستغني عن الدليل .
قال : هيهات ! كلما زدت ، زادت معرفتك بمحبوبك ، و فهمت كيف القرب منه . و دليل هذا أنك تعلمغداً ، أنك اليوم في نقصان . أو ما تسمعه يقول لنبيه صلى الله عليه و سلمو قل رب زدني علماً.
ثم ألست تبغي القرب منه ؟ فاشتغل ،بدلالة عباده عليه ، فهي حالات الأنبياء عليهم الصلاة و السلام . أما علمت أنهمآثروا تعليم الخلق ، على خلوات التعبد ، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم ؟
أماقال الرسول صلى الله عليه و سلم ، لعلي رضي الله عنهلأن يهديالله بك رجلاً ، خير لك من حمر النعم ؟.
فلما فهمت صدق هذه المقالة، تهوست على تلك الحالة ، و كلما تشاغلت بجمع الناس ، تفرق همي . و إذا وجدت مراديمن نفعهم ، ضعفت أنا ، فأبقى في حيز التحير متردداً ، لا أدري على أي القدمين أعتمد . فإذا وقفت متحيراً صاح العلم : قم لكسب العيال ، و ادأب في تحصيل ولد يذكر الله . فإذا شرعت في ذلك قلص ضرع الدنيا وقت الحلب ، و رأيت باب المعاش مسدوداً في وجهي ،لأن صناعة العلم شغلتني عن تعلم صناعة .
فإذا التفت إلى أبناء الدنيا ،رأيتهم لا يبيعون شيئاً من سلعها إلا بدين المشتري . و ليت من نافقهم أو راءاهم نالمن دنياهم ، بل ربما ذهب دينه و لم يحصل مراده . فإن قال الضجر : اهرب . قال الشرع : كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت .
و إن قال العزم : انفرد ، قال : فكيفبمن تعول ؟
فغاية الأمر أنني أشرع في التقلل من الدنيا ، و قد ربيت فينعيمها . و غذيت بلبانها ، و لطف مزاجي فوق لطف وضعه بالعادة . فإذا غيرت لباسي وخشنت مطعمي ، لأن القوت لا يحتمل الانبساط ، نفر الطبع لفراق العادة ، فحل المرضفقطع عن واجبات ، و أوقع في آفات .
و معلوم أن لبن اللقمة بعد التحصيل منالوجوه المستطابة ، و تخشينها لمن لم يألف سعى في تلف النفس .
فأقول : كيفأصنع و ما الذي أفعل ؟ و أخلو بنفسي في خلواتي ، و أتزيد من البكاء على نقص حالاتي . و أقول : أصف حال العلماء ، و جسمي يضعف عن إعادة العلم ، و حال الزهاد ، و بدنيلا يقوى على الزهد ، و حال المحبين و مخالطة الخلق تشتت همي ، و تنقش صور المحبوباتمن الهوى في نفسي ، فتصدأ مرآة قلبي .
و شجرة المحبة تحتاج إلى تربية فيتربة طيبة تسقى ماء الخلوة من دولاب الفكرة . و إن آثرت التكسب لم أطق . و إن تعرضتلأنباء الدنيا ـ مع أن طبعي الأنفة من الذل و تديني يمنعني ـ فلا يبقى للميل معهذين الجاذبين أثر . و مخالطة الخلق تؤذي النفس مع الأنفاس !!!
و لا تحقيقالتوبة أقدر عليه ، و لا نيل مرتبة من علم أو عمل أو محبة يصح لي . فإذا رأيتني كماقال القائل :
ألقاه في اليم مكتوفاً و قال له إياكإياك أن تبتل بالماء
تحيرت في أمري ، و بكيت على عمري ، و أنادي فيفلوات خلواتي بما سمعته من بعض العوام ، و كأنه وصف حالي :
واحسرتي كم أداري فيك تعثيري مثل الأسير بلا حبل و لا سيري
ما حيلتي في الهوى قد ضاع تدبيري لما شكلت جناحيفلت لي طيري

· فصل : من رام صلاح القلب رام الممتنع
تأملت أمر الدنيا و الآخرة ،فوجدت حوادث الدنيا حسية طبعية ، و حوادث الآخرة إيمانية يقينية . و الحسيات أقوىجذباً لمن لم يقو علمه و يقينه .
و الحوادث إنما تبقى بكثرة أسبابها ،فمخالطة الناس ، و رؤية المستحسنات و التعرض بالملذوذات ، يقوي حوادث الحس .
و العزلة ، و الفكر ، و النظر في العلم يقوي حوادث الآخرة .
و يبينهذا بأن الإنسان إذا خرج في الأسواق ، و يبصر زينة الدنيا ثم دخل إلى المقابر ،ففكر ورق قلبه ، فإنه يحس بين الحالتين فرقاً بيناً .
و سبب ذلك ، التعرضبأسباب الحوادث .
فعليك بالعزلة و الذكر و النظر في العلم ، فإن العزلة حمية، و الفكر و العلم أدوية . و الدواء مع التخليط لا ينفع .
و قد تمكنت منكأخلاط المخالطة للخلق ، و التخليط في الأفعال فليس لك دواء إلا ما وصفت لك .
فأما إذا خالطت الخلق و تعرضت للشهوات ، ثم رمت صلاح القلب رمت الممتنع .

· فصل : الممنوع مرغوب
تأملت حرص النفس على ما منعت منه . فرأيت حرصهايزيد على قدر قوة المنع .
و رأيت في الشرب الأول ، أن آدم عليه السلام لمانهي عن الشجرة ، حرص عليها مع كثرة الأشجار المغنية عنها .
و في الأمثال : [ المرء حريص على ما منع ، و تواق إلى ما لم ينل ] .
و يقال : [ لو أمر الناسبالجوع لصبروا ، و لو نهوا عن تفتيت البعر لرغبوا فيه ] .
و قالوا : مانهينا عنه إلا لشيء . و قد قيل : [ أحب شيء إلى الإنسان ما منعنا ]
فلمابحثت عن سبب ذلك ، وجدت سببين :
أحدهما : أن النفس لا تصبر على الحصر ، فإنهيكفي حصرها في صورة البدن .
إذا حصرت في المعنى بمنع زاد طيشها .
ولهذا لو قعد الإنسان في بيته شهراً ، لم يصعب عليه .
و لو قيل له : لا تخرجمن بيتك يوماً ، طال عليه .
و الثاني : أنها يشق عليها الدخول تحت حكم ، ولهذا تستلذ الحرام ، و لا تكاد تستطيب المباح .
و لذلك يسهل عليها التعبدعلى ما ترى ، و تؤثره لا على ما يؤثر .

· فصل : التعليم عبادة
ما زالت نفسي تنازعني بما يوجبه مجلس الوعظ ، وتوبة التائبين ، و رؤية الزاهدين ... إلى الزهد و الانقطاع عن الخلق و الانفرادبالآخرة .
فتأملت ذلك فوجدت عمومه من الشيطان ، فإن الشيطان يرى أنه لا يخلولي مجلس من خلق لا يحصون ، يبكون و يندبون على ذنوبهم . و يقوم في الغالب جماعةيتوبون و يقطعون شعور الصبا .
و ربما اتفق خمسون و مائة . و لقد تاب عندي فيبعض الأيام أكثر من مائة .
و عمومهم صبيان ، قد أنشأوا على اللعب و الانهماكفي المعاصي . فكأن الشيطان لبعد غوره في الشر . رآني أجتذب منه . فأراد أن يشغلنيعن ذلك بما يزخرفه ليخلو هو بمن أجتذبهم من يده .
و لقد حسن إلى الإنقطاع عنالمجالس . و قال : لا يخلو من تصنع للخلق .
فقلت : أما زخرفة الألفاظ وتزويقها ، و أخراج المعنى من مستحسن العبارة ، ففضيلة لا رذيلة .
و أما أنأقصد الناس بما لا يجوز في الشرع ، فمعاذ الله .
ثم رأيته يريني في التزهدقطع أسباب ـ ظاهرة الإباحة ـ من الاكتساب .
فقلت له : فإن طاب لي في الزهد ،و تمكنت من العزلة ، فنفذ ما بيدي أو احتاج بعض عائلتي ، ألست أعود القهقرى ؟
فدعني أجمع ما يسد خلتي ، و يصونني عن مسألة الناس ، فإن مد عمري ، كان نعمالسبب ، و إلا كان للعائلة . و لا أكون كراكب أراق ماءه لرؤية سراب ، فلما ندم وقتالفوات ، لم ينتفع بالندم .
و إنما الصواب توطئة المضجع قبل النوم ، و جمعالمال الساد للخلة قبل الكبر أخذاً بالحزم .
و قد قال الرسول صلى الله عليهو سلم : لأن تترك ورثتك أغنياء ، خير لك من أن تتركهم عالةيتكففون الناس.
و قال : نعم المال الصالح ، للرجلالصالح.
و أما الانقطاع فينبغي أن تكون العزلة عن البشر لا عن الخير، و العزلة عن البشر واجبة على كل حال . و أما تعليم الطالبين ، و هداية المرتدين ،فإنه عبادة العالم .
و إن من تفضيل بعض العلماء إيثاره للتنفل بالصلاة والصوم ، عن تصنيف كتاب ، أو تعليم علم ينفع ، لأن ذلك بذر يكثر ريعه ، و يمتد زماننفعه .
و أنما تميل النفس إلى ما يزخرفه الشيطان من ذلك لمعنيين :
أحدهما : حب البطالة ، لأن الانقطاع عندها أسهل .
الثاني : لحبالمدحة فإنها إذا توسمت بالزهد كان ميل العوام إليها أكثر .
فعليك بالنظر فيالشرب الأول ، فكن مع الشرب المقدم . و هم الرسول صلى الله عليه و سلم و أصحابه ،رضي الله تعالى عنهم .
فهل نقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين والمتصوفة ، من الانقطاع عن العلم ؟
و الانفراد عن الخلق ؟
و هل كانشغل الأنبياء إلا معانات الخلق ، و حثهم على الخير و نهيهم عن الشر ؟
إلا أنينقطع من ليس بعالم يقصد الكف عن الشر ، فذاك في مرتبة المحتمي يخاف شر التخليط .
فأما الطبيب العالم بما يتناول ، فأنه ينتفع بما يناله .

فصل : خيركم من عمل بما علم
تأملت المراد من الخلق ، فإذا هو الذل ، واعتقاد التقصير و العجز .
و مثلت العلماء و الزهاد العاملين صنفين فأقمت فيصف العلماءمالكاًوسفيانوأبا حنيفةوالشافعيوأحمد، و في صف العباد مالك بن دينار و رابعة و معروف الكرخي وبشر بن الحارث .
فكلما جد العباد في العبادة ، و صاح بهم لسان الحال : عباداتكم لا يتعداكم نفعها و إنما يتعدى نفع العلماء ، و هم ورثة الأنبياء ، وخلفاء الله في الأرض ، و هم الذين عليهم المعول ، و لهم الفضل ، إذاً أطرقوا وانكسروا و علموا صدق تلك الحال ، و جاء مالك بن دينار إلى الحسن يتعلم منه و يقول : الحسن أستاذنا .
و إذا رأى العلماء أن لهم بالعلم فضلاً ، صاح لسان الحالبالعلماء : و هل المراد من العلم إلا العمل ؟ !
و قالأحمد بن حنبل: [ و هل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف ؟ ] .
و صح عنسفيان الثوريقال : [ وددت أن قطعت ولم أكتب الحديث ] .
و قالت أم الدرداء لرجل : [ هل عملت بما علمت ] ؟ قال : لا . قالت : [ فلم تستكثر من حجة الله عليك ؟ ] .
و قالأبو الدرداء: [ ويل لمن يعلم و لم يعمل مرة ، و ويل لمن علم ولم يعمل سبعين مرة ] .
و قالالفضيل: [ يغفرللجاهل سبعون ذنباً ، أن يغفر للعالم ذنب واحد ]
فما يبلغ من الكل قولهتعالى : هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون.
و جاء سفيان إلى رابعة : فجلس بين يديها ينتفع بكلامها ، فدل العلماء العلمعلى أن المقصود منه العمل به ، و أنه آلة فانكسروا و اعترفوا بالتقصير .
فحصل الكل على الاعتراف و الذل فاستخرجت المعرفة منهم حقيقة العبوديةباعترافهم ، فذلك هو المقصود من التكليف .


· فصل : محبة الخالق ضرورة

تأملت في قوله تعالى : يحبهم و يحبونه. فإذا النفس تأبى إثبات محبة للخالق توجب قلقاًو قالت : محبته طاعته ، فتدبرت ذلك فإذا بها قد جهلت ذلك لغلبة الحس .
وبيان هذا أن محبة الحس لا تتعدى الصور الذاتية ، و محبة العلم و العمل ترى الصورالمعنوية فتحبها .
فإنا نرى خلقاً يحبون أبا بكر رضي الله عنه ، و خلقاًيحبون علياً بن أبي طالب رضي الله عنه ، و قوماً يتعصبونلأحمدبن حنبل، و قوماًللأشعريفيقتتلون و يبذلونالنفوس في ذلك .
و ليسوا ممن رأى صور القوم ، و لا صور القوم توجب المحبة .
لكن لما تصورت لهم المعاني فدلتهم على كمال القوم في العلوم ، وقع الحب لتلكالصور التي شوهدت بأعين البصائر .
فكيف بمن صنع تلك الصور المعنوية و بذلها؟ .
و كيف لا أحب من وهب لي ملذوذات حسي ، و عرقى ملذوذات علمي ؟ فإنالتذاذي بالعلم و إدراك العلوم أولى من جميع اللذات الحسية ، فهو الذي علمني و خلقلي إدراكاً ، و هداني إلى ما أدركته .
ثم إنه يتجلى لي في كل لحظة في مخلوقجديد ، أراه فيه بإتقان ذلك الصنع و حسن ذلك المصنوع .
فكل محبوباتي منه ، وعنه ، و به ، الحسية و المعنوية ، و تسهيل سبل الإدراك به ، و المدركات منه ، و ألذمن كل لذة عرفاني له ، فلولا تعليمه ما عرفته .
و كيف لا أحب من أنا به ، وبقائي منه ، و تدبيري بيده ، و رجوعي إليه ، و كل مستحسن محبوب هو صنعه و حسنه وزينه و عطف النفوس إليه .
فذلك الكامل القدرة أحسن من المقدور ، و العجيبالصنعة أكمل من المصنوع ، و معنى الإدراك أحلى عرفاناً من المدرك .
و لوأننا رأينا نقشاً عجيباً لاستغرقنا تعظيم النقاش و تهويل شأنه ، و ظريف حكمته عن حبالمنقوش ، و هذا مما تترقى إليه الأفكار الصافية ، إذا خرق نظرنا الحسيات ، و نفذإلى ما وراءها ، فحينئذ تقع محبة الخالق ضرورة . و على قدر رؤية الصانع في المصنوعيقع الحب له .
فإن قوي أوجب قلقاً و شوقاً . و إن مال بالعارف لى مقامالهيبة ، أوجب خوفاً . و إن انحرف به إلى تلمح الكرم أوجب رجاء قوياًقد علم كل أناس مشربهم.

· فصل : إذعان العقل فحكمة الله

تأملت حالا عجيبة ، و هي أن الله سبحانهتعالى قد بنى هذه الأجسام متقنه على قانون الحكمة .
فدل بذلك المصنوع علىكمال قدرته ، و لطيف حكمته .
ثم عاد فنقضها فتحيرت العقول بعد إذعانها لهبالحكمة ، في سر ذلك الفعل .
فأعلمت أنها ستعاد للمعاد و أن هذه البنية لمتخلق إلا لتجوز في مجاز المعرفة ، و تتجر في موسم المعاملة ، فسكنت العقول لذلك .
ثم رأت أشياء من هذا الجنس أظرف منه ، مثل احترام شاب ما بلغ بعض المقصودبنياته .
و أعجب من ذلك أخذ طفل من أكف أبويه يتململان . و لا يظهر سر سلبه، و الله الغني عن أخذه ، و هما أشد الخلق فقراً إلى بقائه .
و أظرف منهإبقاء هرم لا يدري معنى البقاء ، و ليس له فيه إلا مجرد أذى .
و من هذاالجنس تقتير الرزق على المؤمن الحكيم ، و توسعته على الكافر الأحمق .
و فينظائر لهذه المذكورات يتحير العقل في تعليلها ، فيبقى مبهوتاً .
فلم أزلأتلمح جملة التكاليف ، فإذا عجزت قوى العقل عن الاطلاع على حكمه ذلك ، و قد ثبت لهاحكمة الفاعل ، علمت قصورها عن درك جميع المطلوب ، فأذعنت مقرة بالعجز . و بذلك تؤديمفروض تكليفها .
فلو قيل للعقل : قد ثبت عندك حكمة الخالق بما بنى أفيجوز أنينقدح في حكمته أنه نقض ؟ لقال : لأني عرفت بالبرهان أنه حكيم ، و أنا أعجز عنإدراك علله فأسلم على رغمي مقرأ بعجزي .

· فصل : تخيروا لنطفكم

تأملت في فوائدالنكاح و معانيه و موضوعه ، فرأيتأن الأصل الأكب في وضعه وجود النسل ، لأن الحيوان لايزال يتحلل ، ثم يختلف منالمتحلل الغذاء ، ثم يتحلل من الأجزاء الأصلية ما لا يخلفه شيء ، فإذا لم يكن بد منفنائه ، و كان المراد امتداد أزمان الدنيا جعل النسل خلفاً عن الأصل . و لما كانتصورة النكاح تأباها النفوس الشريفة من كشف العورة و ملا قاة ما لا يستحسن لنفسه ،جعلت الشهور تحث عليه ليحصل المقصود .
ثم رأيت هذا المقصود الأصلي يتبعه شيءآخر ، و هو استفراغ هذا الماء الذي يؤذي دوام احتقانه .
فإن المني ينفصل منالهضم الرابع ، فهو من أصفى جوهر الغذاء و أجوده ، ثم يجتمع ، فهو أحد الذخائرللنفس فإنها تدخر ـ لبقائها و قوتها ـ الدم ثم المني ، ثم تدخر التفل الذي هو منأعمدة البدن كأنه لخوف عدم غيره .
فإذا زاد اجتماع المني أقلق على نحوالإقلاق البول للحاقن ، إلا أن إقلاقه من حيث المعنى أكثر من إقلاق البول من حيثالصورة ، فتوجب كثرة اجتماعه ، و طول احتباسه ، أمراضاً صعبة ، لأنه يترقى من بخارهإلى الدماغ فيؤذي ، و ربما أحدث سمية .
و متى كان المزاح سليماً فالطبع يطلببروز المني إذا اجتمع كما يطلب بروز البول ، وقد ينحرف بعض الأمزجة ، فيقل اجتماعهعنده فيندر طلبه لإخراجه ، و إنما نتكلم عن المزاج الصحيح ، فأقول : قد بينت أنهإذا وقع به احتباسه أوجب أمراضاً و جدد أفكاراً رديئة ، و *** العشق و الوسوسة إلىغير ذلك من الآفات .
و قد نجد صحيح المزاج يخرج ذلك إذا اجتمع و هو بعدمتقلقل ، فكأنه الأكل الذي لا يشبع .
فبحثت عن ذلك فرأيته وقوع الخلل فيالمنكوح ، إما لدمامته ، و قبح منظره ، أو لآفة فيه ، أو لأنه غير مطلوب للنفس ،فحينئذ يخرج منه و يبقى بعضه .
فإذا أردت معرفة ما يدلك على ذلك ، فقسمقدار خروج المني في المحل المشتهى .
و في المحل الذي هو دونه ، كالوطء بينالفخذين بالإضافة إلى الوطء في محل النكاح ، و كوطء البكر بالإضافة إلى وطء الثيب .
فعلم حينئذ أن تخير المنكوح يستقضي فضول المني ، فيحصل للنفس كمال اللذة ،لموضع كمال بروز الفضول .
ثم قد يؤثر هذا في الولد أيضاً ، فإنه إذا كان منشابين قد حبسا أنفسهما عن النكاح مدة مديدة كان الولد أقوى منه من غيرهما ، أو منالمدمن على النكاح في الأغلب .
و لهذا كره نكاح الأقارب ، لأنه مما يقبضالنفس عن انبساطها ، فيتخيل الإنسان أنه ينكح بعضه ، و مدح نكاح الغرائب لهذاالمعنى .
و من هذا الفن يحصل كثير من المقصود من دفع هذه الفضول المؤذيةبمنكوح مستجد ، و إن كان مستقبح الصورة ما لا يحصل به في العادة .
و مثالهذا أن الطاعم إذا سلأ خبزاً و لحماً حيث لم يبق فيه فضل لتناول لقمة ، قدمت إليهالحلوى فيتناول ، فلو قدم أعجب منها لتناول ، لأن ، الجدة لها معنى عجيب ، و ذلك أنالنفس لا تميل إلى ما ألفت ، و تطلب غير ما عرفت ، و يتخايل لها في الجديد نوع مراد .
فإذا لم تجد مرادها صدفت إلى جديد آخر ، فكأنها قد علمت وجود غرض تام بلاكدر ، و هي تتخايله فيما تراه .
و في هذا المعنى دليل مدفون على البعث ، لأنفي خلق همته متعلقة بلا متعلق نوع عبث . فافهم هذا . فإذا رأت النفس عيوب ما خالطتفي الدنيا عادت تطلب جديداً . و لذلك قال الحكماء : العشق ، العمى عن عيوب المحبوب، فمن تأمل عيوبه سلا .
و لذلك يستحب للمرآة ألا تبعد عن زوجها بعداً تنسيهإياها ، و لا تقرب منه قرباً يملها معه ، و كذلك يستحب ذلك له ، لئلا يملها أو تظهرلديه مكنونات عيوبها .
و ينبغي له ألا يطلع منه على عورة ، و يجتهد في ألايشم منها إلا طيب ريح ، إلى غير ذلك من الخصال التي تستعملها النساء الحكيمات ،فإنهن يعلمن ذلك بفطرهن من غير احتياج إلى تعليم .
فأما الجاهلات فإنهن لاينظرن في هذا فيتعجل التفات الأزواج عنهن . فمن أراد نجابة الولد و قضاء الوطرفليتخير المنكوح ، إن كان زوجة فلينظر إليها ، فإذا وقعت في نفسه فليتزوجها ، ولينظر في كيفية وقوعها في نفسه ، فإن علامة تعلق حبها بالقلب ألا يصرف الطرف عنه ،فإذا انصرف الطرف قلق القلب بتقاضي النظرة ، فهذا الغاية .
و دونه مراتب علىمقاديرها يكون بلوغ الأغراض و إن كان جارية تشترى فلينظر إليها أبلغ من ذلك النظر ومن قدر مناطقة المرآة أو مكالمتها بما يوجب التنبيه ، ثم ليرى ذلك منها ، فإن الحسنفي الفم و العينيين .
و قد نص أحمد : على جواز أن يبصر الرجل من المرآة التييريد نكاحها ما هو عورة ، يشير إلى ما يزيد على الوجه .
و من أمكنه أن يؤخرالعقد أو شراء الجارية لينظر كيف توقان قلبه ، فإنه لا يخفى على العاقل توقان النفسلأجل المستجد و توقانها لأجل الحب فإذا رأى قلق الحب أقدم . فإنه قد أخبرنا محمد بنعبد الباقي قال : أخبرنا حمد بن أحمد قال : أخبرنا أبو نعيم قال : حدثنا سليمان بنأحمد قال : حدثنا عبد الجبار بن أبي عامر قال : حدثني أبي قال : حدثني خالد بن سلامقال : حدثنا عطاء الخرساني قال [ مكتوب في التوراة : كل تزويج على غير هوى حسرة وندامة إلى يوم القيامة ] .
ثم ينبغي للمتخير أن يتفرس في الأخلاق فإنها منالخفي ، و إن الصورة إذا خلت من المعنى كانت كخضراء الدمن .
و نجابة الولدمقصودة ، و فراغ النفس من الاهتمام بما حصلت من الرغبات أصل عظيم ، يوجب إقبالالقلب على المهمات .
و من فرغ من المهمات العارضة أقبل على المهمات الأصلية .
و لهذا جاء في الحديث : لا يقضي القاضي بين اثنين و هوغضبان.
و إذا وضع العشاء و حضرت العشاء فابدءوابالعشاء.
فمن قدر على امرآة صالحة في الصورة و المعنى فليغمض عنعوراتها ، و لتجتهد هي في مراضية من غير قرب يمل ، و لا بعد ينسى .
و لتقدمعلى التصنع ، له يحصل الغرضان منها ، و قضاء الوطر .
و مع الإحتراز الذيأوصيت به ، تدوم الصحبة ، و يحصل الغناء بها عن غيرها .
فإن قدر علىالإستكثار فأضاف إليها سواها عالماً أنه بذلك يبلغ الغرض الذي يفرغ قلبه زيادةتفريغ كان أفضل لحاله .
فإن خاف من وجود الغيرة ما يشغل القلب الذي قداهتممنا بجمع همته ، أو خاف وجود مستحسنة تشغل قلبه عن ذكر الآخرة ، أو تطلب منه مايوجب خروجه عن الورع ، فحسبه واحدة .
و يدخل فيما أوصيت به أنه يبعد فيالمستحسنات العفاف . فليبالغ الواجد لهن في حفظهن و سترهن .
فأن وجد ما لايرضيه عجل الاستبدال ، فإنه سبب السلو ، و إن قدر على الاقتصار فإن الاقتصار علىالواحدة أولى ، فإن كانت على الغرض قنع ، و إن لم تكن استبدل ، و نكاح المرأةالمحبوبة يفرغ الماء المجتمع ، فيوجب نجابة الولد و تمامه ، و قضاء الوطر بكماله .
و من خاف وجود الغيرة فعليه بالسراري ، فإنهن أقل غيرة ، و الاستظراف لهنأمكن من استظراف الزوجات .
و قد كان جماعة يمكنهم الجمع ، و كان النساءيصبرن ، فكان لداود عليه الصلاة و السلام مائة امرأة ، و لسليمان عليه الصلاة والسلام ألف امرأة ، و قد علم حال نبينا صلى الله عليه و سلم و أصحابه ، و كان لأميرالمؤمنين علي رضي الله عنه أربع حرائر ، و سبع عشرة سرية ، و تزوج ابنه الحسن رضيالله عنه بنحو من أربعمائة ، إلى غير هذا مما يطول ذكره .
فافهم ما أشرتإليه ، تفز به إن شاء الله تعالى .

· فصل : لماذا تكثر الحسنات و السيئات ؟

كل شيء خلق الله تعالى في الدنيافهو أنموذج في الآخرة و كل شيء يجري فيها أنموذج ما يجري في االآخرة . فأما المخلوقمنها فقالابن عباسرضي الله عنهما : [ ليس في الجنة شيءيشبه ما في الدنيا إلا الأسماء ] .
وهذا لأن الله تعالى شوق بنعيم إلى نعيم، و خوف بعذاب من عذاب .
فأما ما يجري في الدنيا فكل ظالم معاقب في العاجلعلى ظلمه قبل الآجل ، و كذلك كل مذهب ذنباً ، وهو معنى قوله تعالى : من يعمل سوءاً يجز به.
و ربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أن لا عقوبة ، و غفلة عما عوقبت به عقوبة .
و قد قال الحكماء : المعصية ، و الحسنة بعد الحسنه ثواب الحسنه .
و ربما كان العقاب العاجلمعنوياً كما قال بعض أحبار بني إسرائيل : [ يا رب كم أعصيك و لا تعاقبني ؟ ] فقيلله : [ كم أعاقبك وأنت لا تدري أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي ؟ ] .
فمن تأملهذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد ، حتى قال وهب بن الورد و قد سئل : أيجد لذةالطاعة من يعصي ؟ فقال : و لا من هم .
فرب شخص أطلق بصره فحرمه الله اعتباربصيرته أو لسانه فحرم صفاء قلبه ، أو آثر شبهة في مطعمه فأظلم سره ، وحرم قيامالليل وحلاوة المناجاة ، إلى غير ذلك .
و هذا أمر يعرفه أهل محاسبة النفس وعلى ضده يجد من يتقي الله تعالى من حسن الجزاء على التقوى عاجلاً ، كمافي حديث أبي أمامة : عن النبي صلى الله عليه و سلم يقول الله تعالى : النظرة إلى المرأة سهم مسموم من سهام الشيطان ، من تركه ابتغاء مرضاتي آتيتهإيماناً يجد حلاوته في قلبه.
فهذه نبذة من هذا الجنس تنبه علىمغفلها .
فأما المقابلة الصريحة في الظاهر فقل أن تحتبس ، و من ذلك قولالنبي صلى الله عليه و سلم : الصبحة تمنع الرزق ، وإن العبد ليحرمالرزق بالذنب يصيبه.
و قد روى المفسرون : أن كل شخص من الأسباط جاءباثني عشر ولداً ، و جاء يوسف بأحد عشر بالهمة ، و مثل هذا إذا تأمله ذو بصيرة رأىالجزاء و فهم كما قال الفضيل : [ إني لأعصي الله عز وجل فأعرف ذلك في خلق دابتيوجاريتي ] .
و عن أبي العثمان النيسابوري : أنه انقطع شسع نعله في مضيه إلىالجمعة فتعوق لإصلاحه ساعة ، ثم قال : [ ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة ] .
و من عجائب الجزاء في الدنيا أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة يوسفو شروه بثمن بخسامتدت أكفهم بين يديه بالطلب ، يقولون : و تصدق علينا.
و لما صبر هو يوم الهمة ملك المرأةحلالاً ، و لما بغت عليه بدعواها : ما جزاء من أراد بأهلك سوءأنطقها الحق بقولهاأنا راودته.
ولو أنشخصاً ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك ، وكذلك إذا فعل طاعة . و في الحديث : إذا أملقتم فتاجروا الله بالصدقة، أي عاملوه لزيادةالأرباح العاجلة .
و لقد رأينا من سامح نفسه بما يمنع منه الشرع ، طلباًللراحة العاجلة ، انقلبت أحواله إلى التنغص العاجل ، و عكست عليه المقاصد .
حكى بعض المشايخ : أنه اشترى في زمن شبابه جارية ، قال : [ فلما ملكتها تاقتنفسي إليها ، فما زلت أسأل الفقهاء لعل مخلوقا يرخص لي ] .
فكلهم قال : [ لايجوز النظر إليها بشهوة ، و لا لمسها ، و لا جماعها إلا بعد حيضها ] .
قال : فسألتها فأخبرتني أنها اشتريت و هي حائض ] ، فقلت : [ قرب الأمر ] .
فسألتالفقهاء فقالوا : [ لا يعتد بهذه الحيضة حتى تحيض في ملكه ] .
قال : فقلتلنفسي و هي شديدة التوقان لقوة الشهوة ، و تمكن القدرة و قرب المصاقبة : [ ماتقولين ؟ ] .
فقالت : [ الإيمان بالصبر على الجمر ، شئت أم أبيت ] .
فصبرت إلى أن حان ذلك ، فأثابني الله تعالى على ذلك الصبر بنيلي ما هو أعلىمنها وأرفع .

· فصل : لا يخفى على الله شيء

نظرت في الأدلة على الحق سبحانه و تعالىفوجدتها أكثر من الرمل ، و رأيت من أعجبها أن الإنسان قد يخفي ما لا يرضاه الله عزو جل ، فيظهره الله سبحانه عليه وحده و لو بعد حين ، و ينطق الألسنة به و إن لميشاهده الناس .
و ربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق ، فيكونجواباً لكل ما أخفى من الذنوب ، و ذلك ليعلم الناس أن هنالك من
يجازي علىالزلل ، و لا ينفع من قدره وقدرته حجاب ولا استتار ، و لا يصاغ لديه عمل .
وكذلك يخفي الإنسان الطاعة فتظهر عليه ، و يتحدث الناس بها و بأكثر منها ، حتى إنهملا يعرفون له ذنباً و لا يذكرونه إلا بالمحاسن ، ليعلم أن هنالك رباً لا يضيع عملعامل .
و إن قلوب الناس لتعرف حال الشخص و تحبه ، أو تأباه ، و تذمه ، أوتمدحه وفق ما يتحقق بينه و بين الله تعالى ، فإنه يكفيه كل هم ، و يدفع عنه كل شر .
و ما أصلح عبد ما بينه و بين الخلق دون أن ينظر الحق ، إلا انعكس مقصوده وعدحامده ذاماً .

· فصل : الشر و الخير

تأملت الأرض و من عليها بعين فكري ، فرأيت خرابهاأكثر من عمرانها .
ثم نظرت في المعمور منها فوجدت الكفار مستولين على أكثره، و وجدت أهل الإسلام في الأرض قليلاً بالإضافة إلى الكفار .
ثم تأملتالمسلمين فرأيت المكاسب قد شغلت جمهورهم عن الرازق ، و أعرضت بهم عن العلم الدالعليه .
فالسلطان مشغول بالأمر و النهي و اللذات العارضة له ، و مياه أغراضهجارية لا شكر لها .
و لا يتلقاه أحد بموعظة بل بالمدحة التي تقوي عنده هوىالنفس .
و إنما ينبغي أن تقاوم الأمراض بأضدادها .
كما قالعمر بن المهاجر: قال لي عمر بن عبد العزيز : [ إذا رأيتني قدحدت عن الحق فخذ بثيابي و هزني ، و قل : مالكيا عمر ؟ ] .
و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : [ رحم الله من أهدى إلينا عيوبنا ] .
فأحوج الخلق إلى النصائح و المواعظ ، السلطان .
و أما جنوده فجمهورهمفي سكر الهوى ، و زينة الدنيا ، و قد انضاف إلى ذلك الجهل ، و عدم العلم ، فلايؤلمهم ذنب ، و لا ينزعجون من لبس حرير ، أو شرب خمر ، حتى ربما قال بعضهم : [ إيشيعمل الجندي ، أيلبس القطن ؟ ] .
ثم أخذهم للأشياء من غير وجهها ، فالظلممعهم كالطبع .
و أرباب البوادي قد غمرهم الجهل ، و كذلك أهل القرى . ما أكثرتقلبهم في الأنجاس و تهوينهم لأمر الصلوات ، و ربما صلت المرأة منهن قاعدة .
ثم نظرت في التجار ، فرأيتهم قد غلب عليهم الحرص ، حتى لا يرون سوى وجوهالكسب كيف كانت ، و صار الربا في معاملتهم فاشياً ، فلا يبالي أحدهم من أي تحصل لهالدنيا ؟
و هم في باب الزكاة مفرطون ، و لا يستوحشون من تركها ، إلا من عصمالله .
ثم نظرت في أرباب المعاش ، فوجدت الغش في معاملاتهم عاماً ، والتطفيف و البخس ، و هم مع هذا مغمورون بالجهل .
و رأيت عامة من له ولديشغله ببعض هذه الأشغال طلباً للكسب قبل أن يعرف ما يجب عليه و ما يتأدب به .
ثم نظرت في أحوال النساء ، فرأيتهن قليلات الدين ، عظيمات الجهل ، ما عندهممن الآخرة خبر إلا من عصم الله .
فقلت : واعجباً فمن بقي لخدمة الله عز وجلو معرفته ؟
فنظرت فإذا العلماء ، و المتعلمون ، و العباد ، و المتزهدون . فتأملت العباد ، و المتزهدين فرأيت جمهورهم يتعبد بغير علم ، و يأنس إلى تعظيمه ، وتقبيل يده و كثرة أتباعه ، حتى إن أحدهم لو اضطر إلى أن يشتري حاجة من السوق لميفعل لئلا ينكسر جاهه .
ثم تترقى بهم رتبة الناموس إلى ألا يعودوا مريضاً ،و لا يشهدوا جنازة ، إلا أن يكون عظيم القدر عندهم . و لا يتزاورون ، بل ربما ضنبعضهم على بعض بلقاء ، فقد صارت النواميس كلأوثان يعبدونها و لا يعلمون .
وفيهم من يقدم على الفتوى و هو جاهل لئلا يخل بناموس التصدر ثم يعيبون العلماءلحرصهم على الدنيا و لا يعلمون أن المذموم من الدنيا ما هم فيه ، إلا تناولالمباحات .
ثم تأملت العلماء المتعلمين ، فرأيت القليل من المتعلمين عليهأمارة النجابة ، لأن أمارة النجابة طلب العلم للعمل به . و جمهورهم يطلب منه مايصيره شبكة للكسب ، إما ليأخذ به قضاء مكان أو ليصير به قاضي بلد ، أو قدر ما يتميزبه عن عن أبناء جنسه لم يكتفي .
ثم تأملت العلماء فرأيت أكثرهم يتلاعب بهالهوى و يستخدمه ، فهو يؤثر ما يصده العلم عنه ، و يقبل على ما ينهاه ، و لا يكاديجد ذوق معاملة الله سبحانه ، و إنما همته أن يحدث و حسب .
إلا أن الله لايخلي الأرض من قائم له بالحجة ، جامع بين العلم و العمل . غارف بحقوق الله تعالى ،خائف منه . فذلك قطب الدنيا ، و متى مات أخلف الله عوضه .
و ربما لم يمتحتى يرى من يصلح للنيابة عنه في كل نائبة .
و مثل هذا لا تخلو الأرض منه ،فهو بمقام النبي في الأمة .
و هذا الذي أصفه يكون قائماً بالأصول ، حافظاًللحدود ، و ربما قل علمه أو قلت معاملته .
فأما الكاملون في جميع الأدواتفيندر وجودهم ، فيكون في الزمان البعيد منهم واحد .
و لقد سبرت السلف كلهمفأردت أن أستخرج منهم من جمع بين العلم حتى صار من المجتهدين ، و بين العمل حتى صارقدوة للعابدين ، فلم أر أكثر من ثلاثة : أولهمالحسن البصري، و ثانيهمسفيان الثوري، و ثالثهمأحمد بن حنبل.
و قد أفردت لأخبار كل واحد منهم كتاباً، و ما أنكر على من ربعهم بسعيد بن المسيب .
و إن كان في السلف سادات إلا أنأكثرهم غلب عليه فن ، فنقص من الآخر ، فمنهم من غلب عليه العلم ، و منهم من غلبعليه العمل ، و كل هؤلاء كان هؤلاء كان له الحظ الوافر من العلم ، و النصيب الأوفىمن المعاملة و المعرفة .
و لا يأس من و جود من يحذو حذوهم ، و إن كان الفضلبالسبق لهم . فقد أطلع الله عز وجل الخضر على ما خفى من موسى عليهما السلام .
فخزائن الله مملوءة ، و عطاؤه لا يقتصر على شخص .
و قد حكي لي عن ابنعقيل أنه كان يقول عن نفسه : [ أنا عملت في قارب ثم كسر ] .
و هذا غلط فمنأين له ؟ فكم معجب بنفسه كشف له من غيره ما عاد يحقر نفسه على ذلك و كم من متأخرسبق متقدماً ، و قد قيل :
إن الليالي و الأيامحاملة و ليس يعلم غير الله ما تلد

· فصل : في قوة قهر الهوى لذة كبرى

رأيت ميل النفس إلى الشهوات زائداً فيالمقدار حتى إنها إذا مالت ، مالت بالقلب و العقل و الذهن ، فلا يكاد المرء ينتفعبشيء من النصح .
فصحت بها يوماً و قد مالت بكليتها إلى شهوة : ويحك ! ففيلحظة أكلمك كلمات ثم افعلي ما بدا لك .
قالت : قل اسمع .
قلت : قدتقرر قلة ميالك إلى المباحات من الشهوات ، و أما جل ميلك فإلى المحرمات .
وأنا أكشف لك عن الأمرين ، فربما رأيت الحلوين مرين .
أما المباحات منالشهوات ، فمطلقة لك و لكن طريقها صعب ، لأن المال قد يعجز عنها ، و الكسب قد لايحصل معظمها ، و الوقت الشريف يذهب بذلك .
ثم شغل القلب بها وقت التحصيل ، وفي حالة الحصول ، و بحذر الفوات .
ثم ينغصها من النقص ما لا يخفى على مميز ،و أن كان مطعماً فالشبع يحدث آفات ، و إن كان شخصياً فالملل أو الفراق ، أو سوءالخلق . ثم ألذ النكاح أكثره إهاناً للبدن ، إلى غير ذلك مما يطول شرحه .
وأما المحرمات : فتشتمل على ما أشرنا إليه من المباحات و تزيد عليها بأنها آفة العرضو مظنة عقاب الدنيا و فضيحتها ، و هناك و عيد الآخرة ، ثم الجزع كلما ذكرها التائب .
و في قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة . ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوىكيف يكون ذليلاً ؟ لأنه قهر . بخلاف غلب الهوى فأنه يكون قوي القلب ، عزيزاً لأنهقهر .
فالحذر الحذر من رؤية المشتهي بعين الحسن ، كما يرى اللص لذة أخذالمال من الحرز ، و لا يرى بعين فكره القطع .
و ليفتح عين البصيرة لتأملالعواقب و استحلة اللذة نغصة ، و انقلابها عن ، كونها لذة ، إما لملل أو لغيره منالآفات ، أو لا نقطاعها بامتناع ****** . فتكون المعصية الأولى كلقمة تناولها جائع، فما ردت كلب الجوع ، بل شهت الطعام .
و ليتذكر الانسان لذة قهر الهوى ، معتأمل فوائد الصبر عنه .
فمن وقف لذلك ، كانت سلامه قريبة منه . .

· فصل : شغل الحياة

خطر لي خاطر و المجلس قد طيب ، و القلوب قد حضرت ،والعيون جارية ، و الرؤوس مطرقة ، و النفوس قد ندمت على تفريطها ، و العزائم قدنهضت لإصلاح شؤونها ، و ألسنة اللوم تعمل في الباطن على تضييع الحزم و ترك الحذر ،فقلت لنفسي : ما بال هذه اليقظة لا تدوم فإني أرى النفس و اليقظة في المجلسمتصادقين متصافيين ، فإذا قمنا عن هذه التربة ، و قعت الغربة .
فتأمت ذلكفرأيت أن النفس ما تزال متيقظة ، و القلب ما يزال عارفاً ، غير أن القواطع كثيرة ،و الفكر الذي ينبغي استعماله في معرفة الله سبحانه تعالى قد كل مما يستعمل فياجتلاب الدنيا ، و تحصيل حوائج النفوس ، و القلب منغمس في ذلك ، و البدن أسيرمستخدم .
و بينا الفكر يجول في اجتلاب الطعام و الشراب و الكسوة ، و ينظر فيصدد ذلك ، و ما يدخر لعده و سنته ، إذا هو مهتم بخروج الفضلات المؤذية ـ و منهاالمني فاحتاج إلى النكاح ، فعلم أنه لا يصح إلا باكتساب كسب الدنيا فتفكر في ذلكوعمل بمقتضاه .
ثم جاء الولد فاهتم به وله ، و إذا الفكر عامل في أصولالدنيا و فروعها . فإذا حضر الإنسان المجلس فإنه لا يحضر جائغاً و لا حاقناً . بليحضره جائعاً لهمه ، ناسياً ما كان من الدنيا على ذكره فيخلو الوعظ بالقلب فيذكرهبما ألف ، و بجذبه بما عرف ، فينهض عمال القلب في زوارق عرفانه . فيحضرون النفس إلىباب المطالبة بالتفريط ، و يؤاخذون الحس بما مضى من العيوب ، فتجري عيون الندم ، وتنعقد عزائم الاستدراك .
و لو أن هذه النفس خلت عن المعهودات التي وصفتها ،لتشاغلت بخدمة باريها .
و لو وقعت في سورة حبه ، لاستوحشت عن الكل شغلاًبقربه .
و لهذا سكن الزهاد الخلوات ، و تشاغلوا بقطع المعوقات ، و على قدرمجاهدتهم في ذلك نالوا من الخدمة مرادهم ، كما أن الحصاد على مقدار البذر .
غير أن تلمحت في هذه الحالة ـ دقيقة ـ و هو أن النفس لو دامت لها اليقظةلوقعت فيما هو شر من فوت ما فاتها ، و هو العجب بحالها ، و الاحتقار لجنسها .
و ربما ترقت بقوة علمها و عرفانها ، إلى دعوى قولها : لي ، و عندي ، و أستحق . فتركها في حومة ذنوبها تتخبط .
فإذا وقفت على الشاطئ قامت بحق ذلةالعبودية ، و ذلك أولى لها .
هذا حكم الغالب من الخلق ، و لذلك شغلوا عن هذاالمقام ، فمن بذر فصلح له فلا بد له من هفوة تراقبها عين الخوف بها تصح عبوديته ، وتسلم له عبادته .
و إلى هذا المعنى أشار الحديث الصحيح : لو لم تذنبوا لذهب الله بكم و جاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.

· فصل : نقد الصوفية

تفكرت فرأيت أن حفظ المال من المتعين ، و ما يسميهجهلة المتزهدين توكلا من إخراج ما في اليد ليس بالمشروع . فإن النبي صلى الله عليهو سلم قال لكعب بن مالك : أمسك عليك بعض مالكأو كما قالله ، و قال لسعد : لأن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالةيتكففون الناس.
فإن اعترض جاهل فقال : فقد جاء أبو بكر رضي الله عنهبكل ماله .
فالجواب أن أبا بكر صاحب جأش و تجارة ، فإذا أخرج الكل أمكنه أنيستدين عليه ، فيتعيش .
فمن كان على هذه الصفة لا أذم إخراجه لماله ، و إنماالذم متطرق إلى من يخرج ماله و ليس من أرباب المعائش .
أو يكون من أولئك ،إلا أنه ينقطع عن المعاش فيبقى كلا على الناس ، يستعطهم و يعتقد أنه على الفتوح ، وقلبه متعلق بالخلق ، و طعمه ناشب فيهم .
و مت حرك بابه نهض قلبه . و قال : رزق قد جاء .
و هذا أمر قبيح بمن يقدر به على المعاش ، و إن لم يقدر كانإخراج ما يملك أقبح ، لأنه يتعلق قلبه بما في أيدي الناس .
و ربما ذل لبعضهم، أو تزين له بالزهد ، و أقل أحواله أن يزاحم الفقراء و المكافيف و الزمني فيالزكاة .
فعليك بالشرب الأول ، فانظر هل فيهم من فعل ما يفعله جهلةالمتزهدين ؟
و قد أشرت في أول هذا إلى أنهم كسبوا و خلفوا الأموال .
فرد إلى الشرب الأول ، الذي لم يطرق فإنه الصافي .
و احذر من المشارعالمطروقة بالآراء الفاسدة الخارجة في المعنى على الشريعة مذعنة بلسان حالها أنالشرع ناقص يحتاج إلى ما يتم به .
واعلم ـ وفقك الله تعالى ـ أن البدنكالمطية ، و لا بد من علف المطية ، و الاهتمام به .
فإذا أهملت ذلك كان سببالوقوفك عن السير .
وقد رئي سلمان رضي الله عنه يحمل طعاما على عاتقه ، فقيلله : أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال : [ إن النفس إذاأحرزت قوتها اطمأنت ] .
و قالسفيان الثوري: [ إذا حصلت قوت شهر فتعبد] .
و قد جاء أقوام ليس عندهم سوى الدعاوي فقالوا : هذا شك في الرازق والثقة به أولى . فإياك وإياهم .
و ربما ورد مثل هذا عنبعض صدور الزهاد من السلف فلا يعول عليه ، ولا يهولنك خلافهم .
فقد قالأبو بكر المروذي: سمعتأحمد بن حنبليرغب في النكاح . فقلت له : قال ابن أدهم ، فما تركني أتمم حتى صاح علي ، وقال : أذكر لك حال رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه ، وتأتيني ببنيات الطريق؟
و اعلم وفقك الله : أنه لو رفض الأسباب شخص يدعي التزهد . و قال : لا آكلو لا أشرب ، و لا أقوم من الشمس في الحر ، و لا استدفئ من البرد ، كان عاصياًبالإجماع .
و كذلك لو قال و له عائلة : لا أكتسب و رزقهم على الله تعالى ،فأصابهم أذى ، كان آثماً .
كما قال عليه الصلاة والسلام : كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يوقت.
و اعلم أن الاهتمامبالكسب يجمع الهم ، و يفرغ القلب ، ويقطع الطمع في الخلق ، فإن الطبع له حق يتقاضاه .
وقد بين الشرع ذلك فقال : إن لنفسك عليك حقاً ، و إن لعينك عليك حقاً .
و مثال الطبع من المريد السالك ، كمثل كلب لا يعرف الطارق ، فكل من رآه يمشي، نبح عليه ، فإن ألقى إليه كسرة سكت عنه .
فالمراد من الاهتمام بذلك جمعالهم لا غير ، فافهم هذه الأصول ، فإن فهمها مهم . .

· فصل : الإنسان والشهوة

تأملت في شهوات الدنيا فرأيتها مصائد و هلاك ، وفخوخ تلف .
فمن قوي عقله على طبعه و حكم عليه سلم ، و من غلب طبعه فيا سرعةهلكته .
و لقد رأيت بعض أبناء الدنيا كان يتوق إلى التسري . ثم يستعملالحرارات المهيجة للباه ، فما لبث أن انحلت حرارته الغريزية و تلف .
و لم أرفي شهوات النفس أسرع هلاكاً من هذه الشهوة ، فإنه كلما مال الإنسان إلى شخص مستحسنأوجب ذلك حركة الباه زائداً عن العادة .
و إذا رأى أحسن منه زادت الحركةوكثر خروج المني زائداً عن الأول ، فيفنى جوهر الحياة أسرع شيء .
و بالضد منهذا أن تكون المرأة مستقبحة فلا يوجب نكاحها خروج الفضلة المؤذية كما ينبغي ، فيقعالتأذي بالاحتباس و قوة التوق إلى المنكوح .
و كذلك المفرط في الأكل فإنهيجني على نفسه كثيراً من الجنايات ، و المقصر في مقدار القوت كذلك ، فعلمت أن أفضلالأمور أوسطها
و الدنيا مفازة فينبغي أن يكون السابق فيها العقل ، فمن سلمزمام راحلته إلى طبعه و هواه ، فيا عجلة تلفه ـ هذا فيما يتعلق بالبدن و الدنيا ـفقس عليه أمر الآخرة فافهم .

· فصل : حقيقة الذهد

بلغني عن بعض زهاد زماننا أنه قدم إليه طعام فقال : لا آكل . فقيل له : لم ؟ قال : لأن نفسي تشتهيه ، و أنا منذ سنين ما بلغت نفسي ماتشتهي .
فقلت : لقد خفيت طريق الصواب عن هذا من وجهين ، و سبب خفائها عدمالعلم .
أما الوجه الأول : فإن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن على هذا ولا أصحابه ، و قد كان عليه الصلاة و السلام يأكل لحم الدجاج ، و يحب الحلوى و العسل .
و دخل فرقد السبخي على الحسن و هو يأكل الفالوذج . فقال : [ يا فرقد ماتقول في هذا ] ؟ فقال [ لا آكله و لا أحب من أكله ] . فقال الحسن : [ لعاب النحل ،بلباب البر ، مع سمن البقر ، هل يعيبه مسلم ؟ ] .
و جاء رجل إلى الحسن فقال : [ إن لي جاراً لا يأكل الفالوذج ] فقال [ و لم ؟ ] قال يقول : [ لا أؤدي شكري ] ،فقال [ إن جارك جاهل و هل شكر الماء البارد ؟ ] .
و كانسفيان الثورييحمل في سفره الفالوذج . و الحمل المشوي ، و يقول : [ إن الدابة إذا أحسن إليها عملت ] .
و ما حدث في الزهاد بهدهم من هذاالفن فأمور مسروقة من الرهبانية . و أنا خائف من قوله تعالى : لاتحرموا طيبات ما أحل الله لكم و لا تعتدوا.
و لا نحفظ عن أحمد منالسلف الأول من الصحابة من هذا الفن شيء أن يكون ذلك لعارض .
و سبب ما يروىعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه اشتهى شيئاً فآثر به فقيراً ، و أعتق جاريته رميثة، و قال : [ إنها أحب الخلق إلي ] ، فهذا و أمثاله حسن ، لأنه إيثار بما هو أجودعند النفس من غيره ، و أكثر لها من سواه .
فإذا وقع في بعض الأوقات ، كسرتالفعل سورة هواها أن تطغى بنيل كل ما تريد .
فأما من دام على مخالفتها علىالإطلاق ، فإنه يعمي قلبها ، و يبلد خواطرها ، و يشتت عزائمها ، فيؤذيها أكثر مماينفعها .
و قد قالإبراهيم بن أدهم: إن القلبإذا أكره عمى . و تحت مقالته سر لطيف و هو أن الله عز وجل قد وضع طبيعة الآدمي علىمعنى عجيب ، و هو أنها تختار الشيء من الشهوات مما يصلحها ، فتعلم باختيارها لهصلاحه ، و صلاحها به .
و قد قال حكماء الطب : ينبغي أن يفسح للنفس فيماتشتهي من المطاعم ، و إن كان فيه نوع ضرر ، لأنها إنما تختار ما يلائمها ، فإذاقمعها الزاهد في مثل هذا عاد على بدنه بالضرر .
و لولا جواذب الباطن منالطبيعة ما بقي البدن فإن الشهوة للطعام تثور ، فإذا وقعت الغنية بما يتناول كفتالشهوة .
فاشهوة مريد و رائد ، و نعم الباعث هي على مصلحة البدن .
غير أنها إذا أفرطت وقع الأذى ، و متى منعت ما تريد على الإطلاق مع الأمن منفساد العاقبة عاد ذلك على النفس بالفساد ، و وهن الجسم ، و اختلاف السقم الذيتتداعى به الجملة ، مثل أن يمنعها الماء عند اشتداد العطش ، و الغذاء عند الجوع ، والجماع عند قوة الشهوة ، و النوم عند غلبته ، حتى إن المغتم إذا لم يتروح بالشكوىقتله الكمد .
قهذا أصل إذا فهمه هذا الزاهد . علم أنه قد خالف طريق الرسولصلى الله عليه و سلم و أصحابه . من حيث النقل ، و خالف الموضوع من حيث الحكمة .
و لا يلزم على هذا قول القائل : فمن أين يصفو المطعم ؟ لأنه إذا لم يصف كانالترك ورعاً ، و إنما الكلام في المطعم الذي ليس فيه ما يؤذي في باب الورع و كان ماشرحته جواباً للقائل : ما أبلغ نفسي شهوة على الإطلاق .
و الوجه الثاني : أني أخاف على الزاهد أن تكون شهوته انقلبت إلى الترك فصار يشتهي ألا يتناول ، وللنفس في هذا مكر خفي ، و رياء دقيق ، فإن سلمت من الرياء للخلق ، كانت الآفة منجهة تعلقها بمثل هذا الفعل ، و إدلاها في الباطن به ، فهذه مخاطرة و غلط .
وربما قال بعض الجهال : هذا صد عن الخير و عن الزهد . و ليس كذلك ، فإن الحديث قد صحعن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : كل عمل ليس عليه أمرنافهو رد.
و لا ينبغي أن يغتر بعبادة جريح ، و لا بتقوى ذي الحويصرة ،و لقد دخل المتزهدون في طرق لم يسلكها الرسول صلى الله عليه و سلم ، و لا أصحابه ،من إظهار التخشع الزائد في الحد ، و التنوق في تخشين الملبس ، و أشياء صار العواميستحسونها .
و صارت لأقوام كالمعاش يجتنون من أرباحها : تقبيل اليد ، وتوفير التوقير و حراسة الناموس .
و أكثرهم في خلوته ، على غير حالته فيجلوته .
و قد كان ابن سيرين يضحك بين الناس قهقهة ، و إذا خلا بالليل فكأنهقتل أهل القرية .
فنسأل الله تعالى علماً نافعاً فهو الأصل ، فمتى حصل أوجبمعرفة المعبود عز وجل ، و حرك إلى خدمته بمقتضى ما شرعه و أحبه ، و سلك بصاحبه طريقالإخلاص .
و أصل الأصول ـ العلم ، و أنفع العلوم النظر في سير الرسول صلىالله عليه و سلم و أصحابهأولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.

· فصل : جهاد النفس

تأملت جهاد النفس فرأيتهأعظم الجهاد ، و رأيت خلقاً من العلماء و الزهاد لا يفهمون معناه ، لأن فيهم منمنعها حظوظها على الإطلاق ، و ذلك غلط من وجهين :
أحدهما : أنه رب مانع لهاشهوة أعطاها بالمنع أوفى منها .
مثل أن يمنعها مباحاً فيشتهر بمنعه إياهاذلك ، فترضى النفس بالمنع لأنها قد استبدلت به المدح .
و أخفى من ذلك أن يرىـ بمنعه إياها ما منع ـ أنه قد فصل سواه ممن لم يمنعها ذلك و هذه دفائن تحتاج إلىمنقاش فهم يخلصها .
و الوجه الثاني ، أننا قد كلفنا حفظها ، و من أسبابحفظها ميلها إلى الأشياء التي تقيمها ، فلا بد من إعطائها ما يقيمها ، و أكثر ذلكأو كله ما تشتهيه .
و نحن كالوكلاء في حفظها . لأنها ليست لنا بل هي وديعةعندنا ، فمنعها حقوقها على الإطلاق خطر .
ثم رب شد أوجب استرخاء ، و رب مضيقعلى نفسه فرت منه فصعب عليه تلافيها .
و إنما الجهاد لها كجهاد المريضالعاقل ، يحملها على مكروهها في تناول ما ترجو به العافية ، و يذوب في المرارةقليلاً من الحلاوة ، و يتناول من الأغذية مقدار ما يصفه الطبيب . و لا تحمله شهوتهعلى موافقة غرضها من مطعم ربما جر جوعاً ، و من لقمة ربما حرمت لقمات .
فكذلك المؤمن العاقل لا يترك لجامها ، و لا يهمل مقودها ـ بل يرخى لها فيوقت و الطول بيده .
فما دامت على الجادة لم يضايقها في التضييق عليها .
فإذا رآها مالت ردها باللطف ، فإن ونت و أبت فبالعنف .
و يحبسها فيمقام المداراة ، كالزوجة التي مبنى عقلها على الضعف و القلة ، فهي تدارى عند نشوزهابالوعظ ، فإن لم تصلح فبالهجر ، فإن لم تستقم فبالضرب .
و ليس في سياطالتأديب أجود من سوط عزم .
هذه مجاهده من حيث العمل ، فأما من حيث وعظها وتأنيبها ، فينبغي لمن رآها تسكن للخلق ، و تتعرض بالدناءة من الأخلاق أن يعرفهاتعظيم خالقها لها فيقول :
ألست التي قال فيك : خلقتك بيدي ، و اسجدت لكملائكتي ، و ارتضاك للخلافة أرضه ، و راسلك و اقترض منك و اشترى .
فإن رآهاتتكبر ، قال لها : هل أنت إلا قطرة من ماء مهين ، تقتلك شرقة ، تؤلمك بقة ؟
و إن رأى تقصيرها عرفها حق الموالي على العبيد .
و أن ونت في العمل ،حدثها بجزيل الأجر .
و إن مالت إلى الهوى ، خوفها عظيم الوزر . ثم يحذرهاعاجل العقوبة الحسية ، كقوله تعالى : قل أرأيتم إن أخذ اللهسمعكم و أبصاركمو المعنوية كقوله تعالى : سأصرف عن آياتيالذين يتكبرون في الأرض بغير الحق.
فهذا جهاد بالقول ، و ذاك جهادبالفعل .

المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc saaid alkater.doc‏ (1.59 ميجابايت, المشاهدات 41)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
...لابن, الخاطر, الجوزي, كتاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع حمل كتاب صيد الخاطر ...لابن قيم الجوزي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إشارات تربوية رائعة لابن الجوزي صابرة البيت السعيد 0 11-11-2015 02:34 PM
حمل كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 1 03-16-2012 03:02 PM
حمل كتاب صيد الخاطر Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 02-02-2012 10:54 PM
نقد كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة محمد خطاب دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 01-24-2012 03:56 PM
حمل كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 01-09-2012 11:37 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:49 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59