العودة   > >

كتب ومراجع إلكترونية عرض وتحميل الكتب الإلكترونية ebooks

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 12-07-2020, 10:31 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم


الكتاب: أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم
المؤلف: محمد بن علي بن حماد بن عيسى الصنهاجي القلعي، نزيل بجاية، أبو عبد الله (المتوفى: 628هـ)
المحقق: د. التهامي نقرة , د. عبد الحليم عويس
الناشر: دار الصحوة - القاهرة
سنة النشر:
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
أَخْبَار مُلُوك بني عبيد وسيرتهم لأبي عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد
(1/1)
________________________________________
المخطوط الْحَمد لله
قَالَ الشَّيْخ الْفَقِيه الأعلم الأعرف الأوحد الْعَالم القَاضِي أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمَّاد
(1/33)
________________________________________
الْحَمد لله الَّذِي لَا يزَال ملكه وَلَا ينْتَقل ملكه وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد الَّذِي نسخت مِلَّته الْملَل وفسخت دولة مِلَّته الدول
فَهَذِهِ جملَة من أَخْبَار بني عبيد الله قيدتها فِي هَذَا التَّأْلِيف فبعضها التقطته من مفرقات التواليف وَبَعضهَا عرفني بِهِ من وثقت مِنْهُ بالتعريف وَدَعَانِي إِلَى هَذَا التَّأْلِيف مَا دَعَا المؤلفين المؤرخين إِلَى أَمْثَاله وَمَا من شَيْء إِلَّا وَقد أفرغ فِي قالبه ونسج على منواله وَللَّه الْحَمد من قبل وَمن بعد وَمِنْه يسْأَل العون وَالْقَصْد
(1/34)
________________________________________
عبيد الله
اخْتلف النَّاس فِي نسبه إِلَى الْحُسَيْن بن على عَلَيْهِمَا السَّلَام فَمن مُسلمين مَا ادَّعَاهُ ومقرين بِمَا حَكَاهُ وَمن دافعين وَمَا نعين مَا انتحله وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم الله فَالَّذِي ادَّعَاهُ هُوَ أَنه عبيد الله بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر ابْن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب رضى الله عَنْهُم وَالَّذِي ادَّعَاهُ النَّاس لَا برهَان عَلَيْهِ فَلَا حَاجَة لي إِلَيْهِ
ولد عبيد الله بسلمية من بِلَاد الشَّام وَقيل بِبَغْدَاد
(1/35)
________________________________________
سنة 260 وَوصل إِلَى مصر فِي زِيّ التُّجَّار وَهُوَ يطْلب الْأُمُور الْكِبَار سنة 289 والطلب عَلَيْهِ من بني الْعَبَّاس حثيث والكتب تنفذ إِلَى سَائِر الْأَمْصَار وَعَامة الأقطار باسمه وَصفته وزيه وهيئته وَبِأَن يقبض عَلَيْهِ مَتى عرف وَأَن يثقف مَتى ثقف فَلم يزل بِكُل بلد تذكى عَلَيْهِ الْعُيُون وتظن بأشياعه الظنون ويخلص من أَيدي الْحُكَّام وولاة الْأَحْكَام خلاص الْأَمْن من نسج المرام إِلَى أَن وصل إِلَى سجلماسة إِمَّا بِعلم سبق وَإِمَّا بِشَيْء اتّفق
فَظهر بهَا فِي يَوْم الْأَحَد السَّابِع من ذِي الْحجَّة سنة 296 فَأخذ هُوَ وَابْنه أَبُو الْقَاسِم واعتقل وَقيد كِلَاهُمَا بالحديد وأثقل وَفِي خلال هَذَا أَقَامَ أَبُو عبد الله هُوَ وَالْحُسَيْن بن أَحْمد بن مُحَمَّد وَيعرف بالمحتسب يُقَال إِنَّه كَانَ محتسبا بسوق الْغَزل بِالْبَصْرَةِ وَيُقَال إِن
(1/36)
________________________________________
الْمَعْرُوف بالمحتسب هُوَ أَخُوهُ أَبُو الْعَبَّاس وَيعرف أَبُو الْعَبَّاس بالمخطوم أَيْضا وَيعرف أَيْضا أَبُو عبد الله بالمعلم لِأَنَّهُ كَانَ يعلم النَّاس مَذْهَب الإمامية الباطنية وَفِيهِمْ ألف الإِمَام أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ كتاب المستظهري بِأَمْر المستظهر صَاحب بَغْدَاد
فَلَمَّا تمّ لأبي عبيد الله مَا أَرَادَ قاد الأجناد والأنجاد واستفتح المدن وَملك الْبِلَاد وَبنى بِموضع يعرف بإيكجان على مقربة من قسنطينة مَدِينَة وسماها دَار الْهِجْرَة وسمى أَتْبَاعه وأشياعه من
(1/37)
________________________________________
كتامة وَغَيرهم الْمُؤمنِينَ وَإِذا ركب نَادَى مناديه فِي الْجَيْش يَا خيل الله اركبوا وَكتب على أفخاذ الْخَيل الْملك لله وَكتب فِي بنوده سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر وآيات كَثِيرَة من الْقُرْآن وَنقش فِي خَاتمه الَّذِي يخْتم بِهِ فتوكل على الله إِنَّك على الْحق الْمُبين وَفِي خَاتمه الَّذِي يخْتم بِهِ على السجلات تمت كلمة رَبك صدقا وعدلا لَا مبدل لكلماته وَهُوَ السَّمِيع الْعَلِيم
ثمَّ وطئ إفريقية وملكها عنْوَة وَكَانَ زِيَادَة الله آخر مُلُوك بني الْأَغْلَب من عُمَّال بني الْعَبَّاس فِيهَا وأمرائهم عَلَيْهَا فَلَمَّا فل الشيعي على ملك بني الْأَغْلَب جموعه وَملك عَلَيْهِ ملكه جَمِيعه شمر أذياله وَضم أثقاله وَاتخذ اللَّيْل جملا وَسَار من رقادة
(1/38)
________________________________________
قبيلا متحملا وَكَانَت رقادة دَار ملك بنى الْأَغْلَب وَتوجه إِلَى الشرق متخلصا بحريعة الذقن فِي سنة 296 هـ
وَأَقْبل الشيعي إِلَى رقادة فِي سَبْعَة عَسَاكِر فِيهَا ثَلَاثمِائَة ألف بَين فَارس وراجل فَدخل رقادة وَبَين يَدَيْهِ رجل يقْرَأ {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر} الْآيَة و {كم تركُوا من جنَّات وعيون} الْآيَة
فَنزل بِالْقصرِ الْمَعْرُوف بقصر الصحن وَأمر بقتل السودَان من موَالِي بني الْأَغْلَب فَقتلُوا عَن آخِرهم وكبوا على مناخرهم
(1/39)
________________________________________
وَوجه إِلَى طرابلس فأوتي مِنْهَا بأَخيه أبي الْعَبَّاس المخطوم وَكَانَ مَحْبُوسًا بهَا وبأم أبي عبيد الله وَكَانَت هُنَاكَ مَعَ الحوزان
ثمَّ توجه بملء الأَرْض من الْخَيل وَالرِّجَال إِلَى سجلماسة فِي سنة 296 الْمَذْكُورَة واستخلف على إفريقية أَخَاهُ أبارك تَمام بن معارك فوصل إِلَى سجلماسة وأحاط بهَا وحازها وافتتحها واستنقذ عبيد الله وَابْنه أَبَا الْقَاسِم وقاد لَهُ فرسا عتيقا فَرَكبهُ وَخرج من الْموضع الَّذِي اعتقل فِيهِ وَقد لبس ثيابًا نفيسة فاخرة وتردى
(1/40)
________________________________________
برداء سرب وانتعل نعلا عَرَبِيَّة وَكَانَ ملبسه أبدا سريا وطيبه كثيرا وَسلم عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ فِي شهر ربيع الآخر سنة 297
وَتوجه إِلَى إفريقية فَنزل رقادة وَأقَام بهَا إِلَى أَن بنى المهدية ونسبها بالمهدية إِلَى نَفسه وَكَانَت تسمى حمة وجزيرة القار وَكَانَ لَهُ بصر بِعلم النُّجُوم فاختطها بطالع الْأسد لِأَنَّهُ برج ثَابت وَلذَلِك ثبتَتْ وَلِأَنَّهُ بَيت الشَّمْس الَّذِي هُوَ دَلِيل الْمُلُوك وَلذَلِك كَانَ الْملك فِيهَا وَعَاد بعد استيطانه القيروان إِلَيْهَا بِإِذن الله عز وَجل وعَلى رَأْي أهل الصناعات النجومية وَفِي وَضعهَا ببرج الْأسد يَقُول أَبُو عبيد الله بن حبوس الفاسي فِي سيدنَا الْخَلِيفَة الإِمَام الأول أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهُم ... بطالع الْأسد اختط الْبناء بهَا ... لكنك الْأسد الدامي الأظافير ...
(1/41)
________________________________________
وَبنى بهَا قصره الْمَعْرُوف بِهِ وَهُوَ بَاقٍ إِلَى الْآن وَبنى قصرا لأبنه أبي الْقَاسِم وَبنى دَار الصِّنَاعَة الْمَوْجُودَة فِيهَا إِلَى الْيَوْم وَأمر بهدم قُصُور بني الْأَغْلَب بِجَمِيعِ بِلَاد إفريقية وتخريبها وطمس معالمها ومحو آثارها ورسومها وَجعل للمهدية أبراجا من جِهَة الْبر وَهِي الْجِهَة الغربية وَلَيْسَ الْبر مِنْهَا إِلَّا من هَذِه الْجِهَة وَجعل لَهَا بَابَيْنِ من حَدِيد صرف وَفِي ذَلِك يَقُول ابْن حبوس من القصيدة الْمَذْكُورَة ... بَاب حَدِيد وأبراج ثَمَانِيَة ... تسخر الْعقل فِيهِ أَي تسخير ...

وَرمى عبيد الله بِسَهْم من الْبَاب إِلَى مَوضِع الْمصلى وَقَالَ إِلَى هَا هُنَا يبلغ صَاحب الْحمار يَعْنِي أَبَا يزِيد مخلد بن كيداد الأباضي الْخَارِج عَلَيْهِم فِي أَيَّام أبي الْقَاسِم الْقَائِم بن عبيد الله وَقَالَ أَنا بنيتها ل***** ألف رياضة فِيهَا وَلَو سَاعَة من نَهَار يَعْنِي
(1/42)
________________________________________
سَاعَة وُصُول أبي يزِيد مخلد بن كيداد إِلَى الْمصلى وانحياش النَّاس مِنْهُ فِي المهدية وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمر بلغ إِلَى الْمصلى ثمَّ انهزم وَلم يزل مُنْهَزِمًا من جِهَة إِلَى جِهَة وَالنَّاس كلهم لَهُ حَرْب إِلَى أَن نقض وانقرض على مَا يَأْتِي ذكره فِي أَيَّام إِسْمَاعِيل الْمَنْصُور
وَاسْتقر عبيد الله بالمهدية سنة 38 وَقتل أَبَا عبيد الله الدَّاعِي وأخاه أَبَا الْعَبَّاس بن زنادة يَوْم الثُّلَاثَاء سنة 298 ببستان فِي الْقصر وَأمر بهما فغسلا وكفنا وَصلى عَلَيْهِمَا وَأَقْبل على أبي عبد الله فَقَالَ رَحِمك الله أَبَا عبد الله وجزاك الله فِي الْآخِرَة بِتَقْدِيم سعيك والتفت إِلَى أبي الْعَبَّاس فَقَالَ وَلَا رَحِمك الله يَا أَبَا الْعَبَّاس فَإنَّك صددته عَن السَّبِيل وأوردته موارد الْهَلَاك ثمَّ قَرَأَ {وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا} الْآيَة وَأمر بدفنهما فِي موضعهما الَّذِي قتلا فِيهِ من الْبُسْتَان ثمَّ قتل جَمِيع من والاهما من شُيُوخ كتامة وَقيل لِأَنَّهُمَا ارتدا عَلَيْهِ وَقَالا لكتامة إِنَّا غلطنا فِيهِ وَأَن الإِمَام الَّذِي دَعونَا إِلَيْهِ لَهُ عَلَامَات وَيَأْتِي بآيَات ويطبع بِخَاتمِهِ فِي الْحجر كَمَا يطبع فِي الشمع
وخلص لِعبيد الله الْأَمر وَصفا لَهُ الْملك فَملك إفريقية كلهَا
(1/43)
________________________________________
وَالْمغْرب بأسره وأطرابلس وجربة وصقلية وَوجه ابْنه وَولي عَهده أَبَا الْقَاسِم إِلَى ديار مصر دفعتين الأولى مِنْهُمَا فِي سنة 301 فَملك الأسكندرية والفيوم وجبى خراجهما وخراج بعض عُمَّال الصَّعِيد وَالثَّانيَِة فِي سنة 306
وَكَانَ المقتدر بن المعتضد بن الْمُوفق المتَوَكل صَاحب بَغْدَاد
(1/44)
________________________________________
قد وَجه لمدافعته ومحاربته فِي الدفعتين مؤنسا الْخَادِم الَّذِي يعرف بالفحل ويدعى المظفر وَكَانَت بَينه وَبَين حسابة بن يُوسُف الكتامى وَهُوَ أحد قواد كتامة حروب ووقائع كَثِيرَة مبيدة مبيرة وَكَانَ جَيش أبي الْقَاسِم فِي الدفعة الْأَخِيرَة خَمْسمِائَة ألف فعرضه عِنْد رجعته فَوَجَدَهُ خَمْسَة عشر ألفا أفناهم الْقَتْل والجوع والوباء وَخرج أَبُو الْقَاسِم إِلَى الْمغرب فِي جَيش عَظِيم لتسْع لَيَال مضين من صفر سنة 315 وَقد كَانَ مُحَمَّد بن خزر الزناتي من زعمائهم وكبرائهم وعظمائهم قبل ذَلِك أوقع بعسكر كتامة عَلَيْهِ أَبُو عروس وَإِسْحَاق بن خَليفَة قائدان مِنْهُم وَعظم الْخطب فِي الْمغرب وتفاقم الْأَمر مَعَ مَا تقدم قبل ذَلِك لَهُ من قتل مصالة بن حبوس وَغَيره من قوادهم أَيْضا فَلَمَّا وصل أَبُو الْقَاسِم إِلَى الْمغرب توغل أَبُو خزر فِي الصَّحَارِي على المهاري وهدن أَبُو الْقَاسِم الْمغرب وَقضى مِنْهَا المأرب وَانْصَرف وَفِي انْصِرَافه هَذَا مر بوادي سهر فاختط مَدِينَة المسيلة رسمها برمحه
(1/45)
________________________________________
وَهُوَ رَاكب على فرسه وَأمر على بن حمدون الجذامي الْمَعْرُوف بِابْن الاندلسية أَن يبنيها ويحصنها ويحسنها وسماها المحمدية باسمه
وَهَذَا يدل على أَن اسْمه مُحَمَّد بِخِلَاف من يَقُول أَن اسْمه عبد الرَّحْمَن فبناها وَجعل لَهَا بَابَيْنِ وسمى أَحدهمَا بَاب القاسمية منسوبة إِلَى أبي الْقَاسِم وسمى الثَّانِي بَاب الْأُمُور ووصلت هَذِه الْمَدِينَة من الْعِمَارَة والحضارة وَملك عَليّ بن حمدون فِيهَا وابناه جَعْفَر وَيحيى إِلَى الْغَايَة القصوى والأمد الْأَقْصَى وَأمر أَن يدّخر فِيهَا الأقوات وأنواع المأكولات وكل مَا تنضم إِلَيْهِ الضَّرُورَة فَفعل وَزَاد فاحتفل وَكَانَ إِذا ارْتَفَعت الأسعار وأغبت الأمطار يكْتب إِلَى أبي الْقَاسِم وَهُوَ ولي عهد أَبِيه وَبعد إفضاء الْأَمر إِلَيْهِ يَسْتَأْذِنهُ فِي البيع ويعلمه بِمَا فِي ذَلِك من الزِّيَادَة والنفع فيأباه وينهاه ويأمره بالاستكثار والادخار ويعلمه أَنه سيحتاج إِلَيْهِ ويضطر نَحوه فَلم تزل تِلْكَ الْأَطْعِمَة مصونة مختزنة
(1/46)
________________________________________
إِلَى فتْنَة أبي يزِيد وَخرج إِسْمَاعِيل الْمَنْصُور إِلَيْهِ وَأَتْبَاعه فَكَانَت عونا لَهُ ولأنجاده وإمداده عِنْد وُصُوله إِلَى جبل كياتة وحصره أَبُو يزِيد فِيهَا وَبَين المسيلة والجبل الَّذِي حصره فِيهِ وَهُوَ المطل على القلعة وَسَيَأْتِي ذكره بعد هَذَا اثْنَا عشر ميلًا فَكَانَت ميرتهم مِنْهَا وارتفاعهم بهَا وَلم يكن فِي تِلْكَ الْجِهَات إِذْ ذَاك مَدِينَة غَيرهَا
وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم يركب بالمظلة فِي أَيَّام أَبِيه وباسمه كَانَت تنفذ الْكتب والعهود وَإِلَيْهِ ترفع الْمسَائِل وَعَلِيهِ تفد الْوُفُود وَكَانَ أَبوهُ كلفا بِهِ شَدِيد الْمحبَّة لَهُ متيمنا لكل مَا عَسى أَن يَفْعَله وَكَذَلِكَ هُوَ كَانَ لِأَبِيهِ بارا بِهِ ممتثلا لأَمره مغتنما لمرضاته والمظلة الَّتِي اختصوا بهَا من دون سَائِر الْمُلُوك شبه درقة فِي رَأس
(1/47)
________________________________________
رمح محكمَة الصَّنْعَة رائقة المنظر ظرف من الصِّنَاعَة فِي الصياغة ونظم الْأَحْجَار الغالية مَا يروق مرآه ويدهش من رَآهُ يمْسِكهَا فَارس من الفرسان يعرف بهَا فَيُقَال صَاحب المظلة وَكَانَت عِنْدهم خطة يتداولها من يؤهل لَهَا فيحاذى بهَا الْملك من حَيْثُ كَانَت الشَّمْس يَقِيه حرهَا بظلها وَفِيه يَقُول مُحَمَّد بن هَانِئ الأندلسي من قصيدة يمدح بهَا معد الْمعز الَّذِي يَأْتِي ذكره ... وعَلى أَمِير الْمُؤمنِينَ غمامة ... نشأت تظلل تاجه تظليلا
نهضت بِمثل الدرْع ضوعف نسجه ... وَجَرت عَلَيْهِ عسجدا محلولا ...

وَلَا يعلم أحد من الْمُلُوك اتخذ هَذِه المظلة إِلَّا بَنو عبيد خَاصَّة
(1/48)
________________________________________
ثمَّ ملك الرّوم بصقلية وَحسب أَنهم أهدوها إِلَيْهِ فِي بعض هداياهم وَكَأَنِّي سَمِعت هَذَا
وَتوفى عبيد الله يَوْم الِاثْنَيْنِ الرَّابِع عشر من شهر ربيع الأول سنة 322 وكسف الْقَمَر فِي تِلْكَ اللَّيْلَة كسوفا كليا وَكَانَ عمره اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة أَو ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سنة وَكَانَت وَفَاته من دَوَاء سقَاهُ إِيَّاه ابْن الجزار يُقَال إِنَّه حب السورنجان لنقرس كَانَ يشكوه وَكَانَ إِسْحَاق الإسرائيلي نَهَاهُ عَنهُ
(1/49)
________________________________________
وأعلمه أَنه يجد على أَثَره إفاقة ثمَّ يشْتَد عَلَيْهِ وَقد يهلكه فَلم يقبل قَوْله لشدَّة مَا يجده فَوجدَ تِلْكَ الْإِفَاقَة ثمَّ مَاتَ
وكتم أَبُو الْقَاسِم مَوته شهرا وَقيل عَاما كَامِلا حَتَّى نفذ جَيْشًا لبرقة ليشغل الْمشرق وجيشا إِلَى تاهرت ليشغل الْمغرب ثمَّ أذاع مَوته وَأظْهر وَفَاته وَوجد عَلَيْهِ وجدا شَدِيدا وحزن حزنا ظَاهرا وَأمر بالبكاء عَلَيْهِ بالقيروان وَغَيرهَا من الْأَمْصَار وَلم يركب دَابَّة بالمهدية مُنْذُ مَاتَ إِلَى أَن توفى هُوَ حزنا وَبرا وتكرمة لتربة دفن فِيهَا
وَكَانَ مِمَّا أحدث عبيد الله أَن قطع صَلَاة التَّرَاوِيح فِي شهر رَمَضَان وَأمر بصيام يَوْمَيْنِ قبله وقنت فِي صَلَاة الْجُمُعَة قبل الرُّكُوع وجهر بالبسملة فِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَأسْقط من أَذَان صَلَاة الصُّبْح الصَّلَاة خير من النّوم وَزَاد حَيّ على خير الْعَمَل مُحَمَّد وعَلى خير الْبشر وَنَصّ الْأَذَان طول مُدَّة بني عبيد بعد التَّكْبِير والتشهدين حَيّ على الصَّلَاة وَحي على الْفَلاح مرَّتَيْنِ حَيّ على خير الْعَمَل مُحَمَّد وعَلى خير الْبشر مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ لَا إِلَه إِلَّا الله مرّة ثمَّ يَقُول
أحياك الله يَا مَوْلَانَا حَافظ نظام الدُّنْيَا وَالدّين جَامع شَمل
(1/50)
________________________________________
الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وأعز بسلطانك جَانب الْمُوَحِّدين وأباد بسيوفك كَافَّة الْمُلْحِدِينَ وَصلى عَلَيْك وعَلى آبَائِك الطاهرين وأبنائك الأكرمين صَلَاة دائمة إِلَى يَوْم الدّين وَآخر دعوانا أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين
وَفِي أَيَّام بني عبيد فِي سنة 17 بَطل الْحَج وَأخذ الْحجر الْأسود وَذَلِكَ أَن أَبَا طَاهِر سُلَيْمَان بن الْحسن القرمطي دخل مَكَّة حرسها الله تَعَالَى يَوْم التَّرويَة فَقتل الْحجَّاج قتلا ذريعا وَرمى الْقَتْلَى فِي زَمْزَم وَأخذ الْحجر الْأسود من الْكَعْبَة وَقلع بَابهَا وبقى الْحجر عِنْدهم اثْنَتَيْنِ وَعشْرين سنة إِلَّا شهرا ثمَّ ردُّوهُ لخمس خلون من ذِي الْقعدَة سنة 39
وَفِي أَيَّام عبيد الله قتل المقتدر بِبَغْدَاد فِي الْحَرْب الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين مؤنس الْخَادِم وَأظْهر عبيد الله عِنْدَمَا بلغه الْخَبَر أَن
(1/51)
________________________________________
دعاته قتلته بأَمْره وَجلسَ لذَلِك مَجْلِسا هنئ فِيهِ وَيُشبه أَن يكون ذَلِك صَحِيحا وَالله سُبْحَانَهُ أعلم لِأَن الَّذِي قَتله كَانَ بربريا وَلم يكن من أهل الْمشرق وَذكر الصولي أَن الَّذِي قَتله رجل من أهل الْمغرب بربري يُقَال لَهُ غلبون الصنهاجي رَمَاه بِحَرْبَة وَهُوَ على فرسه يصلح بَين الْجند فِي ظَهره فَخرجت من صَدره فَوَقع مَيتا
وَكَانَت بالمهدية قبَّة مديدة بنيت ببنيانها وَسَقَطت عِنْد انْقِرَاض دولة بني عبيد
وَخلف عبيد الله سَبْعَة ذُكُور وهم مُحَمَّد أَبُو الْقَاسِم وَأحمد وَأَبُو عَليّ وَأَبُو طَالب مُحَمَّد وَقيل اسْمه أَبُو عبيد الله الْحُسَيْن وَأَبُو الْحُسَيْن عقيل الْأَعْمَى وَأَبُو سلمَان وثماني بَنَات وَكَانَ قُضَاته أَبُو جَعْفَر الْمروزِي وَإِسْحَاق بن الْمنْهَال وَمُحَمّد بن مَحْفُوظ القمودي وَمُحَمّد بن عمرَان النفطي تداولوا الْقَضَاء ثمَّ عَاد الْقَضَاء إِلَى إِسْحَاق وحاجبه جَعْفَر بن عَليّ وحامل مظلته مَسْعُود الْفَتى ثمَّ غرس الْفَتى ومتولي بَيت المَال أَبُو عَليّ أَحْمد بن الْحُسَيْن ثمَّ ابْنه أَبُو الْحسن
(1/52)
________________________________________
مُحَمَّد الْقَائِم
كنيته أَبُو الْقَاسِم بن عبد الله ولد بسلمة من بِلَاد الشَّام سنة 308 هـ وبويع يَوْم مَاتَ أَبوهُ عبيد الله وعمره إِذْ ذَاك اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة وَقَامَ عَلَيْهِ أَبُو يزِيد مخلد بن كيداد فِي سنة 332 وَهُوَ الَّذِي كَانَ أنذر بِهِ أَبُو عبيد الله على مَا تقدم وَهُوَ من بني جَعْفَر من بني جانا الَّذِي تَقول لَهُ البربر أجانا وأجانا هُوَ بِنَفسِهِ زنات الَّذِي تنْسب إِلَيْهِ زناتة وَكَانَ كيداد وَالِد أبي يزِيد من سكان تقيوس من بِلَاد قصطيلية وَكَانَ يخْتَلف فِي التُّجَّار إِلَى بِلَاد السودَان فَاشْترى بتادمكت أمة تسمى سبيكة فَحملت مِنْهُ وَولدت أَبَا يزِيد وَهُوَ أعرج وَفِي لِسَانه شامة فَذهب بِهِ أَبوهُ كيداد
(1/53)
________________________________________
إِلَى عراف بِمَدِينَة كوكو فَأرَاهُ فَقَالَ لَهُ لَيَكُونن لَهُ شَأْن وليملكن ثمَّ رَجَعَ كيداد إِلَى تقيوس فَمَاتَ وَقيل إِن أَبَا يزِيد نَشأ بتوزر بدرب الغلامسسيين بِقرب توزر فَلَمَّا كبر وشب قَرَأَ مَذْهَب الأباضية ففقه فِيهِ وَمهر فِي الجدل عَلَيْهِ ثمَّ سَار إِلَى مَدِينَة توزر فَكَانَ يعلم الصّبيان الْقُرْآن وَيَدْعُو من وثق إِلَيْهِ وَقدر عَلَيْهِ إِلَى الْقيام على أبي الْقَاسِم بن عبيد الله
وينكر مَا هُوَ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَجَابَ لَهُ نَحْو ثَلَاثمِائَة رجل واتصل ذَلِك بِابْن فركان مقدم توزر فاستدعاه وتهدده فَأنْكر مَا رمى بِهِ وتبرأ مِنْهُ فخلى عَنهُ وَخَافَ أَصْحَابه الَّذين أجابوه فَتَفَرَّقُوا عَنهُ وهجروا مَجْلِسه وَتركُوا الْحُضُور فِيهِ وَمَعَهُ فَخرج من بِلَاد قصطيلية كلهَا وَسَار إِلَى جبل أوراس وَفِيه قوم من هوارة
(1/54)
________________________________________
يُقَال لَهُم بَنو كملان من أهل مذْهبه فَقَامَ فيهم وَقَوي بهم واشتدت شوكته واستفحل أمره وعمره إِذْ ذَاك سِتُّونَ سنة وَبِه علل كَثِيرَة وَصَحبه رجل يُقَال لَهُ أَبُو عمار بن عبد الله الْحميدِي الحجري وَكَانَ مقدما فِي الأباضية وَكَانَ يَقُول أَبُو يزِيد لأهل القيروان إِذا دَخلهَا لم لَا تجاهدوا بني عبيدها هَا أَنا رجل أعرج وصاحبي أَبُو عمار أعمى وَقد عذره الله سُبْحَانَهُ وَرفع عَنهُ حرج الْقِتَال وَالْجهَاد فَلم نعز أَنْفُسنَا وَكَانَت لَهُ امْرَأَة تسمى تاخيريت على مذْهبه ورأيه وبنون أَرْبَعَة يزِيد الَّذِي يكنى بِهِ وَيُونُس وَأَيوب وَفضل وَكَانَ يقدمهم على الجيوش ويخرجهم فِي السَّرَايَا وَأَيوب هزم جَيْشًا كَانَ أميره وقائده عَليّ بن حمدون صَاحب المسيلة وَكَانَ لقِيه بفحص على وَادي وجرة وَمَعَ عَليّ بن حمدون أَبُو الْفضل بن أبي سلاس قائدا أَيْضا فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا وَانْهَزَمَ عَليّ بن حمدون فِي الطَّرِيق جهلا بِهِ مِنْهُ فأوى إِلَى مَوضِع وعر لَيْلًا وَمَعَهُ ابْن أبي سلاس قائدا أَيْضا فانحل وثاق فرس من خيولهم فَوَثَبَ على فرس آخر فتضاربا وصهلا فَوَثَبَ الْقَوْم بعد أَن هجعوا وظنوا أَن أَيُّوب غشيهم فَرَكبُوا الْخَيل فِي ظلام اللَّيْل وتبددوا
(1/55)
________________________________________
فِي تِلْكَ الأوعار فَسقط على بن حمدون من جوب عَال فَانْكَسَرت يَدَاهُ وَرجلَاهُ وظهره وَأكْثر عِظَامه
وَكَانَ أَبُو يزِيد فِي أول أمره يلبس خشين الصُّوف ويمسك الْعَصَا وَيُسمى شيخ الْمُسلمين ثمَّ انْتقل عَن ذَلِك وَركب عتاق الْخَيل وَلبس الديباج وَكَانَ يرى الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ بِملك الْيَمين ويستبيح نسَاء الْمُسلمين فِيمَن خَالفه ويسفك الدِّمَاء وَكَانَ أَصْحَابه البربر يقتلُون كل من ظفروا بِهِ من النَّاس كَائِنا من كَانَ غبنا وعبثا خَاصَّة من خرج من المهدية عِنْد حصارهم إِيَّاهَا فِرَارًا من الْجُوع والحصار ويشقون بطونهم أَحْيَانًا فتشا على المَال وتوهما أَنهم ابتلعوه ويشقون بطُون الْحَوَامِل وَاسْتولى أَبُو يزِيد على إفريقية كلهَا إِلَّا المهدية وَدخل القيروان وَوصل إِلَى مصلى الْعِيدَيْنِ فِي أَيَّام الْمَنْصُور ثمَّ انهزم كَمَا ذكر عبيد الله
(1/56)
________________________________________
وَلم يثبت لَهُ قدم وَلَا نصر لَهُ علم حَتَّى هلك وذرى أَيَّة سلك وَكَانَ قد سمى من بَايعه وَأقَام بِهِ العزابة وَمن بَايعه وَانْصَرف عَنهُ عدَّة الْمُسلمين وَكَانَ كثير الانتزاع لآي الْقُرْآن عِنْد المناظرة والمحاورة مثل انْتِزَاعه لما عوتب على لبس الْحَرِير بعد الصُّوف وركوب الْخَيل بعد الْحمير بقوله تَعَالَى {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَمن رِبَاط الْخَيل} وَكَانَ كثير التَّمْثِيل بِآيَة الشّعْر كَقَوْلِه وَقد شكا إِلَيْهِ أهل إفريقية مَا نالهم مِنْهُ وَمن جنده وَأَصْحَابه ... إِذا أبقت الدُّنْيَا على الْمَرْء دينه ... فَمَا فَاتَهُ مِنْهَا فَلَيْسَ بضائر ...

وَفِي شهر رَمَضَان من سنة 334 هـ ولي أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل ولي عَهده وفوض إِلَيْهِ أمره وَأدْخل جمَاعَة من وُجُوه كتامة وَرُؤَسَائِهِمْ إِلَى نَفسه فَقَالَ هَذَا مولاكم وَهُوَ ولي عهدي والخليفة من بعدِي وَهُوَ صَاحب هَذَا الْفَاسِق وقاتله يَعْنِي أَبَا يزِيد
وَتوفى أَبُو يزِيد يَوْم الْأَحَد الثَّالِث عشر من شَوَّال سنة 334 وسترت أَيْضا وَفَاته وأخفيت فَكَانَت خِلَافَته اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَسَبْعَة أشهر وعمره خمس وَخَمْسُونَ سنة وَخلف من الْوَلَد أَبَا الطَّاهِر
(1/57)
________________________________________
إِسْمَاعِيل ولي عَهده وَأمه أم ولد تسمى كَرِيمَة وَكَانَ ترشح لولاية عهد أَبِيه حَاجِبه جَعْفَر بن عَليّ قُضَاته إِسْحَاق بن الْمنْهَال إِلَى أَن مَاتَ وَأحمد بن يحيى وَأحمد بن الْوَلِيد ولته الْعَامَّة فأقره صَاحب بَيت مَاله أَبُو الْحسن بن عَليّ الدَّاعِي
(1/58)
________________________________________
الْمَنْصُور
هُوَ أَبُو الْعَبَّاس إِسْمَاعِيل بن أبي الْقَاسِم ولد بالمهدية سنة 299 وَقيل سنة 302 وَولى وَله اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة وَلم يكن فِي بني عبيد مثله وَكَانَ بطلا شجاعا بليغا فصيحا يخترع الْخطْبَة لوقته وخطب فِي عيد الْأَضْحَى بالمهدية فَقَالَ فِي خطبَته اللَّهُمَّ إِنَّك قلدتني أَمر عِبَادك فِي بلادك اللَّهُمَّ فأصلحني لَهُم وأصلحهم لي وارزقني حج بَيْتك الْحَرَام ثمَّ ذكر مَنَاسِك الْحَج فَانْصَرف فَأمر للنَّاس بِالطَّعَامِ فَأَكَلُوا وَانْصَرفُوا ونفذت كتبه بسلامة الْعِيد وكماله وَتَمام النِّعْمَة فِيهِ وَتلك سنتهمْ لم يزَالُوا عَلَيْهَا إِلَى أَن انقرضوا وَقد رَأَيْت بعض كتبهمْ بذلك وَكَانَ فِي هَذَا الْعِيد قد أنهض من أهل القيروان ألف شيخ وَألف حدث فَلَمَّا وصلوا خَيرهمْ فِي التعييد مَعَه أَو الِانْصِرَاف فعيد الْبَعْض وَانْصَرف الْبَعْض وَعِيد عيد الْفطر وَهُوَ مُجَاهِد لأبي يزِيد بقلعة كياتة وخطب فَقَالَ فِي خطبَته اللَّهُمَّ إِنَّك أخرجتني من المهاد والوساد وجنبتني الرقاد وحالفتني السهاد وسلكت بِي مفاوز الْبِلَاد اللَّهُمَّ احكم لي على مخلد بن كيداد {وَفرْعَوْن ذِي الْأَوْتَاد الَّذين طغوا فِي الْبِلَاد فَأَكْثرُوا} اللَّهُمَّ أنزلهم بالمرصاد اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم أَنِّي سلالة نبيك وَابْن رَسُولك وَبضْعَة من لَحْمه ونقطة من دَمه مَا قلت فغرا وَلَا لددا اللَّهُمَّ
(1/59)
________________________________________
إِنَّك تعلم من أَيْن أَقبلت وَإِلَى أَيْن انْتَهَيْت وَمَا فِيك لاقيت اللَّهُمَّ إِنِّي بذلت مهجتي وَنَفْسِي فِي سَبِيلك مُجَاهدًا لعدوك طَالبا الثأر لنبيك وابتغاء مرضاتك حَتَّى تعبد فِي الأَرْض حق عبادتك وَيحكم فِيهَا بحكمك إِنَّك أهل الْمَنّ والطول ثمَّ انْصَرف إِلَى مَنَازِله وَأمر للنَّاس بِالطَّعَامِ
وَكَانَ فِي أَيَّام حروبه مَعَ أبي يزِيد وَقد انهزم عَنهُ النَّاس وَبَقِي مَعَه صبَابَة فَقَالَ لَهُم صبرَة يَا عبيد أَمِير الْمُؤمنِينَ فَسمى ذَلِك الْموضع صبرَة وَكَانَ يعرف بصلب الْجمل وَهُوَ فِيمَا بَين الْقبْلَة والغرب من القيروان
وَفِي سنة 334 بني صبرَة وَهِي مَدِينَة بناها بقربها سَمَّاهَا
(1/60)
________________________________________
باسمه المنصورية فاستمر عَلَيْهَا الاسمان إِلَى الْآن وصبرة أشهر وَكَانَت دَار ملكهم وَملك من بعدهمْ إِلَى أَن أَتَى عَلَيْهَا الزَّمَان ونال مِنْهَا الْحدثَان وَذَهَبت كَمَا ذهب الْأَبدَان وغمدان وَبنى سورها بالطوابي وَجعل لَهَا أَرْبَعَة أَبْوَاب بَاب قبلي وَبَاب شَرْقي سَمَّاهُ بَاب زويلة وَبَاب جوفي سَمَّاهُ بَاب كتامة وَبَاب غربي سَمَّاهُ بَاب الْفتُوح وَمِنْهَا كَانَ يخرج للحروب وَنصب عَلَيْهَا أبوابا ملبسة بالحديد وَلم يبن فِيهَا غير ذَلِك إِلَّا بعد الْفَرَاغ من أَمر أبي يزِيد ثمَّ بنيت فِيهَا بعد ذَلِك الْقُصُور الشامخات والأبنية الرفيعة وغرست فِيهَا الْغَرْس البديعة و***ت إِلَيْهَا الْمِيَاه المنيعة وَمن قُصُورهَا الإيوان بناه الْمعز لِابْنِهِ الَّذِي يَأْتِي ذكره ومجلس الكافور وحجرة التَّاج ومجلس الريحان وحجرة الْفضة وَقصر الْخلَافَة والخورنق وقصور بَين ذَلِك كَثِيرَة ومصانع صَنِيعَة كَبِيرَة
(1/61)
________________________________________
وَلما أَتَى أَبُو يزِيد إِلَى الْمصلى بالمهدية نزل بهَا وَصلى فِيهَا ثمَّ انهزم وَلم يزل إِذْ ذَاك فِي حروب أَكْثَرهَا عَلَيْهِ لِأَن جلّ أَتْبَاعه قد خلوا بِهِ وخذلوه كَمَا ذكر عبيد الله وعَلى مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله وَكَانَت هزيمته فِي أَيَّام الْقَائِم أبي الْقَاسِم كَمَا ذكر فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي ثَلَاث خلون من جُمَادَى الْأَخِيرَة سنة 333 هـ وَتوفى أَبُو الْقَاسِم فِي سنة 334 كَمَا تقدم وَخرج إِسْمَاعِيل الْمَنْصُور بعد ذَلِك من المهدية إِلَى سوسة فَلم يلقه بهَا أهل القيروان وسألهم عَن تأخرهم وَمَا مَنعهم من لِقَائِه بسوسة فَقيل لَهُ الْخَوْف فَتَبَسَّمَ وَقَالَ إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ اختارني لهَذَا الْأَمر وكلفني بمحاربة هَذَا الْقَوْم وَدفع إِلَى سيف جدي ذَا الفقار وأومى إِلَيْهِ وَهُوَ إِلَى جنبه وَأَمرَنِي بِالْعَفو عَن النَّاس كَافَّة وَعَن أهل القيروان إِلَّا أَصْحَاب الْخُصُوص
وَتوجه من سوسة إِلَى القيروان فاستخلف بالقيروان مداما وَأمره أَلا يقطع دون القَاضِي مُحَمَّد بن أبي المنظور
(1/62)
________________________________________
وَتوجه إِلَى الْمغرب لأَرْبَع بَقينَ من شهر ربيع الأول سنة 335 فَنزل على ساقية ممس وأدركه هُنَاكَ عَسْكَر قدم عَلَيْهِ من برقة من آله فِيهِ جمَاعَة من وُجُوه كتامة وَفِيه بعض أهل الْمشرق فِي ألف فَارس وَمَعَهُمْ هَدِيَّة نجب وبخت وخيل وَغير ذَلِك
ونادى مُنَادِي إِسْمَاعِيل تِلْكَ اللَّيْلَة أَن لَا يَصْحَبهُ الزمني وَلَا الْجُبَنَاء فَانْصَرف جمَاعَة مِنْهُم تِلْكَ اللَّيْلَة من القيروان وَدفع عَن ساقية ممس وجعفر بن عَليّ الْحَاجِب على طلائعه فَنزل بوادي الرمل ورحل مِنْهُ إِلَى بِلَاد سبيبة فَفرق فِيهَا الأرزاق ورحل مِنْهَا إِلَى برنامجة وَمِنْهَا إِلَى ملاق ثمَّ توجه إِلَى
(1/63)
________________________________________
باغية فَلَمَّا قرب مِنْهَا ركب نجيبا وَتقدم إِلَيْهَا مَعَ طلائع عسكره فَخرج إِلَيْهِ أَهلهَا فهنوه ودعوا لَهُ وَكَانُوا قد أغلقوا أَبْوَاب مدينتهم فِي وَجه أبي يزِيد عِنْد انهزامه ومروره عَلَيْهِم فشكرهم على ذَلِك وَفرق فِي ضعفائهم دَرَاهِم كَثِيرَة وأنشده أَبُو يعلي الْمروزِي ... لقد تاهت بطلعتك الْغُرُوب ... كَمَا ابتهجت بدولتك الْقُلُوب
لقد زهت الْخلَافَة إِذْ حذاها ... نجيب رَاح يحملهُ النجيب ...

وَسَار إِسْمَاعِيل فَنزل بِموضع يُقَال لَهُ أَبُو حميل وَمِنْه إِلَى فحص طَاقَة وَمِنْه إِلَى مَدِينَة بلزمة وَمِنْه إِلَى مَدِينَة نقاوس وَإِلَى طبنة فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا كَثِيرَة وَورد عَلَيْهِ كتاب
(1/64)
________________________________________
جَعْفَر بن عَليّ بن حمدون صَاحب المسيلة والزاب يخبر بمحبوس عِنْده ثأر بجبل أوراس وَاجْتمعت عَلَيْهِ قبائل كَثِيرَة من زواوة وصنهاجة وعجيسة فَأعْطى بطبنة الأرزاق ووسع على الرِّجَال وَأسْقط جمَاعَة من الزمني وَمن لم يرض صحبته وَرجع من طبنة فَأَتَاهُ جَعْفَر بن حمدون بهدية مِنْهَا خَمْسَة وَعِشْرُونَ فرسا وَمثلهَا نجباء وَأَرْبَعَة من النجباء وفارة شريفة موجهة
وَأَتَاهُ بالثائر الْمَذْكُور وَكَانَ غُلَاما أمردا جميلا مُقَيّدا رَاكِبًا جملا وعَلى رَأسه طرطور مشهر وَكَانَ من أهل القيروان من أَبنَاء الصاغة وَكَانَ ينظر كتب الصُّوفِيَّة ويقرؤها وَمَعَهُ أَرْبَعَة نفر مقيدين وجدهم جَعْفَر فِي بعض الْحُصُون الْمُجَاورَة لأوراس بِمن اتبع هَذَا الْغُلَام وَزعم أَنه الإِمَام الْقَائِم بِالْحَقِّ فَأمر إِسْمَاعِيل بسلخه حَيا وحشا جلده قطنا وَجعله فِي تَابُوت وَكَانَ يصلبه فِي كل مَوضِع يحل بِهِ وَكَذَلِكَ كَانَ يفعل بأمثاله
(1/65)
________________________________________
مِمَّن يُبَالغ فِي الانتقام مِنْهُ حَتَّى سمي السلاخ وَقطع أَيدي أَصْحَابه وأرجلهم وصلبهم وَقَالَ فِي ذَلِك أَبُو يعلى الْمروزِي ... يَا خير من وهب العهود بعهده ... وَحكى لنا بالعهد سيرة جده
عجبا لمعتوه حدثته نَفسه ... بوساوس فِيهَا شقاوة جده
عاداك وانسلخ الشقي من الْهدى ... حَتَّى أمرت بسلخه من جلده ...

وَسَار إِسْمَاعِيل فَنزل بسكرة ودخلها وانتقمها مرَارًا وَقتل قوما من اهلها وَفرق فِيهَا الأرزاق ورحل مِنْهَا إِلَى مقرة وحشد أَبُو يزِيد من بني زروال قبائل جبل سالات عددا كثيرا وجندا كَبِيرا وَجَاءَت لإسماعيل الْقَبَائِل من كل جِهَة واستنفرهم من كل وجهة واستمالهم بِالطَّعَامِ والكسي ووسع على كل
(1/66)
________________________________________
من جَاءَهُ وَأحسن إِلَى كل من أطاعه وَكَاتب زيري بن مُنَاد وماكسن بن سعد وَبعث إِلَيْهِمَا أَمْوَالًا جمة وثيابا جملَة وَمن الذَّهَب وَالْعين واللجين وَمن التحف والطرف مَا استمال بِهِ النُّفُوس واستلان بِهِ الْقُلُوب فَأَجَابَهُ وحشدا الجم الْغَفِير من صنهاجة وعجيسة ووصلا إِلَيْهِ بِكُل مَا قدرا عَلَيْهِ
وَنزل إِسْمَاعِيل المسيلة فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا تعدل أعواما بِمَا فرق فِيهَا من الْأَمْوَال وسدد من الْأَحْوَال وجند من الْجنُود وعبأ من العساكر وجهز من الجيوش وَكتب إِلَى هوارة الَّذين كَانُوا بالغدير يَأْمُرهُم بِأخذ أبي عمار الْأَعْمَى وَأَصْحَابه وَكَانَت
(1/67)
________________________________________
قبل ذَلِك على أبي يزِيد هزيمَة عَظِيمَة بِموضع يعرف بِعَين السودَان بَين جبل كياتة فَانْهَزَمَ أَبُو يزِيد وتبدد أَصْحَابه فَأخذ يزِيد نَحْو صحراء مَدِينَة بني خزر وَأخذ أَبُو عمار الْأَعْمَى وَأَبُو مدكول الْأَعْمَى صَاحب آخر لَهُ نَحْو الغدير وَوجه مُحَمَّد بن خزر ابْنه يَعْقُوب إِلَى إِسْمَاعِيل وَهُوَ بالمسيلة فَأكْرمه وَحمله على فرس من مراكبه بسرج من سروجه ولجام من لجومه وَوَصله بِعشْرَة آلَاف دِينَار وَتوجه إِسْمَاعِيل من المسيلة فِي طلب أبي يزِيد وَقد بلغه أَنه بجبل سالات وَهُوَ جبل وعر شامخ دونه قفر ومفاوز ورمال ودكادك لم يدخلهَا جَيش قطّ فَمشى أحد عشر يَوْمًا فِي تِلْكَ القفار والأوعار ثمَّ نزل بسفح الْجَبَل الْمَذْكُور وَأَتَاهُ أهل الْجَبَل مهطعين طائعين فَسَأَلَهُمْ عَن أبي يزِيد فَلم يجد عِنْدهم خَبرا عَنهُ فَأَمرهمْ إِن مر بهم رَاجعا أَن يأخذوه وَوَعدهمْ على ذَلِك بأموال ووصلهم فِي الْحَال وكر رَاجعا يُرِيد بِلَاد صنهاجة فَبَاتَ ليلته تِلْكَ هُوَ وَأَصْحَابه ودوابهم بِغَيْر علف وَلَيْسوا على مَاء وَلَا مَعَهم مَاء وَبَلغت الجرة تِلْكَ اللَّيْلَة ثَلَاثَة دَرَاهِم وشربة مَاء كَذَلِك وَمَات كثير من أَصْحَابه جوعا وعطشا وتراءت لَهُم نَار فِي سفح الْجَبَل
(1/68)
________________________________________
فَوجه من يتعرف خَبَرهَا فَإِذا هِيَ نَار أبي يزِيد وَأَصْحَابه فعزم أَن يصحبهم فَلَمَّا كَانَ الْغَد افترق عَنهُ أَصْحَابه وَاخْتلفت عَلَيْهِ كلمتهم فَقَالَ لَهُ جمهورهم يَا مَوْلَانَا أعظم الْفَتْح وَأجل الْغَنِيمَة التَّخَلُّص مِمَّا نَحن فِيهِ فَرَحل يُرِيد صنهاجة وأصابهم مطر عَظِيم من ثلج كَبِير فَمَنعهُمْ ذَلِك من ضرب الأخبية وَنصب الْأَبْنِيَة واشتعال النيرَان
وَنزل إِسْمَاعِيل فِي طرف صنهاجة فِي خباء لطارق الْفَتى ثمَّ توجه إِلَى حَائِط حَمْزَة هُنَاكَ وَفرق الأرزاق وأجزل العطايا وَوصل إِلَيْهِ زيري بن مُنَاد فِي عَسَاكِر صنهاجة فوصله وفضله وخلع عَلَيْهِ ثيابًا كَثِيرَة من لِبَاسه وَأَعْطَاهُ من الطّيب والطرائف الملوكية مَا لَا يُحِيط بِهِ الْوَصْف وَلَا يعمه الْحصْر وَحمله وَحمله وَحمل أولاه وَإِخْوَته وَبني عَمه ووجوه أَصْحَابه على الْخَيل الْعتاق بالسروج واللجم المحلاة بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وأفاض عَلَيْهِم وعَلى كَافَّة صنهاجة الواصلين مَعَه الْأَمْوَال إفَاضَة استسلم بهَا قُلُوبهم واستخلص عيونهم فصفت نياتهم وخلصت طوياتهم وَحسنت فِيهِ معتقداتهم ورحل من حَائِط حَمْزَة فَنزل على وَادي لعلع فِي شعار كَذَلِك فَمَرض بِهِ نَحْو شَهْرَيْن وعميت عَلَيْهِ
(1/69)
________________________________________
أَخْبَار أبي يزِيد وعزم على الْمسير إِلَى تاهرت فَتوجه إِلَيْهَا وَبلغ أَبَا يزِيد ذَلِك فخالفه إِلَى المسيلة فحصرها واتصل الْخَبَر إِلَى إِسْمَاعِيل وكر رَاجعا فأغذ السّير وطوى المراحل وَوصل إِلَى الإدلاج والتأويب بالإنشاد فَلَمَّا قرب من أبي يزِيد ارْتَفع إِلَى جبل عقار وكياتة وَدخل إِسْمَاعِيل المسيلة فَأَقَامَ بهَا وَوجه مَسْرُورا إِلَى سطيف لاستنفار كتامة وَوجه خَفِيفا الْفَتى إِلَى مَيْلَة لمثل ذَلِك وَقتل هبتون بن مُحَمَّد الْكَاتِب وَكَانَ خرج مَعَ شِفَاء الْفَتى فبغى عَلَيْهِ وجاءه رَسُول الْخَيْر بن مُحَمَّد بن خزر الزناتي فِي نَحْو مائَة فَارس يُقَال إِنَّه أَقَامَ عودته بِمَدِينَة الأغواط وَغَيرهَا من عمله وَسَأَلَهُ أَن يبْعَث إِلَيْهِ بِالْخطْبَةِ وَالسِّكَّة ليضربها على اسْمه فَأكْرم رسله ووصلهم وجاوبه وَبعث إِلَيْهِ بِمَا طلب وَأمر أَن يَأْمر رفاق زناتة بالاختلاف إِلَى المسيلة والقيروان بالأطعمة والمرافق
(1/70)
________________________________________
وَكتب إِلَى مدام الْفَتى يَأْمُرهُ بِحِفْظ من وصل إِلَيْهِ من زناتة وَلَا يمنعهُم من شِرَاء السِّلَاح وَلَا يكلفهم قبالة وَلَا مغرما وَصَارَ أَبُو يزِيد محصورا فِي جبل كياته غير أَن الطَّعَام كَانَ عِنْده رخيصا كَانَت الرفاق تَأتيه بِهِ من سدراته وبطيوس وَهِي من بِلَاد بسكرة فَكتب إِسْمَاعِيل إِلَى رناتة يَأْمُرهُم بالإغارة على سدراتة والاستئصال لَهُم فَفَعَلُوا ذَلِك وقتلوهم وَسبوا حريمهم وانتهبوا أَمْوَالهم فتوقف النَّاس عَن الْمسير إِلَى أبي يزِيد بالأطعمة وَكَانَت بَين أبي يزِيد وَإِسْمَاعِيل وقْعَة بفحص باتنة وباتنة اسْمهَا الْقَدِيم باذنه مَدِينَة عَظِيمَة خربَتْ بَينهَا وَبَين المسيلة أثنا عشر ميلًا قتل فِيهَا من أَصْحَاب أبي يزِيد نَحْو عشرَة آلَاف بَين راجل وراكب أَكْثَرهم من بني كملان وزناته وَيعرف يَوْم هَذِه الْوَقْعَة بِيَوْم الرؤوس وَانْهَزَمَ أَبُو يزِيد وعقر فرسه وَسقط إِلَى الأَرْض فَقرب لَهُ أَصْحَابه فرسا آخر فَرَكبهُ فعقره تَحْتَهُ أَيْضا زيري بن مُنَاد وَسقط إِلَى الأَرْض فترجل إِلَيْهِ يُونُس ابْنه وَابْن أُخْت لَهُ وَجَمَاعَة من قرَابَته وَأَصْحَابه وجرح بَين كَتفيهِ وَبَين وركيه واستنقذه سَائِر أَصْحَابه عَن جهد جهيد وَبعد قتال شَدِيد وَكتب إِسْمَاعِيل إِلَى مدام بذلك كتابا فَقَرَأَ كِتَابه بالقيروان وَذكر فِي كِتَابه أَن رَسُول مُحَمَّد بن عَليّ بن الْجراح وَفضل بن الْعَبَّاس وصل إِلَيْهِ بكتابيهما وأنهما قاما بدعوته بالعراق
وَلحق أَبُو يزِيد بكياتة ورحل إِسْمَاعِيل من المسيلة غرَّة
(1/71)
________________________________________
شهر رَمَضَان يَوْم الْجُمُعَة سنة 335 فَنزل بِموضع يعرف بالناظور وَهُوَ مَوضِع مَعْرُوف بأروسن من جنَّات القلعة محاصرا لأبي يزِيد ثمَّ صعد يَوْم السبت الثَّانِي من رَمَضَان إِلَى جبل كياتة وَصعد فِي وعر بَين صخور وَمَشى فِيهَا رَاجِلا فِي أَمَاكِن كَثِيرَة فَكَانَت بَينه وَبَين أبي يزِيد وقْعَة عَظِيمَة تعرف بوقعة الْحَرِيق وأحرق فِيهَا إِسْمَاعِيل أخصاصا كَثِيرَة لأَصْحَاب أبي يزِيد وَقتل مِنْهُم عددا كثيرا ثمَّ انْهَزمُوا فِي آخر النَّهَار وسبى إِسْمَاعِيل نِسَاءَهُمْ وذراريهم وَأخذ لَهُم من الْخَيل وَالْجمال وصنوف الْحَيَوَان مَا يفوت الإحصاء ويستغرق الِاسْتِقْصَاء وارتفع أَبُو يزِيد وَدخل قلعة كياتة وَهِي تاقربوست المطلة على قلعة حَمَّاد
(1/72)
________________________________________
وَرجع إِسْمَاعِيل على الناظور وَبعث قَيْصر الْفَتى وزيري بن مُنَاد الصنهاجي فِي جمع كثير إِلَى أهل غديروان وَهِي الْمُتَقَدّمَة ذكرهَا وَهِي على نَحْو الْخَمْسَة عشر ميلًا من القلعة من الْجِهَة الشرقية وَكَانَ بناها وسورها لبني حَمَّاد مَمْلُوك لَهُم رومي يُقَال لَهُ بونياس فَقَتلهُمْ وَسبي ذَرَارِيهمْ وأحرق دِيَارهمْ وَأَظنهُ نقم عَلَيْهِم أَبَا عمار الْأَعْمَى وَأَصْحَابه ثمَّ سَار قَيْصر إِلَى قلعة المري وَهِي قلعة كياتة بجبل القلعة وجبل القلعة مَعْرُوف وَهَذَا الِاسْم لَهُ كَالْعلمِ الْمَوْقُوف وسمتها البربر المري وَإِنَّمَا هُوَ الْمرْآة كَانَت مَنْصُوبَة عَلَيْهَا فِي الزَّمَان الأول فَنزل إِلَيْهِ أَهلهَا بِأَمَان ثمَّ توجه إِلَى أوسجيت وَهِي بسفح جبل القلعة وَهِي من جِهَة الشمَال مِمَّا يَلِي بِلَاد عجيسة فَهَرَبُوا مِنْهُ وصاروا مَعَ أبي يزِيد ثمَّ توجه إِلَى بني عَوْسَجَة وَهِي من عجيسة فَقَاتلهُمْ فِي وعر شَدِيد وجبال متمنعة حَتَّى تغلب عَلَيْهِم وَتمكن مِنْهُم وَحَارب قلعة تناكر وَتقول البربر للموضع الْآن شيكر فاستأمنوا إِلَيْهِ ثمَّ نَهَضَ إِلَى كياتة فَكَانَ قَيْصر هَذَا يقاتلها من جِهَة غربها وَإِسْمَاعِيل يقاتلها من جِهَة شرقها وَجَاء الْفطر فصلى إِسْمَاعِيل وخطب على مَا تقدم وَتَمَادَى على حِصَار أبي يزِيد وحفر خَنْدَقًا حول
(1/73)
________________________________________
مُعَسْكَره بِأَسْفَل جبل كياتة وَهُوَ الَّذِي يُسمى الْآن خَنْدَق الديباج لأخبية ديباج كَانَ إِسْمَاعِيل ظهر بهَا فِي ذَلِك الْمَكَان وَبنى تنورا كَبِيرا وأضرمه نَارا وعلق عَلَيْهِ بكرَة فَإِذا أَخذ أحدا من البربر علقَة برجليه إِلَى البكرة ثمَّ مالاه فِي التَّنور إِلَى مَوضِع يَنَالهُ حر النَّار فِيهِ فَإِذا أشرف على الْمَوْت روح شَيْئا فَإِذا رجعت إِلَيْهِ نَفسه أَعَادَهُ حَتَّى يَمُوت وَعمل ففصا من خشب وَأدْخل فِيهِ قردين ذكرا وَأُنْثَى وَقَالَ لأَصْحَابه لَا بُد من مخلد بن كيداد من دُخُول هَذَا القفص ومقارنته فِيهِ مَعَ هذَيْن القردين ونصبه قبالة أبي يزِيد فَقَالَ مُحَمَّد بن الْمُنِيب فِي ذَلِك ... حل الْبلَاء بمخلد ... وَجَمِيع شيعته النواكر
أَمْسَى بِأَرْض كياتة ... قد بَان مِنْهُ كل نَاظر
يرنو بِطرف خاشع ... نظر المحاصر للمحاصر
يرنو إِلَى عدد الْحَصَى ... والرمل من تِلْكَ العساكر
يَا مخلد ابْن سبيكة ... يَا شَرّ بَيت فِي العشائر
ذُقْ مَا جنته يداك قبل ... من الْكَبَائِر والصغائر
ذُقْ هول شقك للبطون ... وَمَا ارتكبت من الجرائر
ياشر من بكياتة ... وكياتة شَرّ البرابر
انْظُر إِلَى القفص الَّذِي ... لَا بُد فِيهِ أَنْت صائر ...
(1/74)
________________________________________
.. وَانْظُر إِلَى أيديك فِيهِ ... ومؤنسيك وَمن تجاور
قد طَال شوقهما إِلَيْك ... فزرهما ياشر زائر ...

وَكتب إِسْمَاعِيل إِلَى أبي يَعْقُوب بن خَلِيل فَأَتَاهُ بِخَمْسَة وَعشْرين مركبا وَوصل بهَا إِلَى مُوسَى الدَّجَاج وَتَمَادَى على حِصَار أبي يزِيد ومحاربته
وَكَانَ يَقُول دَار ملكي منزلتي ومحاربتي أَيْن مَا كنت من الْبِلَاد حَتَّى يقطع الحابي الْفساد وزحف إِلَى قلعة كياتة يَوْم الْأَحَد من الْمحرم سنة 336 وصعدت العساكر بَين يَدَيْهِ من الزريليين وَغَيرهم فأحاطت بِأبي يزِيد وَأَصْحَابه وَكَانَت بَينهم حروب كَبِيرَة عَظِيمَة من أول النَّهَار إِلَى آخِره فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل أشعل إِسْمَاعِيل النيرَان وَتَمَادَى على الْحَرْب فَخرج أَبُو يزِيد وَمن مَعَه فحملوا حَملَة رجل وَاحِد فَقتل أَكْثَرهم وتخلص أَبُو يزِيد بحرحين على جَبهته وترقوته إِلَى أَسْفَل الْجَبَل وأحاط إِسْمَاعِيل بالقلعة وتغلب عَلَيْهَا ودخلها وألفى بهَا عمار الْأَعْمَى وَجَمَاعَة من وُجُوه النكار فَضرب أَعْنَاقهم تِلْكَ اللَّيْلَة وَلما أصبح يَوْم الْأَحَد أَمر بِطَلَب أبي يزِيد فَلم يُوجد واغتم بذلك وَأمر بِطَلَبِهِ فَأَصَابَهُ قوم من الزويليين فِي بعض شعاب الْجَبَل الْمُسَمّى بِهِ الَّذِي تقدم ذكره فأرادوا قَتله فَلم يعرفوه فعرفهم بِنَفسِهِ فَأَعْطَاهُمْ مَالا كثيرا كَانَ مَعَه وخاتمه وثيابه فَتَرَكُوهُ
(1/75)
________________________________________
ووجده آخَرُونَ فَأتوا بِأبي يزِيد إِلَى إِسْمَاعِيل فَأَعْطَاهُمْ ألف دِينَار وَأعْطى جمَاعَة آخَرين ادعوا أَخذه عشْرين مِثْقَالا فَقَالَ لأبي يزِيد مَا حملك على مَا فعلت فَقَالَ أردْت أمرا فأباه الله فَكَسَاهُ وَأمر بمداراته وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ طَمَعا أَن يصل بِهِ إِلَى القيروان فَكَانَ عِنْد جَعْفَر الْحَاجِب إِلَى أَن مَاتَ من جراحه يَوْم الْخَمِيس لليلة بقيت من محرم وَقيل إِن الدَّم نزفه وَهُوَ يكلم إِسْمَاعِيل فَمَاتَ بَين يَدَيْهِ فَأمر إِسْمَاعِيل بسلخه وحشو جلده قطنا وخيطت وصاله حَتَّى تمت جثته وَصَارَ كَأَنَّهُ نَائِم وقدد لَحْمه وملح وَأمر بِحمْل جَمِيع ذَلِك وَبعث برؤس الْقَتْلَى وبكتاب إِلَى مدام الْفَتى فَقَرَأَ الْكتاب على الْمِنْبَر وطوفت الرؤس بالقيروان وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي سلخ أبي يزِيد ... أما النِّفَاق فقد نسخ ... وَأَبُو الْكَبَائِر قد سلخ
كَانَ الفويسق مخلد ... فَردا وَلَكِن قد مسخ
لَو قد رَأَيْت مَحَله ... وَبَنُو الحداية تسطرخ
لرأيت مَا عقد اللعين ... بلطف رَبك قد فسخ ...
(1/76)
________________________________________
وَقَالَ من قصيدة ... فسلخته من جلده ... وحشوته حَشْو المزاود
وضربته مثلا يسير ... فِي الْأَقَارِب والأباعد
وَردت بِهِ أطماعه ... وظنونه شَرّ الْمَوَارِد ...

ثمَّ انْصَرف إِسْمَاعِيل إِلَى المسيلة وَتوجه مِنْهَا إِلَى تاهرت يَوْم الثُّلَاثَاء لست بَقينَ من صفر من هَذِه السّنة فَلَمَّا وصل إِلَيْهَا أَمر بنبش عِظَام مصالة وَفضل بن حبوس وأحرقها بالنَّار وأحرق مِنْبَر جَامعهَا لكَونه خطب عَلَيْهِ لعبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد وَأقَام بهَا أَيَّامًا وَولى عَلَيْهَا وَانْصَرف إِلَى القيروان بعد أَن كتب كتابا قرئَ بالقيروان أَن وَالِده الْقَائِم بِأَمْر الله كَانَ توفّي فِي شَوَّال سنة 334 وَأَنه ستر ذَلِك من أجل الْحَرْب وَلِئَلَّا يسر بذلك الدَّجَّال اللعين مخلد ابْن كيداد وَأمر أَن يُسمى هُوَ الْمَنْصُور بِأَمْر الله وَأَن يكْتب ذَلِك فِي الطرز ثمَّ وصل إِلَى إفريقية وَوصل كِتَابه إِلَى قرطاجنة يَوْم السبت لسبع بَقينَ من جُمَادَى الْأَخِيرَة يخبر بقدومه فقرئ على الْمِنْبَر
(1/77)
________________________________________
وأخرجت إِلَيْهِ الطبول والبنود والنجائب فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس لليلتين بَقِيَتَا من هَذَا الشَّهْر خرج القَاضِي مُحَمَّد بن أبي المنظور فِي جمَاعَة من وُجُوه القيروان فتلقوه وسلموا عَلَيْهِ وهنوه بِالْفَتْح وَوصل إِلَى قصره بصبرة وَصلى صَلَاة الظّهْر من هَذَا الْيَوْم وَدخل من بَاب الْفتُوح وَعَلِيهِ ثوب ديباج سفر جلي مصمت فَلَمَّا انْتهى إِلَى مَجْلِسه وَنزل سجد لله عز وَجل وَلما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم وُصُوله جلس فِي مَجْلِسه وَدخل عَلَيْهِ القَاضِي فأدناه وقربه وَأَجْلسهُ وَأذن للنَّاس كَافَّة فَدَخَلُوا عَلَيْهِ أَفْوَاجًا وسلموا عَلَيْهِ وهنوه بالقدوم وَالْفَتْح ونهض من مَجْلِسه فحجب النَّاس وَصعد إِلَى قبَّة مشرفة فَجَلَسَ فِيهَا مَعَ خاصته وَأمر بِأبي يزِيد فَأخْرج من تَابُوت كَانَ فِيهِ وألبس قَمِيصًا وقلنسوة بَيْضَاء وأركب جملا وَأَرْدَفَ خَلفه من يمسِكهُ وألصق إِلَى جنبه عودان وربط إِلَيْهِمَا وَجعل عَلَيْهِمَا قردان قد علما فَكَانَا يصفعانه ويعبثان بلحيته وَأخرج من صبرَة من الْبَاب الشَّرْقِي فطوف بالقيروان وبصبرة
(1/78)
________________________________________
ثمَّ صرف إِلَى التابوت وَفِي هَذَا الْيَوْم قدم عَلَيْهِ صَاحب القستطينية مَعَ السرد عوس فِي نَحْو ثَلَاثمِائَة رجل وظفر بِفضل بن أبي يزِيد وَقد حشد واحتفل فَخرج إِلَيْهِ إِسْمَاعِيل فَهَزَمَهُ وهد رُكْنه وهدمه وَرجع وَدخل صبرَة وَبَنوهُ واخوته يَمْشُونَ بَين يَدَيْهِ وَقرب إِلَيْهِ ولد صَغِير فَأَخذه من الْفَتى وَجعله فِي السرج قدامه حَتَّى دخل عَلَيْهِ من بَاب وَعَلِيهِ ثوب فرفري أَبيض بصنائف عراض وعَلى كمية مثل ذَلِك وَهُوَ متوشح بخز أَحْمَر وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى رمح وَهُوَ يسلم على النَّاس بِالْيَمِينِ وَبعد ذَلِك توجه إِلَى المهدية بأَهْله وَإِخْوَته وَأطلق من الْحَبْس عشْرين رجلا من بقايا بني الْأَغْلَب وَوصل كلا مِنْهُم بِعشْرين مِثْقَالا ونفاهم إِلَى مصر وَفِي يَوْم السبت لثلاث عشرَة بَقينَ من ذِي الْقعدَة سنة 336 طيف بالقيروان بِرَأْس الْفضل بن أبي يزِيد
(1/79)
________________________________________
بعث بِهِ باطيط بن يعلى الزناتي مَعَ وَلَده وَكَانَ قَتله إِيَّاه غدرا بجوار باغية فَأعْطى ولد باطيط ألف مِثْقَال وَوَصله وَحمله وَوصل أَصْحَابه وَبعث بِرَأْس فضل وجثة أَبِيه أبي يزِيد إِلَى صقيلية مَعَ حُسَيْن بن عَليّ بن أبي الْحُسَيْن فَعَطب الموكب وَذهب رَأس فضل وطفت جثة أبي يزِيد على المَاء فَردَّتْ إِلَى المهدية وصلبت على مجْرى الخابية
وَفِي هَذِه السّنة مَاتَ القَاضِي مُحَمَّد بن أبي الْمَنْصُور بن حسان الأندلسي الْأنْصَارِيّ
وفيهَا انْصَرف إِسْمَاعِيل من المهدية إِلَى صبرَة فاستوطنها وسماها المنصورية وَاسْتقر إِسْمَاعِيل بالقيروان فصلى بهم رَكْعَة ثمَّ كبر وَقَامَ إِلَى الثَّانِيَة فَكبر خمْسا ثمَّ صعد إِلَى الْمِنْبَر فحول رِدَاءَهُ وحول وَجهه إِلَى الْقبْلَة وَكبر مائَة تَكْبِيرَة ثمَّ حول وَجهه إِلَى الْيَمين فسبح مائَة تَسْبِيحَة ثمَّ حول وَجهه إِلَى الْيَسَار فهلل مائَة تَهْلِيلَة ثمَّ استدبر
(1/80)
________________________________________
الْقبْلَة فَخَطب خطبتين فَجَلَسَ بَينهمَا ودعا وَانْصَرف وَذكر أَنَّهَا صَلَاة أهل الْبَيْت عَلَيْهِم السَّلَام
وَفِي سنة 333 زحف يزِيد بن أبي يزِيد إِلَى باغية مُحَاربًا لَهَا وَانْهَزَمَ عَنْهَا
وفيهَا قتل أَيُّوب بن أبي يزِيد بعد انْصِرَافه من الأندلس وَكَانَ وَفد على عبد الرحمان ابْن مُحَمَّد فَقتله عبد الله بن بكار غيلَة
وفيهَا استأ من بَنو كملان بِإِسْمَاعِيل فَأَمنَهُمْ على سُكْنى عِيَالهمْ بالقيروان
وَفِي سنة 340 توفّي أَبُو كنَانَة بن أبي الْقَاسِم بن عبد الله
وفيهَا طهر إِسْمَاعِيل أَوْلَاده وطهر مَعَهم ألف صبي من أهل القيروان من أبنائهم وكساهم وَأَعْطَاهُمْ مَا يُنْفقُونَ وَأمر كتامة أَن يطهروا أَوْلَادهم
وَتُوفِّي إِسْمَاعِيل يَوْم الْجُمُعَة سلخ شَوَّال سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وثلاثمائة أَو سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَكَانَت ولَايَته سبع سِنِين وَسَبْعَة عشر
(1/81)
________________________________________
يَوْمًا مرض بإسهال من فرحة كبده وَخلف خَمْسَة ذُكُور وحاجبه جَعْفَر بن عَليّ وقضاته أَحْمد بن الْوَلِيد ثمَّ مُحَمَّد بن أبي المنظور ثمَّ عبد الله بن هَاشم
(1/82)
________________________________________
الْمعز
هُوَ معد بن تَمِيم ولد بالمهدية يَوْم الِاثْنَيْنِ فِي رَمَضَان سنة 319 وَولي وَله اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ سنة وَكَانَ هوارة هم الَّذين قَامُوا بِأبي يزِيد وَلم يزَالُوا قائلين لأبي عبيد مقيمين على حربهم وَالْخلاف فَخرج الْمعز فِي جَيش عَظِيم إِلَى جبل أوراس فَلَمَّا سمعُوا بِخُرُوجِهِ جمعُوا لَهُ بسفح غزالة على مقربة من مَدِينَة باغية فَلَمَّا وصل الأوراس جهز بلكين بن زيري بن مُنَاد وَوَجهه إِلَيْهِم وَرجع هُوَ إِلَى القيروان فَهَزَمَهُمْ بلكين وَفرق جموعهم وشتتهم فتمزقوا أيادي سبأ وتبددوا فِي بِلَاد الزاب وَغَيرهَا وَمِنْهُم من وصل إِلَى بِلَاد السودَان فَأَقَامَ بهَا فَمَا التقى رائح مِنْهُم بمبتكر وَتُوفِّي كافور
(1/83)
________________________________________
الإخشيدي بِمصْر سنة 356 وَقدم الْمعز الْقَائِد أَبَا الْحسن جوهرا الْكَاتِب مولى أَبِيه إِسْمَاعِيل الْمَنْصُور إِلَى مصر وجوهر هَذَا رومي ***ه خَادِم يعرف بصابر ثمَّ انْتقل إِلَى خَادِم يعرف بجزان ثمَّ انْتقل إِلَى الْخَادِم خَفِيف فوهبه إِلَى الْمَنْصُور فَتوجه إِلَى مصر فافتتحها وَكَانَ فَتحه لَهَا يَوْم الثُّلَاثَاء لسبع عشرَة لَيْلَة خلت من شعْبَان سنة 358 وهرب أَعْيَان الإخشيدية من مصر إِلَى الشَّام قبل وُصُول جَوْهَر وأقيمت الدعْوَة للمعز فِي يَوْم الْجُمُعَة لعشرين من شعْبَان بالجامع الْعَتِيق ودعا لَهُ أَبُو مُسلم الْعلوِي بِالْمَدِينَةِ وَسَار جَعْفَر بن فلاح إِلَى الشَّام فَقبض على الْحُسَيْن بن عبيد الله وأنفذه إِلَى جَوْهَر ثمَّ أنفذه جَوْهَر مَعَ جمَاعَة من الإخشيدية بقوا بِمصْر إِلَى الْمعز مَعَ وَلَده جَعْفَر وَمَعَهُ هَدِيَّة فِي سنة 359 وَفِي يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِي من جُمَادَى الأولى سنة 359 رَاح الْقَائِد جَوْهَر إِلَى جَامع ابْن طولون وَأذن المؤذنون وخطب عبد السَّمِيع العباسي وقنت
(1/84)
________________________________________
عبد السَّمِيع قبل الرُّكُوع وَسجد وَنسي الرُّكُوع فصاح على ابْن الْوَلِيد قَاضِي عَسْكَر جَوْهَر بطلت الصَّلَاة أعد ظهرا أَرْبعا ثمَّ أذن بحي على خير الْعَمَل بالجامع الْعَتِيق لأَرْبَع بَقينَ من جُمَادَى الأولى وجهر فِي الصَّلَاة بالبسملة وَكتب جَوْهَر إِلَى أهل الرِّيف والصعيد
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من عبد أَمِير الْمُؤمنِينَ جَوْهَر لجَماعَة أهل الرِّيف والصعيد هَذَا أَمَان لكم على أَنفسكُم وَأَمْوَالكُمْ وَأَوْلَادكُمْ من أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمعز لدين الله لتقرؤه وتقفوا على مَا فِيهِ من جميل رَأْي أَمِير الْمُؤمنِينَ لكم وَحسن نظره إِلَيْكُم وتحمدوا الله تَعَالَى على أَمْوَالكُم وتشكروه وتسارعوا إِلَى الطَّاعَة العاصمة لكم العائدة بالسعادة المفضية إِلَى السَّلامَة بكم وَلم يرد بِإِخْرَاج هَذِه العساكر المنصورة والجيوش المظفورة الإمامية إِلَّا إعزازكم وحمايتكم وَالْجهَاد عَنْكُم إِذْ تخطفتكم الْأَيْدِي واستمال عَلَيْكُم من طمعت نَفسه الاقتدار عَلَيْكُم فَشَمَلَ الْمُسلمين الذل واتصل عِنْدهم الْخَوْف وَكَثُرت استغاثتهم وَعلا صراخهم وأبكى عينه مَا نالهم وأسهرها مَا حل بهم ومولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ يَرْجُو من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بفضله عَلَيْهِ وإحسانه الْجَمِيل إِلَيْهِ وَمَا عوده وأجراه عَلَيْهِ استنقاذهم من الذل الْمُقِيم وَالْعَذَاب الْأَلِيم وَأَن يُؤمن
(1/85)
________________________________________
من استولى عَلَيْهِ الوهل ويفرج فزع من لم يزل فِي خوف ووجل وإجراء إِقَامَة الْحَج الَّذِي تعطل وإهمال الْعباد فروضه وحقوقه للخوف المستولى عَلَيْهِم إِذْ لَا يأمنون على أنفسهم وَلَا على أَمْوَالهم واعتماده لإِصْلَاح الطرقات وَنفي الْفساد مِنْهَا وَقطع عَبث العابثين فِيهَا لينصرف النَّاس آمِنين وينبسطوا مُطْمَئِنين وليتخلفوا إِلَى مَدِينَة مصر بالأطعمة والأقوات إِذْ كَانَ قد انْتهى إِلَيْهِ إِفْسَاد القرامطة لعنهم الله فِي الأَرْض وبغيهم بِغَيْر الْحق وَلم يقم للْمُسلمين نَاصِر وَلَا أعانهم قاهر على من أذلّهم وَإِذ لَا زاجر للمتعدين وَلَا قامع للظالمين وَقد أَمر بتحويل السِّكَّة وردهَا إِلَى الْعيار الَّذِي عَلَيْهِ السِّكَّة الميمونة الْمُبَارَكَة وَقطع الْغِشّ مِنْهَا ثمَّ مَا عهد بِهِ سيدنَا ومولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ من نشر الْعدْل وَبسط الْحق وَرفع الظُّلم وَقطع الْعدوان وَنفي الْأَذَى والمساواة فِي الْحق وإعانة الْمَظْلُوم وقمع الظَّالِم وَأَن أحكم فِي الْمَوَارِيث على كتاب الله عز وَجل وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَمرَنِي أَن أَضَع مَا كَانَ يُؤْخَذ
(1/86)
________________________________________
من تَرِكَة مَوْتَاكُم لبيت المَال من غير وَصِيَّة للمتوفى وَلَا استتحقاق وتصييرها إِلَى بَيت المَال وَأَن أتقدم فِي رسم مَسَاجِدكُمْ وتنزيهها وتزيينها بالفرش وَإِعْطَاء مؤذنيها وقومتها وَمن يؤم فِيهَا أَرْزَاقهم وإدرارها عَلَيْهِم وَلَا أقطعها عَنْهُم وَلَا أدفعها إِلَى بَيت المَال وَإِقَامَة من شَاءَ على مِلَّته إِذْ كَانَ الْإِسْلَام سنة وَاحِدَة وَشَرِيعَة متبعة وَأَن تبقوا على مَا كُنْتُم عَلَيْهِ من أَدَاء الْفُرُوض فِي الْعلم والاجتماع عَلَيْهِ فِي جوامعكم ومساجدكم على مَا كَانَ عَلَيْهِ سالف الْأمة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بعدهمْ وفقهاء الْأَمْصَار الَّذين جرت الْأَحْكَام بمذاهبهم وَأَن تجْرِي فروض الْأَذَان وَالصَّلَاة وَالصِّيَام لشهر رَمَضَان وفطره وَالزَّكَاة وَالْحج وَالْجهَاد على أَمر الله عز وَجل فِي كِتَابه وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإجراء أهل الذِّمَّة على مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَلكم أَمَان الله التَّام الْعَام الدَّائِم الْمُتَّصِل الشَّامِل الْكَامِل المتجدد المديد على مُرُور اللَّيَالِي وَالْأَيَّام وتكرر الأعوام فِي أَنفسكُم وأهليكم ونعمكم وَأَمْوَالكُمْ ورباعكم وضياعكم وقليلكم وكثيركم لَا يتَعَرَّض عَلَيْكُم متعرض وَلَا يتعقب عَلَيْكُم متعقب وعَلى أَنكُمْ تحرسون ويذب عَنْكُم وَيمْنَع مِنْكُم من يُرِيد أذاكم وَلَا يسامح أحد فِي الاعتداء عَلَيْكُم وَلَا يتْرك إِلَى الاستطالة على قُلُوبكُمْ مظلا على ضعيفكم وَلَا أَزَال مُجْتَهدا فِيمَا يعمكم صَلَاحه ويشملكم نَفعه ويتصل بكم خَيره وتتعرفون بركته وتغتبطون بِطَاعَة سيدنَا ومولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ
(1/87)
________________________________________
وَعَلَيْكُم الْوَفَاء مَا ألزمته نَفسِي وأعطيكم بِهِ عهد الله وغليظ ميثاقه وذمته وَذمَّة نَبينَا مُحَمَّد مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرُسُله وَذمَّة الْأَئِمَّة موالينا أُمَرَاء الْمُؤمنِينَ فَدس الله أَرْوَاحهم وَذمَّة مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أعزه الله تَعَالَى فتخرجون إِلَيّ وتسلمون عَليّ وتكونون بَين يَدي إِلَى أَن أعبر الجسر وَأنزل فِي المناخ الْمُبَارك وتحافظون على الطَّاعَة وتبادرون وتسارعون إِلَى فروضها وَلَا تخذلوا وليا بمولانا وَسَيِّدنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَلَا تنصرُوا لَهُ عدوا وتقيمون على مَا عهدتم عَلَيْهِ وفقكم الله وأرشدكم أَجْمَعِينَ وَكتب هَذَا الْأمان فِي شعْبَان سنة 358 وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا قَالَ جَوْهَر الْكَاتِب مولى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمعز لدين الله كتبت هَذَا الْأمان على مَا نفذ بِهِ أَمر مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا أَمِير الْمُؤمنِينَ على الْوَفَاء بِجَمِيعِهِ لمن أجَاب من أهل الْبَلَد وَغَيرهم إِلَى مَا شَرط فِيهِ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل وَكتب جَوْهَر الْمَذْكُور فِيهِ وَأشْهد فِيهِ الشُّهُود
وَبنى جَوْهَر الْقَاهِرَة وسماها بِهَذَا الِاسْم وَوصل الْمعز إِلَى الأسكندرية لست بَقينَ من شعْبَان سنة 362 هـ وَتوجه إِلَيْهِ من مصر القَاضِي وَالشُّهُود والأعيان وَاسْتقر بقصره بِالْقَاهِرَةِ يَوْم الثُّلَاثَاء السَّابِع من شهر رَمَضَان سنة 363 هـ
(1/88)
________________________________________
وَكَانَ جَوْهَر قد هيأ لَهُ هَدِيَّة وتلقاه بهَا وَهِي أَرْبَعَة أقفاص منحوتة من عود محكمَة الصَّنْعَة بحلية من فضَّة بمسامير فضَّة يحمل كل قفص مِنْهَا أَرْبَعَة رجال فِيهَا أواني ذهب وَفِضة وَيتبع ذَلِك أَرْبَعَة خدم يحمل كل وَاحِد مِنْهُم خَمْسَة أسياف بحمائل إبريسم محلاة بِالذَّهَب وخادمان بأيدهما أدراج فضَّة فِيهَا خَوَاتِم فضَّة فصوصها يَوَاقِيت وجوهر كثير وَغُلَام يحمل غلاف خيزران فِيهِ تَاج مرصع والمعز أول من تتوج مِنْهُم وَفِيه يَقُول ابْن الأندلسي ... وَعند ذِي التَّاج بيض المكرمات وَمَا ... عِنْدِي لَهُ غير تمجيد وتحميد ...

وتسع من النوق عَلَيْهَا أجلة ديباج ملونة وَثَلَاثُونَ قبَّة على ثَلَاثِينَ نَاقَة بمناطقها ولبها ومقاودها وأثفارها فضَّة على كل نَاقَة مِنْهَا حلتان من ديباج وَمِنْهَا خمس عشرَة نَاقَة قبابها مذهبَة مرصعة
(1/89)
________________________________________
بالزجاج وَخَمْسمِائة رفاص على يَد كل وَاحِد مِنْهُم سفطان أَو تختان من خَز الْعرَاق وَمن كل نوع من أَنْوَاع الْأَمْتِعَة وَأَرْبَعَة أَفْرَاس بسروجها ولجمها ومقاودها حَرِير تجتنب إِلَى كل مِنْهَا نَاقَة بسرج ذهب مفرغ ولجام ذهب مرصع بالياقوت وَفرس عَلَيْهِ سرج ذهب مرصع بالعنبر وَأَرْبع بغلات بسروجها ولجمها وَلها مقاود من هَذَا النَّوْع وست وَثَلَاثُونَ بغلة بأجلة ديباج وبراقع ديباج ملونة وَمِائَة وَثَلَاثُونَ بغلا بالأكف وَخَلفهَا من الْجمال والنجيب فَوق الْخَمْسمِائَةِ وَمن الْعين سِتّمائَة ألف دِينَار وجربان فيهمَا فرشان أَقَامَ الصناع فِي عملهما سنتَيْن وَأنْفق عَلَيْهِمَا فِي الْأُجْرَة عشرَة آلَاف دِينَار
وَكَانَ الْحُسَيْن بن أَحْمد القرمطي قد وصل إِلَى دمشق وتغلب عَلَيْهَا وَقتل جَعْفَر بن فلاح وَاسْتولى القرامطة على الْبِلَاد وصاروا إِلَى الرملة فَخرج الْمعز إِلَيْهِم وَكَانَت بَينهم الْوَقْعَة الْمَشْهُورَة فِي الْيَوْم الْأَحْمَر فَانْهَزَمَ القرمطي وَقتل من أَصْحَابه خلق كثير وَأسر مِنْهُم فَوق الْألف وَرجع الْمعز إِلَى مصر وأقيمت الدعْوَة
(1/90)
________________________________________
فِي مصر وديارها وَالشَّام والحجاز مَعَ إفريقية كلهَا وَالْمغْرب باسمه
وَلما استوثق لَهُ الْأَمر بِهَذِهِ الأقاليم تمّ الْأَمر وَجَاء الَّذِي لابد مِنْهُ وَلَا محيص عَنهُ فَأَصَابَهُ مرض نفساني كَانَ سَببه الخولادة رَسُول ملك الرّوم بالقسطنطينة فَحم مِنْهُ وَتُوفِّي فِي الْقَاهِرَة فِي يَوْم الْجُمُعَة الْحَادِي عشر من شهر ربيع الْأَخير سنة 365 وَكَانَت ولَايَته ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَخَمْسَة اشهر وَأَرْبَعَة أَيَّام وَكَانَت ولَايَة جَوْهَر بِمصْر أَربع سِنِين وَسَبْعَة عشر يَوْمًا وَفِي فتح مصر يَقُول مُحَمَّد بن هَانِئ الأندلسي ... تجهز إِلَى بَغْدَاد قد فتحت مصر
وأنجز صرف الدَّهْر مَا وعد الدَّهْر
وَقد جَاوز الْإسْكَنْدَريَّة جَوْهَر
تطالعه الْبُشْرَى ويقدمه النَّصْر
وَقد أوفدت مصر إِلَيْهِ وفودها
وَزيد إِلَى الْمَعْقُود من جسر هاجسر ...

وَهُوَ الَّذِي بنى الإيوان بالمنصورية وَبنى المعزية بهَا وَبنى
(1/91)
________________________________________
قناطر فِي المَاء عَلَيْهَا وَله آثَار وأخبار أغناني عَنْهَا الاشتهار وَأَن مقصودي الِاخْتِصَار وَالْملك لله الْوَاحِد القهار
أبناؤه نزار الْعَزِيز ولي عَهده والخليفة من بعده وَعبد الله وَتَمِيم وَهُوَ تَمِيم بن الْمعز الشَّاعِر وَالَّذِي يُحَاذِي أَبَا الْعَبَّاس عبد الله بن المعتز المتَوَكل فِي التشبهات والتوجيهات ويحاذيه فِي سلوك أَلْفَاظ الْمُلُوك وَكَانَ أَبوهُ قد ولاه الْعَهْد ثمَّ خلعه لِأَنَّهُ كَانَ لَا يُولد لَهُ وَكَانُوا لَا يولون الْخلَافَة إِلَّا ابْن خَليفَة وَعقيل وَسبع بَنَات حَاجِبه جَعْفَر بن عَليّ ثمَّ عمار وحامل مظلته شَفِيع الْفَتى نقش خَاتِمَة (تَوْحِيد الْإِلَه الصَّمد) دعى الْأَمِير معد والأمير بإفريقية وَالْمغْرب بلكين بن زين بن مُنَاد الصناجي وَكَانَ قد سَمَّاهُ يُوسُف وكناه أَبَا الْفتُوح ولقبه عدَّة الْعَزِيز بِاللَّه يَعْنِي ابْنه
(1/92)
________________________________________
الْعَزِيز
هُوَ نزار أَبُو الْمَنْصُور ولد بالمهدية يَوْم الْخَمِيس الرَّابِع عشر من محرم سنة 344 وَولى الْعَهْد بِمصْر يَوْم الْخَمِيس الْعَاشِر من ربيع الْأَخير 366 وَولى الْخلَافَة فِي الْحَادِي عشر من هَذَا الشَّهْر وسترت وَفَاة الْمعز إِلَى يَوْم النَّحْر من هَذِه السّنة فَسلم عَلَيْهِ بأمير الْمُؤمنِينَ وَركب إِلَى الْمصلى وَصلى بِالنَّاسِ فِي الْمصلى وخطب فقرن نَفسه وَجَمِيع النَّاس وَرجع إِلَى قصره فَدخل عَلَيْهِ عَمه حيدرة وهَاشِم وَعم أَبِيه أَبُو الْفُرَات وَكَانَ نزار هَذَا أسمر طَويلا أصهب غير سفاك للدماء جيد الْبَصَر بِالْخَيْلِ والجوارح والجوهر والتبر محبا للصَّيْد وَالرُّكُوب حسن الْخلق وَسَار إِلَى مَدِينَة الرملة وظفر بأنتك التركي غُلَام معز الدولة الديلمي وَزِير صَاحب بَغْدَاد فِي محرم سنة 368 بعد أَن كَانَت لَهُ وقائع وَأنْفق عَلَيْهِ أَمْوَالًا وَعَفا عَنهُ واصطنعه
(1/93)
________________________________________
قَالَ إِبْرَاهِيم بن أبي الْقَاسِم الْكَاتِب الْمَعْرُوف بِابْن الرَّقِيق فِي أَخْبَار إفريقية توفّي الْعَزِيز ببلبيس وَكَانَ بهَا مبارزا للروم فِي جَمِيع عساكره وجيوشه وَكَانَت بِهِ عِلّة الْحَصَى وَكَانَ الطَّبِيب يطب لَهُ دُخُول الْحمام فيجد لَهُ رَاحَة فدخله يَوْم الثُّلَاثَاء لثلاث بَقينَ من شهر رَمَضَان من هَذِه السّنة وَعمل لَهُ دَوَاء وشربه فِي حَوْض الْحمام فأدركه أَجله فَمَاتَ من سَاعَته وَلَيْسَ مَعَه من الرِّجَال إِلَّا ابْن النصير النَّصْرَانِي الطَّبِيب وَغُلَامه ابْن جوان الْخَادِم فَأخْرج من الْحمام مَيتا وَحمل إِلَى الْقَاهِرَة فَدفن بهَا وَقَالَ القَاضِي مؤلف الشهَاب فِي تَارِيخه توفّي وَهُوَ مبارز بعد الظّهْر يَوْم الثُّلَاثَاء الثَّامِن وَالْعِشْرين من رَمَضَان سنة 386 وَله اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سنة فَكَانَت ولَايَته خمْسا وَعشْرين سنة وَخَمْسَة أشهر وَخَمْسَة وَعشْرين يَوْمًا قَالَ القَاضِي وَلم يلقب فِي خِلَافَته كلهَا إِلَّا أَرْبَعَة الْعَزِيز يَعْقُوب بن كلس وبلكين ابْن زيري سيف الْعَزِيز بِاللَّه والمنصور عدَّة الْعَزِيز بِاللَّه وَابْنه باديس نَاصِر الدولة نقش خَاتمه بنصر الْعَزِيز الْجَبَّار ينصر الإِمَام نزار
الْحَاكِم
هُوَ أَبُو عَليّ مَنْصُور بن الْعَزِيز بِاللَّه ولد عِنْد آخر اللَّيْل بِمصْر لَيْلَة الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة 375 وولاه أَبوهُ الْعَهْد سنة 383 وَولى الْخلَافَة يَوْم الْخَمِيس سلخ شهر
(1/94)
________________________________________
رَمَضَان سنة 386 وعمره إِحْدَى عشرَة سنة وَسِتَّة أشهر فَلم يزل خَليفَة إِلَى شَوَّال سنة 411 فَخرج لَيْلَة الِاثْنَيْنِ السَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال فَطَافَ لَيْلَة كلهَا على رسمه فَقيل إِنَّه كَانَ يَخْلُو بِنَفسِهِ فِي الْجَبَل المقطم لاستنزال ********ة وزحل وَكَانَ صَاحب نُجُوم ورصد لَهُ الزنطجا الحاكمي الْمَعْرُوف
وحَدثني الشَّيْخ الْفَقِيه الشَّيْخ المعمر أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان التَّمِيمِي القلعي رَحمَه الله تَعَالَى أَنه رأى بِمصْر الْآلَة الَّتِي رصد بهَا مَرْفُوعَة على برجين اثْنَيْنِ بنيا لَهَا آلَة من نُحَاس على هَيْئَة الإسطرلاب قَالَ فقست بشبري فِي أحد بيُوت البروج الأثنى عشر وَهُوَ برج الْحُوت ثَلَاثَة أشبار
فَطَافَ الْحَاكِم ليلته كلهَا ثمَّ أصبح عِنْد قبر الفقاعي ثمَّ توجه إِلَى شَرْقي حلوان وَمَعَهُ ركيبان فَأَعَادَ إِحْدَاهمَا مَعَ تِسْعَة من الْعَرَب السويديين إِلَى بَيت المَال لأخذ جَائِزَة أَمْوَالهم فضال ثمَّ أعَاد الراكبي الآخر فَذكر هَذَا الراكبي أَنه خَلفه عِنْد الْقَبْر والمقصبة وبقى النَّاس على رسلهم يخرجُون فِي كل يَوْم يَلْتَمِسُونَ رُجُوعه وَيخرجُونَ مَعَهم فرسا مسروجا مُلجمًا مبرقعا من مراكبه ينتظرونه وَلم يزل هَذَا رسمهم إِلَى آخر أَيَّام بني عبيد وَكَانُوا يسمون هَذَا
(1/95)
________________________________________
الْفرس النّوبَة وَهَذَا الرَّسْم من خُرُوج المركوب غدْوَة كل يَوْم هُوَ الَّذِي اتبعهُ مُلُوك صنهاجة بإفريقية وبالقلعة وبجاية وَكَانُوا يسمونه تسايست أَي استايست إِلَى آخر أيامهم يخرج الْقَائِد كل يَوْم بالجيش عَن الْبَلَد فَيَمْشِي مَسَافَة مَعْلُومَة إِلَى مَوضِع مَعْلُوم فيقف بُرْهَة ثمَّ يرجع إِلَى بَاب السُّلْطَان فيقف إِلَى أَن يُؤذن لَهُ فِي الِانْصِرَاف فَلَمَّا كَانَ فِي يَوْم الْأَحَد الثَّالِث من ذِي الْقعدَة خرج مظفر صَاحب المظلة وحضى الْفَتى ونسيم مُتَوَلِّي السِّرّ وَابْن سنكين التركي صَاحب الرمْح وَجَمَاعَة من الْأَوْلِيَاء الكاتميين وهم الْخَاصَّة فبلغوا دير الْقصير ثمَّ الْموضع الْمَعْرُوف ببسلان ثمَّ أَمْعَنُوا فِي الدُّخُول إِلَى الْجَبَل فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ بصروا بالحمار الَّذِي كَانَ رَاكِبًا عَلَيْهِ على قنة من الْجَبَل فوجدوه قد ضربت يَدَاهُ بِالسَّيْفِ فأثر السَّيْف فيهمَا وَعَلِيهِ سَرْجه ولجامه فتتبع الْأَثر فَإِذا أثر الْحمار فِي الأَرْض وَأثر رجل خَلفه وَرجل قدامه فَلم يزَالُوا يقصون هَذَا الْأَثر حَتَّى انْتَهوا إِلَى الْبركَة الَّتِي فِي شَرْقي حلوان فنزلها رجل من الرِّجَال فَوجدَ فِيهَا ثِيَابه وَهِي سبع جباب صوف وَوجدت مزرة لم يحل أزرارها وفيهَا أثر السكاكين فَأَخذهَا ماضي وَجَاء بهَا إِلَى الْقصر فَلم يشك فِي قَتله هَذَا قَول الْقُضَاعِي فِي مَقْتَله وَقَالَ غَيره إِن شبانا من أهل القيروان والأندلس كمنوا لَهُ فِي الْجَبَل فَلَمَّا ظفروا بِهِ قَتَلُوهُ وألقوه فِي النّيل وَقيل إِنَّهُم كَانُوا من المصادمة
(1/96)
________________________________________
وَالله سُبْحَانَهُ أعلم أَي ذَلِك وَكَيف كَانَ وَإِن كَانَ كَمَا قيل يسْتَنْزل كيوان فَلَمَّا غفل عَنهُ كيوان يقضون بِالْأَمر عَنْهَا وَهِي غافلة مَا دَار فِي فلك مِنْهَا وَلَا فِي قطب وَكَانَ عمره يَوْمئِذٍ سِتا وَثَلَاثِينَ سنة وَسَبْعَة أشهر وَكَانَت ولَايَته خمْسا وَعشْرين سنة وشهرا وَاحِدًا وَكَانَ ولي عَهده عبد الرَّحْمَن بن إلْيَاس بن أَحْمد بن عبيد الله فَلَمَّا قتل الْحَاكِم قبض عَلَيْهِ وَقتل
وَكَانَ الْحَاكِم جوادا بِالْمَالِ سفاكا للدماء قتل عددا كثيرا من أماثل أهل دولته وَغَيرهم صبرا وَكَانَت سيرته من أعجب السّير وَبنى الْجَامِع براشدة وَالْجَامِع بِظَاهِر الْقَاهِرَة المعزية وَأَنْشَأَ عدَّة مَسَاجِد بالقرافة وَغَيرهَا وَحمل إِلَى الْجَامِع من الْمَصَاحِف وآلات الْفضة والستور وَحصر السمار مَاله قيمَة طائلة
وَجَرت فِي أَيَّامه أُمُور كَثِيرَة عَجِيبَة مِنْهَا أَنه كَانَ فِي صدر خِلَافَته أَمر بكتب سبّ الصَّحَابَة على حيطان الْجَوَامِع والقياسير والشوارع والطرقات وَكتب السجلات إِلَى سَائِر الْأَعْمَال بالسب وَكَانَ ذَلِك فِي سنة 395 ثمَّ أَمر بقلع ذَلِك وَنهى عَنهُ وَعَن فعله فِي سنة 397 وَتقدم بعد ذَلِك بِمدَّة فَضرب من يسب الصَّحَابَة وشهره وَكَانَ فِي شهر رَمَضَان من سنة 399 يمْنَع النَّاس من صَلَاة التَّرَاوِيح وَاجْتمعَ النَّاس فِي الْجَامِع وتخوف من سوء الْعَاقِبَة فَلم يصل التَّرَاوِيح وَتقدم أَبُو الْحسن بن جد الدقاق فصلى بِالنَّاسِ الشَّهْر كُله أجمع وَقتل بعد ذَلِك فِي الْيَوْم الثَّانِي من ذِي الْقعدَة فِي
(1/97)
________________________________________
السّنة وَلم تصل التَّرَاوِيح إِلَى سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة فَخرج الْمعز فِي هَذِه السّنة بِالْأَمر فِيهَا وَقرر بالمساجد والجوامع بِمصْر والقاهرة وَمن يُصَلِّي فِيهَا وَلم يزَالُوا يصلونَ التَّرَاوِيح إِلَى آخر خِلَافَته
وَكَانَ أَمر بقتل الْكلاب فِي سنة 395 فَلم يكن يرى كلب فِي الشوارع والأزقة إِلَّا قتل وَكَانَ نهى عَن بيع الفقاع والملوخيا وكبب الترمس المتخذة والجرجير والسمك الَّذِي لَا قشر لَهُ وَأمر بِالتَّشْدِيدِ فِي ذَلِك وَالْمُبَالغَة فِي تَأْدِيب من يتَعَرَّض لبيع شَيْء مِنْهُ وَظهر على جمَاعَة أَنهم باعوا شَيْئا من ذَلِك فضربهم بالسياط وطيف بهم وَضربت أَعْنَاقهم
وَفِي سنة 402 منع من بيع الزَّبِيب قَلِيله وَكَثِيره على سَائِر أَنْوَاعه وأصنافه ذكر أَن مبلغه ألف وَثَمَانمِائَة قِطْعَة وأحرق جَمِيعهَا بِظَاهِر الجرا على شاطئ النّيل وَذكر أَن مِقْدَار النَّفَقَة على إحراقها خَمْسمِائَة دِينَار
وَفِي هَذِه السّنة منع بيع الْعِنَب وأنفذ الشُّهُود إِلَى الجزيرة حَتَّى قطع كثيرا من كرمها وشيدت بِالْمِصْرِ وَجمع مَا كَانَ فِي المخازن من جرار الْعَسَل ذكر أَنَّهَا كَانَت خَمْسَة آلَاف قِطْعَة
(1/98)
________________________________________
وحملت فِي محرم سنة 403 بِمحضر الشُّهُود إِلَى وسط الجسر وَكسرت وقلبت فِي الْبَحْر
وَفِي هَذِه السّنة رفعت المكوس على جَمِيع الغلات الْوَارِدَة إِلَى السواحل والأسواق ثمَّ رفعت بعد ذَلِك مكوس الرطب وَدَار الصابون وَالْحَرِير والشرطتين وعدة مَوَاضِع
وَفِي هَذِه السّنة أَمر النَّصَارَى وَالْيَهُود إِلَّا الحبابرة بِلبْس العمائم السود والطيالسة السود وَأَن تحمل النَّصَارَى فِي أَعْنَاقهم من الصلبان مَا يكون طوله ذِرَاعا ووزنه خَمْسَة أَرْطَال وَأَن تحمل الْيَهُود فِي أَعْنَاقهم قَرَائِن الْخشب على مثل الْوَزْن الْمَذْكُور وَأَن لايركبوا شيا من المراكب المحلاة وَلَا يستخدموا أحدا من الْمُسلمين وَأَن لَا يركبُوا حمارا إِلَّا أَن كَانَ مُسلم وَلَا سفينة يؤتيها مُسلم وَأَن يَكُونُوا فِي النَّصَارَى إِذا دخلُوا الْحمام الصَّلِيب وَفِي أَعْنَاق الْيَهُود الجلاجل ليتميزوا بهَا عَن الْمُسلمين ثمَّ أفردت الحمامات للْيَهُود وَالنَّصَارَى عَن حمامات الْمُسلمين وَخط على حمامات النَّصَارَى صور الصلبان وعَلى حمامات الْيَهُود صور القرامين وَنهى عَن تَقْبِيل الأَرْض لأمير الْمُؤمنِينَ وَعَن الدُّعَاء لَهُ بِالصَّلَاةِ فِي
(1/99)
________________________________________
الْخطب عَلَيْهِ وَأَن يَجْعَل عوض ذَلِك السَّلَام على أَمِير الْمُؤمنِينَ وَنهى عَن التَّكَلُّم فِي علم النَّجْم وَمنع النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الطرقات والحمامات مُدَّة سبع سِنِين إِلَى خلَافَة الظَّاهِر هَذَا كُله قَول الْقُضَاعِي فِي تَارِيخه وَهَذَا التطور والتغير والتأثر لم كَانَ وَالله سُبْحَانَهُ أعلم بجبلات الإستنزالات والسخافات الموجودات فِي تِلْكَ الخرافات وَلَو صَحَّ بعض ذَلِك لعصمه الله من المهالك وهيهات هَيْهَات الْأَمر كُله لرب السَّمَاوَات
وَيُقَال إِن الَّذِي وجد فِي خَزَائِن بني عبيد عِنْد انْقِرَاض دولتهم واستواء الْمعز على مملكتهم من الْأَمْوَال والذخائر والأعلاق والجواهر لم يُوجد مثله عِنْد القياصرة والكياسرة ثمَّ إِن الْجند كَانُوا يقتسمون الْجَوَاهِر النفيسة بالمكايل والكبار مثل اللوبيا وَنَحْوه وَكَانُوا يقطعون
(1/100)
________________________________________
العنبر والكافور بالفرس من الجرارات البادهنجات وَيَقُول أصل هَذِه الْأَمْوَال لَا يَفِي بهَا خراج الْمَعْمُور من الْمَعْمُور على مر الدهور على مَا كَانُوا يخرجونه من تجهيز الجيوش وَعمارَة المدن وَإِقَامَة الرَّسْم وَحفظ الهمم وإجراء الأرزاق وَإِنَّمَا هِيَ من الْكُنُوز الَّتِي استخرجها الْحَاكِم من أَرض مصر الَّتِي هِيَ مَحل الهياكل الْقَدِيمَة والمدائن الْعَظِيمَة وَإنَّهُ مِمَّا أَفَاء من تِلْكَ الألحاد
وَذكر أَن رجلا اسْتَأْذن عَلَيْهِ فَلَمَّا دخل وَمثل بَين يَدَيْهِ إِذْ هُوَ قد تغير وَجهه وشحب لَونه وَهُوَ أَشْعَث أغبر وَعَلِيهِ أثر السّفر فَلَمَّا سلم أمره بِالْجُلُوسِ وَتَركه حَتَّى سكن وتأنس وَرجعت إِلَيْهِ نَفسه ثمَّ قَالَ لَهُ من يكون الرجل فَقَالَ لَهُ أَنا رجل من أهل حوران وَكنت خرجت من بلادي فَوَقَعت البجا فَكنت عِنْد رجل مِنْهُم وَلِلْقَوْمِ جمال يتراهنون بهَا ويتسابقون عَلَيْهَا وتعلمت ركُوب تِلْكَ الْجمال والمسابقة عَلَيْهَا فَكَانَ الرجل الَّذِي كنت عِنْده يَأْمُرنِي بالمسابقة عَلَيْهَا فركبت يَوْمًا فَلَمَّا استويت على ظَهره ضَربته فَانْدفع بِي كَأَنَّهُ الْبَرْق فَمَا علمت هَل أَنا فِي بر أَو فِي بَحر وَلم أقدر على إِمْسَاكه فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار برك بِي على عين تجْرِي فَنزلت وشربت من مَائِهَا وَإِذا حَصى الْعين ياقوت أَحْمَر وَأَنا لَا أَدْرِي فِي أَي مَوضِع أَنا من بِلَاد الله فَبت بذلك الْموضع فَلَمَّا أَصبَحت مَلَأت مخلاة
(1/101)
________________________________________
كَانَت معي كنت لَا أفارقها لأسباب كَانَت فِيهَا فأزلت الْأَسْبَاب وملأت المخلاة من ذَلِك الْيَاقُوت وَركبت الْجمل وسرت بِهِ بَين مشي وجري طول النَّهَار وَلم أزل على ذَلِك شهرا أقتات بنبات الأَرْض وأرعى الْجمل مِنْهُ إِلَى أَن وصلت مدن عدن فدخلتها وبعت من ذَلِك الْيَاقُوت بِمِائَة دِينَار وسرت مَعَ أهل الْيمن إِلَى الْحجاز وقدمت الْآن من الْحجاز وَأخرج لَهُ المخلاة فَإِذا فِيهَا أَحْجَار ياقوت نفيسة كَثِيرَة فَأرْسل إِلَى الجوهريين وأراهم ذَلِك وَذكر لَهُم الْمَسْأَلَة فَقَالَ لَهُ رجل مِنْهُم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ عِنْدِي خبر تِلْكَ الْعين وَهِي فِي أقْصَى بِلَادهمْ الْمُجَاورَة لأرض الْهِنْد وَقَلِيل من رأى تِلْكَ الْعين فوصل الْحَاكِم الرجل وَأحسن إِلَيْهِ وَأَجَازَهُ وخيره فِي الِانْصِرَاف أَو الْإِقَامَة بِمصْر فَاخْتَارَ الْإِقَامَة فَأمر لَهُ بدار سَرِيَّة وَمن الفروش مَا يَلِيق بهَا وأجرى عَلَيْهِ مَا يَلِيق بِهِ
ذكر الوسائط فِي أَيَّامه كَانَ أَبُو الْقَاسِم أَحْمد بن عَليّ الجرجرائي يخْدم فِي بعض الدَّوَاوِين فنقم عَلَيْهِ الْحَاكِم شيأ فَأمر بِقطع يَدَيْهِ مَعًا فَمَا التاع وَلَا ارتاع مِمَّا أَصَابَهُ وَلَا هلع وَلَا جزع وَعصب يَدَيْهِ إِثْر قطعهَا ثمَّ انْصَرف من وقته إِلَى مَوْضِعه من الدِّيوَان فَجَلَسَ لخدمته على عَادَته فَلَمَّا رأى النَّاس يعْجبُونَ وَلَا يصرفون أَبْصَارهم قَالَ لَهُم إِن أَمِير الْمُؤمنِينَ لم يعزلني وَإِنَّمَا عاقبني لخيانتي فَلَمَّا بلغ ذَلِك الْحَاكِم استعظمه وَشرف لَدَيْهِ وَرفع بِهِ إِلَى الوزارة فوزره هُوَ وَابْنه الظَّاهِر وَابْنه الْمُسْتَنْصر نَحْو ثَمَانِي سِنِين وَكَانَت سيرته محمودة وآثاره
(1/102)
________________________________________
مأثورة وَمَات سنة 486 هـ وَهُوَ الَّذِي أَدخل الْعَرَب إِلَى إفريقية عِنْدَمَا خلع الْمعز بن باديس الصنهاجي لبني عبيد على مَا ذكر الْقُضَاة فِي أَيَّامه ابْن النُّعْمَان وَزَاد قَضَاء الشَّام وَسَائِر أَعماله إِلَى دمشق وَبَيت الْمُقَدّس إِلَى الشريف أبي طَالب الْحسن بن جَعْفَر الْمَعْرُوف بِابْن بنت زيري وَكَانَ الْحَاكِم هَذَا ولي عَهده عبد الرَّحْمَن بن إلْيَاس بن عبيد الله فَلَمَّا فقد الْحَاكِم قبض على عبد الرَّحْمَن وَقتل وَولى على ابْن الْحَاكِم
الظَّاهِر
هُوَ أَبُو الْحسن وَقَالَ أَبُو حزم هُوَ أَبُو الأشبال عَليّ بن مَنْصُور الْحَاكِم ولد بِمصْر يَوْم الْأَرْبَعَاء سنة 395 وبويع لَهُ بالخلافة يَوْم عيد النَّحْر سنة 411 وكفلته عمته سيدة الْملك وَكَانَت المؤيدة للْملك والقائمة بِهِ وَمَات لَيْلَة النّصْف من شعْبَان سنة 427 وَله من الْعُمر اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ سنة إِلَّا أَيَّام وَكَانَت ولَايَته خمس عشرَة سنة وَثَمَانِية أشهر وَخَمْسَة أَيَّام وَكَانَ وزيره وَالْغَالِب على أمره الجرجرائي الأقطع الَّذِي تقدم ذكره وجرجريا بالعراق وَخرج على الظَّاهِر رجل من بني أُميَّة وَهُوَ الْوَلِيد بن يزِيد زعم أَنه من ولد هِشَام بن عبد الْملك بن مَرْوَان وَكَانَ يعرف بِأبي ركوة وَكَانَ القائمون بِهِ بني مرّة غلب على كثير من بِلَاد فزان فِي سنة 415 وَدخل مَدِينَة لَك وَسلم عَلَيْهِ بالخلافة وَكتب إِلَى بني هُذَيْل يَدعُوهُم إِلَى كسر مِنْبَر بني أبي عبيد ولعنتهم وخطب لَهُ على مِنْبَر لَك وترحم على آبَائِهِ
(1/103)
________________________________________
بني أُميَّة وضيق على مصر فَصَالح صَاحب مصر بني مرّة بالأموال الْكَثِيرَة وخسر لأميرهم ماضي بن مقرب عشرَة آلَاف دِينَار وَعشْرين تختا من رفيع الثِّيَاب فَوَثَبُوا على الْأمَوِي وأوثقوه وَحَمَلُوهُ على جمل فَلَمَّا رأى ذَلِك شرب الزرنيخ فَمَاتَ فَحَمَلُوهُ مَيتا إِلَى مصر وصلب على شاطئ النّيل
الْمُسْتَنْصر
لما مَاتَ الظَّاهِر نصب الجرجرائي مَكَانَهُ ابْنه معدا طفْلا صَغِيرا أسمر اللَّوْن يُسمى معدا مثل جده أَخذ الْمعز وكناه أَبَا تَمِيم لكنيته ولقبه الْمُسْتَنْصر بِاللَّه ودبر سُلْطَانه الجرجرائي وَكَانَ مَوْصُوفا بالسياسة وَجَمِيل الْمَذْهَب وَكَثْرَة الْعَفو وَفِي أَيَّامه خلع الْمعز ابْن باديس الصنهاجي صَاحب إفريقية لبني عبيد ودعا لبني الْعَبَّاس فَقَالَ الجرجرائي لَا تكلّف لَهُ وَلَا تجهز لَهُ جندا ودبر إجَازَة الْعَرَب النّيل إِلَى إفريقية فَلَمَّا وصلوا إِلَيْهَا ودخلوها كَانَ ذَلِك سَبَب خرابها وَذَهَاب ملك صنهاجة مِنْهَا إِلَّا مَا تُدْرِكهُ حَسْبَمَا هُوَ مَذْكُور فِي تَارِيخ إفريقية وَلم يملك من بني عبيد من بني الْمُسْتَنْصر
(1/104)
________________________________________
ملك وَفِي سنة 464 من ملكه كَانَت بِمصْر وقْعَة كوم الريش بَين الأتراك والمغاربة فَمَاتَ فِيهَا فِي يَوْم وَاحِد بَين الْفَرِيقَيْنِ اثْنَا عشر ألفا وَقَامَت الْفِتْنَة بَينهم أَربع سِنِين وَامْتنع النَّاس من الْحَرْث والعمارة وغلت الأسعار وفقد الطَّعَام بِمصْر فَمَاتَ أَكثر النَّاس جوعا وَلم ير بِمصْر جوع مثله من زمن يُوسُف الصّديق عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا الَّذِي وجدت من أخباره فِيمَا ذكر ابْن حَيَّان
المستعلي
هُوَ ابْن الْمُسْتَنْصر على مَا يُقَال وَلم أجد لَهُ خَبرا وَلم ألحق لَهُ اسْما وَقيل إِن اسْمه أَحْمد وَرَأَيْت كتابا عَنهُ وَفِيه علامته وَهِي الْحَمد لله على آلائه
الْآمِر
لم أعرف لَهُ أَيْضا اسْما وَلَا وجدت لَهُ خَبرا إِلَّا مَا حَدثنِي الْفَقِيه القَاضِي أَبُو المكارم هبة الله الْمصْرِيّ رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ اجْتمع عشرَة من الحشيشية ودخلوا فرن خباز على طَرِيق الْأَمر فِي يَوْم خرج فِيهِ إِلَى بعض نزهه فَأَكَلُوا فِي الفرن خبْزًا بِعَسَل وتباطؤا إِلَى أَن مر بهم رَاجعا من منزهه وَقد حصل فِي طَرِيق ضيق عِنْد الفرن وَصَارَ رِجَاله الَّذين بَين يَدَيْهِ وَاحِدًا بعد وَاحِد لضيق الطَّرِيق فَوَثَبُوا على الْخَلِيفَة بسكاكين وَصَارَ أحدهم خَلفه على كفل مركوبه فأنفذوا مقاتله وَقتل مِنْهُم تِسْعَة وَوصل إِلَى قصره وَبِه رَمق الْحَيَاة ثمَّ مَاتَ من يَوْمه
(1/105)
________________________________________
الْحَافِظ عبد الْمجِيد
كَانَ الْحَافِظ من بَيت الْخلَافَة وَلم يكن ابْن خَليفَة وَكَانَ ابْن رئيسهم ومذهبهم أَلا يولوا الْخلَافَة إِلَّا ابْن خَليفَة فَمَاتَ الْأَمِير وَلَا ولد لَهُ إِلَّا مَا يتَوَهَّم فِي الْبُطُون وَلذَلِك بِالْحَافِظِ فَلَمَّا لم يظْهر حمل قَالَ عبد الْمجِيد الْحَافِظ لداعيه وَهُوَ الَّذِي يَأْخُذ لَهُم الْبيعَة وَيقوم بالدعوة بَايع لي فَأبى وَامْتنع وخلى عَنهُ وَدفع فعزلوه وَقدمُوا دَاعيا آخر فَبَايع لَهُ وَهَذَا أَيْضا حَدثنِي بِهِ أَبُو المكارم رَحمَه الله تَعَالَى وَلَيْسَ عِنْدِي سواهُ
الظافر
وَهُوَ يُوسُف بن عبد الْمجِيد الْحَافِظ كَانَ وزيره الْمَعْرُوف بالعادل وَكَانَ ابْن الْعَادِل حسن المنظر بديع الْجمال وَكَانَ الظافر إِلَيْهِ مائلا وَكَانَ يتنكر وَيَمْشي مَعَه فِي اللَّيْل أَزِقَّة مصر فرميت للعادل بطائق فِي الظافر وَفِي ابْنه ينزونه بِهِ فَذكر ذَلِك لِابْنِهِ وَقد خرج لَيْلَة على عَادَتهمَا ويصرفون سِهَام الْمَكْر إِلَيْهِمَا فَلَمَّا قرب من
(1/106)
________________________________________
دَاره رغب إِلَيْهِ أَن يشرفه فَأدْخلهُ عِنْده وَأَن يُؤَكد بذلك حبه لَهُ وود الاستعفاء بِدُخُولِهِ وَأَرَادَ تضمن مسرته وَالْمُبَالغَة فِي مبرته فَلَمَّا تمكن بِهِ فِي الدَّار ضرب عُنُقه وأعناق فتيَان كَانُوا مَعَه وأفلت فَتى صَغِير السن فاستخفى عِنْد فتيَان ابْن الْعَادِل فَلَمَّا أصبح أطلع أَبَاهُ على الْخَبَر وأعلمه أَنه قطع الْأَمر فحصن الْعَادِل الْقصر وَأخذ يغالط الْأَمر فَاسْتَأْذن فِيمَا أظهر على الظافر وَطلب خُرُوجه وَكَانَ من عَادَة أهل مصر فِي تِلْكَ الدولة يسلمُونَ على الْخَلِيفَة فِي كل يَوْم اثْنَيْنِ وخميس على طبقاتهم الوزراء أَولا ثمَّ الْكتاب ثمَّ الْقَضَاء ثمَّ الْفُقَهَاء ثمَّ القواد والأجناد ثمَّ أَعْيَان الْعَامَّة وَاتفقَ ذَلِك أحد الْيَوْمَيْنِ فَاعْتَذر اخوة الظافر عَنهُ وَكَانَ الْمُتَكَلّم عَنْهُم أَخ لَهُم يُسمى جِبْرِيل فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِم وَلم يقبل مِنْهُم قَالَ الْقَوْم ابْنك خرج بِهِ البارحة وَلم يرجع فَقَالَ لَهُم الْعَادِل إِنَّمَا قَتَلْتُمُوهُ لِتَكُونُوا مَكَانَهُ وقتلهم كلهم وَأخرج وَلَده الفائز وَهُوَ ابْن سبع سِنِين أَو نَحْوهَا فأجلسه مَجْلِسه وَبَايَعَهُ وانْتهى خبر مقتل الظافر على لِسَان الْفَتى الصَّغِير الْمَذْكُور الَّذِي سلم من الْقَتْل إِلَى أُخْت الظافر وَإِلَى الْأَوْلِيَاء والقواد الرؤساء فِي كَافَّة أَعمال مصر تخبرهم بذلك وتستصرخهم وأحس الْعَادِل ذَلِك فَأخذ مائَة ألف دِينَار وفر من مصر فَكتبت الْأُخْت إِلَى النَّصَارَى فَقطعُوا بِهِ الطَّرِيق وأسروا لَهُ ولدا فاشترته مِنْهُم بجملة مَال وعذبته إِلَى أَن مَاتَ وانقرض الْعَادِل وَبَنوهُ وَهَذَا حَدثنِي بِهِ أَبُو المكارم أَيْضا رَحمَه الله
(1/107)
________________________________________
الفائز
هُوَ كَمَا تقدم ابْن الظافر وَلم أجد لَهُ خَبرا وَلَا عرفت لَهُ اسْما
العاضد
مَا أعجب هَذَا اللقب العاضد هُوَ الْقَاطِع وَعَلِيهِ انْقَطع أَمرهم وانحل عقدهم وانثر عَهدهم وَأَيْنَ الَّذِي بنى الإيوان وغمدان وَمن الَّذِي يبْقى على الْحدثَان هُوَ عبد الله ابْن يُوسُف الظافر وَكَانَ فَتى صَغِير السن أسمر اللَّوْن وَكَانَ وزيره يُسمى سَابُور وَاتفقَ لَهُم أَن استدعوا الغز ليتخذوهم ويستظهروا بهم فوصلوا وَرَئِيسهمْ أَسد الدّين وَمَعَهُ ابْن أَخِيه يُوسُف بن أَيُّوب الْمَعْرُوف بصلاح الدّين وَوَقعت فتْنَة تنافروا فِي الوزارة الَّتِي هِيَ كالإمارة قتل فِيهَا الْوَزير سَابُور وَجلسَ أَسد الدّين مَكَانَهُ وَولى خطته والعاضد فِي الْأَمر كواو عَمْرو ثمَّ توفى أَسد الدّين عَن قَلِيل فولى ابْن أَخِيه يُوسُف بن أَيُّوب وهجمه العاضد وَهَاجَر من أهل بَيته الْأَقَارِب والأباعد وَكَانَ يعْتَقد وَيسر فيهم حَشْوًا فِي ارتقاء النَّاس إِلَى أَن ألغز عَلَيْهِم فِي الْخطْبَة باسم المستنجد صَاحب بَغْدَاد إِذْ ذَلِك وَكَأَنَّهُ جعل ذَلِك صفة للعاضد فَقَالَ خَطِيبه اللَّهُمَّ
(1/108)
________________________________________
اصْنَع كَذَا وَكَذَا للعاضد المستنجد بِاللَّه وَقصد بذلك أَن يَذُوق النَّاس وَيدْفَع بالإيحاش الإيناس فَلم يَتَحَرَّك لذَلِك وَلَا استنطح عنزان وَفِي خلال هَذَا مَاتَ العاضد وَمن قَائِل يَقُول مَاتَ حتف أَنفه وَمن قَائِل يَقُول بِلِسَان الْحَال بيَدي لَا بيد عَمْرو سم بِيَدِهِ وَقيل إِن يُوسُف ابْن أَيُّوب سمه وانسلخ من لوح الْحَيَاة اسْمه وَلما مَاتَ سجى برداء أشْرب وغطى وَدخل عَلَيْهِ يُوسُف بن أَيُّوب وَأدْخل الشُّهُود والأعيان فرأوه وقلبوه فَلم يرَوا بِهِ مأثر قتل وَمَشى ابْن أَيُّوب فِي جنَازَته رَاجِلا مشقوق العباء وَقد لبس الْبيَاض وَذَلِكَ فِي آخر سنة 564 وَنسخ يُوسُف دولة بني عبيد وَأحكم دولة بني الْعَبَّاس ثمَّ انْقَضتْ تِلْكَ السنون وَأَهْلهَا فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام وَهَكَذَا الدهور وَأهل الدهور وَإِلَى الله تصير الْأُمُور وتتبع بَنو عبيد فَمن عثر عَلَيْهِ سجنوه بدار الْقَاهِرَة بَقِيَّتهمْ فِيهَا إِلَى الْيَوْم وَهُوَ سنة 617 فَكَانُوا يتناسلون ثمَّ منعُوا النِّكَاح لينقطع النَّسْل وَيذْهب الْفَرْع وَالْأَصْل وَكَانَ قد أَرَادَ أَن يُطْلِقهُمْ مُنْذُ سِنِين ويلحقهم بغمار الْمُسلمين ثمَّ أَرَادَ أَن يستفتي فِي ذَلِك ويشاور ويطالع ويوامر فَكتب إِلَى الْفُقَهَاء بالإسكندرية فَاجْتمعُوا وَأَجْمعُوا أَن كتبُوا بقوله عز وَجل {هَا أَنْتُم أولاء تحبونهم وَلَا يحبونكم} الْآيَة إِلَى قَوْله {بغيظكم} وَكَتَبُوا بذلك إِلَيْهِ فأنفاهم حَيْثُ أنفاهم {وَعند الله تَجْتَمِع الْخُصُوم} ويلتقي الظَّالِم والمظلوم إِذْ يلتقي كل دائن بِمَا طله منا ويجتمع المشكو
(1/109)
________________________________________
والشاكي وحَدثني بعض الطّلبَة الْحجَّاج عَن رجل كَانَ فيهم يُسمى دَاوُود أسمر أَنه لَو اطلع إِلَى أهل مصر لسجدوا
وَكَانَت دولتهم كلهَا مُنْذُ بُويِعَ عبيد الله بسلجماسة إِلَى أَن مَاتَ العاضد عبيد الله مِائَتي سنة اثْنَيْنِ وثماني وَسِتِّينَ سنة انْتهى مَا وَجَدْنَاهُ وَفِي الأَصْل تَحْرِيف كثير لِأَن ناسخها وجد بِالْأَصْلِ تحريفا كثيرا وَنبهَ عَلَيْهِ
وَكَانَ الْفَرَاغ من نسخهَا يَوْم الْجُمُعَة أَوَائِل ذِي الْحجَّة عَام 1265 هـ وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
(1/110)
________________________________________


كتاب ,الكتاب , المكتبة , الشاملة

http://www.shamela.ws
تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة


كتاب ,الكتاب , المكتبة , الشاملة
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المكتبة, الشاملة, الكتاب, كتاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عودة ملوك الطوائف Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 04-30-2017 12:56 PM
عباد و... عبيد صابرة شذرات إسلامية 0 12-02-2016 06:36 AM
ماهو الفرق بين عبيد وعباد صابرة شذرات إسلامية 0 08-15-2016 06:34 AM
ملوك الهند الإسلامية صابرة شذرات إسلامية 1 01-08-2016 06:20 PM
عبيد ودواعش عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 09-18-2015 05:02 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:03 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59