#1  
قديم 07-26-2021, 09:04 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي يوشك أن تظل فتن كقطع الليل المظلم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

ففي هذا اللقاء المبارك الذي رتبه الإخوة -جزاهم الله خيراً- في هذا الظرف الذي تعيشه الأمة مع الاضطراب الحاصل لدى كثير من طلاب العلم، كثيرٌ منهم ضاقت بهم الأرض ذرعاً، وظنوا أن الخير قد انقطع، والأمر على خلاف ذلك، وديننا -ولله الحمد- دين الخلود والبقاء إلى قيام الساعة، مضمون له البقاء إلى قيام الساعة، وأبواب الخير مفتوحة ومشرعة، وسنة المدافعة باقية إلى قيام الساعة، وما يغلق باب في وجه مسلم إلا ويفتح الله له أبواب وآفاق من أعمال الخير التي توصله إلى مرضات الله سبحانه وتعالى.

الفتن التي تعيشها الأمة والتي أخبر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه يوشك أن تظل فتن كقطع الليل المظلم، يوشك أن تظلنا فتن كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- كقطع الليل المظلم، وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المخرج في البخاري وغيره: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)).

وقال -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المخرج في السنن والمسند أنه في آخر الزمان أيام تسمى أيام الصبر، والقابض فيها على دينه كالقابض على الجمر، وأجر العامل فيها كأجر خمسين رجل، قالوا: منهم يا رسول الله أو منا، قال: منكم.

هذه مع كونها تخبر عن واقعٍ مُرّ إلا أنها تشرح صدر المسلم للعمل والمدافعة أجر خمسين من الصحابة في آخر الزمان عند فساد الناس، أجر خمسين من الصحابة هذا ليس بالسهل ولا بالهين، ويأتي ذكره، والمراد به - إن شاء الله تعالى -.

فالفتن التي نتحدث عنها، بل قبل ذلك في العنوان العبادة، العبادة في زمن الفتنة، أو في زمان الفتن.

الله -جل وعلا- قد خلق الثقلين الجن والإنس لتحقيق هذا الأمر الذي هو العبادة والعبودية، كما قال الله -جل وعلا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات]، فالعبادة هي الهدف من خلق الجن والإنس.

يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله وتعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات]، أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أي: ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس: {إلا ليعبدون} أي: إلا للعبادة.

والمراد بالعبادة كما قال شيخ الإسلام: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة".

فتشمل جميع أبواب الدين، فالإنسان يتعبد إلى الله -جل وعلا- بتوحيده، والإخلاص له، ويتعبد له بالإيمان به بشروطه، يتعبد لله -جل وعلا- بالصلاة، فرضها ونفلها، يتعبد للمولى -جل وعلا- بالزكاة، والصدقات، يتعبد له بالصيام الذي هو سرٌ بين العبد وبين ربه، ويتعبد لله -جل وعلا- بزيارة بيته الحرام، وبالجهاد في سبيله وإعلاء كلمته، ويتعبد له في معاملاته، في المعاملات وإن كانت من أجل الكسب الذي ظاهره المادة المحضة، إلا أنه في الوقت نفسه بإمكان المسلم أن يجعله عبادة لله -جل وعلا-، إذا نوى به أن يتقوى به على ما يقربه إلى الله -جل وعلا- يتعبد إلى الله ويتقرب إليه بتناول الملذات والشهوات كالنكاح الذي شرعه الله -جل وعلا- وأخبر أنه يؤجر عليه، "أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟" قال: ((نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟)) قالوا: نعم، فيأتي شهوته ويكون له أجر، هذا من فضل الله -جل وعلا-.

يتعبد لله -جل وعلا- بجميع أبواب الدين، فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله -جل وعلا- ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

وتنوع هذه العبادات من محاسن هذا الدين، فتجد بعض الناس يسهل عليه التقرب إلى الله -جل وعلا- بمائة ركعة بمائتين ركعة بثلاثمائة ركعة في اليوم الواحد، وهذا مأثور عن بعض من تقدم من السلف، لكن يشق عليه أن يتصدق بدرهم، فتح له هذا الباب ليلزمه، ومع ذلك يجاهد نفسه في الأبواب الأخرى، وبعض الناس مستعد أن يتصدق أن يتخلص من نصف ماله ولا يستطيع ولا تطاوعه نفسه أن يصلي ركعتين، ومن الناس من ديدنه قراءة القرآن وتشق عليه سجدة التلاوة؛ لأن الصلاة شاقة عليه، هذا تنوع للعبادات, وكل باب من الأبواب هذه مرضية لله -جل وعلا- ومع ذلك يلزم هذا الباب الذي يُسر له ولا يهمل الأبواب الأخرى، يجاهد نفسه على أن يأطرها على محبة هذه الأبواب الأخرى، يكفيه أنها ترضي الله -جل وعلا- وأنها ترفعه عند المولى سبحانه وتعالى، ترتب عليها الثواب، فمن أهم العبادات الصلاة، فالإنسان عليه أن يكثر منها، فالصلاة خيرٌ مستكثر منه، والنبي -عليه والصلاة والسلام- لما سأله الصحابة مرافقته في الجنة، قال: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) الكثرة هذه مطلوبة على أن الكمية ليست هدف لذاتها، بل لا بد من الكيفية ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ليس معنى هذا أن الإنسان يصلي في الساعة بعدد دقائقها من الركعات، ويغفل عن الكيفية، بل لا بد من أن يجمع بين كثرة السجود وبين الكيفية المأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقل مثل هذا في سائر العبادات، يقرأ القرآن ويكون ديدنه قراءة القرآن، لكن على وجه مأمور به، على الوجه المأمور به من الترتيل والتدبر، ليزداد بذلك من الهدى واليقين والطمأنينة وشرح الصدر وزيادة الإيمان, فعلى الإنسان أن يلزم هذه العبادات.

والفتن جمع فتنة، يقول الراغب: أصل الفَتْنِ إدخال الذهب في النار، لتظهر جودته من رداءته، ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويطلق على العذاب، يستعمل في إدخال الإنسان النار {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [(10) سورة البروج]، بأن أدخلوهم في النار، هذه فتنة.

ويطلق على العذاب، كقوله -جل وعلا-: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [(14) سورة الذاريات]، وعلى ما يحصل عند العذاب، كقوله -جل وعلا-: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [(49) سورة التوبة]، وعلى الاختبار، كقوله: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [(40) سورة طـه]، وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنىً وأكثر استعمالاً، قال -جل وعلا-: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [(35) سورة الأنبياء]، ومنه قوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} [(73) سورة الإسراء]، أي يوقعونك ببلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحي إليك.

وقال أيضاً -الراغب-: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله -جل وعلا- ومن العبد كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب والمعصية وغيرها من المكروهات.

فالإنسان قد يكون بنفسه موجداً للفتنة يفتتن بها ويفتن بها غيره، كما أنها تكون من الله -جل وعلا- فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة، فقد ذم الله -جل وعلا- الإنسان بإيقاع الفتنة كما في قوله -جل وعلا-: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [(191) سورة البقرة]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [(10) سورة البروج]، وقوله: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [(162) سورة الصافات]، وقوله: {بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [(6) سورة القلم]، وكقوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ} [(49) سورة المائدة].

وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى مكروه، ثم أطلقت على كل مكروه، أو آيلٍ إليه كالكفر والإثم والتحريض والفضيحة والفجور وغير ذلك.

الفتنة لا شك أنها تطلق على أمور متفاوتة، فمنها الشرك الذي هو في الحقيقة أعظم من القتل وأشد من القتل، إلى أن تصل إلى فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المتفق عليه قال في الخميصة: ((كادت أن تفتنني عن صلاتي)) والمراد بالفتنة هنا: الانشغال بها، وكذلك الفتنة في المال والولد الانشغال بهم عما هو أهم، كل هذا فتنة.

وبعض الناس يعتب على من يستعيذ بالله من الفتن، يقول معناه: أنك تستعيذ بالله من أهلك ومالك وولدك، يقول: لا تستعيذ بالله من الفتن، معناه أنك تريد أن تتجرد من هذه الأمور.

لكن الفتن إذا أطلقت واستعيذ بالله منها، فالمراد بها ما يضر في الدين. أما الفتن التي لا تضر فهي أمرها يسير، بل طلبها الشارع كفتنة المال والولد، الله -جل وعلا- يقول بالنسبة للمال: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]، فهو مطلوب أصلها لإقامة العبودية، لإقامة الهدف التي من أجله خلق، وأيضاً أمرنا بالتكاثر والتناسل، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك ((فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة)) مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، فنحن مأمورون بكسب المال من وجهه، لكن لا يكون هدفاً. لا يكون هدفاً في هذه الحياة بحيث يكون محياه ومماته لهذا المال، يضحي بكل شيء من أجل المال، كما رأينا وسمعنا في هذه السنين المتأخرة بعدما فتحت علينا الدنيا.

المقصود أن هذه الفتنة أعني فتنة المال وإن كان أصلها مطلوباً {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]، إنما طلب لتحقيق الهدف الذي من أجله خلق وهو العبودية لله -جل وعلا- إذ لا تقوم الحياة إلا بالمال.

وأيضاً طلب الولد، لبقاء النوع والجنس الإنساني ليعبد الرب -جل وعلا- إلى قيام الساعة، ولو أن كل واحد من المسلمين عزف عن الزواج خشية أن يبتلى بالأولاد ويبتلى بالأهل لخالف سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- سنن المرسلين.

يقول الله -جل وعلا-: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [(25) سورة الأنفال]. يقول القرطبي: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أمر الله أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم؛ فيعمهم العذاب؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [(25) سورة الأنفال].

كيف نتقي هذه الفتنة؟ كيف نتقي هذه الفتنة؟

نتقيها بالحيلولة بين الظالم وظلمه، فإذا حلنا بين الظالم وظلمه فإننا حينئذ جعلنا بيننا وبين هذه الفتنة وقاية.

وكذلك تأول فيها الزبير بن العوام فإنه قال يوم الجمل وكانت سنة 36هـ: ما علمت أنا أردنا بهذه الآية إلا اليوم، وما كنت أظنها إلا من خوطب ذلك الوقت. وكذلك تأول الحسن والبصري والسدي وغيرهم.

وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) يعني جاء قول الله -جل وعلا-: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [(33) سورة الأنفال]، فهل الأمر يسري على غيره -عليه الصلاة والسلام- من صالحي هذه الأمة؟ يعني لا يهلكون وفيهم الصالحون؟ كما ضمن الله -جل وعلا- أن لا يعذب هذه الأمة مع وجود نبيها -عليه الصلاة والسلام-.

وجود الصالحين لا شك أنه سببٌ من أسباب دفع البلاء ودفع الفتن؛ بنسبة إرثهم من النبوة من النبي -عليه الصلاة والسلام- -أعني هؤلاء الصالحين- بقدر إرثهم من النبوة علماً وعملاً يدفع بهم من الفتن بقدر ذلك، ولذلك نجد أنه حينما وجد الصالحون من العلماء والعباد والدعاة الأخيار كانت الفتن مدفوعة إلى حدٍ ما؛ بسبب مدافعتهم لها، وبسبب علمهم وعملهم، وبسبب دعواتهم الصالحة.

ونحن ننظر أنه كلما انتقصت هذه الأمة بعلمائها العاملين تزداد فيها الفتن، بل إن كثيراً من الناس يرجع وجود هذه الفتن وتتابع هذه الفتن بموت فلان أو علان من الناس، نقول لا يا أخي الدين باقي ومحفوظ، لكن لا شك وجود مثل هذا العالم العامل المدافع الذاب عن دين الله لا شك أنه سبب من أسباب تأجيل وتأخير الفتن، لكن ليس هو كل شيء، فالدين ليس بمربوط بأشخاص، وأمة محمد -عليه الصلاة والسلام- لا يدرى أوله خيرٌ أم آخره.

في صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) وفي صحيح الترمذي، جامع الترمذي -بعضهم يطلق عليه الصحيح، كما أنه بعضهم يطلق على بقية السنن الصحاح ويلحقها بالصحيح ويقول الصحاح الستة، لكن لا شك أن هذا تساهل، ولذا يقول الحفاظ العراقي:

ومن عليها أطلق الصحيحا



فقد أتى تساهلاً صريحا

يعني من أطلق الصحيح على الكتب الأربعة من السنن تبعاً للصحيحين لا شك أنه تساهل في الصحيح، والحسن والضعيف- يقول: وفي صحيح الترمذي: ((أن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده)).

لكن الأخذ على يد الظالم بحسب القدرة بحسب القدرة وبالوسائل المحققة للمصلحة التي لا يترتب عليها مفسدة، لا بد من مراعاة القواعد العامة في النصيحة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالنصيحة إذا ترتب عليها معاندة وإصرار من المنصوح وخروجه عن ***اب الحياء، وزيادته في الشر من أجل أنه نصح من قبل فلان أو علان لا بد أن يدرس الأمر بعناية.

وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا خشي أن يترتب عليه منكر أعظم منه فلا شك أن درء المفاسد مقدم على جمع المصالح، ومع ذلك لا بد من الإنكار بالمراتب الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ((من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) لكن لا بد من التغيير، وأقل المراتب التغيير بالقلب.

وفي صحيح البخاري والترمذي، عن النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها -استهموا يعني بالقرعة، أنت مكانك فوق وأنت مكانك تحت وهكذا بالقرعة- فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم -فرأوا أن من فوقهم تضايقوا منهم من كثرة المرور عليهم- فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً -بحيث لا نحتاج إلى نمر على من فوقنا- ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) هذا المثل النبوي مطابق غاية المطابقة لواقع الأمة في هذه السفينة التي تتلاطم الأمواج من حولها، تدفعها يميناً وشمالاً، وأحياناً إلى الأمام وأحياناً إلى الخلف، فإن ترك المفسد يعبث لا شك أنهم يهلكون جميعاً، وإن أخذ على يده وأطر على الحق نجا ونجوا جميعاً، فهذا مثل مطابق.

في هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة، وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنهم إذا -كما تقدم في حديث مسلم- ((إذا ترك الظالم لم يأخذوا على يد الظالم أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده)). يقول القرطبي: قال علماؤنا فالفتنة إذا عملت هلك الكل، وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر، وعدم التغيير. وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم، يعني لا يستطيعون التغيير باليد ولا باللسان أنكروا بالقلب، لكن هل يسوغ لهم أن يبقوا مع هؤلاء العصاة؟ يقول: وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها.

وهكذا كان الحكم فيمن كان قبلنا من الأمم، كما في قصة السبت حين هجروا العاصين، وقالوا لا نساكنكم، وبهذا قال السلف -رضي الله عنهم- روى ابن وهب عن مالك أنه قال: "تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً ولا يستقر فيها".

أما إذا استخفى العاصي المذنب بجريمته فهذا لا يضر غير نفسه، الإشكال فيما إذا ظهر المنكر وأعلن ولم يوجد من يدافع، أو من يدفع هذا المنكر، فحينئذ يوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده.

الهجرة عند أهل العلم منها الواجب، وهي باقية إلى قيام الساعة، فالواجب منها الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فالإقامة في بلاد الكفر لا تجوز حرام إلا لعاجز، إلا المستضعف المستثنى، الذي لا يستطيع حيلة، ولم تذكر الحيلة بشيء من النصوص بالإقرار والجواز إلا في هذا الموضع؛ لأن ضرر البقاء بين أظهر المشركين ضررٌ محض، كثير من المسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفار الضرر عليههم في أديانهم وعلى ناشئتهم أظهر، الذين يربون في بلاد الكفر وفي مدارس الكفر ضرر عظيم،

وقد برئ المعصوم من كل مسلمٍ



يقيم بدار الكفر غير مصارمِ

لا بد أن يهاجر إلا إذا عجز حينئذٍ يعذر، هذه الهجرة الواجبة.

وأما الهجرة المستحبة فالهجرة إلى البلد الذي فيه الأخيار أكثر وأظهر من بلاد المسلمين، ويتمكن فيه من طلب العلم من أهله، أهل العلم والعمل والإخلاص والتحقيق لعقيدة التوحيد، الهجرة إلى مثل هذا البلد مستحبة، على أن لا تخلى البلدان الأخرى ممن يدافع.

ولذا يقول ابن وهب يروي عن مالك -رحمه الله- أنه قال: "تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً ولا يستقر فيها".

وروى البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنزل الله بقومٍ عذاباً أصاب العذابُ من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم)).

فهذا يدل على أن الهلاك العام منه ما يكون طهرة للمؤمنين، ومنه ما يكون نقمةً للفاسقين، يعني إذا وجد المنكر أنكره قوم وسكت آخرون، يعني وجد من يفعل المنكر، أنكره قوم وسكت آخرون، هؤلاء ثلاث فرق، ثم إذا حلت العقوبة {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [(165) سورة الأعراف]، فالظلمة هم الذين فعلوا المنكر، وأنجينا الذين ينهون، الذين ينهون ينجون، سواءً نجوا بأبدانهم أو لم ينجو المقصود أنهم مآلهم إلى النجاة، سواءً كان في الدنيا أو في الآخرة، وأما الذين ظلموا الذين فعلوا هذا المنكر أخذناهم بعذابٍ بئيس.

الفرقة الثالثة: هل يدخلون في الذين ظلموا؛ لأنهم لم ينكروا، فهم ظالمون لأنفسهم بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يقال أنهم سكتوا فسكت عنهم، كما يقول بعض المفسرين.

الذي يظهر -وأعني من لا ينكر المنكر حتى بقلبه- أنهم مع الظالمين، أخذوا بعذاب بئيس مثلهم. هذا منكر عظيم ترك إنكار المنكر.

ولذا لعن بنو إسرائيل لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} بأي شيء {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [(78-79) سورة المائدة].

قد يقول قائل: الله -جل وعلا- يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام]، ويقول -جل وعلا-: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر]، ويقول -جل وعلا-: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [(286) سورة البقرة]، وهذا يوجب أن لا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام]، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر]، يعني لا بما كسب غيره، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [(286) سورة البقرة]، يقول هذا القائل: هذا يوجب أن لا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب.

فالجواب: أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره، فإذا سكتوا عليه فكلهم عاصٍ، هذا بفعله وهذا برضاه, وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل، فانتظم في العقوبة, قاله ابن العربي.

الحكم واحد هذا بفعله وهذا برضاه، هذا باقترافه وبما كسبت يده وبوزره الذي ارتكبه، وهذا بتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أيضاً منكر.

يقول الله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النــور]، قال ابن عباس: "الفتنة هنا: القتل" وقال عطاء: "الزلازل والأهوال" وقال جعفر بن محمد: "سلطان جائر يسلط عليهم" وقيل: "الطبع على القلوب بشؤم مخالفة الرسول -عليه الصلاة والسلام-".

وكلها داخلة في مدلول الآية، قد يقتل من يقتل، ويصاب بالزلازل والأهوال من يصاب، وقد تكون هذه المعاصي وهذه المخالفات لله ولرسوله سببٌ في تولي سلطان جائر عليهم يسلط عليهم يسومهم سوء العذاب، وشواهد الأحوال لا تحتاج إلى تسميات، يعني انظر في الواقع اليوم تجد هذه الأمور موجودة. وقيل: "الطبع على القلوب بشؤم مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا أشد، الطبع على القلوب، بعض الناس يرى أنه من أفضل الناس، وأنه على الجادة، وهو لا يدري أنه مطبوعٌ على قلبه، نسأل الله السلامة والعافية. وبعضهم يرى أنه على الصراط وهو ممسوخ وهو لا يشعر، قد باع دينه وهو لا يعلم، نسأل الله السلامة والعافية. وأهل العلم يقررون أن مسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان.

ابن القيم في إغاثة اللهفان ذكر أنه في آخر الزمان يمشي الاثنان إلى المعصية، هما في طريقهما إلى معصية فيمسخ أحدهما خنزيراً وينظر إليه صاحبه مع ذلك ما النتيجة؟ يرجع ويقول: الحمد لله على السلامة، يرجع إلى بيته ويتوب،لا، يمضي إلى معصيته، هذا مسخ بدن وهذا مسخ قلب، نسأل الله السلامة والعافية.

إذا عرفنا السبب في وجود هذه الفتن وهي المخالفة لأوامر الله وأوامر رسوله -عليه الصلاة والسلام- وسكوت الناس عن إنكار هذه المخالفات، وعدم مدافعتهم لهذه المنكرات، ولا شك أن ما يصيب الناس فبما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [(41) سورة الروم]، فالفساد كله بسبب المعاصي.

إذا عرفنا سبب الفتنة وهي مخالفة أمر الله -عز وجل- وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام- والتواطؤ على ذلك، التواطؤ على ترك إنكار المنكر على ما تقدم، فشو المنكرات بغير نكير، هذا هو سبب لعن بني إسرائيل، أعني تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال -جل وعلا-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا....} [(78) سورة المائدة]، إلى أن قال: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [(79) سورة المائدة].

أقول: إذا كان هذا هو السبب، وقبل ذلك شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخفى عن العامة فضلاً عن المتعلمين، وهو خصيصة هذه الأمة، وهو سبب رفعتها، وهو سبب خيريتها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [(110) سورة آل عمران]، يعني قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قدم على الإيمان بالله مع أنه لا يصح أمر ولا نهي إلا بعد الإيمان، قدم لماذا؟ لأنه هو خصيصة هذه الأمة، الأمم السابقة يؤمنون بالله، أعني أتباع الأنبياء يؤمنون بالله، لكن لماذا فضلنا عليهم؟ لأننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولذلك قدم على الإيمان بالله الذي يشترك فيه الجميع، فقدمت هذه الخصيصة للاهتمام بشأنها والعناية بها، وإلا فجميع أتباع الأنبياء يؤمنون بالله، فما لنا مزية عليهم، فإذا تركنا هذه الخصلة ما صرنا خير أمةٍ أخرجت للناس، صرنا مثل الأمم.

روى أبو داود والترمذي عن أبي أمامة الشعباني، قال: سألت أبا ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال: قلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [(105) سورة المائدة] قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألتُ عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام تدعى أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) وهذا حديث جيد. زاد أبو داود في حديثه: (قيل يا رسول الله: أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: ((بل أجر خمسين رجلاً منكم)).

إذا نظرنا إلى الحديث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر مقرر، شعيرة من شعائر الدين، حتى عده بعضهم من أركان الإسلام، ولا يمكن أن تقوم أمور المسلمين إلا به.

يقول: حتى -هذه الغاية-: ((إذا رأيتم شحاً مطاعاً)) تجد الشح بين الناس، والناس تابعون لهذا الشح، لا يخالفونه، فيمنعون الواجبات، ويبخلون بها. ((فإذا رأيتم شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً)) كل ما لاح له شهوة أتبعها هواه، ولم يرتدع عنها ولا يزدجر عنها، ولو زجر بنصوص الكتاب والسنة. ((وهوىً متبعاً، ودنياً مؤثرة)) نعم، هذا موجود، كثيرٌ من الناس آثر الدنيا على الآخرة، وتعلق قلبه بها، ولم يعقل من دينه شيء، يصلي ببدنه فقط، يعني إذا سمع شخص وهو ساجد يشير بأصبعه ثم في النهاية يجهر يقول آمين، هذا ماذا عقل من صلاته؟ وهو ساجد يقول آمين! لا شك أن هذا سببه تعلق القلوب بالدنيا، والعزوف عن الآخرة، والغفلة عن الهدف الذي من أجله خلق.

يقول: إذا رأيت ذلك ((ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه)) بالنسبة لعامة الناس كونهم يصرون على ما يقررونه من أحاديثهم في مجالسهم هذا ليس بغريب؛ لأنهم عوام، لكن طلاب علم، تجده إذا نوقش في مسألة علمية أو أبدي أدنى ملاحظة في كلامه صار كأن الدنيا انهدمت فوق رأسه لا يطيق شيئاً من ذلك، لا يريد أن يقال له لو قلت كذا لكان كذا، أو ما رأيك لو كانت المسألة كذا، ما يتحمل ولو بالأسلوب المناسب، نعم يوجد من ينتقد بعض طلاب العلم وبعض العلماء بأساليب غير مقبولة البتة، لكن مع ذلك كلٌ له ما يخصه من خطاب، فالذي يلاحظ على أهل العلم ينبغي أن تكون الملاحظة بأدب، وأن تلقى بأسلوب محبب، بحيث يتأثر السامع، وأيضاً بالمقابل الطرف الثاني لا يعجب برأيه، فليس بالمعصوم، فإذا قيل له: لو أن كذا لكان كذا، وما رأيك بكذا ولو أنه...، يعني تطرح الإشكال أو الملاحظة على سبيل الاستفهام، يعني يستفهم منه استفهاماً، وإلا هذا حقيقة أمرٌ مقلق، ونسمع من الردود شيء تقشعر منه الأبدان، ونجد الثقل في إبداء الملاحظات هذا موجود، نسأل الله السلامة والعافية، عندنا وعند غيرنا من طلاب العلم؛ لأن المقاصد مدخولة، يعني أين نحن من قول الشافعي: "والله لا يهمني أن يكون الحق على لساني أو على لسان خصمي" المقصود أن الحق يبين.

أين أهل الخصومات؟ من رجلين بينهما خصومة في عهدٍ قريب، بينهما خصومة يقول: لا داعي أن نذهب أنا وأنت ونعطل مصالحنا إلى المحكمة، أنت تعرف القضية واشرحها للشيخ، واللي يقول لك هو الحكم. فذهب إلى القاضي وشرح له القضية، وقال: الحق لخصمك وانتهى، قال: الحق لك، شرح له الشيخ وانتهى الإشكال.

وشخص في هذه الأيام لما حكم عليه بقضية، قيل له: إن أردت الاعتراض قدم للتمييز، هذه اللائحـة، اكتب ما شئت، فانكب على الماصة يبكي، أنا أعترض على حكم الله، والله -جل وعلا- يقول: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء]، أنا أعترض؟ فبكى.

يعني الأمة ما زال فيها خير، لكن الكلام على الكثير الغالب، الكثير الغالب نجد الردود ونجد بعض الكلمات التي لا يحتمل سماعها. نعم، هذه قد تكون طبيعة البشر مجبولين على هذا، لكن ينبغي أن تكون الطبائع مسيسة ومأطورة بأوامر الشرع، ف في الحديث يقول: ((وهوىً متبع، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من وراءكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) وهذا حديثٌ حسن، زاد أبو داود في حديثه: قيل يا رسول الله: أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: ((بل أجر خمسين رجلاً منكم)) يعني من الصحابة.

وفي البخاري عن أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعب الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)) وهذا ما يعرف عند أهل العلم بالعزلة.

لكن متى تكون العزلة؟ العزلة تكون راجحة بالنسبة لشخصٍ يخشى على نفسه أن يتأثر، ومع ذلك لا يستطيع أن يؤثر في غيره، مثل هذا يقال له اعتزل، ويكون خير مالك غنم تتبع بها شعب الجبال، لكن مِن عالم يستطيع أن يدافع بعلمه، بحلمه، بحكمته، يستطيع أن يؤثر في الناس، يستطيع أن يدفع بعض الشرور، يدفع بعض الشرور، يخفف، يقلل من بعض الشرور، هذا الخلطة أفضل له.

روى مسلم والترمذي من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((العبادة في الهرج كهجرة إليَّ)).

يقول النووي في شرح مسلم: "قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) المراد بالهرج هنا: الفتنة، واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها".

في الحديث السابق: ((للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) يعني من الصحابة رضوان الله عليهم، قد يشكل هذا على بعض الناس، ويقول: أنه قد يأتي في آخر الزمان من هو أفضل من الصحابة؛ لأننا إذا نظرنا إلى بعض أعمال الناس في الزمن المتأخر وجدناه كثير جداً ومتنوع، تجده ثري مثلاً، وصاحب صلاة، وذكر وتلاوة وصيام وبذل أموال، مدة طويلة تزيد مثلاً على نصف قرن، وأجره مثل أجرين خمسين من الصحابة، إذن أجوره لا يحاط بها، كثيرة جداً، فهل يتصور أن مثل هذا أفضل من أقل الصحابة شأناًً، وليس فيهم قليل الشأن، بل كل واحد منهم شأنه عظيم أعني الصحابة رضوان الله عليهم؟

لا.. أجر خمسين في العمل نفسه، أما شرف الصحبة وأجر الصحبة فلن يناله أحد، أي كائناً من كان، ولا عمر بن عبد العزيز، الخليفة الراشد المعروف.

ولما سئل من سئل عن معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل؟ قال: غبارٌ في أنف معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من عمر بن عبد العزيز.

فالصحبة شرفٌ لا يناله أحد إلا من اتصف به ممن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على ذلك، فدع عنك مسألة الصحبة، وأجرها، هذا أمرٌ لا يدركه أحد ممن توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يراه، بعد ذلك الأعمال متفاوتة، نعم، أعمال في وقت أفضل منها نفسها في وقتٍ آخر، تتصدق بألف ريال في وقت الناس فيه ليسو بحاجة ماسة، ليس أجره كمن تصدق بدرهم وقع موقعاً عظيماً في نفس المتصدق عليه، أنقذه من هلكة، تتفاوت، والناس عند فساد الزمان تمسكهم بالدين شأنه عظيم؛ لأنهم لا يجدون من يعينهم، وأما في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فبعضهم يعين بعضاً يشجع بعضهم بعضاً، ومع ذلكم شرف الصحبة لا يناله أحد ممن لم ير النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؛ لأن هذا قد يشكل، مقرر عند أهل العلم أن الصحابة أفضل ممن جاء بعدهم.

وروى مسلم والترمذي من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العبادة في الهرج كهجرة إليَّ)).

يقول النووي في شرح مسلم: "قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) المراد بالهرج هنا الفتنة، واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا الأفراد".

صحيح، يعني مر بنا ظروف فيها شدة على بعض بلاد المسلمين وحروب وقتل بالجملة، هذه فتنة، وهرج وقتل، تجد كثير من الناس من المسلمين انشغل بهذه الفتنة، يتابعها ليلاً ونهاراً على سائر الوسائل، المقروءة والمسموعة والمرئية، وشغل بها فكره، وانشغل بها عن عبادة ربه، مَن مِن الناس -حتى من طلاب العلم- يقول رأيت الناس انشغلوا بهذه الأمور فأنصرف إلى قراءة القرآن، أشغل نفسي بدل قراءة الصحف التي ينفق عليها كثيرٌ من الناس وقت طويل أقرأ القرآن بدلها؟ وبدلاً من أن أستمع إلى آلة فيها الأخبار سواءً كانت مسموعة أو مرئية أصلي بقدر الوقت الذي يستمع فيه الناس ويرون، ما ينصرف إلى هذه الأعمال إلا رجل موفق. ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) فلا يتفرغ لها إلا الأفراد.

مـن من الناس يوم انشغل الناس بالأسهم في الأيام الماضية طلوعاً ونزولاً، انشغلوا بها شغلاً مذهلاً مـن من الناس من انصرف إلى عبادة ربه، في هذه الظرف الذي انشغلوا فيه.

في إكمال المعْلِم للقاضي عياض قوله: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) أي في احتدام الفتنة واختلاط أمر الناس، فيحمل أنه في آخر الزمان الذي أنذر به في الحديث بقوله: ((ويكثر الهرج)) ويحتمل أنه عمومٌ في كل وقتٍ وفضل الانعزال حينئذٍ لعبادة الله -عز وجل-".

أما كونه مخصوص في آخر الزمان فالحديث لا يدل عليه؛ لأن هذا التفضيل مربوط بوجود السبب الذي هو: الهرج، القتل، الفتنة، فكلما وجد الوصف الذي علق به هذا الفضل يوجد الفضل، فكلما وجدت فتنة ينصرف الإنسان إلى عبادة ربه، هذا إذا كان لا يستطيع أن يكون مؤثراً في هذه الفتنة، في إزالتها في تخفيفها، وإلا لو كان له أثر في إزالتها وتخفيفها كانت أفضل من العبادة الخاصة؛ لأن المقرر عند أهل العلم أن العبادات المتعدية أفضل من اللازمة.

ويقول القرطبي في المفهم: "قوله: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) قد تقدم أن الهرج الاختلاط والارتباك ويراد بها الفتن والقتل، واختلاط الناس بعضهم في بعض، فالمتمسك بالعبادة في ذلك الوقت والمنقطع إليها المعتزل عن الناس أجره كأجر المهاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يناسبه من حيث أن المهاجر قد فر بدينه عمن يصده عنه" يعني هذا وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- فر بدينه من قومه وعشيرته الذين يحاولون أن يصدوه عن دينه ويصرفوه عنه، من حيث أن المهاجر يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قد فر بدينه عمن يصده عنه إلى الاعتصام بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك هذا المنقطع للعبادة قد فرَّ من الناس بدينه إلى الاعتصام بعبادة ربه، فهو على التحقيق قد هاجر إلى ربه، وفر من جميع خلقه.

لا شك أن المخرج من هذه الفتن إنما هو بالاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، بعبادة الله -جل وعلا- على نورٍ من الله، لا على جهل، وابتداع، يعني بعض الناس يسمع بالعبادة وفضل العبادة ويضرب في كل بابٍ منها بنصيب، ثم بعد ذلك يكون عمله هباء؛ لأنه يعبد الله على غير ما أراده الله -جل وعلا-، ومن غير اتباع لنبيه -عليه الصلاة والسلام-.

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في نونيته: فصلٌ فيما أعده الله تعالى من الإحسان للمتمسكين بكتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عند فساد الزمان، يقول -رحمه الله-:

هذا وللمتمسكين بسنة الـ
أجرٌ عظيم ليس يقدر قدره
فروى أبو داود في سنن له
أثراً تضمن أجر خمسين امرئ
إسناده حسنٌ ومصداق له
إن العبادة وقت هرج هجرة






مختار عند فساد ذي الأزمانِ
إلا الذي أعطاه للإنسانِ
ورواه أيضاً أحمد الشيباني
من صحب أحمد خيرة الرحمنِ
في مسلم فافهمه فهم بيانِ
حقاً إليَّ وذاك ذو برهانِ

إذا عرفنا هذا، إذا عرفنا الفتن وأسباب الفتن، والمخرج من الفتن، وفضل العبادة في وقت الفتن، نعرف أن العبادة المطلوبة في وقت الفتن إما لازمة يعني قاصرٌ نفعها على المتعبد أو متعدية، والمقرر عند أهل العلم أن المتعدي في الجملة أفضل من القاصر، لكن ليس على إطلاقه، ليس هذا على إطلاقه، ليس معنى هذا أن تعطل العبادات القاصرة، ولذلك شرع في بعض الأوقات العبادات القاصرة دون المتعدية، فالاعتكاف إنما هو للعبادات القاصرة، وليس للعبادات المتعدية، ولذا تعليم العلم الذي هو من أفضل الأعمال، بل من أفضل ما يتطوع به لا يشرع في وقت الاعتكاف، إنما يشرع الذكر التلاوة الصلاة مع الصيام، يكثر الإنسان من هذه الأمور في وقت الاعتكاف وهي قاصرة.

أيضاً الركن الثاني من أركان الإسلام، وهو مقدمٌ على الثالث والثاني قاصر وهو الصلاة، والثالث متعدٍ وهو الزكاة، فليست هذه القاعدة على إطلاقها، وإن كان أهل العلم يطلقونها، إذا عرفنا هذا من الناس من لا يستطيع النفع المتعدي، ليس لديه القدرة في التأثير على الناس، نقول لمثل هذا أقلل بمطلوب الإمكان من الاختلاط بالناس، واقتصر على ما أوجب الله عليك من صلة وبر وزيارة في الله مما يستحب لك ذلك، وجاءت النصوص بطلبه، وافعل ما أمرت به من حقوق المسلم على المسلم، واتجه إلى العبادات الخاصة، أكثر من الصيام، أكثر من الصلاة النوافل، أكثر من تلاوة القرآن، لا يزال لسانك رطباً بذكر الله، مُر بالمعروف وانه عن المنكر حسب استطاعتك، ولا تختلط بالناس، ولا توغل في الخلطة بحيث تتأثر من الناس، هذا الذي لا يستطيع التأثير في الناس.

أما من يستطيع التأثير في الناس بأن يغشى محافلهم، ومجالسهم ومجتمعاتهم ونواديهم، يغشى هذه الأماكن للإنكار، وللأمر بالمعروف ولتنبيه الناس، وتوجيههم وتعليمهم الخير، لا شك أن مثل هذا أفضل بالنسبة لهم, وهذا خلاصة ما يقال في الخلطة والعزلة.

لو قرأنا في كتب أهل العلم منذ سنين، الخطابي المتوفى سنة 388هـ يفضل العزلة في وقته.

الكرماني وهو في القرن الثامن والعيني وهو بعده يقولون: والمتعين في هذه الأزمان العزلة، لاستحالة خلو المحافل من المنكرات، هذا قبل كم؟ قبل سبعمائة سنة، هذا كلام يقال، فكيف بأزماننا؟!

لكن يبقى أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويسعى في نفعهم وتوجيههم، وسنة المدافعة أمرٌ مقرر في الشرع، يعني الإنسان لو تركت هذه الأعمال وتركت هذه الأمور، كلها للناس الذين لا خير فيهم لا شك أن هذا ضرر محض على الدين وأهله، فلا بد من المزاحمة ولا بد من المدافعة، ومع ذلك لا بد أيضاً من الحكمة والرفق واللين في هذه المزاحمة وفي هذه المدافعة، والرفق عموماً لا يدخل في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.



على كل حال هذا هو القول الفصل في العزلة والخلطة، ونحن نرى من الناس من اعتزل، مع أنه بالإمكان أن ينفع، وينتفع به، يعني من أهل العلم لو خصص من وقته اقتطع من وقته جزءاً لإقراء الناس وتعليمهم العلم لانتفع به خلق مع الوقت، ومن الناس من يخالط وهو مسكين يتأثر، كل يومٍ في نقص ولا يستطيع أن يؤثر في أحد، ومع ذلك علينا أن ننظر إلى هذا الأمر بجد، وكل إنسان يعرف من نفسه ما جبل عليه، وما أوتي من مواهب، فإن كان لديه استطاعة وقدرة في خلطة الناس، ومحاولة الإصلاح والتغيير والتأثير عليهم، مثل هذا لا شك أنه في جهاد، وهذا أفضل من العزلة, أما من لا يستطيع ذلك فالعزلة في حقه مفضلة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-28-2021, 02:15 PM
حنان على السيد غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2021
المشاركات: 30
افتراضي

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-09-2021, 05:36 PM
الشفاء غير متواجد حالياً
عضو نشيط
 
تاريخ التسجيل: Dec 2021
المشاركات: 36
افتراضي

اللهم اصلح لي حالي ولا تكلني لنفسي طرفة عين
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12-15-2021, 06:07 PM
هاجر محمد غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2021
المشاركات: 35
افتراضي

بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 09-24-2022, 09:31 PM
الصورة الرمزية عبدو خليفة
عبدو خليفة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 721
افتراضي

جزاك الله خيرا أستاذة لقد تفضلتِ بشرح لموضوع الفتن شرحا مفصلا، لاسيما والمسلمون اليوم يتعرضون لكل نوع من الفتن كما قال النبي صلى الله وسلم: ستكون فتن كقطع الليل المظلم. ها نحن اليوم كذلك، وسنظل ما لم نتخذ الاسلام قاعدة لأفكارنا وقيادة لسلوكنا، وبدون هذا لا تكون لنا شخصية اسلامية، وانما سنكون وفق التعبير النبوي " امعة أو غثاء كغثاء السيل" وسط هذا الكم الهائل من الثقافات الواردة علينا من الشرق والغرب، ومن الأحاديث الوادة في هذا الموضوع ما رواه الترميذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى عليه وسلم: لا تكونوا امعة تقلون ان احسن الناس احسنا وان ظلموا ظلمنا ولكن وطئوا انفسكم ان احسن الناس أن تُحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا.جعلنا الله وإياكم من المحسنين.
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الليل, المعلم, يوشك, كقطع


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع يوشك أن تظل فتن كقطع الليل المظلم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سلام الوهم يوشك على التبخر عبدالناصر محمود أخبار الكيان الصهيوني 0 10-01-2019 06:41 AM
الذهب يوشك على تسجيل أكبر خسارة أسبوعية في عامين Eng.Jordan أخبار اقتصادية 0 06-22-2013 11:53 AM
المعلم بين الماضي والحاضر Eng.Jordan الملتقى العام 0 03-10-2012 04:02 PM
المعلم و أساليب التدريس Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 02-18-2012 07:51 PM
المصحف المعلم للاطفال Eng.Jordan الحاسوب والاتصالات 0 02-17-2012 07:22 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:58 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59