|
كتب ومراجع إلكترونية عرض وتحميل الكتب الإلكترونية ebooks |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
قراءة فى فكر علماء الإستراتيجية
أ.د . جمال عبد الهادى و الشيخ . عبد الراضى أمين مقدمة الحمد لله الذى علم الإنسان ما لم يعلم، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فـلا هادى له. وأشـهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريك له، الذى علمنا (فذَكِّرْ إن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى (10) ويَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (11) الَذِي يَصْلَى النَّارَ الكُبْرَى (12) ) الأعلى: 9- 12. وأشهد أن محمدأ عبد الله ورسوله الذى علمنا "أوثق عرى الإيمان الموالاة فى الله والمعـاداة فى الله ، والحب فى الله والبـغض فى الله " (1)، والذى علمنا: "سيأتى على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخـائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة" قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه يتحدث فى أمر العامة" (2). اللهم صل على محمد وعلى آل محـمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد... أما بعد: مما لا شك فيه أن قضية "بيت المقدس " هى قضية العالم الإسلامى المحورية، واغتصابها على أيدى الإنجليز عام 1918،، ومن بعدهم الصهاينة وقوى الاستعمار العالمى فى 4 مايو 1948، قد عرض أمن العالم الإسلامى كله للخطر؟ فلقد أثبتت الدراسات والأحـداث أن العدو الذى اغتصب القدس لن تقف أطماعه عند هذا الحد، بل إنه يحلم بتمزيق العالم إلى "كانتونات " عرقية وطائفية، وإقامة دولة يهودية عالمية (3) عاصمتها بيت المقدس، ومن أجل هذا كان للعدو استراتيجـية ثابتة تقوم على توجيه ضربات مباغتة ومفاجئة لدول المنطقة، ثم التوقف حتى يتم هضم اللقمة التى ابتلعها، ولا مانع أثناءها من رفع شعارات- السلام- لتخدير مشاعر الفريسة وأهلها ريثما يتم توجيه الضربة التالية،، وهكذا. والعقبة فى سبيل تحقيق ذلك- كما يراها الصهاينة- هى عقيدة التوحيد، ووحدة الأمة المسلمة، وخصوبة النسل، والصحـوة الإسلامية المتنامية، وامتداد رقعة العالم الإسلامى ، ووفرة ثرواته وموارده الطبيعية، ومن هنا كانت استراتيجية العدو التى تقوم على ضرورة تفكيك أوصال الأمة إلى كيانات طائفية عرقية، مع إشاعة الفتنة بين هذه الكيانات. بالإضافة إلى محـاولة تحجيم نسل المسلمين، وطمس معالم عقيدة الإسلام فى القلوب، وضرب مواقع القوة فى الجسد الإسلامى بشتى الوسائل، وقد استطاع العدو أثناء تنفيذ هذه الاستراتيجية- تنويم الأمة- من خلال معاهدات السلام، وإجراءات التطبيع، ومن خـلال توظيف المنظمات الدولية، وغالب الأنظمة الحـاكمة بمؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية لتحقيق أهدافه ، ورغم هذا فيبدو أن قطاعأ كبيرأ من الأمة لا يدرك حجم تلك الأخطار. ولما كان من واجب العلماء تنبيه الأمة إلى الأخطار المحدقة بها، وتبصيرها بضراوة الهجمة الصهيونية الاستعمارية وأبعادها التى لن تقف عند حد اغتصاب فلسطين وحدها، لعل الأمة تنتبه، وتأخذ زمام المبادرة فى التصدى لهذا العدوان الواقع عليها وتحرير القدس وغيرها من ديار الإسلام. كخطوة أولى نحو تحرير إرادة الأمة، وإقامة دين الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. من أجل هذا كـان "الكتاب الأول "، وهو عبـارة عن قـراء! فى فكر بعض علمـاء الاستراتيجـية والعلوم السياسية والعسكرية المشهود لهم بالكفاءة، وبعض الكتاب المعاصرين الذين نبهوا- جميعاً- إلى تلك الأخطار التى طوقت الأمة ا وبينوا كيفية مواجهتها. وقراءتنا هذه جعلناها فى ستة فصول على النحو التالى:- الفصل الأول: قراءة فى فكر اللواء أ. ح. د. فوزى محمد طايل. المبحث ا لأول: الجولة الإسرائيلية- العربية السادسة. المبحث الثانى: صدام محتمل من أجل القدس. الفصل الثانى: قراءة فى فكر الأستاذ الدكتور حامد عبد الله ربيع. المبحث الأول: الصهيونية والاستعمار يعدون العدة لتمزيق مصر والمنطقة العربية. المبحث الثانى: لماذا يحرص اليهود على تمزيق المنطقة العربية؟ المبحث الثالث: الأدوات التى تتبناها السياسة الأمريكية . المبحث الرابع: مصر والحرب القادمة. المبحث الخامس: أسباب نجاح مخططات الاستعمار والصهيونية فى العالم العربى. الفصل الثالث: قراءة فى فكر رجاء جارودى المبحث الأول: حول كتاب 1- "ملف إسرائيل ". 2- " الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية". المبحث الثانى: إسرائيل ظاهرة استعمارية المبحث الثالث: استراتيجية إسرائيل فى الثمانينات والتسعينات من خلال تقرير المنظمة الصهيونية العالمية. الفصل الرابع: قراءة فى فكر دكتور جمال حمدان من خلال كتاب " صفحات من أوراقه الخـاصة " . الفصل الخامس: قراءة فى فكر الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدى من خلال كتابه "الشخصية اليهودية من خلال القرآن الكريم " (تاريخ- وسمات- ومصير). الفصل السادس: قراءات متنوعة... ومقالات صحفية: المبحث الأول: قراءة فى فكر د. مراد هوفمان. المبحث الثانى: قراءة فى مقالة: "المصريون فى مهب الريح ". المبحث الثالث: قراءة فى فكر الأستاذ سعد الدين وهبه. المبحث الرابع: قراءة فى مقالة الدكتور مصطفى محمود (دستور اللصوص) . المبحث الخـامس: قراءة فى مقالة الأستاذ أحمد بهجت (جذور العنف) أيها القارىء الكريم: لا يفوتنا أن ننوه إلى أن دورنا فى هذا الإصدار- الأول- هو دور المؤرخ الذى يقوم بتجميع الوثائق التاريخية، وترتيبها، تمهيداُ لإخضاعها للتقويم والتحليل، واستخـلاص النتـائج، والفضل لله- سبحانه وتعـالى- ثم للعلماء والكتاب الذين عايشوا القضايا والأحداث المصيرية ، وغاصوا فى أعماقها ، وأدركوا خطورتها ، فأدوا واجب البلاغ ، ونبهوا إلى كيفية مواجهتها ، ولكن الأمة – حتى الآن – لم تستمع لما قالوا ، ولم تنتبه إلى خطورة البلاغ . بل إن من أبناء هذه الأمة من كان ينظر إلى هذا العالم..أو ذاك قائلاً : (خيال مريض!!) . لقد مضى بعض هؤلاء العلماء – ووقع بعض ما ذكروا – بل إن بعضهم قد اختفى من على مسرح الحياة فجأة !! وفى ظروف غامضة !! ما أحس به أحد . وفى الحقيقة أن هؤلاء قد أدوا واجبهم – ونحسبهم كذلك والله حسيبهم . من أجل هذا كان هذا الإصدار – الأول – تذكرة للأمة بتراث هؤلاء العلماء والمفكرين ، علها تبحث عنه وتدرسه وتنتفع به ، وفى النهاية ندعو الله – عز وجل – بالخير للقائمين على دور النشر التى قامت بنشر فكر هؤلاء العلماء . وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين إعداد أ.د . جمال عبد الهادى مسعود الشيخ . عبد الراضى أمين الفصل الأول المبحث الأول: الجولة الإسرائيلية- العربية السادسة المبحث الثانى: صدام محتمل من أجل القدس تعريف بالمؤلف : اللواء أ. ح. د. فوزى محمد طايل. * أستاذ الاستراتيجية الشاملة بأكاديمية ناصر العسكرية. * من مواليد 1942. * تخرج فى الكلية الحربية 1960 . * تخرج فى حقوق القاهرة 1978 . * حصل على الدكتوراة 1986. * حصل على درجـة الزمالة بكلية الدفاع الوطنى (أكاديمية ناصر العسكرية 1987)- توفى فى 13 رمضان 1416 هـ- 2 فبراير 1996 وللكاتب (رحمه الله) مؤلفات عديدة أهمها: * أهداف ومجـالات السلطة فى الدولة الإسلامية . * النظام السياسى فى إسرائيل، دار الوفاء ، المنصورة. * آثار حرب الخليج على منظومة القيم الإسلامية العليا. * آثار تفكك الاتحاد السوفيتى على أمن الأمة الإسلامية، دار الوفاء ، المنصورة . * ثقافتنا فى إطار النظام العالمى الجديد، مركز الإعلام العربى، القاهرة. * شيشان والخطر المحدق بمسلمى آسيا، مركز الإعلام العربى ، القاهرة. * نحو نهضة أمة " كيف نفكر استراتيجيا "، مركز الإعلام العربى، القاهرة. وللكاتب- رحمه الله- بعض الترجمات أهمها: * البعد الإسلامى فى حرب الخليج، عن اللغة الفرنسية. * الجواسيس غير الكاملين، عن اللغة الإنجليزية. وللكاتب- رحمه الله- كتابات وأبحاث عديدة فى الصحف والمجلات. الجولة الإسرائيلية العربية السادسة تحت هذا العنوان كـتب (4) اللواء أ.ح.د. فوزى محمد طايل أستاذ الاستراتيجـية الشاملة بأكاديمية ناصر العسكرية: "درجت إسرائيل على شن حرب عدوانية توسعية كل عقد من الزمان فكانت الجولة الأولى عام 1948، ثم الثانية عام 1956، والثالثة عام 1967، والرابعة عام 1973، أما الجولة الخامسة فقد كانت عام 1982 فى لبنان ، وليس من قبيل الإغراق فى استقراء الأحداث المستقبلية أن نتحسب لجولة عدوانية إسرائيلية سادسة فى عقد التسعينيات. وعلى الرغم مما يسمى بخطة "بوش " للسلام فى الشرق الأوسط ، فإن كل المؤشرات تدل على أن الجولة السادسة سوف تقع حتماً بل إنها وشيكة الحدوث. ولا غرو فما بدأ نزوح العدو إلى أرض فلسطين منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر إلا بهدف الاستيلاء على ما يدعون أنه أرض الميعاد، وإقامة إسرائيل الكبرى، وطرد السكان الأصليين، وبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى": وعرض الكاتب لأسلوب تفكير القـادة الصهاينة من خـلال كـتـاب (، ريموند كـوهين " "الثقافة والصراع فى العلاقات المصرية الإسرائيلية". يقوم النزاع بين العرب وإسرائيل على أرض بعينها، وبينما قبل العرب تدريجيا بفكرة تقسيم الأرض، ثم توالت تنازلاتهم فى ظل الأرض مقابل السلام، فإن الفكر الإسرائيلى يقوم على أساس أن أرض إسرائيل هى المكان الذى فيه شعب إسرائيل، وتشكلت فيه شخصيتهم الدينية والسياسية، وعلى هذه الأرض أقاموا أول دولة لهم، وشكلوا القيم الثقافية ذات الدلالة العالمية، ومنحوا سفر الأسفار، وبالتالى فإن فكرة تقسيم الأرض كانت ولا تزال غير مقبولة. إن قادة إسرائيل لايرون تعارضاً منطقياً بعرض السلام، وفى الوقت الذى يلجؤون فيه لاستخدام القوة المسلحة، ويعتبر القادة الإسرائيليون أن الضربات العسكرية هى بمثابة إشارات تحذيرية، كى يعدل العدو (يقصد العرب) مسار تصرفاته المستقبلية بما يتواءم وأهدافهم تجنبا لما قد ينزل به من عقاب " . وذكر الكاتب أيضأ ما قاله "إسحاق شامير" لجريدة هاأرتس فى يناير سنة 1987. "لا سلام يدوم إلى الأبد، إن الاستقرار الدولى والإقليمى يقوم على قواعد للعبة قوامها الردع المستمر". "كما أن قادة إسرائيل بلا استثناء يؤمنون أن الوسيلة الوحيدة لتحقيق أمن إسرائيل هى الهجوم والتوسع على حساب الأرض العربية والسكان العرب. وبعد أن يقرر "فرانك برنابى" هذه الحقيقة يتساءل: ومن ذا الذى يستطيع أن يلومهم على ذلك"؟ . ويواصل فوزى طايل حديثه: "قد أزعم أنى لا أتجاوز الحقيقة إذا قلت: إنه بينما كان العرب فى غفلة قامت إسرائيل بتمهيد الظروف الدولية- الإقليمية والمحلية- وقامت بدعم قواتها البشرية والإقتصادية والاجتماعية والعسكرية استعداداً لجولة عقد التسعينات، وربما لا أتجاوز الحقيقة إن قلت: إن هذا الاستعداد الضخم قد استغرق أكثر من عشرين عاماً من العمل المتواصل، لتحقيق أهداف محددة: فتح باب هجرة اليهود السوفييت وكذلك اليهود الأثيوبيين إلى إسرائيل على مصراعيه بأكثر مما يمكن أن تستوعبه الدولة برقعتها المحدودة حالياً. هجرة أعداد متزايدة من المهاجرين من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، وبعض البلاد العربية والأقطار الإسلامية، بعد أن كانت الصهيونية العالمية تعتمد على قوى كبرى لمساندتها، أصبحت الآن تتبنى فكرة تسخير قوى عظمى لتحقيق أهدافها. هذه القوى هى الولايات المتحدة الأمريكية، التى تضم أكبر تجمع يهودى فى العالم " لتحقيق الأهداف الصهيونية، وقد بلغ التغلغل الصهيونى فى المجتمع الأمريكى وفى مؤسسات صنع القرار، وتوجيه الرأى العام، بل وفى مؤسسات صوغ وإدارة الأمن القومى الأمريكى، إلى حد تسخير الولايات المتحدة الأمريكية لخدمة التحرك الصهيونى. وقد يحتاج القارئ لبعض التفاصيل، حتى لايكون الأمر غامضاً: * أسست الجالية اليهودية فى الولايات المتحدة الأمريكية منظمات للتحرك السياسى اصطلح على تسميتها باللوبى اليهودي وهى تتكون من: * اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة (الإيباك) AIPAC تأسست عام 1959. * رؤساء المنظمات اليهودية. * مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى وتأسس العام نفسه. * لجان العمل السياسى (باكس) PACS، وأهمها اللجنة القومية للعمل السياسى (ناتباك) NATAPAC وتأسس عام 1982. * معاهد الرأى وأشهرها معهدان: أ- المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومى (جينساJINSA الذى تأسس عام 1977 ليكون مركزا لمتابعة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وأداة لإقناع الرأى العام الأمريكى بالارتباط الحتمى بين أمن الولايات المتحدة الأمريكية وأمن إسرائيل، وغالبا ما تتسرب المعلومات العسكرية السرية الأمريكية إلى إسرائيل عبر هذا المعهد. ب- معهد واشنطن لسياسة الشرق (5) الأدنى، ويهتم هذا المعهد بالتحرك المؤيد لإسرائيل فى أوساط المثقفين والعلماء ورجال الإدارة والسياسة وشؤون الأمن القومى فى أمريكا. وقد نجحت هذه المنظمات- إلى حد كبير- فى جذب تعاطف الشعب الأمريكى من غير اليهود، خلال التركيز على وحدته الثقافية اليهودية النصرانية. "وتعمل هذه المنظمات على السيطرة بطرق مباشرة وغير مباشرة على قمة السلطة فى اتخاذ القرار الأمريكى، عن طريق إحاطة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ونائبه وأعضاء الكونجرس بعدد من اليهود الذين يقيمون معهم علاقات شخصية وعلاقات عمل، فضلأ عن إيصال شخصيات إلى المناصب العليا فى وزارات الخارجية والدفاع والخزانة ومجلس الأمن القومى، بل إلى مركز القرار نفسه، وتهتم تلك المنظمات بالسيطرة على مراكز إمداد أجهزة صنع القرار بالمعلومات، وعلى مراكز توجيه الرأى العام (صحافة- دور نشر- إذاعة- تلفاز- والسينما)، بل وعلى الجامعات (هيئة التدريس والطلبة) ". "إن النتيجة الحتمية لكل هذا: أن القرارات الأمريكية لم تعد تتخذ لمراعاة أمن ومصلحة إسرائيل فقط ، بل إن القرارات أصبحت تتخذ فى كثير من الأحيان مستهدفة حماية أمن إسرائيل ومصلحـتها، وندلل على ذلك ببعض الأمور التى تمت فى الثمـانينات ومطلع التسعينات: أولاً: توقيع اتفاقية التفاهم الاسراتيجى بين البلدين- إسرائيل وأمريكا- فى الثلاثين من نوفمبر 1981، والتى بموجبها يتم إجراء التدريب المشترك بين قوات البلدين فى شرق البحر المتوسط، وإقامة منشآت البنية التحتية، فضلا عن التعاون فى مجال البحث والتطوير - فى كل النواحـى العسكرية الحديثة- بما فى ذلك برنامج مبادرة الدفاع الاستراتيجى SDI . ولقد سار البلدان شوطاً طويلاً فى هذا المجـال، فقام وزير الدفاع الأمريكى "ريتشارد تشينى" بزيارة لإسرائيل فى الأسبوع الأخير من شهر مايو عام 1991، وقع فى نهايتها اتفاقا للتعاون الاستراتيجى بين البلدين، وأعلن أن بلاده تقوم بتمويل برنامج إنتاج الصـاروخ الإسرائيلى، كما أن أمـريكا قد بدأت منذ وقت قـريب فى تكديس مخـزون استراتيجى من الأسلحـة فى إسرائيل، يسمح لأى الدولتين باستخدامه تحسباً لنشوب حرب جديدة بالشرق الأوسط. ثانياً: قامت الولايات المتحدة بتحويل معوناتها العسكرية إلى العديد من دول العالم الثالث إلى إسرائيل، مقابل أن تقوم إسرائيل بتوريد الأسلحة والخبرة العسكرية لتلك الدول فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك دعماً لاقتصادها وصناعتها الحربية. "لئن كـان قيام الولايات المتحدة الأمريكية بافتعال أزمة الخليج وتنفيذ عملية (درع الصحراء) يستهدف مصالح اقتصادية واستراتيجية أمريكية، فإن الأسلوب الذى تم به تدمير القوى الشاملة للعراق- والذى لايزال مستمراً- كان الهدف منه إزالة أقوى تهديد لإسرائيل، واستكمـال عزل سوريا بوصفـها الهدف الأول، وميـدان المعركـة الرئيسى للمستقبل فى الجولة الإسرائيلية- العربية السادسة- حسب ما جـاء فى الدراسة التى أعلنها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ونشرت عام 1995 تحت عنوان "ميدان المعركة المستقبلى والصراع العربى الإسرائيلى". "وفى هذا السياق، فإن من غير المستغرب أن نرى الكونجرس الأمريكى وقد أصدر قانوناً فى مطلع عام 1995، يعتبر فيه "القدس " عاصمة دولة إسرائيل، ضاربا عرض الحـائط بكل قرارات مجلس الأمن التى تعتـبـر "القدس " الموحـدة كـيـانأ مستـقلأ "Separatum Corpus"تخضع لنظام دولى خـاص Special international regime ولا يجوز بالتالى إخضاعها لأية دولة يهودية أو عربية، فى أية تسوية مستقبلية للمشكلة، وليس من المستغرب أيضآ أن يسعى "الكونجـرس " والرئيس الأمريكى شخصيآ لإلغاء قرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 3379 الصادر فى العاشر من تشرين الثانى (نوفمبر) 1975 باعتبار "الصهيونية أحد أشكال التمييز العنصرى" فيصدر "الكونجرس " قراره رقم 73 فى اليوم التالى مباشرة، مهدداً بإعادة تقويم مساهمات الولايات المتحدة الأمريكية فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مستقبلا… ثم يتم تجديد هذا الموضوع، وبعد ممارسة الضغوط على الأمين العام للامم المتحدة "خافيير بيريز دى كويار" يصدر بياناً فى شهر أيار (مايو) 1991، ينتقد فيه قرار الجمعية العامة بشدة ويدعو لإلغائه، فى أول سابقة من نوعها، يخرج فيها شاغل مثل هذا المنصب العالمى عن حياده بهذه الصورة السافرة. وأخيراً: فليس من المستغرب أن يلغى " الكونجرس " الأمريكى فى شهر حزيران (يونيو) 1991 القانون الذى يحرم الاتحـاد السوفيتى من المساعدات الأمريكية، ومن تطبيق شرط "الدولة الأولى بالرعاية" عند التعـامل معه، فى مقابل القانون الذى أصدره الاتحـاد السوفيتى فخففا القيود عن هجرة اليهود السوفيت الأمر الذى رفع عدد هؤلاء المهاجرين إلى 380 ألفا فى عام 1990، بدلا من العدد الذى لم يكن يتجـاوز 200 مهاجر فى العام الواحد". ثالثاً: "وفى إطار التحرك الإسرائيلى لمحاصرة المنطقة العربية- دبلوماسيا واقتصاديا- فإن إسرائيل قد تمكنت من تحسين علاقاتها، وإقامة جسر من المصالح المشتركة مع العديد من الدول الأفريقية والآسيوية، بما فى ذلك دول إسلامية، مثل نيجيريا وتركيا، بل ووصلت إلى إقامة هذه العلاقات مع دول كـانت ترفضها تقليديا، مثل الهند والصين الشعبية.،. ناهيك عن العلاقات القوية والمتشابكة مع دول أخرى كجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وتايوان، ومعظم دول أمريكا اللاتينية". رابعاً: أما على صعيد دعم القدرات الإسرائيلية الممتزجة بمعاناة المجتمع الإسرائيلى من مشكلات حـالية وملحـة، فإنه يعد فى تقديرى بمثابة مؤشر واضح على حتمية الجولة السادسة- التى أزعم أنها وشيكة الوقوع- فإذا ما انتقلنا إلى محاولة رصد المؤشرات الدالة على قرب وقوع الجولة السادسة، وتلك التى تحـدد ملامحـها الرئيسية فيمكننا ملاحظة مايلى: 1- اشتداد أزمة نظام الأمن العربى: "لقد نشأ النظام الإقليمى العربى فى إطار "جـامعة الدول العربية" منذ الحـادى عشرمن أيار (مايو) عام 1945، نظاماً تعتريه الكثير من العيوب، أخطرها وأهمها: أنه كـان خلواً من أى فكر "أيديولوجـى" أصيل، ولا يستهدف الوحدة العربية حقيقة، كما لم يحدد الأهداف القومية العربية، أو المصالح المشتركـة، ولم تكن أهداف الحـركة الصهيونية وأبعادها الحقيقية واضحة فى أذهان القادة الذين شاركوا فى صوغ هذا النظام، فجـاء خالياً تماماً من أى ترتيبات للأمن والدفاع الجماعى. أخيراً: فإن معيار "العروبة" لم يحدد منذ قيام النظام العربى حتى الآن، فنتج عن ذلك مشكلة نفسانية خطيرة هى مشكلة "الولاء" (*). "وعلى الرغم من توقيع اتفاق الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى فى الثالث من نيسان (أبريل) عام 1950،، فإن هذا الاتفاق لم يوضع موضع التطبيق العملى، اللهم إلا فى صورة شكلية غير فاعلة، عقب مؤتمر القمة العربى الذى عقد فى السابع عشر من كانون الثانى (يناير) عام 1964، وبذا خاض العرب ثلاث جولات فاشلة مع إسرائيل أتت بنتائج نفسانية خطيرة… ولا يمكن اعتبار التنسيق الموقوت الذى تم بين مصر وسوريا قبيل حرب رمضان 1393هـ- (أكتوبر 1973) دليلاً على أنه كان هناك " أمن عربى"، فإذا ما علمنا أن بعض أطراف الصراع العربى الإسرائيلى قد آثر السلامة والسلام الواقعى DEFAVTO مع إسـرائيل منذ عـام 1967، وأن أطرافاً أخرى اتبعت "استـراتيجـية السـلام " وأن حرب رمضـان (أكـتوبر 1973) هى أخـر الحـروب، وتم تسـجـيل هذه الاستراتيجية فى صورة معاهدة سلام، بدأ تطبيقها منذ عام 1979. وأخيراً: فقد أعطى الطرف الرئيسى فى الصراع العربى الإسرائيلى- وهو منظمة التحرير الفلسطينية- أقصى ما يمكن تصوره من تنازلات. إن جـاز لنا أن نتساءل هل لا تزال إسرائيل هى العدو الأول للعرب؟ وهل هناك ما يسمى حقيقة الأمن العربى؟ ". "لقد أخلت "حـرب الخليج " ونتائجـها بفكرة الأمن العربى إخـلالاً تمثل فى الاقتتال العربى/ العربى من البداية، وإلى إخراج أحد أكبر القوى العربية من حلبة الصراع مع إسرائيل لسنوات طويلة مقبلة، وخلق فراغ قوة Power Vacum خلف "سوريا " التى تعد بمثابة خط الدفاع الأول ضد إسرائيل فى الجولة القادمة، فصار خطاً يفتقد العمق الاستراتيجـى"."وفى محاولة أخـيرة لصوغ نظام "للأمن العربى الخالص " على حد التعبير المتداول- تجاه إعلان دمشق، ليضع الكثير من علامات الاستفهام أهمها:هل اقتصر مفهوم الأمن العربى على سوريا ومصر والسعودية وإمارات الخليج؟ وهل يجوز أن يكون هناك نظام أمن غير موجه ضد أحد؟ "إن الموقف المائع فى البحـر الأحـمر وبخـاصـة فى ظل جـو من الجـفاء بين اليـمن والسودان من جـانب، وبين مصر والمملكة العربية السعودية من جـانب آخـر، وفى ظل غموض الموقف فى أثيوبيا (6) وإطباق كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على مجريات الأمور هناك، وأخيراً فى ظل الانهيار الكامل الذى حدث فى الصومال، وتزايد الوجود الغربى والإسرائيلى عند المدخـل الجنوبى للبحر الأحمر- ليجعل تأمين هذا البحر أمراً يكاد يكون مستحيلاً، ولا يخفى أن قيام مصر بالتعاون مع جمهوريتى اليمن بتأمين جنوب البحر الأحمر فى أثناء سير عمليـات رمضان (أكتوبر 1973) كـانت له نتائج استراتيجية على جانب كبير من الأهمية،. وكيف يمكن تأمين البحر الأحمر فى ظل نزوح اللاجئين من القرن الأفريقى إلى اليمن والسودان واحتمال موت أكثر من 15 مليونا فى هذه المنطقة جوعاً".(لقد أثبتت،(حرب الخليج) خطر الموقع الاستراتيجى، وخطر ثقل (تركيا)، وتأثيرها على مجريات أى جولة قادمة مع إسرائيل، باعتبار (تركيا، عضوا فى حلف شمال الأطلنطى، وحليفا رئيسيا للولايات المتحدة الأمريكية وسوف تكون بالتالى حليفا لإسرائيل، وخصوصاً فى ظل وجود علاقات استراتيجية سابقة بين البلدين، وحلول قدر من المصالح المشتركة بينهما مؤخرا، فهل يصاغ الأمن العربى على أساس أن تركيا الدولة المسلمة هى عدو؟،). "تضافرت مجـموعة كـبيرة من العوامل على حـدوث خلل فى كـفاية تسليح القوات المسلحة، خصوصاً تلك المحيطة بإسرائيل، بسبب اعتماد كل من مصر وسوريا اعتماداً كاملاً على استيراد السلاح من الاتحـاد السوفيتى، حتى مطلع الثمانينات، واستمرار سوريا على هذا الوضع حتى الآن. ونظراً للضغوط الاقتصادية الداخلية التى تتعرض لها هذه الأقطار العربية، وزيادة مديونيـاتها ووقوع الاتحـاد السوفيتى رهن ظروف يصفها الغرب بأنها مقدمات "السقوط النهائى"، وبالتالى لم يعد قرار تصدير السلاح الشرقى للمنطقة حراً، وإنما صارت الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم فيه بطريق مباشر أو غير مباشر، نظراً لهذه الاعتبارات وغيرها، فإن الفجوة " التكنولوجية" والنوعية بين السلاح الإسرائيلى والسلاح العربى تزداد)،. "ويزيد هذا الوضع سوءاً فى ظل مـا يسمى"خطة بوش " التى تسـمح لإسـرائيل بالاحتفاظ بالأسلحـة النووية، وحرمان غيرها من بلدان المنطقة من أن تنتج أسلحـة نظيرة، أو حتى بديلة، كما تضع تحت يد إسرائيل مخزوناً هائلاً من السلاح الأمريكى المتقدم، فضلا عما تنتجه إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو بتمويل أمريكى، أو بتقنية إسرائيلية خالصة، فى الوقت الذى سيتم فيه التحكم فى نوعية وكمية السلاح الذى يصل إلى الدول العربية". (أليس من الطبيعى أن تغرى هذه الأوضاع إسرائيل بجاراتها العربيات ، كى تشن جولة عدوانية سادسة؟) (7) . لقد بدأت إرهاصات هذه الجولة تتكشف، بل وبدأت إجراءات "الحرب النفسية" السابقة عليها من خلال مجموعة من التصريحـات التى تهدف إلى "الردع " من خـلال "الإخافة" أو "الغموض"،، ولعل أشهر وأهم التصريحات هى: "ما أعلنه مساعد رئيس الأركان الإسرائيلى فى حزيران (يونيو) 1993، أن حرباً مع الدول العربية المجاورة لإسرائيل سوف تقع حتماً، وعندها لن تتوقف قوات جيش الدفاع عند الضفة الشرقية لقناة السويس، بل سوف تتجاوزها إلى الغرب!، ثم عاد بعد ذلك بأيام لينكر نسبة هذا التصريح إليه عقب حـدوث مذبحـة المصلين فى ساحـة "المسجد الأقصى" يوم الثامن عشر من تشرين الأول (أكـتوبر) عام 1990. ظهر عالم الآثار الإسرائيلى "جوزيف سيرج " على شاشة التلفاز الفرنسى ليقول: "إن إسرائيل ستبدأ قريبأ جداً فى إقامة الهيكل الثالث على أنقاض المسجـد الأقصى، الذى تستطيع إسرائيل تصديعه باستخدام "التقنية الحديثة" . "صرح "إسحـاق شامير" رئيس وزراء إسرائيل فى نهاية شهر تشرين الثانى (نوفمبر) 1990 أن المهاجرين الجـدد يتوجـهون للتوطن بالضفة الغربية وقطاع غزة، اللتين قال عنهما: إنهما جزء من إسرائيل، وعلق على مذبحـة "القدس " بأن الوقت قد حان كى تمتد حدود إسرائيل فى هذه المرحلة- من البحـر إلى النهر- ثم عاد تحت ضغوط الاستنكار ليصرح أن ما قاله كان "مجرد أحلام "!! صرح الرئيس الإسرائيلى "حـاييم هرتزوغ " فى الثـالث عشر من تشـرين الثـانى (نوفمبر) عام 1995، ولأول مرة أن إسرائيل تمتلك سلاحاً نووياً، وقد كرر إسحـاق رابين وزير الدفاع الإسرائيلى هذا الإعلان فى محاضرة ألقاها فى جامعة "حيفا " ضمن ندوة أقيمت فى الأسبوع الأول من حزيران (يونيو) عام 1991، أن بلاده تمتلك أسلحـة نووية، وأسلحـة دمار شاملة قادرة على إبادة أى دولة، وأنه يتعين على جيش الدفاع الإسرائيلى أن يظل هجومياً بكل ما فى الكلمة من معنى، وأنه قادر على بقاء القوات الإسرائيلية الأقوى والأفضل تسليحاً بالمنطقة ". "وعلى الرغم من إنكار "رابين " بعض ما جاء فى محاضرته، فإن،، بول وولفوتيز" **** وزارة الدفاع الأمريكية، صرح فى مؤتمر صحفى أن إسرائيل لن تتخلى عن احتكارها للسلاح النووى..، وأن الولايات المتحدة تحثها على توقيع المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية ". وجدير بالذكر أن توقيع هذه المعاهدة لا يمنع الدولة التى أنتجت هذه الأسلحـة بالفعل من استمرار الاحتفاظ بما سبق أن أنتجته ". وواصل فوزى طايل حديثه عن: 2- دوافع شن الجولة الإسرائيلية العربية السادسة ومحدداتها. "تعتنق إسرائيل مبدأ "دفع الحدود إلى الأمام "، وذلك استناداً إلى "معيار القوة المتقدمة" The advanced power ومفاده أن القوة التى لا تتقدم فلابد أن تتقهقر، وأن الدولة التى لا تنمو من كل النواحى (بشريا وجغرافيا وعسكريا) تنهار تدريجيا، لهذا فهى تخـوض جولة كل عقد من الزمان، وتصاحب هذه الجـولة عملية طرد تدريجى للسكان، واستيلاء على الأراضى، انطلاقا من فكرة أن أرض "إسرائيل الكبرى" لابد من أن تخلص لليهود وحدهم، فهى لا تتسع لحضارتين أو لعقيدتين دينيتين، لا يمكن قيام تصالح بينهما - كـالإسلام واليهودية- وأن حل هذه المشكلة لا يكون إلا بالوسائل العسكرية على حـد تعبير يوسف أولمرت ". "إن المبرر الوحيد لقيام دولة إسرائيل، ولدعوة المهاجرين إلى الهجرة إليها، بل والمبرر الوحيد للفكرة الصهيونية ذاتها، هو إقامة "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، وبناء "الهيكل " الذى لا يتصورون إقامته إلا على أنقاض المسجد الأقصى،،. وهذه أمور تستدعى بالضرورة استخدام القوة المسلحة كلما سنحت الفرصة". خططت إسرائيل لاستقبال قرابة مليون ونصف مهاجر (حوالى ثلث عدد سكانها حاليا) حتى عام 1995، وهؤلاء يحتاجون إلى أرض للاستيطان وللزراعة، ويحتاجون إلى المزيد من المياه، إذ تحصل إسرائيل على 90% من المياه المتجددة ولا تترك لجيرانها سوى 10 % فقط، مع استخدام كل وسائل التقدم العلمى للاقتصاد فى استخدام المياه، ومن المتوقع ألا يكون لدى إسرائيل أى احتياطى من المياه بنهاية عام 1991. وهذا فضلاً عن أن الجفاف اجتاح أرض فلسطين هذا العام، وانخفض مستوى المياه فى بحيرة طبرية، مما أثر فى القدرة على استخراج الطاقة الكهربائية؟ ولذا فقد لا يكون أمام إسرائيل سوى العدوان العسكرى للاستيلاء على منطقة منابع الأنهار العربية فى سوريا ولبنان، وعلى الرغم من عرض تركيا تزويد إسرائيل بالمياه فيما أطلق عليه "المياه مقابل السلام " فقد تفضل إسرائيل الخيار الأول، حتى لاتقع تحت الضغط التركى مستقبلا". "وبعد هذا العرض حرص عالم الاستراتيجية فوزى طايل على بيان: عوامل الضعف الخطيرة التى تهدد الكيان الاسرائيلى الضعيف بالهزيمة إذا ما هو أخطأ الحساب ". "وسوف يظل العامل البشرى أخطر نقاط الضعف فى إسرائيل، حتى لو هاجر إليها كل يهود الاتحاد السوفيتى ، لذا فهناك حساسية شديدة لدى إسرائيل تجاه الخسائر البشرية،وقد حاولوا التغلب على هذه النقطة من خلال توفير أقصى وقاية ممكنة للدبابات "ميركافا "، وبتوفير درع المشاة، ومهمات الوقاية "التقنية الحديثة" والطائرات من دون طيار، وتكتيكات جديدة، بيد أن هذه الأمور جميعها لم تقلل من نقطة الضعف هذه كثيراً ". "يقع 90% من سكان إسرائيل و 90% من منشأتها للصواريخ أرض/ أرض على بقعة محدودة من الأراضى ، يمكن أن تصل إليها الصواريخ من أراضى العراق أو سوريا خـلال بضع دقائق… كما يمكن أن تتحقق المفاجأة، إذا ما وجهت دول أخرى كإيران والمملكة العربية السعودية ومصر صواريخها بشكل مكثف إلى هذه الأهداف ". "تشكل قوات الاحتياط الإسرائيلية 80- 85% من إجمالى قواتها، وهذه تحتاج قرابة 48ساعة كى تعبأ تماماً وتنضم إلى صفوف القوات العاملة، فإذا ما وجهت "ضربة إحباط " Premptive strike أو تم شن "هجوم استباقى" من الجبهة السورية أو الأردنية خلال هذه المدة، فسوف تتغير نتيجة المعركة". "إن إغراق إسرائيل فى استخدام الأسلحة ذات التقنية الحديثة يثير من المشكلات الفنية الخطرة بقدر ما يحقق من مزايا، ولعل أهم هذه المشاكل هى مشكلة "تكامل الأنظمة" System Integration ، يضاف إلى ذلك أن المنظومات الدفاعية المتكاملة تتضمن بالضرورة مراحل بينية ذات تقنيات منخفضة جدا، أو لا تقنيات على الإطلاق، كأعمال النقل والتخزين والحراسة واحتلال الأفراد لمواضعهم القتالية،.. إلخ. ويعد التدخل فى هذه المراحل باستخدام أسلحة ذات تقنيات متخلفة أو حتى أسلحة بدائية حاسمة فى تحويل تلكم الأنظمة والأسلحة إلى مجرد كتل من المعدن لا فائدة منها، ومما يساعد على سهولة تنفيذ هذه الفكرة وجود حدود إسرائيلية طويلة ليس من المستحيل اختراقها". 3- وجهة النظر الإسرائيلية فى طبيعة الجولة المقبلة: ترى إسرائيل حتمية قيام جولة سادسة، وأن جوهر نجـاحها فى الجولة المرتقبة هو قدرتها على إيجاد مكون متوازن من العمل العسكرى والتحرك الدبلوماسى، يعتمد على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى استمرار وثبات السياسة السوفيتية الحالية، بما يحافظ على حالة السلم مع مصر، وحالة توقف العدائيات من جانب الأردن ". "وترى أن النجاح فى الجولة المقبلة- من وجهة النظر العسكرية- سوف يكون للجانب الأكثر قدرة على إحداث تكامل بين أنظمته الدفاعية، وهذا يعتمد إلى حد كبير على القيادة والسيطرة والمواصلات والاستطلاع ". "ومن الضرورى أن تكون الحرب المقبلة سريعة وحاسمة، وطالما استبعد "1لعراق " نتيجة لحرب الخليج، فلا يبقى من يخشى تدخله سوى "إيران"، ومع ذلك فطبيعة العلاقات العربية المتغيرة باستمرار وبسرعة، يمكن أن تؤدى إلى مواجهة عدة أطراف عربية فى آن واحد، وخصوصاً إذا ما طال أمد المعركة، وهو أمر فى غير مصلحة إسرائيل، لكن كلما تأخر تدخل الأطراف العربية، كلما كان ذلك فى مصلحة إسرائيل، حيث يمكنها مواجهة هذه الأطراف واحداً تلو الآخر". "ومن المتصور أن تكون القوات الجوية الإسرائيلية، والصواريخ سطح/ سطح من طراز "جيريكو 2" التى جربت وجـارى إنتاجـها، هى الأداة الرئيسية لحسم المعركة، ولردع أى طرف ثالث يحاول التدخل ". "إذا تمكنت إسرائيل من تحقيق المفاجـأة، فمن المحتمل أن ئمنرا بخسائر فى الأرواح تقدرب 2000 قتيل، أما إن حققت "سوريا " المفاجـأة، فقد تصل الخسائر إلى 4500 قتيل إسرائيلى". سوف تتعامل إسرائيل مع أى عملية سورية محدودة،، لاستعادة الجولان- مثلا- على أنها حرب شاملة، تحاول إسرائيل تحقيق أسرع نصر بأقل تكاليف؟ باستخـدام أسلوب "المعركة العميقة" Deep Strike Attacks . "من المتوقع أن يزداد الاعتماد على الأسلحة والذخـائر ذات قدرات التدمير والقتل الأكبر تلافيا لخـسائر الأفراد من الجـانب الإسرائيلى ، فضلا عن استخـدام وسائل التصويب الدقيقة بالليزر، ومنظومات الأسلحة الدفاعية المتكاملة ذات التكنولوجيا المتقدمة، التى لا يستطيع الجانب الآخر الحصول على مثيل لها، أو على وسائل مضادة لها، هذا إلى إمكانات الحرب الإلكترونية والطائرات الانتحارية دون طيار" . "ونظرا لما تتميز به الأسلحة ذات التقنية العالمية من تعقيد، فسوف تكون كفاية الفرد ومدى استيعابه للسلاح أو المعدة التى يقوم باستخدامها، ومدى قدرته عوامل حاسمة. وبالقدر نفسه سوف تكون إمكانات وقدرات الأفراد على القيام بأعمال ال***** والإصلاح والإمداد حاسمة. لذا سوف يتفوق الجانب الذى يمتلك تقنية خاصة وينتج السلاح وقطع الغيار. ومن العوامل الحـاسمة أيضا عملية جمع وتحليل وتخزين المعلومات، وهذا الأمر تتفوق فيه إسرائيل كثيرا، ويلحق بهذا مدى القدرة على سرعة اتخـاذ القرار المبنى على معلومات دقيقة" . ((نحو استراتيجية لمواجهة الخطر الصهيونى) تحت هذا العنوان واصل فوزى طايل- رحمه الله- الحديث بقوله: "ليست إسرائيل سوى الكيان الدولى الرسمى الظاهر للحركة الصهيونية العالمية ذات القدرة على الحركة "الكوكبية" (8) Globally ، وعلى هذا فمواجهة إسرائيل والتغافل عن النشاط الصهيونى العالمى لن يكون له نتيجة تذكر، وبالتالى فلابد من تحرك استراتيجى "كوكبى" أيضا لمواجهة ذلكم الخطر الصهيونى" . "مثل هذه الاستراتيجية يستحيل على دولة عربية واحدة، أو تجمع عربى فرعى أو شبه إقليمى أن يقوم بها، إذن فلا بديل عن وحدة الأمة " (9). "وأياً كان توقيت وقوع "الجولة السادسة" وأياً كانت نتائجـها- وهى بإذن الله لنا-فلن تكون الجولة الأخـيرة، فإسرائيل تدير الصراع، ومن ورائها الصهيونية العالمية ومؤيدوها، باعتباره صراعا حـضاريا عقائديا لاينتهى إلا بإزاحـة إحدى العقيدتين للأخرى... ومهما قيل عن "مبادرات السلام "، فالعقلية الصهيونية لاتؤمن بإمكانية التعايش السلمى... ولا بديل عن الصراع من أجل البقاء". مراجع تتصل بنفس الموضوع: (1) تفتيت الوطن العربى "مجلة استراتيجيا" عدد سبتمبر- أكتوبر 1991 السنة التاسعة، شركة أبى ذر الغفارى للطباعة والإعلام (ش. م. م). (2) نحو استراتيجية عربية موحدة فى أفريقيا، لواء أ، ح. د محمد طايل "مجلة استراتيجيا" عدد 5 السنة التاسعة يوليو1995 ص 29-33 . (3) العدو الخيار النووى الإسرائيلى والأمن العربى، لواء أ. ح. د فوزى محمد طايل "مجلة استراتيجيا ". نفس العدد" . (4) الاستراتيجيـة الأمريكية وأزمة الخليج ، لواء أ.ح.د. فوزى محمد طايل "مجلة استراتيجيا " العدد 106 السنة التاسعة مايو- يونيو ص 22-28. (5) الصهيونية غير اليهودية (جذورها فى التاريخ العربى ، ريجينا الشريف- ترجمة أحمد عبد الله عبد العزيز- عالم المعرفة عدد 96 ربيع أول 1406 هـ- ديسمبر 1985. (6) الفكر الإسرائيلى وحدود الدولة ، عادل محمد رياض، معهد البحوث والدراسات العربية - دار النهضة العربية للطباعة والنشر- بيروت ط 1985.2 م . (7) جماعات الضغط اليهودية الأمريكية، عبد الله فؤاد حافظ ، غير منشور- 1988 م. (8) النظام السياسى فى إسرائيل، لواء أ. ح. د فوزى محمد طايل- معهد البحوث والدراسات العربية- 45- 1989 . (9)Anthony H.Cordesman , the Gulf and the west (Strategic relations and Military reality ), Westview Press , London , 1988 يقول اللواء.أ.ح. د. فوزى محمد طايل (10): "فإذا ما حاولنا التعرف على ما يجرى على الساحة الدولية- إعداداً لصدام محتمل من أجل القدس- نجد أن القوات الأمريكية، تقوم- لمصلحة الصهيونية العالمية- بتأمين البحر المتوسط والبلقان- وتأمين الخليج والبحر الأحمر، فضلاً عن أمرين آخرين هامين: - غرس ثقافة السلام. - استعداء العالم على الإسلام. ونعرض لهذين الأمرين تباعاً: الأول: ثقافة السلام: ترتبط أفكار "النظام العالمى الجـديد" بغاية الصهيونية كما ذكرناها من قبل فى مولفاتنا (11)، وهى تحويل البشر إلى أشباه آدميين، يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام ، فلا غيرة عندهم ولا مقدسات… يتعاونون ويتنافسون من أجل لقمة العيش فحسب، ويقبلون بل ويفضلون أن تصلهم دون مجهود. فثقافة السلام تعنى محاولة تبديل سنة الله تعالى كما جاءت فى كتاب الله: قال تعالى: (وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) (البقرة:30.) قال تعالى(ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ولَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ (251) ) (سورة البقرة 251) ومهما فعلوا، فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجـد لسنة الله تحويلا، من أجل ذلك يحاولون استبدال الصراع من أجل السيطرة على البيئة، بالصراع التى تحركه العقيدة، لأن ثقافة السلام تعنى فرض الاسترخاء التام بين الناس، ودفعهم إلى التمتع بالمتع الحسية غير المشروعة،وبث شعور عام: أنه لا يوجد ما يستحق أن يضحى الإنسان من أجله بماله أو بنفسه.يعنى باختصار إلغاء (فريضة الجهاد) من خلال القفز فوق سنة التدافع التى جعلها الله تعالى بين البشر، وإلا فسدت الأرض، وهدمت صوامع وبيع "وصلوات " ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً. فثقافة السلام، هى بمثابة دعوة لأن (يسود الفساد الأرض)، وأن يبلغ التسامح بين البشر حد نبذ العقيدة. لذا ففى ظل ثقافة السلام (12) لا يكون لهدم المسجـد الأقصى أى مدلول، ولا يكون للأرض المقدسة حرمة. الثانى: استعداء العالم على الإسلام : من خلال خلق "عدو خرافى" سموه "الإرهاب الدولى" (13) ويحاولون نسبته للإسلام ... والحقيقة أن محرك هذا العدو العالمى الخرافى هو الصهيونية العالمية، والدليل أن أصابع اليهودية وراء كل أعمال العنف والشغب- من مركز التجارة الدولى، حتى اغتيال رابين نفسه. الهدف الذى يعلنونه عمداً أو دون شعور هو تجفيف "منابع الإرهاب " (*) على حـد تعبيرهم. وهم يقصدون ضرب جذور الإسلام، دون نظر للتصنيف الغريب الذى صنفوه (تطرف - اعتدال... إلخ)، والدليل هو سقوط هذا التقسيم، وكـانت آخر اتهاماتهم للجـامعة الإسلامية بإسلام آباد بأنها بؤرة الإرهاب الدولى، فضلا عن الهجوم المتكرر على الأزهر وعلمـائه ومناهج التعليم به، قال تعـالى:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ واللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ولَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ (8) ) (الصف: 8) . العدل وشهادة الحق، تدفعنى إلى القول بأن معالجة هذا الوضع الخطير، تحتاج قدراً كبيراً من الحصافة والحكمة والفطنة، كى نفلت من هذه الحلقة الشيطانية قبل أن تنغلق حولنا تماماً. إن منابعنا كمسلمين، هى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وقد جعلهما رب العزة فى حفظه إذ قال: ( إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) ) (الحجر: 9). لذا، فلو اجتمعت الإنس والجن على تجفيف منابع عقيدتنا الإسلامية، فلن يستطيعوا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ؟ ولذا فإذا لقينا المجترئين على دين الله قال تعالى: ( قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) (الأنعام:91). فهـو سبحـانه: (هُوَ الَذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً (28) ) (الفتح: 28)وهو سبحـانه الذى تكفل بنصر المؤمنين إذ قال جل شأنه: (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) ) (غافر :51) ويفهم الإسرائيليون ثقافة السلام كما يلى: أ- إحداث تغيير فى التوجهات والمفاهيم والقيم (13). ب- أو كما: يقول "موردخاى جور" النائب السابق لوزير الدفاع الإسرائيلى: إدارة أعمال سياسية قادرة على إيجـاد مثل هذه الحلول. وقد ذكـرت دراسة بمركز جـافى للدراسات الاستراتيجية فى 15/12/1989 عن نزع السلاح: إن ثقافة السلام المزعومة لتستهدف عقيدة المسلمين بالدرجة الأولى، فهى صد عن سبيل الله، ومحـاولة لنزع شوكة المسلمين وإبعادهم عن أداء فريضة الجهاد، والتى لا تسقط عن هذه الأمة حال ضعفها ولا حال قوتها، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو راجعنا كلمات "موردخاى جـور" التى قرأتها حـالاً ؟ لوجدناها هى نفس الكلمات التى ألقيت للأبواق الموجودة فى بلادنا، فرددوها كما هى . حقيقة الموقف الأمريكى من القدس: الولايات المتحدة الأمريكية هى مقر الجسم الرئيسى للصهيونية العالمية، منذ بدأت تلكما الحركة . تغلغل الصهيونية فى المجتمع الأمريكى (من مؤسسة الرئاسة وحتى الكنائس، مروراً بالإعلام والاستخبارات والقوات المسلحة وغيرها) . مثال: (التصويت على قرار الكونجرس بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فى أكتوبر 1995، كان بأغلبية 93/ 100 عضو مجلس شيوخ) (14). وبالبحث وجد أن هؤلاء جميعاً ما بين يهودى، وبين ما يشكل نسبة 100% كل أعضاء مكتبه الاستشارى (السفير د.عمر عامر نائب مساعد وزير الخـارجية المصرى فى ندوة القدس بجامعة الأزهر يوم 12/11/ 1995). مثال ثان على مدى هيمنة الصهيونية على عقلية المفكر الاستراتيجى الأمريكى: مراكز الدراسات الاستراتيجية بالولايات المتحـدة كلها تابعة لمجلس روساء المنظمات الصهيونية بأمريكا وأهمها: مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأدنى. مثـال ثالث: أحد إصدارات معهد بحـوث القوات الجـوية الأمريكية تحت عنوان (Respoding to low – Tutensity Conflict Challenges)، وفيه تناول الدكـتور"Levis Ware" مـوضوع الصراع منخـفض المستوى فى الشرق الأوسط، فـى بدايتـه يحاول أن يبرر لماذا العداء للإسلام؟ تميز الإسلام بنظرة شاملة للكون ولمكان الإنسان فيه، فهو بذلك يشكل تحديا أمام انتشار الثقافة والقيم الغربية..، ثم ينهى بحثه بقوله: [ إن خطورة الإسلام هى خطورة دائمة وممتدة، تهدد إسرائيل والحـضارة الغربية، ويقول: إن العرب هم أداة الشر المطلق الذى يسعى إلى إفساد برنامج الرب لشعبه المختار فى أرض الميعاد. هناك حكمة يهودية تقول: "إذا أمسكت بالأسد فلا تدعه يفلت منك وإلا التهمك "وهذا هو ما نادى به "ريتشارد نيسكون " فى كتابه المشهور"انتهزوا هذه اللحظة" ]. فهلا أبطلنا هذه المقولة، وفوتنا عليهم فرصتهم المتوهمة؟ وواصل الكاتب- رحمه الله- كلمته: "لكن القدس ستكون سبب وحدة المسلمين بإذن الله ". فما من شىء يستنفر إرادة الأمم ويوحد صفها بقدر ما تفعل الأخطار... خاصة إذا اقتربت من أمور تمس العقيدة، والأمة مهددة فى مقدساتها ، وقيمها ، وثرواتها، وأراضيها وأبنائها.. فماذا يبقى منها؟ ومتى يكون الجهاد فى سبيل الله إن لم يكن الآن؟ ولقد أجمع الكافة على أنه لا سبيل أمام الأمة سوى الجهاد فى سبيل الله ، لاستعادة الأرض والمقدسات، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال (15): " تقاتلكم اليهود، فتسلطون عليهم، فيختبىء اليهودى وراء الحجر أو الشجر فيقول الحجر أو الشجر يا مسلم هذا يهودى ورائى خذه فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه شجر اليهود ". وبعد: [ فهل يعنى هذا أنه لا فائدة ؟] . لاشك أن التهديد الموجه إلى الأمة قد بلغ مدى بعيداً، ولا شك أن الأمور إذا سارت هكذا، فإن الوقت ليس فى صالحنا، إلا أن يشاء الله أمراً مما لا يدخل فى حسابات البشر، ويعطل علاقة السببية ، فيكون ما يشبه المعجزة. ومـع إيماننا الكامل بالله تعالى، ورضائنا بقضائه وتوكلنا الذى لا حدود له على قدرته، فإننا مأمورون بالحركة واتخاذ الأسباب، وتغيير ما بأنفسنا، ومحاولة استخراج الفرصة من الخطر الهائل الذى أحدق بأمتنا (فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً (5) إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً (6) ) [الشرح:4،5] فهناك جولة قادمة لا محالة.... وهى قريبة، كما أن أمامنا عمل جاد طويل وشاق " لنمحو به ما علق بحياتنا من شوائب، ولنخطو أول خطواتنا نحو نهضة شاملة بإذن الله، فأما عن طبيعة الحركة فى المدى القريب، فالجولة القادمة مع الصهيونية هى جولة قتال متلاحم أشبه بقتال العصر الأول فى الإسلام. والعدو يدافع عن عقيدة- و إن كانت فاسدة- إلا أنه يؤمن بها إيماناً راسخاً، ويعلم أنه يخوض من أجلها معركة حياة أو موت. والحقيقة أنهم ليسوا على حق، فهم لايتمنون الموت أبداً قال تعالى: (ولا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)) [الجمعة:7] وإن كنـا مؤمنين حقـاً قـال تعـالى: (إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَذِينَ آمَنُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)) [الحج: 38] . (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41) [ الحج: 41:39 ] إن الجولة القادمة هى جـولة لا تجـدى معها الصواريخ بعيدة المدى، ولا القنابل النووية، فعما قريب يتراءى الجمعان، وكل منهما يستهدف فى حركته نفس البقعة المقدسة، التى عندها يحكم الله بينهما قال تعالى: (ولَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) [الأنبياء : 105 ] . أى أن طبيعة الجولة القادمة مع الصهيونية كالآتى: أ- حرب شاملة عامة على طول الأرض وعرضها. ب- ليست ككل الحروب التقليدية، ولا يمكن أن تلعب الأسلحة النووية فيها أى دور. ب- وقد أتصور أن استعادة القدس تحتاج إلى تعبئة عامة للامة، وعدم التعويل على ما كان يسمى "الرأى العام العالمى"، ولا المجتمع الدولى، و لا الشرعية الدولية، لماذا؟ لأن كل هذه العناصر صهيونية بأكثر من اليهود، ولا سبيل إلا بانتفاضة إسلامية تشمل الأرض كلها، تتحول إلى ثورة بكل مفهوم هذه الكلمة... ثورة تغير "النظام العالمى الجديد" أسسه، وأفكاره، ومبادئه، ومؤسساته، ورموزه، من خلال الجهاد فى سبيل الله،.. وهو أمر يتحسب له التحالف الصهيونى الصليبى المعادى، ويعمل على إقامة تحالف دولى جديد من أجل خوضه. لكن حذارى من أن يتمكن أعداونا من اختراق صفوفنا، كما نجحوا من قبل كثيراً على طول تاريخنا الإسلامى . وأما عن طبيعة الحركة فى المدى المتوسط والطويل، فهى تحـرك لاستعادة القيم الإسلامية و إعادة بناء الإنسان المسلم على أساسها . فهو عمل ثقافى تربوى فى المقام الأول، يتم من خلاله تربية الأجيال القادمة على قيم الإسلام على حب الجهاد فى سبيل الله، على طلب العلم والإقبال الجاد على العمل وإتقانه، على الاعتصام بحبل الله، ونبذ الفرقة، والاهتمام بعظائم الأمور، وعدم الانشغال بتوافهها، وألا نتولى إلا الله ورسوله والذين آمنوا. د- إن جوهر الأمن فى أمتنا هو الإيمان والجهاد فى سبيل الله . قـال تعـالى: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ويُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ومَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ (12) وأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وفَتْحٌ قَرِيبٌ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ (13) [ الصف: 10-13 ] . والنصر بإذن الله سيكون فـى الدنيا والآخـرة للصادقين مع الله تعالى، قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ ولا فَسَاداً والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) [القصص: 83 ] . إن الأمة فى حاجة لمن يوقظها ويكون لها قدوة وأسوة حسنة. وليس هناك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نبى. فمن أجدر من العلماء وهم ورثة الأنبياء للقيام بهذا الدور؟ وعلماؤنا يحتاجون إلى أن تكون لهم مصداقية، وهذه تأتى بأن يطوع كل منهم نفسه ويقصرها على الحق قصراً . على كل عالم فى هذه الأمة أن يكون إسلاماً يمشى على قدمين، يضرب المثل فى إيمانه واعتصامه بحـبل الله، لا يأمر بالمعروف إلا ويكون قد أمر نفسه به أولا والتزم به..، أن يكون مثالاً فى التضحية والإيثار... أن يتقدم الصف حتى يتبعه الناس. ولن يصلح حـال الأمة فى عاجل أمرها واجله إلا بهذا، قال تعالى: (إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) [ الأنفال: 73] ، وقال تعالى: ( إنَّمَا ولِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وهُمْ رَاكِعُونَ (55) ومَن يَتَوَلَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً ولَعِباً مِّنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ والْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ واتَّقُوا اللَّهَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57) ) . [ المائدة : 55/57 ] . الفصل الثانى المبحث الأول: الصهيونية والاستعمار يعدان العدة لمتزيق مصر والمنطقة العربية. المبحث الثانى: لماذا يحرص الصهاينة على تمزيق المنطقة العربية ؟ المبحث الثالث : الأدوات التى تتبناها السياسة الأمريكية . المبحث الرابع : مصر والحرب القادمة . المبحث الخامس : أسباب نجاح مخططات الاستعمار والصهيونية فى العالم العربى . تعريف بالمؤلف الأستاذ الدكتور حامد عبد الله ربيع * أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة. * أستاذ ورئيس قسم الدراسات القومية بمعهد الدراسات العربية. * أستاذ خارجى "بجامعات الخرطوم- بغداد- روما- باريس " له مؤلفات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال: 1- إطار الحركة السياسية فى المجتمع الإسرائيلى- دار الفكر العربى 1978. 2- مصر تدخل عصر النفايات الذرية- دار الفكر العربى 1979. 3- الثقافة العربية بين الغزو الصهيونى وإرادة التكامل القومى-دار الموقف العربى القاهرة-طبعة عام 1983. 4- اتفاقيات كامب ديفيد- قصة حوار بين الثعلب والذئب- عمان دار الشعب عام 1980 . له مقالات كثيرة جداً نذكر منها على سبيل المثال: أ- سبع مقالات على التوالى نشرتها الأهرام الإقتصادى فى الأعداد 733- 739 اعتبارا من 31/1/1983 تحت العناوين التالية: 1- احتواء العقل المصرى . 2- دور المعلومات فى الاستراتيجية الأمريكية . 3- تحركات السياسة الأمريكية على أرض مصر. 4- ولم يتعلم الأمريكيون من أخطائهم . 3- سياسة جمع المعلومات فى منطقة الشرق الأوسط. 6- التوافق الإسرائيلى الأمريكى . 7- الأمن المطلوب فى سياسة جمع المعلومات . وقد نشرناها فى كـتابنا الرابع من سلسلة كـتبنا نحـو وعى سياسى واستراتيجى وتاريخى تحت عنوان " الاستعمار والصهيونية وجمع المعلومات عن مصر" ، دار الوفاء للطباعة والنشر. ب- مصر والحرب القادمة- عشر مقالات نشرتها جريدة الوفد- أسبوعيا- تباعاً اعتباراً من 7/6/1989 وتحت العناوين التالية (16): 1- مصر والحرب القادمة. 2- فلسفة إسرائيل وموقفها فى منطقة الشرق الأوسط. 3- هل تنجح إسرائيل فى وراثة دور مصر القيادى. 4- قنبلة تكتيكية ذات إشعاع محدود، يدمر الدول المحيطة بإسرائيل. 5- الترسانة العسكرية الإسرائيلية الجديدة . 6- حرب توسعية لتحقيق الهيمنة الصهيونية الكاملة للمنطقة. 7- السلوك العدوانى الإسرائيلى. 8- السلاح النووى وتطور العقيدة القتالية الإسرائيلية. 9- الدول العربية تستخدم السلاح التقليدى فى تدمير السلاح النووى الإسرائيلى . 15- السلاح النووى الإسرائيلى واستراتيجية المواجهة. وقد تم نشر هذه المقالات فى كتابنا الثانى ضمن سلسلة نحو وعى سياسى وتاريخى واستراتيجى ، تحت عنوان "مصر والحرب القادمة"، دار الوفاء المنصورة، (*) جمهورية مصر العربية، 1418هـ/ 1998م. وقد ذكر أن أ. د. حامد ربيع- رحمه الله- قد اغتيل على يد الصهيونية العالمية فى بيته. - الفصل الثاني الصهيونية والاستعمار يعدان العدة لتمزيق مصر والمنطقة العربية وفى هذا المبحث يقدم الدكتور حامد عبد الله ربيع الدليل على الأتى: * المخطط العام الذى يسيطر على القيادات اليهودية ، يهدف إلى تجزئة المنطقة العربية وتحويلها إلى كيانات صغيرة طائفية. * ويهدف بصفة خـاصة إلى تمزيق مصر إلى دويلات (17) ، يمتد عبر إحداها النفوذ اليهودى ، ليستوعب سيناء وشرق الدلتا ليتحقق حلم اليهود من النيل إلى الفرات!! * سياسة الدول الكبرى تتفق فى مصالحها مع سياسة إسرائيل فى منع مصر من أداء دورها الإقليمى والدولى !! * لماذا اهتمت الأبحاث الميدانية التى أجرتها الهيئات الأمريكية- على وجه الخصوص - بمحافظة الفيوم ، وكذلك بمدينة أسوان ؟؟ * اليهود والأمريكان وغيرهم يتجسسون على مصر، ويجمعون عنها المعلومات لماذا ؟؟ هذه المعلومات تصب فى أجهزة الأمن القومى الأمريكى، الذى يرسم السياسة الأمريكية الخارجية ، والتى تقوم على: * حصر القوى والقيادات الوطنية القادرة على أن تشكل ثورة رفض، أو تكون على قسط معين من الفاعلية ضد المصالح الأمريكية والصهيونية. * تصفية هذه القوى الوطنية بالسجن أو القتل، وعدم الانتظار حتى تنفجر الثورة أو حركات الرفض، بل يجب اقتطاعها مسبقاً . * ما الذى تخطط له إسرائيل بالنسبة لمصر ومنطقة وادى النيل الآن وفى المدى البعيد ؟ كتب د. حامد ربيع عن المخطط العام الذى يسيطر على القيادات الصهيونية، وهو تجزئة المنطقة العربية، وتحويلها إلى كيانات صغيرة، يسيطر عليها مفهوم الدولة الطائفية، ويفكر العدو فى تجزئة وادى النيل على النحو التالى: أولاً- محور الدولة النصرانية الممتدة من جنوب بنى سويف حتى جنوب أسيوط ، وقد اتسعت غرباً لتضم الفيوم التى بدورها تمتد فى خط صحراوى يربط هذه المنطقة بالإسكندرية التى تصير عاصمة للدولة النصرانية، وهكذا تفصل مصر عن الإسلام الإفريقى الأبيض (فى طرابلس الغرب وتونس والجزائر والمغرب) وعن باقى أجزاء وادى النيل (أى السودان ودول القرن الإفريقى) (18). ثانياً- ولمزيد من تعميق هذه التجزئة، يربط الجزء الجنوبى الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان، باسم بلاد النوبة- بمنطقة الصحراء الكبرى- حيث أسوان تصير العاصمة لدولة جديدة تحمل اسم دولة البربر. ثالثاً- الجزء المتبقى من مصر سوف يخصص لمصر الإسلامية. رابعاً- وعندئذ يمتد النفوذ الصهيونى عبر سيناء ليستوعب شرق الدلتا، بحيث تصير حدود مصر الشرقية من جانب فرع رشيد، ومن جانب آخر ترعة الإسماعيلية . وهكذا يتحقق الحلم التاريخى من النيل إلى الفرات (19). وذكر الكاتب (20) الدكتور حامد ربيع- رحمه الله- أن التطور الذى تعيشه المنطقة جعل سياسة الدول الكبرى الغربية تتفق فى مصالحها مع سياسة إسرائيل، لا فقط بمعنى عزل مصر، بل وبمعنى تجزئة مصر، ثم تساءل الكاتب: أولاً- لماذا اهتمت الأبحاث الميدانية التى أجرتها الهيئات الأمريكية على وجه الخصوص بمحافظة الفيوم ، وكذلك بمدينة أسوان ؟ ثانياً- وهل الاهتمام بمحافظة الفيوم ينبع من التصور الإسرائيلى بخصوص الدولة النصرانية ، الذى أساسه ضم الفيوم إلى المحافظات الأخرى السابق ذكرها، وشق طريق صحراوى يربط هذه المنطقة عبر وادى النطرون بالإسكندرية (*)، التى سوف تصير عاصمة الدولة الجديدة ، وقد اتسعت لتضم أيضاً جزءاً من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح ؟ ثالثاً – هل هناك علاقة بين الاهتمام بأسوان، والحـديث المتردد عن دولة البربر التى سوف تمتد حـينئذ لتشمل الصحراء الكبرى من جنوب المغرب حتى البحـر الأحـمر؟ والتفكير فى دولة البربر قديم، أثارته بعض الاتجاهات الاستعمارية الفرنسية قبل الحرب العالمية الثانية، وعندما بدأت تتكشف أهمية البترول المنتشر فى صحراء الجزائر وحولها، فالسياسة الأمريكية تريد خلق حـائط يمنع المسلمين العرب من الالتقاء بالمسلمين الأفارقة، وهى تريد أن تحمى مراكز الثروة الطبيعية فى وسط إفريقيا، وهى تعلم حاجتها إلى تلك المصادر التى توصف بأنها مصادر للمعادن الاستراتيجية، ولنتذكر على سبيل المثال "النيكل والبلاتين والقصدير دون الحديث عن اليورانيوم ". وهكذا تلتقى أهداف التجزئة لمصر مع أهداف الإحاطة والتحزيم التى تسعى إليها السياسة الإمبريالية ، فهل سوف تحل مدينة أسوان هذه المشكلة لتصير عاصمة للدولة البربرية ؟ رابعاً- هل صحـيح أن هناك دراسـة ممولة من الجـانب الأمريكى حـول هذا الطريق الصحراوى الذى سوف يربط الفيوم بالإسكندرية؟ فهل بدأت هذه الدراسة فعلاً أم لا تزال فى حيز الإعداد ؟ [هذا الكلام نشر عام 1983، ويقال: إنه قد تم تنفيذ هذا الطريق فعلاً ]0. لكن لماذا يحرص الأعداء على تجزئة مصر؟ يقول الكاتب- رحمه الله-: "إن القوى الطامعة فى مصر، تهدف إلى تجزئة مصر" خوفا من ازدياد قوتها، ففى نهاية هذا القرن سوف يصير عدد سكان مصر- بإذن الله- ثمانين مليونا، كما أن موقعها الاستراتيجى أضحى أكثر خطورة على مصالح القوى الكبرى" لأن حقيقة الصراع الدولى تغيرت معالمه وخصائصه، ولو استطاعت مصر أن تهيئ لنفسها قيادة حقيقية، فهى مؤهلة لأن تجمع تحت رايتها جميع دول المنطقة العربية- وأيضاً العالم الإسلامى- وهذا يعنى نتيجتين: أولاً- انتهاء إسرائيل ، سواء باستئصال واقتطاع وجودها أو بذوبانها وابتلاعها . ثانياً- وضع حـد لعملية النهب لثروات الأمة التى تمارسـها القوى الدولية، والشركـات الكبرى المتعددة الجنسية فى جميع أجزاء المنطقة. ومن يرد أن يعرف كيف تفكر القيادة الإسرائيلية فليقرأ كـتاب بن جـوريون " تاريخ شخصى "A Personal History " ومع الغزو العسكرى، هناك محـاولات مستميتة لمنع زيادة نسل الشعب المصرى ، بل العالم الإسلامى، عبر أجـهزة تنظيم النسل التى تنفق عليها أمريكا والدول الأوربية بسخاء كبير (21) ." أمريكا وإسرائيل يتجسسون على مصر ويجمعون عنها المعلومات! دور المعلومات فى الاستراتيجية الأمريكية واليهودية: حينما عرض الكاتب- رحمه الله- لسياسة جمع المعلومات وموقعها من الاستراتيجية الأمريكية، ذكر " أن مفهوم الأمن القومى الأمريكى قد اتسع بشكل لافت للنظر، عندما ربطت الولايات المتحـدة الأمريكية بين أمنها ووجود إسرائيل، وعندما اعتبرت أى تغيير يمكن أن يحـدث فى أى بقعة من بقاع العالم تهديداً للأمن القومى الأمريكى، وأضحى حماية المواد الأولية فى جنوب إفريقيا العنصرية هى أحد عناصر الأمن القومى الأمريكـى؟ ولهذا فإن أمريكا ترى أن تعتمد على نفسها وقوتها، ولا تعتمد على حلف ولا دول تابعة، يجب أن تخلق أدواتها الذاتية فى كل منطقة لحماية مصالحها- كما يقول الكاتب- ويرتبط بهذا تطور خطير فى مفهوم التعامل الاستراتيجى أحد محاور الصدام المحتمل- منطقة القلب- وهى الممتدة من جنوب شرق أوربا، حيث مواقع حلف الأطلنطى حتى وسط المحيط الهندى، حيث جزيرة "ديجوجارسيا " التى تتمركز بها أكبر قاعدة أمريكية عرفها التاريخ حتى اليوم، ويتبع ذلك أن هذه المنطقة يجب أن تدخل فى دائرة الاستعداد، حيث المسرح الثانى لحرب فى مستوى الصدام فى وسط أوربا". "ومن هنا كانت خطة أمريكا للتعامل مع العالم الثالث، ومنه مصر والعالم العربى الذى قد يتمرد على مخططاتها، وتسلطها ونهبها لثرواته، وإهدارها لحريته، فأى حركة فى تلك الدول ترمى إلى تغيـيـر الوضع القائم، يجب أن تواجـه بالعنف، إنها نوع من الإرهاب الدولى، وتبدأ خطة أمريكا بجـمع المعلومات (22) لمعرفة مصر والبلاد التى يرغبون فى الاستيلاء على خيراتها من الداخل، وتحليل خصائص وأسلوب التعامل مع عقليتـها وعقلية قيادتها السياسية والفكرية، وهذا أسلوب ينتهجـه الاستعماريون مع الأمة منذ زمن بعيد". إن جمع هذه المعلومات ليست بقصد علمى منزه ، وهى اليوم فى البلاد المختلفة تتولاها أجهزة ظاهرها مدنيه، ولكنها تنتهى بأن تصب فى أجهزة الأمن القومى الأمريكى الصانعة لسياسة أمريكا فى العالم العربى". لقد بدأت الولايات المتحدة تنفيذ هذه السياسة منذ عهد عبد الناصر، من خـلال منظمة فورد (23) . إن عملية جمع هذه المعلومات تستند إلى تحالف وثيق بين الأجهزة الأمريكية من جانب، والأجهزة الإسرائيلية من جانب آخر، وأجهزة حلف الأطلنطى من جانب ثالث، والمخابرات الأمريكية- بصفة خاصة- تعمل بتوافق تام مع أجهزة الأمن الإسرائيلى. " وقد ذكر الكاتب- رحمه الله- مجموعة من النقاط الجديرة بالتسجيل، والتى لا يمكن أن تغنى عن قراءة كل كلمة فى المقال: "دقة وخطورة التعامل مع المعلومات، وجـمع المعلومات، فإن الأمريكان يعهدون إلى أشخاص معينين بعمل بحوث ميدانية، وهم لا يملكون أى معرفة حقيقية بالبحوث الميدانية، وهم إلى جانب ذلك يمتازون بالسطحية من جانب، والغرور من جانب آخر، وهذا سلاح ذو حـدين، فهو من جـانب يجـعل المرء يطمئن إلى عدم قدرة هؤلاء على البحث الحقيقى، واكتشاف الحقائق المستترة خلف هذه المعلومات، ولكن من جانب آخر يصيرون أداة فاعلة فى يد المخطط الأجنبى ، الذى يجلس إلى جوار هؤلاء، ويستخـدمـهم كـما يستخدم الدمى على مسرح العرائس "، وذكر الكاتب- رحمه الله-: "أن استخدام المعلومات اليوم أضحـى عملية مرعبة من حيث القدرة والفاعلية، لقد ذكر البعض أنه فى عهد الرئيس عبد الناصر استطاعت المخـابرات الإسرائيلية من متـابعة عدد علب السردين المنقولة إلى منطقة الإسماعيلية تقدير تطور عدد القوات المصرية المقاتلة فى تلك المنطقة "!! . وعن نوعية المعلومات التى يسعى الأعداء إلى الحصول عليها … يقول الكاتب: "الواقع أن المعلومات التى تسعى إليها هذه الأجهزة الأجنبيـة، هى تلك التى تسمى بالمعلومات الخـاصة بالمبررات، أو بعبارة أخرى: المتغيرات الدولية التى تستتر خلف السلوك وخلف الوقائع ". ثم قال الكاتب : على الدولة أن تستيقظ ، وعلى الحاكم أن يفتح عينيه جيداً ! ليعرف أن كيان أمته (24) أ قد أضحى موضع التهديد". وعن خصوصية العلماء العرب الذين يأتون من الولايات المتحدة الأمريكية، ذكـر الكاتب- رحمه الله: إن المهاجرين العرب إلى أمريكا من العلماء والمهندسين بين عام 1966 وعام 1977 قد بلغ عددهم فقط من الذين يحملون درجة الدكتوراه أكثر من ستة آلاف عالم، نصيب مصر يزيد عن ثلاثة آلاف، هم على وجه التحديد يوزعون بالشكل التالى: "مهندسون2113، علماء طبيعة 1039، علماء الاجتماع 158، وذلك دون الأطباء وسائر العلوم الأخرى". وتساءل الكاتب: "هل يصلح هؤلاء العلماء، وبالتحـديد العلماء المقيمين فى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة فى أبحاثنا الميدانية، وتحمل مسؤولية تلك الأبحـاث "، وخـاصة تلك الأبحاث المتعلقة بالمعلومات التى ترتبط بالأمن القومى ؟ " . وأجـاب الكاتب بالنفى: كلا، والسبب- كـما ذكـر الكاتب: "أن أغلبهم- إن لم يكونوا جميعهم- أدوات متقدمة للمخابرات الأمريكية، يخضعون لتوجيهها بطريق أو بأخر، بل إن الكثير ممن درسوا فى تلك الجامعات وعادوا إلى مصر قد خضعوا لذلك التوجيه ". وعن طبيعة التطور العام في المنطقة وأهميته للإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وموضح جمع المعلومات من هذه الإستراتيجية ، ذكر الكاتب جملة أهداف من وراء جمع هذه المعلومات منها: "مواجهة أى حركـة ترمى إلى تغيير الوضع القائم فى دول العالم الثـالث بالعنف والاستئصال، فأى حركة فى تلك الدول ترمى إلى تغيير الوضع القائم يجب أن تواجه بالعنف، إنها نوع من الإرهاب الدولى ، يقول "هيج " عندما كان مسؤولاً عن وزارة الخارجية بهذا الخصوص: "إن مفهوم مقـاومة استخـدام الإرهاب الدولى ، وهو الاصطلاح الذى يستخدم للتعبير عن حركات التغيير فى العالم الثالث، يجب أن يحل فى اهتماماتنا موقع مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان، كذلك فإن مواجـهة هذا الإرهاب الدولى يجب أن تتم من خـلال استخدام القوة العسكرية، من العبث الحديث عن الإصلاح أو التقدم أو التجديد، الذى يعنى القيادات الأمريكية، هو القدرة على الاستئصال الجسدى والعنصرى للقوى الثورية والقيادات الرافضة ". "وهكذا فإن النظرية الأمريكية الجـديدة واقعية وعنيفة فى واقعيتها، لا تؤمن بفكرة الإصلاح، ولا بكل ما يتصل بغزو القلوب، هى تكتفى بغزو القوى الثورية واستئصالها بالأدوات العسكرية وما فى حكمها، أما ما عدا ذلك فلا يعنيها ، لأنه مضيعة للوقت والمال ". ثم تساءل الكاتب: ما هى أدوات تنفيذ تلك السياسات فى دول العالم الثالث؟ وما هى المنطلقات التى تنطلق منها؟ وقد أجل الكاتب الإجابة عن السؤال الأول، وأجاب عن الثانى بقوله: "إنها تنطلق- تنبع- من مفهومين أساسيين: أولاً- الوقاية خير من العلاج، ومن ثم يجب ألا ننتظر- أمريكـا وأعوانها- حتى تنفجر الثورة أو حركات الرفض، بل يجب اقتطاعها مسبقاً ". والثانى- "عندما يحدث التدخل، فلندع جـانباً مفهوم التدرج فى التدخل، وإنما يجب أن يكون هذا التدخل كثيفا صاعقا، وبعبارة أخرى: إن أول ما يجب أن تهتم به الإدارة الأمريكية هو عملية حصر حقيقية للقوى والقيادات القادرة أو الصالحـة لأن تكون ثورة رفض على قسط معين من الفاعلية، وعندما تكتشف الإدارة، عليها أن تلجأ إلى جميع الوسائل لاستئصال تلك القوى والقيادات، ويكون الترغيب والتطويع خطوة أولى، وإن لم تفلح، فالقبض والسجن خطوة ثانية، وإلا فالقتل والاستئصال الجسدى". هذا ما كتبه صراحـة "ميشيل كـلار" الخبير فى معهد التحليل السيـاسى بجامعة واشنطن، وهو ما سمح لنا بأن نفهم الوظيفة التى تؤديها مراكز البحوث المنتشرة خلف الأهداف والاعتبارات الأكاديمية، وهو أيضاً يوضح النوايا الحـقيقية من عمليات جمع المعلومات الميدانية". يقول الكاتب بكلمات صريحة ليست فى حاجة إلى تعليق: "وتستطيع هذه السياسة أن تكون مجدية؟ لأن السياسة الأمريكية تفحص الملاحظة المستمرة لسلوك المواطنين من خـلال ناقلى المعلومات للإدارة الأمريكية، وكـذلك من خـلال وضع نظام حديث للتصنت والمراقبة، فضلاً عن معالجة المعلومات ". ثم تساءل الأستاذ الدكتور حامد ربيع- رحمه الله: ترى هل قرأ علماؤنا تقرير هذا العالم؟ وهو أحد من أسهموا فى وضع هذه الاستراتيجية؟ هذا التقرير قد نشرته جريدة "لموند الدبلوماسى" فأقام الدنيا وأقعدها فى جميع أجزاء أوربا، ولكن علماؤنا الأجـلاء لا يزالون يغطون فى النوم … فهل من مستمع؟ ". وقد اعتمد الكاتب فى بحثه على: أ- ما نشر فى عدد " لموند الدبلوماسى" أبريل 1981، الذى نشر تقرير "ميشيل كـلار" الخبير فـى التحليل السياسى، وواحـد ممن أسهموا فى وضع الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التى بدأت من أول عهد "كارتر"، وهو يعمل باحثاً فى معهد دراسات التخطيط السياسى بواشنطن، وهو صاحب المؤلف المشـهور بعنوان (حـرب بدون نهاية) الذى يؤكد فيه على ضرورة أن تدخل الإدارة الأمريكية فى قناعتها التدخل فى العالم الثالث دون توقف. "فى هذا التقرير تحدث عن التخطيط الأمريكى لمواجـهة حركات الرفض فى دول العالم الثالث، على أساس تغيير الاستراتيجية التى كان يتبعها "كينيدى" ، واتباع استراتيجية مفادها: ليس خلق القناعة بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، وإنما استئصال مفاصل القوة فى المجتمعات موضع الغزو فى دول العالم الثالث ". ب- وكذلك كتاب "غزو الأرواح " الذى أصدره الناشر اليسارى الفرنسى " ماسبرو" سنة 1982، وهو يحدد مصادر التصور الأمريكى لغزو العقول فى العالم المعاصر بما فى ذلك أوربا، وكيف أن التفكير بدأ أثناء الحرب العالمية الثانية. "وهذه الوثيقة- كما يقول الكاتب- خطورتها فى أنها تحدد مصادر غير معروفة، وغير متداولة عن كيفية دراسة وإعداد هذا المخطط، منذ الحرب العالمية الثانية، ويقال: إن سبب مقتل "فلترينلى" الناشر الإيطالى اليسارى المشهور يرتبط بنشر هذه "الوثيقة"، ولعل هذا هو أحد الأسباب الرئيسة التى عجلت بالغزو الاستعمارى الصهيونى- الأمريكى والأوربى - للعـالم العربى فى عام 1991، واحـتلاله لقواعد فى جزيرة العرب والبلاد المحيطة والبحرين الأحمر والأبيض، وضرب العدة العسكرية والمنشآت المدنية لشعبى العراق والكويت، والأخطر من هذا تمزيق الصف وتحجيم دور مصر فى المنطقة العربية والعالم الإسلامى ، ووضع اليد على منابع النفط، والهيمنة شبه الكاملة على حياة المجتمعات، مع العمل المستمر لضرب أية محاولة وطنية تحاول التحرر من قبضة الأعداء". وهكذا يتبين لنا أيها القارئ الكريم حجم المؤامرة الصهيونية الاستعمارية على أمتنا، كما يتبين أن اغتصاب فلسطين هو بداية الضياع لبقية ديار المسلمين، إذ أنه عرض أمن العالم الإسلامى كله للخطر. وهناك شىء أخر، وهو أن بلاد المسلمين عامرة بالثروات (25)، ولكنهم محرمون من الاستفادة منها، ونحن نحرسها ونقدمها إلى الأعداء ليحولوها إلى رصاص وقنابل توجه إلى صدورنا. كما يتضح لنا أيضاً أن القرصان الصهيونى الاستعمارى وأعوانه ينطلقون من سياسة أمنية تقوم على ضرورة الإجهاض المبكر لأية محاولة قد تبذلها الأمم والشعوب للتحرر من قبضتهم (26). ولهذا فإن شعوب العالم الإسلامى بقيادة حركات البعث الإسلامى مطالبة بدراسة هذه المخطط والسياسات، ووضع خطط تقوم على الإجـهاض المبكر لمخططات القراصنة، وتستشعر معنى قول النبى صلى الله عليه وسلم (27): "الآن نغزوهم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم ". حول تلك التساؤلات بدأ الكاتب- رحمه الله- يفند دوافع الأعداء لتمزيق المنطقة العربية، وإقامة الكيانات الطائفية فقال: "طرح قادة اليهود سؤالاً: كيف تستطيع القيادة اليهودية المحافظة على بناء إسرائيل، وتجنب ما حدث لأوربا فى الحروب الصليبية ؟ "قدم "إيجال آلون، وشيمون بيريز"، اقتراحات بهذا الشأن وهى ليست الوحيدة ". - المحور الفكرى لهذه الاقتراحات: أن إسرائيل مهما فعلت، وحتى لو نجحت بأقصى فاعلية فى تجميع اليهود فى دولة إسرائيل، فإن ذلك لن يسمح بإقامة دولة تتجاوز العشرين مليوناً فى نهاية القرن، وحتى ذلك التاريخ، فإن أصغر دولة عربية سوف تكون قد تجاوزت هذا العدد أو اقتربت منه، وذلك دون الحديث عن مصر التى سوف تصل إلى ثمانين مليوناً، إزاء ذلك، فإن إسرائيل سوف يتعين عليها أن تظل قلقة محاصرة، فهل يضمن الدفاع المستمر بما يمثل من نفقات من جانب الولايات المتحدة الأمن الإسرائيلى؟ أم أن على إسرائيل أن تخلق إطار دفاعها الذاتى، وهى لذلك يجب أن تعمل جاهدة على أن تحيل المنطقة إلى دويلات صغيرة، أو كيانات هشة محدودة الفاعلية، ومن ثم تلهى تلك الدويلات بصراعات حول الحدود، أو بخلافات عشائرية خلال خمسين عاماً على الأقل؟ مثل هذا التصور يحقق لإسرائيل ثلاثة أهداف فى آن واحد: أولاً- أن تصبغ المنطقة بصبغة طائفية. ثانياً- أن تصير إسرائيل- وهى الدولة القوية باقتصادها وتقدمها التكنولوجى- هى الدولة السائدة أو المسيطرة على المنطقة، حيث لا يوجد حولها سوى دول أقزام. ثالثاً- أن تتوسع وتغزو اقتصادياً؟ لأن أى دولة من تلك الكيانات الهشة لا تملك القدرة الاقتصادية على الاكتفاء الذاتى. إذن اليهود يعتبرون التجزئة للمنطقة (28) أحد العناصر الضرورية للأمن الإسرائيلى ، بل إنه يصير عنصراً أساسياً لا بديل له.. ولتحقيق ذلك لابد من خطوات- طبقا لاقتراحات آلون.. وشيمون بيريز. أولاً- "الهزيمة العسكرية الساحقة- لمصر والعالم العربى- تصير الخطوة الأولى، مما يعنى فقدان الثقة فى الذات، والقناعة فى عدم القدرة على المواجـهة" ولذلك فإن الهزيمة العسكرية يجب أن تصاحبها أمور ثلاث: تدمير مكثف من جانب، وتشتيت للأهالى على صورة واسعة من جانب آخر، ثم الحرب النفسية من جانب ثالث ". ثانياً- "خلق مسالك الاتصال المباشر مع القوى الفكرية والقيادية فى المجتـمع المحلى، وتدعيم مفهوم التعاون والحـوار الذى يضع حدا للعداوة الفعلية، ويخلق طبقات منتفعة"، والدليل كما يقول حامد ربيع: إن مئات الآلاف التى تنفقها إسرائيل فى مصر، ثم فى لبنان على الأبحـاث الميدانية والبحوث المشتركة مع بعض أساتذتها تخفى تحركاً خبيثاً، محوره: خلق بذور الصداقة والمصلحة فى الجسد العربى ". ثالثاً- "تخريب المرافق القومية؟ لأنه يؤدى إلى فقد الهيمنة والشعور بعدم فاعلية الدولة المركزية، ويرتبط ذلك بالإكـثار من الفـضـائح، وتلوث القـيـادات. ومصدر هذه التصورات الإسرائيلية، كما يقول حامد ربيع: هو الفكر النازى !! ". وتساءل الأستاذ الدكتور حامد ربيع: ولكن أين مصالح السياسة الأمريكية فى تنفيذ مثل هذا المخطط؟ ويجيب على ذلك بقوله: "فى عام 1967، أضحت إسرائيل هى حـاملة الطائرات الثانية فى المنطقة العربية لجـماعة المصالح الأمريكية، وبصفة أدق لتأديب القيادات العربية، التى تتمرد على مخططات الاستعمار والصهيونية، ومنذ 1975 ازدادت الصلة بينهما، حـيث أصبحت إسرائيل رأس حـربة للتـواجـد الأمريكى الممتد فى المحـيط الهندى، وحـتى داخـل الخليج العربى من جـانب، ومدخل البحر الأحمر من جانب آخر، ولكنها فى عام 1982 صارت أداة لوظيفة أخرى أكثر خطورة، فقد أصبح هناك تعاون استراتيجى بين تل أبيب وواشنطن، والمرتبط أيضاً بما يسمى " قوة الانتشار السريع "، أساسه: أن تعد إسرائيل بحيث أن تواجه أية محاولة تهدد المصالح الأمريكية- خاصة البترولية- فى المنطقة، ومن هنا كانت سياسة جمع المعلومات (29) والبحوث المشتركة، كأداة لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية اليهودية- الاستعمارية الصهيونية- وهدفها ضبط القوى المحلية الساعية والقادرة على التغيير، والعمل على تجزئة مصر، وعزلها، وتفريغها من قواها الحقيقية، وإعدادها للدور الذى قد أعده لها الاستراتيجيون الأمريكيون، بالتوافق التام مع الاستراتيجية الإسرائيلية. وهنا تأتى سياسة جمع المعلومات التى تخدم هذه السياسات. جمع المعلومات تأتى عبر الأبحاث الميدانية التى انتشرت فى مصر خلال الأعوام الأخيرة، وتغلغلت فى كل مكان، بحـيث وجدنا ممثليه يجلسون فى أدق أجزاء الجسد المصرى حساسية، وبحيث أضحى كل مصرى يتهالك على إرضاء هؤلاء السادة الجدد- الأمريكان وغيرهم ". "أين مسؤولية علمائنا الذين اندفعوا بلا وعى فى هذه العملية؟ ". وأين مسوولية أجهزة الأمن المصرية ؟، "ومن هنا لابد وأن نطرح التساؤل الأخطر: أين مسؤولية علمائنا؟ وأين مسؤولية أجهزة الأمن لدينا؟ وهل القيادة واعية بهذه المخاطر؟ وماذا أعدت لمواجهتها ؟. وقد حاول الكاتب- رحمه الله- فى مقال تال أن ينبه أمته إلى "الأمن المطلوب فى سياسة جمع المعلومات "وقد قدم بكلمة جاء فيها: "وعلى الحاكم أن يخرج عن صمته ليؤدى واجبه، إن أراد أن يخلى مسئوليته أمام الأجيال، وأن يعلن أمام الضمير القومى واجبه؟ ليعلم أن هذا وحده أساس شرعيته، كما ذكر أن مصير أمتنا فى الميزان… وطالب بمحاكمة حقيقية لأولئك الذين خانوا أمتهم، وخانوا أمانة العلم التى وضعت فى أعناقهم، عندما قبلوا أن يكونوا فى بلادنا جيشاً من العملاء". الأدوات التى تتبناها السياسة الأمريكية أولاً الأدوات الداخلية وهى تهدف إلى: * تشجيع الشعوبية- بمعنى إحياء القوميات والعصبيات. * تدعيم مفهوم الولاء الطائفى- بمعنى إذكاء الصراع بين أبناء الأمة- مسلمين ونصارى ورعاة ورعية (30). * مساندة الزعامات المهلهلة ودفعها إلى مواقع السلطة. * خلق طبقات منتفعة طفيلية. * استخدام أساليب التسميم السياسى. * الأبحاث الميدانية الأمريكية ودورها فى خدمة هذه السياسات. ومجموعة هذه السياسات تقود إلى نتيجتين متكاملتين: الأولى- الفوز بالتبعية للإرادة الغازية. الثانية- الابتعاد عن التكامل بالنسبة للأرادة القومية العربية. والنماذج التى تعيشها المنطقة العربية بهذا المعنى عديدة لا حصر لها، بل ويمكن أن نقول: إن جميع أجزاء المنطقة وبدرجات متفاوتة قد وقعت فى هذا الفخ. ثانيا- الأدوات الخارجية أو الدولية: وهى موجهة ضد تكامل الإرادة العربية، وهى تهدف إلى: 1- نشر الكراهية ضد العالم العربى. 2- تدعيم الترابط الدولى ضد المصالح العربية. 3- تفجير منظمة الأوبك. "الأدوات الداخلية التى تتبناها السياسة الأمريكية، بمعنى الأساليب التى تتبناها السياسة الأمريكية فى داخل بلاد العالم العربى لتحقيق أهدافها". وقد ذكر الكاتب- رحمه الله- جملة حقائق نذكر بعضها ولا يغنى هذا عن الاطلاع على المقال كاملاً فى مصدره، قال الكاتب- رحمه الله: أ- "وتفضح الوثائق التى نشرها العالم الفرنسى "جوليان " على أن تعليمات الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية إلى الشركات البترولية فى العالم العربى واضحة، وهى عدم توظيف عوائدها النفطية فى المنطقة، وذلك رغم أن احتمالات الكسب فى ذلك الميدان لا حدود لها. كل دولار يوظف فى المنطقة العربية يستعيد نفسه خلال فترة لا تتجاوز العامين، بينما هو فى حاجة إلى خمسة عشر عاماً فى غرب أوربا، ومع ذلك فتعليمات وزارة الخارجية الأمريكية كانت صريحة إلى الشركات البترولية أن توجه عائداتها البترولية لتوظف فى اقتصاد غرب أوربا، ولا توظف محلياً فى المنطقة العربية ". ب- "سياسة جمع المعلومات، هى أحد الأدوات المساندة والضرورية لعملية التغلغل من القوى الأجنبية، لقد أضحت المعرفة الدقيقة أو الواضحة بمقومات الجسد الذى يراد تطويقه عنصرا أساسياً من عناصر التعامل مع الواقع السياسى ". وتساءل المؤلف: ما هى أهداف أمريكا من سياسة جمع المعلومات فى مصر؟ وطالب بتذكر عدة أمور: الأول- "ينفق ملايين فى مصر حول هذه البحوث المشتركة- لجمع المعلومـات- ليس مرده حب مصر، والتغنى بجمالها، ومن يحدثنى عن الاهتمامات الأكاديمية، فلا أستطيع أن أصفه إلا بالبلاهة- لو أردت أن أفترض حسن النية- وهو أمر بدوره موضع احتمال ". "هناك أهداف خفية تجعل الإدارة الأمريكية تلهث وراء معرفة خفايا الوجود المصرى، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، وليس فقط من حيث الخصائص السلوكية القائمة، بل وتطور تلك الخصائص السلوكية واحتمالاتها المستقبلية، هذه العملية تنبع من مخطط معين يسيطر عليه السعى نحو أهداف معينة، فما هى ؟؟ ورغم أن السلطات المصرية ظلت حتى الآن تغمض عينيها عن الذى يدور حولها، فهل أن الأوان لأن نتساءل وبصراحة: ما هى حقيقة هذه الأهداف؟ إن الخط القاتل لسياسة مصر الخارجية ، هى أنها ظنت أن تصرفات الولايات المتحدة - وهى دولة عظمى- تنبع من سياسة تنطلق من مبادئ ومفاهيم وتقاليد السياسات العظمى، ونسيت أن الولايات المتحدة لم تعد تملك تقاليداً أو قيماً " (31). الثاني- "أن القوة السياسية الأمريكية جاءت نتيجة ضعف الإرادة المصرية فى مواجهة هذا الغزو الفكرى الذى تخضع له مصر دون حياء، إن مصر أكثر ضعفا واستسلاماً إزاء الفاتح الجديد". وهدف السياسة الأمريكية منع مصر- أولاً- من أن تصبح قوة ضاربة فى المنطقة طالما أنها- أى أمريكا- تريد أن تسيطر على المنطقة ، فلن يتأتى لها ذلك، إلا إذا عزلت مصر عن المنطقة، وعملية العزل أبعادها متعددة، وتحطيم إرادة التكامل ليس سوى أحد أبعادها، هناك أيضاً الترابط الثقافى والحضارى، وهى من جانب آخر تقوم بعملية تطويع كلى وشامل للإرادة المصرية، بحيث تجعل الجسد المصرى كياناً لا مفاصل له، وهى من ثم - وبأساليب متعددة- ترحب وتشجع عملية خلق التسيب، بحيث يصير الجسد مترهلاً، غير قادر على أى نوع من أنواع التماسك ". الثالث- "ولنتذكر- أخيراً- أن السياسة الأمريكية تقف أسيرة الإرادة الصهيونية فى كل ما يتعلق بالتعامل مع المنطقة. إنها تعيش أسيرة أهداف القيادة الإسرائيلية. إن هدف السياسة الإسرائيلية هو تجزئة المنطقة إلى دويلات صغيرة طائفية، وتحولها إلى نماذج أخرى تشبه ما فى البلقان فى بدإية هذا القرن، إن أهداف إسرائيل من هذه العملية هى تحويل دول المنطقة إلى كيانات صغيرة طائفية، بحيث يسهل التحكم فيها، وإشعال الصراعات الإقليمية بينها، بحيث تشغل قوى المنطقة لنصف قرن على الأقل من الزمان حول مشاكل حدود مصطنعة، ومن ثم يمكن للنفوذ الإسرائيلى والاقتصاد الصهيونى- الذى تتستر خلفه الشركات المتعددة الجنسية- من التوسع واستيعاب المنطقة... هذا التصور تتبناه السياسة الأمريكية والدليل ": 1- "تصريحات لاريمون إده " رجل لبنان الذى غادر بيروت واستقر بباريس، ليعلن ذلك المخطط، ليس فقط بصدد لبنان، بل وكذلك بصدد جـميع أجزاء منطقة الشرق الأوسط، وهو مخطط اتجه إلى قبرص وأحداثها معروفة، بل والبعض يتحدث عن محاولات لتطبيقه فى تركيا، حيث حدث الصدام العنيف بين الشيعة والسنة فى عام 1980 ". 2- " تصريحات سليمان فرنجية " الرئيس اللبنانى السابق عن محاولات أمريكا بناء دولة (32) مارونية فى لبنان ابتداء من عام 1978 ، صادرة من شخص مسؤول ينتمى إلى تلك الطائفة، الأمر الذى يضفى عليها مصداقية معينة ". 3- "على أن أخطر ما يؤكد ذلك أقوال "كيسنجر" فى حديثه المشهور لمجلة "الأكونوميست اللندنية" (33) عندما أعلن: "أن الاعتراف بالدولة الإسرائيلية- من جـانب منظمة التحريروالدول العربية- لن يكون إلا بداية عملية تعديل وتنظيم للأوضاع الإقليمية تبعاً للإرادة الإسرائيلية ". (بل ولا يتردد أن يضيف بصفاقة منقطعة النظير أن الخطر الحقيقى من المنظمة سوف يتمركز حول عدم القبول بالإرادات الإسرائيلية". وقد طرح الكاتب سؤالا: (ما هى أهداف السياسة الأمريكية من جمع المعلومات عن مصر تحت شعار الأبحاث المشتركة)؟؟ وكانت الإجابة: (من يين الأهداف المتعددة لجمع المعلومات الأهداف الثلاثة التالية بصفة خاصة: الهدف الأول: تطويع القوى الراديكالية- صاحبة الميول اليسارية أو الشيوعية- وقد استطاعت الإدارة الأمريكية من خلال تعاملاتها مع تلك القوى تحقيق أربعة أهداف: 1- إبعاد تلك القيادات الفكرية عن التعاطف من جـانب مع الرأى العام القومى، أو ما يعبر عنه بكلمة: إحراق العميل. 2- ربط هؤلاء اليساريين بالمصالح الأمريكية، وأنه من المعروف أن عملية تجنيد العملاء لا تتجه إلا إلى المعقدين نفسياً أو العلماء الذين يشعرون بأن حقوقهم مهضومة- من ذوى الأصل الفقير- الذين يتطلعون إلى الرفاهية واليسر، أو المفكرون الذين ترسبت لديهم القناعة بأنهم غير مفهومين، وغير قادرين على الاتصال بالمجتمع، فهم يمثلون خير العناصر الصالحـة للعمالة ، والقيادة الغازية أثناء الحرب العالمية الثانية كـانت تتصيد العاهرات لتجعل منهن مصدرا للمعلومات لسببين: أولهما: أن العقد تؤدى إلى ضعف الشعور بالانتماء القومى، ثانيهما: أن صـاحب العقد النفسـية على استتعداد دائماً لأن يفسر خيانته بأن يجد لها مبررا وجيهاً أمام نفسه وضميره. 3- ثم هى فى ذاتها مصدر للمعلومات. 4- أن هذه القوى خير العناصر لجمع المعلومات المسطحة. "الهدف الثانى: "اكتشاف مواقع وقوى الرفض الممكنة أو المحتملة وخصائصها، وهذا ما يعنيه صراحة "ميشيل كلار": أن نولى الاهتمام أكثر وأكثر لحركـات الرفض فى المدن وينبهنا العالم الأمريكـى "لوسيان باى" الأستاذ بمعهد "ماساشوسيت " للتكنولوجيا- وهو الذى يتعاون مع جامعة القاهرة- بأن مستوى المدن التى تتزايد وتتضخم باستمرار، والتى تم تسييسها- ويعتقد- أضحت بمثابة مسدسات مصوبة إلى الحكومة المسؤولة". ويضيف "ميشيل كلار" فيحدد... "للاحتفاظ بالنظام فى مواجهة هذه المسدسات فإن الاستراتيجيين الأمريكيين يتصورون بناء قوة بوليسية شبه عسكرية- مثل الأمن المركزى والجيش- قد سلحت بأدوات متقدمة ضد المظاهرات وضد الإرهاب، بل والواقع المصرى يثير عدة مشاكل بخـصوص هذه المدرجات، وهى أن التطور الصناعى أدى إلى تضخم تجمع المدينة، وقد أدى بدوره إلى نتائج خطيرة، فالطبقة الرافضة لم تعد طبقة الأُجراء- كما تعودنا من منطلق الخبرة الماضية، كذلك فإن الطبقة المثقفة- بالمعنى التقليدى- أضحت تسيطر على الطبقة الرافضة، وهى المقدمة الطبيعية للحركات الثورية أو ما فى حكمها ". "أضيف إلى ذلك غلبة عنصر الشباب، إن أكثر من نصف المجتمع المصرى المعاصر أقل من سن العشرين، وهذا يضفى على المجـتمع ديناميكية يعبر عنها علماء التحليل السياسى بقولهم: إنه صالح لسرعة الاشتعال ". "هذه الخصائص الجديدة تفرض أسلوبا جديداً فى التعامل، وهو ما يعلن عنه صراحة الخبير الأمريكى السابق ذكره، ولكـن لابد لذلك من اكـتـشاف دقيق لهذه الخـصائص وتحديدها كماً وكيفاً، وهنا تبدأ أهداف الأبحاث تبرز ظاهرة للعيان ". وهنا يقول الأستاذ الدكتور حـامد ربيع- رحمه الله: "كم كنا نتمنى أن ننقل للقارئ كل ما تسرب من تقارير "ميشيل كلار" بهذا الخصوص الذى يصل به الأمر إلى تصور استخدام الأسلحة المزودة بالطاقة النووية " السلاح النووى للمسرح "، والتى يسميـها خبراء الاستراتيجية: Armes Nucleaires de theatre . الهدف الثالث: الإعداد والمساهمة فى عملية تجزئة مصر: إن هذا بدوره فى حـاجـة إلى المعلومات ، إن هذا الهدف كـمـا يشرح تفاصيله العـالم الإسرائيلى "أوديد بنون " والذى كان أحـد كبار موظفى السياسة فى وزارة الخـارجية الإسرائيلية فيقول: تجزئة مصر، تحويل كيانها إلى وحدات جغرافية مستقلة، هذا هو الهدف السياسى الإسرائيلى خـلال الثمانينات (34)... إذا تمت تجـزئة مصر، فإن دولاً- كليبيا والسودان، بل دولاً- أخرى أكثر بعدا لا يمكن أن تظل فى صورتها الحالية . وعندئذ سوف تكون لدينا دولة نصرانية فى مصر العليا، ثم عدد معين من الدول الضعيفة لا تملك سوى قدرة محـدودة، صهيونيا عن الدولة المركزية الحـالية، إن هذا هو التطور التاريخى المنطقى الذى نعرفه فى الأمد البعيد، والذى أخره فقط اتفاقية السلام عام 1979 " . ثم تساءل الكاتب- رحمه الله: "كيف استطاعت القيادات الإسرائيلية أن تجعل هذا المنطق يسيطر على الإدراك الأمريكى ؟ وكيف أحـالت هذا المنطق إلى قناعة بأن يتفق مع ذلك الذى سمى بالإجماع الاستراتيجى ؟ وأين دور سياسة المعلومات هنا ؟ ". مصر الحـرب القادمـة تحت عناوين رئيسية كتب المؤلف- رحمه الله : -((هل يمكن أن يتحول شعب صلب إلى طبقة من الجبناء؟)) - ((مصر فى الطريق إلى كامب ديفيد)) - ((تخريب مصر من الداخل)) - ((عزل مصر عن محيطها العربى)) - ((خلق شلل فى وظيفة مصر الإقليمية)) -((توريط بقية الدول العربية في كامب ديفيد، والحرص على تجزئتها وحصارها)) - ((البدء الجدى فى إنشاء إسرائيل الكبرى)) - ((مبادئ سياسة الدول الكبرى فى التعامل مع مصر، وتدور حول عنا صر أساسية منها)) -((سيادة مفهوم التوتر والاضطراب فى مصر)) - ((إسرائيل تستعد لحرب قادمة حول عام 1995 م !!)) - ((الحرب القادمة سوف تذكرنا بالانفجار النازى فى أوربا)) - ((تحالف بين إسرائيل والدول غير العربية، لتمزيق المنطقة العربية- وقد حدث ذلك عام 1991 م أثناء حرب الخليج)) - ((هل هناك خطة معينة بدأ الإعداد فى تنفيذها للإعداد لميدإن المعركة؟ )) - ((ماذا نستطيع نفعل؟)) مصر والحرب القادمة (35): تحت هذا العنوان كتب الأستاذ الدكتور/ حامد عبد الله ربيع مجموعة من المقالات قدم لأولها بقوله : "فى تاريخ كل أمة لحظة معينة، فإذا بها تصاب بنوع من الغشاوة الحقيقية، تضطرب مفاهيمها، ويصيب مدركاتها عدم الوضوح، ويسيطر على عقلها عدم الصلاحية، أما قيادتها بجميع مستوياتها، فهى مهلهلة، لا تدرى أين الطريق الصحيح، قيادات سياسية فقدت الحياء، وقيادات عسكرية يصيبها الترهل . أما عن القيادات الثقافية، فهى لا تعدو مجرد أبواق تهلل وترقص وتطبل. " "إن إطار القيم الذى يبلوره الأمن القومى هو وحده الذى يحـدد العدو، ويفصله عن الصديق، وينظم مراتب العداوة، وكـذلك مراتب الصداقة، وهذه القيادات المثقفة تتحول سواء بدعوى السلام العادل، أو نتيجة لعدم الوعى الحقيقى إلى صفّاقة يزينون كل زفة، وظيفتهم لم تعد قيادة العقل القومى، وإنما هز الأرداف والدق على الطبول، والقيادات العسكرية التى من طبيعتها التقشف والصلابة تحولت إلى مجـموعة من الموظفين، يلهثون وراء المكاتب المكيفة، البعض يصل به الأمر إلى نعت هذه الطبقة بالخيانة، ولكن هل من الممكن تصور أمة كاملة تعيش الخيانة دون صوت واحد يرتفع مردداً حقيقة التقاليد؟ ". "الأمر الجدير بالتساؤل: كيف يحـدث هذا التطور؟، فإذا بشعب قوى صلب يتحول إلى طبقة من الجبناء، الذين لا هم لهم إلا تشويه الحقيقة؟ ". "وقد قدم الكاتب- رحمه الله- نموذجين للتدليل على تشخـيصه لداء قد تعانى منه أى دولة من الدول، وهو تشخـيص ينطبق على غالب بلاد العالم العربى. وهو داء الجبن، ثم تساءل الكاتب: "هل سوف يقدر لنا أن نعاصر نموذجـاً أخر فى الأعوام القادمة يأتى هذه المرة من الشرق الأوسط ؟ ". والنموذج الذى ذكره الكاتب، هو نموذج فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية، لم يعد أحد يتحدث إلا عن السلام، بينما ألمانيا المهزومة تستعد للانتقام فى اللحظة التى أجبرت فيها على توقيع معاهدة "فرساى" ودفعت الأمة الفرنسية ثمن ذلك خمسة أعوام من الاحتلال، وعدة ملايين من القتلى، دون الحديث عن التخريب والتخلف ". وتساءل الكاتب: "لماذا حدث ذلك؟ "، وقدم أسباباً ثلاثة لما حدث لفرنسا: الأول- " الترهل فى القيادة السياسية، والفساد الذى تسلل إلى جميع عناصرها. الثانى- الإرهاق الذى أصاب القيـادة العسكرية والفساد الذى تسلل إلى جـميع عناصرها. الثالث- اختفاء أى ضغط من الشعب الفرنسى على القيادة لتستيقظ وتواجه الخطر الذى يقع على حدودها ". وختم الكاتب عرضه بقوله: "أحـد المعاصرين الذين وصف الشعب الفرنسى بقوله: إن فرنسا تموت فلا تقلقوا نزعها الأخير". مصر فى الطريق إلى كامب ديفيد: ثم تحدث الكاتب عن النداء الذى جاء القاهرة عبر الحـدود بضرورة إنهاء الحرب بين مصرو أعدائها فى المنطقة- يقصد اليهود- ووضع إطار شامل للسلام بين جميع عناصر هذه المنطقة- أى بين اليهود الذين اغتصبوا فلسطين، وبين بقية الدول العربية- وبناء نظام جديد أكثر تحضراً ؟ لأن العالم لم يعد فى حاجة إلى قتال… "واستجابت أصوات من القاهرة لهذا النداء... ووقعت كامب ديفيد، وكـان التطبيع بين مصر واليهود بمباركـة أمريكية أوربية ". وبعد خمسة عشر عاما من استجابة النظام المصرى لمبادرة السلام اليهودية الأمريكية، حاول الكاتب تقويم الأحداث التى وقعت أثناء هذه الفترة بهدوء وعقلانية، وتساءل عن "خصائص السياسة الإسرائيلية فى المنطقة بعد حرب أكتوبر 1973: هل هى تعبير عن قناعة بهذا الحديث عن السلام، وبناء إطار جديد للتعامل أساسه حسن الجوار؟ ". وعرض الكاتب للمبادئ التى سيطرت على سياسة "تل أبيب " منذ بدء هذه الفترة حتى اليوم- منذ عام 1974 وحتى عام 1989- هذه المبادئ- كما يقول الكاتب: معلنة وواضحة وليست فى حاجة إلى مناقشة. وفى سبيل تحديد هذه المبادئ طالب الكاتب القارئ "أن يميز بين دوائر ثلاث: - دائرة العلاقات المصرية الإسرائيلية. - دائرة التعامل الإسرائيلى مع منطقة الشرق الأوسط- العالم العربى. - دائرة العلاقات المصرية الأمريكية ." وقدم الكاتب عدة ملاحظات: "فى خـلال هذه الفترة تغير الطاقم الحاكم فى إسرائيل، على عكـس الموقف قى مصر. حيث إن هذا الطاقم فى جوهره لم يتغير. النظرة إلى إسرائيل على أنها دولة تنتمى إلى الشرق الأوسط، ليس فقط بحكم الوجود المكانى والعضوى ، بل إنها تاريخيا وحضاريا جزء لا يتجزأ من تلك المنطقة، وهذه عناصر هذا الخلاف، وهكذا وصلت الانتكاسة بالإنسان العربى ، السرطان اليهودى ليصبح جزءاً من الجسد العربى الإسلامى . ثم تحدث الكاتب عن العلاقات المصرية الإسرائيلية بقوله: " إن المبادئ التى سادت تلك العلاقات من الجانب الإسرائيلى: أولاً- تخريب مصر من الداخل . ثانياً- عزل مصر عن محيطها العربى. ثالثاً- خلق شلل فى وظيفة مصر الإقليمية. " أولاً- (تخريب مصر من الداخل ذكر الكاتب: "أن مبدأ التعامل مع الخصم من الداخل لتقييد فاعليتها الدولية ليس جديدا فى نظرية العلاقات الدولية، فأول من وضع هذا المبدأ النظام النازى من خـلال خلق ما أسماه بالطابور الخـامس، ولكن "كـيسنجر" عاد ليوظف هذا المبدأ من منطلق آخر، أساسه العلاقة العضوية بين السياسة الداخلية والسياسة الخـارجية، حيث نظر إلى السياسة الخارجية على أنها أداة تنفيذ السياسة الداخلية، السياسة الإسرائيلية تلقفت هذه التقاليد وأحالتها إلى خطة كاملة للحركة": أ- "فهى تبحث عن جـميع عناصر الضعف فى الجـسد الداخلى- مصر- وتعمل على تضخيمها. والضعف فى الجسد المصرى مرده عنصران أساسيان: - الأزمة الاقتصادية من جانب، وأزمة السياسة من جانب آخر، فمصر تعيش حالة من الانهيار الاقتصادى الذى بدأ مع حرب 1967، وهو يسير فى خطوات متتابعة . - أزمة القيم تعود إلى ذلك التحـول المفـاجـئ فى ترتيب عناصـر الأمن القومى، وهى تتعامل مع هذين العنصرين بطرق غير مباشرة بتخطيط واضح، أساسه إضعاف الجسد إضعافا حقيقياً. " ب- "كذلك فهى تتعامل مع عناصر التغيير… إن أى مجتمع قوى لا يتوقف عن التطور والمتابعة الجـادة والمستمرة فى التعامل مع المتغيرات المتجددة , وعناصر التغيير فى أى مجتمع لا تعدو ثلاثة- فى وجهة نظر الكاتب- الشباب، والعقول، والقيادات . الشباب بطبيعته متحفز، والعقول وظيفتها الحقيقية هـى التجديد والإبداع، والقيادات لا تصير كذلك- إن لم تكن مستعدة- لأن تقود فئات المجتمع فى مسالك جديدة، تسمح بحل مشاكلها دون أن تفقد تقاليدها. إسرائيل عملت بطرق مباشرة وغير مباشرة على شل العناصر الثلاثة- أى الشباب، والعقول، والقيادات. " ثانياً- عزل مصر عن المحيط العربى: فى البداية لعب الرئيس السادات على هذا العنصر لتحقيق هدفين: الأول- إقناع الولايات المتحدة بجديته فى تلك السياسة. الثانى- إكراه القيادات العربية على محاسبة النفس ومعاودة التفكير، للموافقة على سياسته والسير فيها. الكاتب هنا يعتبر أن هذه الخطوة كانت تكتيكية من الرئيس السادات، ثم أحالها إلى خطة استراتيجية، والذى يقرأ ما تكشف من الحقائق يدرك أنها منذ البداية كانت خطوة استراتيجية من السادات لجذب كل البلاد العربية للتوقيع على معاهدة سلام مع العدو اليهودى، وفتح الحدود أمامه وتطبيع العلاقات معه. ولكن الأنظمة العربية ما كانت لتجرؤ على هذا الأمر- فى الظروف التى كانت واقعة حينذاك- فالشعوب لا تقبل بهذا، فكان لابد من مرحلة أخرى لترويض الأنظمة والشعوب لقبول الانضمام إلى كامب ديفيد... فكانت أحداث حرب الخليج وغيرها. " "وانتفع اليهود بهذا التباعد الذى حدث بين مصر وجاراتها العربيات، وسّعوا شقة الخلاف بجميع الوسائل... تارة باسم حماية الوضع القائم، وتارة باسم مفاهيم الأمن القومى الإسرائيلى، وتارة باسم روح اتفاقية كامب ديفيد، عملت إسرائيل بطريق مباشر فى وضع مصر فى كفة الدول المعادية للمحيط العربى . وحدث أن أصدر الصديق العزيز للرئيس السادات "مناحم بيجن " أوامره لتدمير المفاعل النووى العراقى ، وهو يشكل رصيدا استراتيجيا للأمة العربية، وهو على أرض مصر- الإسماعيلية- ليحتفل بالصداقة والتعاون بين اليهود ومصر- فى عهد السادات- ومصر واقفة لا تبدى حراكا ولا تراجع موقفا ولا تتخذ خطوة- واستفاد اليهود من تجميد السياسة والقدرة المصرية فى تصفية المقاومة الإسلامية اللبنانية والفلسطينية التى تشكل عقبة كؤوداً فى وجه تنفيذ المخطط الإسرائيلى ، بل ووصل الأمر أن تعلن إسرائيل أن معنى اتفاقية كامب ديفيد التخلى عن ميثاق التعاون العسكرى والدفاع المشترك بين مصر والدول العربية. " ثالثاً- بث الشلل فى وظيفة مصر الإقليمية: كان المفهوم السائد فى القيادة الإسرائيلية هو تطبيق مبدأ شد الأطراف، ومن ثم فقد اعتقدت تلك القيادة أن خير سياسة يجب أن تتبع من خلق روابط وثيقة متجانسة أساسها التحالف العدائى الضمنى- ضد مصر- مع العواصم الثلاث: طهران ، أنقرة، ثم أديس أبابا- الحبشة- أى خلق تكتل ثلاثى ضد المنطقة العربية، وخاصة ضد الوظيفة الإقليمية لمصر، تل أبيب واشنطن طهران أولاً، ثم تل أبيب واشنطن، أنقرة ثانياً، وأخيراً تل أبيب واشنطن أديس أبابا(36) الذى يحرك هذه التحالفات هو إسرائيل، ولكن باستقلال تام فى كل تطبيق عن الآخر، مع المشاركة التامة للولايات المتحدة. ما هو دور مصر الإقليمي من الهند حتى المحيط الأطلسى، ومن البحر الأسود حتى جنوب إفريقيا؟ "لا توجد سوى مصر تستطيع أن تؤدى دوراً إقليمياً معيناً، فهى بكثافتها السكانية، وقدرتها التكنولوجية، وموقعها الاستراتيجى ، حيث تتوسط المنطقة، وحيث قناة السويس ، وقدرتها على أن تتحكم فى باب المندب- فهى قادرة على أن تتحكم فى جميع التعاملات بين أجزاء هذه المنطقة- بما حباها الله به. إسرائيل عملت على تجميد مصر وشل حركتها حتى لا يكون لها دور، وحتى تستطيع أن تقوم هى بهذا الدور، وتدعم وجـودها فى تلك البقاع من خلالها. ومن ثم فإلى جانب تفريغ مصر من جميع عناصر القوى، وعزلها عن محيطها العربى ، يصير حصارها فى كل موضع تعودت أن تمارس فيه وظيفة قيادية منطلقا طبيعياً لإكمال عملية التخريب، ليس ضد مصر وحدها، ولكن ضد بقية بلاد العالم العربى والإسلامى ، وليس أدل على ذلك من جهود اليهود فى أثيوبيا ضد السودان ودعمهم لحركة التمرد. " ولكن هلى نجح اليهود فى تحقيق أهدافهم؟ "إذا كانت سياسة "مناحيم بيجن "- صاحب مذبحة دير ياسين- لم تستطع تطويع الإرادة الشعبية المصرية من الداخل، وتطبيع علاقاته مع دولة وادى النيل، فإن سياسة من جاءوا بعده- والتى أساسها العمل على شل القدرة والفاعلية المصرية بأى معنى- من معانيها- قد حققت نجاحا فى هذا السبيل… ويجب أن نعترف بهذا الخصوص أنها- أى السياسة الإسرائيلية فعلاً- نجحت واستطاعت أن تغسل عقول الطبقة المثقفة، واستطاعت أن تخلق أدواتها فى داخل مصر وخارجها، تارة بوعى حقيقى ، وتارة بلا وعى. عملية دق الطبول، وزف القيادات، والرقص على الحبال ، وتلميع التفاهات فى مصر وخارج مصر". ثم عرض الكاتب- رحمه الله- لسياسة الدولة اليهودية فى منطقة العالم العربى "يحرص الكيان اليهودى المغتصب لفلسطين على: أولاً- توريط دول المنطقة القوية، فقد ورطت مصر فى اتفاقيات كامب ديفيد- هذا الكلام عام 1989- وقد تورطت بقية الدول العربية فى كامب ديفيد فى مؤتمر مدريد يناير 1991، ثم أوقعت الأسد فى مستنقع لبنان، وأكملت الطوق بدفع العراق للصدام مع إيران وأوقعت الدول العربية كلها فى الصدام على أرض الكويت مع العراق فى 1991 . ثانياً- تدعيم تجـزئة جـميع دول العالم العربى بلا استثناء، ذاك الذى حدث فى لبنان نموذج لما سوف يحدث خلال الأعوام القادمة فى جميع الدول العربية. ثالثاً- ويكمل ذلك البدء الجـدى فى إنشاء لإسرائيل الكبرى، غزو لبنان وضم جنوبه ليس سوى خطوة سوف تعقبها خطوات أخـرى. إسرائيل تسير فى سياسة توسع واضحة أفقياً ورأسياً، التوسع الأفقى بالضم استعداداً لمرحلة الضم الرأسى ، حيث يحدث من جانب هضم ذلك الذى تم الاستيلاء عليه، ومن جـانب آخر لعملية تهويد كلية وشاملة. "حدث ذلك نسبياً فى منطقة الضفة والقطاع، وسوف يحدث فى جنوب لبنان والبقية أتية ، مع العلم أن الانسحـاب من سيناء لا يعنى عدم إمكانية العودة ". ثم تحدث الكاتب عن دائرة العلاقات الأمريكية المصرية: "مبادئ السياسة الأمريكية فى التعامل الحـالى مع مصر (1989) تدور حول مفاهيم أساسية: 1- سيادة مفهوم التوتر والاضطراب فى مصر. 2- استخـدام إسرائيل كـأداة أساسية فى السياسة الأمريكية فى المنطقة، بما فى ذلك علاقة واشنطن بمصر. 3- معاملة مصر على أنها حظيرة لكلاب الحراسة، وليس أكثر من ذلك. 4- إخضاع التعامل الاقتصادى مع مصـر، لنفس فلسفة التعامل مع الدول المحـيطة بجنوب إفريقيا . المفهوم الأول : يعكسى مفهوماً خطيـرا فى السيـاسة الأمريكية، سيادة التـوتر والاضطراب فى مصر، وهذا كشف عنه رجل المخـابرات (كونساليز) "القادة الحـقيقيون للعالم "، حـيث قـال: "لقد كـانت الفكرة السـائدة ضرورة السعى نحـو تحقيق نوع من الاستقرار فى المنطقة؟ لأن هذا لصالح عملية الاستثمار واستنفاد ثروات المنطقة، النظرة الجديدة والتى مبعثها الإدراك الإسرائيلى مختلفة... وتقوم على خلق درجة معينة من عدم الاستقرار والاضطراب الذى لا يصل إلى حد الثورة، أى عدم الاستقرار والاضطراب المنضبط هو خير وسيلة استراتيجية أن تتبع، إنها تسمح بضبط الحركة والإكراه على الاهتمام بالمنزل الداخلى". المفهوم الثانى: والذى هو محور السياسة الأمريكية، أن العلاقة بين إسرائيل وواشنطن أضحت علاقة عضوية، حيث تصير إسرائيل مقدمة الحربة للسياسة الأمريكية. إسرائيل لن تصير مجرد دولة فى المنطقة، ولكنها تصير أداة واشنطن للتحكم فى دول المنطقة، بل سوف تصير أداة الإمبراطورية الأمريكية فى منطقة شرق البحر المتوسط. ثم تساعل الكاتب عن السياسة الإسرائيلية فى خلال الأعوام القادمة: "هل تؤمن إسرائيل بسياسة مستقبلية تتفق مع مفهوم السلام؟، وأجاب الكاتب- رحمه الله: أولاً- إسرائيل تستعد لحـرب قادمة، والتقارير الصـادرة عن مراكز الدراسات الاستراتيجية فى تل أبيب وغيرها تحدد ميعاد تلك الحرب، حول (37) عام 1995 لماذا؟ لأسباب معينة قال المؤلف: إنه سوف يعرض لها بالتفصيل. ثانياً- إن الحرب القادمة سوف تذكرنا بالانفجار النازى الذى لم يترك دولة فى أوربا دون أن ينالها من تلك الحروب الرذاذ، كذلك فإن هذه الحرب لن تترك دولة واحـدة من دول الشرق الأوسط دون أن تتعامل معها، بل إنها قد تقود إلى مفاجآت محورها تحالف بين إسرائيل والدول غير العربية فى تمزيق خريطة المنطقة العربية. ثالثاً- إنه فى انتظار هذه الحروب هناك خطة معينة قد بدأ فى تنفيذها للإعداد لميدان المعركة. رابعاً- القيادة الإسرائيلية التى سوف تتحكم فى هذا التطور (*) ليست القيادة السياسية الحزبية، ولكنها القيادة العسكرية المهنية. فهل تستطيع مصر أن تقف إزاء ذلك التطور … موقف السلبية ؟ وماذا تستطيع أن تفعل ؟ ". - الفصل الثاني أسباب نجاح مخططات الاستعمار والصهيونية فى العالم العربى تحت هذا العنوان تساءل الأستاذ الدكتور/ حامد عبد الله ربيع: "ما هى أسباب نجاح مخططات أمريكا فى العالم العربى- الشرق الأوسط؟ ". وكانت الإجابة: "إذا كانت قد نجحت حتى الآن فى منطقة الشرق الأوسط، فليس ذلك سوى نتيجة لضعف الإرادة الذاتية فى المنطقة من جانب، ولوجود أداة أخرى لا مثيل لها فى أى منطقة أخرى وهى إسرائيل ". ما هى السياسات التى تتبعها الولايات المتحدة فى المنطقة، بصفة عامة، وفى مصر بصفة خاصة ؟؟. وكانت الإجابة عليها كالآتى: أولاً- "سياسة الأمن القومى الأمريكى، وهى تعنى أن حدوث أمر معين على حدودها المباشرة، يعنى ضرورة القتال بلا مقدمات، وقد وسّعت الولايات المتحدة هذا المفهوم لتجعل من وجود إسرائيل وبقائها أحد عناصر أمنها القومى" ولكنها منذ حرب 1967، طورت المفهوم، فجعلت أساسه التفوق العسكرى الساحق للأداة العسكرية الإسرائيلية على جميع القوى المقاتلة العربية، وذلك يعنى إلغاء لأى معنى من معانى الأمن القومى لأى دولة عربية". ثانياً- "سياسة المساندة الإقليمية"، والتى تتردد على ألسنة المسؤولين باسم الإجماع الاستراتيجى، واتفاقية "كامب ديفيد" هى امتداد لهذه السياسة، وخلاصة هذه السياسة تحويل المنطقة الممتدة من الخليج العربى حتى البحر الأحمر بجميع شواطئه، وحوض البحر المتوسط ليصير الجميع كتلة متراصة، وذلك بهدف تحويل المنطقة إلى قاعدة متماسكة تتميز بالخصائص الآتية: " أ- "القناعة القيادية بالتعاون مع الإدارة الأمريكية"- هذا الكلام كتب عام 1983 وفى عام 1991 حدث ما توقعه المؤلف- ولكن الأمة لم تنتبه فى حينه وحتى الآن! ب- "القدرة والفـاعليـة على التحكم فى المنطقـة إزاء أى محـاولات لخلق القـلاقل أو الاضطرابات المحلية". ج- "خلق المرافق المشتركة والمتـماسكة والمتفاعلة التى تسمح بتطوير التعـامل وقت الضرورة- فى إطار موحد إقليمى- من حيث السهولة فى التنقل والاستمرارية فى التدفق- الطرق والمطارات وغيرها " . ثالثاً- "تحـجيم مصر، وتفريغ المنطقة من قيادتها التاريخـية (38)، وذلك يحـقق أهداف السياسة الإسرائيلية، ومن ثم سياسة الأمن الأمريكى، فليس من صالح سياسة المساندة أن توجد مصر القوية القادرة على أن تكتل خلفها دول المنطقة". رابعاً- "سياسة الاستعمار الجديد، فأمريكا من عهد "ريجـان " وهى تسير فى سياسة صريحة أساسها السعى نحـو تحقيق السيطرة الكاملة على العالم، هذه السياسة تعنى خلق التبعية وفرض الهيمنة المعنوية على الشعوب- هذه السياسة تتبعها جميع القوى الكبرى بأساليب ووسائل متباينة- تبعا لقوة وأهداف كل من القوى العظمى". أساليب التعامل الدولى مع المنطقة العربية: "وهى تهدف إلى تحطيم الإرادة الذاتية، ومنع المنطقة العربية من التماسك، ولتحـقيق هذا قامت هذه القوى الدولية الاستعمارية- ومنها أمريكا وإنجلترا وروسيا وفرنسا بما يأتى: 1- اغتصاب فلسطين، وإنشاء الدولـة اليـهودية- إسرائيل- وتدعيم وتوسيـع دائرة نفوذها. 2- اتباع سياسة شد الأطراف . 3- خلق شلل فى وظيفة مصر الإقليمية. 4- إذابة القومية العربية فى المفهوم الإسلامى . 5- خلق دولة البربر الكبرى. فإسرائيل أداة لتهديد أى قوة عربية فى منطقة القلب، وهى قد جزّأت، بل وفصمت الجسد العربى، وهى تستطيع- فى تصورهم- على أن تحدث المزيد من الاضطرابات ليس فقط فى المنطقة المحيطة بها ؟ بل وفى جميع أجزاء الوطن العربى. إن المتتبع لمفهوم الأمن اليهودى- وبصفة خاصة كما يتصوره المنظرون الصهيونيون لوظيفة إسرائيل خلال الأعوام القادمة- لابد وأن يصيبه الذهول من كيفية تصور قيادتها، ولأن يمتد هذا المفهوم ويتسع، بحيث يحتضن من جانب القسم الغربى من المحيط الهندى ، ومن جـانب آخر جميع أجزاء شمال إفريقيا، وحتى المحيط الأطلسى، يجب أن ننظر إلى الوجـود الصـهيونى على أنه مرحلة من مـراحـل التـدخل الأجـنبـى فى المنطقة- بدءاً بفلسطين. ثم تأتى سياسة شد الأطراف التى بدأت مع الحروب الصليبية، لتكمل وظيفة إسرائيل، فإذا كـانت تشل القلب، فإن القوى الجـاذبة الجـانبية تشل القوى المتواجـدة خارج دائرة القلب، وهكذا تمنع المساندة- للقلب- ولعل الحرب العراقية الإيرانية فى أقصى الشرق، وحـرب الصحـراء فى أقـصى الغرب، واحـتمالات الصدام فى جنوب السـودان، نماذج واضحـة لتأكـيـد هذا المفهوم وأزمة الخليج وغزو العراق والكويت، وأثرها السلبى على الانتفاضة الفلسطينية، وقضية فلسطين وغيرها من حركات الجهاد الإسلامى" .ا. هـ. انتهى عرض الكاتب- رحمه الله هل عرفنا أن نكبة فلسطين هى بداية النكبات التى تتتابع الآن على العالم الإسلامى؟ هل عرفنا حجم الأخطار المحدقة بالأمة؟ هل عرفنا النكبة التى نزلت بالأمة نتيجة التسليم للمغتصب أنه صاحب فلسطين؟ هل عرفنا لماذا لا يكتفى اليهود وأمريكا بأقمار التجسس فى جمع المعلومات؟ ويسعون لبث شبكات التجسس البشرى فى حنايا البلاد مثل شبكة آل مصراتى- التى قبض عليها عام 1992، وشبكة التخريب اليهودية التى فبض عليها عام 1954 وغيرها كثير (39).. الفصل الثالث المبحث الأول: حول كتابين 1- ملف إسرائيل. 2- الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية المبحث الثانى: استراتيجية إسرائيل فى الثمانينات والتسعينات، من خلال تقرير المنظمة الصهيونية العالمية. المبحث الثالث: " إسرائيل ظاهرة استعمارية، المبحث الرابع: أسطورة الملايين الستة(الهولو كوست) تعريف بالمؤلف المفكر الفرنسى رجاء جارودى * ولد رجاء جارودى فى مدينة مرسيليا بفرنسا 1913. * التحق بالجيش الفرنسى عام 1939. * انتخب نائباً فى الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1945 وظل فيها حتى عام 1962. * درس الفلسفة ونال درجة الدكتوراه. * انضم إلى الحزب الشيوعى الفرنسى عام 1933. * شغل فى الحزب عضو المكتب السياسى عام 1970. * هداه الله للإسلام، فأسلم عام 1982 مع مجموعة من المثقفين. * له مؤلفات عديدة منها كتاب: "فلسطين أرض الرسالات المقدسة"- طلاس للدراسات والترجمة والنشر- دمشق- 1991- ترجمة قصى أتاسين وميشيل واكيم. * وكتابان نعرض لهما هنا: الكتاب الأول: (ملف إسرائيل دراسة للصهيونية السياسية). المترجم أ. د . مصطفى كامل فودة، الناشر دار الشروق، ط 2 القاهرة 1404هـ 1984 م. * ويقع الكتاب فى 200 صفحة تحتوى على مقدمة وأبحاث تحت عناوين. الصهيونية الدينية، الصهيونية السياسية، أو الصهيونية اليهودية. إسرائيل التوراتية ، أو دولة إسرائيل الحـالية. ويتكون المبحث الأخير من جزئين: أ- أسطورة الحقوق التاريخية التوراتية . ب- إسرائيل ظاهرة استعمارية. السياسة الإسرائيلية- التوسع. وسائل إسرائيل لتحقيق أهدافها- الإرهاب على مستوى الدولة. الكتاب الثانى: (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) ترجمه عن الفرنسية قسم الترجمة بدار الغد العربى، القاهرة ط 1 عام 1996. ويقع الكتاب فى 225 صفحة تحتوى على مقدمة ومحاور ثلاثة رئيسية: أولاً: الأساطير الدينية: - أسطورة الأرض الموعودة- أو الأرض المغتصبة. - أسطورة الشعب المختار. - أسطورة يشوع- التطهير العرقى. ثانيا: أساطير القرن العشرين: - أسطورة معاداة الصهيونية للفاشية. - أسطورة محاكمة نور مبرج . - أسطورة الملايين الستة (الهولوكست). - أسطورة أرض بلا شعب. ثالثا: الاستخدام السياسى للأسطورة . - اللوبى فى الولايات المتحدة. - اللوبى فى فرنسا. - أسطورة " المعجزة الإسرائيلية ". - خاتمة- تعقيب- تنبيه. وقد أثبت الكاتب الحقائق التالية: أ- اليهود شعب الله المختار خرافة لا تستند إلى عقيدة صحيحة. ب- زعم الصهاينة بأن الله وعدهم بدولة من النيل إلى الفرات- ابتداء من أرض فلسطين خرافة . جـ- سياسة التطهير العرقى التى يتبعها الصهاينة ضد بنى الإنسان لا يقرّها دين أو شرع. د- إن عداء الصهيونية للفاشية أكذوبة، لأنهما شىء واحد، فقط كـان التعاون وثيقاً بين النظام الهتلرى والصهاينة فى ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى . هـ- الصهيونية استطاعت أن تستخدم هذه الخرافات وغيرها ليتم لها السيطرة على العالم. وسنعرض- إن شاء الله- لبعض ما أورده المؤلف أيضاً، ولا نتدخل بالتعليق إلا بما يسمح به المقام، مع العلم أن هذه محـاولة لتنبيه القارئ إلى أهمية الكتاب، أى أنه لا غنى للقارئ عن قراءة النص الأصلى. ونحن نتقدم لله- العلى القدير- بالشكر والثناء، ثم للمؤلف والمترجم والناشر حمدان جـعفر- رحمه الله- لحسن اختيارهم لهذا الكتاب- فى هذا الوقت العصيب- وتوفيق الله لهم بإخراج الكتاب ليحق الله به الحق، ويبطل الباطل، ولو كره الكافرون. نظراً لخطورة الكتاب، فإن الصهيونية العالمية حاربت كل من تعاون فى نشر الكتاب، أو تأييده. فهذا هو الأب "بيير" الفرنسى صاحب الشعبية الجارفة فى فرنسا يؤيد كل ما جاء فى هذا الكتـاب- اقرأ الأهرام فى 18/6/1996، فهددت الصهيونية العالمية الأب بيير وأخذت منه تعهداً بأنه غير مؤيد لهذا الكتاب. اقرأ الأهرام يوم الثلاثاء23/7/1996. ثم لم تكتف الصهيونية العالمية بذلك بل هددت صاحب المكتبة (جورج بوسكاسيد نسيبكو)، الذى عرض هذا الكتاب فى مكتبته القريبة من جـامعة السربون بفرنسا، اقرأ جريدة الأهرام 30/7/1996. ولم تكتف اليهودية العالمية، أو الصهيونية العالمية متحالفة مع الصليبية العالمية، بل قدموا المؤلف "جارودى" للمحاكمة أمام محكمة (*) فرنسية وأصدرت عليه حكماً بغرامة مالية بحجة معاداته للسامية وتشكيكه فيما زعم أنها محارق نازية ضد اليهود فى ألمانيا. - الفصل الثالث أ- الكتاب الأول: (ملف إسرائيل: دراسة للصهيونية السياسية) فى هذا الكتاب: يقدم جارودى الدليل على أن الغزوة الإستعمارية للعالم الإسلامى تنطلق من عقيدة اليهود. وأن هذه الغزوة تهدف إلى إقامة دولة يهودية تمتد من النيل إلى الفرات، وتعتبر سيناء جزءا من هذه الدولة. - وأن هذه الغزوة تعتبر إبادة وتشريد شعوب المنطقة العربية عقيدة توراتية. - تحت عنوان (إسرائيل التوراتية) (40) كتب جارودى . سبق "لابن جوريون " عام 1937 أن رسم حدود إسرائيل استناداً إلى نصوص توراتية، وفى رأيه أن تضم أرض إسرائيل خمس مناطق هى: جنوب لبنان- حـتى الليطانى- يسمى هذا الجزء: شمال إسرائيل الغربي، وجنوب سوريا عبر الأردن- وهو ما يطلق عليه اليوم شرق الأردن، وفلسطين وسوريا، وتمر الحدود الشمالية بخط عرض مدينة حمص بسوريا- التى قال عنها: إنها مدينة حماة- التى ورد ذكرها فى (سفر العدد 34/8.2.1) على أنها الحد الشمالى لكنعان. وهناك صهيونيون آخرون من غلاة "التوراتيين " يقولون: إن حماة التى وردت فى التوراة هى مدينة حلب، بل هناك آخرون يدعون أنها فى تركيا! وفى عام 1956 صرح "بن جوريون "فى الكنيست بأن سيناء جزء من "مملكة داود وسليمان " بل إن حدود الوعد اتسعت: "من النهر الكبير الفرات إلى نهر مصر" (سفرالعدد 34/5.4) ولكن إلى أى فرع من فروع النيل؟ يقول بعضهم: إنه وادى العريش، ويقول آخرون: إنه النيل ذاته " (41). 74 الفصل الثالث- وذكر جارودى: "أن حاخامات اليهود ذهبوا إلى حد اعتبار المذابح مشروعة دينيا من أجل متطلبات القضية، فتدمير مدينتى "صور وصيدا "، ودك "بيروت " بالقنابل ومجـازر "صبرا وشاتيلا" لم تكن فقط امتداداً لمذابح دير ياسين التى ارتكبتها عصابات "بيجن " عام 1948 المعروفة باسم "إرجون " ومذابح "قبية" و" كفر قاسم " والمذابح التى قام قتلة الوحدة 101 بقيادة " شارون "، كلها كانت باسم " الرسالة التوراتية " لإسرائيل. وحكومة إسرائيل الحـالية تكرر نفس العمل "المقدس " الذى قامت يه إسرائيل القديمة، من إبادة للكنعانيين، وهى تتصرف اليوم مع العرب كما فعل الأسلاف بالأمس مع الكنعانيين، ومع من سبقهم ممن احتلوا هذه الأرض: "إن مدن هذه الشعوب المورثة إليك من مولاك الرب، هى الوحيدة التى لن تدع مخلوقاً حياً يعيش فيها بل ستجعلها محظورة على الحيثيين والعموريين والفريزيين، كما أمرك الرب مولاك " أو كما جاء فى الآية "إذن، اضرب أماله، واحظر عليه كل ما يملك، لا تترك له شيئاً، اقتل الكل، الرجال والنساء والأطفال والرضع، والأبقار والخراف والجمال والحمير (42)". هذا التبرير "التوراتى" للقتل، وهذا الإضفاء للشرعية على العدوانات المتتالية، وضم أرض الغير من جانب الدولة الصهيونية الحـالية- على أنها الوريث الشرعى والامتداد الطبيعى لإسرائيل التوراتيـة- يجعل اليهود يرضون ويقبلون ما لا يمكـن قبوله عقلا، ويجـعل كثيرا من المسيحـيين يعتقدون بصحـة بعض الأقوال الكاثوليكية، وبصحـة أقوال "مدارس الأحد" البروتستانتية، وهم يسيرون من غير وعى منهم على سنن الأسطورة الصهيونية- التى ثبت منذ قرن- وبخـاصة فى السنين الأخيرة- عدم صحتها وفندها تفنيذاً (43). وفى موضع أخـر من كـتاب "ملف إسرائيل" كـتب "جـارودى" تحت عنوان: أسطورة الحقائق التاريخية ما يلى: 1- أسطورة الصعحراء (44) تحت هذا العنوان كتب جارودى: "صرحت "جولدا مائير" لجريدة صاندى تايمز اللندنية فى 15 يونيو 1968- قائلة: "لا وجود للفلسطينيين، وليست المسألة وجود شعب فى فلسطين يعتبرنفسه الشعب الفلسطينى، وليست المسألة أننا أتينا وطردناهم وأخـذنا بلادهم. لا، إنهم لم يوجـدوا أصلاً ". وسيراً على هذا المنطق فإنه يتعين طرد أو استئصال أولئك الذين يقاومون إسرائيل، كما فعل المهاجرون فى أمريكا مع الهنود الحمر (45). وعندما وجه "أنشتاين " سؤالا إلى" وايزامان " (وكان هذا الأخير من قادة المنظمة الصهيونية العالمية) قائلا له: "وما مصير العرب إذا ما أعطيت فلسطين لليهود؟ " رد عليه بقوله: لا من هم أولئك العرب؟ إنهم لا شىء تقريباً ". وقد ذكر الأستاذ الجـامعى "بنزيون دينور" أول وزير للتعليم فى وزارة "دافيد بن غوريون " مؤسس دولة إسرائيل، ومن أقرب الناس إليه فى المقدمة التى كتبها عن "تاريخ الهاغانات" والذى نشرته المنظمة العالمية، ما يلى: "ليس فى بلادنا مكان إلا لليهود وسنقول للعرب: ارحلوا، فإن لم يرضوا بذلك وعمدوا إلى المقاومة فسنُرحلهم بالقوة ". وكتب "جوزيف فايتز" مدير إدارة الاستيطان "بالوكالة اليهودية " غداة يونيو عام 1967 قائلا: "من الواضح- فيما بيننا أنه لا مكان فى هذه البلاد لشعبين، والحل الوحـيد هو إسرائيل اليهودية، التى تضم على الأقل إسرائيل الغربية (غربى نهر الأردن) بلا عرب، ولا مخرج إلا بنقل العرب إلى مكان اخر فى البلدان المجاورة ". "تلك أقوالهم، ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك كل الاختلاف، فبعد تصريح "وعد بلفور 1917 وبعد 20 عاما من الدعاية الصهيونية السياسية للعودة إلى فلسطين، وبعد مجىء الموجات الأولى من المهاجرين الذين فروا من المذابح فى روسيا وبولندا ورومانيا، كان فى فلسطين كما هو ثابت من التعداد الذى قام به الإنجليز فى 31 ديسمبر 1922 878000 نسمة، منهم (590000 عرب مسلمون، 73000 عرب مسيحيون) 83000 يهودى أى أنه كان فى فلسطين 88% من العرب، 11% من اليهود- وينبغى أن نتذكر أن تلك البلاد، والتى زعموا أنها كانت صحراء قبل مجيئهم، كانت تُصدّر الحبوب والموالح- الحمضيات- بكميات كبيرة (46) . 2- الأسطورة العنصرية: تحت هذا العنوان ذكر جارودى حقائق على جانب كبير من الأهمية منها: "فى عـام 1949 وبعـد هذه الحـروب الأولى بين الإسـرائيليين والعـرب، أصـبح الإسرائيليون يسيطرون على 80% من أرض البلاد بعد أن طردوا 770000 فلسطينى، وقد عينت الأمم المتحدة "الكونت فولك برنادوت " وسيطا، وكتب "برنادوت " فى تقريره ما يلى: إنه لانتهاك لأبسط القواعد أن يحال بين هؤلاء الضحايا الأبرياء- ضحايا النزاع- من العودة إلى بيوتهم، بينما يتقاطر المهاجرون اليهود على فلسطين، هذا بالإضافة إلى أنهم يشكلون تهديداً دائما، بأن يحلوا محل اللاجئين العرب الذين عاشوا فوق هذه الأرض منذ قرون. ووصف النهب الصهيونى على أنه كـان على أكبر نطاق، وبالمثال تدمير القرى دون أية ضرورة عسكرية (تقرير للأمم المتحدة حرف A رقم 648 ص 114)، وأرسل هذا التقرير يوم 16 سبتمبر 1948، وفى 17 سبتمبر 1948، اغتيل الكونت برنادوت " ومعاونه الفرنسى فى القدس المحتلة. وإزاء ما أثاره هذا الحـادث من سخط عالمى، قبضت الحكومة الإسرائيلية على رئيس جماعة " شترن " ناتان فريدمان يللن، وحكم عليه بالسجن 5 سنوات ثم صدر العفو عنه، وقد أصبح عضوا بالكنيست فى عام 1950. وقد أعلن أحد زعماء "شترن" أنه يشرفه أن يعترف بأنه هو الذى أصدر قرار اغتيال برنادوت" (47) . لقد استطاع الزعماء الصهيونيون- بدولة إسرائيل- أن يضربوا عرض الحائط بما تفعله الأمم المتحدة التى كانت شريكتهم فى اغتصاب فلسطين. وكانت الأمم المتحدة فى عام 1948 تحت سيطرة الدول الغربية، وقد بلغ بها الأمر أن انتهكت ميثاقها عندما رفضت أن تعترف للعرب بحق تقرير مصيرهم، مع أنهم كانوا يشكلون ثلثى عدد سكان فلسطين ". - الفصل الثالث ب- الكتاب الثانى: (الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) تحت عنوان: (أسطورة الوعد) كتب جارودى: "أرض موعودة، أم أرض مغتصبة؟ " (48) مشيراً إلى الأسطورة التى تقول: "لنسلك، اعط هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " (49)، ويعلق جارودى على ذلك بقوله: "إن هذه الأسطورة لا تعدو أن تكون ذريعة للاستعمار الدموى" ويقدم مشاهد عملية للقراءات الصهيونية المتطرفة لهذه النصوص التوراتية ، مستعرضاً جـانباً من أعمال القرصنة الصهيونية ضد المواطنين العرب ومنها: قيـام الإرهابى "جـولد شتـاين" بقتل المصلين العرب فى الحـرم الإبراهيمى عام 1994م . - اغتيال "إيجـال عامير لإسحـاق رابين " 1995 بأمر من الرب، وبأمر من جـماعته الإرهابية المتطرفة التى تنادى بإعدام كل من يفرط فى الأرض الموعودة ليهودا وسامرا- الضفة الغربية- ويسلمها للعرب. - قول الإرهابى "موشى ديان ": إذا كنا نملك التوراة ونعتبر نفسنا شعبـها، فمن الواجب علينا امتلاك جميع الأراضى التوراتية . ويدفع، "جارودى" ببطلان كل هذه الاكاذيب والافتراءات الصهيونية، مستعيناً بعدد من الشهادات التاريخية الموثقة لعدد من أهم خبراء العالم بعضهم من اليهود أنفسهم، أمثال الحاخام المربرجر (50) الرئيس السابق لرابطة "من أجل اليهود فى الولايات المتحـدة " الذى أكد فى محاضرة له بعنوان : "النبوءة والصهيونية ودولة إسرائيل " ألقيت فى جامعة ليدن بهولندا فى 20 مارس 1968: إنه من غير المقبول من أى إنسان الادعاء بأن إنشـاء دولة إسرائيل- حاليا- هو تحقيق لنبوءة توراتية، ومن ثم الادعاء بأن كل الأفعال التى قام بها الإسرائيليون لقيام دولتهم والإبقاء عليـها هو تنفيذ لإرادة الرب . إن السياسة الحـالية لإسرائيل قد حطمت أو على الأقل قد طمست المعنى الروحـانى لإسرائيل، وأقترح أن نبحث فى إرث النبوات عن عنصرين أساسيين هما: أ- إن الأنبياء حينما تحدثوا عن استعادة صهيون، فهذا لايعنى الأرض، بل يعنى استعادة العلاقة بالرب فى وقت كـانت فيه هذه العلاقة قد قُطعت من جانب الملك وشعبه، وقد قال "ميشا" ذلك بكل وضوح: "استمعوا إذن يا روساء بيت يعقوب، وقادة بيت إسرائيل، يا من تكرهون الخـير وتحـبون الشر..، يا من تبنون صهيون وسط حمامات من الدم والقدس بجرائمكم... إن صهيون سيحرث كالحقل، وستصبح القدس- أورشاليم- كومة من الأطلال، وسيصبح جبل المعبد مكاناً لعبادة الأصنام (51) ". ب- وليست الأرض وحـدها هى التى تتوقف عليها مراعاة العلاقة مع الرب والإخلاص لها، فإن الشعب الذى أعيد توطينه فى صهيون، يخـضع لنفس مقتضيات العدالة والاستقامة والإخلاص التى للعلاقة مع الرب . وتوضح تقاليد النبوات بجلاء، أن قداسة الأرض لا تتوقف على تربتها، ولا على شعبها، ولا على الوجود الوحيد لهذا الشعب على هذه الأرض،.."فهذه هى محض غوغائية التربة والدم، فلا الشعب بمقدس، ولا الأرض بمقدسة (52)، وهما ليسا جديرين بأى امتيازات روحـية فى العالم " (53)، ويعقب "جـارودى" على هذه النبوءة بقوله: لقد كان مقتل "إسحـاق رابين " ضحـية أسطورة أرض الميعاد مثل مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهذه الأسطورة ليست إلا ذريعة للاستعمار الدموى، ولم يكن "إيجال عامير" قاتل إسحاق رابين- بعربيد أو بمجنون، ولكنه النتاج الخـالص للتربية الصهيونية، فهو ابن " حـاخـام "، وطالب ممتاز فى الجـامعة الإكليـركية بأرعيلان بالقرب من تل أبيب، وتشبّع بتعاليم المدارس التلمودية، وجندى من جنود الصفوة فى الجولان، ويحتفظ فى مكتبته بسيرة "باروخ جولدشتين " الذى اغتال منذ عدة شهور فى الخليل 27 من العرب وهم يصلون بالمسجد الإبراهيمى- وهو لا شك شاهد فى التليفزيون الرسمى الإسرائيلى، العرض الكبير الخـاص بجـامعة "إيال" محاربو إسرائيل- وهم يحلفون على قبر مؤسس الصهيونية السياسية "تيودور هرتزل " بأن "يعدموا أى شخص يفرط للعرب فى أرض الميعاد " فى يهودا وسامرا- الضفة الغربية حالياً (54). ويندرج اغتيال الرئيس "رابين " والاغتيالات التى اقترفها جولدشتين- ضمن المنطق الضيق لميتولوجية المتطرفين الصهيونيين، وكما يقول عامير: إن الأمر بالقتل جاءه من الرب - كـمـا تصـوروا أنه كـان يحـدث فى عهد- يوشع- وهو لم يكن هامش المجـتـمع الإسرائيلى، فإن المستوطنين فى قرية "اربا وحبرون "- الجليل- كانوا يرقصون فرحا يوم اغتيال "رابين " حول الضريح المقام على شرف "باروخ جـولدشتين ". لقد كان "إسحـاق رابين " هدفاً رمزياً، وليس كما ادعى "بيل كلينتون" عند "تشييع جنازته "، من أنه "قد حارب طوال حياته من أجل السلام، وهو الذى قاد جيوش الاحتلال فى بداية الانتفاضة، وأعطى الأوامر بكسر عظام أيدى أطفال الأراضى الفلسطينية، الذين لم يكن يملكون شيئاً أخر سوى الأحجار للدفاع عن أرض أجدادهم . "وإسحـاق رابين " قد فهم- بكثير من الواقعية- كما حـدث للامريكيين فى فيتنام، والفرنسيين فى الجـزائر، أن أى حل عسكرى نهائى غير ممكن إذا ما اصطدم الجـيش بشعب بأكمله، ومن ثم فإنه سار مع ياسر عرفات على طريق الحل الوسط، وقد هتف هؤلاء المتطرفون ضد "رابين " ووصفوه "بالخا ئن " (55). كما يستدل "جارودى" بقول "البير دى بورى" أستاذ العهد القديم فى كلية اللاهوت البروتستانتية فى جنيف، والذى جـاءت رسالته للدكتوراه حول "الوعد الإلهى والخرافة الشعائرية فى أدبيات يعقوب " التى ناقش فيها كبار المؤرخين المفسرين المحدثين، ويقول بأن القصاصين التوارتيين يعرضون علينا تاريخ أصول إسرائيل من ذكريات التواريخ والخرافات والحكايات والأشعار التى وصلتـهم، والتى نقلها لنا التراث الشفهى على أنها تاريخ إسرائيل، فى حين يتفق معظم المفسرين المحدثين على أن هذه الصورة التاريخية ما هى إلا صورة وهمية إلى حد كبير. كمـا يورد "البيردى بورى" مـاكـتـبته " فرانسواز سميت " عميدة كليـة اللاهوت البروتستانتية فى باريس كتابها "الأساطير غير الشرعية، دراسة حول الأرض الموعودة " ط 1994 جنيف، حيث صورت أسطورة الوعد على أنها قصة خـرافية لأن علم التـاريخ التوراتى لايخبرنا بما يقصه علينا بل يخبرنا عمن كتبوه (56) " . "لقد قدمت السيدة "فرانسواز سميت " توضيحاً صارماً لأسطورة الوعد، ويستطرد "البـيردى بورى" قـائلاً: إن معظم المفسـرين قد أخـذوا الوعد المعطى للآباء بمعناه الكلاسيكى على أنه إضفاء للشرعية على الغزو الإسرائيلى الأخـير لفلسطين، وعلى أنه امتداد للسيادة الإسرائيلية القديمة التى قامت فى عهد داود ". "ونستطيع الآن أن نحصر بإيجـاز أصول الوعد المعطى للآباء على أن الوعد بالأرض كان بمعنى الوعد بالاستقرار، وقد وجـه أولاً إلى البدو الرحل الذين كـانوا يطمعون فى الاستقرار فى مكان ما بالمناطق الصالحـة للسكن، ولم يكن الغرض من هذا الوعد للبدو الرحل الغزو السياسى أو العسكرى، بل الاستقرار، وبالتالى فبعد أن تجمعت القبائل الرحل بمختلف أنواعها، وكونت شعب إسرائيل، تكون الوعود القديمة قد تحققت ". وبعد مناقشة مطولة للوعد يصل جـارودى "إلى أنه لا يمكن استخـدامه كصك من صكوك الملكية، أو وضعه فى خدمة المطالبات السياسية، وليس هناك أى سياسة لها حق ادعاء كفالة الوعد وضمانه، ولا نتفق بأى شكل من الأشكـال مع أى من المسيحيين الذين يعتبرون وعود العهد القديم بمثابة إضفاء للشرعية على المطالبة بالأراضى الحالية لدولة إسرا ئيل ". وفى مقدمة كتاب (الأساطير المؤسسية الإسرائيلية) يفضح جارودى حقيقة الصهيونية، ويعرفها بما عرفت به نفسها، فقد و ضح: 1- أنها عقيدة سياسية نشأت منذ عام 1896 حـيث ارتبطت بالحـركة السياسية التى أسسها " تيودور هرتزل ". 2- أنها عقيدة قومية لم تولد من اليهودية، بل من القومية الأوروبية فى القرن 19، ولم ينتسب مؤسسها " هرتزل " إلى دين، حـيث يقول: ا (إننى لا أنقاد لأى دافع دينى، فأنا غنوصى" أى من اللا أدريّة (57) وهو لاتهمه الأرض المقدسة، حيث يقبل بأوغندا أو طرابلس أو قبرص أو الأرجنتين أو موزمبيق أو الكـونغو. ولكن أمام معارضة أصدقائه- من أصحـاب الديانة اليهورية- فإنه يعى أهمية الأسطورة القديمة: لأنها تؤلف صيحـة للم الشعث ذات قوة لا تقهر، وهو ما صرح به عندما حول أسطورة العودة القديمة إلى حقيقة تاريخية فى قوله: "إن فلسطين هى وطننا التاريخـى الذى لاينسى ... وإن هذا الاسم وحده سيظل صيحة لم الشمل القوية لشعبنا ". 3- أن الصهيونية عقيدة استعمارية، وهنا أيضآ لا يُخـفى "تيودور هرتزل " أهدافه حيث توجه "هرتزل " نحـو التاجر الاستعمارى " سيسيل ردوس " الذى استطاع أن يحول شركته إلى دولة جنوب أفريقيا، حيث كانت إحـدى مقاطعاتها تسمى باسمه "روديسيا " وقد كتب "هرتزل" إليه يقول: "قد تتساءل: لماذا أكتب إليك يا سيد ردوس؟ ذلك أن برنامجى هو برنامج استعماري، فالصهيونية عقيدة سياسية وقومية استعمارية " (58). تلك هى الخـصائص الثلاث التى تشرح السياسة الصهيونية التى انتصرت فى مؤتمر بازل فى أغسطس 1897، والتى انتصر بها " تيودور هرتزل " مؤسسها الميكيافيللى، واستطاع أن يقول فى نهاية هذا المؤتمر: "لقد أسست الدولة اليهودية". "وبالفعل وبعد مضى نصف قرن، كانت هذه هى السياسة التى سيطبقها بالضبط تلامذته بإنشاء دولة إسرائيل طبقا لأساليبه وتبعا لخطه السياسى- وذلك فى أعقاب الحرب العالمية الثانية". "ولكن هذه العملية السياسية والقومية والاستعمارية، لم تكن بأى حـال من الأحوال امتداداً للديانة اليهودية (59)، بدليل أنه فى نفس وقت انعقاد مؤتمر بازل انعقد مؤتمر "مونتريال " فى أمريكا 1897، ليعارض قرارات مؤتمر "بازل "، وهنا نجد "تعارضا " جذريا بين قرائتين للتوراة، وهما القراءة السياسية والقبلية الصهيونية، والقراءة ********ة للديانة اليهودية، ومما جاء فى قرارات "مونتريال " المعارض لهرتزل ما يلى: "إننا نشجب تماما أى مبادرة تهدف إلى إنشاء دولة يهودية، وإن أى محاولات من هذا القبيل تكشف عن مفهوم خـاطىء لرسالة إسرائيل، ونؤكد أن هدف اليهودية ليس هدف سياسى ولا قومي، ولكن روحي، فهو يشير إلى عصر مسيحى، حيث يعترف كل الناس بأنهم ينتمون إلى طائفة واحدة كبرى لإنشاء مملكة الرب على الأرض " (60). "وهذه المعارضة للصهيونية السياسية المستوحاة- من التمسك بروحانية الديانة اليهودية، ما فتئت تعبر عن نفسها- حتى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية- حيث لم تفلح الصهيونية فى تكميم أفواه كبار اليهود ********ين مثل (مارتين بوبر) أحد الأصوات اليهودية الكبرى فى هذا القرن، الذى لم يتوقف طوال حياته، وحتى وفاته فى إسرائيل عن شجب انحلال الصهيونية الدينية وارتكاسها إلى صهيونية سياسية ". "فقد أعلن مارتن بوبر فى نيويورك: "أن الشعور الذى اعترانى منذ 60 عاما، عندما انضممت إلى الحركة الصهيونية، هو فى جوهره نفس الشعور الذى يعترينى اليوم، لقد كان أملى ألا تتبع هذه القومية طريق "موسولينى" وعند مجيئى إلى فلسطين سألت نفسى: أتود أن تحضر إلى هنا كصديق وكـأخ وكعضو فـى مجـتمع شعوب الشرق، أو كممثل للاستعمار والإمبريالية؟ ". "لقد كان التناقض بين الهدف ووسائل بلوغه سببأ فى انقسام الصهاينة، فالبعض أراد أن يحظى بامتـيازات سياسية خـاصة من القوى العظمى، والبعض الآخـر ولا سيما الشباب، فإنهم أرادوا فقط السماح لهم بالعمل فى فلسطين مع جيرانهم من أجل فلسطين ومن أجل المستقبل. ولكن كل شىء لم يكن يسير على ما يرام فى علاقتنا مع العرب، ومع ذلك، فقد كانت هناك عموما الجيرة الحسنة بين قرية يهودية وأخرى عربية، وهذه المرحلة العضوية من الاستيطان فى فلسطين دامت حتى عصر هتلر، وهتلر (61) هو الذى دفع بجموع اليهود إلى الذهاب إلى فلسطين، وما استلزم ذلك من إيجاد قوة سياسية لسلامتها وأمنها، وقد فضلت غالبية اليهود أن يتعلموا من هتلر بدلا من أن يتعلموا منا، وهذه هى الحـالة التى كـان علينا أن نحـاربها.. وفى "إيهود" اقترحنا ألا يكتفى اليهود والعرب بالتعايش، ولكن أن يتعاونوا وذلك بمقدوره إحداث تنمية اقتصادية فى الشرق الأوسط، وفى بيان "مارتن بوبر" الذى ألقـاه أمام المؤتمر الصهيونى الثانى عشر المعقود فى "كارلسباد" قال: "وهذا تبرير جميل لأنانيتنا الجماعية التى تحولت إلى صنم معبود، لقد اقتلعت الديانة اليهودية من جذورها بولادة القومية اليهودية فى منتصف القرن التاسع عشر". وقد اعتبر الأستاذ "جوادس ماجنيس "، رئيس الجـامعة العبرية فى القدس منذ 1926 أن برنامج "بلتيمور" لعام 1942، الذى قضى بإنشاء دولة يهودية فى فلسطين "سيؤدى إلى حرب ضد العرب " وعند إلقائه لبيانه عند افتتاح هذه الجامعة العبرية فى عام 1946 والتى رأسها منذ 20 سنة قال: "إن الصوت اليهودى الجـديد يتكلم عبر فوهات البنادق، وهذه هى التوراة الجديدة لأرض إسرائيل ، لقد تكبل العالم بقيـود جنون القوة المادية، وليحفظنا الرب الآن من اقتياد اليهودية وشعب إسرائيل إلى هذا الجنون " . "ويتحمل جميع يهود أمريكا مسؤولية هذه الغلطة وهذا التحول، حتى من لم يوافقوا على تصرفات الإدارة الملحـدة، ولكنهم ظلوا قاعدين مكتـوفى الأيدى، إن تخـدير المعنى الأخـلاقى يؤدى إلى الضمور والهزال " (62). وقد سبق " لإلبرت إينشتاين " أن أدان فى عام 1938 التوجه هذا حيث قال: "فى رأيى أنه من المعقول أكـثر التوصل إلى اتفاق مع العرب على أساس حياة مشتـركة ومسالمة بدلاً من إننتمـاء دولة يهودية وإن الإحساس الذاتـى بالطبيعة الجـوهرية لليـهودية يصطدم بفكرة دولة يهودية لها حدودها وجيشها ومشروعها للسلطة الدنيوية مهما كانت متواضعة وأخشى من الخسائر الداخلية التى قد تتكبدها اليهودية بسبب قيام قومية ضيقة فى صفوفنا (63). وإننا لم نعد يهود عصر المكابى ، ومجرد أن نصبح أمة بالمعنى السياسى للكلمة يساوى أننا سنحيد عن روحانية طائفتنا التى ندين بها لأنبيائنا " . وفى عـام 1960، وأثناء مـحـاكـمة " إيخـمـان " فى القدس، أعلن المجلس الأمـريكى لليهودية: "وجه المجلس الأمريكى لليهودية أمس الاثنين خطاباً إلى السيد "كريستين هرتر" ينكر فيه حق الحكومة الإسرائيلية فى التحـدث باسم اليهود كافة، ويعلن المجلس أن اليهودية هى مسألة دين ، وليست مسألة جنسية" (64). وفى 8 يونيو 1982،، كتب الأستاذ "بنيامين كوهين " من جـامعة "تل أبيب "وأثناء غزو الإسرائيليين الدامى للبنان، إلى الأستاذ "بيرفيدال ناكية". "اكتب إليك وأنا أستمع إلى راديو الترانزستور الذى أعلن "أننا " فى سبيل تحقيق هدفنا فى لبنان، وهو ضمـان السـلام لأهـالى الجليل، وهذه الأكاذيب الجديرة بشخص كـ "جلوبز"، تجعلنى كالمجنون، ومن الواضح أن هذه الحرب الشرسة والضارية، وهى أكثر بربرية من كل سابقاتها، ولا علاقة لها بأى شىء لا بحادث الاغتيال الذى وقع فى لندن، ولا بأمن الجليل، ولا اليهود... وهؤلاء اليهود إلذين هم ضحـايا أنفسهم من جراء هذا الكم الضخم من الضراوة والوحشية، هل يمكن أن يصبحـوا على هذا القدر من الفظاظة والقساوة؟ إن أكبر نجاح للصهيونية هو"عدول اليهود عن اليهودية"... وأرجوكم أيها الأصدقاء أن تقوموا بكل ما فى وسعكم لكى لا يحرز أتباع "بيجن "و شارون " هدفهم، وهو التصفية النهائيـة وهى العبارة السـائدة فى أيامنا هذه: للفلسطينيين كشعب والإسرا ئيليين كبشر" (65). "الأستاذ "ليبوفيتس " يدمغ السياسة الإسرائيلية فى لبنان، ويصفها بأنها يهودية-نازية ". "وهذا هو رهان المعركة بين الديانة اليهودية التوراتية، وبين القومية الصهيونية التى تفوق أى قومية ، على رفض الآخر وتقديس الذات . فكل قومية تقوم على تقديس ادعاءاتها، فبعد تفكك المسيحية ادعت كل دولة أنها قد تلقت الإرث المقدس، وأنها حـازت على الولاية من الرب، ففرنسا هى " البنت البكر للكنيسة "، والتى بها تتم أفعال الرب ، وألمانيا هى "فوق الجميع "، لأن الله معها. وأعلنت "إيفا بيرون"، " أن رسـالة الأرجنتين هى تقديم الله إلى العالم "، وفى عام 1972 أخذ رئيس وزراء جنوب أفريقيا "فورستر" المشهور بعنصريته الوحـشية يهذو بعبارات مثل "لا تنسوا شعب الله ، بعثنا برسالة"،،. وتشاطر القومية الصهيونية هذه النشوة مع كل القوميات، ومعروف أن الاستبداد بالرأى يلغى الحوار ويحول دونه، فلا يمكن التحاور مع "هتلر" ولا مع "بيجن "، لأن سموّهم الجنسى أو تحالفهم القصرى مع الإله، لا يترك أى مجال للآخر" (66). - الفصل الثالث اسرائيل ظاهرة استعمارية أولأ: من كتاب " ملف إسرائيل ": يقول المفكر الفرنسى جارودى: "اليس هناك فارق بين النازية والصهيونية، فكلتاهما يقوم على التوسع العسكرى إلى غير حد، فالقادة الإسرائيليون يؤمنون بضرورة شن الحرب الوقائية بهدف تدمير القوة العربية، وتوسيع رقعة الأرض لإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات". أخى القارئ آمل أن تقرأ هذا المبحث بتمعن وتدقيق: لكى تدرك أن حرب الخليج قد خطط لها الاستعمار والصهيونية منذ وقت طويل، وأنها لن تقف عند حد تمزيق العراق، بل إن العدو يهدف إلى تمزيق سوريا ومصر والسودان (*) وبقية العالم العربى إلى دويلات طائفية و (كانتونات) وذلك فى التسعينات من هذا القرن وقد حان وقت التنفيذ (67) . تحت عنوان:" إسرائيل ظاهرة استعمارية، السياسة الإسرائيلية الخارجية تقوم على التوسع (68)". ذكر جارودى فقرات من خطاب أرسله " دافيد تريتش " إلى "هرتزل " بتاريخ 29 أكتوبر 1899، بعد انقضاء المؤتمر الصهيونى العالمى بقليل، وهو يعبر بوضوح تام عن المنطق الباطنى للصهيونية فى سياستها الخـارجية. ومن هذه الفقرات: "أود أن أقترح عليكم أن تعدلوا من وقت إلى آخر برنامج "فلسطين الكبرى، إسرائيل الكبرى" قبل فوات الأوان، كـان ينبغى أن يتـضمن برنامج "بال " الكلمـات "فلسطين والأراضى المجـاورة " لأنه من غير ذلك يصبح البرنامج بلا معنى، فأنت لا تستطيع أن تأوى 10 ملايين يهودى فى أرض مساحتها 25000 كيلو متر مربع. وقد علق جارودى على ذلك بقوله: "إن مبدأ الصهيونية ذاته فى المناداة بتحـويل اليهودية من دين إلى شعب وإلى دولة، واعتبـار يهود العالم بأسره أصل هذا الشعب، والنضال لدفعهم إلى العيش فى هذه الدولة، كل ذلك فرض على دولة إسرائيل سلسلة من الحـروب التوسعية، لكى تحصل على مجـال حـيوى " وهو شعار صنعه هتلر"وتاريخ كل الاعتداءات الإسرائيلية، وضم الأراضى لدولة إسرائيل إنما هو نتيجة لأزمة تلك الصهيونية السياسية ". لا فارق النازية والصهيوفية شىء واحد!! ذكر جارودى: "وليس هناك فارق بين النازية الصهيونية إلا فى مسألة شكلية، فكلتاهما يقوم على التوسع العسكرى إلى غير حـد، ولكن أيديولوجية التبرير الصهيونية لا تنصب فقط على أسطورة العرق، كان هتلر يقول. " كل أرض يعيش فوقها آريون، يجب أن تعود إلينا "، وإنما تنصب بصفة خاصة على الأسطورة التوراتية الكاذبة التى تفسر "الوعد" بمعنى قبلى مادى، ولا تفسر هذه الكلمة تفسيرأ روحـياً على أنها "مملكة الله " وإنما تفسرها تفسيراً مادياً بأنها الأرض "، فالآية التى وردت فى إصحـاح الخلق (69): "لذريتك أعطى هذا البلد من نهر مصر إلى النهر الكبير". تعتبر فى نظر الصهيونيين برنامجأ عسكرياً، وقد رسم "هرتزل " فى كتابه " الدولة الصهيونية " حدود إسرائيل، فى الشمال: مرتفعات تركيا، فى الجنوب: قناة السويس، فى الشرق: نهر الفرات، وتفسر الآية على أنها حقيقة تاريخية وصك ملكية لتلك الأراضى، وكأن ذرية إبراهيم هم المنحـدرون بصلة الرحم وليس بالإيمان، وكـأن صلة الرحم تلك لاتنصب على العرب مع أنهم كـما جـاء فى سفر التكوين ذرية إسماعيل الابن الاكـبر لإبراهيم- ولا تنصب على الإنسانية التى ترى فى تضحية إبراهيم صورة مثالية لإيمانها، وتفسر تلك الآية بصورة لاتنصب على العرب مع أنهم - كما جـاء فى سفر التكوين- ذرية إسماعيل، الابن الآية أيضأ باعتبار صحة نسب اليهود الحـاليين بسكان أرض كنعنان القديمة، بينما تؤكـد البيولوجـيا ويثبت التاريخ أن يهود اليوم كالناس جميعا، نتاج اختلاط وامتزاج شعوب متعددة، من القرم إلى اليمن، ومن أثيوبيا إلى أسبانيا، ولا يمكنهم أبداً المطالبة بإرث أسلاف وهميين واستبعاد السكان الحـاليين من عرب ومسلمين ومسيحـيين، مع أنهم سكان تلك الأرض، وأقرب إلى سكانها القدامى من المهاجرين البـولنديين أو الروس أو الرومـانيين أو المجـريين أو اليـمنيين أو المغاربة، الذين لم يجـمع بينهم شىء سوى الدعاية النازية البشعة التى ادّعت زورا أنهم شعب واحد، يمكن التعرف عليه وفقاً لمعايير العنصريين النازيين، وبخصائص بدنية مثل شكل الجمجمة أو الأنف، وبصفات سيكولوجية خاصة بهم " . وبواسطة أسطورة "إسرائيل الكبرى" أرض الميعاد، وعن طريق قراءة انتقائية مغرضة للكتاب المقدس، لايكف القادة الإسرائيليون عن تبرير سياستهم التوسعية واعتداءاتهم وضمهم للأراضى باسم تلك الخرافات ". ومن الأمثلة على ذلك: قول " موشى ديان " فى أغسطس 1967: "إذا كنا نملك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة، فيجب أن تكون لنا أيضاً أرض التـوراة " واستنادأ إلى مثل تلك المبادئ تصبح الحدود مطاطة غير ثابتة". وقول "بن جوريون " فى مذكراته: "أمامكم الإعلان الأمريكى للاستقلال ليس به أى ذكر لحدود أرضية، ولسنا ملزمين بتعيين حـدود للدولة "، وفى هذا إشارة لها دلالة، فقد ظلت حدود أمريكا غير ثابتة لمدة قرن من الزمان، وكـانت تتحرك كلما تقدم الأمريكيون (70) فى قتل الهنود الحمر، والاستيلاء على أرضهم، إلى أن توقفوا عند المحيط الهادى". ويقول: " بن جوريون " بكل صراحـة ووضوح: "ليست المسألة مسألة احتفاظ بالوضع الراهن، فعلينا أن نقيم دولة غير متجمدة، دولة ديناميكية تتجه إلى التوسع " (71). "وجاء التنفيذ العملى مطابقأ لتلك النظرية الغربية: الاستيلاء على أرض، وطرد من فيها، تلك هى شريعة الغاب التى استخدمتها الدولة الصهيونية منذ البدء، بسبب طبيعة تكوينها، فقرار التقسيم الذى أصدرته الأمم المتحـدة لم تحترمه إسرائيل قط، وسبق أن رأينا أنه منذ صدور قرار التقسيم فى 29 نوفمبر 1947 وانتهاء الانتداب البريطانى فعلاً، استولى الإرهابيون الصهيونيون على أرض كانت للعرب وفقاً للتقسيم مثل يافا وعكا ". وعندما تدخلت الدول العربية لحماية الفلسطينيين من القتل الجماعى على طريقة مذبحة دير ياسين- 9 أبريل 1948- انتهز قادة الإسرائيليين الفرصة لضم أرض جـديدة، وبعد أن كـانت الأمم المتـحـدة قد خـصصت 56% من أرض فلسطين لإسـرائيل "، أصـبح الإسرائيليون يحتلون 80% من فلسطين عند نهاية الحرب الإسرائيلية الأولى . وهنا أيضاً يتعين علينا أن نبـدد خرافة أخـرى صنعها الإسرائيليون ألا وهى "داود الإسرائيلى الصغير أمام العملاق جـوليات العربى"، وهى أسطورة يحـاولون بها استثارة عطف الرأى العام العالمى على هذا "الشعب الصغير" المهدد فى أمنه ووجوده، مع الإشادة فى الوقت عينه ببطولاته العسكرية، وذلك دون الإشارة إلى أن جيش إسرائيل يملك الآن قوة عسكرية أعلى نوعاً وكماً مما لدى الجيوش العربية مجتمعة. وفى عام 1948، كانت قوات مصر وسوريا والأردن ولبنان وإيران مـعـا، تضم أقل من 22000 جندى مقابل 65000 جندى لإسرا ئيل " . "ورغم هذا الاندفاع فى الاستيلاء على الأرض، لم يقتنع الإسرائيليون به، فقد نشرت صحيفة "نيويورك تيمس " عدد 9 عام 1964 حديثا مع "بن جوريون " وكان متقاعداً وقت ذاك جاء فيه: "لو أن ديان كان قائداً للجيش فى حرب 1948 لصارت أرض إسرائيل أكثر اتساعاً ". وقال الجنرال " آلون " الذى تولى قيادات هامة فى حرب 1948: "عندما أصدر رئيس الوزراء ووزير الدفاع "بن جوريون " وكان الرئيس "ترومان " قد ضغط عليه ضغطاً كبيراً، أمراً بإيقاف تقدم جيوشنا، كنا على حـافة النصر من الليطانى شمالاً إلى صحراء سيناء فى الجنوب الغربى، ولو استمر القتال أياماً لاستطعنا تحرير البلاد كلها ". "ولكن المسألة فى نظر إسرائيل كانت تأجيلاً فقط للتوسع إلى أن يحـين الوقت المناسب، فعندما قرر الرئيس عبد الناصر تأميم قناة السويس، وجد قادة إسرائيل أن الفرصة سنحت لتحقيق توسع جديد، فتحـالفوا مع الإنجليز الذين كانوا يشرفون على القناة، ومع الحكومة الفرنسية وكـانت فى حرب مع الجزائر، ورأت فى ذلك أملاً فى ضرب زعماء حرب التحرير الجزائرية وحليفتهم مصر، وتم تنسيق العملية فى فرنسا على يد "موشى ديان " و شيمون بيريز"، وعلى يد الجنرال "شال " الفرنسـى وأحد قادة مؤامرة جنرالات الجـزائر فيمابعد" (72). "ولكن رأى الأمريكيون والسوفيت إيقاف الحـملة فوقفت، ومع هذا بقى "مشروع إسرائيل الكبرى" كما هو، وكتب "مناحم بيجن " قائلاً: "أرض إسرائيل ستعود لشعب إسرائيل، ستعود كاملة وإلى الأبد". "فى عام 1967 قرر زعماء إسرائيل أن يقفزوا قفزة جديدة إلى الأمام، والحـرب هى وسيلتـهم لحل المشاكل، ففى ذلك العام كـان بإسرائيل 96000 متعطل عن العـمل من مجموع القوة العاملة البالغ عددها 950000 فرد، وتجـاوز عدد من يغادرون إسرائيل عدد القادمين إليها- كان يغادر إسرائيل حوالى 1000 مواطن كل عام- ووصل مجموع التبرعات التى يجمعونها من يهود الشتات "الدياسبورا "، ومعظمهم من أمريكا، أدنى مستوى، فلو نشبت الحرب وانتصروا فيها، فسيُمّكنهم ذلك من حل مشاكلهم كلها، فالتعبئة واحتلال الأراضى تقضى على مشكلة البطالة، والتلويح بالخطر على أمن إسرائيل ينشط جمع المال، والانتصارات الحربية تجتذب المهاجرين ". "وكانت فكرة "الحرب الوقائية" فكرة واردة فى السياق المنطقى للنظام الإسرائيلى.. وقد سبق أن صرح "مناحم بيجن " فى 1955 بالكنيست قائلاً: "إنى أؤمن إيماناً عميقاً بأنه ينبغى علينا أن نشن حرباً وقائية ضد الدول العربية دون أى تردد. وبهذا نبلغ هدفين: أولاً: تدمير القوة العربية. ثانياً: توسيع رقعة أراضينا ". وبدأت الحرب الوقائية عام 1967، "حرب الأيام الستة "، بعملية شبيهة بالعملية التى قام بها الفاشيون اليابانيون فى 7 ديسمبر1941 بميناء "بيرل هاربر بجـزر هاواى" دون إعلان للحـرب، عندمـا فاجـؤوا ودمروا الأسطول الأمريكى بالمحيط الهادي. وكـذلك فعل الإسرائيليون فى 3 يونيو 1967، عندمـا هاجمت أسراب الطائرات الإسرائيلية- دون إعلان للحرب- المطارات المصرية ودمروا الطائرة المصرية وهى رابضة على مهابطها، وفى 12 يونيو 1967 أعلن "ليفى اشكول " فى الكنيمست أن "وجود دولة إسرائيل كان متعلقاً بخيط واه ، ولكن آمال زعماء العرب فى القضاء على إسرائيل تبددت ". وما هناك زعيم إسرائيلى واحد يؤمن بصحـة هذه المزاعم التى صيغت لتقال للبسطاء من الناس، والتى كانت للاستهلاك المحلى. وقد فضح وزير إسرائيلى سابق "موردخـاى بنتوف"، هذه الأكذوبة فقال على رؤوس الأشهاد: "كل هذه القصة عن خطر إبادة إسرائيل مختلقة من أساسها، وقد بو!غ فيها لتبرير ضم الأراضى العربية الجديدة، (عدد 14 عام 1972 من صحـيفة الهمشار)، وهذا أيضاً ما تأكد من ناحية العسكريين، فقد صرح الجنرال "عازر وايزمان " بقوله: "ما كـان هناك قط خطر لإبادة إسرائيل " (عدد 19 أبريل 1972، من صحيفة معاريف) . كما صرح الجنرال "ماتيتيان بيليدا " بقوله: " النظرية القائلة بأن خطر القتل الجماعى كان مصلتاً فوق رقابنا فى يونيه 1967، وأن إسرائيل قاتلت من أجل وجـودها، لم تكن سوى خدعة، نشأت بعد الحرب ثم اشتد عودها". (عدد 9 مارس من صحيفة ها آرتس)، كما صرح الجنرال "رابين" نفسه بذلك، حـيث كـتب يقول: "لا أعتقد أن ناصر كان يريد الحرب. فالفرقتان اللتان بعث بهما فى 14 مايو إلى أرض سيناء لا تكفيان لشن هجوم على إسرائيل، وكان هو يعرف ذلك كما كنا نعرفه " (عدد 19 مارس 1973، من صحيفة ها آرتس، ونقلتها الليموند الفرنسية عدد 3 يونيو 1972). "لقد تضافر العدوان والكذب، فـأتاحـا لإسرائيل أن تحـتل سيناء، نقول الكذب، لأن زعماء إسرائيل الرسميين لم يتوقفوا قط عن تأكيد قولهم أنهم لا يسعون إلى ضم أراضى جديدة. "لاتطمع إسرائيل فى أية أرض من أراضى جيرانها "، هذا ما قاله ممثل إسرائيل فى الأمم المتحدة ميخائيل كوماى فى 8 نوفمبر 1966، (انظر: وثائق الأمم المتحدة، الوثيقة PV 505 AISPC. كما قال "موشى ديان " فى حديث للإذاعة يوم 5 يونيو 1967: "ليست لدينا نية للغزو". (عدد 16 يوليو 1967صانداى تيمس" وينبغى لتقدير مدى الكذب، أن نقارن ذلك بما قاله الجنرال "هود" قائد الطيران الإسرائيلى: " استعدادات استمرت ستة عشر عاماً ثم نفذت فى 80 دقيقة (المقصود هو الهجمة الجوية يوم 5 يونيو 1967). "كنا نعيش مع تلك الخطة، وكانت هى قوتنا الذى نقتات منه، وكنا نحسنها بلا انقطاع ". (عدد 16 يوليو من صانداى تيمس ص 7)، وجنى الإسرائيليون ثمرات الخـديعة والعدوان، فأصبحوا بعد عام 1967 يحتلون أرضا مساحتها أكبر مما قرره لهم تقسيم 1947 ثلاث مرات. وما كفاهم هذا، فاشتدت شهيتهم للغزو من جديد منذ يوليو 1947، كان الجنرال "ديان " يقول: "فى المائة عام الماضية، قام شعبنا بإنشاء هذه البلاد وهذه الأمة، وعمل على توسيع نطاقها باستقدام عدد متيزايد من اليهود وبإنشاء مزيد من المستعمرات لتوسيع حدودنا، وليعلم كل يهودى أن هذه العملية لم تنته وأننا لم نبلغ نهاية الطريق ". "وفى عام 1972 نشرت صحيفة معاريف عدد 7 يوليو حديثاً صحفياً مع "جولدا مائير" ننقل هنا بعض فقراته: - ما هى حدود الأراضى التى تعتبرونها ضرورية لأمن إسرائيل؟ - إذا كنت تريد أن تقول: إنه يتعين علينا أن نرسم خطاً لحدودنا فهذا أمر لم نفعله، وسننفذه عندما يجىء الوقت المناسب، ولكن يجب أن يعرف الناس أن أساسيات سياساتنا عدم النص فى أى معاهدة للسلام على حدود 1967، فلابد من إدخال تعديلات على الحدود. نريد تغييراً فى حدودنا، فى كل حدودنا، من أجل بلادنا ". "وبعد وقعة 1973،، استمر تصعيد السياسة الاستعمارية لإسرائيل بلا هوادة وبخاصة بعد اتفاقيات كامب ديفيد سبتمبر 1978- ميونخ مصر- التى جـعلت من الممكن مضاعفة إنشاء المستعمرات الاستيطانية فى الأرض المحتلة، وضم القدس والجولان إلى إسرائيل، والغزوة اللبنانية فى 1982. ولا تعود أهمية العدوان على لبنان فى صيف 1982 إلى ما تميز به طابع استثنائى أو سمة غير منتظرة. فهذه العملية قد سبق الإعداد لها منذ عشرات السنين، وتتمشى مع المنطق الاستعمارى والفاشى الإسرائيلى؟ من أجل الحصول على "مجال حيوى" (وهذا تعبير استخدمه هتلر) " إنما الجديد فى العملية هو أن عدداً كبيراً من يهود العالم، وبعض يهود إسرائيل، وملايين من أهل الغرب- بدؤوا لأول مرة- يدركون مدى الخديعة التى كانوا هم ضحـاياها منذ أكثر من ثلث قرن، ومما يحز فى النفس حقاً أنه لابد من قتل عشرات الألاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، وتدمير بيروت ووقوع مذبحـة صبرا وشاتيلا البشعة، لكى يظهر الوجه الحقيقى الاستعمارى والفاشى للصهيونية السياسية، التى تمارسها حكومة إسرائيل، ولكى يبدأ الناس فى إدراك مدى خـديعة الصهيونيين. وظهر الكذب واضحـاً لدرجـة أن كل ما لجـأت إليه الصحـافة والتلفزيون من وسائل التمويه والتخفية، لم تمنع الناس من أن يلمحوا جزءاً من الحقيقة ". "وكانت أول ذريعة تذرّع بها الصهيونيون للاعتداء على لبنان، هى محاولة قتل السفير الإسرائيلى فى لندن، واتهموا على الفور منظمة التحرير الفلسطينية بتدبير الحادث، وما لبثت مسز "تاتشر" أن كشفت فى تصريح لها لصحيفة "انترناشيونال هيرالد تريبيون "، عدد 8 يونيو 1982 حقيقة الأمر بعد التحقيق الذى أجرته الشرطة البريطانية، قالت: "… لقد وجدت قائمة مع مرتكبى الحـادث تشمل أسماء المطلوب قتلهم، وكان على رأس القائمة اسم ممثل منظمة التحـرير فـى لندن... وفى هذا ما يدحض ادعاء إسرائيل أن المعتـدين ينتمون إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ولا أعتقد أن الهجوم الإسرائيلي على لبنان كـان عملاً انتقامياً لمحاولة الاغتيال هذه، لقد وجد الإسرائيليون فى هذه المحاولة عذراً يبررون به عدوانهم على لبنان ". "وجـاءت بعد ذلك أكذوبة أخرى؟ حول أهداف هذه الحـرب، التى أطلقوا عليها اسم: "عملية السلام من أجل الجليل ". وكـان هدف العملية فى زعمهم هو إقامة "هامش أمنى يمتد بعمق كـيلو متراً من الحدود، وفتحت قوات الأمم المتحـدة ممراً اندفعت منه قوات إسرائيل فلما تم تدمير بيروت، أقام بيجن فوق خرائبها رئيساً كانت إسرائيل قد سلحته وأعدته منذ وقت طويل ليكون موالياً لها، وعندما ظهر أن "بشير الجميل " لم يخضع لهم تماماً، اغتيل فى مقر قيادته، وكـان هذا المقر محاطاً بالحراسة ولا يمكن النفاذ إليه دون موافقة الجـيش الإسرائيلى، وتذرعت الحكومة الإسرائيلية بهذا الاغتيال لتحتل جزءاً أكـبر من أرض لبنان مدعية أنها تريد سيادة النظام، والحيلولة دون ارتكاب الاغتيالات وتصفية حسابات أخرى". "وعند ذلك، وعلى بعد مائتى متر من القيادة الإسرائيلية، وتحت سمعها وبصرهـا، وعلى ضوء كشافاتها قام المتعاونون مع الإسرائيلى المحتل بعملية ذبح جماعية استمرت يومين، تم خـلالها التخلص ممن كان زعماء إسرائيل يودون إبادتهم. وكان تعليق بيجن على ذلك قوله: "غير يهود قتلوا غير يهود " (73). وليس كل هذا سوى الوجه الظاهر للقصة كلها، ويجدر بنا أن نعرف المسألة من الباطن لنرى أنها خطة مـرحلية من مراحل تحـقيق مشروع صـهيـونى سياسى هو: "إسرائيل الكبرى" ولكى ندرك تماماً أنه لا علاقة البتة بين غزو لبنان وبين الاعتداء على السفير الإسرائيلى فى لندن، ولا علاقة بأى تهديد للجليل، لكى ندرك ذلك، ينبغى وضع الهدف اللبنانى فى موضعه من المشروع الصهيونى "إسرائيل الكبرى" ، ففى وقت لم يكن فيه أى دبلوماسى إسرائيلى قد هوجم، ولم تكن منظمة التحرير قد نشأت بعد، وفى وقت لم يكن هناك أى تهديد للجليل، كانت غزوة لبنان قد اعد برنامجها فى الجدول الزمنى للبلدان التى ستُضم لإسرائيل، فلقد كتب "بن جوريون" فى يومياته، يوم 21 مايو 1948 يقول: "نقطة الضعف فى التآلف العربى هى لبنان. فالسيادة الإسلامية فيها شىء مصطنع، ويمكن بسهولة قلبها رأسا على عقب، وينبغى إقامة حكومة مسيحية فى هذا البلد، وتكون حدودها الجـنوبيـة هى نهر الليطانى، وسنُوقع مـعـاهدة تحـالف مع هذه الدولة، وبعد ذلك نحطم الفرقة العربية الأردنية، ونقصف عمان بالقنابل، ثم نكتسح شرق الأردن، وستسقط سوريا بعد هذا. وإذا تجـرأت مصر على محـاربتنا فسنقصف بورسعيد والأسكندرية والقاهرة بالقنابل، وبهذا ننهى الحرب، ونكون قد ثأرنا لأسلافنا من مصر وأشور وكلدانية (انظر كـتـاب: الرسول المسلح، تاريخ حـياة بن جـوريون تأليف ميخـائيل بارزوهار، ص 139). "وهكذا ندرك تماماً على ضوء الأحـداث الراهنة إلى أى مدى يمكن أن تؤدى شطحـات الأسطورية الصهيونية المصابة بجنون العظمة، إلى إراقة دماء الآلاف من بنى البشر". "وقبل الهجوم الغادر على لبنان بوقت طويل، أخـذ " موشى ديان" ذلك المشروع الذى ألفه "بن جوريون " لتخطيط الهجـوم على لبنان، وأدخـل عليه بعض التعديلات ليجـعله أكثر دقة ففى وقت كان فيه الرائد "حداد" مازال طفلاً فى المهد- أى قبل أن يصبـح ألعوبة دموية فى يد بيجن" بوقت طويل- راح "موشى ديان " يضع الخطة التالية التى كـتبها موشى "شاريت " رئيس وزراء إسرائيل الأسبق فى يومياته، يقول "شاريت ": فى رأى ديان أن الشىء الوحـيد الضرورى هو إيجـاد ضابط صغير، يكفى أن يكون رائداً ، ونحـاول إقناعه بأهدافنا، فإن لم يقبل اشتريناه بالمال، حـتى يوافق على أن يعلن نفسـه منقذاً للمـارونيين فى لبنان. وعند ذلك يدخل الجـيش الإسـرائيلى أرض لبنان، ويقـيم نظامـاً مسيحياً للحكم يعتمد على التحالف مع إسرائيل. ثم تُضم كل الأرض جنوبى الليطانى إلى إسرائيل ". (يوميات موشى شاريت 16 يونيو 1955، ص 996). "وهكذا تبدو الصورة واضحة تمامة، وتتبدد أسطورة " الأمن " والسلام فى الجليل، وذلك كما كشف عنها النقاب البروفيسير "نى إمام " من الحزب القومى لأقصى اليمين والذى دخل وزارة "بيجن " حديثاً فى 1982 قال: "أمامنا فرصة عظيمة ينبغى على إسرائيل أن تغتنمها لإقامة نظام جديد فى لبنان … يجب أن يستعد الجيش ليبقى وقتا طويلاً فى لبنان، وخلال ذلك تستطيع إسرائيل أن تحسن وضعها الاقتصادى ومركزها من الناحية الفنية الإدارية فى منطقة تعتبر تاريخياً جزءاً لايتجزأ من إسرائيل الكبرى... وستتمكن ولا شك من أن تدخل فى الخطة الإنمائية الجزء الجنوبى من لبنان حتى نهر الليطانى". "وكالعادة لدى قادة إسرائيل الذين ينالون بعد كل تصعيد للموقف بأنه لابد من السير أبعد ممـا وصلوا إليه لتحقيق الخطة الصهيونية، راح "أريل شارون " يقول: لا لم ننجـز بعـد غير يسير من عملنـا " (من حديث لشارون مع صحيفة أوروبا ميلانو، 28 أغسطس 1982). ويصدق بحق على حرب لبنان هذه، ما يصدق على كل حروب إسرائيل، كما عبر عن ذلك بشجاعة البروفيسير "ليبوفتز" فى موتمره الصحفى يوم 14 يونيو 1982، بمدينة القدس: " هدف هذه الحرب هو الإعداد للحرب التالية" . وتجرى الأمور وكأن الزعماء الصهيونيين يطبقون حرفياً الاية التالية من سفر يشوع: "كل موضع قدم تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته" (الإصحاح1/3). وذلك هو التصور السائد لإسرائيل الكبرى، الهدف الدائم للصهيونية السياسية كما يذكرنا بذلك اللواء احتياط الجنرال "غازيت " رئيس جامعة بير سبع حالياً، فى استعراضه للأهداف الأساسية فيما يتعلق بالنزاع العربى الإسرائيلى: "يجب أن تكون أرض إسرائيل كلها تحت سيطرة إسرائيلية، بل يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الدولة اليهودية، وعلى إسرائيل أن تدرك الضرورة الملحة لإيجاد حل جذرى لمشكلة الوجود العربى فوق أرض إسرائيل (عدد 3 يناير 1982 من صحيفة يديعوت أحرونوت). ثانياً: كتاب ((الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية)) (74): يقول "جارودى" تحت عنوان "القراءة المتطرفة للصهيونية السياسية ": "تستخدم الأساطير التوراتية كذرائع للسياسات الإجرامية الصهيونية مثل أسطورة "يشوع " التى تقول بأن "يشوع" عندما فتح عجلون ضربوها بحد السيف، وقتلوا كل نفس فيها، كما فعلوا بلبته.. واجتاز "يشوع" وكل إسرائيل معه من "لاكيش " إلى "عجلون " ونزلوا عليها وحاربوها، وافتتحوها فى ذلك اليوم فضربوها بحد السيف، وأبسل كل نفس فيها فى ذلك اليوم عينه، كما فعل "بلاكيش " وصعد يشوع وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون وحاربوها... " (سفر يشوع 10- 34). "وتستمر هذه الملحمة المملة فى سرد وتعداد عمليات الإبادة المقدسة، التى وقعت فى الضفة الغربية، وينبغى لنا أمام هذه الأحاديث، طرح سوالين أساسيين هما: الأول بشأن صحتها التاريخية، والثانى بشأن عواقب التقليد الحرفى للإشادة بسياسة الإبادة فما قيل عن مسيرة يشوع، قلده "بيجن " عندما قضى فى 9 أبريل 1948، على سكان دير ياسين (75) من الرجال والنساء والأطفال، البالغ عددهم 254 نسمة، وقتلهم هو وجنوده "الآرجون" لكى يفر العرب العزل مذعورين ". ويكرر سفر تثنية الاشتراع: "و اذا أدخلك الرب إلهك الأرض التى أنت صائر إليها لترثها واستأصل أمماً كثيرة، فأبسلهم إبسالاً (الفصل 7/1-2) ولا يقف أحـد بين يديك حتى تفنيهم (الفصل السابع 7/24) فهو لم يطلب من اليهود فقط طرد العرب بل الاستيـلاء على كل فلسطين، وما قيل عن طريقة يشوع هى التى أشار إليها "موشى ديان " بقوله: " إذا كنـا نمتلك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة ، فينبغى لنا أن نمتـلك كذلك أرض التوراة "، وأيضاً هى التى أشـار إليها "يورام بن بورات " فى الجريدة الإسرائيلية الكبرى "يديعوت أحـرونوت " الصـادرة فى 14 يوليه 1972: " لا صهيونية واستعمار للدولة اليهودية بدون إبعاد العرب وطردهم والاستيلاء على أراضيهم ". "أما وسائل وأساليب هذا الاستيلاء على الأرض، فقد حددها رابين عندما كان جنرالاً على الأراضى المحتلة: تكسير عظام ملقى الأحجار من أطفال الانتفاضة . فماذا كان رد فعل المدارس التلمودية فى إسرائيل؟ تسليم السلطة إلى أحد المسؤولين المباشرين عن مذبحة صبرا وشاتيلا، وهو الجنرال "رفائيل إيتان " الذى نادى "بزيادة تحـصين المستوطنات اليهودية القائمة "، وبنفس هذا اليقين اندفع الدكتور "باروخ جولدشتاين "، وهو مستوطن من أصل أمريكى، من قرية أربه "الضفة الغربية"، وقتل أكثر من سبعة وعشرين فلسطينياً، وجرح أكثر من خمسين، وهم يصلون فى الحرم الإبراهيمى. وكان "باروخ " عضواً فى جماعة متطرفة تأسست برعاية أريل شارون- أى تحت حماية من قاد مذابح صبرا وشاتيلا، والذى كوفىء على جريمته بتعيينه وزيراً للإسكان، ومكلفاً بتنمية المستوطنات فى الأراضى المحتلة، وهو الأن موضع تبجيل المتطرفين الذين يأتون إلى قبره بالزهور وينحنون لتقبيله، فهو الأمين على تقاليد يشوع الرامية إلى القضاء على كل شعوب كنعان، من أجل الاستيلاء على أراضيهم، كما يزعمون. وهذا التطهير العرقى الذى يمارس بشكل منتظم فى دولة إسرائيل اليوم ينبع من مبدأ النقاء العرقى، الذى يمنع امتزاج الدم اليهودى بأى دم نجس من دماء الآخرين ". "وفى السطور التى تلى أمر الرب بالقضاء على السكان، يوصى الرب موسى (76) وقومه بألا يزوج شعبه من بنات تلك الشعوب (سفر الخروج إصحاح 34/16). وفى سفر تثنية الاشتراع: فإن الشعب المختار (إصحاح 7، 6) لاينبغ له الاختلاط بالآخرين: "(ولا تصاهرهم ابنتك، ولا تعطيها لابنه وابنته لا تأخذها لابنك " (إصحاح 7/3)، وظل هذا الانفصال عن الآخـر هو القانون. ففى كـتابه "التلمود" (77) كتب الحـاخام كوهين يقول! "يمكن توزيع جميع سكان المعمورة بين إسرائيل والشعوب الأخرى جمعاء، فإسرائيل هو الشعب المختار". "وهذه العنصرية، نموذج كل أنواع العنصرية الأخرى، هى أيديولوجية تستخدم لتبرير هيمنة الشعوب المختلفة . وأدت الحرفية إلى التمادى فى المجـازر التى قام بها يشوع: "إن مستوطنى أمريكا من البروتستنت الأطهار، كـانوا فى سبيل الاستيلاء على أراضى الهنود ومطاردتهم، وهم يتذرعون بيشوع "وعمليات الإبادة المقدسة" للعمالقة والفلسطينيين. "وفى 10 نوفمبر 1975 وفى جلسة عامة، اعتبرت منظمة الأمم المتحدة أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصرى. ولكن ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتى، وضعت الولايات المتحدة يدها على الأمم المتحدة، وحصلت فى 16 ديسمبر 1991 على قرار بإلغاء القرار العادل الصادر فى سنة 1975 مع أن الحـقائق تثبت أن لا شىء قد تغير منذ 1975، فقد اتخذ بالأحرى قمع الشعب الفلسطينى واستعماره وإبادته الجماعية البطيئة، أبعاداً أوسع لم يسبق لها مثيل " (78). انتهى كلام جالودى . الفصل الثالث ((المفكر الفرنسى جارودى يعرض الإستراتيجية الإسرائيلية فى الثمانينات والتسعينات من خلال: تقرير صادر عن المنظمة الصهيونية العالمية)) التقرير يكشف الأساليب التى تنوى إسرائيل اتباعها، من أجل التدخل المنظم ضد أنظمة الحكم فى جميع البلدان العربية، بغية تفتيتها، وذلك بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية. التقرير يذكر أن حلم إسرائيل الكبرى يستلزم: استعادة سيناء بثرواتها، وأنه من السهل أن يتم ذلك فى 24 ساعة، وأن أسطورة مصر زعيمة العالم العربى قد ماتت. التقرير يكشف هدف الصهاينة وهو: تقسيم مصر (*) والسودان وليبيا والسعودية وبقية العالم العربي إلى أقاليم جغرإفية متباينة. المفكو الفرنسى يؤكد أن التعاون وثيق يين الجيش الإسرائيلى والجيش الأمريكى، وأن أمريكا تدعم الاستراتيجية الإسرائيلية. لقد نشرت مجلة "كيفونيم الإسرائيلية" مقالاً " للمنظمة الصهيونية العالمية بالقدس " (79) تحت عنوان "الخطط الاستراتيجية لإسرائيل فى الثمانينات " جاء فيه عرض لاستراتيجـية إسرائيل فى الثمـانينات والتسعينات ويعلق جـارودى علي هذا التقوير بقوله: "وفى هذا النص كشف واضح للأساليب التى تنوى إسرائيل اتباعها، من أجل التدخل المنظم والعام ضد أنظمة الحكم فى جميع البلدان العربية، بغية تفتيتها، مما يتجاوز نطاق كل الاعتداءات السابقة. ومما ورد فى التقرير يتضح أن هذا المشروع الصهيونى لا يتعلق فقط بجزء محدود من العـالم، ولكنه يهدد الشعوب جميعاً، والنص الذى نستشهد به يدل على أن زعماء الصهيونية ينوون تنفيذه، وهذه التطلعات الاستعلائية النابعة من جنون العظمة خطيرة جداً؟ لأنه قد اتضح وثبت حتى الآن أن دولة إسرائيل تنفذ ما سبق أن أعلنت عزمها على السير فيه . وسنعرض فيما يلى فقرات أخرى ذات دلالة هامة وردت فى ذلك المقال الصادر عن المنظعة الصهيونية، والذى يكشف عن آفاق المستقبل بالنسبة للحلم المغرق فى القدم، حلم "إسرائيل الكبرى": ومن هذه الفقرات: " استعادة سيناء بثرواتها هدف ذو أولوية، ولكن اتفاقات كامب ديفيد تحـول الآن بيننا وبين ذلك…لقد حرمنا من البترول وعائداته، واضطررنا للتضحية بأموال كـثيرة فى هذا المجـال، ويتـحـتم علينا الآن استـرجـاع الوضع الذى كـان سائداً فى سيناء قبل زيارة السادات المشؤومة، وقبل الاتفاقية التى وقعت معه فى 1979 ". "الوضع الاقتصادى فى مصر، وطبيعة النظام الموجود بها، وسياستها العربية كل هذا سيؤدى إلى مجـموعة ظروف تدفع بإسرائيل إلى التدخل..، فمصر، بسبب نزاعاتها الداخلية، لم تعد تشكل بالنسبة إلينا مشكلة استراتيجية، ومن السهل أن نجـعلها تعود خلال 24 ساعة إلى الوضع الذى كانت عليه بعد حرب يونيو 1967، " لقد ماتت أسطورة مصر- زعيمة العالم العربى- وفقدت مصر 50% من قدرتها، وسنستطيع بعد أجل قصير أن نستفيد من استرجـاع سيناء، ولكن ذلك لن يغير من ميزان القوى، ومصر كبناء موحد أصبحت جثة هامدة، وبخـاصة إذا أخـذنا فى الاعتبار المجـابهة المتزايدة والمتصاعدة بين المسلمين والمسيحيين بها" "ويجب أن يكون هدفنا هو تقسيمها إلى أقاليم جغرافية متباينة فى التسعينات، على الجـبهة الغربية"، فإذا ما تمت تجزئة مصر، وإذا فقدت سلطتها المركزية، فلن تلبث بلدان مثل: ليبيا والسودان، وبلدان أخرى أن يصيبها التحلل . ويعتبر تشكيل حكومة قبطية فى صعيد مصر، وإقامة كيانات صغيرة إقليمية، هو مفتاح الحل لتطور تاريخى يؤخره حاليا اتفاق السلام، ولكنه تطور آت لا محالة على الأجل الطويل . " ومشكلات الجبهة الشرقية أكثر وأشد تعقيدا من مشلكلات الجبهة الغربية، وهذا على عكس ما يبدو فى الظاهر، وتقسيم لبنان إلى خمسة أقاليم.. يوضح ما سيحدث فى البلدان العربية كلها، وتفتيت العراق وسوريا إلى مناطق تحدد على أساس عنصرى أو دينى ، يجب أن يكون هدفاً ذا أولوية بالنسبة إلينا، على الأجـل الطويل ، وأول خطوة لتحـقيق ذلك هى تدمير القوة العسكرية لتلك الدول العراق (80) وسوريا " . "والتشكيل السكانى لسوريا يعرضها لتمزق قد يؤدى إلى إنشاء دولة شيعية على طول الساحل، ودولة سنية فى منطقة حلب، وأخرى فى دمشق، وإنشاء كيان درزى قد يرغب فى تشكيل دولته الخـاصة به على أرض الجـولان التابعة لنا، تضم الحوران وشمال المملكة الأردنية،.. ومثل هذه الدولة ستكون على المدى الطويل ضماناً للامن والسلام فى المنطقة، وهذا الهدف فى متناولنا فعلاً تحقيقه ". "وأما العراق فهى غنية بالبترول، وفريسة لصراعات داخلية، وسيكون تفككها (80) أهم بالنسبة لنا من تفكيك سوريا؟ لأن العراق يمثل على الأجل القصير أخطر تهديد لإسرائيل ، وقيام حرب سورية عراقية، سيساعد على تحطيم العراق داخليا، قبل أن يصبح قادراً على الانطلاق فى نزاع كبير ضدنا، وكل نزاع داخلى عربى سيكون فى صالحنا، وسيساعد على تفكك العرب... وربما ساعدت الحرب العراقية الإيرانية على ذلك الانحلال والضعف فى صفوف العرب ". "وشبه الجزيرة العربية بأسرها، مهيأة لهذا اللون من التحلل تحت ضغوط داخلية وهذا صحيح بالنسبة للسعودية بصفة خاصة؟ لأن اشتداد الصراعات الداخلية، وسقوط النظام يتمشيان مع منطق التركيبات السياسية الحالية فيها ". "والأردن هدف اسـتراتيـجى فى التـو واللحظة، ولن يشكل أى خطر لنا على الأجل الطويل، بعـد تفككه ونـهاية حكم الملك حـسين، وانتـقـال السلطة إلى أيدى الأغلبـيـة الفلسطينية، وذلك أمر يجب أن يسترعى انتباه السياسة الإسرائيلية، فمعنى هذا التغير هو حل مشكلة الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية العربية الكبيرة... فهجرة هؤلاء شرقاً- إما بالسلم أو بالحرب- وتجميد نموهم الاقتصادى والسكانى، هى الضمانات الأكيدة للتحولات المقبلة، وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا للإسراع بتلك العملية" "وينبغى رفض خطة الحكم الذاتى، وأية خطوة أخرى تتضمن حلاً وسطا أو تعايشا، وتصبح بالتالى عقبة فى سبيل فصل الأمتين " . "ويجب أن يفهم العرب الإسرائيليون- أى الفلسطينيون- أنه لا يمكن أن يكون لهم وطن إلا فى الأردن... ولن يعرفوا الأمن إلا بالاعتراف بالسيادة اليهودية على كل ما يقع بين البحر ونهر الأردن… ولم يعد ممكناً- ونحن على مشارف العهد النووى- أن نرضى بوجود ثلاثة أرباع السكان اليهود مركزين فى ساحل مزدحم بالسكان ازدحـاماً كبيرا.، وتوزيع هؤلاء السكان هو من أول واجباتنا فى سيـاستنا الداخلية. فيـهودا والسامرة والجليل، هى الضمانات الوحيدة لبقائنا على قيد الحياة كأمة، وإذا لم تصبح لنا الأغلبية فى المناطق الجبلية فسيكون مصيرنا كمصير الصليبيين (81) الذين فقدوا هذه البلاد". " وينبـغى أن نعـمل على إعـادة التـوازن إلى المنطقـة فى المسـتـويات السكانيـة والاستراتيجية والاقتصادية، وأن يكون ذلك على رأس ما نصبو إليه. ويتضمن هذا الأمر الإشراف على الموارد المائية بالمنطقة، من بئر سبع إلى الجليل العليا، وهى منطقة خـالية من اليهود تقريباً اليوم ". "وما تنوى السياسة العنصرية الاستعمارية الصهيونية عمله، بعد طرد العرب الفلسطينيين واغتصاب أراضيهم، واتباع سياسة القمع معهم، وبعد سلسلة من الحروب العدوانية فى الشرق الأدنى، هو أن تحطم كل الدول العربية، مما يشكل خطراً على سلام العالم ". وقد يبدو عجيبا أن يستطيع بلد ضيق المساحة، قليل السكان، أن يلعب مثل هذا الدور فى السياسة العالمية. ولكى نفـهم الأمر لا يكفى أن نذكر موقع إسرائيل الاستراتيجـى، رغم أهميته عند ملتقى القارات الثلاث، وقد أصاب "حـاييم وايزمان " حـينما لوح لمحـادثيه البريطانيين بأن "فلسطين اليهودية ستكون ضماناً لبريطانيا، وبخاصة فيما يتعلق بقناة السويس ". وإذا كان الوضع قد تغير الآن فلم تعد إسرائيل تعمل لحساب بريطانيا، فإنها بعد تغير السيطرات فى العالم، أصبحت تعمل لحساب الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح دور إسرائيل كـشرطى فى الشرق الأوسط أشد إلحـاحـاً بـالنسبة للولايات المتحـدة منذ سقوط الشاه، وزوال قواعدها فى إيران. يمكن إذن لإسرائيل وحـدها أن تشرف لا على قناة السويس فحسب، ولكن على المنطقة البترولية، وأن تقدم قواعد فى منطقة البحـر المتوسط الشرقى، ولم تعد الولايات المتحدة قادرة على أن تؤدى هذا الدور بنفسها؟ لأن تجربة فيتنام قد تركت أثرها فى أمريكا، فيما يتعلق بالتدخل المباشر فى دول العالم الثالث "فهى إذن تقوم بمهامها عن طريق وسيط هو إسرائيل، وتقدم لها عوناً غير مشروط وغير محدود، وأصبح الوضع بالنسبة لها أيسر وأفضل، ومن الممكن أن توافق أمريكا من وقت إلى آخر على إدانة شفهية لإسرائيل، ولكنها تحميها بواسطة حق الاعتراض- الفيتو- من كل عقوبة حـقيقية قد تعوق عملها، كـما أنها تقدم لها كل ما يلزمها من مال وسلاح، لمساعدتها على القيام بهذه المهام الحيوية، والحفاظ على مركز الولايات المتحدة فى التوازن العالمى". ومما يسترعى النظر حقا أن الولايات المتحدة تقدم لإسرائيل أحدث الأسلحـة. وقد جاء فى جريدة " انترناشيونال هرالدتربيون "، عدد 22 يوليو 1982،، أن الحكومة الإسرا ئيلية أنفقت خلال ذلك العام خـمسة مليار دولار ونصف على التسلح، وثلث هذا المبلغ تدفعه الخزانة الأمريكية" "وكل التجهيزات الحربية تقريبا فى الجيش الإسرائيلى قد تم الحصول عليها، بموجب برنامج المساعدة العسكرية الأمريكية للخارج، وحصلت إسرائيل وحدها على 15 مليار من 28 مليار دولار وزعت على العالم بأسره منذ 1951"، "ومن بين الى 567 طائرة التى كانت لدى إسرائيل عشية الغزوة اللبنانية، كان منها 457 طائرة اشتريت من الولايات المتحـدة بقروض مقدمة من واشنطن ، ولم يحـدث أى تأجيل فـى تسليم السلاح الأمريكى إلى إسرائيل، باستثناء القنابل الانشطارية، وقد أصبح الإسرائيليـون اليوم قادرين على صنعـها، ووفقا لما تقوله وزارة الدفاع بأمريكا، بل وأقوال الإسرائيليين أنفسهم، فإن الخـمس عشرة طائرة إف 15، ستسلم فى مواعيدها، وكذلك الصواريخ الموجهة عن بعد، والشاحنات، ب والعربات المصفحة الأخرى". "والتعاون الوثيق بين الجـيشين الأمريكى والإسرائيلى، وبين صناعة السـلاح فى البلدين، يجـعل أى مشروع لاتخـاذ عقوبات ضد إسرائيل أمراً غيـر مرغوب، وتصل للبنتاجون معلومات مفصلة من إسرائيل " بشأن أنواع الأداء لمختلف أنواع الأسلحة، والتى لم تستخدم بعد- فى بعض الأحيان- فى الجيش الأمريكـى ذاته، وسيحدث نفس الشىء بالنسبة لطائرة الاستطلاع "عين الصقر" التى استخـدمت فعلاً لرصد أهداف بعيدة بسوريا، فى المرحلة الأولى من حرب لبنان "،،" وهكذا يستطيع الجـيش الأمريكـى تجـربة أسلحته المتقدمة، تجربة حقيقية فى جيش إسرائيلى أكثر فعالية بكثير من أى قوة أمريكية ترسل لمثل تلك الأغراض ...". ((دور جنوب إفريقيا فى التحالف الصهيونى)): وقد عالج جـارودى هذا بقوله: "ومن الناحية الجـغرافية- السياسية كما كـان يقول الهتلريون- تستطيع جنوب إفريقيا وحدها وهى المشرفة على الطريق الآخر نحو آسيا- رأس الرجـاء- وتمارس ضغطاً على إفريقيا، أن تؤدى خـدمات مماثلة للولايات المتحـدة الأمريكية، ولو أن تلك الخدمات أقل جداً من خدمات إسرائيل ... ". "وهذا التكامل بين إسرائيل وجنوب إفريقـيـا، بالإضـافـة إلى القرابة بين نظامين عنصريين، وإلى تماثل فـى أوضاع البلدين- فكل منهم فـى صراع مع الشعوب المحلية: جنوب إفريقيا ضد العالم الأسود، وإسرائيل ضد العالم العربى- يؤدى إلى تضامن وثيق بين البلدين ". " وفى عام 1967 ، حددت مجلة الشؤون اليهودية" ذلك التكامل الاستراتيجى، فقالت: تعتبر جنوب إفريقيا أن الشرق الأوسط- حيث تقوم إسرائيل بمهمة حارس بسيط، ولكن لا يمكن أن يوجد له بديل- هو الخط الأمامى لدفاعها، وبعبارة أخرى: تحمى إسرائيل وستحمى أطول وقت ممكن مدخل الممر الذى قد يصبح أكبر طريق يعبره المعتدون... ومستقبل الممر بين البحر المتوسط والمحيط الهندى أمر بالغ الأهمية لإسرائيل، وكذلك بالنسبة لجنوب إفريقيا، ولطريق رأس الرجاء الصالح نفس الأهمية، ولو وقعت هذه المنطقة فى أيد معادية، فسيصبح الطريق البحرى لرأس الرجاء فى خطر، وتصبح مشاكل الأمن بالنسبة لجنوب إفريقيا عسيرة جداً. وبالنسبة لإسرائيل يعتبر وجود دولة- فى أقصى الطرف الجنوبى لإفريقيا- يقظة وقوية اقتصادياً عاملاً أساسياً لاستراتيجية فعالة تؤمن خطوطها الخلفية ". وهذه العلاقة الوثيقة بين جنوب إفريقيا واسرائيل لا تظهر فقط فى زيارات هامة مثل رحلة "فورستر" إلى إسرائيل فى 1976 ، ولكنها تظهر أيضاً فى التعـاون الوثيق فى المجالات العسكرية والتجارية والثقافية. ومما هو جدير بالذكر بمناسبة زيارة رئيس الوزراء "فورستر" لإسرائيل، فإن هذا الرجل كان برتبة جنرال أثناء الحرب فى منظمة مناصرة للنازى- تدعى أوساوا براندواج- وقد كتبت الصحيفة الإسرائيلية "ها آرتس " فى عدد 26 أبريل 1976 بمناسبة تلك الزيارة، فقالت: "لقد كنا دائماً ننقب فى ماضى أفراد أقل أهمية من "فورستر"، لنعلم ماذا كان تصرفهم أثناء الحرب العالمية الثانية، فكيف نغض الطرف الأن عن ماضى"فورستر"؟ هل لأن المصلحة القومية لإسرائيل أهم من ذكرى ستة ملايين (*) من ضحايا المذبحة النازية؟ ". "ومنذ المباحثات الأولى 1975 بين "شيمون بيريز" و بوتا" وزير دفاع جنوب إفريقيا، ازدادت العلاقات بين البلدين توثيقاً. وتتخذ الشركات التابعة لجنوب إفريقيا من إسرائيل سبيلاً للتخلص من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من بقية العالم، ويتيح الاتفاق- المبرم بين السوق المشتركة واسرائيل- لجنوب إفريقيا أن تدخل منتجاتها لبلدان السوق المشتركة عن طريق إسرائيل... ". "ولكن بالإضافة إلى كل العلاقات بين البلدين، تعتبر العلاقات العسكرية بينهما أساس الصداقة بين البلدين " (82). "وتعانى جنوب إفريقيا- بسبب الحظر على الأسلحة- من الحـصول على أسلحـة حديثة، واسرائيل من البلدان القليلة التى تمدها بذلك النوع من السلاح، كما أنها تفيدها بتجاربها التى اكتسبتها من حربها ضد العرب (83)... وفى السنوات الأخيرة ازداد التشابه بين البلدين، والتماثل فى كثير من الأمور حتى قيل: إن النظامين متشابهان تماماً ". "وقد أرسل رئيس المؤتمر اليهودى خطاباً إلى أمين عام الأمم المتحدة فى 1976، قال فيه: إنه لاحظ- مع الأسف- أن إسرائيل مدرجة بين البلدان التى تقدم السـلاح إلى جنوب إفريقيا" (84). و العملة الصعبة" المتوفرة لدى جنوب إفريقيا هو عنصر الأورانيوم، وهو مطمع ترنو إليه إسرائيل، وقد كان لديها فى نوفمبر 1976 ترسانة ذرية تحوى من 13 إلى 20 قنبلة من طراز قنبلة هيروشيما " (85). ولقد شدد شلومو أهارونسون على "ضرورة إعادة النظر فى الوضع الاستراتيجى- السياسى الإسرائيلى" (86)، وأضاف قائلاً: "السلاح الذرى الذى هو أحـد الوسائل التى يمكن أن تقلب آمال العرب " من نصر نهائى على إسرائيل..، فوجود عدد كاف من القنابل الذرية يمكن أن يسبب خسائر فادحة فى كل العواصم العربية، وأن يدمر خزان أسوان "…ولو أن لدينا عددا أكبر من القنابل الذرية لاستطعنا أن نصيب المدن العربية المتوسطة والمنشأت البترولية… وفى العالم العربى حوالى مائة هدف، لو دمرت لفقد العرب كل المزايا التى جنوها من حرب الغفران (87)…". جارودى يتساءل ويجيب "كيف استطاعت دولة إسرائيل الصهيونية أن تحصل على مثل هذه الأهمية فى الإستراتيجية الكلية للدول الكبرى، بحيث تستطيع اليوم أن تعرض السلام العالمى للخطر؟ " سبق أن قال هرتزل فى كتابه "الدولة اليهودية" ما يلى: "إننا هنا فى فلسطين ونعتبر بالنسبة إلى أوربا الحارس ضد البربرية"، ولكن منذ ذلك الحين تغير الوضع، ولم تعد دولة إسرائيل ****ة الاستعمار الغربى فحسب، ولكنها صارت بالنسبة للولايات المتحدة بصفة خاصة سلاحاً قويا تستخدمه على الصعيد العالمى". "ويعرف الزعماء الصهيونيون كيف يستفيدون بكل مهارة من هذا الوضع، وفى المقال الذى نشرته مجلة "كيفونيم "، وسبقت الإشارة إليه، يستخـدم الزعماء الصهيونيون الموضوعات الكبرى "فى الحرب الباردة: كمحاولة الاتحاد السوفيتى تحقيق أحد أهدافه الكبرى بهزيمة الغرب، عن طريق الاستيلاء على الموارد الضخمة فى الخليج الفارسى، وفى جنوب إفريقيا، حيث تتركز أغلب الموارد المعدنية العالمية ". "وهذا الاستغلال للعداء للشيوعية فى مستوى رجل مثل "مناحم بيجن " هو من الأشياء المميزة للصهيونية السياسية. وهى تستطيع- دون أن تغير جوهرها- التعبير بطريقة أدق من خـلال رجل مثل "شيمون بيريز" الذى يقدم السم فى الدسم. وإحـلال " بيريز" محل "بيجن " هو أمل من امال "ريجان "، الذى ينوى متابعة نفس السياسة، ولكن فى صورة أقل بشاعة ". "لم تجـد وقاحـات "بيجن " وغطرسته شيئا، فاعتماد إسرائيل على الولايات المتحـدة اعتماد تام فى النواحـى المالية والعسكرية". "بعد إعلان إسرائيل ضمها للجولان رداً على بعض مآخذ شفهية لحكومة "ريجـان "، أرسل "بيجن " إلى سفير الولايات المتحدة مذكرة جـاء فيها:، (مرة أخرى تعلنون عن نيتكم فى معاقبة إسرائيل... فما معنى هذه العبارة، هل إسرائيل بلد تابع لأمريكا؟ هل نحن من جمهوريات البلدان منتجة الموز؟ ". "وليس لهذه الوقـاحـة من جـانب " بيجن " أى خطر على إسـرائيل؟ لأن السيـاسة الصهيونية الإسرائيلية مطابقة تماماً لأهداف الولايات المتحدة العالمية، ولها دور فيها لا يمكن لغيرها أن يؤديه؟ بحيث إن إسرائيل صكلى ثقة لن يصيبها أذى، ولهذا فهى تقول ما تشاء، ومالية إسرائيل تكشف لنا عن طبيعة هذه الدولة ". "وإذا أخذنا فى الحسبان المعونة الأمريكية وحدها، نجد أنه فى الفترة من 1945 إلى 1967 أعطت الولايات المتحدة لكل إسرا ئيلى 435 دولاراً، ولكل عربى 36 دولاراً… وأهم مـا فى هذه المعونة السنوية هو كـمـيـات الأسلحـة المقدمة إلى إسـرائيل، والتى أراد الكونجرس أن يخفى ضخامتها، وأن يتجنب نقد الجماهير لها، فقرر أسلوب تمويل خاص بها، كما ورد فى "قرار الإشراف على تصدير السلاح، عام 1976 ". "وهكذا تم فى عام 1980 المالى، بيع أسلحـة لإسرائيل تقدر ثمنها بمليار دولار، وفور تسليم الصفقة تقرر حذف 500 مليون دولار، وأضيف الـ 500 مليون دولار الأخـرى إلى دين إسرائيل لحكومة أمريكا،.، وهذا الدين يتمتع بفترات سماح تمتد إلى أكثر من 10 سنوات. وأكثر من هذا، فإنه نظراً للوضع الاقتصادى المتدهور دائماً فى إسرائيل منذ 1973، فإن هذه التسديدات لا تتم، لأنها تعوض فوراً بمعونة سنوية جديدة مضافة من جانب الولايات المتحدة (88). "وحتى قبيل العدوان الإسرائيلى فى عام 1956، كان السلاح المقدم من أمريكا يمثل كمية ضخمة، ولقد كتب الصهيونى "ميشيل بار زوهار": "ابتداء من شهر يونيو، بدأت تنهال على إسرائيل كميات ضمخمة من الأسلحة بموجب اتفاق سرى جداً، وهذه الكميات لن تعرف فى واشنطن ولا فى الهيئة الإنجليزية الفرنسية المكلفة برقابة تعادل القوى فى الشرق الأوسط ، لن تعرفها كذلك الخارجية الفرنسية التى تعارض التقارب مع إسرائيل، لأنه قد يعرض للخطرما بقى من علاقات بين فرنسا وعملائها العرب " (89). "وتزداد هذه المعونة بسبب العقود من الباطن، وبخاصة فى مجال الطيران- على سبيل المثال، تحصل مؤسسة صناعة الطيران فى إسرائيل على عقود لصناعة أجزاء من طائرات إف-4 إف- 15 " . "وأخيراً تشمل المعونة الاقتصادية تيسيرات تمنح للصادرات الإسرائيلية للولايات المتحدة الأمريكية وتتمتع بالأفضلية الجمركية التى تمنح للبلدان النامية، مما يتيح لإسرائيل أن تحصل على إعفاءات جمركية تصل 96% من صادراتها إلى أمريكا، وهكذا تتلاشى كثير من الأساطير، وأولها وأخطرها أسطورة إسرائيل الصغيرة الضعيفة، إسرائيل التى تتعرض بصفة مستمرة إلى خطر عارم، من جانب الدول العربية، إسرائيل التى فرض عليها القتال، من أجل بقائها على قيد الحياة "على حين أنها تملك- بفضل الولايات المتحدة- إمكانات تعطيها القدرة على أن تبلغ خلال 48 ساعة دمشق، أو بغداد، أو عمان، أو القاهرة كما بلغت بيروت. تلك أسطورة إسرائيل المعرضة للخطر والتدمير، بينما هى مصدر الخطر الدائم على جميع جيرانها". "الدولة الصهيونية بإسرائيل، تجثم بكل الثقل الأمريكى على صدر منطقة الشرق الأوسط، التى تتلاقى فيها القارات الثلاث ". ا. هـ. تعليق: يمكن أن نقول اليوم (أكتوبر 1998) وقطعت جهيزة قول كل خطيب فهل أفقنا؟ هل وعينا؟ أم على قلوب أقفالها؟ - الفصل الثالث أسطورة الملايين الستة "الهولوكوست" تحت عنوان: "أسطورة الملايين الستة (الهولوكوست) "، كتب جارودى: "إن الهدف من هذه الأسطورة التبرير الأيدولوجـى لإنشاء دولة إسرائيل (90)، وقد علق على ذلك الناشر حمدان جعفر- رحمه الله- فى كتاب "الأساطير" الطبعة الثانية، فقال: "يذكر المفكر الفرنسى روجيه جـارودى فى كتابه "ماركسية القرن العشرين " أن الأساطير نوعان: أساطير مغلقة، وأخرى مفتوحـة، وهذه الأخـيرة وحدها هى الأساطير الحقيقية.. فهل كـان جـارودى يتنبـأ بأنه سوف يأتى يوم يتناول فيه أشـد الأساطيـر انغلاقا، وهى المتعلقة بأسطورة الصهيونية، وأسطورة إنشاء دولة إسرائيل، وأسطورة تعرض اليهود للاضطهاد من قبل ألمانيا النازية؟ وهل كان يتنبأ أن تجنى عليه الأسطورة الإسرائيلية المغلقة، وهو يتناول هـذا الموضوع الشائك فى كتابه الحالى "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية؟ ". يُعرف جـارودى الأسطورة بمعناها الحقيقى بأنها دعوة لكى نتجاوز حدودنا. ويبدو أنه عندما تناول أشد الأساطير انغلاقا بالنسبة للزعم القائل: إن ألمانيا فى عهد هتلر قد أبادت وأحرقت ستة ملايين يهودى قد فتح عليه نار الجحيم، ففى فرنسا وعاصمتها باريس مدينة النور يوجد قانون يعرف باسم قانون (جـيشو) صادر عام 1990، وهو يقضى بالسجن على كل من يشكـك فى رقم الستـة مـلايين يهودى الذين يقـال: إن هتلر وأعوانه قـد أبادهم. لقد اتهمه اللوبـى اليهودى فى فرنسا بأنه معاد للسامية، وتطرفوا فى هذا الصدد حتى إنه لم يتمكن من طبع كتابه إلا على نفقته الخـاصة، وهو الذى كانت كبريات دور النشر الفرنسية تتسابق على نشر مؤلفاته، وجارودى فى كتابه الحالى يعد التطرف المرض الفتاك للإنسانية فى نهاية القرن العشرين." "والنقطة الشائكة فى كتابه، هى تشكيكه فى أن هتلر أباد بالفعل ستة ملايين يهودى، واللوبى الصهيونى يرفض التشكيك فى هذا، حتى يضمن للصهيونية أن تدعو لإنشاء دولة إسرائيل، وتحل الأسطورة السياسية العرقية محل الأسطورة الدينية. وهو يرسم مقارنة بين تضخيم اليهود لرقم إبادتهم فى الحرب العالمية الثانية وبين الإبادات الفعلية لغيرهم من الأجناس، ويقول: إذا كان الصهاينة بتضخيم الرقم يصفون هذه الإبادة بأنها أكبر عملية إبادة جماعية، فقد نسى هؤلاء أن هناك ستين مليون هندى أمريكى تعرضوا للإبادة، وأكثر من مائة مليون من السود الأفارقة تعرضوا للقتل من جزاء تجـارة الرق، كما أن هناك 17 مليون من السلاف قتلوا فى الحرب العالمية الثانية، وأوضح جارودى هدفه من كتابه بأنه يريد فضح هذه الخدعة الأيديولوجية التى تم تخليقها للتمويه، وأن اللوبى الصهيونى هو الذى صنع هذه الأسطورة المزيفة، خـاصة أن معسكرات الاعتقال النازية كانت تضم بجانب اليهود البولنديين والسوفيت، وأن الوفيات التى حدثت فمن جرّاء سوء التغذية. " ويقول جارودى: ((إنه لا توجد وثائق يقينية بانه تمت إبادة ستة ملايين يهودى فى معسكرات الإبادة والاعتقال أيام حكم النازيين فى ألمانيا.)) والمؤلف يسأل الصهاينة فى كتابه: "هل تعلمت إسرائيل من المحارق النازية ما كان يجب أن تتعلمه؟ ويرد "جارودى" بقوله: " إن إسرائيل لم تتعلم إلا شهوة الانتقام وإعادة إنتاج الآلام وحرق بيوت الأطفال والشيوخ فى البلاد العربية". ويتسأل المؤلف: "من أين جـاء رقم الستة ملايين يهودى" الذين يقال: إنه قد تم حرقهم؟ " ويجيب بتساؤل آخر: "كيف يمكن أن نؤكد أن الذين ألقى بهم هتلر فى الأفران هم يهود فقط ؟ أو هم من جميع الشعوب؟ بل هل يوجد أحد يستطيع أن يؤكد أن الذين ألقى بهم هتلر فى المحرقة كانوا أحياء أو موتى ؟ " ويفضح "جارودى" هذه الأسطورة العنصرية، "التى يروج لها الصهاينة، لتبرير إقامة وطن لليهود فى فلسطين على حـساب الشعب الفلسطينى، وهو يستند إلى شـهادات. أشخـاص لا يمكن الشك فيهم. فالمخرج سبيلبرج الذى أنتج فيلم "قائمة شيندلر" عن المحارق ضد اليهود، أعلنت زوجته "إميلى" أن زوجها لم يكن بطلاً قد ساعد عدداً من اليهود للفرار من معسكرات الإبادة، وقالت: إن زوجها كان يتاجر باليهود مقابل وعدهم بالتهريب من ألمانيا، وكان يتركهم جوعى يعانون من البرد فى المرافىء وبهذا كان زوجها تاجر شنطة يستفيد من هذه التجارة الآدمية. " بل لقد أبرز "جارودى" "التواطؤ بين اليهود والنازية" ويستند جـارودى إلى ما كتبه "توم سيجيف " فى كتابه "المليون السابع " عندما قال: "لم يكن إنقاذ حياة يهود أوربا على رأس أولويات طبقة زعماء الحركة الصهيونية، فالأهمية الكبرى كانت العمل على تأسيس دولة". ويوضح "جـارودى" كيف التقى هذا الهدف العنصرى مع الفكر العنصرى النازى، الذى يقوم على أساس نقاء الدم " وكان الهدف هو النقل الجماعى لليهود إلى فلسطين لإنشاء دولة إسرائيل. ويوضح" جارودى" كيف تتم عملية التزييف للوثائق ، فقد استندت محكمة "نورمبرج" التى انشئت لمحـاكمة مجرمى الحرب من النازيين، على شهادة على شكل تقرير كتبته فتاة يهودية كانت من ضمن المعتقلات فى المعسكرات الألمانية، وأصدرت كتاباً بعنوان: "يوميات آن فرانك "، وتحدثت فيه عن غرف الغاز لحرق اليهود . ويقول "جـارودى": إن مخطوطة الكتاب قد كتبت بقلم "جاف "وهو قلم لم يكن معروفاً قبل عام 1951، فى حـين أن هذه الفتاة "آن فرانك " قد ماتت عام 1945". ويشكك "جارودى" فى معنى تعبير- "الحل النهائى- اليهود فى ألمانيا "، "فالمؤرخون المغرضون فسروا التعبير على أن المقصود به إبادة اليهود وحرقهم، فالحل النهائى قد يعنى ترحيل اليـهود لا حرق اليهود. " ويؤكـد "جارودى"، أنه لم يجد أبداً تعبير الحل النهائى للمسألة اليهودية فى أى مستند رسمى وقعه هتلر، وأضاف موضحاً أن هذا التعبير هو اختراع جـديد أضيف وألصق بالنازية لتبرير النزعة الصهيونية الداعية لإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين. " هذا هو جارودى: إنه دون "كيشوت" جديد فى القرن العشرين يحـارب طواحين الهواء والأشباح والخـرافات والأساطير العنصرية الضيقة الأفق، لكى تتأسس دولة إسرا ئيل على حساب الحق العربى، فهذه الأسطورة تستند إلى قول قديم: إن الله قد وعد اليهود بالأرض الموعودة، ويسخر "جارودى" من هذه الدعوة التى تصور الله وكـأنه قد منحـهم عقداً موقعاً بالملكية ". "ومن هنا جـاءت الحملة من اللوبى الصهيونى ضد جـارودى، لآنه تجـرأ أو مد يده فى عش الزنابير. وقد تعرض للهجوم مع جـارودى الأب " بيار"، وهو من كبار رجـالات الدين المسيحـى الذى كل جريمته أنه طالب بمناقشة المؤرخين ". "فماذا يفعل جارودى إزاء هذه الحملة الشعواء ضده حتى فى مدينة النور باريس؟ إنه لم يملك إلا الصمت، فهو يدرك أن الصهيونية تستريح للأكذوبة التى روجتها عن المحـارق النازية، حتى تروج لبضاعتها بإنشاء دولة إسرائيل، وهى دولة يقول عنها "جارودى": إنها بعد أكـثر من مرور خـمسة وأربعين عاماً لا تزال دولة بلا دستور، بلا حدود ثابتة، وبلا تسمية محددة، وهى تتأرجح فى تسمية نفسها ما بين دولة إسرائيل وكيان إسرائيل ودولة المعاد. فهل الحملة على جارودى بهذه الضراوة لأنه فضح الأساطير العنصرية الإسرائيلية فقط؟ أم يضاف إلى هذا أنه مفكر أشهر إسلامه، وجـاء فضحه للوبى العنصرى دعامة للعرب؟ لقد جمع جارودى بين منظورين: المنظور الإسلامى الذى ينادى بالحق وبالحقيقة، والمنظور العلمى الذى ينادى بصدق ويقينية الوثائق التاريخية، حتى لا نحيا وسط أساطير هى من عمل صناع الأساطير السياسية بهدف عنصرى". الفصل الرابع من خلال كتاب ((صفحات من أوراقه الخا صة)) الفصل الرابع قرأة فى فكر د. جمال حمدان من خلال كتاب جمال حمدان صفحات من أوراقه الخا صة إعداد وتقديم: د. عبد الحميد صالح حمدان الناشر: دار الغد العربى- القاهرة 1996 ، * ويقع هذا الكتاب فى 182 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوى على خمسة فصول . * وجـمال حـمدان لم يكن عالماً (91) فى الجـغرافيا فحسب، ولكنه كـان عبقرياً فذاً... وعاشقا لمصر كأعظم ما يكون الحب. فى الفصل الأول من الكتاب ذكر الكاتب جملة حقائق (92): 1- الأ ضرار الش حدثت لمصر نتيجة بناء السد العالى والخطر الصهيونى: أ- أصبحت أرض مصر معرضة للتآكل الجـغرافى لأول مرة فى التاريـخ كله، وإلى الأبد، إذ تحولت من عالم متناه بالطبع والطبيعة الجغرافية، إلى عالم متآكل بفعل الإنسان، فأولاً السد العالى أوقف نمو أرض مصر أفقياً ورأسياً … وعرضها للتآكل البحـرى والصحراوى. ب- أصبحت أرض مصر "أرضاً مغلقة" بيولوجيا بلا صرف بلا مصرف، وبالتالى لا تتجدد مياهها وتربتها، كما لم يعد تجدد أرضها وترابها، من ثم أصبحت بيئة تلوث نموذجية، وبقدر ما هى بللورة مركزة طبيعياً، ستصبح بللورة تلوث مكثفة حتى الموت البيلوجـى. جـ- لأول مرة ظهر لمصر منافسون ومطالبون ومدعون هيدرولوجيا، كانت مصر سيدة النيل- بل- مالكة النيل الوحـيـدة- الآن فقط انتـهى هذا إلى الأبد، وأصبحت شريكة محسودة ومحاسبة ورصيدها المائى محدود، وثابت وغير قابل للزيادة، إن لم يكن للنقص، والمستقبل أسود ولّت أيام الغرق، وبدأت أيام الشرق وعرفت الجفاف، "الجفاف المستديم " بعد " الرى المستديم ". د- فى الوقت نفسه بلغ عدد سكان مصر الذروة، غير المتصورة قط، بينما القاعدة الأرضية والمائية فى انكماش أو انقراض . هـ- مع كل هذه الانكماشات والانزلاقات الداخلية والذاتية، أتت الكوارث الخارجية لا فرادى، ولا بالمثنى، ولكن بالجمع والجملة: * إسرائيل. * بترول العرب. * الانقلاب الكونى العالمى فى الحضارة والتكنولوجيا، والهيمنة الأمريكية، وسقوط السوفييت... إلخ، هذا وحده عصف بكل ما تبقى من مكانة مصر، بعد أن تآكل المكان من العوامل الداخلية : المتغيرات الداخلية تخرب المكان. المتغيرات الخارجية تخرب المكان . مصر تختلف عن كل بلاد العالم من حيت مشكلة تلوث البيئة، فهى أول بيئة زراعية فى التاريخ غالباً، وهى الآن بيئة مرشحة للانقراض والاختفاء فى التاريخ أيضاً. الآن تتعرض لاكبر عملية تلويث كيماوياً + تآكل ميكانيكيا، بحيث قد يأتى اليوم الذى تصبح فيه بيئة غير صالحـة بتاتا لاستمرار حياة الإنسان، وعندئذ ينقرض السكان والإنسان بعد انقراض الأرض والبيئة ! 2-الحضارة الإسلامية هى حضارة الأقباط أيضا (93): يقول بعض الأقباط: إننا شركاء حضارة واحدة هـى الإسلام، وإننا نختلف ديناً، ولكن نشترك فى الحضارة وحضارة القبطى هى الحضارة الإسلامية. حسناً، ما المقصود بالحضارة الإسلامية؟ إذا كان الماضى، فذلك صحيح، أى إننا شركاء فى التراث، ولكن إذا كان المقصود الآن والعصر الحديث فأين هـى الحضارة الإسلامية؟ إن كل حياتنا المادية هى الحضارة الغربية 100% هل مجرد المساجد والجوامع تجعلنا حضارة إسلامية؟ كـلا، إن الموجـود الآن ليس حـضارة إسلامية، ولكن ثقافة إسلامية، وجزئية عند ذلك هى اللغة طبعاً والدين+ التلمذة الثقافية للغرب . إذن نحن والأقباط شركاء- بعد الوطن والتاريخ والحضارة الإسلامية قديماً شركـاء الآن فى الثقافة نصف الغربية الإسلامية، إنهم أقرب المسيحيين فى العالم إلى الإسلام بمعنى ما أو آخر. وفى هذا تفرد الأقلية القبطية لتضاف الى عناصر تفرد مصر بعامة. وكما أن مصر "فلتة" جغرافية، فإن الأقباط "فلتة" طائفية (94). 3-أنقذوا مصر من القاهرة، والقاهرة من نفسها: كل طوبة توضع فى القاهرة، هى جريمة فى حق مصر كلها، وأولها القاهرة نفسها، كل كوبرى يبنى داخـل القاهرة، هو كـبرى مسروق من مدينة أو قناة أو منطقة أخـرى فى مصر" مصر القوة والجمال- هذا ما نريد- القوة هى التحـرر الوطنى والسيادة الوطنية والعزة القومية، ونفى التبعية للاستعمار والصهيونية وإسرائيل: أما الجمال فهو عزة الإنسان المصرى فى دولته القوية: العدالة، المساواة، إعادة توزيع الملكية والدخل ". وقد عرف جمال حمدان (95) المثقف الحق أو الجغرافى الكامل (ص 58): "هو الإنسان الذى يتجاوز دائرة ذاته، ليصل إلى المجتمع الأكبر كله، هو الإنسان القادر على أن يجعل مشاكل الآخرين هموماً شخصية له. هو ضمير عصره سابق لعصره فى إدراك الخطر المستقبلى والحلم بالمستقبل، هو برج مراقبة للعالم من حوله، يرصد، ويحلل، يتوقع ويتنبأ، يحذر ويخطط لا يضيع فى التفاصيل، وإن تابعها بكل تفصيل، يحول الشجار إلى نهاية، والتكتيك إلى الاستراتيجية، إنه مفكر استراتيجى، كلى شمولى نبؤى... إلخ. حسناً، إذا كان هذا هو تعريف المثقف الشائع والأثر شيوعاً وقبولاً، فإن لم يكن هو تعريف الجغرافى فماذا يكون؟ إن المثقف الجغرافى هو سيد المثقفين. (ص 59). 4- الحذر من فكرة العالمية: نعم، العالم يصبح قرية كبيرة أو صغيرة- ولكن حذار من هيستيريا العالمية (لعبة أمريكا والغرب ضد الآخرين خصوصاً نحن)- المهم فى الجغرافيا: لن يصبح العالم " كذلك "إقليمياً " جغرافياً واحدا قط، ستظل الجغرافيا هى الجغرافيا، والعالم هو العالم- وماعدا ذلك فسفسطة وفلسفة مفلسة. 3- لا ثقافة بلا جغرافيا (ص 64): لا سياسة بلا جغرافيا، لا تاريخ بلا جغرافيا؟ لا عمران بلا جغرفيا؟ لا اقتصاد بلا جغرافيا، الجغرافيا والحياة؟ جغرافية الحياة، الجغرافية الحية. 6- أهمية الجغرافيا للتاريخ (ص 67): لا يتحول التاريخ إلى علم، إلا بتخصيبه بالجغرافيا، وبغير ذلك يظل كائناً عقيماً. وفى الفصل الثالث تحدث الكاتب عن العرب والعالم العربى: 1- ما دخل العرب التاريخ إلا بفضل الإسلام (ص 92) . "بعد أن حاربوه طويلاً وبضراوة، قبل العرب الإسلام، وأقبلوا عليه بحماس لا يقل هوادة، ربما لأنهم أدركوا أنه أعظم استثمار قومى أتيح لهم فى التاريخ. ولعلهم انقضّوا عليه لينشروه بقوة وعنف خـارج الجزيرة، فعن طريقه فرضوا سيادتهم ولسانهم على المنطقة وعلى عالم بأسره، وكونوا لأنفسهم رصيداً تاريخياً قومياً يعيشون عليه إلى الأبد، فضلاً عن المكاسب المادية البحتة ". "لقد خرج العرب من الصحراء، ودخلوا التاريخ بفضل الإسلام، وما كان لهم هذا ولا ذاك بدونه، لم يكن الإسلام بالنسبة للعرب رسالة من السماء فقط ، ولكن أيضاً نجدة من السماء". "قبل الإسلام، لم يكن عرب الجـزيرة أمة، ولا كان لهم تاريخ، حـتى أمة بلا تاريخ لم يكونوا، بل مجرد حـفنة أو شرذمة من القبائل المتحـاربة المتعاركة، المتطاحنة المتعددة اللهجات وأحياتا اللغات، وهى إن لم تكن تقع خارج التاريخ، فإن لها تاريخ فولكلورى على أكثر تقدير". 2- المشرق العربى منطقة نفوذ أمريكى (96): "إن التوجـه الطبيعى سياسياً وحضارياً واقتصادياً للعالم العربى والشرق الأوسط كله هو إلى أوربا، لا إلى أمريكا، مهما كان التفوق الأمريكى والسياسة والسيطرة الأمريكية. لكنه البترول أساسياً وإسرائيل أولاً، هما اللذان حرفا التوجه الطبيعى من أوربا إلى أمريكا (+ انحـدار أوربا) (طبعاً)، لكن لولا إسـرائيل+ البترول، لكان المشرق العربى كله- كالمغرب العربى حاليا- بوصلته أوربا أساساً لا أمريكا، ولذا نجد الآن أن المشرق العربى منطقة نفوذ أمريكية بحتة، بينما المغرب العربى منطقة نفوذ أوربية فرنسية. أما الجزيرة العربية فكانت أشبه بجنوب شرق أوربا والبلقان. ضعف وتخلف ورجعية... إلخ، إلى أن قلبها البترول المجنون إلى أمريكا، ولكنها التابعة لأمريكا". 3- كارثة فلسطين إسرائيل هى ببساطة كالآتى (97): طلبت الصهيونية العالمية دولة لليهود فى فلسطين فأسسها لهم العرب. المعنى: قيام إسرائيل وضياع فلسطين هو مسؤولية العرب، والعجز العربى.. والخيانة العربية، والجبن العربى... والتفرق العربى، الذى حدد نتيجة الصراع العربى الإسرائيلئ، هو الصراع العربى- العربى. الفلسطينيون لم يبيعوا فلسطين لليهود، ولكن العرب (98) هم الذين باعوا فلسطين والفلسطينيين لإسرائيل! 4- الإسلام جاء ليبقى: "بعضهم يقول ": القومية أيديولوجية- كالشيوعية وكالإسلام... إلخ. وكما سقطت الشيوعية سقطت القومية، وجاء الإسلام ليبقى... إلخ. حسناً، الشيوعية أيديولوجية، كالرأسمالية، وبعيدا عن الإسلام، الذى هو دين أولاً وآخراً، وليس أيديولوجية بالمعنى الجارى، فإن القومية ليست أيديولوجية على الإطلاق، نأخـذ بها أو نرفضها، تنمو أو تندثر… إلخ، إنما القومية "طبيعة"، عنصر طبيعى كالتضاريس والجبال والأجناس..، إلخ. 5- قبول العرب بضياع فلسطين انتحار سياسى (99): "إن قبول العرب نهائياً بضياع فلسطين نهائياً، وتثبيت إسرائيل، وهو مقابل الخروج الأندلسى مع فروق، سيكون اعترافا، بل إعلانا من العرب عن إنهاء وحل العروبة والقومية العربية نهائيا وإلى الأبد. بمعنى أن أمة قررت حل نفسها، واعتبار ذاتها ليست أمة- تماما، كما أعلن الاتحاد السوفيتى حل نفسه وإنهاء وجوده كدولة ". "وفى الحـالين، فإنه انتحار سياسى وقومى على مبدأ "بيدى لا بيد عمرو" والعدو المضاد فى حالتنا هو إسرائيل، وفى حالة الاتحاد السوفيتى أمريكا، وفى الحالين فإن أمريكا هى القاتل النهائى عن بعد Remote assasin " "نابليون هو أول أصحاب فكرة إقامة دولة يهودية فى فلسطين- أى إسرائيل!! لقد نجحت الصهيونية فى إنهاء وإفناء القومية العربية، التى لم تكن قد بدأت بالكاد، وكانت فى مرحلة التكوين والنمو بالمعنى الحديث- إذ يبدو أن إسرائيل لن تزول أبداً ، فإذا ما بقيت فهذا حتماً هو زوال القومية العربية إلى الأبد، إنهما نقيضان مستحيل اجتماعهما ". "إذا كان اليهود يقولون: لا معنى لإسرائيل بدون القدس، فنحن نقول لهم: لا معنى للعرب بدون فلسطين ". "الكوارث السياسية التى أصابت العالم العربى+ اثار البترول، سببت مرحلة أو عصراً من التحركات السكانية والهجرات والتبادلات السكانية+ التزاوج الكثيف بين الدول العربية. دياسبورا الفلسطينيين فى العالم العربى، جعلت الآلاف منهم يتزوجون عرباً آخرين كالمصريين والعرب، المصريين والليبيين. "بوتقة عربية حديثة وخطيرة. وهكذا أصبح فى الشرق الأوسط بوتقتان متضادتان بوتقة إسرائيل، بوتقة العرب ". وفى الفصل الرابع يتحدث الكاتب عن الإسلام.. والعالم الإسلامى (100): 1- هناك صراع بين الشمال ضد الوسط (لا الشمـال ضد الجنوب) وهو صراع عقدى بين أيديولوجية الغرب وأيديولوجية الإسلام (101). "ولا شك أن الإسلام اليوم يمثل عنصرا غير متكيف تماماًMisfit مع حضارة العصر، التى هى أساسا حضارة الغرب. وهى مشكلة المسلمين لا الإسلام طبعا، ولكنها دائما يتم إسقاطها عليه (القاعدة هى مرادفة الإسلام بالمسلمين وإسقاط المسلمين على الإسلام لا العكس، وهذا هو الخطاء الجذرى والعمدى الذى يلجأ إليه كل نقاد الإسلام من حيث هو إسلام " . وإذا كـان الإسلام اليوم ضعيفا مغلوباً على أمره، والسيادة والسيطرة لأوربا والغرب المسيحى خارج كل حدود، فإن هذا الوضع ليس قديماً أو أصيلاً، بل حديث طارئ منذ العصور الحديثة، تماما كما هى قصة التوازن وصراع القوة أوربا وآسيا. فقديما فى العصور الوسطى وما قبلها كانت أوربا تقع تحت مطرقة آسيا والآسيويين، وغاراتهم واحتلالهم قروناً، وكانت الغلبة دائما للرعاة الآسيويين... إلخ، ثم انقلب الميزان رأساً على عقب، منذ البارود فى العصور الحديثة، وأصبح العالم الآسيوى مستعمرة لأوربا تقريبا، نفس الشىء بالنسبة للعالم الإسلامى- مع ملاحظة التداخل الجزئى جغرافيا بين العالم الإسلامى والعالم الأوراسى- ففى العصور الوسطى كـان العالم الإسلامى سيد أوربا وغازيها. بعد العصور الحديثة انقلب الميزان "المهم فى هذه النقطة هو ذلك التشابه التاريخى فى تطور علاقة القوة بين كل من العالم الإسلامى والعالم الآسيوى، وبين أوربا المسيحية والغرب الأوربى". "الأقليات الإسلامية خـارج العالم الإسلامى، تقابلها الأقليات غير المسلمة داخلة جزر فى هذا المحيط، مقابل واحات فى تلك الصحراء، وكلتاهما تمثل منطقة انتقال دينية بين كتلة الإسلام وغير الإسلام، أى مساحة من الوصل- بقدر ما هى من الفصل- بين عالمين أو قل مساحة رمادية بين الأبيض والأسود، فهى تقرب بين النقطتين وتخفف من التناقض والتضاد بينهما، ولذا فهى مفيدة كعامل ربط نسبيا، أى ليست شرا مطلقا أو شرا لابد منه، أوشىءلا خير فيه، وإنما هى شىءلابد منه ". لذا فإن الصراع الحقيقى انتقل اليوم إلى معادلة جديدة : معادلة صراع الشمال ضد الوسط لا الشمال ضد الجنوب . 2- بعض الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه الخطر الجديد والعدو الجديد بعد سقوط الشيوعية والسوفييت... إلخ. هذا علنا وحرفيا (102): "والمقصود أن الصراع الأيديولوجـى السـابق حل محله صراع أيديولوجـى جـديد. فالإسلام كعقيدة هو أيديولوجية مضادة لأيديولوجية الغرب، وللغرب، وحضارة الغرب. "الإسلام اليوم يعيش الحضارة الحديثة المعاصرة- أى الغربية أو الأوربية- ولكنه لا يعيش نمط الحياة الغربية Genre de vie هو يقبل الحضارة الغربية، لا "المجتمع " الغربى. هو مندمج حضاريا، مختلف مجتمعيا، من هنا الخلاف والاختلاف غير قابل للذوبان فى الحضارة الحديثة، يعيش خارج الحضارة الحديثة، لا يمكن هضمه كما لايمكن هضمهم. هذا يعتبره بعض الغربيين تحديا، التحدى الإسلامى المزعوم، والذى يهدد حضارة الغرب، وربما حياة الغرب ولكن هذا وهم- أوهام العوام والخواص والخواجة- أوهام الخواجة ". "فعلاً- انتشار الإسلام وتمدده ملحمة جغرافية فريدة لا مثيل لها قط بين الأديان، هذا التوسع القارى القرنى خرافة تاريخية تقريبا، ولكنه حدث ". "وحدود العالم الإسلامى اليوم تمتد من المحيط إلى المحيط- الأطلسى- الهادى- ومن البحر إلى البحر- البحر الأسود إلى بحر العرب- ومن البحر إلى المحيط- المتوسط- الهندى. ومن البحيرة إلى البحيرة- بيكال- فيكتوريا " الإسلام دخل أوربا من الغرب ومن الشرق، الأندلس والبلقان، كانت القاعدة فى الأولى الشام الأموى، وفى الثانية الأناضول العثمانى. هاتان البيئتان البحريتان التى توسع منهما الإسلام شمالاً . وهناك بيئتان بحـريتان أخريان فى الجنوب، توسع منهما الإسلام بحـراً- عمان إلى إفريقيا، واليمن إلى الهند الشرقية. وما بين الاثنين بيئة قارية برية هى التى توسع منها عرب الجزيرة الداخلية ليغطى قلب القارات فـى اسيا وإفريقيا. لاحظ دور الشام التوسعى كبيئة بحرية: قديما إلى قرطاجنة- تونس . ثم إلى المغرب فالأندلس. لقد قفز عرب الإسلام رؤوس ولا نقول جثث البيئات المستقرين وتجاوزهم إلى أبعد آفاق الإسلام على رؤوس المصريين إلى المغرب غرباً، وإلى السودان جنوباً. فالذى نقل الإسـلام وأدخله إلى المغـرب وإلى السودان، ليس المصـريين ولكن عرب الجزيرة عبر مصر، وهكذا فعلوا شرقاً على رؤوس العراق . "من اللافت بشدة أن أهم خـصائص أو صفات الإسلام هى تفسها أهم خصائص وصفات أرض الإسلام، أى العالم الإسلامى، وهى التوسط والاعتدال فى الحالين فالعالم الإسلامى متوسط الموقع تماما فى العالم القديم، وبيئته الطبيعية أقرب إلى الاعتدال بحكم هذا المتوسط- موقع متوسط، وموضع معتدل، أما الإسلام فيقال لنا دائما: إنه دين التوسط والاعتدال، لا إفراط ولا تفريط، لا تطرف ولا تعنف ". "فعلاً أوربا والعالم العربى+ الشرق الأوسط- هما وحدهما شركاء التاريخ البشرى الفعال. هما فرسا رهان التاريخ والحضارة، والسياحة والاستراتيجية، والدين والصراع والسلم والحرب. وإذا كان هناك تنافس وصراع، فهذا إنما يؤكد الندية، وأنهما فرسا رهان، وإذا كانت أوربا تنكر هذا ولا تراه، فهذا عمى ألوان ". "من هنا يجب ألا ننفصل عن أوربا، باعتبارنا وحدنا الأعرق والأقوم والأكثر أصالة وقرابة وقربا فى عالم إما قديم، ولكنه معزول تماما كالمجهول، أو غير الموجود- الشرق الأقصى- وإما جديد محدث طارئ- أمريكا. وكما يتقارب الأوربيون أنفسهم داخل أوربا بعد صراعات ألفية رهيبة، وذكريات مريرة، فإن الدور ينبغى أن يأتى على أوربا مع العرب والمشرقيين- الشرق الأوسط ". "لمصلحة الطرفين ذلك على الأقل لإحداث التوازن ضد القادمين الجدد الذين يهددون كلا الطرفين، وخاصة الطغيان والهيمنة الأمريكية المجنونة " (103). 3- اضطهاد المسلمين ومذابحهم فى القرن العشرين (104): "رغم أن الإسـلام صـالح لكل زمـان ومكان، إلا أنه لم يعـد له مكان بالكاد فى هذا الزمان ". "اضطهاد المسلمين- ومذابحهم المعاصرة فى ختام القرن 20، وعلى أبواب القرن21 الميلادى- لا قبل الميلاد- ظاهرة مؤسفة، محزنة مخجلة طبعا، ومرفوضة تماما: ولكنها للأسف طبيعية- فالتعصب الدينى والصراع الطائفى جزء من صراع الشعوب والأمم والدول والقوى والمجتمعات والجماعات، صراع البقاء المؤبد، ولماذا نندهش له ونستغربه، على بشاعته ورفضنا له، ومثله أو عكسه موجود بيننا داخل العالم الإسلامى، وقبله ألم يكن الكفار يضطهدون المسلمين فى عصر النبى؟ "دار الإسلام " وقد تحولت- للأسف- إلى " دار حرب " فى العقود الأخيرة، أصبح العالم الإسلامى ساحة لحروب عديدة لا تنقطع. 1- إما داخلية بين دول إسلامية. 2- وإما حرب أهلية داخل الدولة الإسلامية الواحدة. 3- وإما كحروب أقليات تتعرض لها الأقليات الإسلامية على تخوم العالم الإسلامى أو خارجه". وهذه الحروب تؤلف نطاقا كاملاً يطوق العالم الإسلامى، ويكاد يلفه لفاً من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب: أ- الحروب بين الدول الإسلامية: ليبيا X تشاد- العراق Xإيران. العراق Xالكويت (+ السعودية والخليج ومصر وسوريا). الجزائر X المغرب (الصحراء الغربية). ب- الحروب الأهلية الداخلية: أفغانستان- نيجـيريا- لبنان- قبرص- الفلبين (المورو)- سرى لانكا (التاميل المسلمين)- الصومال. جـ- حروب الأقليات الإسلامية: بورما (أراكان)- إريتريا. د- حروب الدول غير الإسلامية ضد الإسلامية: الهند Xالباكستان- الصرب Xالبوسنة والهرسك و X "كوسوفا ". إسرا ئيل X فلسطين- مصر- الأردن- سوريا- لبنان. المفارقة المفجعة حقاً أن الإسلام الذى يصلح لكل زمان ومكان، لم يعد له مكاناً بالكاد فى هذا الزمان! فخارج العالم الإسلامى، الإسلام والمسلمون مطاردون مضطهدون شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فى آسيا البوذية، وأوربا المسيحية، فى إفريقيا السوداء، من سائر الأديان كما من الأديان أو اللا أديان الأرضية. غريب جدا: وفى آسيا، الديانات غير السماوية تضطهد الإسلام والمسلمين فى كل مكان الهند الهندوكية، بورما البوذية، الصين... إلخ. ولكن فى كل الحالات، فإنهم لا يضطهدون بعضهم البعض، ليس بينهم مشاكل طائفية فلا الهندوس يضطهدون، أو العكمس، ولا الشنتو يضطهدون الهندوس أو.. إلخ! ". "لا يريد العرب والمسلمون أن يدركوا أن هناك ثنائية أبدية فى الصراع الأبدى الديني فى هذا العالم، إنها "ثثائية الثنائية ": صراع- دينى أبدى بين طرفين كل منهما ذو طرفين: الإسلام + العرب ضد المسيحية + اليهود . لا يريد العرب والمسلمون أن يفهموا أن الغرب والأوربيين ينظرون إلى اليهود كجزء منهم سواء جنسياً أو دينياً (+ حضاريا أيضاً)، إلا أنه جزء صغير مشاغب، كالابن الضال Prodigal son الذى سيعود فى النهاية إلى العائلة، مهما فعل فهو مغفور له، والعائلة معه إلى النهاية. جنسياً، اليهود أوربيون (كذلك حضارياً) دينياً هم طائفة ناشز من المسيحية وخوارج أو متخلفون عن الديانة الأم أو الحق... إلخ. 4- المفروض أن المسلمين هم التجسيد العملى للإسلام (105): فمن ناحية الانفصال للإسلام عن المسلمين، إذ لا إسلام بلا مسلمين- كما أنه لا اشتراكية بلا اشتراكيين- فالمسلمون هم التجسيد المادى المحسوس للإسلام. الإسلام هو الروح والمسلمون الجسد، الإسلام يتجسد فى جسم المسلمين ويحييه، والمسلمون هم الجسم الذى يحتوى الروح ويحميها، وهم التجسيم المادى المرئى الملموس للعقيدة والدين كفكرة وأيديولوجية، إسلام بلا مسلمين، ولكن قد يكون هناك "مسلمون بلا إسلام "! "أما المرادفة بين الإسلام والمسلمين، كما يفعل معظم المستشرقين والغرب، فهذا فقط من قبيل المجاز، والاختصار، التجاوز واليسر، ولكن يمكن أحيانا أن يكون إيجازا مخلاً ومجازاً مغرضاً. الظاهرة الحقيقية جدا والمحيرة للغاية، هى الانقلاب الذى طرأ على وضع الإسلام ودرجة تقبله أو رفضه فى إفريقيا الجديدة بعد التحرر. قديما كان التحول إلى الإسلام يتم بسهولة وسلام، وبإقبال شخصى شديداً من أصحابه، الذين كانوا يرون فى الإسلام وسيلة للتحرر والحرية والكرامة. بعد التحرر السياسى وخروج الاستعمار، حدث العكس أصبح هناك عقدة نفسية ضد الإسلام، ورفض له حاداً ومؤكداً، باعتباره وسيلة لسلب الإنسان من حريته الشخصية، لا شك أن أصابع الدول الاستعمارية والاستعمار خلق ذلك فى الحالين، ولكن كعنصر ثانوى، وعامل انتهازى، ولكن الأصل والعيب ليس فى الإسلام نفسه ". (عودة الإسلام ليقود من جديد) (106): "يبدو لى أن عودة الإسلام أصبحت حقيقة واقعة فى أكثر من مكان فى أسبانيا اليوم، عودة الإسلام حقيقة ودالة جدا تحت ناظرينا". ثم فى جـمهوريات آسيا الوسطى- السوفيتية سابقا- هناك عودة مؤكدة بمعنى ومفهوم مختلف، بعد طمر الشيوعية للإسلام 70 سنة. "فى الوقت نفسه يبدو أن ديناميات الإسلام تختل تماما؟ فقديما كان الإسلام يتقلص فى تراجع نحو الجنوب فى جبـهته الأوربية وجنوب جبـهته الإفريقية، الآن هناك عودة الإسلام فى أوربا خاصة فى طرفيها أسبانيا وآسيا الوسطى+ هجرة المسلمين إلى قلب أوربا". فقد كان الاستعمار لا يحارب الإسلام علنا أو مباشرة، ولكنه كان يحاصره بطرق غير مباشرة. "فقد كان يعطى كل الفرص والإمكانيات للوثنيين المنتصرين ، أو المسيحيين من الفئات المستعمرة. فكانوا متأوربين "متحضرين " بالمعنى الأوربى، وجاهزين للسلطة والحكم حين ذهب الاستعمار، بينما كان المسلمون فى كتاتيبهم ودراساتهم الدينية لا يصلحون لشىء فعلاً. وحين تسلم المنتصرون السلطة، اتخذ التناقض الدينى شكل صراع سافر أو مكتوم، فأصبحت الدولة الجديدة تحارب الإسلام وتناصر المتنصرين، فتوقف الإسلام وتحول من المد إلى الجزر. 5- استراتيجية الصهيونية واليهود هى استدراج الإسلام وتورطه فى صدام دموى مع النصارى (107)": "إن الاسترإتيجـية العظمى لأعداء الإسلام (108) هى استدراجه- الإسلام- وتوريطه فى صدام وصراع دموى، مسلح إن أمكن، مع النصرانية. هذه هى استراتيجية الصهيونية واليهود " * الاستراتيجية الإسلامية المضادة، ينبغى أن تعكس هذا الصراع: أن تدق إسفيناً ما بين المسيحية واليهودية، وتعمل على الفصل بينهما ما أمكن، وفى نفس الوقت وبنفس درجة التقارب بين الإسلام والمسيحية (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً) (109). لا أحد فى أوربا يريد دولة إسلامية بالقارة، كلهم يعلنونها بلا مواربة، لا مكان للإسلام تحت البرد- إن أمكن تحت الشمس- المطلوب نفى الإسلام المعتدل- أى: المناخ المعتدل- إلى المدار... الإسلام يمتد من المحيط للمحيط- الأطلسى- الهادى، ومن البحر إلى البحر- المتوسط إلى بحر العرب- منطقة المشرق العربى" هى حـاضرة العالم الإسلامى، حيث تدور من البحر المتوسط إلى بحر العرب. بالعالم اليوم 20 مليون لاجىء 80% منهم مسلمون. أندونيسيا هى الإسلام الوحيد الذى يخترقه خط الاستواء، فالإسلام لا يصل فى أى قارة أخرى جنوبا إلى خط الاستواء ، سواء ذلك فى إفريقيا أو أمريكا الجنوبية. فى إفريقيا هو يقطع منطقة الساحل الشرقى لعمق محدود للغاية. "سينكيانج والتبت، كلتاهما فى الصين. كلتاهما آسيا الوسطى فى الاتحاد السوفيتى السابق، ليست صينية، ولكن استعمار صينى، وكما انفصلت آسيا الوسطى فى دول مستقلة، يجب أن تنفصل سينكيانج والتبت عن الصين كدول مستقلة (داخلية) أيضاً، إذ لا معنى حقيقة لهذا الابتلاع ". 6- الغرب يسمى الإسلام الخطر الأخضر ويعتبره عدوه اللدود (110): "كان الغرب يتحدث عن الخطر الأحمر أى الشيوعية، فابتكر الآن تعبير "الخطرالأخضر" إشارة إلى خطر الإسلام. بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وزواله، وبدء البحث عن عدو جديد، قيل: إنه الإسلام، نؤكد أن الإسلام خارج المعركة والحلبة، هو فقط كبش فداء مؤقت، أما العدو الحقيقى الفعال فسيظهر من بين صفوف المعسكر المنتصر بالغرب، وسيكون الصراع الرهيب بين أمريكا وأوربا الغربية أو اليابان أو... ولعلهم هناك يخدعون أنفسهم ثمن حتمية ومأساوية، هذا الصراع القادم بالحديث الشفهى عن الإسلام كعدو". 7- الجغرافيا علم الأين (111): "على المسلم الذى يكتب عن العالم الإسلامى، أن يضع نفسه فى مكان غير المسلم، خاصة الأوربى المسيحى، ليس فقط ليكون موضوعياً، ولكن أيضا ليستوعب وجهة نظر الآخرين "الآخر". أسوأ دعاية وأكبر للإسلام هى الإسلام السياسى بالمعنى الأصولى". الإسلام السياسى إذن نوعان، كما يمكن تصنيفه: 1- الإسلام الحميد- تحرير فلسطين أساسا+ تنمية وتطوير العالم الإسلامى. 2- الإسلام السياسى الخبيث- الثيوقراطية والدولة الدينية. 8- الغرب يعتبر العالم الإسلامى عدوه الجديد (112): "بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفيتى، أصبح العالم الإسلامى هو المرشح الجديد كعدو الغرب الجديد. وإلى هنا لا جديد. الجديد هو أن الغرب سوف يستدرج خلفاء الإلحاد والشيوعية إلى صفه ليكوّن جبهة مشتركة ضد العالم الإسلامى والإسلام، باعتبارهما العدو المشترك للاثنين، بل لن يجد الغرب مشقة فى هذا، ولن يحتاج الأمر إلى استدراج: سيأتى الشرق الشيوعى القديم ليلقى بنفسه فى معسكر الغرب الموحد ضد الإسلام والعالم الإسلامى. الإسلام اليوم فى فرنسا هو الديانة الثانية بعد الكاثوليكية- وقبل البروتستانتية واليهودية- عددهم 6.5 مليون- 11% من سكان فرنسا. وفى الفصل الخامس يتحدث الكاتب- رحمه الله- عن العالم الغربى: 1- صراعات البشرية من أجل القوة والسيطرة العالمية، ومنها الصراعات الأوربية: وعن إمكانية التقارب بين العالم العربى وأوربا قال "جمال حمدان ": "كانت أوربا البيضاء فى صراع دموى ألفى طوال تاريخها مع بعضها البعض، أعدى الأعداء الآن يتقاربون ويتحابون ويتطلعون إلى دولة واحدة الولايات المتحدة، بعد أن لم يكونوا يرون إلا الاختلافات والخلافات بينهم، لم يعودوا يرون إلا التشابهات والروابط بينهم! ما من محبة إلا بعد عداوة! حسنا، كانت أوربا البيضاء المسيحية طوال العصور الوسطى المظلمة فى حرب ظالمة، وعداء منطقى مع العالم العربى والشرق الأوسط- المسلمين- ولا يزال الثأر والتعصب والحقد والكراهية بدرجات متفاوتة" (113). عن الحكمة التى تقول: "ما محبة إلا بعد عداوة ". علق الكاتب- رحمه الله- يقوله: "هذا ما يحـدث الأن فى أوربا بعد حـروب ألفيـة- وبالآلاف، بدؤوا يتقاربون ويدركون وحدة أصلهم وكيانهم. يوما ما سوف تتسع الدائرة ليكتشف الأووبيون أن أقرب الشعوب غير الأوربية إلى الأوربيين هم العالم العربى والشرق الأوسط، وإنهم جميعا قوقازيون، بيض، متحضرون، مختلفون عن سائر شعوب الأرض أى وحدة، ولكنها أقل كثافة وعمقا من الوحدة الأوربية ، كما أنه ما من محبة إلا بعد عداوة، فكذلك ما من مساواة إلا بعد صراع ". "كل جماعة تفضل نفسها على الآخرين، وتعتبر الأرقى والأسمى وترفض أن تعترف بالآخرين أنداداً متساوين معها ومساوين لها، إلى أن يفرض الآخرون أنفسهم عليهم بالقوة والحرب والصراع، حتى يتقاربوا ويتصالحوا صلح الشجعان، وهذه قصة أوربا بشعوبها المختلفة داخلها، وما كارثة الاتحاد السوفيتى وشرق أوربا مؤخرا إلا اخر وأحدث تجسيد لهذه الحقيقة ولهذا القانون ". "الآن الدور والدورة على العرب المسلمين والإسلام عامة. فعلاً أوربا والغرب تبحث الآن عن عدو- وليس هذا توهماً أو شذوذاً- هو طبيعى جدا فى التاريخ والحياة ". "نفس القضية مع أوربا+ العرب، لا للعرب، ولا أوربا، تنافس مع الآخرين على صدارة العالم، سواء فى الماضى أو الحاضر، كلاهما يعلم ويعلن أن الأولوية لأوربا والغرب الآن وإلى الآبد، لكن العرب تشعر أنها الرجل الثانى فى العالم، وتريد اعتراف أوربا بها على هذا الأساس، ولكن أوربا ترفض تكبرا ومكابرة، ولكن سيأتى اليوم الذى تدرك فيه أوربا صحة وشرعية الادعاء العربى، وستقربهم إليها على هذا الأساس " (114). 2- رغبة أوربا الموحدة فى الاستقلال والتحرر من الخضوع لأمريكا (115): "وتماماً تماما، وإن بالمقلوب، فكما كان الأمريكان الأوائل يسعون إلى الدولة الجديدة لكى يستقلوا عن الطغيان والظلم والتبعية والسيادة البريطانية الغاشمة، فإن الأوربيين اليوم يسعون إلى الوحدة الأوربية، لكى يستقلوا عن وصمة الوصاية والحماية والتبعية والتخلف والخضوع لأمريكا- الولايات المتحدة- وغطرستها المكشوفة والوقحة. 3- تأمر أوربا وأمريكا ضد البوسنة والهرسك (116): "أوربأ وأمريكا تلعبان معاً لعبة تواطؤ خبىء خبيث ضد البوسنة والهرسك، فكل منهما تترك مهمة التدخل للاخرى، أمريكا تتركها لأوربا باعتبارها مشكلة أوربية. وأوربا تتلكأ برغم عدم اتفاق أعضائها، وتترك الفرصة لأمريكا باعتبارها القيادة العليا! ولكن الاثنتين تتباريان فى التسويف والتلكؤ عمداً، بأمل أن يفرض الأمر الواقع نفسه، وهو انتصار الصرب، حتى لا تقوم دولة السلاطين فى قلب أوربا". 4- أوربا تعتبر أن العدو الجديد هو الإسلام (117): "واضح أن أوربا والغرب فى بحث دائم عن عدو ما، وتاريخ أوربا الحديث هو سلسلة متعاقبة من العداءات الموجهة فى القرن الماضى ANTI SEMITESM- ضد السامية- بعد ذلك ANTI COMMUNISM- ضد الشيوعية- الآن ANTI ISLAMISM- ضد الإسلام ". "ينبغى أن تميز فى ألوان البشرة والأجناس بين "الأبيض الأوربى" "والأبيض الشرقى" وهو الأبيض القوقازى غير الأوربى، أو الأبيض القاتم أو الكابى". 5- انهيار الولايات المتحدة قريباً جدا (118): " الآن تصارع الولايات المتحدة للبقاء على القمة، ولكن الانحدار لأقدامها سارٍ وصارمٍ والانكشاف العام تم، الانزلاق النهائى قريب جدا فى انتظار أى ضربة من المنافسين الجدد- أوربا، ألما نيا،اليا بان ". "وأمريكا تختلف عن كل دول الاستعمار السابق، لا فى أنها فقط تنكر أى علاقة لها بالاستعمار، ولكن أساسا فى أنها أول مستعمر وقح متبجح بصورة علنية فاجرة (*)، فالمستعمرون قبلها كانوا يعرفون أنهم لصوص (**)، ولكن لا يدعون حقا فى اللصوصية، إلا أمريكا فإنها لأول مرة تعلن بكل وقاحة أنها لصة ولها حق اللصوصية". 6- الاستعمار العالمى عاد إلى الوجود فى صورة اخطر جدا مما تتصور!! "أمريكا تتعامل مع العالم الخارجى كما تتعامل مع الهنود الحمر، وهى سرطان العالم السياسى، ويبدو أن دور روسيا الذى اختارته لنفسها بعد انتحار الاتحاد السوفيتى وللمشاركة الشكلية مع أمريكا فى النظام الجديد- تعلقا بحبال الهواء- هو أن تعمل "****ل لأمريكا " فيما كان الاتحاد السوفيتى سابقا، أى كمساعد أول للسيد الأمريكى العالمى". "ويبدو كذلك أن النظام العالمى الجديد (119) وارد أمريكا يعتمد على اعتماد مجموعة من الوكلاء الإقليميين الكبار فى كل منطقة رئيسية من العالم- وكلاء. وأمريكا تشرع لنفسها فقط علنا وقانونياً- محاربة الإرهاب الدولى العالمى- حيث قررت محكمتها العليا حق أمريكا فى اختطاف ومحاكمة أى أجنبى تطلبه ". "هذا بالضبط يعنى أن أمريكا بدأت تعامل العالم الخارجى، كما تعاملت مع الهنود الحمر فى الداخل: الإبادة والإرهاب (***) الاسم الشرعي!! ". "لقد بدأت الحـرب البـاردة بالفعل بين شـاطىء الأطلسى، بين أوربا وأمريكا حلفاء الأطلنطى، لقد انتقلت الحرب الباردة من الشرق- الغرب، أو الشيوعية الرأسمالية إلى داخل الغرب نفسه الغرب-الغرب، وداخل الرأسماليين القدامى خاصة فرنسا+ ألمانيا، وأمريكا+ بريطانيا. "أصدقاء الأمس سيصبحون أعداء الغد، بمثل ما قد أصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم! ". "أمريكا هى" سرطان العالم السياسى" لا تنطبق صفة السرطان على شىء فى الدنيا، كما تنطبق على أمريكا، كل خصائص ومشخصات وأعراض السرطان تنطبق عليها كما لا تنطبق على أى شىء آخر سوى الجسم الإنسانى: إفراط النمو، والتضخم المرضى القاتل الذى يهدد سائر الجسم- العالم- فى صميم وجوده ". 7- إسرائيل هى الحاكم (120): "وطريقة الحياة الأمريكية كما يسمونها ما هى؟ هى الهيستيريا الحياتية، طريقة حياة أمريكا هى هيستيريا دائمة، سعار مستمر، مركز ومصدر ومحرك وموجه هذه الهستيريا الوطنية هو الإعلام: الإعلام الأمريكى، هو قمة طريقة الحياة الأمريكية المزعومة، إنه الجنون والهيستيريا المسموعة والمقروءة والمرئية… إلخ، والشعب الأمريكى قطيع قائده الإعلام، وهو حـاكم أمريكا الحقيقى، حتى الإدارة والحكم ينقاد لموجات الإعلام العاتية ويخضع لإشعاعاتها الضارة إن عفواً أو عمداً " "ولما كانت إسرائيل هى التى تحكم الإعلام الأمريكى، الذى يحكم العقل الأمريكى، فإن إسرائيل هى الحاكم النهائى والأخير والحقيقى للدولة الأمريكية ". 8- أمريكا والعالم كله يتبادلان الحقد والكراهية (121): "أمريكـا فى حالة سعار سياسى مجنون. ملاحظة هامة جدا وجـديرة بالتفكير منذ نشأتها، وأمريكا تدعى المثالية السياسية فى كل مجال، فهم أشراف وأطهار وأنبياء العفة السياسية فى العالم وعبر التاريخ… إلخ، والعكس تماما تماما هو ما يفعلون، ولكن ما من قوة على الأرض يمكن أن تقنعهم بذلك ". "وأصبح من الواضح تماما أن العالم كله وأمريكا يتـابدلان الحـقـد والكراهيـة علناً، أمريكا تعلن للعالم الوقح الحاقد عليها، والعالم الذى لا يخفى كـرهه لها ينتظر بفارغ الصبر لحظة الشماتة العظمى فيها حين تسقط وتتدحرج، وساعتئذ ستتصرف أمريكـا ضد العالم كالحيوان الكاسر الجريح " "لقد صار بين أمريكا والعالم "تار بايت " أمريكا الآن فى حـالة "سعار قوة" سعار سياسى مجنون، شبه جنون القوة، وجنون العظمة، وقد تسجل مزيدا من الانتصارات العسكرية، فى مناطق مختلفة من العالم عبر السنوات القادمة، ولكن هذا السعار سيكون مقتلها فى النهاية ". 9- العرب أصبحوا لعبة أمريكا المفضلة (122): "الغذاء الداخلى الجـديد لأمريكا- الولايات المتحـدة- لم يعد الكاريبى ولا أمريكا اللاتينية، وإنما الوطن العربى، والعرب أصبحوا لعبة أمريكا المفضلة، ومستعمرتهم الخصوصية جدا، وعليهم وحدهم يمارسون قيادتهم المزعومة للعالم. وأمريكا دولة الشذوذ السياسى العظمى فى العالم كيف؟ أ- هى الوحيدة التى تشترى تبعية سياسات الدول الأجنبية بالشراء، أى بالمساعدات والمنح المادية، أى تشترى السياسة بالاقتصاد. ب- هى الوحيدة التى تدعى المثالية السياسية، رغم أن واقعها هو النقيض المطلق تماما "وكيان أمريكا ذاته وكله فيه المادة الخام النموذجية للثورة الشيوعية، كما حددها ماركس- وهى أرقى الدول الرأسمالية تطورا وتقدما، إذن هى المرشح الحقيقى للشيوعية الناضجة القادمة، فشل الاتحاد السوفيتى سببه أن الشيوعية فيه قامت فى "المكان الخطأ والزمان الخطأ- شبه إقطاعى رأسمالى بادئى فلننتظر! ". 10- ألمانيا واليابان عملاق اقتصادى وقزم سياسى (123): "يبدو أن ما كان يقال عن ألمانيا واليابان استراتيجيا سيقال عن أمريكا قريبا، ولكن بالمعكوس، فألمانيا واليابان عملاق اقتصادى وقزم سياسى- كما قيل- بينما تتحول أمريكا تدريجيا إلى عملاق سياسى وقزم اقتصادى". 11- هل تمثل أمريكا اليوم مرحلة احتضار الحضارة ؟ أم انتصار الحضارة (124)!! " "ما الذى دهى العالم؟! لم يحدث قط من قبل أن ظهرت قوة إمبريالية طاغية مستبدة مفتونة بقوتها، ومجنونة بالقوة والغطرسة العلنية على العالم كله، كما حدث من أمريكا اليوم. وفى الوقت نفسه لم يحدث قط أن استكان العالم كله، وسكت ورضخ وخضع فى هوان وذل حـقير، كـما يحـدث الآن. كـانت الستينات روح الصراع والتحـدى، والآن التسعينات موت الروح، وروح الموت؟ ". 12-العالم الغربى روسي (125): "بداية نهاية الاتحاد السوفيتى- نقولها للمرة الألف بعد المليون! كانت هزيمة يونيو1967. منذ ذلك التاريخ أصبح خطر الاتحاد السوفيتى فى الصراع العالمى مع أمريكا في النازل، ويدها السفلى المهتزة المنكسرة بل المكسورة. ولذا من السفه النظرية المجنونة. إن السوفيت هم الذين خدعوا مصر والعرب استدرجوهم إلى الحرب والهزيمة، حتى لو كانت نواياهم غير طيبة (ومن المسلم به أنهم لم يكونوا معنا 100%، ولا حتى 50%، وكانت إسرائيل عندهم فوق العرب قطعا، وأهم وأبقى و أقرب)،. "الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة: كما قاما معا فى غفلة من الزمن ستسقطان معا فى ساعة الحقيقة. ولقد سقط الاتحاد، والدور الآن على الولايات والأيام بيننا". 13- البوسنة والهرسك (126): "وموقف أوربا من الإسلام فى البوسنة اليوم هو تماما كـموقفها من اليـهود أيام اغتصابهم لفلسطين فى الأربعينات والخمسينات وحتى اليوم، فرصة العمر التاريخية للتخلص من دولة إسلامية فى قلب أوربا، كما كانت للتخلص من يهودهم وتدمير العرب وفلسطين، ولذا فأوربا تلعب لعبة "مؤامرة الصمت"، تتفرج وتتلهف على النتيجة المرجوة، ولكن مع مصمصة الشفاه وحركات الهمبكة للتمويه ". "والتطهير العرقى ETHNIC PURGE الذى يمارسه الصرب فـى البوسنة والهرسك، هو أوقح أكذوبة فى التاريخ بعد اللاسامية، والبوسنة والهرسك هى أول دولة إسلامية فى أوربا الحديثة. لكن هل تكون الأخيرة؟ هل يزيلها الصرب وكرواتيا فى المستقبل بالقوة والحرب؟ من ناحية أخرى الصرب والكروات وسائر المسيحيين البلقانيين يكرهون المسلمين هناك، ويحـاربونهم- والآن يحـاولون إبادتهم!- مع أنهم بيض تماما مثلهم، حتى لو كـانوا أتراك جنسياً وأصلاً جزئئا وسلاف أيضاً أساساً ". "حرب البوسنة ومأساة المسلمين بها هى قطاع عرضى وطولى، أفقى ورأسى، كـامل من العصور الوسطى بحذافيرها، والحروب الصليبية بالتحديد إنها تعيد العصور الوسطى بكل مركباتها وعقدها ورجعيتها وتعصبها ودمويتها، إن من ينظر إلى صراعات أوربا الآن بين الدول والقومية والعنصرية… إلخ، لا يندهش قط لما يحـدث بين العرب من تمزقات وانهيارات، كل هذا طبيعى، وليس أوربا أفضل منا فى هذا بكثير". "بدأت "الصليبيات الصغيرة" فى أوربا بضرب أذربيجان السوفيتية، قبل زوال الاتحاد حين طالبت بالاستقلال، ولم تضرب دول البلطيق التى طالبت بنفس الشىء. ثم تبلورت فى البوسنة والهرسك، حيث تواطأ الصرب مع الكروات الذين كانا فى حالة حرب منذ شهور ضد بعض فى معركة استقلال وانفصال- كرواتيا بعد سلوفينيا- ضد مسلمى البوسنة والهرسك، فأصبحت مؤامرة صليبية سافرة ضد المسلمين! ". "لو كانت البوسنة والهرسك هى المعتدية وقامت يإبادة الصرب والتطهير العرقى ضدها، أو لو فرضنا جدلاً أن البوسنة والهرسك هزمت الصرب المعتدية فى الحرب الحالية فعلاً، لانقلبت كل أوربا+ أمريكا بكل أسلحة حلف الأطلسى، وغير الأطلسى لإبادة ومحو البوسنة والهرسك من الوجود، ومن القاموس، ومن خريطة أوربا والعالم تماما، كحرب الخليج الإجرامية، الإبادة ضد العراق ". "إنها فعلاً آخر الصليبيات، ومن يقل بغير هذا كاذب إن كان غير مسلم، وجـاهل إذا كان مسلماً". 14- الأمم المتحدة والنظام العالمى الجديد (127): الصحيح أن الأمم المتحدة أصبحت- ظل- القوة العظمى الأولى والوحيدة. فقد أصبحت الأمم المتحدة الأداة التنفيذية المثلى والقفاز الحربى لأمريكا، وسياسة القوة والسيطرة والغطرسة... إلخ. الرد الوحيد الآن أمام الدول المقهورة والترسو هو: تحطيم الأمم المتحدة بالخروج منها نهائياً بالجملة إلى أن يتم إنشاء منظمة غير إجرامية. النظام العالمى الجديد "ليس جديدا، وليس نظاما، لا هو نظام، ولا هو جديد" لأن قبله وجد نظام واثنان وعشرة، فلكل عصر توازن قواه، وهذا التوازن هو بعينه النظام العالمى أو الدولى السائد أو القائم، كان هتلر يريد نظاما عالميا جديدا كان هذا مشروعه، وكذلك اليابان... إلخ، وقبل ذلك وحتى لنابليون نظامه العالمى الجديد، الذى هدفه وراثة النظام البريطانى الجديد... إلخ ". إذن، ليس النظام العالمى الجديد الذى دعا إليه مجرم الحرب والسلم "بوش" إلا ادعاء كاذباً إجرامياً لفرض سلامة الأمريكىPAX AMERICANA أما أنه ليس بنظام، فكل توازن يسمى بالنظام العالمى، إن هو إلا كتوازن القشرة الأرضية على باطنها. " ولذا فكل نظام عالمى هو كيان هلامى ديناميكى متغير ببطء أو بسرعة، فهو إذن نظام ولا نظام فى آن واحد، وأنت تستطيع أن تتحدث عنه كنظام فعلاً، ولك أن تنكره أيضا، فأى نظام عالمى ليس قفصاً حديداً صارما". "بعض العرب- اللوبى الأمريكى فى العالم العربى- يتحمس للنظام العالمى الجديد المزعوم- الأمريكى- وهو كما قلنا ليس نظاما ولا جديدا ! هذا هو ما يسمى بالنظام العالمى الجديد، فأولاً: هو فوضى، أو بالأحرى فرض لا نظام، من جانب القوة المتغطرسة السائدة مرحليا. أما الآن، فهو"وهم بوش المجرم "، مجرم الحرب والسلم، حلم لن يتحقق، بل تحطم فعلاً، حتى فى عقل صاحبه المخبول، وسقط معه إلى سلة مهملات التاريخ والسياسة. وليست أمريكا زعيمة العالم "العربى" وحده، والنظام العالمى الجديد لا يوجد فى عقل العالم، وإنما فى "فراغ " عقل العالم العربى فقط، ولربما لو لم يوجد، لأوجده العرب " أهـ. تعليق: *** هذه لمحات من مذكرات أحد علماء الأمه أ. د. جمال حمدان شخّص فيها أمراض العالم ومنها الإسلامى، وشخص لها الدواء. ولعلك أيها القارئ الكريم أدركت لماذا اختفى هـذا العالم على النحو الذى نشر (128) عنه؟ فمن المسؤول عن هذا؟ وهل آن الأوان كى تنتفع الأمة بفكره- رحمـه الله تعالى- فى مواجهة تحديات العصر؟؟ الفصل الخامس من خلال كتابه "الشخصية اليهودية، من خلال القرآن الكريم" (تاريخ- و سمات- و مصير) الفصل الخامس "الشخصية اليهودية من خلال القرآن الكريم" تاريخ.. وسمات.. و مصير وهذا الكتاب (*) موضوع دراستنا يقع فى 406 صفحة وهو مكون من: مقدمة وخمسة فصول وخاتمة. فى الفصل الأول: تحدث المؤلف عن بنى إسرائيل واليهود فى السياق القرآنى. وفى الفصل الثانى: تحدث المؤلف عن: خلاصة تاريخ اليهود من خلال القرآن الكريم. وفى الفصل الثالث: بين الكاتب: سمات اليهود.. وأخلاقهم من خلال القرآن الكريم. ففى ص 162 أثبت: أن اليهود كافرون، وأنهم حرّفوا التوراة، وامنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض. كما أورد الكاتب افتراءات اليهود على الله وملائكته وأنبيائه وقولهم: إن الله فقير وهم أغنياء، وأن يد الله مغلولة. كما ذكر المؤلف حربهم لمحمد صلى الله عليه وسلم. وأنهم أول من كفر بالحق. وفى الفصل الثالث (129) : ذكر الكاتب خطوطاً مستقرة فى النفسية اليهودية، كجزء من أخلاق اليهود: أنهم كاذبون، محرّفون، حاسدون، متحايلون، مراوغون، خائنون، ضالون مضلّون، تجار فجار، سفهاء، أذلاء، جبناء، بخلاء، حريصون على الحياة، ينقضون العهود والمواثيق، يسارعون فى الإثم والعدوان، يكتمون الشهادة الحق، يفسدون فى الأرض، ويصدون عن سبيل الله، وأنهم ملعونون من الله. وبين الكاتب كذلك أن رسالتهم فى العالم فساد ودمار. - وفى الفصل الرابع تحدث الكاتب عن الكيان اليهودى من خلال سورة آل عمران، والمائدة، والأعراف، والحشر. قال تعا لى: (لَن يَضُرُّوكُمْ إلاَّ أَذًى وإن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ (111) [ آل عمران:111]. قال تعـالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وبَاءُوا بِغَضَبٍ [ آل عمران: 112.] وإفسادهم الأول فى المدينة المنورة (130). وكيف أن وسول الله صلى الله عليه وسلم أزال إفسادهم الأول. وذكر الكاتب إفسادهم الثانى المعاصر: قال تعالى: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وبَنِينَ وجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) [الإسراء: 6 ] وأن المرشحين لإزالة هذا الإفساد الثانى وينقضون الكيان الصهيونى هم المسلمون. قال تعالى: (فَإذَا جَاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وجُوهَكُمْ ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) [الإسراء: 7 ] ولكن متى ينجح المسلمون المعاصرون أحفاد الصحابة فى تحقيق هذه الأمنية، بإزالة الكيان اليهودى والقضاء على إفسادهم الثانى؟ يجيب الكاتب على هذا بقوله: "عندما يعودون إلى إسلامهم، ويلتزمون عملياً فى حياتهم، ويكونون حقاً عباداً لله أولى بأس شديد وسيفعلون ذلك بإذن الله ". وفى الفصل الخامس معالم قرآنية فى صراعنا مع اليهود ذكر الكاتب (131): "اليهود أشد الناس عداوة لنا، وأنهم لن يرضوا عنا إلا أن نتخلى عن ديننا وإسلامنا . الصراع بين المسلمين واليهود بدأ فى أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ منذ ولد صلى الله عليه وسلم واستشهد الكاتب بقصة (أبى ياسر القرظى) حينما قابل النبى صلى الله عليه وسلم وسـأله أخوه حيى بن أخطب: أهو هو؟ قال: نعم والله ، قال تعرفه بنعته وصفته؟ قال: نعم والله! قال: فماذا فى نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت. " "ولقد تمثلت هذه العدواة اليهودية الحاقدة ضد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عدة حوادث، حاولوا فيها اغتياله: إما بإلقاء حجر عليه كما فعل يهود بنى النضير، وبتأليب الأحزاب العربية المشتركة لمهاجمته فى المدينة، وإما بوضع السم له في الشاة المشوية كما فعلت يهودية يوم خيبر، وختم الكاتب كلمته بقوله: كل اليهود يُجمعون على هدف واحد أسود وشعار حاقد، إنه حرب الإسلام والمسلمين، ومعاداتهم حتى الموت (132). وتساءل الكاتب بعد ذلك عن موعد إغلاق ملف الصراع بين أمة الإسلام واليهود، فذكر الكاتب أن صراعنا مع اليهود سيبقى مفتوحاً، والحـرب سجال بيننا وبينهم، وستخفق كل الجهود المبذولة لإقفال الملف قبل أوانه، أو مسالمة اليهود ومهادنتهم، وخير للذين يتهالكون على هذا الحل، ويغالبون قدر الله ومشيئته، ويضيعون الكثير من أعمار الأمة وطاقتها وأموالها وبنيها، خير لهؤلاء أن يكونوا ستارا لقدرة الله، وأن يزيدوا الصراع مع اليـهود حدة وعنفا، وأن يُجندوا كل الطاقات والقدرات والإمكانيات فى سبيل الله، وأن يسعوا ليكون على أيديهم الخير والفتح والتمكين، وليهتموا بما سيكتبه عنهم التاريخ، ولقد قدم الكاتب حديثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكد أن صراعنا مع اليهود دائم ومستمر وأننا سوف ننتصر عليهم بإذن الله قبل قيام الساعة.قال صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حـتى يختبئ اليهودى من وراء الحجـر والشجـر، فيقول الحجـر أو الشجـر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودى خلفى تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" (133). كما أشار الكاتب فى هذا الفصل إلى الدليل على جبن اليهود فى الحروب مع المسلمين، وأيضا عرض الكاتب لصفات المنافقين، عملاء اليهود من خلال القرآن الكريم!.ذكر أثناءها أنه لا يمالىء اليـهود فى أى زمان أو مكان إلا منافق معـاد لله ولرسوله ولدينه ولأمته ولوطنه ، واستشهد بقول الله تعالى: (بَشِّرِ المُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (138) الَذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ) [النساء: 138- 139] وعرض الكاتب أيضاً فى أثنائها لصفات الذين يهزمون اليهود (134). وفى ختام الفصل الخامس: عرض الكاتب لطريق النصر على اليهود، وحل القضية الفلسطينية، فى ضوء الكتاب والسنة، ثم بين أن اعتماد الحل الإسلامى ليس تطوعاً ولا نافلة، بل واجب دينى وإسلامى وإيمانى، وركز الكاتب على نقطتين أساسيتين وهما. الأولى: إقامة المجتمع الإسلامى: إقامة المجتمع الإسلامى الربانى واجب دينى وإسلامى، وإيمانى كذلك، حـتى يكون لإسلامنا وجوده الحى الحقيقى الواقعى، وحتى نمارس إسلامنا ونعيشه فى حياتنا . إن اليهود يحاربوننا حربة دينية، يحـاربوننا باعتبارهم يهوداً، ولهذا أقاموا كيانهم ومجتمعم اليهودى الدينى ، وهم يحـاربوننا لأننا مسلمون، وطريق انتصارنا عليهم أن نكون مسلمين فعلاً، وحقيقة وواقعة، ولن يكون هذا إلا بإقامة المجتمع الإسلامى المنشود، وبهذا ننال رضوان الله ونصره وتأييده، وصدق الله القائل: (ولَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ والإنجِيلَ ومَا أُنزِلَ إلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ ومِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ) [الما ئدة: 66] إدخال القرآن المعركة: لابد من إدخـال القرآن المعركـة مع اليهود، وهو قادر- بـإذن الله- على أن يخـوضها وأن يقود الأمة فيـها، وقد امرنا أن نجـاهد الأعداء به قال تعالى: فَلا تُطِعِ الكَافِرِينَ وجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ) [الفرقان: 52] القرآن يعرفنا على طبيعة المعركة مع اليهود، وعلى سبب حربهم لنا خـلاله ويدلنا على وسائلهم وأساليبهم وأسلحتهم فيها، ويضع بين أيدينا أسباب النصر وعدة الجهاد ووسائل الثبات. وكم نخسر عندما نستبعد القرآن من المعركة، ونستعين بغير منهج الله، من مناهج وخطط وآراء وخبرات اللآخرين؟ الذين قد يكونون أعداء لنا وأعوانا لأعدائنا. يجب النظر إلى اليـهود بمنظار القرآن، ووزنهم بميزان القران، والتـعامل مـعـهم بتوجيهات القرآن، ورؤية مستقبل كيانهم بمنظار القرآن. الثانية: إيقاف مسلسل المهازل وقطع رحلة الضياع: قام مسؤولون من هذه الأمة برحلة طويلة للقضية الفلسطينية كانت رحلة ضياع، عانت فيـها الأمة ما عانت، ولم تجن منها إلا مزيداً من الضياع والضلال والذل والهزائم والنكبات، طلبوا العون والنجـدة والتأييد من القوى العظمى، ولم يجدوا عندها إلا الضلال والشقاء، لأنها تخدم اليهود ولا تساعد المسلمين قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُوْلَئِكَ الَذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ولِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وزْناً) [الكهف: 103،- 105]. وكم كان صادقاً وذكياً وألمعياً ذلك المسلم المهتدى "رجـاء جـارودى" الذى ألف كتابه القيم "وعود الإسلام " الذى قرر فيه أن أوروبا الآن أشبه ما تكون بامرأة تحـمل فى أحشائها جنينا، وأوروبا الآن تحمل الإسلام، ولا بد أن يأتى المخاض، وأن يظهر هناك هذا المولود الذى يمنحها الحياة والنور والإشراق والسعادة. إن هذا الدين هو دين الوجود، الذى كتب له الله الاستمرار والحياة، وإن المستقبل لهذا الدين، وإنه هو دين البشرية القادم، الذى يحدد ملامح مستقبلها المشرق، وهى ستعود إليه قريباً بإذن الله. ثم إن هذا الكيان اليهودى لا يملك عاملاً من عوامل الاستمرار، ولا عنصراً من عناصر البقاء، ولا مؤهلاً من مؤهلات الحياة، إنه مخالف للبدهيّات السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية والبشرية والحضارية والحياتية. إن هذا الكيـان أشبـه ما يكون بمريض فى غرفة إنعاش، ويتـداعى عليـه الأطبـاء ويواصلون حقنه بالمضادات والمقويات، ووصله بأسباب الحياة، لكن إلى متى؟؟ إن أمريكا قطعت عن هذا الكيان أسلحتها المتطورة، وصناعاتها الحربية المتقدمة، فما هو مصيره عسكرياً؟ ولو أن أمريكا- وهذا هو المهم- قطعت عن هذا الكيان دعمها المالى القائم الآن بلا حدود، والمتمثل فى مليارات دولاراتها، ومنحـها الاقتصادية- وهى ستفعل ذلك فى المستقبل يوم يصحو الشعب الأمريكى ويفتح عينيه على الحقيقة- فما هو مصير هذا المريض المخدر فى غرفة الإنعاش؟ ثم إن هذا الكيان اليـهودى يتـآكل من الداخـل، وتنخر فيه عوامل الهدم، ويعمل فيه سوس الفناء، وهو يبدو من الخـارج لصـاحب النظرة العجـلى سليمـاً قوياً مثل الشجرة الخضراء، ولكنه يتهاوى عندما يأتى السوس عليه ويتم التآكل فيه، وسيسقط كـما تسقط الشجرة التى نخرها السوس عند أول زوبعة قادمة. وهناك مشكلات قاتلة لهذا الكيان، تمثل مظاهر التآكل فيه، وهى مشكـلات مزمنة لا حل لها ولا علاج . من هذه المشكلات خلافاتهم الحـادة فيما بينهم، والعداوة والبغضاء التى ألقاها الله بينهم إلى يوم القيامة، بحيث أصبح بأسهم بينهم شديداً، ويحسبهم النظار من بعيد جميعاً وقلوبهم شتى (135) كـمـا بينا فـى هذه الدراسة انقسامـهم إلى طوائف مخـتلفة متصارعة، وأحزاب متباغضة، والمشكلات المزمنة بين "الأشكناز" (136) و "السفاراديم" (136) ليـهود الشرقيين واليهود الغربيين، والمشكلات المزمنة بين المتدينيين والعلمانيين، وبين الأحزاب اليسارية واليمينية، إنها سوس ينخر فى جسم كيانهم من الداخل. ومن هذه المشكلات كذلك، الوجود العربى الإسلامى بينهم، المتمثل فى العرب المسلمين فى فلسطين المحتلة قديماً، وفى الضفة الغربية وقطاع غزة، والذى يملك كل عوامل النماء والدوام والحياة، والذى يحتفظ بأصالة ومنهجية وثبات، والذى يتزايد أفراده ويترسخ كيانه، ويتضاعف تأثيره يوماً بعد يوم، فماذا سيكون بعد سنوات وأجيال؟ وعندما يكون وجوداً إسلامياً ربانياً، فتوقع مدى خطورته، من الداخل على الكيان اليهودى المتهاوى فى المستقبل، ثم إن موارد هذا الكيان اليهودى الموجـودة فى فلسطين تنذر بالنضوب فى المستقبل؟ لأنها موارد محدودة فى رقعة من الأرض محدودة. استمرار حـالة اللاحرب واللاسلم مع اليهود، هو من أعوص المشكلات عندهم، وأفدح الأخطار التى تهدد كيانهم، وأكثر الوسائل استنفاداً لمواردهم وطاقاتهم وإمكـاناتهم ، وفى المقـابل هو من أفضل الأمور عندنا، وأعظم الوسائل لاستنهاض هممنا وعودتنا إلى إسلامنا، وتوظيف طاقاتهم ومواردنا، وحفاظاً على شبابنا ووجودنا ودمائنا. أما إذا اختارت أمتنا طريق السلام والمصالحة مع اليهود فإنه: * بالسلام معهم يحصلون على المشروعيـة القانونية، والاعتـراف الدستورى، وفى هذا لا يبدو الكيان اليـهودى غريباً، ولا دخيلاً ولا معتدياً، وإنما هو أصيل وصـاحب حق ثابت *بالسلام معهم سيدخرون مواردهم، ويوفرون قدراتهم وإمكاناتهم لبناء مستقبلهم وتقديم الخبرات لهم . * بالسلام معهم سينهبون موارد جـيرانهم العرب والمسلمين وهى كـثيرة، ويجعلونها مدداً لمواردهم وصناعـاتهم، واليـهود متـخـصصـون فى نهب خـيرات الأمم وأمـوالها ومواردها (137). * بالسلام معهم سيغرقون أسواق العرب والمسلمين بمصنوعاتهم ومنتجـاتهم وسلعهم الاستهلاكية الكمالية، ويأخذون مقابلها أموال العرب والمسلمين دعماً لهم ولكيانهم (138). * بالسلام معهم يبذلون كل جهدهم فى إفساد الأمة الإسلامية، والقضاء على حياتها وحيويتها، وإماتة الإيمان والحياء عند شبابها وبناتها، وامتصاص دمائها وخيراتها، ونشر الرذيلة والعهر والفواحش بينها، وتحويلها إلى مجموعات بهيمية شهوانية، ومستنقعات لأوحـال الجنس والعرى والشهوات، وعندها تستسلم الأمة أمام اليهود، وتتنازل لهم عن البلاد والأوطان، ويتوسعون فيها تدريجيا حتى يحققوا أمالهم ومخططاتهم (139). ولهذا يجب على الأمة أن تميز الخطأ من الصواب، وأن ترفض كل صوت دخيل يدعو إلى مصالحة اليهود ومسالمتهم، وإلى تبنى كل صوت إسلامى صادق، يدعو إلى استمرار معاداتهم ومواجهتهم ومحاربتهم. ونحن على يقين أن الأصوات المنكرة التى ترتفع فى الأمة وتدعوها إلى الاستسلام باسم السلام، والذل باسم الحل السلمى، والموت باسم إنهاء حـالة الحرب مع اليهودا إن هذه الأصوات ستسكت وتتجاوزها الأمة. وإن الأصوات المؤمنة التى تدعوها إلى الجـهاد والحـشـد والتحـرير والحـرب، هى الأصوات الأصيلة الحـقة، المتوافقة مع إرادة الله، ومع سنن الحـياة، ونواميس الكون، لأصوات الأصيلة الحقة، المتوافقة مع إرادة الله، ومع سنن الحياة، ونواميس الكون، وحقائق التاريخ، وهى الباقية بإذن الله والمنتصرة بتأييد منه... وستؤوب الأمة المسلمة إليها فى قادم الأيام، وتنادى بها على مسمع الأقوام، وتلتزم بها وتتحرك من خلالها. عندها تزيل كيان اليهود وتخرجهم من فلسطين، وتعود فلسطين كلها إلى الإسلام والمسلمين، وتسعد بحكم الإسلام، وتعيش فى ظلال القرآن . قال تعالى: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ الله يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ ) [ الروم : 5 ] قال تعالى: (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) ونَرَاهُ قَرِيباً ) [المعـارج: 5- 7] الفصل السادس المبحث الأول: قراءة فى فكر د. مراد هوفمان. المبحث الثانى: قراءة فى مقالة: المصريون فى مهب الريح المبحث الثالث: قراءة فى فكر الأستاذ/ سعد الدين وهبه: المحور الأول: إسرائيل تستعد للحرب لتحقيق السلام. المحور الثانى: إسرائيل عارية. المحور الثالث: ماذا قال الإسرائيليون بعد رحيله. المبحث الرابع: قراءة فى مقالة: د. مصطفى محمود: (دستور اللصوص) المبحث الخامس: قراءة فى مقالة الأستاذ/ أحمد بهجت:(جذور العنف) تعريف بالمؤلف: * الدكتور مراد هوفمان. * ولد فى 6 يوليو1931 لأسرة كاثوليكية فى أشافينبرج، ألمانيا. * أنهى دراسته الجامعية 1950. * أنهى دراسته للقانون الألمانى، بحصوله على الدكتوراه من جامعة ميونخ 1957 * حصل على درجة الماجستير فى القانون الأمريكى من جامعة هارفارد 1960. * اعتنق الإسلام عام 1980، أدى العمرة 1982 أدى الحـج عام 1992 * عمل فى الإدارة الخارجية الألمانية من1991- 1994. * تخصص فى وسائل الدفاع النووى . * كانت آخر مناصبه، مدير استعلامات الناتو فى بروكسل 1983- 1987 كما عمل سفيراً لألمانيا فى الجزائر من 1987- 1990 وعمل سفيراً لألمانيا قى المغرب من 1990- 1994. * كـتب فى1985 "يوميات مسلم " ثم طبعت بالإنجليزية عام 1987، فى كولون، ثم أعيد طبعها بالألمانية 1990 فى كولون، والفرنسية 1990، بالجـزائر ثم الفرنسية أيضاً فى الرباط 1993 وبالعربية 1993 با لقا هرة . أثار كتابه "الإسلام كبديل " الذى نشر بالألمانية 1992 اهتمام ألمانيا والعالم- أعيد طبعه بالألمانية 1993، فى ميونخ ثم ترجم إلى الإنجليزية والعربية عام 1993. * له كتب ومقالات عدة نذكر منها على سبيل المثال: 1- الإسلام عام 2000 ترجمة/ عادل المعلم- مكتبـة الشروق- طبعة أولى، القا هرة 1995. 2- الإسلام كبديل- ترجمة: د. غريب- مؤسسة بافاريا للنشر، 1993. 3- ندوة بعنوان " الإسلام ينتشر بقوة فى الغرب ". تحت هذا العنوان عرضت مجلة الوعى الإسـلامـى بالكويت فى عددها 372 بتاريخ 1417 هـ- بقلم عبد الرحمن: أن الدكتور هوفمان قال: " لقد أمضيت 4 سنوات من عمرى مديراً إعلاميا لحلف الأطلنطى، ورأيت كيف يخططون لإبادة الإسلام وتشويه صورته". قراءة فى فكر الدكتور/ مراد هوفمان مستشار الحلف الأطلنطى وسفير ألمانيا بالرباط سابقا ((الإسلام ينتشر بقوة فى الغرب)) تحت هذا العنوان نشرت مجلة الوعى الإسلامى على صفحاتها (60-63) نص الحوار الذى جرى مع الدكتور هوفمان على النحو التالى: "استضافت وزارة الأوقاف المصرية السفير الألمانى المسلم/ د. مراد هوفمان الذى أحدث إسلامه فى الغرب دويا هائلاً- فـى ندوة مهمة حول مستقبل الإسلام فى الغرب وسبل الحوار الصحيحة مع المسيحية. وقد تحدث "هوفمان فأشار إلى أن الحضارة الغربية على وشك الانهيار" بعدأن هجـر أهلها الكنائس، ولم تشبعهم المادة التى برعوا فيها روحيا، وذكر أن الإسلام ينتشر بقوة فى الغرب لدرجة أذهلت الغربيين أنفسهم، الأمر الذى أدى إلى أن تكون أكثر احتمالات المواجهات العسكرية لحلف شمال الأطلنطى، مستقبلاً ضد الإسلام، وتحـدث هوفمان عن الصعوبات التى يواجهها الإسلام فى الغرب ومنهج دعوة الغربيين الصحيح إليه، واختتم حديثه متفائلاً بمستقبل زاهر للإسلام ". تصحيح صورة الإسلام (140): وكأن د. أسامة الغزالى حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولة المصرية قد افتتح وأدار الندوة، حيث أشار إلى أن د. هوفمان يعد شخصية إسلامية غربية بارزة، مازالت تثير جدلاً فى الأوساط الغربية بعدأن ترك منصبه كمستشار إعلامى لحلف الأطلنطى، وكسفير سابق لألمانيا فى الرباط. وانشغل وانهمك بنشر الإسلام وبتصحيح صورته لدى الغربيين، بل والمسلمين أنفسهم، مشيراً إلى أن أبرز ما شجـعه على ذلك ثقافته الغربية والإسلامية الكبيرة. " ((الغرب يعيش محنة قاسية) "أوضح د، مراد هوفمان فى بداية حديثه أن الغرب يعيش محنة قاسية، بعد أن هجر الكنائس المسيحية التى غرقت فى خـلافات وصراعات مذهبية حول طبيعة السيد المسيح عليه السلام- طبيعة إلهية أو بشرية- واتجهوا نحو عبادة المادة، الأمر الذى قلل من تأثير الكنائس على حياتهم ، وذكر هوفمان أن انهيار الكنائس فى الغرب لايعنى أن فكرة الإيمان بالله على وشك الاختفاء، بل نلاحظ اليوم أن كبار علماء الغرب فى الفيزياء والعلوم الاجتماعية، والحـاصلين على جوائز نوبل العالمية، يعترفون أنهم مؤمنون بالله، ويحتاجـون لمعرفته، وهو أمر كان نادر الحـدوث سابقاً. وقال هوفمان إن الشعوب الغربية أصبحت موقنة ومؤمنة اليوم. إن الحضارة الغربية فشلت فى إشباع احتياجاتهم الروحية وأدخلتهم فى حروب طاحنة، أكلت منهم الكثير بشرياً ومادياً، وكل ذلك يؤكد أنه من الممكن أن يتحول المسيحيون إلى مسلمين، وأن تتحول الكنائس إلى مساجد بسهولة إذا نجح المسلمون فى تقديم الصورة الصحيحة لإسلامهم. " ((صعوبات عديدة تواجه الإسلام فى الغرب) "وأشـار هوفمان إلى أن هناك صـعوبات عديدة تواجـه الإسلام فى الغرب، أبرزها تشويه صورته من قبل الأجهزة الإعلامية والبحثية، وأسباب ذلك معقدة ومتنوعة يرجـع بعضها إلى الحروب الدموية بين المسيحيين والمسلمين، والتى عُرفت بالحروب الصليبية، والصراع السياسى والتجارى للسيطرة على البحر المتوسط، حتى أصبحت إدانة الإسلام جزءاً لايتجزأ من العقلية الأوروبية، ومن هنا نرى أن هناك إجـهاض لأى تعـاطف مع الإسلام والمسلمين. واستشهد هوفمان بما حدث مع عميدة الاستشراق الألمانية (د. أناميل شميل) للتدليل على صحة كلامه، حيث هاجمتها وسائل الإعلام الألمانية بشراسة حينما انتقدت كتاب سلمان رشدى (آيات شيطانية)، وأكدت أن الكتاب يحتوى على افتراءات وأكاذيب عن رسول الإسلام. وأعلنت أن الكتاب مثل إهانة واضحة للإسلام والمسلمين، وللأسف بسبب كلامها هذا تعرضت د. شميل لاضطهاد وهجوم واسع، وبالطبع كانت أسباب هذا الاضطهاد سياسية وليست دينية. وألمح د. هوفمان إلى صعوبات أخرى يواجهها الإسلام فى الغرب، وهى أن الشعوب الغربية ترى- فى الإسلام كديانة- أنه يقيد حرية الفرد، فهو يحرم الخمر، ويفرض الحجاب فى الصلاة وفى الحج، فى الحرارة الشديدة، وكل هذه الأشياء لم تتعودها العقلية الغربية، هذا بالإضافة إلى أن الغرب يتخوف من الإسلام حينما يرى بعض الدول الإسلامية تطبق الحدود السماوية (*) على السارق والقاتل، وبقية الحدود الإسلامية. ورغم ذلك- كما قال هوفمان-: فإن الإسلام ينتشر بقوة فى الغرب، وبصورة مذهلة، أوجدت الرعب فى نفوس الغربيين الحاقدين، بعد أن عرف أبناء الغرب الحقائق الصحيحة عن الإسلام، ونجـاحه فى إشباع احتياجاتهم الروحية بعد أن أغرقتهم الحياة المادية الغربية فى كل شىء، ولا يتوقع أحد اليوم أن يختفى الإسلام، ولكن أن ينتشر ويمتد. ويضع جنرالات" الناتو" فى حسباتهم أن أكثر المواجهات العسكرية احتمالا فى المستقبل لن تكون إلا مع الإسلام، لأنه العدو المتنامى المرتقب الذى ينتشر بقوة، لا يعلمون- حتى الأن- أسبابها" ((التفاؤل سمتنا كمسلمين) وأضاف "هوفمان ": أننا كمسلمين ينبغى أن نكون متفائلين، حتى نحصل على مكاسب، ونستفيد من كل شىء حولنا لنشر الإسلام، وتصحيح صورته فى الغرب، وعلى سبيل المثال يمكن أن نستغل شبكة "الإنترنيت " لصالح الإسلام والمسلمين وليس العكس، فيمكن لنا أن نرسل بالإسلام إلى شاشاتهم وبرامجهم بدلاً من الصورالفاضحة التى يرسلونها إلينا، وإذا كـان اللوم مُلقى اليوم على الإسـلام من الإرهاب ومـا يقـوم به بعض المسلمين ويلصقه بالإسلام وهو منهم برىء، فإن الإرهاب كان فرصة لتعرف الكثيرين عن الإسلام، وقراءات مؤلفات المسلمين، وترجمات القرأن، وبهذا أتت الريح بما لا تشتهى السفن كما يُقال . " ((الحوار بين الإسلام والغرب) "وتطرق "هوفمان " إلى الحوار بين الإسلام والغرب، فأشار إلى أنه حوار مستحيل بلا فائدة حـالياً. إنما الحوار الاكثر فائدة وفاعلية فهو الحوار بين الإسلام والمسيحية فى الغرب " حيث إن هناك أرضية مشتركة بينهم هى الإيمان بالله ، ولكن هذا الحوار لن ينجح إلا إذا تفهمنا كمسلمين ومسيحيين أننا نعيش فى قارب واحد، وأن يفهم المسيحيون أن المسيحية يمكن أن تكون أقلية كما هو الحـال بالنسبة للأقليات الإسلامية فى الغرب، ولابد أن يرتكز هذا الحوار على القبول المتبادل وليس التسامح فقط، وعلينا أن نبدأ بالتسامح حتى نصل إلى درجة القبول خاصة وأن مشاكل عديدة فى الغرب يمكن حلها بالتنسيق بين المسلمين والمسيحيين، أهمها مشكلات الشذوذ الجنسى، وانهيار الأسرة، والإجـهاض والمخـدرات، وارتفاع معدلات الجرائم وبخـاصة بين الشباب والتلاعب بخلق الله (141)- الجينات- فيما يسمى علم الهندسة الوراثية. " تطور إيجابى تجاه الإسلام فى الغرب: وقال هوفمان: إن المسلمين والمسيحيين يخشون بعضهم لأسباب مقنعة، ولا يوجـد أفظع من الخوف، لأن الخوف يمكن أن يطلق شرارة الحروب، والمؤسسات المسيحية والإسلامية يمكنهما أن تنزع فتيل الحرب إذا تحاورا وتفاهما وتسامحا، وقبّل بعضهم بعضاً، وهذا هو التحدى الذى يواجهنا، فهناك تطور إيجابى تجـاه الإسلام فى الغرب بخاصة فى ألمانيا، فاليوم القساوسة والحكام يرسلون بالتهنئة للمسلمين فى أعيادهم، وأصبحت الدعوة للصلاة أو لذبح الحـيـوانات طبقاً للشريعة الإسلامية حدثاً عادياً متكـرراً فى الغرب. كما أن تراخيص بناء المساجد تمنح للمسلمين، وأملى وأمنيتى أن يكون هناك مسجد فى كل قرية ألمانية أو غربية، بجوار الكنائس المنتشرة بكثرة والتى هجرها مسيحيوها. " أسئلة وإجابات: "وبعد أن انتهى د، مراد هوفمان من حـديثه، دار بينه وبين وُعّاظ الأوقاف وعلماء الإسلام حوار مهم، بدأه الشيخ محمد عبد السلام بسؤال حول كيفية تغيير صورة الإسلام فى الغرب، وإقامة علاقة سليمة بينه وبين المسلمين خاصة، وأن الغرب لديه حب السيطرة والنفوذ والسيا دة ؟ وأجاب د، هوفمان مؤكداً أنه لا ينبغى أن نبالـغ فى تصوير العداء الغربى للإسلام، فهناك خـوف غربى مشروع على الهوية الغربية، ففى ألمانيا أو فرنسا يوجد ملايين من المسلمين وهم لا ينتمون إلى البلد نفسها أو! جنس سكانها، وبالتالـى فهم يسببون توتراً، وبالتالى نرى عداء الغرب يزيد لا بسبب أنهم مسلمون، ولكن لأنهم مواطنون مختلفون فى الهوية والانتماء، ولكنى أؤكد أننا بحـاجة إلى أن نفتح حـواراً معهم خـاصة وأن الدين الإسلامى أصبح يواجه تقديراً واحتراماً فى الغرب، ونؤكد لهم جميعاً أننا لا نهدف إلى إجبارهم على اعتناق ديننا، بل إن قرآننا أكـد أن الله خلقنا شعوباً وقبائل ذات أعراق وأديان وجنسيات مختلفة، لنتعارف ونتآلف. وأعتقد أننا لو نجحنا فى طمأنة الغربيين فسوف يحـقق الإسلام انتصارات جديدة كبرى. ((المراكز الإسلامية فى الغرب)) وسأل د. حسن الشافعى وكئل كلية دار العلوم بجامعة القاهرة د. هوفمان عن تقييمه لعمل المراكز الإسلامية فى الغرب، وكـيفية تغيير المناهج الدراسية لأبناء الغرب والتى شوهت صورة الإسلام فى عقولهم؟ وأجاب هوفمان مشيراً إلى أن: على المؤسسات الإسلامية أن تكثف جـهودها لتأهيل دعاتها العاملين فى الغرب، بحيث يكونون على قدر كاف من العلم ومعرفة طبيعة جمهورهم المستهدف، لأنه من المهم أن يفهم الداعية لغة وظروف ونفسية مخاطبيه، وألا تعتمد تلك المؤسسات على الدعاة الذين تبعثهم أو ترشحـهم الحكومات الإسلامية فى الغرب؟ لأن الواقع أكـد أن دعاة الحكومات عادة يكونون غير مدربين، وغير مؤهلين، كما أن المسلمين فى الغرب يرفضونهم بسبب تبعيتهم للحكومات، وهذا خط لابد من تداركه حـيث يقلل من فرصة انتشار الإسلام بقوة فى الغرب. " وأضاف هوفمان: إن هناك كثيراً من المثقفين الإسلاميين فى الغرب وأنا منهم يقومون حـاليـة برصد الأخطاء الواردة فى الكتب التعليمية الغربية عن الإسلام فى العلوم كـافة تمهيداً للرد عليها فى كتيبات تصدر قريباً، كما نحاول إقناع السلطات التعليمية فى الغرب بتصحيح تلك الأخطاء، وعلى أية حال فإن بعض الأخطاء جاءت نتيجـة عدم الفهم الكامل، والدراسة التامة بأصول الإسلام والقرآن الكريم، ونأمل فى تغييرها وتصويبها ." صورة الإسلام فى الغرب (142). وسأل د. مصطفى الشكعة عضو مجمع البحـوث الإسلامية د. هوفمان حول تصوره لأسلوب الدعوة الصحيح مستعرضاً تجربته، حينما كـان مستشاراً ثقافياً لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان يعامله الأمريكيون فى البداية بأسلوب ليس طيباً، بسبب ما يسمعونه عن إرهاب وتوحش العرب والمسلمين؟ " "وقال د . هوفمان: إننا نحتاج لأسلوب دعوة جديد للإسلام فى الغرب، فعلينا أن نعرف أولاً طبيعة المجموعات المستهدفة، وقبل أن أوجه رسالتى يجب أن يكون المستقبل مقتنعاً بما أقول من آراء وتوجـيـهات... وفى الغرب هناك أناس لا يعترفون ولا يؤمنون بالله، وبالتالي لايعقل أن أقول لهم قال الله كذا... وكذا، ولكن على أن أوجه لهم رسالة علمية واضحة بحقائق كونية وبراهين مختلفة، ثم أقارن هذه الحقائق بما جاء فى كتاب الله، كما أن الدعوة فى الغرب لا تتطلب إسرافاً فى الأمور بحيث يصبح الداعية منبوذاً بسبب كثرة ما يمليه على المتلقى، ولكن عليه أن يعرف شخصية ونفسية الموجـه إليه الرسالة، حتى لا يتحـول الأمر فى النهاية إلى العكس، لأن الناس فى أوروبا يحـتاجون أولاً إلى إقناع، ثم دعوة فى المقام الثانى، فلو اقتنع الفرد بما يقوله الداعية فسيكون من السهل عرض الرسالة عليه بالأسلوب اللين السهل، ومع ذلك فلابد أن نعلم أن لديننا ربّاً يحميه، فصورة المسلمين اليوم وما يفعله بعض حكامهم يصدم العقلية الغربية فى الإسلام، ورغم ذلك فإن الله بيده كل شىء، وتغيير الأمور إلى الأحسن، فمن كان يصدق أن شخصاً مجرماً مُضللاً للإنسانية مثل "مالكوم ماكس " سيتحول للإسلام فى أمريكا، ويعود من مكة داعية للإسلام، ويقطع صلته بالإجرام والإرهاب، ويتسبب فى دخول آلاف الأمريكيين فى الإسلام. " "وأضاف هوفمان: "لقد أمضيت 4 سنوات من عمرى مديرا لحلف الأطلنطى ورأيت كيف يخططون لإبادة الإسلام وتشويه صورته، ولكنى أقول إن الله سيظهر دينه، وسينتشر أكثر وأكثر، وسيكون الإسلام هو دين البشرية مستقبلا " أو كـما قلت سابقة فى كـتـبى ومؤلفاتى: إن الإسلام هو الدين البديل والأقوى اليوم للبشرية الغربية التى تعانى وتعانى بقسوة، وتبحث عن بديل ولن تجـده إلا فى الإسلام، وأعتقد أن المستقبل مملوء بالتفاؤل والأمل الكبير لإسلامنا ". المصريون فى مهب الريح مقالة صحفية: نشرتها مجلة "عرب تايمز" العدد 107 بتاريخ،11 :20 ديسمبر 1992،- بقلم محمد عبد المعطى- رحمه الله. ((المصريون فى مهب الريح) تحت هذا العنوان كتب محمد عبد المعطى فقال. "إن الاشتباكات بين المسلمين والأقباط فى صعيد مصر، ثم الهجوم على باصات السياحة والانتقادات الموجهة إلى الحكومة المصرية، بعد فشلها فى تدارك الزلزال (*) المدمر، ثم المواجهة الساخنة بين مصر وإيران، وتبادلهما التهديد كل ذلك يؤكد للمراقبين أن مصر قد أصبحت على أبواب حرب أهلية، قد تتمخض عن ظهور ثلاث دويلات فيها: قبطية، ودولة إسلامية، ودولة نوبية. "أصابع إسرائيل ليست بعيدة عن السيناريو الذى سيعصف بمصر، لذا ترتفع اليوم أصوات المخلصين (143) فى مصر من مسلمين وأقباط، يحذرون من المؤاموة الصهيونية التى تخطط فى المرحلة الأولى لتدب الفوضى والفساد وإشعال حرب أهلية فى مصر، ثم إبادة أبنائها، وتدمير حضارتها المعاصرة، ويترتب بعدها فى المرحلة الثانية تقسيم مصر إلى عدة دويلات، دولة قبطية، ودولة إسلامية، ودولة نوبية، ثم ضم مصر لدائرة نفوذ إسرائيل الكبرى فى المرحلة النهائية". "وكما عبر الإسرائيليون فى عدة مناسبات أن السلام فى مصر هو تهديد لإسرائيل وأنه من الأولى معالجة الأمر فى أقرب وقت، وتدمير مصر بثقلها السكانى بدلاً من الانتظار حتى تجد إسرائيل نفسها فى مواجـهة (100 مليون قنبلة نووية)- كناية عن عدد سكان مصر فى عام 2006- وتمارس إسرائيل اليوم بدعم الصهيونية العالمية لعبة الثلاث ورقات ". ((أولاً: ورقة الأقباط وآمالهم فى إنشاء دولة مسيحية (144))) "المحلل للمؤتمر الصحـفى الذى عُقد بالكـنيسة المصرية فى مصر، يشعر أنه يحمل تهديداً مبطناً بأن الأقباط بإمكانهم طلب الدعم الخارجـى، وأنهم يعانون من الاضطهاد". ومن مؤشرات خطورة الورقة القبطية ما يلى: 1- لقد كانت ملامح الفتنة بين الأقباط والمسلمين فى مصر واضحة فى العهد السابق، ولكنها الآن فى العهد الذى تعيشه أصبحت أخطر ورقة، وفى زمن استطاعت اليهودية العالمية أن توصل قبطياً مصرياً لأعلى منصب دولى فى العالم (الأمين العام للأمم المتحدة) بمواصفاته الخـاصة، وأبوه قبطى وزوجته يهودية، وهناك من يعتقد أن أمه يهودية أيضاً، وجده معروف، أنه باع للإنجليز قناة السويس، ودفع لتصرفه هذا حياته ثمناً لها، ويتميز على كل الأمناء السابقين بزيادة صلاحياته، حتى إنه طلب تشكيل جيش عالمى بقيادته يتدخل (145) فى الحالات المماثلة لما يحدث قى البوسنة والهرسك !! " "وهذا أمر كـأنه مخطط له، ليعطى الضوء لأقباط مصر، وليطمئنهم بأن كل العالم سيقف معهم لحـمايتهم!! كما يتميز بتحـيزه ضد البوسنة والهرسك بشكـل لفت انتباه سياسيى وصحافيى العالم!! " 2- يتابع المراقبون مناورات للحلف الأطلنطى فى البحـر المتوسط، ومناورات إسرائيلية وأمريكية مشتركة للتدخل السريع (146) !! يمكن التدخل لحماية أقباط مصر!! 3- لقد وصل إلى مصر مؤخراً رئيس جمهورية أرمينيا فى زيارة خاصة، وإن المتأمل لما قاله رئيس أرمينيا فى مصر: "ها هى أرمينيا تصبح دولة بعد ألف سنة"وهو أمر يتابعه الأقباط بحذر، فإسرائيل تعود بعد ألف عام، والعرب يخرجون من غرب أوروبا قبل 500 عام فى 1492، والآن المسلمون يُبادون ويخرجون من شرق أوروبا (البوسنة والهرسك) فى عام 1992، بعد أن مكثوا أيضاً 500 عام. 4- ازدياد الجماعات المتطرفة المسيحية (هناك 14 مجموعة مسلحة)، وارتفاع الأصوات الداعية إلى إخرج العرب من مصر؟ لأنه على حد قول بعضهم، "مصر وطن الأقباط، وإن المسلمين المستعمرين جـاؤوا من الجـزيرة العربية، وينبغى أن يُطردوا إليها، إن كل هذه الأصوات الداعية إلى الفتنة، والتى تجـد الدعم والتأييـد من الصهيونيين فى إسرائيل، والحركة الصهيونية المسيحية فى مصر تنتظر الظروف المناسبة لإشعال (بوسنة وهرسك) فى مصر، تُدمر فيها البلاد، يُباد فيها المسلمون، على أن يخرج الأقباط بدولة تشمل (147) الأسكندرية ومناطق مثل أسيوط والفيـوم وجـزء من القاهرة، وخلق دولة نوبية، وتلقى اعترافاً فورياً من فرنسا وإيطاليا وألمانيا (وكلها دول تتعاطف مع إسرائيل) يسعى لانتزاعه الأمين العام للأمم المتحدة"!!. 5- "إن هناك مؤشرات قوية على أن الأقباط أنفسهم يستعجلون الأحداث" ث، حيث قبض على العديد من الأقباط الذين قـاموا بإحـراق منازلهم وسياراتهم واتهام المتطرفين المسلمين "!! ثانيا: ورقة الإرهاب الإسرائيلى (148): (كل هذه الأعمال تطرقت لها وسائل الإعلام العربية والمصرية) أ- نشر المخدرات وإرسال الجواسيس. ب- نشر الإيدز والدعارة. جـ- تسريب الأسلحة واجتذاب العملاء، لتسخيرهم للأعمال التخريبية بمعرفتهم أو التغرير بهم. د- القيام باغتيالات وأعمال إرهابية بالمتدينين بمصر. هـ- البطالة وتتمثل فى عودة الملايين من العاملين فى الدول العربية إلى مصر، لظروف سياسية وتسريح أكثر من نصف مليون عامل بناء على طلب البنك الدولى. و- تشجيع الحركات الباطنية مثل الشيعة والفاطمية والبهرة فى مصر"!! ثالثاً: ورقة الأصوليين والجماعات الإسلامية: تلعب إسرائيل هذه الورقة لتحقيق هدفين: أولهما: ضرب الحكومة المصرية فى الشعب ذى الغالبية المسلمة. ثانيهما: ضرب الأقباط مع المسلمين، و ضرب المسلمين مع الأقباط، والواقـع أن الخطر الأصولى يبالغ كثيراً فى تحديد حجمه، فهو لا يلقى أى مساندة خارجية على عكس الأقباط، كما أن الجماعات المتطرفة هى حركات طفيلية وبعضها قد تحركه جهات خارجية، ولهذا فهو مصدر للقلاقل ولكن ليس له إمكانية لتغيير النظام القائم والحلول مكانه، وأما الحركات ذات الخبرة الكبيرة كالإخوان المسلمين، فإنها تعلم من خلال تجاربها الماضية أن تهديدها للنظام المصرى القائم فى ظل المستجـدات الحديثة سيؤدى إلى كارثة تلحق بها كحركة، وبمصر كدولة عربية مسلمة. رابعاً: التوقعات المستقبلية فى مصر: محاولة إسقاط النظام المصرى، وهناك العديد من المؤشرات منها ما يلى: أ- الفجوة الكبيرة بين الشعب والحكومة، لعوامل كثيرة ومتعددة (1قتصادية واجتماعية ودينية وسياسية). ب- الفجوة الكبيرة بين الحكومة والمعارضة . جـ- الفجوة الكبيرة بين المسلمين والأقباط، والسعى لازديادها عن طريق الصهيونية المسيحية العالمية وإسرائيل. د- الفجوة الكبيرة بين المسلمين المتدينين والعلمانيين المسلمين والسعى لإشعالها، ومحـاولة وضعهم فى صف مع الأقباط. هـ- التدهور الاقتصادى الرهيب فى مصر، والسياسات المالية التى تزيد من تذمر الشعب، مثل رفع أسعار البنزين والكهرباء وتوقيع المزيد من هذه الضرائب غير المبا شرة. و- الحملات الصحفية المكثفة التى تشكو من تفجر الأوضاع الداخلية فى مصر، وتحذر من الأنظمة الجـديدة التى تطبقها الحكومة المصرية، مثل مكافحـة الإرهاب، ومثل أسلوب الجهات الأمنية فى تعذيب الكثير من المتهمين. ز- الحملات الإعلامية فى الإعلام الغربى (وبعض وسائل الإعلام الغربية الصادرة فى فرنسا وبريطانيا) والتى تروج لاضطهاد الحكومة المصرية للأقباط. ب- تدهور العلاقات المصرية مع جيرانها، وبصفة خاصة السودان وليبيا. خامساً: السيناريو المتوقع لمصر (149): 1- افتعال حـادثة كبيرة ، بموجبها تندلع الفتنة بين الأقباط والمسلمين، ويكون لإسرائيل الدور الكبير فى إشعالها، عن طريق القيام بمذابح ضد مجموعة من الأقباط أو العكس، فيستمر العنف ويزداد نتيجة رد فعل المواطنين من الجانبين، وتستمر شبكات التجسس الإسرائيلية فى إشعال الفتيل، وحرق المساجد والكنائس، وتدمير المكتبات والمناطق ذات الأهمية التاريخية التى هى مصدر اعتزاز المصريين. 2- توجه الكنيسة فى مصر نداء لطلب التدخل لحماية الأقباط من المذابح. 3- تتخذ الأمم المتحدة قراراً فى مجلس الأمن تحت نفوذ رئيسها، وتشكل قوات دولية (150) إيطالية وفرنسية وألمانية وربما أمريكية لمكافحـة الإرهابيين فى مصر. 4- يتم تحصين الأقباط ونقلهم إلى مناطق آمنة، فى الوقت الذى يفر الآلاف من المسلمين من مناطق الأقباط خوفاً من الانتقام. 5- يتبلور فى الأشهر التالية لبداية الحرب الأهلية نموذج مصرى جديد على غرار نموذج لبنان والبوسنة، فيما يتعلق بدعم التيار القبطى من العالم، وحين تواجه الأغلبية المسلمة الحصار والتجويع والإبادة، وتُدَمّر خلال هذه الأحـداث المصانع والمحلات التجارية والفنادق والكبارى والمرا كز الثقافية والترفيهية. سادساً: موقف الجيش المصرى من الحرب الأهلية: أ- "إن المتابع لأحداث أثيوبيا والصومال، يدرك أن أحد أهداف تفتيت أثيوبيا والصومال هو السيطرة الإسرائيلية على البلدين، وتدمير جيشيهما، ولا سيما الجيش الصومالي الذى مولته الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة لمواجهة المد الشيوعى فى القرن الأفريقى، ولا شك أن الدور الذى قام به "هيرمان كوهين الأمريكى الذى شغل مركز **** وزارة الخـارجية الإفريقية و بطرس غالى" الذى كان فى تلك الفترة وزير الدولة المصرية للشوون الخارجية، وبصفة خاصة المسؤول عن الشؤون الإفريقية وهو تفتيت البلدين وتدمير الحبشة والصومال، وكلاهما يشكل فيهما المسلمون الأغلبية، فباستثناء القيادات العليا فى المراكز القيادية فى أثيوبيا فإن أغلبية الجنود من المسلمين . ب- من المحتمل تدخل قوات أجنبية إسرائيلية وغيرها لضرب الأهداف العسكرية والجيش المصرى فى مصر، على غرار حرب 67، مع محـاولة السيطرة على بعض القواعد العسكرية من قبل القوات القبطية والمساندة لها. ب- إن من المتوقع أن تفجر عن طريق الأعمال التخريبية التى يقوم بها عملاء إسرائيل العديد من مستودعات الأسلحة فى مصر، كما أن مئات الآلاف من الجنود سيواجهون حـصاراً شديداً سيؤدى إلى تجويعهم مع بقية الشعب المصرى على غرار ما هو حاصل الآن فى البوسنة والهرسك والصومال وأثيوبيا. د- إن إسرائيل ستتحرك فى بداية الأحداث نحو سيناء، ثم تدخل لتحتل الإسماعيلية (لأهميتها لأمن إسرائيل المائي، وتنفيذ مشروع بتأمين الماء) وتحتل السويس بحجـة تأمين المياه الإقليمية الدولية . هـ- سينقسم الجـيش المصرى على نفسه مع مرور الزمن، وسيهرب الكثير من الجنود ومنهم من سيتم تجنيـده عن طريق العصابات، ومنهم من سيشكل ميليشيات تحت إشراف أجهزة أجنبية ومنهم من سينضم إلى تنظيمات شعبية ودينية وقومية. مصر فى التوراة: إن سيناريو ما يحدث فـى مصر كتبه اليهود فى التوراة منذ ألاف السنين، ويمكن أن تنظر إلى ما يأمل الإسرائيليون فـى أن يكون عليه سيناريو الحرب الأهلية فى مصر: ورد فى التوراة فى الإصحاح 19/3-17 من سفر أشعياء النبى النبوءة التالية ( أهيج مصريين على مصريين فيحـاوب كل واحد أخاه، وكل واحد صاحبه، مدينة مدينة، ومملكة مملكة، وتهراق روح مصر داخلها، وتضيع مشورتها فيسـأل كل واحد العارفين والتوابع والجن، وأغلق على المصريين فى يد حاكم قاسى فيتسلط عليهم، ويجف الحياة من البحر ويجف النهر وتنتن الأنهار، وتضعف السواقى ويتلف الزرع وتجف الرياض والحقول.. والصيادون لا يجدون صيداً وكل من يلقى بشص إلى النيل ينوح.، ويكتب كل عامل بالأجرة، أين ذهبت حكمة فرعون، وماذا قضى رب الجنود على مصر، لقد ألقى الرب عليها روحـاً شريرة أوقعت مصر فى ضلال وأضلت أبناءها، فإذا هم يترنحون كالسكران فى قيئه فلا يكون لمصر عمل. فى ذلك اليوم تكون مصر كـالنساء، ترتعد وترتجف من رب الجنود وهو يهزها...) ولكن (واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [ يوسف: 21] ملحوظة: "هذه الآية ما زالت منقوشة على جدران المساجد فى الأندلس "!! سابعاً: الحل النهائى لمشكلة مصر: "يرى اليهود أن تدمير مصر بثقلها السكانى هو الحل النهائى لأى مواجـهة عسكرية مستقبلية مع مصر، إذ إن اليهود يدركون أن انتهاكـهم لاتفاقية كامب ديفيد وتدميرهم للمسجد الأقصى، لابد وأن يدفع بالمصريين لخوض حرب أخرى ضد إسرائيل إن عاجلاً أو آجـلاً، ولا ينسى اليـهود أن العدو التقليدى له فى مواجـهتـهم العسكرية فـى الأعوام 1956،.1967،1973 هى مصر العربية المسلمة، ويبدو أن حصار ليبيا وما يخطط لها، وعزل السودان عن بقية العالم العربى، والسعى لاستمرار العلاقات السيئة بين السودان والمملكة العربية السعودية، والسودان ومصر إنما هى إطار ما يُخطط لمصر والعالم العربى بأكمله " (151) انتهى كلام "محمد عبد المعطى". تعقيب: هذا هو المقال الذى نُشر نَصّاً فى مجلة "عرب تايمز" والذى راح ضحيتـه كـاتب هذا المقال لأنه أراد أن ينبه الأمة إلى الأخطار المحدقة بالأمة، وما يدبره أعداء الإسلام للأمة الإسلامية، بل إن رئيس التحرير الذى نشر فى عهده هذا المقال قد أقيل من منصبه، وهذا المقال يعتبر تنبيهاً لأخطار محدقة وقى الله مصر والعالم الإسلامى شرها. يقول رب العالمببن: (ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ واللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ) [الأنفال: 30] ولكن فى نفس الوقت يقول رب العالمين: (وكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ ولِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ) [الأنعام: 55]. ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء: 71] . الفصل السادس وهو عبارة عن ثلاثة محاور: المحور الأول (إسرائيل تستعد للحرب) من خلال كتاب "السلام المستحيل " (152) للاستاذ سعد الدين وهبه (153) كانت عدة عناوين رئيسية منها: - مازال العرب على يقين كامل بالغدر الإسرائيلى. - هل يتصور الأمريكان أن الشعوب العربية كم مهمل يجوز التلاعب به؟ - الحاجز النفسى سقط فقط عن الذين يتحدثون عن ذلك. - رابين عندما تحدث عن حرب شاملة كان يعنى ما يقول.. ففى يده آلة حرب قادرة على الإحاطة بكل دول الشرق الأوسط. تحت هذه العناوين كتب الأستاذ/ سعد الدين وهبه فقال "انكشف الخـداع عند أول منعطف وظهرت إسرائيل على حقيقتها، وسقطت عنها ورقة التوت، لتبدو عجوزاً شائهة مـازالت تعيش فى أحـلام هرتزل وبن جـوريون، وموسى شـارتوك، وغيرهم من غلاة الصهاينة، وما زال منطق القوة هو الذى يحكم الفكر الإسرائيلى، وما زالت الثقافة الإسرائيلية تقوم على العنف، وما زال اليقين عند القادة الإسرائيليين أن العرب لا يعاملون إلا معاملة التابع الذليل، الذى لا يملك لأوامر سيده اعتراضاً، أو حـتى ليس من حقه المناقشة، بل ليس من حقه أن يتألم إذا أصابته مصيبة، هذه هى عقلية الإسرائيليين والتى بدت واضحة فى الأيام الأخيرة ." "لقد ظلت الأقلام تدعونا كل يوم إلى جنة إسرائيل، وتدعو رجـال الأعمال ليقيموا المشروعات، وتدعو رجال الثقافة لينهلوا من ثقافة قديمة متميزة، وتدعو رجال التكنولوجـيا ليغترفوا من إسرائيل ما تحتاج مصر، وشملت الدعوى الأشقاء والأخوة فى البلاد العربية، واستجـاب عدد ضئيل؟ لأن العرب مازال فى أعماقهم يقين بالغدر الإسرائيلى، والذى يقول ويقال عن سقوط الحـاجز النفسى، يعنى سقوط هذا الحـاجز عند الذين يقولون به فقط وليس عند الشعب المصرى، أو غيره من الشعوب العربية . إن الذى كان يفاخر بأنه كـان يكره إسرائيل ثم تحولت الكراهية إلى حب، وغدا تتحول إلى عشق وهيام، لم يقل لنا: ماذا فعلت إسرائيل لكى تحـصل على قلب الكـاتب الكبير، الذى يحـتل جزءاً كبيراً آخـر منه عرفات؟ ما الذى قامت به إسرائيل حتى (يذوب) العرب فيها عشقا وهياما؟ هل مجرد التوقيع على معاهدة (أوسلو) مبرر لذلك؟ وماذا حدث لأوسلو؟! ألم يشاهد بيوتا عاشت فى هذا المكان منذ آدم؟! ألم يسمع مبررات هذا القمع- وهو يرى الدماء الفلسطينية تسيل، إن قرار إيقاف بناء المستوطنات لا يشمل إيقـاف توسيع المستوطنات القائمة.، هل هذا المنطق هو المبـرر الموضـوعى لقـتل الفلسطينيين، وهـى تفـعل ذلك بهم أمـام عدسـات التليفزيون، ليست محاولة لاستنهاض العالم ضد هذه المجازر، ولكنها فرصة مجـانية للذين يريدون الشماتة بالصوت والصورة، وهو إثبات للولايات المتحدة أن أموالها لاتذهب سدى، وأن قتل العرب مستمر، وأن هدم بيوتهم مستمرا. هل تحطيم قرى كـاملة فى جنوب لبنان يمكن أن يحيل كراهية إسرائيل حبا؟ .. وهل،.. وهل، ثم تأتى القشة التى قسمت ظهر البعير.. والقشة هذه المرة هى معاهدة حظر الأسلحـة النووية والتوقيع عليها. لقد ظهرت هذه الاتفاقية فى عام 1968 ووقعتها مصر فى تاريخ فتح الاتفاقية، ساعة فتح الباب للتوقيع ولم تتوقف ولا التفتت لطابور الذين سوف يوقعون بعدها ". "وقد تم التصديق على الاتفاقية فـى مصر فى 26 فبراير عام 1981 ووضعت الاتفاقية بالتوقيعات التى وقعتها الدول وديعة لدى الدول الكبرى، أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا. ثم حان موعد تجديد الاتفاقية والتوقيع عليها من جديد، وهنا بدأت الولايات المتحدة تستعد لقيام الدول بالتوقيع، وكان لابد أن تجرى الاتصالات بالدول كى تذكرها بموعد التوقيع وتحصل على موافقتها على ذلك. ولنعد للتوقيع الأول، ولنسأل لماذا وقعت مصر، ولم توقع إسرائيل؟ وأتصور اجتهادا أن الأمر لايخـرج عن أن مصر وقعت فى أول يوم تحـدد للتوقيع، وربما لم يدر فى فكرها أن إسرائيل لن توقع عندما يأتى دورها، وعندما جاء دور إسرائيل لم توقع. فى عام 1968 لم تكن إسرائيل قد أقامت مفاعلها الهيدروجينى، ولم يكن أحد يتصور فى العالم العربى أنها ستستطيع ذلك فى مدة معقولة؟ ولذلك لم يصدق العرب كعادتهم أن عدوتهم الأولى سوف تنجـح فى إعداد هذا السـلاح النووى الجـبار، هكذا أصبحت إسرائيل تملك القوة الذرية الوحيدة فى المنطقة، ولابد أن نذكر هنا تدمير إسرائيل للمفاعل الذرى العراقى على يد بيجين، ويوم اجـتماعه بالسادات فى الإسماعيلية، ولا ننسى أيضاً اغتيال الدكـتور المصرى المشد المختص بالذرة والذى كان معاراً للعراق فى فندق بباريس. الموقف الآن،. إسرائيل تملك سـلاحـا ذريا، وتملك بجـوار هذا السـلاح الذرى القوة العسكـرية التالية وهـى مذكورة صراحة فى كتاب (الميزان العسكرى العالمى عام 1994- 1995) الصادر عن المعهد العالمى للدراسات الاستراتيجية، والصادر فى لندن منذ أشهر/ والذى أشار صراحـة إلى امتلاك إسرائيل لى 100 رأس نووى وإن كـانت مصادر أخرى تقول: إن عدد الرؤوس النووية التى تملكـها إسرائيل يصل إلى 200 رأس. يقول تقرير المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية: إن إسرائيل تملك غير الرؤوس النووية 172 ألفا من القوات النظامية و 430 ألفا من الاحتياطى. القوات الإسرائيلية تملك 100 رأس نووى مركـبة على صواريخ أريحـا واحـد، ومداها يصل إلى 500 كيلو متر، وأريحا 2، ومداها 1500 كيلو متر. وتملك إسرائيل من القوات البرية ثلاث فرق أقاليم، وثلاث فصائل قيادة، وثلاث فرق مدرعة ميكانيكـية، وأربع قرق ميكانيكيا ومظلات، وفرقة صواريـخ " لانس " برؤوس نووية، وتسع فرق احتياطية تكتيكية ومدرعة، وفرقة احتياطية لأقاليم وأربعة ألوية مدفعية. ومن الدبابات 3895 دبابة من طراز سنتريون وإم ز 6 اى، أو إم 60 أى 3، وتـى 62 وميركافا، المدفعية المقطورة 600، وتشمل كـافة الأعيرة من 120 ملليمترا إلى 150 ملليمترا إلى 203 ملليمترا. وفى البحرية حيفا واشدود وإيلات، الغواصات 3 من طراز فيكرز البريطانية مجهزة بطرابيد إم كى 37، وصواريخ هاربون، فرقة واحدة من طراز كورفيت، زوارق صواريخ 19 من أنواع فرنسية وبريطانية وإسرائيلية، القوات الجـوية 32 ألف مجند من الجنود النظاميين، المقاتلات 13 سربا، مؤلفة من 400 طائرة من أنواع إف 15 وإف 16 فالكون، وفانتوم 4 أى، وفانتوم 2000، غير طائرات الهليكوبتر المسلحـة من أنواع عديدة، وعلى رأسها الكوبرا، طائرات الهليكوبتر للنقل، أنواع عديدة وعلى رأسها فيل 206. هذا هو الإحصاء الذى أعده معهد الدراسات الاستراتيجية، والذى أصدره فى كتابه السنوى، ويتضح من هذه الكمية من السلاح حقائق هامة: أولها: أن كلينتون كان صادقا مع إسرائيل ومع نفسه، عندما وعدها دائما بالتفوق العسكرى على الدول العربية مجتمعة. والثانى: أن رابين عندما تحدث عن حرب شاملة فإنه كان يعنى ما يقول، ويعرف أنه لا يتحـدث من فراغ، ولا يتحدث لإثارة الخـوف والرعب، ولكنه يتحـدث وفى يده آلة الحـرب القادرة على الإحاطة بكل دول الشرق الأوسط، لا الدولة المجـاورة فقط. وهنا نسأل: ولماذا كان التفاوض السرى والعلنى، والتوقيع والاحتفالات والمهرجانات، هل مجـرد إلهاء الشعوب العربية وهى مـا زالت فى رأيهم مجـموعة من الأطفـال يمكن إلهاؤهم عن أصعب الأمور بأن تلقى أمامهم ببعض الألعاب يلعبون بها؟ إن إسرائيل تنكر حتى هذه اللحظة أنها تملك سلاحـاً نوويا، وإن كـانت لديها حـاسة الشم قوية، وحسّها لايخيب، فهى تستطيع فعلا أن تشم أن إيران تعد لسلاح نووى، وأنها تحس أو تخمن، ولكن تخمينها لايقع على الأرض، إن إيران فى طريقها قريبا لأن يكون فى يدها سلاح نووى، ومن هنا كيف توقع إسرائيل اتفاقية حظر السلاح النووى، وكيف تفكر فى التخلص مما تملك من سلاح نووى وإيران القريبة منها تملك السلاح. إن إسرائيل ترى أنه بعد أن يتحقق السلام الشامل والكامل مع العرب، وبشروطها هى طبعا، وعندما تتأكد من أن إيران لا تملك هذا السلاح عندئذ فقط توقع تلك المعاهدة. الغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تقتنع بهذا المنطق، وتعطى لإسرائيل الحق فى أن تحمى نفسها من إيران، والولايات المتحدة أول من يعرف، أن قنبلة إيران خـدعة مكشوفة، وأن حـالة إيران المالية لا تسمح لها أن تقيم منشآت ذرية، وتنفق عليها المليارات التى تتطلبـها . أمريكا تعرف ذلك وإسرائيل بالطبع تعرف ذلك. وليست حكاية إيران إلا قصة خرافية، ألفتها إسرائيل وتساندها الولايات المتحدة، كى تكون هى الدولة الوحـيدة فى الشرق الأوسط التى تملك السلاح النووى وتهدد به، ويكون لها القيادة تحت وباء الخوف الذى لابد أن يجتاح المنطقة العربية . هل هذا هو السلام الذى تسعى إليه إسرائيل وصنيعتها الولايات المتحدة الأمريكية؟.. سلام القوة.، سلام الإرهاب… سلام الردع، هل يتصور الأمريكان أن الشعوب العربية كم مهمل يمكن التلاعب بمستقبله كما يريدون؟ هل خرج الشعب العربى من معركة إسرائيل وسلاحها النووى، إن المشكلة أولا وأخيرا تعود لهذا الشعب، وهو الذى لن يسمح لها بأن تلعب بمقدراته، إن أبواب السلام مفتوحة أمام إسرائيل، ولكننا نشك حتى الآن فى رغبتها فى السلام، إنـها تريد سلام المتـخـاذلين، سلام المغلوبين على أمرهم، سلام المقـهورين والمهزومين.. وهذا لن يكون ولو جعلت من رؤوسها النووية ألفا لا مائة، وإن قضت سنوات دون أن توقع اتفاقية حظر الأسلحـة النووية، وإذا صرخ قادة إسرائيل:الحرب- كما فعل رابين من قبل- وإذا داس بقدميه اتفاقيات السلام فهذا شأنه، والشعب العربى لن يكون ألعوبة فى يد عتاة الصهيونيين من أمثال رابين وكلينتون؟ انتهى مقال الأستاذ سعد الدين وهبه (رحمه الله). المحور الثانى [إسرائيل عارية] تحت هذا العنوان نشرت جريدة الأهرام صباح يوم 19 أكتوبر 1997 مقالة الأستاذ سعد الدين وهبة، يعرض فيه محـاضرة- المفكر الفرنسى جـارودى فيما يتصل بالصراع العربى الصهيونى: إسرائيل لا تستطمع أن تحيا أشهرا بدون مساعدة من الولإيات المتحدة. يجب أن نعرف أننا نهزم الصواريخ بالحجارة. الانتفا ضة شىء جيد جدا، يثبت فيه الشعب الفلسطينى أنه موجود. إن 80% من الموارد الطبيعية فى العالم الثالث يجب أن تتضاعف، العلاقات التجارية بين الجنوب، وأن تلتزم هذه الدول بمقاطعة جذرية لكل ما هو أمريكى، سواء كانت منتجات صناعية من الكوكاكولا (154) إلى الأفلام، وكذلك مقاطعة إسرائيل، أعتقد أن هذا هو السلاح الوحيدة المتاح حاليا. وعرض الأستاذ/ سعد الدين وهبه لما قال رجاء جارودى: إن جوهر السياسة الأمريكية هو إيجاد عدو تحـاربه، وترهب به الآخرين، ويكون حجتها فى التسليح، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعلى مدى نصف قرن من الزمان، كـان العدو الرئيسى الذى يحرك السياسة الأمريكـية هو التهديد السوفيتى، وكـان باسم ا لأمن الأمريكى تعتدى أمريكا على أى دولة وأى شعب فى العالم، فمن فيتنام إلى كوريا، ومن أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا، كانت الولايات المتحدة دائما السند القوى للنظم الديكتاتورية فى جـميع أرجـاء العالم، كانت تحمى شاه إيران، والديكتاتوريين الصغار فى أمريكا اللاتينية، كما تحمى التفرقة العنصرية فى جنوب إفريقيا . وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى كـان لابد من إيجاد بديل ليقوم بدور (إمبراطورية الشر) التى يجب محـاربتها على مستوى القارات الثلاث، وكان هذا العدو الجـديد هو الإسلام، الذى صورته أمريكا أمام العالم مرتبطا بالإرهاب، وكـان هذا الإرهاب وهو الإسلام فى نظر أمريكا، هو المبرر للاستمرار فى سباق التسليح، كما كان فرصة للتدخل العسكرى والاقتصادى فى جميع أنحـاء العالم. كانت الحـروب الكبرى السابقة مثل الحرب العالمية الأولى والثانية، ومثل حروب القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر! جميعها تقع بين أقطار أوربية، كانت أوربا تحارب أوربا، حتى فى الحرب الباردة كانت بين دول أوربية . وبعد انتهاء هذه الحرب خرجت السياسة الغربية من مرحلة الحرب، لتصبح مركز التفاعل بين الحضارة الغربية والحضارة غير الغربية، وبدأ الغرب يطور صور التعاون، والوحدة داخل الحضارة التى يمثلها خـاصة بين مكوناتها الأوربية، تلك التى تقع فى شمال أمريكا اللاتينية، التى لها ثقافات قريبة من الثقافة الغربية، وكان من أول أهداف هذا التكوين الحد من زيادة القوة العسكرية للدول ذات الحضارات الأخرى، ابتداء من الكونفوشيسية حتى الإسلام، وعلى الغرب أن يحتفظ بالقوة الاقتصادية والعسكرية التى تعتبر ضرورية لحماية مصالحهم فى مواجهة هذه الحضارات، "وكـانت ركيزة هذه الحضارة الغربية فى منطقة الشرق الأوسط هى إسرائيل ، فهذه الدولة خلقت فى هذه المنطقة من العالم لتكون قلعة وحصنا للحضارة الغربية ضد البربرية، وهذا هو قول "هرتزل " أبو الصهيونية العالمية، وأول من نادى بالدولة اليهودية، ونشر هذا فى كتاب بعنوان: "الدولة اليهودية"، والذى أصدره فى عام 1895، لم يكن هرتزل يهوديا مؤمنا، لم يكن يبحث لليهود عن وطن- كما يقال- بل إنه كان ملحدا لا دينيا، ولكنه كان يبحث للغرب والحضارة الغربية عن نقلة للانقضاض على الحضارات الأخرى، التى سماها بالحضارة البربرية- ومنها الإسلامية- وهذا هو الذى أغرى الدول بتطوير أسلحتها، وإعداد القنابل النووية، وكتبت صحـيفة ها آرتس الإسرائيلية فى يونيو 1975، مقالاً بقلم الصهيونى "شلوموا هارمسون " جاء فيه: "إن السلاح النووى هو إحدى الوسـائل التى تستطيع إسرائيل أن تقضى بها على الآمال العربية، فى تحقيق نصر نهائى على إسرائيل، فيكفى عدد محـدود من القنابل النووية لتوقع الخسائر الضخمة فى جميع العواصم العربية. وتؤدى إلى انهيار سد أسوان فى مصر. وكمية إضافية من هذه القنابل سوف تمكننا من الوصول إلى المنشآت البترولية، كما أن فى العالم العربـى آلاف الأهداف التى سيؤدى تدميرها إلى حرمان العرب من جميع المزايا التى اكتسبوها خلال حرب عيد الغفران (حرب 1973) ". ويواصل الأستاذ/ سعد الدين وهبـة استشهادته على أقواله بالعلماء والمفكرين العالميين. فقال: "ويصف جـارودى إسرائيل بأنها جندى البترول فى الشرق الأوسط لحساب أمريكا والغرب، ومن هنا نستطيع أن نفهم كـيف أمكن لإسرائيل الصهيونية أن تنال مثل هذه الأهمية فى الاستراتيجية العالمية، بحيث أصبحت تهدد السلام العالمى . إن دولة إسرائيل ليست فقط مسؤولة عن حـماية الاستعمار الجـماعى للغرب تحت الهيمنة الأمريكية فحسب؟ بل إنها أصبحت بالنسبة للولايات المتحـدة الأمريكية جزءاً رئيسيا من علاقات القوى على الساحة الكونية متعدية بذلك نطاق الشرق الأوسط ". "وتحـدث جـارودى عن أمريكا وعن سيطرتها على الاقتصـاد العالمى بمؤسسات استعمارية اقتصادية هى البنك الدولى، وصندوق النقد الدولى، "والجـات"، وتحـدث عن انهيـار الفن فى أمريكا وتحـوله إلى سلعة صاخـبة، والسينما تقوم على الجنس والدم، والفنون التشكيلية سخيفة وساذجة، وكل ذلك نتيجة لاقتصاد السوق، والقيمة التى تعلو على القيم فـى أمريكا، والمجتمعات الغربية، وهى أن كل شىء معروض فى السوق، وكل شىء ومنها الذمم والضمائر والقيم معروضة للبيع والشراء، ولكل شىء ثمنه". "ثم ختم الأستاذ/ سعد الدين وهبة استدلالاته بجـارودى، فقال: "تحدث جـارودى عن الأساطير الصهيونية قديمها وجديدها، وفندها تفنيدا واضحـا، وكشف الزيف والكذب فى كل ما قالت به الصهيونية"، و الصهيونية كحـركة عنصرية سياسية هدفها السيطرة وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ". "وليس ما يحدث إذن بعملية سلام بأى شكل من الأشكال، وإنما هو وضع يذكرنا بتلك الاتفاقيات التى فرضها "هتلر" على المارشال "بيتان " عند اجتياح فرنسا، فقد اقترح " هتلر" على "بيتان " أن يترك له سلطة الحكم الذاتى على نصف الأراضى الفرنسية بشرط أن يقوم هو بمنع أى هجوم ضد القوات الألمانية، وهذا الاتفاق يشبه إلى حـد كبير ما تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين، حيث يوافقون على وجود قوات شرطة فلسطينية بشرط أن تظل دولة إسرائيل فى أمان ". " الفرق الوحيد بين الحـالتين أن "بيتان " كـان لديه خـيار اخـر، حيث كانت إنجلترا مستمرة فى الحـرب، وكـانت الجـزائر لا تزال فرنسية، وبالتالى كـان بإمكان "بيتان " استكمال القتال مستعينا بالقوات الموجودة فى الجزائر، وهذا بالضبط ما فعله ديجول". وقد وجه الأستاذ (155) سعد الدين وهبة مجموعة أسئلة للمفكر الفرنسى جارودى: 1- هل يمكن أن تحقق هذه الاتفاقيات أهداف الفلسطينيين؟ فأجاب: "من المؤكـد أن ذلك لا يمكن أن يحـقق أهداف الفلسطينيين، كـذلك ما الذى يمكن أن يقدمه اتفاق وادى عربة، فهو استمرار المهزلة طبقا لنفس القواعد، لذا فقد سعدت برفض الرئيس مبارك المشاركة فى تلك المهزلة". 2- هل تضع سياسة بيريز تصورا جديدا للشرق الأوسط؟ فأجاب: ليس هناك إذن خلاف جوهرى يين نيتانياهو وبيريز فى هذا الصدد (بناء المستوطنات وتنميتها). 3- ما رأيكم فى بنيامين نيتانياهو؟ فأجاب: أنا لا أعرفه، ولكن كل ما أعلمه عنه أنه من حزب جابوتنسكى وشامير، إذن فهو خليفة كل أولئك القتلة المسؤولين عن مذبحة دير ياسين وجرائم أخرى. 4- هل يمكن لهذا الشخص أن يحقق سلاما فى الشرق الأوسط؟ فأجاب: لا يمكن طبعا، لقد جـاء لتحقيق كل ما نادى به آباؤه الروحيون، أى مشروع إسرائيل العظمى من النيل إلى الفرات، التى ستستند إلى تفتيت الدول المجـاورة، وهى: العراق، إيران، سوريا، 1لأردن، مصر، لبنان. 3- وما هو دور الولايات المتحدة؟ "إن الولايات المتحدة ليست مهتمة بعملية السلام بأى حـال من الأحـوال. إن كل ما يهمها هو إبقاء الوضع على ما هو عليه، بل إساءة الموقف، كل ما يهمها هو البترول الذى يمثل أساس التنمية الغربية والتحكم فى العالم كله، وهذا ما يحقق مشاريع إسرائيل الحالية". 6- هل يستطيع الاتحاد الأوربى أن يلعب دورا فى أزمة الشرق الأوسط؟ "نعم،. لكن منذ اتفاقية "ماستريخت " التى تنص على أن الاتحـاد الأوربى لا يمكن إلا أن يكون الدعامة الأوربية لائتلاف حلف الأطلنطى، وهم أيضاً المستعمرون القدامى، بعد الحرب العالمية سقطت إنجلترا وفرنسا، وأصبحت الولايات المتحـدة هى القوة الوحـيدة، وكانت تملك نصف ثروات العالم، وبالتالى فإن أوربا تستطيع بالفعل، ولكنى لا أعرف إذا كانت ستجد القوة اللازمة لذلك ، فهناك ألمانيا التى تمثل قوة حقيقية، والقوة الوحيدة فى أوربا، ولكنها أيضا إحدى دعائم حلف الأطلنطى". 7- " إذا و صل الجمهوريون إلى السلطة فى الولايات المتحدة فهل تعتقد أن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط سوف تتأثر بذلك؟ " . لا أعتقد أن السياسة اللأمريكية متمثلة فى التعددية الحزبية. والديمقراطية ما هى إلا مجرد أكذوبة: الحقيقة أن هناك حزبا واحدا ذا فرق كثيرة، الفرقة التى تكسب يستأثر حلفاؤها بالمناصب العليا؟ ولكن السياسة هى فى الحـقيقة واحدة، الفرق الوحـيـد بين الحزبين هو تاريخ، حيث إن الحزب الجمهورى كان يمثل فى الأصل الجنوب الزراعى، أما الحـزب الديمقراطى فكان يعبر عن الشمال الصناعى، ولكن هذا عهد مضى مع تحـول الولايات المتحدة إلى الصناعة ". 8- " إذا نجح كلينتون لن يكون بحاجة إلى أصوات اليهود الأمريكيين، وهذه هى فترة رئاسته الأخيرة، فهل يمكن أن يتغير موقفه؟ ". أ- مشكلة كلينتون داخل الحزب الديمقراطى ليست أصوات اليهود، فليس هناك سوى 6 ملايين يهودى فى الولايات المتحدة، لكنه لا يحـتاج إلا إلى أموالهم، 60% من الأموال لنجـاح الحزب الديمقراطى مصدرها اليـهود ، فإذا كـان الرئيس هو كلينتون، أو أى شخص آخر هذه ليست المشكلة. وهم يحـتـاجون أيضا إلى إعلامهم وهو إرسـال شركـات هوليود وشبكات تليفزيون/ كما أن ثلاث من قيادات جـهاز المخـابرات الأمريكى من اليهود، بل يمكننا أن نقول أنهم صهيونيون ". ب- "إن أوربا الغربيـة (إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا) وروسيـا قامت بمسـاندة الصهيونية العالمية، وحماية إسرائيل، ثم انضمت إلى هذه المجموعة، بل تولت قيادتها الولايات المتحـدة الأمريكية، الهدف من وجود إسرائيل إذا كما يتصور جميع هؤلاء حماية الحضارة الغربية ضد الإسلام والمسلمين ". ج- وكـان أخـتيار فلسطين لإنشاء هذه الدولة اخـتيارا عبقريا، فإسرائيل فى هذا المكان تتمتع بموقع استراتيجـى فريد" على مفترق الطرق بين أوربا وآسيـا وإفريقيا وهى الميزة التى تتمتع بها مصر". د- كما أن إسرائيل ذات موقع اقتصادى مهم، فى قلب هذا الجزء من العالم الذى يحوى نصف بترول العالم، عصب التنمية (بالمعنـى الغربى)، وهناك أيضا تلك الأسطورة اللاهوتية عن (شعب الله المخـتار) والتى تستخـدم لتغطية أطماع الغرب فى الموقع الاستراتيجى، والموقع الاقتصادى لإسرائيل. وتضع تجاوزاتها، بل وأخطاءها فوق أى قانون، وأى عقوبة بشرية، باعتبار أن كل ما تفعله هو تنفيذ لإرادة الله، ولذلك فقد أصدرت الأمم المتحدة 192 قرارا ضد إسرائيل، لم تنفذ منها قرارا واحدا، إنها تعتبرها جميعها- كما قال رؤساء إسرائيل- حبرعلى ورق، ولذلك تم تسليح إسرائيل التى تقف بالمرصاد للمسلمين والعرب، ثم لتحقيق هذه المهمة". كما تحدث جارودى عن الإسلام وكيف أنه الأمل كله فى الخروج بالأمة من محنتها الحالية، ووضع لذلك شروطا، أن يكون إسلاماً حقيقياً كما نزل من السماء، لا إسلام الإرهاب والضلالات) .أ. هـ. المحور الثالث (ماذا قال الإسرائيليون بعد رحيله ؟) هناك أقوال للمدح والثناء بعد رحيل الأستاذ/ سعد الدين وهبة من إخوانه وزملائه ومحبيه… وهذا ليس موضوع محورنا فـى هذا المبحث،. بقدر احتياجنا لمعرفة مشاعر العدو الصهيونى حينما توفى أحد رموز الأمة، الذى وقف بصلابة وشموخ ضد التطبيع الثقافى والفنى مع إسرائيل، لقد انطلقت الإذاعة العبرية تزف الخبر لأعوانها وأصدقائها، وكـأنهـا تزف بشرى إلى السينمائيين الإسرائيليين والصـهاينة: " لقد رحل الكـاتب المصرى (156) والمسرحـى "سعد الدين وهبة"،، الذى كـان يمنع دائماً أن يستمتع الشعب المصرى بتكنولوجيا الفن الإسرائيلى، ودرجة الإبهار العالية للسينما الإسرائيلية، وكثيرا ما وقف سعد الدين وهبة- حـسبما قالت الإذاعة الإسرائيلية، فى وجـه السينمائيين الإسرائيليين، وإعلان ذلك بوضوح من خلال مقالاته، وكتاباته الصحـفية فى الصحف المصرية والعربية. وكذلك مقالاته التليفزيونية والإذاعية، ولم يخف سعد الدين وهبة سرا عندما أكد أن من أسباب غضب الرئيس الراحل أنور السادات عليه إعلانه رفض اتفاقية كامب ديفيد!! وتضحيته بمقعده البرلمانى الذى كان يشغله فى مجلس النواب المصرى!!. ... والآن.. بعد رحيل سعد الدين وهبة- تقول الإذاعة الإسرائيلية-: بات من المؤكد أن تشارك السينما الإسرائيلية فى فاعليات مهرجان القاهرة السينمائى، إن لم يكن فى دورته الحالية، فعلى الأقل سيكون فى الدورة القادمة، فالأصدقاء ما زالوا على قيد الحياة. * عاش "سعد الدين وهبة" حياة حافلة عريضة: كـاتبا مسرحيا، وصحفيا ملتزما، ومناضلاً وطنيا- حيث كان جنرال فى الجيش- وكان شيخا يناهز السبعين من عمره عندما خاض معركته العظيمة ضد التطبيع مع إسرائيل (157). *ولو أن "سعد الدين وهبة" لم يفعل فى حـياته سوى التصدى للصهيونية واتباعها لكان ذلك حسبه ليكون خالداً فى ذاكرة الأمة. * ظل "سعد الدين وهبة" مصراً على الخط الصحيح، وكانت مقالاته فى الأهرام دروساً حقيقية فى الوطنية. فالصراع بين العرب وإسرائيل، لتتوسع، وهدفها النهائى أن يكون العرب جميعا مجرد رعايا فى الدولة العبرية الكبرى "من النيل إلى الفرات ". هذه هى الحقيقة التى يتجاهلها بعض الحكام العرب... يضحكون على أنفسهم، وعلى شعوبهم. بعض الحكام العرب حريصون على الإستسلام لإسرائيل بأى ثمن !! لأنهم يربطون السلام ببقائهم فى السلطة، وهم يخافون الحرب؟ لأن الحرب تقتلع عروشهم. - هذا ما كان "سعد الدين وهبة " يكشفه فى مقالاته، وكان ما يكتبه مؤثرا لدرجـة أن الخارجية الإسرائيلية اعترضت عليه مراراً ". لكن الشيخ الشجاع لم يهتز.... - وآخر ما قال "عندما يصل بنا الهوان أن نركع أمام عدونا، ونتوسل إليه أن يرفسنا بقدمه .. ويتركنا نعيش.. عندئذ لا تستحق الحياة أن تُعاش ". إن إسرائيل احتفلت برحيل "سعد الدين وهبة"، فى حديقة بالقدس الغربية (158): " شهدت القدس الغربية يوم الثلاثاء الماضى حفلاً أقامه عدد من السينمائيين الإسرائيليين، ابتهاجا برحيل الكاتب "سعد الدين وهبة" أحد أهم صقور معارضى التطبيع مع إسرائيل ". * تضمن الاحتـفال كلمات لعدد من المخـرجين والكتاب اليهود، أعربوا خلالها عن تمنياتهم باللحـاق بمهرجـان القاهرة السينمائى، بعد رحيل الرجل الذى كـات يمثل حـائط صد لأى محاولة تسلل إسرائيلية... من بين الذين عبروا عن سعادتهم برحـيل "سعد الدين وهبـة" "المخـرج باحـومى حنا " والكـاتبـة "ليناسـا موصى " بالإضـافـة لبـعض الممثلين الإسرائيليين،. واتفق الحـاضرون على إشهار جمعية جديدة بعنوان (أعداء الحرب) . وتهدف إلى التنديد بالمثقفين العرب، الرافضين للتطبـيع مع المثـقفين والفنانين الإسرائيليين، دعا المشاركون فى احتفال القدس الغربية "فاروق حسنى"- وزير الثقافة- للعمل على اشتراك إسرائيل فى مهرجـان القاهرة السينمـائى، وفتح صفحة جـديدة مع الفنانين الإسرائيليين بعد سنوات القطيعة التى فشلت خـلالها الحكومة الإسرائيلية فى عرض أفلامها بالمهرجان. * كما دعا الحاضرون وزير الثقافة لإصدار أوامر لدور العرض المملوكة للدولة، لفتح أبوابها أمام الأفلام الإسرائيلية والأمريكية التى يشارك فى تنفيذها إسرائيليون لعرضها على الجمهور المصرى... [دستور اللصوص] مقالة صحفية للدكتور/ مصطفى محمود نشرت بجريدة الأهرام صباح يوم 28 مارس 1998 . وتحت هذا العنوان قال الدكتور"مصطفى محمود": "واضح أن أمريكا تريد أن تنفرد بالقرار فى شؤون العالم، وتريد أن تطلق يدها فى التركـة الاستعمارية التى خلفتـها بريطانيا فى الشرق الأوسط وبتروله.. وإذا كانت إسرائيل تبدو فى الظاهر أنها تستعمل أمريكا لأهدافها، فإن الحقيقة هى العكس، فإسرائيل الكبرى كلها مجرد مشروع استثمارى، تنفق عليه أمريكا وتوظفه للهيمنة الأمريكية على المنطقة العربية وكنوزها،. إنهما لصّان كل منهما يستعمل الآخر لتحقيق أطماعه. ولا مانع من أن تستخدم أمريكا لغة العواطف، وحقوق الإنسان، والشرعية الدولية، لتمرر مصالحها، ولا مانع أن تستخدم إسرائيل أسطورة الهولوكوست (159)، وتحاول أن تثير إشفاق العالم بحكايتها الملفقة عن المحارق وغرف الغاز (160) لتستر أطماعها. وكلاهما كذاب ومنافق، فما نلبث أن نفاجـأ بإسرائيل تحرق نصارى لبنان ومسلميهم فى قانا بالصواريخ، وقذائف الطائرات تحت زعم أنهم إرهابيون.. وما كانوا فى الحقيقة إلا لبنانيين فقراء، يحتمون بمخيمات الأمم المتحدة وتحت أعلامها. ولا مانع من أن تشيد أمريكا بالعدالة والموضوعية فى نظامها العالمى الجديد (161). ثم نفاجـأ بها تخرج على دستور الأمم المتحدة وقانونها وقراراتها، وتعلن حقها فى أن تضرب العراق (162) فى أى وقت يخالف فيه صدام حسين أوامرها، دون أى مشورة أو إذن من الأمم المتحدة. ولن تخـتلف نهاية الأمم المتحـدة عن نهاية عصبة الأمم، التى قضى عليـها اللص البريطانى القديم أيام عزه.، والظلم يكرر نفسه كل يوم، بأسماء جديدة ومعايير جديدة. إننا نواجه عصابة لصوص، وقتلة يضحكون علينا بشرعية كاذبة، عولمة مشبوهة، وحـقوق إنسان وهمى، وبدعة "الجات " (163) لسرقة ما تبقى فى جيوبنا. إننا فى غابة تسرح فيها الذئاب طليقة فى أثواب إنسانية. وما نرى أمامنا سوى حـفلة تنكرية، وقفازات حريرية، تخفى المخالب وابتسامات دبلوماسية تخفى الأنياب. ولا ملجأ ولا أمان لأحد من الغدر، سوى سلاحه وقوته. وعلى الدول الصغيرة أن تتجمع فى تكتلات وجبهات.. فالضعاف لا يبقون ضعافا إذا اتحدوا.. والعصى يغدو لها شأن آخر حينما تصبح حزمة. والإيمان بالله قوة، لا يقف أمامها سلاح، ومنذ بدء التاريخ وهناك أقوياء وضعفاء.. ومنذ بدء التاريخ وهناك قوم نوح، وقوم عاد وثمود "وإرم ذات العماد" التى لم يخلق مثلها فى البلاد،. أين هى"إرم "؟ تلك التى لم يُخلق مثلها فى البلاد، وفى أى واد هلكت وبادت؟ وأين الروم.. والفرس.. والتتار.. والمغول .. والهكسوس.. والفراعنة العظام؟ الذين شادوا الأهرامات والمسلات، وقهروا الزمن بالتحنيط. باطل الأباطيل، وقبض الريح ما جـاءت به السير والأخـبار.. والكل هالك.. ولا أحـد يعتبر!! وكـما هلكت عاد الأولى التى حكى عنها القرآن، سوف تلحق بها عاد الثـانية (أمريكا) وفى إثرها بنتها البكر (إسرائيل)، وتلحق بكتاب السير والأخبار سيرة أخرى ذميمة كريهة هى سيرة آل صهيون.. إنما هى كـتابة على الماء ونقش على الرمال.، أيها الضعاف (164).. ما الأقوياء المستكبرون بأقوى منكم.. إنما هو الجبن والخمول والكسل وحب الحياة وخوف الموت وكراهية الجـهاد.. إنما هى سموم الفرقة وسوس الاخـتلاف، وداء التشرذم الذى يبدد عزمكم، ويجعل من ملايينكم أصفارا. ولا أستسلم للتشاؤم.. فإنى أرى بشائر يقظة، وبداية تجمع عربى، قد أحدث أثره فى إفشال الهجـمة الأمريكية على العراق، وتراجـع للحـشد الإجرامى الذى كان يحشده الصهاينة فى كل مكان.. بل وحصار للصهاينة فى داخل أمريكا ذاتها، فى جامعة أوهايو.. وصعود الطلبة على المنصة التى تقف عليها "مادلين أولبريت " وإلى جوارها- وزير الدفاع الأمريكى- كوهين.. وصراخهم فى وجهه (165).. كفوا عنا أكاذيبكم.. أنتم مشعلو الحروب.. ورسل الخراب. وقال الذين حضروا الاجتماع الحاشد: إن الرجل فوجـى بهذا الهجوم واتسعت حدقتاه فى ذهول ولم يجد ما يقوله.. هناك إذن بداية تغير فى المناخ العام العالمى.. وبداية فضيحة للخطط الصهيونية، ونقرأ هذه الأيام عن حصار الماسونية فى إنجلترا (والماسونية هى الجـهاز السرى للصـهيونية)… ويهدد مجلس العموم البريطانى بأن قيادة الماسونيين ستواجـه السجن، إذا استمرت فى فرض غطاء السرية على نشاطها، ولم تعلن عن أعضائها الماسون الذين ينتمون إلى البوليس، والقضاء والصحـافة، ويشتد هجوم "كريس مالن " على "مايكل هيجـام " السكرتير الأعظم للجمعية الماسونية، ويتبادلان الألفاظ الحادة، حـينما يرفض أن يكشف عن أسماء مائة وسبعين عضوا بارزا من الماسون يشغلون مناصب حـسـاسـة يشك المجلس فـى أنهم تورطوا فى سلسلة فضائح.. لقد بدأ السـتـر يتكشف عن مصائب الصهيونية ومكائدها،. وكـان رجـع الصدى لهذه التحولات والأحداث بـالنسبة لقياداتنا العربية فورياً، وكـان حـديث الرئيس "مبارك " لصحيفة "معاريف " الإسرائيلية شديد اللهجـة، قاطع النبرة .. قال لمحدثه الإسرائيلى: قوموا بتنفيذ جـميع الاتفاقات دون مناورات أو سفسطة،. نحن لم نحصل منكم حتى الآن إلا على وعود.. وكل الزعماء العرب فقدوا الثقة فى نيتانياهو.. - وقال الملك "الحسن " ملك المغرب: "ان "نيتانياهو يريد أن يكرس مدرسة جديدة فى القانون الدولى، تعطى الحق لكل حكومة فى محو كل ما أبرمته الحكومة التى سبقتها.. وهى مدرسة إن وجدت فستكون مدرسة الفناء لا البقاء، ومدرسة الهدم لا البناء، ومدرسة المجون والفسق، لا مدرسة الفضيلة والاستمرار البشرى . وهناك إذن بداية فضيحـة لما تُبيَت إسرائيل، ولما يخطط له الصهاينة، وبداية انكشاف لمكائدهم، وبداية تحول على جميع المسارات، وبداية وقفة قوية من قياداتنا العربية وصحوة من زعـامـاتنا الإسلاميـة... هل يكف الإسـرائيليـون عن عدوانهم؟ وهل يتنازلون عن مخططاتهم بعد هذه الفضيحة؟!! لا أظن،. بل سيتمادون، ولكن سيكون عدوانهم مفضوحا وشرهم مكشوفا.. ولن يجدوا العون الذى كانوا يجدونه، ولا التعاطف العالمـى الذى كـانوا يلقونه.. وسوف ينفض عنهم الحلفاء واحـدا بعد الآخر... وسوف يجد العرب أعوانا يزدادون نصرة لهم يوما بعد يوم.. وسوف ينقلب العالم على الصهاينة؟ ليستأصل شأفتهم، وسوف تكون نهايتهم. وأحبارهم يعلمون هذا بمشيئة الله تعالى، ويعرفونه من آيات توراتهم التى يخفونها، يعلمون أن الهيكل الذى سوف يبنونه على أطلال الأقصى، سوف ينهدم على رؤوسهم، ولكن عنادهم يغلبهم وسوف يركبون رؤوسهم.. ولن يتراجعوا عن بغيهم وتعاليهم. وهم يضحكون على الإنجيليين الأمريكيين، ويوهمونهم أن المسيح لن ينزل من السماء إلى أرضنا إلا حينما يأتى عليها الخـراب، وتسيل دماء المسلمين أنهارا، ويرتفع شـأن اليهود، فهو ملك اليهود النازل من أجل إعلاء كلمتهم .. والحـرب على المسلمين وإفنائهم لابد منها لنزول المسيح وهرمجدون هى الموقع المختار فى فلسطين لهذه الحرب. وقد جهزوا أسلحتـهم النووية والكيميائية والميكروبية من أجل هذه المواجهة الكبرى،. هكذا يُروّجـون للخراب ويتعجلونه. وإذا صدقت نبوءة "هرمجدون " فسيكون فيـها خرابهم وفناؤهم وخزيهم، قبل أن تكون خرابا للدنيا، وستكون نصرا للمسلمين وارتفاعا لرايتهم. والكتب السماوية كلها تتحـدث عن قتال الأمم مع يهود … والتوراة أكثرها حـديثاً عن الدم (166). فلمـاذا يكذبون علينا،، ويتـحـدثون عن السـلام (167)... بينمـا يكـدسون الأسلحـة فى ترساناتهم... ولماذا جعلوا من الكذب والغدر كل حياتهم؟ !!. انتهى كلام الكاتب. جذور العنف تحت هذا العنوان كتب الأستاذ "أحمد بهجت "(*): "قام المجتمع الأمريكى (168) على أكتاف مجموعة من المهاجرين الرواد الذين اتجـهوا للعالم الجديد، وهو عالم كان يعيش فيه الهنود الحمر. وبدأ الصراع بين المهاجرين والهنود الحمر، وهو صراع اتسم بالعنف وكانت محصلته النهائية هى إبادة الهنود الحمر واحتلال المهاجرين الأرض، لهذا السبب، تغوص جذور العنف فى المجتمع الأمريكى حتى القاع، وقد عبرت أفلام الغرب فى السينما الأمريكية عن هذا العنف، ورسمت صورة للبطل عند الكاوبوى، وكـانت البطولة تعقد لواءها لمن يسحب مسدسه أسرع، ولمن يقتل عددآ أكبر من الضحايا دون أى يهتز له جفن،. أو بدم بارد كما يقول المصطلح الأمريكى. ويمكن القول باختصار أن العنف قد صار أفضل حل لمشكلات الحياة وتحدياتها . ويبيح الدستور الأمريكى لكل مواطن أمريكى أن يحـمل السلاح، وليست هناك أى عقبات فى شراء السلاح، أو ترخيصه، وتنتشر محلات بيع السلاح مثل محلات السوبر ماركت. ويمكن القول أن ظاهرة العنف تزايدت فى السنوات الأخيرة، وصارت تهدد المجتمع فى أساسه. وتلعب السينما والتليفزيون فى أمريكا دوراً مهماً فى الترويج للعنف، فإن قسما مُهماً من أفلام السينما يختار قصصا دامية تبدأ بيد مجـهولة تطلق الرصاص، وتنتهى بحرائق وانفجارات ودم ومفاجآت. وهذه الأفلام تختار العنف ضمانا لانتشارها وتروجيها، ولهذه الأفلام جمهورها من الأطفال والشباب الكبار، الذين يتعاطفون فى كـثير من الأحـيان مع المجـرم ضد رجل القانون. ويتأثر الشباب والأطفال بأفلام العنف تأثيراً لا يستطيعون التنبؤ بآثاره السيئة، وإن كانت هذه الآثار تظهر ذات يوم فى أطفال يطلقون النار عشوائياً على بنات فى مدرسة، أو شباب يقتحمون بنكاً لسرقته، فإذا سئلوا فى التحقيق، من الذى أوحـى إليهم بهذه الفكرة التعيسة؟! قالوا شهدنا فيلماً عن سرقة بنك، ونفذنا سيناريو الفيلم ولكن فى الحـياة الواقعية.. نحن أمام مشكلة تبدو بلا حل قريب، خاصة بعد انفتاح السموات ووجود أقمار صناعية، وعدم قدرة أحد على رقابة هذا الفن الردىء أو منعه . - الخاتمة كيف يمكن للأمة أن تواجه هذه التحديات بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محـمد رسول الله، ومن والاه، واستن بسنته، واهتدى بهداه إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه جولة فى فكر بعض علماء السياسة والاستراتيجية، والمفكرين والكتاب وغيرهم، وهى بمثابة تنبيه إلى أهمية ما كتبوه فيما يتصل بأخطر التحديات التى تواجـه العالم كله، والإسلامى على وجه الخصوص، وهذه الجولة تتصل أيضاً بالمخطط الاستعمارى، الذى يستهدف السيطرة على العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً، وفرض العقائد الصهيونية الصليبية على أهل الإسلام، وتمزيقهم إلى دويلات طائفية، وذلك تحت شعار ما يسمى بالنظام الدولى الجديد، وفرض السلام. إنها جـولة فى عقول الأعداء نتعرف من خـلالها على نظرتهم إلى العالم الإسلامى ومخططاتهم التى قاموا ويقومون بتنفيذها، نسوقها إلى الذين لايؤمنون من هذه الأمة بأن التدافع بين الحق والباطل سنة ربانية جارية، قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40] وليدركوا أن هناك صراعاً بين أهل الباطل، من شياطين الإنس والجن، وبين أهل الحق وأن الله هو الذى يُحـذر أهل الحق من خطورة أهل البـاطل ويأمرهم بمجـاهدته وبالتالى لايمكن أن يكوت هناك سلام دائم فى حـياة الإنسانية لعدة أسباب، هناك أعداء للإنسانية لهم أهداف وأطماع فى بنى الإنسـان، فى عقائدهم وديارهم ومقدساتهم وأعراضـهم ودمائهم، فلا يمكن أن يتحـقق السلام، إلا أن يكون هناك قوة تردع هذا الإنسان العدو لبنى الإنسان. أيها القارئ الكريم. لم يجعل الله تبارك وتعالى كربا إلا وجعل معه مخرجا (169)، قال تعالى: (فَإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً (5) إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً)[الشرح: 5، 6] ولئن كان أمن الأمة مهدداً، ولا يزال على خطر عظيم، فإن اللبس والغموض يغلفان أغلب ما مر بهذه الأمة من أزمات حادة، كانضمام بعض المسلمين لجانب الحلفاء فى قتال المسلمين فى الحـرب العالمية الأولى، وكـقتـال أهل هذا الدين فى حـربى الخليج الأولى والثا نية... إلخ. * أما فى هذه المرة، فإن الظلم الواقع على المسلمين واضح لا لبس فيه، والعدو محدد لايخطئه الإدراك، وإذا لم يكن الجـهاد الآن واجباً فمتى يجب إذاً؟ وأى حياة تكون هذه إذا قوّض الدين، وازهقت الأنفس، وفتكت الأعراض، وسُلبت الأموال، وإن لم يكن الجـهاد الآن واجباً فمتى يجب إذاً ؟. * لعل الله جلت حكمته قد جعل هذه المحنة لتكون بمثابة نقطة للتحول، والفرصة التى تخرج فيها الأمة مما هى فيه من كرب وغمة، ولكن الأمر يحتاج إلى جـهاد ونية، وعزم وإرادة، قال تعالى: (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد: 88]. * فإذا ما اتفقنا على أن ما نحن فيه خطر عظيم، وهو فى نفس الوقت فرصة سانحة لنهوض الأمة، واستعادة عافيتها، من أجل أداء رسالتها، التى من أجلها بعث الله خـاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الفرصة تحتاج أعمالاً تتم فى الأجل القصير، وتخطيطاً استراتيجياً على المدى البعيد. أولاً: تحرير فلسطين،. كل فلسطين، جنوب السودان، البوسنة والهرسك، كوسوفو، القوقاز، كشمير، الفلبين، كل شبر محتل من ديار الإسلام فرض على المسلمين تحريره. * إن المساعى التى تبذل الآن تحت ستار تحقيق السلام، لن تعيد أرضاً، ولن تحمى عرضاً ،ولن تردع معتدياً، لايرعى فينا إلاً ولا ذمة. وهى لن تحفز الأوروبيين، والأمريكيين وغيرهم للإسراع بالقتال والموت فداء للمسلمين القاعدين منهم أو القائمين، فضلاً عن أنها لن تجبرهم على تغيير أهدافهم التى حذرنا الله منها (ولا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة217] (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاًّ ولا ذِمَّةً وأُوْلَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ) [التوبة: 10]. فلا بديل إذن عن الجهاد فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين أخـرجـوا من ديارهم وأموالهم .. لا لشىء... إلا أنهم يقولون: لا إله إلا الله محـمد رسول الله، قال تعالى: (إلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ويَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ولا تَضُرُّوهُ شَيْئاً واللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[التوبة: 139]. * الجـهاد فى سبيل الله يحـتاج إلى المال.. والرجال.. والسلاح والمؤن والدواء، وهو يحـتاج فى المقام الأول ضغطاً شعبيا على الحكومات كى لا تعيق أو تعرقل سـفر المجاهدين، أو نقلهم لمستلزمات الجـهاد هذه. * وهنا يبدو بوضوح أن للمساجد المنتشرة فى كل أرجاء المعمورة دوراً يسهم فى تربية المجـاهدين، وجمع المال، وتجـهيز المؤن والرجـال، والدعوة إلى الجـهاد، وأن تتصل بأغنياء المسلمين لحثهم على الجهاد بالمال. وللنقابات والجمعيات الإسلامية فى كل بلاد المسلمين دوراً أيضاً لتقديم العون الفنى واللوجستى، فضلاً عن إبراز الرجـال، وجمع المال، وتوعية الأمة بالتحـديـات وواجباتها، وتعريفها بالوطن الإسلامى، بسنكيانج، (تركستان الشرقية) وتركستان الغربية، بالقوقاز، كوسوفا. * وعلى دور العلم واجبات.، وكذلك المدارس والجامعات ومعاهد البحث العلمى فى كل أنحاء الأمة الإسلامية، وهى تقديم مادة علمية ومقررات دراسية وبرامج إعلامية عن الوطن الإسلامى، والاستعمار القديم والحديث، والمؤامرة الصهيونية الاستعمارية على الوطن الإسلامى، وشرح أبعاد المؤامرة وآثارها على الأمة الإسلامية وبيان أهمية التكامل بين بلاد الوطن الإسلامى. * إن دور العلم لايقل أهمية عن دور المسجـد للقيام بتربية الفرد المجـاهد.. تربية إيمانية، وتربية بدنية، وتربية ثقافية، وتربية إجتماعية، وتربية جنسية، وتربية عقلية وتربية مهنية. إن نصراً يحـرزه المسلمون بإذن الله.. فى فلسطين.. فى الصومال.. فى السودان (170).. سوف يكون له آثار بعيدة المدى بأكـثر مما نتصور وليعلم الجميع أن النصر مع الصبر، ويكفينا قول الله تعالى: قَالَ الَذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [البقرة: 249] * للإعلام دور،. يسير جنباً إلى جنب مع دور المسجد، ودور العلم، هذا الدور لابد وأن يرتبط بمنظومة القيم الإسلامية العليا، والتكميلية والتحسينية.، لا يجوز أن يكون البرنامج الإعلامى فى بلاد المسلمين صورة طبق الأصل مما أعده أعداء الإسلام فى حربهم التقنية الشرسة ضد المسلمين. لا يحل لدور العلم أن تتجاهل قضايا العالم الإسلامى. * إن الإعلام هو صورة الأمة المعبّرة عن ضميرها، وهو الذى يستنهض إرادتها، وحرام أن يكون الإعلام حرباً على المسلمين، وعوناً لأعدائها ناقلاً لرسالتهم. إن التزام الإعلام فى المعركة يكاد يعدل اثار المدافع والطائرات وغيرها. ثانياً: توفير الغذاء والسلاح: إن أى تخطيط استراتيجـى لن يكتب له أى درجة من درجات النجاح، طالما كان هناك تبعية كاملة لأعداء الأمة. * أول درجات التحرر من هذه التبعية (1متلاك الغذاء.. والسلاح) ، وهذا الأمر لا يحتاج وقتاً طويلاً، ولقد ضرب الله لنا أمثلة فى أنفسنا، فبعض بلدان الجزيرة العربية، رغم قلة المياة المتاحـة، وارتفاع تكلفة الزراعة، حـقق اكتفاء ذاتيا فى الحبوب، بل منها من قام بالتصدير، ونفس الشىء حدث فـى السودان من خـلال الحكومة فى عام واحد، حـينمـا خلصت النوايا.. وكانت هناك عزيمة. * أما الأرض الصالحة للزراعة فـى أحواض النيل، ودجلة والفرات، والسند وغيرها، فيمكن أن تفى باحتياجات المسلمين أو تزيد، فلم الركون إلى الكسل.. أطلب للمذلة هو؟؟ أما عن السلاح، فأمره ليس عسيراً، بالشكل الذى يصورونه، فالتنافس بين شركـات ومصادر صنع السلاح، وتوفير المال- وهو موجود بفضل الله- يمكن من نقل حقيقى "للتكنولوجـيـا" المناسبة إذا تم استدعاء العلماء والفنيين المسلمين وغيرهم من الشرق والغرب وأحـسن توظيفهم وتوجـيه جـهودهم، والبنية الأساسية المتوافرة فى البلدان الإسلامية الاكثر تقدماً كتركيا، مصر، تنزانيا، وسوريا، وأندونيسيا، وباكستان، وإيران بل والعراق تسمح بإقامة صناعة للسلاح الإسلامى، ولو بتكنولوجيا غير متقدمة كل التقدم. إن ما لدى الأمة الإسلامية الآن حاليا من السلاح.. لهو قدر كبير جداً، يمكن أن يكون فعالاً، فى توفير الأمن والدفاع، إذا ما تم توفير ال***** له، وتصنيع قطع الغيار وهى أمور ممكنة… إذا خلصت النوايا، وحسن التصرف . ثالثا: وضوح الغاية إذ غاية هذه الأمة واضحـة كل الوضوح، فقد جـاءت فى آيتين كريمتين. يقول الله تعالى فيهما: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وصَّى بِهِ نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ ومَا وصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) [ الشورى: 13]. قال تعا لى: (الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) [ الحج : 41]. - فغاية المسلمين أينما كانوا، وفى أى زمان عاشوا هى "إقامة شرع الله وأن تكون كلمة الله هى العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. وحتى نسير فى اتجـاه غايتنا فلابد أن تكون لدينا "أهداف استراتيجية" يلتف حولها المسلمون ويعملون من أجل تحقيقها، وأن تكون الأهداف واضحة. - إن أعداء الإسلام يعرفون- الإسلام- كما يعرفون أبناءهم، ولن نجنى من كثرة الاعتذار عن الإسلام ووصفه بما ليس فيه، والاستخفاء من الناس، إلا خزياً فى الدنيا، وعذاباً أليماً فى الآخرة… إلا أن يهدينا الله إلى سواء السبيل. - وحتى تعم الفائدة نود أن نقترح بعض الأهداف التى نجدها مناسبة للتهوض بالأمة والسير بها فى سبيل بلوغ غايتها: أ- بناء الإنسان المسلم مادياً ومعنوياً وعقدياً، على أساس منهاج الإسلام ومنظومة قيمه العليا (*) كما وردت فى كتاب الله وفصلته السنة النبوية الشريفة . ب- الحـفاظ على كـيان الأسرة المسلمة، وعلى تماسكها وعلى هويتها، وتنمية دورها فى التنشئة والتربية. جـ- الارتقاء بالعلاقات الاجـتـماعية فى مجـتمـعات المسلمين، على أساس التكافل الاجتماعى، والآمر بالمعروف والنهى عن المنكر. د- تطوير أساليب الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة، وتبليغها إلى كل من لم تبلغه فى كل مكان فى العالم باستخدام كل الوسائل التى يسرها الله تعالى للإنسان. هـ- بذل الجـهد لامتلاك القوة المادية والمعنوية، وبصفة خـاصة بناء قاعدة تكنولوجية إسلامية خالصة. و- تحقيق وحـدة وتماسك الأمة الإسلامية، والحفاظ على كل أشكال العلاقات مع الأقليات الإسلامية، خارج مجتمعات المسلمين. ز- الجـهاد فى سبيل الله، بالمال والنفس، دفاعاً عن العقيـدة وحـفاظاً على الأمة وتأميناً للدعوة.. فالجهاد ماض إلى يوم القيامة، وما تركه قوم إلا ضربهم الله بالذل (**). رابعاً: تطوير الإطار التنظيـمى الإسـلامى: إن تغيـر الظروف الدوليـة بالشكل الذى وضحه علماء الاستراتيجـية يتطلب من العالم الإسلامى إعادة النظر فى ميثاق وأفرع وأجهزة "منظمة المؤتمر الإسلامى". ولعل أهم المقترحات فى هذا الشأن ما يلى: أ- تعديل الميثاق ليتضمن الأهداف سالفة الذكر (ص 178- 179) كـما هى أو بعد التعديل المناسب لها، شريطة النص على تحقيق الوحدة الإسلامية على مراحل محـددة بمدد زمنية... أفنحن أقل اهتماما بوحدتنا من الأوروبيين الذين يعملون على استعادة وحدة الإمبراطورية الرومانية؟ أو ليس الأجدر بنا أن نتبع قول الله تعالى: (إنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 92] (وإنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )[المؤمنون: 52]. ب- إنشاء صندوق خـاص بالإغاثة والدعوة "يمول من حصيلة زكاة الركـاز والمعادن " وهى خـمس مـا يخـرج من الأرض من كل أنواع المعـادن: الذهب، الفـضـة، الحـديد، الألومنيوم، 1لبترول…. إلخ. وما أكثرها فى أمتنا بفضل الله، على أن تعطى أولوية خلال السنوات العشر القادمة للجمهوريات الإسلامية، فى آسيا وأوروبا، التى كانت واقعة تحت الحكم الشيوعى، والبلدان الإفريقية والآسيوية الاكثر فقراً، وتلك التى تتعرض للكوارث الطبيعية وغيرها. ولتمويل عمليات استقبـال واستيعاب وتشغيل هجـرات إسلامية يتوقع وصولها من أوروبا خـلال التسعينيات. جـ- وضع فكرة "محكمة العدل الإسلامية " موضع التطبيق على أن تكون أحكامها ملزمة للأطراف التى تتحاكم إليها. د- إنشاء قوة إسـلاميـة (برية وبحـرية وجـوية) تغنينا عن استدعاء قوات أجنبية للمرابطة فى أرض الإسلام، وتسهم فى حـفظ السلام بين الدول الإسلامية، وتكون نواة لتوحيد القوات المسلحة فى بلادنا... بوصول المسلمين إلى مرحلة الوحدة السياسية بإذن الله. هـ- إنشاء "مركز إسلامى للبحـوث والمعلومات وإدارة الأزمات "، يجـمع المعلومات ويحللها، ويقوم بلبحـوث ذات الطبيعة الاستراتيجـية فى كل المجـالات (سيـاسية/ اقتصادية/ عسكرية .... إلخ)، ويقوم بدراسات مستقبلية لتوقع الأزمات، ووضع البدائل أمام مؤتمر قمة الدول الإسلامية، فيسهل اتخـاذ القرار الجماعى الإسلامى. و- تنظيم اجـتماعات سنوية لرؤساء الدول الإسلامية، وينعقد مجلسهم خـلال 48 ساعة فى حـالات الأزمات التى تهدد الأمن الإسلامى، أو أمن أى مجتمع من المجتمعات الإسلامية فى بلاد الإسلام أو خارجها. ز- إنشاء وكالة إسلامية لتنظيم استقبال وتوطين واستيعاب وتشغيل أى هجرات إسلامية مفاجئة. خامساً: القيام بنهضة ثقافية شاملة: تتناول التعليم، والإعلام، والبحث العلمى، والاجتهاد الجماعى، والتقريب بين المذاهب الفقهية، وتوحيد التشريعات فى الأمور التى لا يوجد بها اختلاف بسبب الظروف الجغرافية. سادساً: وضع فكرة التكافل الاقتصادي الإسلامى (السوق الإسلامية المشتركة) (171) موضع التنفيذ باعتبارها الاساس الصالح لإقامة وحـدة الأمة، وتجميع وحسن استخدام ثرواتها وقوتها الاقتصادية، وسرعة بناء القاعدة التكنولوجية الإسلامية. وسوف يؤدى التأخير فى إقامة هذه السوق إلى نقل كل مشكلات "النظام الغربى" إلى بلادنا، التى تكاد تتحول الآن إلى مجرد أسواق لمنتجاتهم (172). سابعاً: الحفاظ على مربع الأمن الإسلامى ودعمه: يتركز أمن الأمة الإسلامية من النا حية الاستراتيجـية "فـى مربع التوا زن الجيوستراتيجـى " الذى يحده (تركيا، وإيران، أفغانستان، با كستان، 1لصومال، 1لسودان، مصر). إن المساس بوحدة وتماسك أى دولة من الدول الواقعة بداخل هذا المربع سوف يعرض الأمن الإسلامى كله لخطر كبير. إياكم وأن يتم تمزيق وحـدة العراق أو الصومال.. حـافظوا على وحـدة أفغـانستـان والسودان.. حذار من التهديدات المحدقة بأمن مصر، وإيران وسوريا، وباكستان، إن التواجد الأجنبى حول أو بداخل هذا المربع ليهدد أمن الأمة الإسلامية. ثامناً: اغتنموا الفرصة القادمة: إن الانفجـار فى " أوروبا " سوف يحـدث عما قريب، ولسوف ينشغل الغرب كله بنفسه، فهل ستضيع الفرصة أم أننا سنستعيد توازننا؟ أيها القارئ الكريم: إن الكسالى والقاعدين لا يستحقون نصر الله عز وجل، إلا إذا خطوا الخطوة الأولى باتجاه منازلة الباطل. قال تعالى: (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد: 11]. أى أهل الحق دواماً مبتلون بأهل الباطل، وهذا لحكمة ربانية قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) ولَقَدْ فَتَنَّا الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ )[العنكبوت: 2، 3]. قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ )[آل عمران: 142] وهذا يوجب على أهل الحق فى مواجهة الباطل الصبر والثبات، وعدم الانزعاج، والرضا بالقضاء، والتوكل على الله، ومواصلة السير فى طريق أصحاب الدعوات، لتربية إنسان العقيدة، عماد القاعدة الصلبة التى ستتحمل مسؤولية إقامة دين الله عز وجل (الإسلام) وإحياء الفرائض، وخاصة فريضة الجهاد، للتصدى للعدوان الواقع على أمة الإسلام، ودينها ومقدساتها، حتى يأمن الناس على دينهم وأعراضهم ودمائهم وأموالهم وديارهم ومقدساتهم، حتى تنتهى المظالم، حتى ينتهى العدوان الواقع على الإنسان، كل الإنسان، والدليـل قوله تعـالى: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ والْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف: 128] ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 40] ويقول محمد صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك "، ويقول صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله ". ويقول صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا". ويقول سبحانه وتعالى: (وعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة: 23]. ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153]. ويقول سبحانه: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ المَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[الحج: 78]. وفى أثناء هذا الصراع يجب على أهل الحق أن يكونوا على يقين أن النهاية للحق وأهله، والدمار على الباطل وأهله يقول رب العالمين: (إنَّ الَذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي إنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 20،21]. قال تعالى: (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ولَهُمُ اللَّعْنَةُ ولَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر51،52]. وتحقيق النصرة لا يستلزم أن يكون أهل الحق متفوقين عدداً أو عدة على أهل الباطل، ولكن مأمورين بالإعداد يقول الله عز وجل: (وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ومِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ) [الأنفال: 60]. والذين ينتصرون فى النهاية أهل الإيمان بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد الذين يُردّدون لا نقاتل عدونا بعدد ولا عدة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذى أكرمنا الله به. ويقول سبحانه: (ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران: 123] ونصر المؤمنين والتمكين لهم فى الأرض، سنة ربانية جارية وعدها الله المؤمنين: قال تعالى: (وعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ومَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [النور: 55]. جـ- كما أن رسولنا بشرنا بفتح رومية، وقد فتحت القسطنطينية (إسلامبول) على يد محمد الفاتح بعد ثمانمائة سنة من البشارة النبوية، وستفتح رومية إن شاء الله كما بشرنا محمد صلى الله عليه وسلم: (ومَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى (3) إنْ هُوَ إلاَّ وحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3، 4]. د- ومن المبشرات أيضاً قول النبى صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لى الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتى سيبلغ ما زوى لى منها". (رواه أبو داود والترمذى وابن ماجة من حديث ثوبان مرفوعاً). أيها القارئ الكريم، إن قراءة كتـاب الله وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفحات التاريخ تؤكد حقيقة لا مراء فيها: أن العاقبة للمتقين والنصرة للحق وأهله، والخزى والدمار للباطل وأهله، هذه سنة ربانية لا جدال فيها قال تعالى: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ولَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 62]. (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً )[فاطر: 43]. ولهذا يجب ألا يرهبنا اجتماع أهل الباطل على أمتنا، لا يخفينا اجتماع الاستعمار العالمي والصهيونية والمنافقين، لا يخيفنا تحركات قوات حلف الأطلنطى، فكل هذا يجرى بقدر الله، وهم فى قبضة الله يقول رب العالمين: (وإن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ) [آل عمران: 111] وهذه ليست أول مرة يجتمع فيها أهل الكفر على أمة الإسلام . لقد اجـتمع علينا هؤلاء الأعداء أيام العثمانيين، فتصدى لهم العثمانيون وظلوا يجاهدونهم ستمائة سنة (699-1299) هـ، واجتمعوا علينا فى الحروب الصليبية والمغولية والتتارية (492-692) هـ فتصدى لهم عماد الدين زنكى، ونورالدين محمود، وصلاح الدين، وسيف الدين عبد الله قطز، وبيبرس، ومحمد بن قلاوون- بل إن أبناء أوروبا ظلوا يحتلون ديارنا سبعمائة سنة، حتى حررها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم سنة (16 هـ). إن الهجمة الأخيرة المعاصرة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. * هل تذكرون بدر الكبرى التى وقعت فى السابع عشر من رمضان سنة ثنتين هجرية، حينما خرج المشركون باتجاه الدولة الإسلامية المدينة المنورة، وأعلن قائد جيشهم أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم بها وننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع العرب بمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً. إن الهدف هو كسر شوكة الدولة الإسلامية الوليدة، وقبل المسلمون التحدى، وخرجوا وهم صائمون رغم قلة عددهم، وقلة عدتهم، خـرجوا للقاء العدو بناء على أمر الله عز وجل حيث قال: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وإنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ) [الأنفال: 5] والهدف: يريد الله أن: (يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ويَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ) [الأنفال: 7]. (لِيُحِقَّ الحَقَّ ويُبْطِلَ البَاطِلَ ولَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ) [الأنفال: 8]. أى أن البـاطل خرج يستفز الحق وأهله، مستعلياً بعدده وعدته، والهدف الربانى أن تنكسر شوكة الباطل على أيدى جند الحق، وينتصر الحق. قال تعالى: (ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [آل عمران: 123]. * هل تتذكرون غزوة الأحزاب التى وقعت فى شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة، حينما هاجم كـفار العرب الدولة الإسلامية الوليدة، بعد تحالف كفار قريش وغطفان وكنانة وحلفائهم من أهل تهامة وبنو سليم، مع يهود بنى النضير وبنى قريظة فى عشرة آلاف مقاتل ضد الأمة ورموا المدينة عن قوس واحـدة. وقد صور القرآن الكريم ذلك المشهد أصدق تصور: حـيث قال تعالى إذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ ومِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وإذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً) [ الأحزاب 10 ، 11] وكـان الابتلاء صعباً، ولكن المسلمين قبلوا بالتحـدى وخندقوا حول المدينة بناء على قرارات المجلس العسكرى الاستشارى الأعلى بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند وصول قوات العدو وكان الصبر والثبات والدعاء: "اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، اللهم منزل الكتاب مجرى السحاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم ". ورغم قلة عددهم وعدة المسلمين، ورغم قسوة المناخ وقلة الطعام، كانت المعنويات مرتفعة، وكانت الدنيا تسمع أهازيج المسلمين وهم يحفرون الخندق: اللهـم لـولا أنت ما اهتدينا ولاتصـدقناولاصلينـا فأنزلن سكينـة علينـا. وثبـت الأقـدام إن لا قينـا إن الألـى بغـوا علينـا وإن أرادوا فتنـة أبينـا اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفرللأنصـاروالمهـاجرة وتجاوبت الحناجر بالنداء: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبداً وكانت البشارات والأمل فى خضم المحنة والعدو يحاصر المسلمين تأتى كلمات القائد محمد صلى الله عليه وسلم لترفع معنويات المجـاهدين، وهو يضرب بفأسه صخرة كـانت تعترض الخندق "الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إنى لأنظر إلى صورها الحمراء الساعة، الله أكبر أعطيت فارس والله إنى لأنظر قصر المدائن الأبيض الآن، ثم الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن". فى عز الأزمة والعدو يحاصر المدينة بهذا العدد الضخم من القوات، لا يفارق المسلمين، الأمل فى أن الإسلام سينتصر، وستنهار دول الظلم والبغى، وستنهار دولة الفرس ودولة الروم، سينهار ملك كفار العرب، سينحسر سلطان بنى يهود. وفى أثناء هذا الابتلأء تميز الصف، فإذا بالمنافقين يكشفون عن مكنون قلوبهم قال تعا لى: (مَّا وعَدَنَا اللَّهُ ورَسُولُهُ إلاَّ غُرُوراً )[الأحزاب: 12]. ولكن المؤمنين الموحدين كان لهم موقف آخر: قال تعا لى: (ولَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وعَدَنَا اللَّهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ ومَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَاناً وتَسْلِيماً)[الأحزاب: 22] ، ومع الصبر والثبات والرضا بالقضاء والأخذ بالأسباب والإعداد والتوكل على الله، تنزل النصر من السماء: يقول رب العالمين: ( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الأحزاب: 9]. قال تعالى: (ورَدَّ اللَّهُ الَذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وكَفَى اللَّهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وكَانَ اللَّهُ قَوِياً عَزِيزاً )[الأحزاب: 25]. قـال تعـالى: (وأَنزَلَ الَذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) [الأحزاب: 26]. قال تعالى: (وأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ ودِيَارَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ وأَرْضاً لَّمْ تَطَئُووهَا وكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً )[الأحزاب: 27]. وكـانت سورة الأحزاب منهجـاً تربوياً لأصحـاب العقيدة، وتخليداً لأخـبار هذه القرون، وفضحة لموقف المنافقين، وتحالف الكافرين، وبيانة لحقيقة إنسان العقيدة، الذى يقول الله تعالى فيهم: (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 23] والنصر للحق وأهله له صورتان: النصر- التمكين لدين الله فى الأرض- أو الشهادة يقـول رب العـالمين:( قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إلاَّ إحْدَى الحُسْنَيَيْنِ ونَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) [التوبة: 52]. ومن هنا كـان أمر الله عز وجـل لأهل الحق قـال تعـالى: (ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكَافِرِينَ )[آل عمران: 139 – 141]. سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك. المراجع استراتيجيا (مجلة)، العدد 97 السنة التاسعة، مارس 1990. - الصياغة الجديدة للأمن الأوروبى وانعكـاساتها على الأمن المصرى، لواء أ. ح. د. فوزى محمد طايل 22-26. - حدود إسرائيل على خريطة الأمر الواقع، لواء. أ. ح، سعيد فاضل، 28-32. - المفاهيم الاستراتيجية وتغيراتها لدى الدولتين الأعظم، د. جمال مظلوم، 34-37. - الصناعة الحربية فى العالم الثالث، جمال كمال، 48-52. - الدفـاع المدنى فـى ظروف الحـروب التقليدية والنووية، اللواء الركن خـضر الدهراوى، 64-68 . استراتيجيا، (مجلة) العدد 98، السنة التاسعة، أبريل 1990: - النمط الإسرائيلى فى إدارة المفاوضات، لواء أركان حرب سعيد فاضل، 27-31 - السـلاح النووى الإسرائيلى ومستقبل الأمن العربى، اللواء الركن صلاح الدين كـامل مشرف 33-36. - العلاقات الإسرائيلية- الأثيوبية وتأثيرها على الأمن القومى العربى، لواء بحرى محمد يسرى قنديل 38- 41 - دور البحـار فـى العلاقات الدولية سلماً وحرباً، لواء بحـرى متقاعد عادل عزت عباد، 42-48. استراتيجيا (مجلة) العدد 100 ، السنة التاسعة، يونيو 1990: - الجنوب اللبنانى بين الأمن القومى العربى والأمن القومى الصهيونى، د . صالح زهر الدين، ص 22-28. - الدور الأميركـى فى دعم قوة إسرائيل التقليدية، جورج المصرى، 35- 39. - النمط الإسرائيلى فى الإدارة الأيديولوجـية للمفاوضات، لواء أ. ح. سعيـد فـاضل - الأهمية الاستراتيجية للممرات البحرية، اللواء الركن خضر الدهراوى، 44-47. - الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا، احتمالات الحسابات الخاطئة، 49- 52 - مشكلة أريتريا وأثرها على الأمن العربـى، د. محمد رضا فودة، 60-64. - الاستشراف العسكرى فى المنطقة العربية، د. صالح زهي الدين، 66-68. استراتيجيا، (مجلة) 1لعدد 101السنة التاسعة، أغسطس 1990: - الخيار النووى الإسرائيلى والأمنى العربى، لواء دكتور ممدوح عطية، ص 5- 11. - الذراع الإسرائيلية الثالثة: القوة البحرية، جمال كمال، 26- 23. - الجنوب اللبنانى بين الأمن القومى العربى والآمن القومى الصهيونى (2). د. صالح زهير الدين، 24- 27. - نحو استراتيجية عربية موحدة فى أفريقيا، لواء أ.ح. د. فوزى محمد طايل، 29- 33. - الأمن العسكرى العربى فى ظل المتغيرات الجديدة، لواء د. جمال مظلوم، 35- 37. - أثر البعد الجغرافى على القوة البحرية، لواء عادل عزت عياد، 38- 42. - الأهمية الاستراتيجية البحرية، اللواء الركن خضر الدهراوى، 43-44. - سباق التسلح النووى هل يتوقف؟ لواء دكتور ممدوح عطية، 46- 49. - الدفاع الاستراتيجى الحديث، لواء أ. ح. متقاعد عثمان كامل، 77- 82. استراتيجيا، (مجلة) العدد 102 السنة التاسعة، سبتمبر 1990: - قضايا العـرب المصيـرية فى سيناريو المتغيـرات الدوليـة لـواء أ. ح .سعيد فاضل، ص 22- 25 . - الانتفـاضة الفلسطينيـة واستراتيجيـة مواجـهـة العدو الصهيونى، جورج المصرى، ص 34- 39. - التطورات النوعية فى الميزاين العسكرى العربى- الإسرائيلى، لواء ممدوح حامد عطية، ص 40- 45. - من منظـور أميـركى: الشرق الأوسط.. حافة الهاوية، جنرال نورمان شوارزكوف، ص 60- 64. - الاستشراف العسكرى البريطانى، د، صالح زهر الدين، ص 77- 80، استراتيجية (مجلة) العدد 104 السنة التاسعة، فبراير لم 1991: - إدارة الأزمات .. والنظام الإقليمى الجديد، لواء أ.ح.د. فوزى محمد طايل، ص 12:6. - أسلحـة التدمير الشامل ودورها فى الحرب العربية الإسرائيلية المقبلة، لواء أ. ح.ممدوح عطية ص 27:21. - الصهيونية العسكرية اللايهودية فى فرنسا، د. صالح زهي الدين، ص 28- 31. - مفهوم الاستقرار الاستراتيجى فى قاموس الإدارة الأميركية، ص 32- 33. - بيئة الأمن القومى/ واستراتيجيتنا القومية، جنرال كولنى باول، ص 34- 46. - استراتيجية قيادة الأطلسى الأميركية، الأميرال فرانك كيلسو ص 42- 45. - الانتفاضة ومستجدات نظرية الأمن الصهيونى، عمرو عبد الهادى ناصيف 58-62، - اليهود والاستشراف الصهيونى، د. صالح زهر الدين، ص 63-67. - الاستراتيجية والتخطيط لاستخـدام القـوة فى الخليـج، عرض اللواء حـسام سويلم، ص 78-82. استراتيجيا (مجلة)، العدد 106 السنة التاسعة، مايو- يونيو 1991: - كيف تفقد الجيوش إرادة القتال، اللواء الركن زكى حسن أحمد البدرى، ص 6-10 . - الاستراتيجية الأميركيـة وأزمـة الخليـج، لواء أركـان حـرب د. فوزى محمد طايل، ص 22-28. - مشاريع صهينة الوطن العربى، د. صالح زهر الدين. - الصهيونية العسكرية اليهودية فى فرنسا (3). د. ص.ز، ص 46:42. - أساطيل البحر الأبيض المتوسط، أنتونى برليستون، ص 48-52. - الصواريخ البالستية والجوالة والتكتيكية، 27-62. استراتيجيا (مجلة) العدد 107، السنة التاسعة، يوليو/ أغسطس 1991: - بترول العرب.. البحث عن الاستراتيجية الغائبة، عمرو كمال حموده، 22-24. - دور ومهمات القوات البحرية الإسرائيلية، لواء مجدى محمد مسيرى قنديل، 26-29. - العالم الثالث.. وعصر ما بعد "الوفاق "، اللواء الركن إبراهيم عاصم، 30-33. - الإجماع الأوروبى الجديد: هل هو وهم أم حقيقة، جان هاتواى، 38-41. - الترسانة الأميركية فى حرب الخليج ، ص 43-47. - بناء وتحويل السفن فى الأسطول الآميركـى، 54- 59. - التنبؤ فى المجال العسكرى، لواء أ. ح. سعيد فاضل حسن. - الجواسيس غير الكاملين، عرض وتلخيص، لواء أ. ح. د. فوزى محمد طايل، 65-68. - استراتيجيا (مجلة) العدد 108، السنة التاسعة، أكتوبر 1991: - تطور الحرب الألكترونية وتأثيرها فى التسعينات، الفريق محمد فوزى، 6-9. - الحرب الألكترونية الحديثة فى القوات البرية، لواء دكتور جمال مظلوم، 10-13 . فى حرب الخليج بدأ عصر حرب الصواريخ ضد الصواريخ، مهندس عبد الحميد محمد الاستراتيجـية الخطية لإسرائيل والصـهيونية العـالمية، لواء متقاعد حسام سويلم، - الجـواسيس غير الكاملين، (2)، لواء أ. ح، د . فوزى محـمد طايل، عرض وتلخيص فوزى محمد طايل، ص 53-88. استراتيجيا (مجلة) العدد 109، السنة العاشرة، ديسمبر 1991: - الأمن الخليجـى.. التحديات والتهديدات، لواء أ، ح، د . فوزى محمد طايل، ص 28-33. - أدوار استراتيجية جديدة للضفة الغربية، دورنمولد، ص 34-39، الاستراتيجية الخـفية لإسرائيل والصهيونية العالمية (2) لواء أ. ح.حـسـام سـويلم - السفن المقاتلة وحرب الخليج، ريتشارد شارب، ص 46-50 . - النظريات الاستراتيجـية السائدة فى ظل تحـديات المستقبل، لواء أ.ح. سعيـد فاضل حسن. - صراع الشمال والجنوب والنظام الاقتصادى العالمى، لواء أ. ح. ممدوح عطية 58-64. - الحرب الالكترونية الحديثة، القوات البرية ، لواء دكتور جمال مظلوم . استراتيجيا (مجلة) العدد 111، السنة العاشرة، إبريل 1991: - أزمة الخليـج.. أحـداثها وانعكـاساتها المستقبلية، لواء أ، ح.د. فوزى محـمد طايل، ص 22-27. - خطر السلاح النووى.. هل يزول؟ عن جريدة دير شبيجل، 21-33، - استراتيجية الأمن القومى للولايات المتحدة الآميركية (2)، ص 34-40. - الصراعات الإقليمية بين الحرب الباردة والوفاق ، لواء أ، ح سعيد فاضل حسن 42-46. - هل يتم الحد من التسلح فى الشرق الأوسط؟، لواء إبراهيم عاصم، 48-53. - استراتيجية العمل غير المباشر والضربات المذهلة، محمد فيصل عبد المنعم، 54-66. - المؤسسة العسكرية الإسرائيلية .. الفكر والتنظيم، عرض وتحليل أسامة رجب، لكتابه (من داود.. إلى جـوليات المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الفكر والتنظيم)، تأليف نادية رفعت وعمرو كمال حموده ، دار ابن سينا ضمن سلسلة عرب وإسرائيليون، ص 77-79 استراتيجيا (مجلة) العدد 112، السنة العاشرة، مايو- يونيو 1992: - أثر انهيار الاتحـاد السوفيتى على توازن القوى العربى- الإسرائيلى، لواء أ. ح. سعيد فاضل حسن، ص 6-11 . - مخـاطر الاحـتكـار النـووى على الأمن القـومى العـربى، لواء أ. ح. رجـب الصـافى، ص 22-36. - آفاق الغزو الصناعى الحربى الإسرائيلى، جون رووس، 32-37. - التغير فى علاقات القوى الدولية ومستقبل التنظيم الدولى، لواء أ. ح. د. فوزى محمد طايل، 44-51. - أسلحة الدمار الشامل والصواريخ البالستية فى الشرط الأوسط، لواء أ. ح . ممدوح حامد عطية، ص 52- 66. -أساليب القتال الإسرائيلية فى حروبها الأربع ضد العرب، محمد فيصل عبد المنعم، * أهداف إسرائيل التوسعية فى البلاد العربية، دار الاعتصام، القاهرة 1981: - المخططات التلمودية (اليـهودية الصـهيـونبة)، أنور الجندى، دار الاعتصام، القـاهرة - السلطان عبد الحميد الثانى وفلسطين، (رفيق شاكر النتشه، ط 5، مكتبة مدبولى، - البعد الإسلامى فى أزمة الخليج، ترجمة وتعليق لواء أ. ح، دكتور فوزى محمد طايل، الزهراء للإعلام العرابى . - النظام السيـاسى فـى اسرائيل، لواء أ. ح. د. فوزى محمد طايل، دار الوفاء للطباعة والنشر. - إطار الحركة السياسية فى المجتمع الإسرائيلى، دكـتور حامد عبد الله ربيع، دار الفكر العربى، القا هرة 1978. -أزمة الخـليج أبعاد الواقع وآفاق المستقبل، لواء أ .ح .د. أحمد عبد الحليم وآخرون، نادى أعضاء هيئة التدريس جامعة القاهرة . - الوعد الحق والوعد المفترى، د. سفر الحوالى، دار الفرقان القاهرة. - أزمة شيشان والخطر المحدق بمسلمى آسيا، فوزى محمد طايل، مركز الإعلام العربى. - البوسنة والهرسك أندلس جديدة فى أوربا، نفس المؤلف . - اثار تفكك الاتحاد السوفييتى على أمن الأمة الإسلامية، نفس المؤلف دار الوفاء. - ثورة المساجد، دكتور حلمى محمد القاعود، دار الاعتصام. - ثقافتنا فى إطار النظام العالمى الجديد، فوزى محمد طايل، مركز الإعلام العربى . - القوى الخفية اليهودية العالمية الماسونية، داود عبد العفو سُنّقرط، دار الفرقان عمان، الأردن. - اليهود فى المعسكر الغربى، نفس المؤلف ونفس دار النشر. - اليهود فى المعسكر الشرقى، نفس المؤلف، ونفس دار النشر. - اليهود فى الوطن العربى، دار الفرقان، عمان. - التاريخ السرى للبنك الدولى، زكـى العابدى، سينا للنشر، القاهرة، - الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، رجاء جارودى، دار الغد العربى القاهرة . - المجتمع الإسلامى المعاصر، أفريقيا، أ. على أحمد لبن وآخرون، دار الوفاء. -إطار الحـركة السياسية فى المجـتمع الإسرائيلى، د، حـامد ربيع، دار الفكر القـاهرة - اقترب الوعد الحق يا إسرائيل، أ . عبد المعز عبد الستار، مطابع دار الطباعة والنشر الإسلامية بالقاهرة 1997 . - جذور البلاء، عبد الله التل، المكتب الإسلامى، 1978. - صراعنا مع اليهود فى ضوء السياسة الشرعية، د. محمد عثمان شبير، مكتبة الفلاح الكويت، 1978. - ملف إسرائيل، رجاء جارودى، دار الشروق القاهرة، 1983 . - محـاولات تهويد الإنسان المصرى، مدحت أبو بكـر، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة " - مصر تدخل عصر النفايات الذرية، د. حامد ربيع، دار الفكر العربى، القاهرة 1979. - نظرية الأمن القومى العربى، د. حامد ربيع، دار الموقف العربى، القاهرة 1984. - وصف مصر بالعبرى (تفاصيل الاختراق الإسرائيلى للعقل المصرى، د . رفعت سيد أحمد، سينا للنشر، القاهرة 1989. * الطريق إلى بيت المقدس، جمال عبد الهادى مسعود (ثلاثة أجزاء)- دار الوفاء- القا هرة 1993. * قراءة فى فكر علماء الاستراتيجية الكتاب الثانى- مصر والحرب القادمة أ. د. حامد ربيع- طبعة دار الوفاء 1998 . * نحو نهضة أمة- كيف نفكر استراتيجيا- لواء أ. ح. د. فوزى محمد طايل- الإعلام العربى 1997. المصدر: ملتقى شذرات |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الإستراتيجية, عملاء, فكر, قراءة |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع قراءة فى فكر علماء الإستراتيجية | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ملخص كتاب الإدارة الإستراتيجية | Eng.Jordan | بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد | 0 | 07-13-2013 02:23 PM |
أعمدة الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة | Eng.Jordan | مقالات وتحليلات مختارة | 0 | 03-20-2013 01:30 PM |
علماء ينتهون من مشروع قراءة المجموع الوراثي لألف إنسان | Eng.Jordan | علوم وتكنولوجيا | 0 | 11-18-2012 10:32 AM |
قراءة في فكر علماء الاستراتيجية | Eng.Jordan | كتب ومراجع إلكترونية | 0 | 06-23-2012 10:00 PM |
ملخص كتاب الإدارة الإستراتيجية | Eng.Jordan | كتب ومراجع إلكترونية | 0 | 03-03-2012 01:02 PM |