#1  
قديم 06-24-2013, 11:42 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي مميزات القصة القصيرة جدا


تقديــــم:
تعد القصة القصيرة جدا من أهم الأجناس الأدبية الحديثة التي ارتبطت بالتحولات المعاصرة للإنسان في القرن العشرين، هذا القرن الذي بدأ يعرف حياة متقدمةسريعة بفضل التطور التقني والعلمي و الصناعي ... مما جعل الإنسان يعيش في دوامةمن الاضطرابات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن جراء ذلك ،هاجرالإنسان حياة الفطرة والبساطة

وابتعد عن نقاء البادية والطبيعة لينتقل إلى فضاءات المدينة التي ألغت التأمل والبطء في التفاعل مع الأشياء ليجد الإنسان نفسه في دوامة من التغيرات التي تستوجب السرعة في التكيف والتأقلم مع مستجدات العالم الموضوعي.

وقد أثر هذا الجانب سلبا على المستويات الحياتية والثقافية والتعليمية، فتخلى الإنسان عن قراءة النصوص المسترسلة والروايات الطويلة، وعوضها بالنصوص الأدبية القصيرة وقراءة عناوين مقالات الصحف والأعمدة المثبتة على صفحات الجرائد والمجلاتمع ملء الكلمات المتقاطعة وتأمل الصور الفاتنة المثيرة واللوحات الأيقونية البارزة،والمؤشرات الإشهارية الجذابة.

لهذه الأسباب والدواعي، ظهرت القصة القصيرة جدا لتستجيب لهذه التحولات المعاصرة السريعة،و وقد تفرعت كما هو معلوم عن مجموعة من الأجناس الأدبية المجاورة كالقصة القصيرة والأقصوصة والرواية بله عن خطابات أخرى كالحديث والخاطرة والمثل والنكتة والنادرة واللغز. كما ارتبط هذا الفن المستحدث على مستوى التلاقح المرجعي والثقافي بالقصة القصيرة جدا Microrrelatos التي ظهرت بأمريكا اللاتينية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. ولم تظهرالقصة القصيرة جدا في عالمنا العربي إلا في العقود المتأخرة من القرن الماضي بالشاموالعراق لتنتقل عبر ربوع العالم العربي لتزدهر في المغرب مع مجموعة من القصاصين المتميزين، ونذكر منهم على سبيل المثال: الكاتب المغربي المبدع مصطفى لغتيري فيمجموعته القصصية القصيرة جدا" تسونامي" التي صدرت عن منشورات أجراس بالدار البيضاءفي طبعتها الأولى سنة2008م في64 صفحة من الحجم المتوسط.

إذا، ماهي مميزات هذهالمجموعة على مستوى الدلالة والمرجع والبناء الجمالي؟ أ/ " تسونامي" والأسئلةالكبيـــرة: على الرغم من صغر حجم القصص التي كتبها مصطفى لغتيري في مجموعته" تسونامي"، فإنها تطرح أسئلة كبيرة، وتعج بالقضايا الذهنية العويصة ، والإشكالياتالإنسانية الميتافيزيقية ذات الطرح الأنطولوجي والمعرفي والقيمي. وهكذا نجد مصطفىلغتيري يفلسف الانطولوجيا الوجودية بالمفهوم السارتري ، ويتناول إصرار المرأة علىالتحرر الوجودي في قصة " نكاية" (ص: 23) التي يقول فيها الكاتب: " منحني الظهر،منشغل البال، كان سارتر يمضي حثيثا، شابكا يديه وراءه، وهو يردد- بلا ملل- لازمتهالأثيرة... " الوجود أولا...الوجود أولا أولا..." نكاية فيه كانت سيمون دي بوفوار،عن كثب ، تقتفي خطواته، بعبوس وتحد ظاهرين وهي تردد بإصرار.. " المرأةأولا...المرأة أولا...." كما يفلسف مصطفى لغتيري مفهوم الموت باعتباره شراميتافيزيقيا ووجوديا في قصته التي تحمل نفس الاسم، كما يتناول مفهوم الوطن بإدانةالبطش السياسي ، وانتقاد السياسة اللاإنسانية القائمة على أسر الوطنيين الحقيقيينواعتقالهم عبر الزج بهم بدون رحمة ولا شفقة في زنازن التعذيب وسجون التطهيرليعلموهم لغة الصمت والحكمة والركوع والظفر بمتاع الدنيا كما في قصة" وثيقة" وقصة"السكوت من ذهب".

هذا، ويركز الكاتب على الحرية ويصور قيمتها المثلى التي لاتتحقق إلا بالتحدي والصمود والمقاومة كما في قصة " حرية" (ص:32) التي تشيدبالمقاومة الريفية التي جابهت بكل إصرار الغزو الأجنبي في أراضي الريف المكافحة،ويدافع الكاتب أيضا عن اللغة الأصلية للإنسان الأمازيغي، ويدعو إلى تعلمها كما فيقصة" تفوكت"(ص:15) التي تعني الشمس. كما يشيد الكاتب بفلسفة اللعب والطفولة كما فيقصة " طفولة " (ص: 20-21). ومن جهة أخرى، يصور الكاتب أيضا وحشية الإنسان وقسوته فيعالمنا الجنوني هذا القائم على الغرابة واللامعقول، والقيم الزائفة، والانتصاراتالموهومة، والبطولات الدونكيشوتية الحالمة، واغتصاب الطفولة وسرقة أحلام الصغار( قصة عرائس ، صفحة: 33). وتجسد قصص مصطفى لغتيري اضمحلال الإنسان واقعيا وأخلاقياووجوديا، ذلك الذي يعاني من الوحدة الفظيعة( قصة وحدة ،صفحة 31)،

والعزلة القاتلة،والاستغلال البشع (قصة الغريب، صفحة 41)، والمكر الداهم، والفشل الإبداعي (قصة قصة،صفحة 34)، والانهيار الداخلي ( قصة غزو، صفحة 35)، وخيبة الأمل (قصة العرافة، صفحة 48)، والحزن الفارغ ، والفرح المتعفن، والاكتئاب المزمن (قصة اكتئاب، صفحة 37)،والغربة المتشنجة، والقلق الغامر ، والغم اليائس، والسأم الوجودي (قصة الشاعر، صفحة 24) ، والزيف المحقق ، والامتساخ الماكر (قصة تقمص، صفحة 28) ، والخداع الإنساني (قصة خداع، صفحة 16)، والظلم المتفشي(قصة عدالة، صفحة 17)، والفراق العائلي (قصةذكرى، صفحة 18)، والعقم الصارخ (قصة عقم ،صفحة 44)، والقسوة المتنامية ( قصةمراهنة، صفحة 45)، والإجرام الفاحش ( قصة جريمة ، صفحة 46)، . وعليه، فقد أصبحالإنسان في زمن اللاعقلانية والفوضى والسرعة الجنونية يتعرض للتعليب الرقمي ،والتشيىء المستلب، والتهجين المدجن ، تفتك به أمراض العصر وتنخره الأوبئة الفتاكةوخاصة القيمية والطبيعية منها كالاستنساخ (قصة الآخر، صفحة 30)، والعري الإباحي ( قصة عري ، صفحة 39)، وإنفلوانزا القيم (قصة إنفلوانزا ، صفحة 22)،

وتسونامي التغريبوالتطهير (قصة تسونامي، صفحة 25) . كما عبر الكاتب عن الجدب الطبيعي والبشري فيقصته" غيمة" (صفحة 58)، وصور لنا سعادة الأسرة الملحاحة في طلب الحاجيات في مقابلمعاناة الزوج الذي يعيش الشقاء الداخلي بسبب إيقاع الطلبات المتسارعة على حسابسعادته وراحته النفسية والذهنية كما في قصة " أسرة"(صفحة 56). وقد ترتب عن هذهالوضعية البشرية المزرية أن قرر الإنسان الهروب من عالم الامتساخ والانبطاح حيالعالم الروح والقيم والتنسك الجواني كما في قصة " قرار" (ص:40)، والبحث عن فرصة أملباقية كما في قصة " أمل "(ص: 49). ب/ المميزات المرجعية: تحمل القصة القصيرة جدا فيأبعادها المرجعية ورهاناتها المقصدية الرؤية الإنسانية المغلفة بالنزعة التراجيديةالتي تعلن موت الإنسان في زمننا المعاصر ، وإفلاسه كينونيا،

وانبطاحه أخلاقياوسقوطه قيميا بعد أن انساق وراء بريق المادة، ومفاتن الغواية ، وسيقان الإباحةوالجسد. فقد تفاقمت القيم السلبية والظواهر المشينة التي تحط بالكائن البشري في هذاالعالم المتردي المنحط الذي يحتاج إلى تطهيره بالقيم الأصيلة ونقاء الضمير وصفاءالروح. لذا، أصبح الإنسان في هذا الكون الشاسع الموبوء ذئبا لأخيه الإنسان على حدتعبير الفيلسوف الإنجليزي هوبز، فانتشرت الفلسفة الميكيافيلية التي تقول جهارا بأنالغايات تبرر الوسيلة، وذاعت الفلسفة البراجماتية ولغة المصالح والمنافع بالمفهومالبذيء للمنفعة والتعامل البشري. وبالتالي، يرثي الكاتب مصطفى لغتيري الكائنالإنساني، وينعى الروح البشرية، ويكتب مرثية انهيار الإنسانية بسقوطها في أوحالالامتساخ والحيوانية والتشييء المادي والخضوع لعالم الرقميات والاستلاب الإنتاجيعلى حساب القيم و********ات والذاتية الجوانية. كما يدين الكاتب عالمنا المأساويالفاجر الذي قتلت فيه الطفولة العذبة ،

والسعادة الروحية، والفضيلة المثلى ،والوطنية الصادقة، والحرية المقاومة ، والإنسانية الحساسة. وينتقد كذلك العالمالرأسمالي المعولم أو العالم" المغولم " المتوحش الذي تحول فيه الإنسان إلى شبحمخيف وكائن مرعب مرهب، العالم الذي امتسخ فيه اللعب الصبياني ، وشذ فيه التزاوجالبشري، واحتقر فيه الآخر المماثل، وانهار فيه الحب العائلي، وتشوه فيه الجمال فعوضفي الآن نفسه بقبح الأفعال ومكر التاريخ وسوء الأخلاق. وعلى أي، فمصطفى لغتيري يصدرفي مجموعته القصصية عن رؤية ذهنية فلسفية تتغنى بالإنسان الذي صار كائنا تراجيدياممسوخا ينهشه السأم الوجودي ، وينخره الموت الفتاك ، بعد أن فرط طمعا وجحودا فيقيمه الأصيلة التي استبدلها بالقيم الكمية الزائفة في عالم الانحطاط البشريوالانبطاح الإنساني وانهيار الكائن البشري.

ج/ المميزات الدلالية:
تتسم القصةالقصيرة جدا بمجموعة من الخاصيات والمميزات الدلالية التي تميزها عن القصة القصيرةوالرواية وباقي الفنون والأجناس التي تعرفها نظرية الأدب. فدونكم أيها القراءالأفاضل هذه المميزات الدلالية والخاصيات المعنوية التي سنستحضرها من خلال مجموعة " تسونامي" لمصطفى لغتيري باعتبارها نموذجا تمثيليا ليس إلا،

وهي نفس الخاصيات التيتسم باقي المجموعات القصصية لدى باقي كتاب القصة القصيرة جدا. وهذه الخاصياتالمميزة هي على النحو التالي:
1- خاصية السخرية :
من يتأمل قصص مصطفى لغتيري وقصص غيره من كتاب القصة الكبسولة كعبد الله المتقي، وفاطمة بوزيان، وجمال بوطيب، وعزالدين الماعزي ،وسعيد بوكرامي،ومحمد العتروس،وسعيد منتسب،ومحمد تنفو، وحسن برطال،ورشيد البوشاري، وأنيس الرافعي، وهشام بن شاوي، وأحمد الويزي، ومصطفى الكلتي، ومحمدعز الدين التازي، وكريم راضي، ومحمد زيتون، ومحمد الكلاف، وميلود بنباقي، ومحمدمفتوح؛ ومصطفى بندحمان... فإنه سيصادف ظاهرة السخرية الناتجة عن المفارقة الصارخة،

والانزياح المنطقي، وكثرة الباروديا ، وهيمنة الخلل العقلي، وتكسير المواضعاتالسائدة ، وتخييب أفق انتظار القارئ، وانقلاب موازين القيم ، وانكسار القواعدالسائدة المقبولة ذهنيا وواقعيا أمام اللاعقلانية الضاحكة وحقيقة الجنون. يقولمصطفى لغتيري في قصته وثيقة (ص:26):" لأنه يحب الوطن حبا جنونيا، اعتقلته السلطات،واحتفظت به في زنزانة منفردة، خوفا عليه من الضياع. إنها – اللحظة- تفكر جديا فيعرضه في المتحف الوطني". يعتمد الكاتب في هذه القصة الساخرة على تعيير الواقعالمتناقض، والثورة على الوعي الزائف، وإدانة سياسة الاستلاب وتزييف القيمالإنسانية، كما تقوم هذه السخرية على الفكاهة والتنكيت والتهكم والتعريض والتلميحوالإيحاء والضحك كالبكاء. 2/ خاصية الإدهـــاش: تعد خاصية الإدهاش من أهم خاصياتالقصة القصيرة جدا الناتجة عن الإضمار والغموض والحذف والتخييل وترك البياضاتالفارغة واصطناع لغة المفارقة والعلامات الملتبسة المحيرة التي تساهم في خلخلةميثاق التلقي وإرباك القارئ على مستوى التلقي وتقبل النص كما يتضح ذلك في قصة: " السكوت من ذهب" (ص:29) التي التجأت إلى الإيجاز المقتضب واستعمال الحكمة الساخرةوالفكاهة الواعية والنادرة الذهنية التي تستوجب من المتلقي استعمال الخيال والعقلوتشغيلهما من أجل تفكيك دوال المنطوق لبناء المفهوم: " لكي يصبح الرجل ثريا، قرر أنيصمت إلى الأبد".

ومن ثم، تهدف القصة القصيرة جدا إلى دغدغة المتقبل وجذبه لمشاركةالكاتب في انبناء نصه. لذا، يدهشه المؤلف بالبياضات الكثيرة، والفراغ الصامت ،والتلغيز المحير، والتنكيت الساخر، وقلب المواضعات المألوفة رأسا على عقب. 3/ خاصيةالفانطاستيك: تشغل القصة القصيرة جدا عند مصطفى لغتيري خاصية الفانطاستيك من خلالالتأرجح بين الغريب والعجيب ،واستعمال خطاب التحولات الخارقة التي تعبر عن تداخلالوعي واللاوعي، وتنافر الواقع واللاواقع، والمألوف واللامألوف لتشبيك عالم الغرابةوالفانتازيا والامتساخ البشري والحيواني والإشهاد على انبطاح الإنسان أخلاقيا،وانحطاط، المجتمع البشري الذي علبته القيم الكمية والمعايير الرقمية والمادية. يقولمصطفى لغتيري في قصته:" تقمص"(ص:28):" أبدا لم تنطل حيلة الرداء الأحمر علىالثور... أمام اندهاش الجميع، قصد المصارع، وأصابه إصابة قاتلة... كان الثور يتقمصروح خفاش، قادر على تحديد أهدافه، بالتقاط الذبذبات".

تصور هذه القصة وحشية الإنسانوتحوله من كائن آدمي إلى مجرم يسفك دماء المخلوقات الضعيفة بدون شفقة ولا رحمةليتلذذ بانتصاره الوهمي الزائف. 4/ خاصية التناص: تعتمد القصة القصيرة جدا من خلالهذه الأضمومة على توظيف التناص والمستنسخات النصية والمقتبسات المعرفية وتشغيلالمعرفة الخلفية الداخلية والخارجية من خلال استحضار الأعلام والنصوص اللاواعيةوالأفكار المخزنة والذاكرة المضمرة والعبارات المسكوكة والصيغ المأثورة والحقولالمعرفية عبر قنوات الامتصاص والاستفادة والحوار والتفاعل النصي. ويعد مصطفى لغتيريمن القصاصين الذين يصدرون عن رؤية ذهنية ثقافية يتحكم فيها التناص بشكل كبير منخلال توظيف مجموعة من الإحالات المعرفية التناصية التي تتمظهر في المؤشراتوالمستنسخات التالية: أبو العلاء المعري،

الكوميديا الإلهية، بورخيس، رسالةالغفران، فان كوخ، دانتي، المعرة، سارتر، سيمون دي بوفوار، زرادشت ، نيتشه، بشار بنبرد، جورج واشنطن... د/ المميزات الجمالية: تتسم مجموعة تسونامي لمصطفى لغتيري بعدةسمات فنية ومكونات جمالية هي التي تحدد شعرية القصة القصيرة جدا وتؤسس أجناسيتهاالأدبية . ومن بين هذه المكونات الجوهرية لابد من ذكر العناصر البويطيقية (الإنشائية)التالية: 1- التركيب النحوي: تنبني القصة القصيرة جدا عند مصطفى لغتيريعلى الجمل البسيطة ذات المحمول الواحد سواء أكان محمولا فعليا أم اسميا أم ظرفيا أمحاليا... وتقوم الفواصل وعلامات الترقيم الأخرى كالاستفهام ونقط الحذف والنقطةوعلامة التعجب أو التأثر بدور هام في تقطيع الجمل وتكثيفها واختزالها إلى نوىمحمولية. وغالبا ماتكون محمولات الجمل فعلية للتدليل على الحركية والتوتر الدراميوإثراء الإيقاع السردي وخلق لغة الحذف والإضمار، أما المحمولات الاسمية فتأتيللتأكيد والتقرير والوصف وتبيان الحالة. ومن هنا، فالغرض من توظيف الجمل البسيطةبكثرة في القصة القصيرة جدا هو البحث عن إيقاعية متناغمة لجنس القصة القصيرة جداوتسريع الأحداث بشكل ديناميكي حيوي، والميل إلى الاختزال والحذف والاختصار وتشويقالقارئ،

والابتعاد عن التطويل والإطناب والإسهاب. كما يرتكز الكاتب على الأفعالالوظيفية الأساسية مع الابتعاد قدر الإمكان عن الوظائف الثانوية التي لاتساهم إلافي تطويل النص وإطالة أهدابه وأجنحته التخييلية. ويخضع الكاتب أيضا جمله لخاصيةالانزياح النحوي و تخريب رتبة الجملة تقديما وتأخيرا كما في قصة " وحدة " (ص:31): " وحيدا ظل العصفور في القفص.. كئيبا لا يسمع له صوت...فكر الرجل ، فاشترى له عصفورةتؤنسه.. حين حلت الضيفة الجديدة، أصبح العصفور نشيطا، لايتوقف عن الحركة، وامتلأالبيت بوصوصاته المسترسلة.. صباحا تأمل الرجل العصفورين، فرأى منظرا بديعا،أدهشه... لحظتها فقط، أحس بأنه وحيد بشكل فظيع." ومن الشواهد النصية التي تبينهيمنة الجمل البسيطة في القصيرة جدا قصة الموت(ص:14) :" على هيئة رجل ، تقدم الموتنحو شاب،

يقتعد كرسيا على قارعة الطريق...جلس بجانبه، ثم ما لبث أن سأله: - هل تخافالموت؟ - واثقا من نفسه، أجاب الشاب: - لا، أبدا، إن لم يمت المرء اليوم، قطعاسيموت غدا. بهدوء أردف الموت: - أنا الموت... جئت لآخذك. ارتعب الشاب...انتفضهاربا...لم ينتبه إلى سيارة قادمة بسرعة مجنونة، فدهسته". و تمتاز قصص مصطفى لغتيريبالإيجاز والإضمار والحذف لإدهاش المتلقي وإرباكه، وخلق لغة الغموض والتخييل وتخييبأفق انتظار المتلقي مع دفعه اضطرارا وقسرا نحو التخييل وافتراض الأجوبة الممكنة ،

وتشويق القارئ لملء فراغ النص وبياضاته المسكوتة . وتعد خاصية الإضمار من أهممميزات القصة القصيرة جدا، وبها تنماز عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى. ويبدو هذاالإضمار جليا في معظم قصص مصطفى لغتيري كما يدل على ذلك الإكثار من نقط الحذفالثلاث التي ترد في جل النصوص القصصية القصيرة جدا. ويستعمل الكاتب أيضا التركيبالحجاجي والاستدلال المنطقي في بناء المقدمات والحجج والبراهين الافتراضية من أجلالوصول إلى النتائج، وهذا التركيب الحجاجي هو الذي يحقق للنص تماسكه واتساقهوانسجامه التركيبي والدلالي كما في قصة" أسرة"(ص:56) التي شغل فيها الكاتب المنطقالأرسطي الصوري والاستغراق الاستدلالي الجملي عبر التدرج من الجزء والخاص إلى الكلوالعام: " قال الابن: - أنا سعيد، لأن أبي يشتري لي كل ما أحتاجه. - قالت البنت: - أنا سعيدة لأن أبي يسمح لي بالذهاب أينما شئت. قالت الزوجة: - أنا سعيدة لأن زوجيأبدا لا يرفض لي طلبا.

- قال الزوج، وقد ظفرت من عينيه دمعة: - حتما، يجب أن أكونسعيدا لأن كل من حولي سعداء". ويلاحظ أيضا ظاهرة التتابع وتراكب الجمل وتتابعها فيسياق النص من أجل تأزيم العقدة ، وخلق التوتر الدرامي عبر تسريع وتيرة الجمل ،وركوب بعضها البعض ولاسيما في القصص التي تسرد بواسطة الجمل الفعلية المسردة كما فيقصة شهد الملكة(ص:27):" من بعيد تراءت له الملكة تتقاطر عسلا، وتجللها- ببهاء- هالةمن نور بخطوات حالمة دلف نحوها...دنا منها... مرتبكا مد سبابته...أغمض عينيه وغمسالأصبع في العسل... تذوق قطرة واحدة، فغدا العالم من حوله بطعم، أبدا لم يعد قادراعلى تحمله". نلاحظ في هذه القصة مجموعة من الأفعال التي تخضع للتتابع والتراكبالسريع بشكل يؤدي حتما إلى تسريع النسق القصصي وإسقاطه في شرنقة التأزم والتوترالدرامي الحركي كما يدل على ذلك النسق الفعلي التالي:تراءت، تجللها،دلف، دنا،مد،أغمض، غمس،تذوق، غدا،

يعد...فمسافة هذه الأفعال المتراكبة قريبة ومتجاورة ؛ ممايساعدها على خلق لوحة مشهدية درامية أو لقطة فيلمية نابضة بالحركة والسرعةالإيقاعية. 2- التركيب البلاغي: تتجاوز القصص القصيرة التي يكتبها مصطفى لغتيريالكتابة الحرفية التقريرية المباشرة، ويستعمل بدلا منها لغة التشخيص الاستعاريوالمجاز المؤنسن الإحيائي والتشبيه المفسر والانزياح البلاغي وخطاب الترميز من أجلخلق لغة إيحائية شاعرية مؤثرة قائمة على خلخلة المحور الاستبدالي في تقاطعه معالمحور النحوي. ومن ثم، يبحث الكاتب عن الوظيفة الشعرية والمحكي الشاعري لتقريبالقصة من الشعر ومن الخطابات القائمة على لغة المشابهة والمجاورة. ومن الأمثلةالنصية على الخطاب البلاغي المنزاح الذي يطفحبالشاعرية المفلقة والأنسنةالاستعارية نصه:" غيمة" (ص:58):"

من أعماق المحيط، انطلقت غيمة داكنة، تبحث عن مكانيستحق ماءها... تواطأت الريح معها، فسحبتها نحو اليابسة. فجأة لمحت الغيمة قطعة أرضيابسة، قد علا الاصفرار ذؤابات نباتاتها... مبتهجة هرولت الغيمة نحوها، عازمة علىربها... حين أشرقت عليها...جاهدة حاولت سقيها.. لكنها متأسفة اكتشفت أن طول الرحلةأنهكها، فأضحت سحابة عجفاء شاحبة." هذا، وتتسم قصص مصطفى لغتيري بالخاصية الرمزيةالتجريدية عبر استخدام لغة العلامات والإشارات السيميائية والدوال الموحية الحبلىبالمدلولات المنطوقة التي تستنبط عبر سياقاتها اللغوية والنصية والذهنية وتستكشفعبر صورها البلاغية القصيرة جدا. وإليكم نصا قصصيا يطفح بالرمزية التجريديةوالانبطاح البشري والامتساخ الحيواني الدال على انهيار القيم الأصيلة وتساقط المثلالعليا في العالم البشري المنحط كما في قصة " قرار" (ص: 40):" كان كلبا أنيقا معتزابذاته... لمح ذات صباح كلبة جميلة، فوقع في حبها..طاردها مدة طويلة،

دون أن يقضيمنها وطره. ذات مساء، رأى الكلبة تجامع كلبا بشكل فاضح... اغتم، فقرر، منذ ذلكالحين، أن يصبح ناسكا." فالحيوانات المذكورة في هذه القصة القصيرة جدا ماهي فيالحقيقة سوى أقنعة رمزية تحيل على الكائنات الآدمية الممتسخة ، والذوات البشريةالكلبية التي أصبحت عبر أفعالها المشينة مخلوقات حيوانية جحيمية ملعونة . 3/ التماثل الصوتي والإيقاعي: يستند مصطفى لغتيري إلى كتابة قصص قائمة على التماثلالصوتي والتوازي الإيقاعي الناتجين عن تكرار الوحدات الصوتية وتجانس الفونيماتالمتقاربة من حيث الصفات والمخارج، وتماثل المورفيمات الصرفية والمونيمات المعجميةوالتراكيب النحوية والبلاغية. ففي قصة " أسرة" تتكرر الكلمات المشتقة من السعادةكسعيدة وسعيد وسعداء، والكلمات المشتقة من الزواج كزوج وزوجة ، وكلمات البنوةكالابن والبنت، كما تتكرر مجموعة من الأصوات المهموسة كالسين والتاء والأصواتالأنفية المجهورة كاللام والميم والنون.

كما يتعدى التماثل الإيقاعي ماهو صوتيومعجمي إلى ماهو تركيبي حيث تعاد جمل بنفس الصيغة التركيبية كجملة : أنا سعيد أوأنا سعيدة، وجملة: قال الابن، وقالت البنت. وعلى العموم، يتسم جنس القصة القصيرةجدا بالإيقاع السريع الثري الذي يترتب عن تراكب الجمل وتتابعها وبساطة التراكيبوكثرة الحذف والإضمار وشدة التكثيف والاقتضاب. 4/ النزعة القصصية: تحترم قصص مصطفىلغتيري مكونات القصة وخصائص الكتابة السردية من أحداث وشخصيات وفضاء ورؤية سرديةونسق زمني وصياغة أسلوبية ولغوية. بيد أن هذه القصصية السردية قد تكتفي بماهوإسنادي أساسي في تحبيك العقدة أو ما يسمى بالعمدة في باب النحو من خلال التركيز علىالأحداث والشخصيات وإلغاء ما يدخل في باب الفضلة والتوسيع والتكملة من فضاء ووصفوتصوير للأجواء كما في قصة " السكوت من ذهب " (ص: 29): " لكي يصبح الرجل ثريا قررأن يصمت إلى الأبد". فهذه القصة تكتفي بالحدث البارز والشخصية الرئيسة، وتستغني عنكل المقومات الفضائية من مكان وزمان ووصف وتجسيد للأجواء والمكملات الحاليةوالنفسية.

كما ترد لدى الكاتب مجموعة من القصص القصيرة جدا الطافحة بكل المكوناتالقصصية الأخرى كاستعمال الرؤية السردية، وتوظيف الوصف ، وتصوير المشاهد والفضاءات، وتبئير الشخصيات، وتكثيف الأزمنة السردية ، وتجسيد المرجع الشخوصي النفسيوالموضوعي. ويعني هذا أن القصصية لدى مصطفى لغتيري وغيره قد تكون قصصية مقتضبةموجزة ومكثفة أو تكون قصصية موسعة مسهبة. 5/ خاصية الحجـــم القصير: تمتاز القصةالقصيرة جدا عند مصطفى لغتيري بالحجم القصير، فهي تبتدئ بجملتين على الأقل في قصة" السكوت من ذهب" لتستغرق أكثر من صفحة واحدة في قصة:" طفولة". وبهذا الحجم المحدودتنماز القصة القصيرة جدا وتتفرد عن باقي الفنون والأجناس الأدبية الأخرى التي تميلإلى التفصيل والتطويل والإسهاب والتمطيط والتوسيع . ويستحسن أن يلتزم كتاب القصةالقصيرة جدا بالحجم القصير الميكروسكوبي، وإلا اعتبرنا بعض النصوص القصصية القصيرةجدا الواردة في الكثير من المجموعات السردية المحسوبة على جنس القصة القصيرة جدانصوصا مخالفة لهذا الجنس الأدبي الجديد.

فأي انتهاك للحجم المحدود يدخل هذه النصوصالطويلة حتما في باب الأقصوصة أو القصة القصيرة أو في الرواية القصيرة أو في بابالرواية إن كانت القصة مسترسلة بشكل كبير جدا. 6/ خاصية الوصف المقتضب: من المعلومأن الوصف من أهم العناصر الجوهرية للرواية ، حيث يلتجئ الروائي إلى استخدام إيقاعسردي بطيء لحشو متن روايته بالوصف التصويري القائم على التفصيل والاستقصاء واستخدامصور المماثلة والمجاورة، في حين نلفي القصة القصيرة جدا تتفادى الوصف التفصيلي الذيتستخدمه الرواية الكلاسيكية أو الوصف الانتقائي الذي نجده في الرواية الجديدة . وتكتفي القصة القصيرة جدا بالنزر القليل من الوصف عن طريق استعمال بعض النعوتوالأوصاف والأحوال وبعض الصور البلاغية كما نرى ذلك في قصة" قوس قزح"(ص:54):" ارتدتالصبية فستانا أصفر فاقع لونه، يتخلله أحمر زاه...رنت بعينيها النجلاوين نحو المدىالبعيد...ارتعش الكون...خفق قلبه فرحا، ثم مالبث أن ارتسم في الأفق قوس قزح بألوانهالزاهية".

ومن ثم، فالكاتب يستعمل الأحداث بكثرة ، ويقلل من الأوصاف التي تتخذ صفةالاقتضاب والاختزال والتكثيف والإشارات العابرة الملمحة، فالكلام ما قل ودل. 7/ الانفتاح الأجناسي: يعتبر الانفتاح الأجناسي من أهم خاصيات القصة القصيرة جدا ، حيثنجد هذه الكبسولة القصيرة تستوعب مجموعة من الأجناس الأدبية والفنون المجاورةكتشغيل اللقطة السينيمائية ولمحة الخاطرة وسخرية النادرة ولغز التنكيت والسردالقصصي والروائي والصورة التشكيلية والتوتر الدرامي. بيد أن أهم انفتاح للقصةالقصيرة جدا هو استيعابها لفن الشعر وتوظيف الشاعرية السردية أو ما يسمى عند إيفتادييه Yve Tadié بالمحكي الشاعري. ويعني هذا أن الكبسولة القصصية تنساق وراءالشاعرية الإبداعية بواسطة استخدام القالب الشعري واللغة الموحية والصور الشعريةالانزياحية كما في قصته " الغريب " ( ص: 41) التي تشبه قصيدة شعرية نثرية: "

فيبلادنا شجرة وارفة الظلال.. جاء الغريب اشتراها، وطردنا بعيدا، لنصطلي تحت نيرانالشمس الحارقة.. بعد زمنن رحل الغريب.. مبنهجين عدنا إلى الشجرة، فلفحتنا ظلالهاالحارقة" نلاحظ في هذه القصة القصيرة جدا تعدد الأسطر القصصية ذات الطبيعة الشعريةواستعمال التوازي ،

وتشغيل المحكي الشاعري من خلال المزاوجة بين صور المجاورة وصورالمشابهة، وتوظيف الرموز المكثفة. ومن ثم، فالقصيدة تشبه إلى حد كبير قصائد الشاعرةالفلسطينية فدوى طوقان التي تستدعي فيها الشاعرة خطاب المقاومة والتحدي والصمودوالكفاح بكتابة شعرية نثرية قصصية متفاوتة الأسطر والجمل الشعرية. كما يستند هذاالجنس الأدبي الجديد إلى توظيف مجموعة من السجلات اللغوية والخطابات كالخطاب الحلمي (قصة أحلام)، والخطاب الأسطوري (قصة العرافة)، والخطاب التناصي( قصة تناص)،

والخطابالديني، والخطاب العرفاني الصوفي، والخطاب الفلسفي، والخطاب الأدبي، والخطاب الفني،والخطاب المرجعي الذاتي والموضوعي، وخطاب السخرية البوليفونية والتهجين اللغوي. كماتتأرجح اللغة القصصية بين الفصحى والعامية المعربة والانفتاح على السجلات اللغويةالأجنبية (في قصص الكتاب الآخرين )، والاستعانة بالسجلات اللهحية المحلية (توظيفالأمازيغية مثلا في قصة" تفوكت/الشمس"). خاتمـــة: ونستشف ، مما سبق، أن مجموعة " تسونامي" لمصطفى لغتيري قد تمثلت جل مقومات القصة القصيرة جدا تحبيكا وحجما، كمااستجمعت كل مكونات الفعل السردي وخصائص التشويق والإدهاش الفني والجمالي .

ومن هنا،تحمل هذه الكبسولات القصصية الواردة في أضمومة " تسونامي" للكاتب المغربي مصطفىلغتيري في طياتها رؤية ذهنية فلسفية إنسانية ذات طرح وجودي تراجيدي عبر طرح أسئلةإشكالية كبيرة على الرغم من الحجم القصير والنفس الجملي البسيط. زد على ذلك ، أنالقصة القصيرة جدا على ضوء هذه المجموعة المتميزة والرائعة في قصصيتها ومقاصدهاالرمزية والمرجعية تتسم بمجموعة من الخاصيات التي تفردها عن باقي الأجناس الأدبيةالأخرى كالخاصيات الدلالية التي تتمثل في الفانطاستيك، والسخرية، والتناص، والإدهاش، والخاصيات الجمالية التي تتحقق وتتجسد فنيا في الإضمار والحذف، والتراكب الجملي،والإيقاع السريع، والتجريد الرمزي، والغموض الموحي، وتشغيل الحجم القصير المحدود،وتوظيف النزعة القصصية المعبرة، والميل إلى الوصف المقتضب، وتنويع علامات الترقيم ،وإثارة المتلقي.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
ملخصات, القصة, القصيرة, جدا


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مميزات القصة القصيرة جدا
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الملابس القصيرة تسبب السرطان صابرة أخبار منوعة 0 04-23-2015 05:51 AM
بين الرواية والقصة القصيرة Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 06-13-2013 10:08 AM
ملخصات بحوث قانونية Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 1 11-17-2012 06:34 PM
القصة القصيرة جداً من التبعيّة نحو الاستقلال Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 11-10-2012 09:44 PM
فوز قنديل بجائزة الطيب صالح فى القصة القصيرة Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 02-18-2012 09:24 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:32 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59