#1  
قديم 11-20-2012, 09:56 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي المتغيرات السياسية والاجتماعية في الخليج ودورها في صقل الأجناس الأدبية الجديدة





الدكتورة هدى النعيمي كاتبة من قطر

الأجناس الأدبية بنت شرعية لزمنها عدا عن أنها مغامرة في المجهول لمبدعيها فما يستقر ويزدهر ويلقى القبول يتحول من الهامش للمتن وما لا يقبل الحياة والاستمرار ينتهي بأنتهاء الظروف التي أوجدته لذا تصبح قراءة المتغيرات ضرورة لاغنى عنها لفهم ما يطرأ على الأجناس الأدبية من إضافات وتعديلات بل وولادات لأشكال جديدة خارج النسق العام لما هو مستقر أدبيا ونقديا أو من رحمه وإمتداداته .

ويلاحظ المتتبع للحركة الأدبية في الخليج أنه منذ العقود الأولى للقرن الماضي و منذ الرصد الأول لتاريخ السرد القصصي و الروائي في المنطقة أنه كانت هناك إشارات وتحليلاً تعديدة لما واجهته منطقتنا من منعطفات و تيارات ذات أبعاد اقتصادية و سياسيه و إجتماعية لا تنفصل في سياقها التاريخي عن المتغيرات و الأحداث العالمية المتمثلةً في حربين عالميتن ، و ظهور نظريات و فلسفات غيرت من مجرى التاريخ كالوجودية و الشيوعية والرأسمالية ، و لم تكن المنطقة العربية – رغم تأثرها الطفيف بما حولها - بعيدة عن تلك المتغيرات وعواقبها التي أضيفت اليها حديثاً الثورة في عالم التكنولوجيا و العلوم و الطب و الانفجار المعرفي الذي لم تعرف البشرية من قبل له مثيلا .

تلك المتغيرات المتسارعة تلقاها المجتمع الساكن على ضفاف خليجية و المسكون بهدوء الصحراء و رذاذ البحر ، تلقاها بحرص المتوجس من الجديد القادم وتعامل معها بمقاربة متوازنة ما بين الخوف من الوقوع في ضلالها وأباطيلها و الرغبة في حياة أكثر رخاءً و سخاء من تلك التي تفرضها قسوة البادية و لهيب شمسها و الذكريات الموروثة عن زمن فرض أساليب عيش فيها الكثير من الشظف تفرض مصارعة ظلمات الغوص وامواج البحر من أجل لؤلؤة تعلقها أميره على الضفاف الأخرى من البحرعلى صدرها .

و ما ان وهبت رمال الصحراء الخليجية ذهبها ذو الرائحة الوقودية المرغوبة عالمياً ، حتى صارت الضفاف الأخرى بكل ألوانها و إعتباراتها قريبة المنال وحتى صارت ضفاف الخليج بالنسبة لمعظم أهله ”آخر” يثير القلق وينغص صورة السكينة الأولى .

مع التحول الأكبر الأول في المنطقة – ظهور النفط – أسهبت الأقلام الراصدة للتحول في وصف الإنعكاسات الإجتماعية مع طفرة المال الفجائية ، مع كل ما تبعها من قضايا تنمية المجتمعات كانشاء المدن والبنى التحتية وشيوع مظاهر التمدن و التعليم و الشباب والرياضة وظهور المرأة في الساحة بسبب الفورة الإعلامية بطرق أكثر بروزاً من الماضي الى آخر تلك القضايا التى فُرضت على المجتمع ليتعايش معها بشكل يومي وفي الوقت نفسه يحاول الحفاظ على القيم الدينية و الإجتماعية المقدسة التي توارثها .

ولنقل تلك الصورة الجديدة اعتمد المبدع الخليجي على أدواته من خلال سرد مباشر تقليدي يحاكي الواقع و لا يمثل المتخيل ، ويصارع مساحة رمادية يحاول ستر واقعيته من خلال ظٍلالها ، فالشخصيات الروائية التي تتراقص داخل نصه هي تلك التي تقابلها في طريقك كل يوم أو تلك التى تدري انها تسكن ذاك المنزل القريب من منزلك ، تلك الكتابات الأولى ذات الجرأة المعقولة منحت صوتاً لعدد من شرائح المجتمع أولها شريحة الشباب و هي التي خرجت للعالم و تشبعت بمعارفة الجديدة في حين لا يراها المجتمع الا امتدادا للشيخ الكبير – الأب او شيخ القبيلة – و لا بد لمعايير الشيوخ والآباء من الإستمرار و إن كره الكارهون ! و الشريحة الثانية التي أنطقها السرد الخليجي الأول هي المرأه ، و التي ما تزال تحتاج الى من يحمل الأمانه فيصل بصوتها الى آفاق أبعد و أكثر رحابه .

اذن ، فظهور النفط والوفرة الاقتصادية التى صاحبتة و ما تبعها من صور كإنتشار المدارس و التعليم و الإستقبال الأول للتكنولوجيا الحديثة ، تلك كانت المحك الأول للسرد في الخليج و الذي أنطق الأقلام في مجال القص و المسرح و حتى الدراما الاذاعية و التلفزيونية الوليدة في حينها وذات القدرة على مخاطبة المتلقي البسيط الذي لم تتح له ظروف ما قبل الطفرة الحصول على قسط من التعليم .

أما المحطة الثانية التي غيرت من مسار الحياة في الخليج و بالتالي غيرت وجه السرد الروائي و القصصي ، فهى حرب الخليج الثانية – من وجه نظرٍ خاصة – فهي إمكان ما لا يمكن وما لم يكن في التصور المنطقي لسياق التطورات في المنطقة فتلك الحرب بمثابة حدوث ما لم يكن في الحسبان وهذا ما ساعد على الخروج الصارخ أثرها عن الفرضيات السائدة ، وقد كانت تلك الحرب ايضاً كسراً للمعايير ذات القدسية و هي رسالة الى الأوطان الصغيرة بأن دوام الحال من المحال و ان لحظة زمنية قد تلغي نُظم كامله لتُنشئ أخرى و ان التغير قد لا يحتاج الى جيل – كما مرحلة ظهور النفط – لكنة قد يُخلق في ليلة واحدة كليلة الثاني من اغسطس للعام 1991 التي يصعب على الذاكرة العربية ناهيك عن الخليجية نسيان وقوعها المدوي .

عندها تدافعت الأقلام الصحافية و المبدعة – ليس في الكويت وحدها – لتصوير حالة الرفض بصور شتي ، صريح و مباشر و حاد و ربما قاس على البعض ، اتجاه واحد للكتابة يكاد يكون شاملاً لم ينج منه قلم ، عربي شرير و آخر ضحية معذبة و صراخ عبر السطور فقط للتعبير عن رفض الحالة التي صارت واقعاً ، واقعا ذا إيقاع سريع و متلاحق ، و لم تكد تمضي شهور حتى هدأت النفوس و عادت المسميات الي ما كانت علية و لكن ليس كل المسميات و ليس كل الأشياء و ليس كل السطور و ليس كل أنماط السرد وليس كل أجناس الكتابة .

لعدة سنوات احتفظت الاقلام بصورة العربي الشرير و الآخر الضحية لتسترسل في رواية الحكايات و الأقاصيص ، لكن ذاك المعيار لم يفُز بديمومة ، فما لبث الكاتب الخليجي حتى أبصر من جديد شيئا من نور مستجد ، متلقياً عبر ثورة الاتصالات التي راجت بذات التوقيت ، هجمات إخبارية تعلمه أن الأشرار كُثر لكن الأثواب الصديقة أكثر ، و بدأ يلمح بان الدار ما عادت هي الدار و ان الجار ما عاد هو الجار ، لكن الإرادة السياسية أكبر من أن تقاوم أو ان تُحاكم بالقلم ، و ما تزال القيم الإجتماعية تأمره بالهدوء و الإستكانة ليبقي الحال على ما هو علية رغم وعيه و يقينه – الآن – بالأصوات التي صار من اللازم إطلاقها و بأن المنطوق و المكتوب حتى الآن لا يتجاوز نسبة ضئيله مما يجب النطق به أو كتابته .

هنا اجتمعت العوامل السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية في بوتقة واحد لتفرز سطوراً ما تعودت عين المتلقي الخليجي إلتقاطها و لكن اكاد أقول إنها عبرت بشكل فني عن المجمل والعام دون التعرض المباشر للخاص و لما قد يقلق راحة الرقيب الصغير الذي يستند على كرسي وراء مكتب فخيم ، أو الرقيب الكبير الذي يسكن راس الحربة/القلم ليقاوم كلمه قد تحمل الأذى – أي أذي – لمن قد لا يعرف القراءة ، فالمعلوم إنه و لعقود طويلة كانت مصطلحات النص الأدبي – في الخليج و المنطقة العربية كافة - مقيدةً بأشكال محددة وواضحة المعالم، بالغة الوضوح و الشرح ، فما يخرج عن المقدمة والمتن والخاتمة كما حدده النقاد الاوائل ، ليس بالقص، وما لا تزٍنه البحور والعروض والقوافي، ليس بالشعر …ألخ.

وفي تلك الظروف الغامضة أدبيا والملتبسة سياسياً ولد نص خليجي لا يلبس مسوح الأوائل ولا تنطبق عليه تعريفاتهم وليس من اللبس في شيء- مع الشعر والقص – الحديث عن الخطابة والمقالة أو المقام وحتى المسرح، و إنما هي فنون كتابية تتوالد من رحم بعضها البعض، منتجة ما يكتفي لتسميته نصاً أدبيا غير منحاز الى الشعر أو النثر، غير عابئ بالحكاية إن صاغ حكاية، أو تحاور مع الآخر على خشبه ممسرحة، نصوص أدبية مُحَطمة للسائد – بفعل العوامل التي تحدثنا عنها سابقا – أجناس أدبية مستجدة مطالبة بالشرعية كغيرها من أجناس الكتابة الأدبية، وفي هذا شيء من الفوضى وأشياء من التحرر وإطلاق عنفوان القلم ليبحر ولا يبالي مقدما للمتذوق دروسا أدبية بنكهة زمنٍ جديد.

و هنا بعض النماذج التى اختارتها هذه الدراسة وهي نماذج من تلك الكتابات التي اتخذت صوراً سردية مغايرة ، و من هذه النماذج أو الدروس “درس النور” وهو نص أدبى للكاتب والمخرج البحريني الشاب خالد الرويعي، والذي يتماهى في كتاباته هذه مع النصوص الصوفية، فيدور حول مفردات: النور، البصيص، النار، اللهب، الضوء، الشعلة، القنديل، الدخان .. ثم يقترب إلى الرماد ، وفي هذه الصفحة من درس النور، يقول الكاتب: يسكن الليل هدأة الشارع غافياً على ما تبقى من هشيم المكان، لا صوت يقترح الفوضى، لا آدمي يعزف الشارع بنعله، يمرق ذلك المكان غير عابئ بما يلف المدينة من وجوم، كل شيء بدا في مكانه فيما السعف الواهن تمتشقه الريح في طريقها الصلد مُحدثة ذاك التفرد الذي تبتغيه مدينتي، نوافذ عارية تستسلم لمشيئة الريح بإكتراث هو في اللحظة ذاتها موسيقى، ينبغى عليه التأقلم على تعاطيها بين فترة و أختها “وكما هي الصوفية، يتماهى النص الأدبي “درس النور” مع ********ات وأصداء النصوص ذات القداسة في أروقته، فهو يسأل “كيف أصلي لوطن ليله هراوة و نهاره باب” ويسأل “هل النُبل أن تضع حد النص على رقبتك و تصدح يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين”، ويقسم في أول الدروس بأروع ما عُرف “والذي قلب حبيبي بأيديهم، ما من رهافة أروع من ذلكم الحب” هنا في هذا النص، فصول من حوارات ممسرحة تتداخل لينتج الكاتب نصاً ملتبساً ، نصاً أدبياً حداثياً متحدياً شكل الكتابة الأدبية التقليدية، قد يكون قادراً على البقاء و قد لا يكون ، فذاك قرار بيد المتلقي والمشهد النقدي المستقبلي وليس بيد الكاتب

النموذج الثاني هو رواية “اثني عشر ذئبا على مائدتي” للكاتب البحريني أيضا عبدالقادر عقيل ، و العنوان في حد ذاتة مثير للتساؤل عن سر الاثني عشر و الذي هو رمز كوني ، فشهور العام اثنى عشر شهراً و الأبراج في علم الفلك اثنى عشر برجاً و ساعات النهار اثنتا عشر ساعة نهاريه و مثلها ليليه ، الى آخر تلك الرموز و الدلالات على الرقم الذي اختارة الكاتب ليصف مجموعة من طلاب مدرسة ينجون من كارثة جوية فتأخذهم أرجلهم الى كهف يحتمون به الى أمد محدود ، لكنهم ما ان يخرجون حتى تتعطل حافلة المدرسة مرة اخرى و ينكفئ الأستاذ عيسى على وجهه مرة أخرى ليلحق الطلاب الاثنى عشر بكهفهم مرة أخرى ثم أخرى ثم أخرى , و دلالات المحكي هنا لا تأخذ الى قصة أهل الكهف فقط بل ان الكاتب يختار لبعض الشخوص أسماء و يترك الباقى متعمداً ، فالاستاذ/المدرس “عيسى” و هو الذي يقود المجموعة و لكن ما ان تهب العاصفة حتى يقع عيسى و لا يقوم ، و معه الشطر الأكبر من المجموع تأخذهم العاصفة فلا تعود تراهم و لا تعلم ان كانوا من الأحياء ام من الأموات ، بل ان الضباب الذي يتركة الكاتب على سطوره ، يأخذ المتلقي الى انهم – ربما – يكونون أوفر حظا من أهل الكهف اللذين بدوا في بادئ الأمر مجموعة من الناجين وجدوا كهفاً بة مكونات الحياة يصلح للمعيشة دون الحاجة الى الخروج ، اما قائد المجموعة الاثنى عشرية فهو من الشخصيات التي تكرر ذكر اسمها في صفحات الرواية ، و لا عجب حيث اسم القائد الشاب القوى هذا “مصطفى” و من بين المجموعة التى عرفت طريقها الى الكهف “موسي” الشاب الذي قٌتل بحجر مصطفي ثم صارت المجموعة تتطهر بدمه “فالمغفرة لا تحصل دون سفك دماء” فموسى كان قربان الاثني عشر ذئباً الى السماء ، ذاك لأنه قال “ان التكاثر هو الحياة ، و ان حياة الكهف بلا نساء تعني الموت في صمت” فإنشق الصمت عند تقديمه قرباناً من أجل المغفرة مع أصوات الطبول و النفخ في أبواق من قرون حيوانات ميتة كانت من موجودات الكهف القديم ، و الأسماء الثلاث الوحيدة التى يوردها الكاتب في روايتة هذة لا تحتمل الا ان تقابل الأديان الثلاثة ، و الكاتب يذهب أبعد من ذلك فيعثر – بطريق الصدفة - أحد الاثني عشر- ليس مصطفي – داخل الكهف على ألواح من الزمرد الأخضر مخطوط عليها الأمر و النهى و التحريم و التحليل و السنن و الأحكام ، فيعود الى مجموعتة بألواح التعاليم تلك ، و ربما أراد الكاتب ان يقترب من خيال المتلقي فوقع في مباشرة الألواح و الاثنى عشر طالباً أو اماماً يمثلون المذهب الاثتي عشري يتداولون الألواح داخل كهف مغلق يحمي من الطوفان لكنه يحتضن ذكرى معارك مع النسر و التنين ، و كلما قرر الاثني عشر الخروج يعود الأستاذ عيسى الى الوجود كما كان و الحافلة بكامل طلابها ، و تُمحى الذاكرة الجماعية الأولى تماماً لتتكرر الحكاية من جديد ، و لا يُستفاد من دروس التاريخ ، يكرر التاريخ نفسة ، و يسقط عيسى و لا أحد يمد يده لإنقاذة – رغم إنه الاستاذ- و يلجأ الاثني عشر الى الكهف فيأمرهم مصطفي بخلع الملابس ثم يُقتل موسى و يُحتفل بقتله و بتقديم دمة قرباناً للمغفرة ، و يجرؤ أحدهم على رفض أمر المرأة الحسناء بقطع الشجرة المحرمة !! فتغضب منه و صحبة ، لكن الخروج من الكهف لا يعني سوى العودة إلية ،و لا شيئ آخر !! هذة رواية صدرت عام 2005 اي بعد ات شهد الكاتب ما بعد احداث 11 سبتمر فأدرك كهفاً لا يعني الخروج منه سوى العودة الية بلا ذاكرة لتستمر الحكاية ، و لا يُستفاد من دروس التاريخ.

في ذات الصيغ تأتي قصص الكاتبة القطرية نورة فرج “الطوطم” و من هنا تبدأ رمزية القصص حيث الطوطم هو أي كيان يمثل دور الرمز للقبيلة، وأحيانا يقدس بإعتباره المؤسس أو الحامي ، فالكاتبة الشابة تواجه هذا الانشقاق بين ما خرجت به للتو من أروقة الجامعة و قيم إجتماعية و سياسية لها من القدسية ما أرادت ان تكتبة ، ففي قصة “اهل ذاك البيت” ، بيت كبير ، ربما كان مجتمعاً بحالة ، أُناس غريبي الأطوار لا يشعرون ببعضهم بعض و لا يلقون بالاً لكبيرهم الذي يجلس على الكرسي الضخم ، لكنهم أيضا لا ينافسونه على الكرسي ، و هو لا يشعر بالأمان بين هؤلاء “الأوغاد” اللذين قد يسرقون الكرسي او السرير او الأكياس المكدسة تحت الكرسي ، رغم عدم علمهم بوجود “أكياس” .

الرجل الضخم يمنح الأمان للغريبة التى لا تعلم عن أهل ذاك البيت شيئاً ، و في مقابل سرير مريح ، يسمح بتسلل الأكياس واحداً تلو الآخر ، في غفلة من هؤلاء “الأوغاد” اللذين يملؤن البيت و غرفة الملونة . أما الطوطم الآخر ، فهو في قصة تحمل عنوان المجموعة و هي تجعل التمثال الصغير يحمل دلالات جلالة و قداسة عند صاحبتة حتى تكتشف بعد سنوات إنه مجرد نسخة مقلدة من تمثال لنحات شهير ، فتبدأ بتحطيمة و تخرج للحياة دون طوطم ، او دون الحامي/السيد ، أو دون “سيد للشمس” و هو عنوان قصة آخرى من نفس المجموعة ، ففي مدينة خلف الجبال ، يحكمها أحدهم كنصف إله ، و هو القائل ” انظروا إلي ، حياتكم بين يدي أنا ، كل ما في دنياكم أفيض عليكم بيدي أنا ، حذار أن أغضب ، حذار أن أصب عليكم لعناتي ، انظروا هذه الشمس تأتمر بأمري ، لو أصدرت أمرا بالا تُشرق لما أشرقت ” و لان العصيان طبع الراوي في مجموعة الطوطم ، يهاجر الراوى الى ما وراء الجبال ، حيث لا وجود للسيد و لا أثر ، وها هي الشمس تطًلع كل يوم في الصباح و تغرُب في نهاية كل نهار دون أن يأمرها أحد ، وهذه الرسالة التى يعود بها الراوي /الرسول الى مدينتة ، فلا يُصدق و لا يأخذ الناس بعلمه الجديد ، بل يُهان و يواجه غضب سيد الشمس و السادة أهل المدينة ، و الأدهى أنه –رسول المعرفة – يبدأ في التساؤل ، ربما الشمس هنا لا تطلع الا بأمر السيد ، سيد الشمس الأوحد .

أما قصة الكاتبة القطرية أيضا حصة العوضي “البدء من جديد” من المجموعة التي تتخذ العنوان ذاته ، فهي تجسيد لحال المرأه في مرحلة حرجة من تاريخ المنطقة ، في المرحلة التي وصلت بها المنطقة الى ما تتباهى به الدول في المنابر الدولية ، و هي التي في ذات الوقت لا تملك حق الوصاية على نفسها في أبسط الامور ، من تكون تلك المرأة ؟ و هو السؤال الذي تبدأبه القصة ، امرأة لا تعرف عن نفسها شيئاً ، ضاع منها الأسم فتبدأ رحلة للبحث عنه ، تذهب الى الشرطة لإستخراج بدل فاقد لإسمها ، فتفاجئ بإن مع الإسم زوج و عائلة و منزل لا تعرفه ! فتبتعد عن ذلك بقرار الاستمرار في البحث “لم أشعر إلا و ساقاي تأخذاني بعيداً ، لأبدأ البحث من جديد ، عن اسمي الضائع ، عن هويتي ، تاركةَ خلفي ضابطاً حائر ، و حارسة مشدوهه ، و غريب يبحث عن زوجته “سلوى” ، و حقيبة جلدية قد بُعثرت كل محتوياتها على أرض الغرفة” أما الحقيبة ، فلم نعرف مما تحمله سوى كتاب في الفلسفة ، ربما أرادت الكاتبة و أن تقول ان الفلسفة قد ايقظتها لتصير غريبة ، أو ان الفلسفة قد أفقدتها الإنتماء ، فلم تعد تعرف من تكون ، ذاك الكتاب الفلسفي هو صلة الكاتبة بالعالم الخارجي ، فالصلة بالخارج هي الإغتراب عن الذات و الإغتراب عن دائرة المحسوسات بما فيها الأسم و الهوية .

وجنس أدبي آخر بدأ يدب في الساحة الخليجية ، هو القصة القصيرة جداً ، جمل مقتضبة ، حيث ما قل و دل هو القانون ، إختصار للكلمات و تكثيف للمعنى في عدة سطور ، ربما جملة واحدة تكفي لتكون قصة قصيرة جداً ، و يقول الناقد شوقي بدر يوسف عن هذا الفن الجديد ” تطمح الجهود المبذولة حول حالة القصة القصيرة جداً التى ظهرت فجأة فى الساحة الأدبية لإثراء الحالة القصصية المستمدة والنابعة من الفن الأم، فن القصة القصيرة، ولا شك أن هذه الجهود قد خرجت من إبداع وتجريب بعض الكتاّب الذين حاولوا تأصيل هذا النوع من الكتابة من خلال مغامرة فى هذه الظاهرة الجديدة، وتجريب فى الشكل الفنى أوصلها إلى هذه الظاهرة التى بدأت تتغلغل داخل الساحة الأدبية بإلحاح شديد”

و من نماذج هذا النوع الأدبي الذي أغرى عدد من كتاب القصة القصيرة و حتى الأوئل ، نتصفح مجموعة الكاتبة الكويتية ليلى العثمان ، الصادرة عام 2007 و تحت عنوان قصص قصيرة جداً ، و التي لكل منها عنوان أيضا ، ففي قصة (بناء) تقول ” إمتلكت مئات الدنانير لكنها ما استطاعت ان تبني لنفسها بيتاً ، صارت شاعرة ، فشيدت ملايين البيوت و أهدتها للناس ” و في قصة (حماية) تقول ” في الليل تسعى ذئاب الحي كلها لتعوي عند بابها ، فلا تنام ، قررت أخيراً أن تؤوى في فراشها كلباً لا تُحبة لتشُم الذئاب رائحته فلا تقف عند بابها ” و في القصتين توليفة مكثفة عن معاناة إمراة القرن الحادى و العشرين و التى لا تختلف عن معاناه إمراة عاشت قبل عشرة قرون ، ففي قصة (ظُلمة) تحكي ليلى ” أغمضت قلبها عن كل الرجال ، اختارته وحدة ، ذهبت الى بيته تائقة و حالمة بالنور ، حين دخلت .. داهمتها ظلمه جديدة ” أما قصة (بحث) فتقول أيضا على لسان امرأة “دخلت محل العطارة ، وجدت أعشابا للصبر و للقلق والأرق و للحسد و للظلم و للكذب و للنفاق ، سألت عن أعشاب للسعادة ، سخر منها العطار و قال : لا نبيع شيئا غير موجود “

القصص القصيرة جداً عند ليلى تحمل التكثيف الصريح و لا تحتمل الإيماء أو الايحاء أو التستر بالدلالات و الإسقاطات ، و هي تفضل هنا التسليط على صور بعينها محفورة في مخيلة المتلقي ، كصور معاناه المرأة العربية من التهميش الإجتماعي الذي تمارسه المجتمعات الذكورية بشكل عام ، تلك الصور ثابتة عند المتلقى و لا يلزم للتذكير سوى التعليق من خلال قصة قصيرة جدا تعلق على المشهد الثابت كلوحة تحذيرية “احذر .. منطقة وجع أمرأة ” ففي قصة (عطر) مفارقة مُعلنة بين الزوجة و الحبية “عبرت أمامه ، استنشق عطرها و خبأه في صدره ، حين استقر في الفراش و إندست زوجته بجانبه برائحة يومها ، أطلق العطر المخبوء في صدره و استطاع ان ينام ” باختصار أكثر .. الهروب من الزوجة الى خيال ******ه ، بهذا الصنف الادبي المستجد تستطع الكاتبة ملامسة مئات الجروح الإجتماعية المفتوحة في كتاب واحد ضخم ومتعدد الابواب والفصول .

وقد يجد النقاد ذات يوم صلة بين إنتشار المقالة الصحفية القصيرة وبين هذا النوع من النصوص المكثفة فالصحافة التي صارت جزءاً من المشهد الأدبي في منطقة تشهد انفجاراً أعلاميا أثرت في الأجناس الأدبية وتأثرت بها وكذلك عشرات الجامعات التي ولدت كالفطر لكنها ما تزال تتجاهل الأجناس الأدبية الجديدة مع أن معظمها يخرج من معاطف شباب يتخرجون منها وسوف يمضي وقت طويل قبل أن يتمكن النقد الثقافي في الخليج من تقدير الأثر الذي أضافته المرأة الخليجية والجيل الجديد من الشباب المبدع للأجناس الأدبية في منطقة أشتهرت بتقليديتها الى أن جاءها الطوفان فما وجدت عن التجديد بديلا وقارب نجاة يبحر بها بعيداً عن صيغ ومصطلحات وأجناس ماتت منذ زمن بعيد ولم تجد من يدفنها
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المتغيرات, الليبية, الأحواز, الخليج, الجديدة, السياسية, صقل, والاجتماعية, ودورها


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع المتغيرات السياسية والاجتماعية في الخليج ودورها في صقل الأجناس الأدبية الجديدة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الصناعة السيـاحية ودورها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية Eng.Jordan عروض تقدمية 0 08-28-2016 10:54 AM
العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين مصر والحجاز Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 06-06-2013 11:37 AM
القوى الدينية ودورها في الحياة السياسية في إسرائيل Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 02-28-2013 03:09 PM
الكتابة الشذرية تأتي من صاحب المزاج المتمرد لتلغي الحدود بين الأجناس الأدبية Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 01-17-2013 09:33 PM
علاقة بعض المتغيرات النفسية والمعرفية والاجتماعية بمستويات تقبل المرأة للعنف الزواجى Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 11-15-2012 09:04 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:08 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59