#1  
قديم 07-02-2013, 05:44 PM
ام زهرة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: العراق
المشاركات: 6,886
افتراضي رمضان..عرس إيماني فريد


يقظة غير عادية في الضمير الإيماني، ورغبة عارمة في استدراك التقصير في الأيام الخوالي، ومحطة عامرة بتصحيح مسار سلوكياتنا وأخلاقنا مع الأحباب والجيران وسائر الإخوان..إنه «رمضان» الذي يزينه الإيمان، ومنح الرحمن، والرغبة في الغفران، والتسابق إلى الرضوان. فحري بكل ذي بصيرة أن يرتب في هذا الشهر الفضيل أولوياته، ويقوّم تصوراته، ويهذب سلوكياته. إيمان وتربية
في رمضان تترسخ الأسس الإيمانية، وتتجمل البنايات السلوكية، فلا خير في إيمان لا يفرز عمل ينفع صاحبة والناس، فالإسلام أكبر من الشعارات الجوفاء، والتصريحات العمياء.. إنه دين انتصار السلوك على المظاهر الفارغة، وتعبيد القلوب لرب رحيم ودود.
قال - تعالى -: (مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً)[النساء: 147] أي ما يفعل الله بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله، فإن الله - سبحانه - غني عمَّن سواه، وإنما يعذب العباد بذنوبهم، وكان الله شاكرًا لعباده على طاعتهم له، عليمًا بكل شيء (1) والمقصودُ منه حمل المكلَّفين على فعل الحَسَن والاحتراز عن القبيح.
قال الإدريسي: أي لا حاجة له في عذابكم، فلا يُشفى به غيظًا ولا يدفع به ضررًا، أو يست*** به نفعًا؛ لأنه غنيَّ عن المنافع، وإنما يعاقب المصر بكفره، لأن إصراره عليه كسوء المزاج يؤدي إلى مرض فإن زال بالإيمان والشكر، ونقَّى منه قلبه، تخلص من تبعته، وإنما قدم الشكر؛ لأن الناظر يدرك النعم أولاً فيشكر شكرًا مبهمًا، ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به (2)
وقال مكحول: أربع من كن فيه كن له، وثلاث من كن فيه كن عليه؛ فالأربع اللاتي له: فالشكر والإيمان والدعاء والاستغفار، قال الله - تعالى -: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ)[النساء: 147] وقال الله - تعالى -: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال: 33] وقال - تعالى -: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ)[الفرقان: 77]. وأما الثلاث اللاتي عليه: فالمكر والبغي والنكث؛ قال الله - تعالى -: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)[الفتح: 10]. وقال - تعالى -: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)[فاطر: 43] وقال - تعالى -: (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)[يونس: 23]. (3)
المسئولية الفردية
في الصوم تتجلى أسمى معاني المسئولية الشخصية الفردية الإيمانية، وتتجلىمراقبة العليم المنان بأسمى صورها «الرقابة الذاتية».. فالصوم عبادة سرية، فلا قانون يسن الصيام غير قانون السماء، بلا حرس ولا خفر، ولا كاميرات ولا تنصتات، ورغم كل هذا فالمؤمنون صائمون عن لذائد الطعام والشراب، معرضون عن اللغو والرفث والآثام، تحدوهم نفحات الرحمن في شهر القرآن، وتشد من عزائمهم الرغبة في الجنان. فسبحان من ربى أهل الإيمان على عينه، وأكمل بتعاليم الإسلام الإحسان إلى خلقه. فلا يعرف النفاق قلوبهم ولا الخديعة سلوكهم، لأنهم دوما في معية الرحمن، يراقبونه في كل حال. قال - تعالى -: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[المجادلة: 7]
قال السعدي: إخبار الله أنه مع عباده يرد في القرآن على أحد معنيين:
«أحدهما»: المعية العامة، كقوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ.. ) أي: هو معهم بعلمه وإحاطته.
«الثاني»: المعية الخاصة، وهي أكثر ورودا في القرآن، وعلامتها أن يقرنها الله بالاتصاف بالأوصاف التي يحبها، والأعمال التي يرتضيها مثل قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[البقرة: 194]. مع المحسنين ومع الصابرين. (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]. (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه: 46]. وهذه المعية تقتضي العناية من الله والنصر والتأييد والتسديد بحسب قيام العبد بذلك الوصف الذي رتبت عليه المعية. (4)
تبدأ الآية بتقرير علم الله الشامل لما في السماوات وما في الأرض على إطلاقه، فتدع القلب يرود آفاق السماوات وأرجاء الأرض مع علم الله المحيط بكل شيء في هذا المدى الوسيع المتطاول. من صغير وكبير، وخاف وظاهر، ومعلوم ومجهول.. ثم تتدرج من هذه الآفاق وتلك الأرجاء، وتزحف وتقرب حتى تلمس ذوات المخاطبين وتمس قلوبهم بصورة من ذلك العلم الإلهي تهز القلوب:
(مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا).. وهي حقيقة في ذاتها، ولكنها تخرج في صورة لفظية عميقة التأثير. صورة تترك القلوب وجلة ترتعش مرة، وتأنس مرة، وهي مأخوذة بمحضر الله الجليل المأنوس.
وحيثما اختلى ثلاثة تلفتوا ليشعروا بالله رابعهم. وحيثما اجتمع خمسة تلفتوا ليشعروا بالله سادسهم. وحيثما كان اثنان يتناجيان فالله هناك! وحيثما كانوا أكثر فالله هناك!
إنها حالة لا يثبت لها قلب؛ ولا يقوى على مواجهتها إلا وهو يرتعش ويهتز.. وهو محضر مأنوس نعم.. ولكنه كذلك جليل رهيب. محضر الله: (هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا).
(ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).. وهذه لمسة أخرى تُرجف وتزلزل.. إن مجرد حضور الله وسماعه أمر هائل. فكيف إذا كان لهذا الحضور والسماع ما بعده من حساب وعقاب؟ وكيف إذا كان ما يسره المتناجون وينعزلون به ليخفوه، سيعرض على الأشهاد يوم القيامة وينبئهم الله به في الملأ الأعلى في ذلك اليوم المشهود؟!
وتنتهي الآية بصورة عامة كما بدأت:
(إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). وهكذا تستقر حقيقة العلم الإلهي في القلوب، بهذه الأساليب المنوعة في عرضها في الآية الواحدة، الأساليب التي تعمق هذه الحقيقة في القلب البشري، وهي تدخل بها عليه من شتى المسالك والدروب! (5)
وقفة مراجعة
بعد الوقوف مع هذه النصوص النورانية من كتاب رب البرية، لا نريد أن تتحول الكتابة عن رمضان إلى مجرد نوع من «الترف الثقافي» أو «المعرفة الباردة»، بل ينبغي أن تستحيل هذه المعرفة إلى قوة دافعة لتحقيق مدلولها في عالم الواقع.. ينبغي استجاشة حمية المؤمن للاستفادة القصوى من منح هذا الشهر الكريم، فرغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له، كما قال النبي العدنان - عليه أفضل الصلاة والسلام -.
يقول ابن القيم: " لما كان المقصودُ مِن الصيام حبسَ النفسِ عن الشهواتِ، وفِطامَهاعن المألوفات، وتعديلَ قوتها الشهوانية، لتستعِدَّ لطلب ما فيه غايةُ سعادتها ونعيمها، وقبولِ ما تزكو به مما فيه حياتُها الأبدية، ويكسِر الجوعُ والظمأ مِنحِدَّتِها وسَوْرتِها، ويُذكِّرها بحال الأكبادِ الجائعةِ من المساكين، وتضيق مجاري الشيطانِ من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وتحبس قُوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرُّها في معاشها ومعادها، ويُسكِّنُ كُلَّ عضوٍ منها وكُلَّقوةٍ عن جماحه، وتُلجَمُ بلجامه، فهو لجامُ المتقين، وجُنَّةُ المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين مِن بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعلُ شيئاً، وإنما يتركُ شهوتَه وطعامَه وشرابَه من أجل معبوده، فهو تركُ محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثاراً لمحبة اللَّه ومرضاته، وهو سِرٌّ بين العبد وربه لا يَطَّلِعُ عليهِ سواه، والعبادُ قد يَطَّلِعُونَ منه على تركِ المفطرات الظاهرة، وأما كونُه تركَ طعامَه وشرابَه وشهوتَه من أجل معبوده، فهو أمرٌ لا يَطَّلِعُ عليهبَشرٌ، وذلك حقيقةُ الصوم " (6)
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
رمضانعرس, فريد, إيماني


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع رمضان..عرس إيماني فريد
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اكتشاف مصدر مائي علاجي فريد بمنطقة القسطل Eng.Jordan الأردن اليوم 0 10-29-2016 10:14 AM
فريد الدين العطار ودوره في ترويج عقائد الصوفية الباطلة عبدالناصر محمود الملتقى العام 0 08-18-2016 07:42 AM
ابتكار فلسطيني فريد للتحكم بالحاسوب عن بعد ام زهرة الحاسوب والاتصالات 0 01-26-2014 07:19 PM
عزي إيماني ذكريات أخبار ومختارات أدبية 4 12-08-2012 03:57 PM
الحكمة من تناول التمر بعدد فردي.. سبحان الله يقيني بالله يقيني الملتقى العام 2 04-20-2012 11:42 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:07 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59