#1  
قديم 04-25-2022, 11:24 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,372
افتراضي استراتيجيات الفاعل التنموي بين متطلبات المحلّي و إكراهات المعولم

استراتيجيات الفاعل التنموي بين متطلبات المحلّي و إكراهات المعولم
Les stratégies de l’acteur du développement entre exigences du local et contraintes de la mondialisation
Development actor’s strategies between local demands and globalization constraints
Las estrategias del actor del desarrollo entre exigencias del local y apremios de la mundialización



زهير بن جنات
p. 39-53
https://doi.org/10.4000/insaniyat.5292

تلعب التغيرات المتواترة على المستويين المحلي والعالمي الدور الأكبر في تفاقم تشعّب مسألة التنمية. وتبدو مسألة العولمة واستتباعاتها المرئية (الظاهرة) وغير المرئية (الخفية) شديدة التأثير في هذا المستوى ومن ثمة شديدة الجاذبية في مجمل الاختصاصات المهتمة بمسألة التنمية. ولكن في المقابل تبدو كذلك مسألة المحلي أكثر رهانا وتحدّيا من أي وقت مضى وخاصة في حقل علم الاجتماع.

2إن ما تطرحه مسألة العولمة يتجاوز إلى حد غير معروف ما هو معلن عبر مختلف وسائل الإعلام من تحطيم للقيود الجمركية وتوسعة لمجالات التبادل الاقتصادي والثقافي في إطار عالم قرية تتحدّد حدوده من حيث هي غير موجودة أصلا. فإذا كانت العلاقات الدولية تشهد في كل حين تغيرات جذرية تستتبع دون شك معطيات جديدة في هرم الدول أو المجموعات الدولية فإن مجالات التفاعل البيفردية نفسها والاجتماعية بشكل أعمّ لم تقو على الاستمرار إلا عبر تغيرها المستمر تبعا لذلك.

3أصبح المحلي وفق هذا غير ما نعرف من قبل بل من الجائز لنا التساؤل: هل يحق لنا فعلا أن نتحدث عن المحلي والحال أن الغاية الأولى التي تسير لها قوى العالم على اختلافها هي جمع كل المحليات تحت غطاء واحد هو غطاء العولمة.

4لقد أصبحت تنمية هذا المحلي مجال فعل فاعل آخر غير معروف، بل من الجائز التساؤل: هل أصبح رهان التنمية رهان الفاعل –كل فاعل- محلي؟ أم أنه صار رهانا عالميا قد لا يكون للفاعل التقليدي / المحلي أي دور ولا مسؤولية فيه.

5قد لا يصل بنا التشاؤم هذا الحد، ولكن من الجائز دون شكّ البحث في الرهانات الحقيقية التي صار يواجهها المحلي أو الفاعل في إطاره المحلي ومساءلة جدواه وقدرته الحقيقية على الفعل والحركة داخل فضائه المحلي المخصوص وخاصة قدرته على تحقيق التنمية.

6ومن الجائز لنا كذلك دون شك البحث عن السمات الجديدة لهذا الفاعل وتتبع مسارات نشأته داخل أطره الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المحلية وأثر ذلك الوافد/ المعولم عليه.

I. الفاعل التنموي: أيّ فاعل
7يجدر بنا قبل هذا كله تخصيص مجال القول عبر تحديد هذا الفاعل. أما مجال فعله فهو مجال التنمية كرهان وكهدف وكشعار ما فتئت أهميته تتزايد في كل حين.

8إن العودة إلى تاريخ التنمية تسهل مهمتنا في تعقب آثار الفاعل التنموي على اعتبار أنه في الغالب فاعل أوحد هو الدولة. ولكنها في المقابل تربك جهودنا في محاولة الإلمام باستراتيجيات هذا الفاعل التنموي التي جاءت متعاقبة متغيرة متسارعة حتى أنه يصعب إيجاد الحدود الفاصلة بينها. ولكن مع ذلك فإننا نكون أقرب إلى الموضوعية حينما نميّز بين مرحلتين هامتين لتغير سمات هذا الفاعل من ثمّ استراتيجياته في التنمية.

1. مرحلة الدولة الوطنية: الدولة فاعل أساسي في التنمية
9تتيح لنا العودة إلى الظروف التي تجذّرت فيها إشكالية التنمية وتنامت الانتباه إلى الدور الأساسي الذي أوكل لمؤسسة الدولة في هذه العملية.

1 ورد بـ: الهرماسي، عبد اللطيف، الدولة والتنمية في المغرب العربي تونس أنموذجا، تونس، سراس للنشر، 1993 (...)
10لقد أعلنت الدولة مبكرا استعدادها لتحمل أعباء التنمية ومواجهة تحدّياتها في إطار مقولات وشعارات تظهر الدولة على أنها دولة الاستقلال والسيادة من ناحية وهي أيضا دولة الرعاية الاجتماعية وتحقيق المطالب المتنوعة للفئات الاجتماعية العريضة من ناحية أخرى. هكذا فرضت الدولة نفسها على حد تعبير "ميشال كامو" كقوة وصائية من ثلاث زوايا: فهي قد نهضت بحملة تعبوية واسعة بهدف تحييد الانقسامات المجتمعية التي يمكن أن تعيق الإدماج السياسي، وبرزت كذلك كمركب لمؤسسات تبشيرية بالعصرنة تسعى عبر المدرسة والجهاز الصحي إلى نشر أنماط جديدة من السلوك وأخيرا فإنها برزت كمركز لتراكم رأس المال1.

11لا يختلف تقريبا ماضي أي دولة من دول العالم الثالث عن تاريخ أيّة دولة أخرى في هذا الإطار. ورغم تجاذب الدول بين الخيارين الاشتراكي والرأسمالي تبعا للصراع العالمي بين المعسكرين المشهورين فإن طرق تناول مسألة التنمية لا تختلف كثيرا بين هذه الدول أو تلك حيث لا تختلف نظرة الدولة للتنمية عن نظرة المجتمع لها، وتتلخص كلتا النظرتين فيما يلي:

أولا: التنمية في نظر الدولة
12لقد سعت الدولة عقب الاستقلال إلى احتكار الفعل التنموي باعتباره مجال فعلها الاستراتيجي الذي بإمكانها أن تكسب به ولاء الفئات الاجتماعية المتنوعة. ساعد تنامي إشكالية التنمية على الصعيد العالمي الدولة الوطنية على مزيد تثبيت ذاتها على هرم الفعل السياسي عبر إقامة المشاريع التنموية وتوفير الحاجات الأساسية حتى وإن كان ذلك في إطار الرعاية الأجنبية أو المديونية العالمية. وهكذا وظفت التنمية لخدمة الدولة ليس العكس.

13كما اقتضت هذه الغاية التضحية ببعض المناطق أو المجموعات بما أن الدولة كانت مجبرة على إيلاء الأهمية القصوى إلى المناطق الأكثر سكانا وكذلك الأثقل قوة حتى تحافظ على ولائها أو بالأحرى على صمتها.

2 بوطالب، محمد نجيب، القبيلة التونسية بين التغير والاستمرار. تونس، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية (...)
14في المقابل ولجت الدولة إلى كل الفئات الاجتماعية وحتى البعيدة منها عبر تلك المؤسسات والبرامج ذاتها التي تقوم عليها التنمية ومنها المدرسة والتلفزة والإذاعة وبرامج التنمية الريفية والجهوية و المحلّية... وهاجمت كل الولاءات والهياكل الاجتماعية التقليدية لا سيما مؤسسة القبيلة وأهم هياكلها متمثلة الملكية الجماعية للأرض2.

ثانيا: التنمية في نظر المجتمع
15لم تكن نظرة المجتمع للتنمية تختلف عن تلك الصورة التي رسمتها لها الدولة الوطنية والتي جعلتها مجال فعل فاعل أوحد هو الدولة. فالفئات الاجتماعية نظرت إلى التنمية على أنها عمل من أعمال الدولة. وليس غريبا أن نذكر هنا أن الدولة الوطنية في العالم الثالث كثيرا ما كانت مترددة في منح الفئات الاجتماعية بعض المسؤولية في التنمية ولذلك فإن خياراتها واستراتيجياتها سرعان ما كانت تتغير باستمرار.

16و بالتوازي مع ذلك، لم تعارض الفئات الاجتماعية الواسعة احتكار الدولة للفعل التنموي إلا في مناسبات قليلة بل إن المجتمع كان لا يمانع اضطلاع الدولة بشؤونه طالما أنها توفر له ما يحتاج، كما أقبلت الفئات الاجتماعية على تنوّعها على مؤسسات الدولة تنتفع بخدماتها وتستجيب لشروطها وخاصة مؤسسة المدرسة التي مثلت أهم مؤسسة اجتماعية تحت الإشراف المباشر للدولة وكذلك أقوى المؤسسات وأكثرها فاعلية في عملية التوزيع الاجتماعي للأفراد والمجموعات.

17كذا الشأن بالنسبة لمؤسسات الإنتاج بل إن الفئات الاجتماعية كانت شديدة الإقبال على المؤسسات الاقتصادية الدولوية كذلك وكان القطاع العمومي وجهة القسم الأعظم من طالبي الشغل في حين اقتصر القطاع الخاص على الفئات التي لم تجد فرصتها في القطاع الدولوي أو التي لم تستطع مواصلة دراستها أو الأقل كفاءة...

18تلتقي نظرتا الدولة والمجتمع إلى التنمية في النقاط الآتية:

3 بن جنات، زهير، "التنمية والحراك الاجتماعي من خلال تجربة القروض الصغرى بتونس، جبنيانة نموذجا"، أطروح (...)
ارتبطت التنمية أساسا بمجال فعل الدولة واتخذت بذلك بعدا سياسيا فوقيا غيّب أثر الفاعلين الاجتماعيين عنه وهو حسب العديد من الباحثين الخطأ الجوهري الذي عصف بتجارب التنمية المتلاحقة على مدى عقود3.

4 انظر: لبيب، الطاهر، "التنمية الاجتماعية واتجاهاتها بالبلدان العربية"، مجلة المستقبل العربي، عدد22، (...)
خلال هذه الفترة يصعب التمييز بين مفاهيم التحديث، العقلنة والتنمية، ولذلك بقيت هذه الأخيرة مجرد شعارات وفي أفضل الحالات فإنها اقترنت بجملة من الإحصائيات تقدمها الحكومات عند نهاية كل سنة أو مخطط4.

إن احتكار الدولة الفعل التنموي جعلها تجمع بين وظائف متعددة وأحيانا متناقضة فهي المشرّع والمستثمر والمموّل للمشاريع التنموية والمسؤول عن السوق وهي أيضا المسؤول عن توفير حاجيات الفئات الاجتماعية على تنوعها بما يعكس البعد التوتاليتاري الذي ميّز الدولة الوطنية في أغلب بلدان العالم الثالث.

لم يرفض المجتمع اضطلاع الدولة بمهمة التنمية بل ظلّ ينظر لها باستمرار على أنها المسؤولة عن حفظ السيادة الوطنية واقتسام ثمرة الاستقلال والنهوض بالمجتمع، ولذلك نلاحظ أن الحركات الاجتماعية لتلك الفترة قد اقتصرت في مجملها على مطالب عمالية أو قطاعيّة أو معاشيّة، ولم تكن تهدّد الدولة في وجودها بقدر ما تطالبها بإجراءات اقتصادية وفعالية اجتماعية أكبر.

2. إعادة النظر في دور الدولة في التنمية
أولا: نهاية الدولة الاجتماعية
19كان تفطن الدولة لعجزها عن الاضطلاع بمفردها بمسؤولية التنمية وتملصها من الوفاء بجملة وعودها المتراكمة منذ الاستقلال والتصريح بذلك في عشرية الثمانينات من القرن العشرين وفي أماكن كثيرة من العالم بمثابة إعلان نهاية الدولة الوطنية.

5 الببلاوي، حازم، النظام الاقتصادي الدولي المعاصر: من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب ال (...)
6 Delcourt, Jacque, Globalisation de l'économie et progrès social: L'Etat à l'heure de la mondialisat (...)
20فهذه الأخيرة وقد أعلنت نفسها مبكرا وصيا شرعيا على المجتمع، ودعّمتها في ذلك المنظمات العالمية ولا سيما البنك الدولي5 لم يعد لها مبرر وجود ما دامت قد تنحت عن جملة الأدوار التي أوكلتها لنفسها وأوكلها لها المجتمع. وليست أحداث الثمانينات إلا تعبيرا صارخا على نهاية الدولة الاجتماعيــة6 بعدما فوجئ المجتمع بتملّص الدولة عن واجباتها فأعلن عصيانه لها.

7 Lecerf, Jean, « Espoirs au tiers monde », in Panorama Mondial, Edition Académique de Paris, 1992, p (...)
8 Blardone, G., « Stratégie de développement et ajustement structurel: une alternative à la politique (...)
21إن السياسة التنموية المنتهجة منذ الثمانينات وفي مختلف أقطار العالم الثالث تعتمد على مراجعة السياسات الاقتصادية وتشجيع الليبرالية ودعم الخوصصة ضمن ما يسمى بسياسة الإصلاح الهيكلي7 ? ولم يكن لهذه الدول من حل غير الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي قصد الحصول على العون المالي اللازم لتجاوز أزمة المديونية التي كانت تتخبط فيها8.

9 Programme des Nations Unies pour le Développement : Rapport mondial sur le développement humain, Pa (...)
22قامت سياسة التعديل الهيكلي وفق توصيات الهياكل والمؤسسات الأممية على عدّة نقاط تضيّق مجال فعل الدولة وتطرح فاعلا تنمويا جديدا ومنها ما يلي9 :

تحرير المؤسسة الخاصة وفتح الأسواق أمام الجميع

إعادة النظر في السياسات المالية وتقديم التشجيعات الجبائية للمستثمرين الخواص

دفع التطور التكنولوجي عبر الحوافز والتشجيعات

دعم الخوصصة كعنصر أساسي لتوسيع أفق المؤسسات الاقتصادية

10 قبرصي، عاطف، "إعادة النظر في دور الدولة في التنمية الاجتماعية- الاقتصادية"، مجلة المستقبل العربي، ا (...)
23وكذا بدت الدولة ما بعد الوطنية مهدّدة لا في وظائفها فحسب بل وحتى في وجودها فالانفتاح الاقتصادي والسياسي الذي توصي به الهيآت الأممية قد يؤدي إلى تآكل البرامج الاجتماعية للدولة وتراجع الحكومات عن تمويلها مقابل تولّي قوى السوق قيادة التنمية ورعايتها10. وهكذا صار بالإمكان الحديث عن خوصصة التنمية أو بالأحرى عن فردنتها.

ثانيا: فردنة التنمية
24مهدت نهاية الدولة الاجتماعية لظهور فاعل تنموي جديد يقطع مع التجارب السابقة وإن كان ينظر لها بكثير من الحنين. فالتوصيات والشروط التي أملتها الهياكل والمؤسسات العالمية والتي تعطي الأولوية لسلطة السوق تهدف إلى تحرير كل القوى الاقتصادية والاجتماعية وخاصة الأفراد حتى تضطلع بمسؤولياتها في التنمية.

11 Programme des Nations Unies pour le Développement, op. cit., p.43.
12 Ibid., p. 42.
13 قبرصي، عاطف، مرجع سابق، ص.59.
25أما المبادىء التي ستقود التنمية فتتلخص أساسا في مبدأي المنافسة والليبرالية عبر ما ستتيحه الاستراتيجيا التنموية الجديدة من فرص للاقتراض والاستثمار11 فالإمكانية الوحيدة التي يمكن بواسطتها تسجيل حضورنا في السوق اليوم هي أن نتمكن من ممارسة نشاط اقتصادي لا فقط كأجراء بل و كباعثين مستقلين وهو ما سيمكننا من إحراز نصيبنا لا في الحياة الاقتصادية فحسب بل و في الحياة الاجتماعية والسياسية12 ويضمن على حد السواء تحقيق النتيجة الأفضل على المستوى الجماعي في إطار شبيه بوجهة النظر الاقتصادية القائلة بالنمو التلقائي والتي تذهب إلى "أن أفضل طريقة للتخطيط هي ترك التكيف للناس الذين يخاطرون بمالهم إذ ليس لأحد حافز أقوى من أولئك الذين يأملون تحقيق الربح وتجنب الخسارة ووفقا لهذا المنطق إذا فعل كل شخص ما هو الأفضل له فستكون النتيجة هي الأفضل للأمة ككل"13.

14 دلالة، ******، وجوه الإشكال في جغرافية التنمية، تونس، مكتب النشر الجامعي، 2002، ص.55.
26هكذا أصبحت التنمية رهان فاعلين فرديين مدعوّين إلى المخاطرة والاستثمار وإلى توفير احتياجاتهم بعد أن أصبحت الخدمات التي تقدمها الدولة للسكان مرتبطة بمساهمتهم في تقديمها14 وهو ما سيطرح رهانات أخرى على الفاعل في إطاره المحلي دون شك.

II. رهانات التنمية في مجتمع محلي
1. محدّدات المحلي
15 رشوان، حسين أحمد، المجتمع: دراسة في علم الاجتماع، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، الطبعة الثالثة (...)
27يحيل مفهوم المجتمع المحلي أوّلا إلى التحديد الجغرافي، فالقرية والقبيلة والحيّ والمدينة والريف كلها مصطلحات لفضاءات جغرافية تحيل إلى خصوصيات محلية. ووفق ذلك عرّف المجتمع المحلي على أنه "جمع من الناس يعيشون في حيز ما يجعلهم في اتصال مستمر ولهم خبرات متصلة وعدد من المؤسسات والنظم تعمل متعاونة على تنشيط الحياة بالمجتمع وتماسكه ووحدتـــه"15. وهكذا يبدو أن أول محددات المحلي هو الإقليم المحدد بحدود مكانية وزمانية واضحة وصريحة تشكل الإطار الذي سيتحرك فيه الأفراد أو لنقل إنه يخضع أولا إلى محدداته الداخلية باعتباره مجال تحرك أفراد معروفين.

16 المرجع السابق، ص 111
28ويتخذ المحلي بعدا سوسيو ثقافيا يرتبط عبره ببنى اجتماعية ذهنية معيشية مخصوصة ومميزة، وهنا يرد تعريف آخر للمجتمع المحلي مفاده أنه تجمع من الناس يتميزون بطابعهم الخاص في حياتهم العامة أو أشكال التفاعل التي تميزهم عن غيرهم من التجمعات الإنسانية الأخرى16 .

17 Mendras, Henry et Forsé, Michel, Le changement social : Tendances et paradigmes, Paris, Armond Coli (...)
18 نسبة إلى عالم الاجتماع الفرنسي آلان توران
19 Touraine, Alain, Pour la Sociologie, Paris, Ed. Seuil, 1974, p.64.
29ووفق ذلك يلوح المحلي محصلة تفاعل تراكمي مخصوص بين أبعاده الإيكولوجية والثقافية والاجتماعية وهو لذلك لا ينقطع عن التغير المتواصل تبعا للتغير الذي قد يطرأ على أحد هذه الأبعاد أو جميعها17 ومن ثمة كانت مستويات التغيّر متفاوتة ومجالاته متباينة لكن جميعها لا ينفي أثر الفاعل المحلي كفاعل أساسي وكطرف بارز في اللعبة الاجتماعية وفي إنتاج وضعيات وجوده الاجتماعي وتغييرها على حدّ تعبير بورديو والتي تتخذ مميزات خاصة هي خصوصيات المحلي أو لنقل إنه سيصنع "نسـق فعله التاريخي" - وفق لغة تورانيّة18 - عبر قواعد يحكمها واستراتيجيات مخصوصة ضمن ما يسمّيه توران مسؤولية الفاعل عن فعله" باعتبار أن "كل مجتمع يملك قدرة رمزية وإمكانية معرفية تسمح له بتنظيم علاقاته عبر هويته وتغيير النظام عبر عمله"19.

20 Remy, Jean, Sociologie urbaine et rurale. L'espace et l'agir. Entretien et ****es présentés par Eti (...)
30لا تختلف وجهة نظر جون ريمي (Jean Remy) للمجتمع المحلي عن وجهة نظر توران للمجتمع إذ يميز Remy بين المجتمع المحلي (société locale) والمجتمع الجزئي (société partielle) على اعتبار أن الثاني لا يستطيع أن يستمر إلا عبر العلاقة التي تجمعه بالمجتمع الحاضن (société englobante) في حين يعيش المجتمع المحلي عبر تكامله مع هذا الأخير وحتى عبر تضاده معه20. وهكذا تلوح خاصية أخرى للمجتمع المحلي هي الاستقلالية عن الآخر وهو ما يحيلنا إلى مساءلة هذا المحلي مجدّدا عبر النظر إلى سمات الفاعلين الذين يتحركون داخل أطره ومؤسساته ونظمه المحلية وقد يتخذون سمات وخصائص غير محلية.

2. المحلي مجال فعل فاعل معولم
31تعمل ظاهرة العولمة على جعل كل المحليات متماثلة في محدّداتها كما في سماتها وذلك عبر خلق فاعل واحد جديد يتخذ سمات عالمية تهدّد كل الفاعلين التقليديين. فالمحلي لم يعد مجال فعل فاعلوه المعروفون بقدر ما صار مجال صراع بينهم وبين هذا الفاعل المعولم الذي يتخذ أشكالا وصورا متعددة يهدد بها كل الأبعاد المخصوصة داخل المجتمع المحلّي، ولذلك يلوح أثره واضحا في كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية وإن كان الفصل بين هذه المستويات يزداد صعوبة في كل حين.

أولا: على المستوى السياسي
21 الصديقي، سعد، هل تستطيع الدولة الوطنية أن تقاوم تحديات العولمة ?، المستقبل العربي، عدد 293، جويلية (...)
32لا يمكن كشف سمات هذا الفاعل المعولم وأثره في هذا المستوى إلا بعد التطرّق إلى مفهوم العولمة السياسية وما يعنيه من تحطيم للقواعد المادية والسياسية لمفهوم الدولة. لقد تعرّض المفهوم التقليدي لإقليم الدولة - مثله في ذلك مثل مفهوم السيادة- لضربات قويّة من التدفقات عبر الوطنية الاقتصادية والثقافية والمالية والإعلامية وغيرها التي أصبحت تنفلت يوما بعد يوم من رقابة الأجهزة الحكومية، وأصبحت حدود الدولة الإقليمية مهددة بالتآكل وإحلال بدائل أخرى عنها21. لقد أصبحت الدول أقلّ قدرة على إنجاز وظائفها التقليدية، فالعوامل الكونية تؤثر بصورة متزايدة في كل القرارات المتخذة من قبل الحكومات بل هي تتتالى وتتغيّر تبعا لاحتياجات عالمية وأصبحت في معظم الأحيان لا تعدو أن تكون غير جهاز بيروقراطي يسعى إلى تطبيق برامج المؤسسات العالمية وسياساتها المشرفة على عولمة الاقتصاد.

22 سلامة، غسان، نقد الفكرة العربية من موقع التمسك بها، مجلة المستقبل العربي، عدد 275، جانفي 2002.
33وأمام الضعف المتنامي لدور الدولة في العملية الاقتصادية انفلتت العملية السياسية بدورها من مجال فعل الحكومات، إذ لا تقوم السيادة السياسية إلا على أساس ارتباطها ببنية اقتصادية متينة. وهكذا أصبحت السيادة مرتبطة بقوة و متانة البنية الاقتصادية بقدر ماهي مرتبطة و ربما أكثر بمدى السيطرة على الأرض لأنه إذا كانت البنية الاقتصادية هشة –زمن العولمة- فان السيادة الوطنية تذبح على باب صندوق النقد الدولي و المنظمات الاقتصادية الدولية الأخرى22.

ثانيا: على المستوى الاقتصادي
23 Organisation de Coopération et de Développement Economique. Créer des emplois pour le développement (...)
34لا تكاد تختلف أغلب الدراسات المهتمة بتاريخية ظاهرة العولمة في اعتبار العامل الاقتصادي أحد أبرز العوامل المساهمة في نشأتها ومن ثمّة الدور الأساسي الذي لعبته المؤسسات المالية العالمية ولا تزال في تدعيم العولمة الاقتصادية عبر23:

دعم دور الاستثمار الخارجي في الاقتصاديات الوطنية

عولمة العلاقات بين المؤسسات الاقتصادية

تنمية نسق التبادل الاقتصادي وإخضاعه لمعايير وقواعد إنتاج متماثلة - العرض المباشر للمنتوج في الأسواق العالمية

35هكذا، لم يعد للسوق حدود ومن ثمة لم يعد للفاعل المحلي أيّة إمكانية للسيطرة على مجاله المحلي إلا متى امتلك الكفاءة التي تسمح له بمنافسة هذا الفاعل المعولم. وأمام قوة هذا الأخير وخبرته في الفعل فإن الفاعل المحلي يكون شديد الخجل حينما يقارن قوّته وإمكانياته بقوة وإمكانيات الأول الذي ينافسه في مجال الفعل، بل هو يتخذ من المجال المحلي مجالا استراتيجيا لفعله ولمنتجاته في إطار يرنو عبره إلى تهديد كل خصوصيات هذا المحلي وإلحاقه بركب المعولم.

24 ****** دلالة، مرجع سابق، ص. 63.
36لم يعد إذن لتلك المحددات التقليدية التي يتحدد عبرها المستوى الاقتصادي للمجتمع المحلي –كمجتمع متميز ومخصوص- أي أثر أمام المحددات الجديدة التي يتغير وفقها المحلي ويتخذ سمات جديدة في هذا المستوى. فأشكال الاستثمار الجديدة تتيح للشركات والأفراد السيطرة على رأسمال الشركات الوطنية –المحلية والإشراف عليها دون أن يقتضي ذلك تدخّلا مباشرا عبر رؤوس الأموال بل عن طريق المعارف وميادين التصرف وخدمات الليزينغ (الإيجار المالي) والمساعدة الفنية24. وعلى هذا النحو تلتقي أكثر المجتمعات محلية وتميّزا بالاستراتيجيا الاقتصادية العالمية وفق ما تحدّده الهياكل والمؤسسات المالية العالمية و قواعد التبادل.

25 انظر: الصوراني، غازي، العولمة وطبيعة الأزمات في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد 293، جويل (...)
37لم يعد للمجتمع المحلي أيّة إمكانية للتردّد في الانخراط في هذه المنظومة الجديدة غير المحدودة تبعا لحاجته الأكيدة للتبادل الاقتصادي مع العالم الخارجي. فالمشاريع التنموية المحلية- وفي كل القطاعات تقريبا- تموّل اليوم عن طريق نفس هذه الهياكل المعولمة التي تفترض حاجة هذه المجتمعات إلى التغير أو بالأحرى إلى التعولم وانتحال سمات جديدة تعبّر عن انخراطها في النسق العام للفعل السياسي والاقتصادي والثقافي. وعلى هذا النحو فقدت كثير من هذه المجتمعات القدرة على تصميم وصياغة سياساتها التنموية بعد أن انتقلت عملية صنع الكثير من القرارات من مستواها المحلي أو الوطني إلى منظمة التجارة العالمية أو صندوق النقد الدولي25.

38لقد زاد انفتاح الأسواق وتدعّم نسق التبادل الاقتصادي بشكل كبير هذه الأسواق غموضا وقدرة على التغيير في كل حين، ومن ثمة لم يعد لمبدأ التخطيط الوطني أيّة أهمية بل إن انتقال الرساميل العالمية بعشرات بل وبمئات المليارات في ساعات قليلة قد يهدد اقتصاديات دول بأسرها، وعلى المدى الطويل لا تقوى الثقافة المحلية على رفض التغير المفروض تبعا لجملة التغيرات السياسية والاقتصادية الحاصلة في المجال الوطني أو المحلي.

ثالثا: على المستوى الثقافي
39لقد طرحت التغيرات السياسية والاقتصادية الحاصلة على المستوى العالمي رهانات جديدة على الثقافة المحلية، فهذه الأخيرة صارت مطالبة بمواكبة نسق متسارع جدّا من الأحداث السياسية والاقتصادية في العالم و أصبح من الصعب جدا على أية ثقافة محلية أن نضمن استمرارها دون قبول هذا التغير وفقا لواقع جديد قد لا يكون لها أي دور في إنتاجه.

40فمثلما تتهدد الدول في وجودها السياسي عبر الاتفاقيات والتوصيات الاقتصادية العالمية فإن مجتمعات بأسرها صارت تتهدد في كيانها عبر نفس هذه الاتفاقيات وما يستتبعها من تغير ثقافي جديد. ومثلما نجد تزايدا في نسق التبادل الاقتصادي العالمي فإننا نجد ارتفاعا لا مثيل له من قبل في نسق تبادل المنتجات والممارسات الثقافية، بل إن نفس القنوات التي تستخدم لتمرير الاستراتيجيات الاقتصادية ونشر مبادىء العولمة الاقتصادية تستخدم أيضا لنشر ثقافة العولمة وما يصحبها من تحطيم للحدود الجغرافية والحواجز اللغوية والسيكولوجية والتاريخية بين المجتمعات.

26 الزيدي، المنجي، "الثقافة والمال: دراسة في مستقبل التنمية الثقافية في الوطن العربي"، مجلة المستقبل ا (...)
41ومثلما تفتح اليوم الأبواب أمام الشركات العالمية للاستثمار في الصناعة والفلاحة والتكنولوجيا فإنها أيضا تفتح أمام الأفلام والأغاني والشعر والأدب والحكم والأمثال والتقاليد والمعتقدات والطقوس الدينية،... التي تدعمها الاتفاقيات المبرمة في إطار قطاعات الإعلام والترفيه والمعرفة والتعليم، وهي اتفاقيات تعمل جميعها على تسهيل التبادل الثقافي وتفعيل آلياته ونشر مبادئه ولكنها في الآن نفسه تحمل "سيطرة القوى الثقافية العالمية التي تمتلك بدورها القدرة الاقتصادية والإعلامية والصناعية والاتصالية وتسعى إلى فرض قيمها ونماذجها ومنتجاتها وتحويل بلدان الأطراف إلى سوق استهلاكية"26.

27 انظر: كاظم والي، عبد الجليل، "جدلية العولمة بين الاختيار والرفض"، مجلة المستقبل العربي، عدد 75، جان (...)
42لم تعد الثقافة من إنتاج فاعلين محلّيين بارزي الخصائص والمميزات، فالعالم بأسره صار فضاء لا محدودا لحراك الثقافات وتفاعلها لينتهي في الأخير إلى انتحال سمات جديدة تتجاوز بكثير دور المؤسسات التقليدية في إنتاج الثقافة وتميل إلى انتحال ثقافة واحدة هي ثقافة العولمة التي تنتجها الأقمار الصناعية و"الإمبراطوريات الإعلامية" وشبكات الاتصال العالمية عبر ما تتيحه من تجاوز لكل أنواع الحدود والحواجز27. وهكذا انتفى دور العائلة والمدرسة والمؤسسة الدينية، وسائر المؤسسات الثقافية في إنتاج ثقافة المحلي وفي تنشئة الفاعل الذي سيتخذ هذا المحلي مجالا لفعله وحراكه.

3. استراتيجيات الفاعل المحلي
43إذا كان المطمح الذي يقود الفاعل المعولم هو فرض صبغة نمطية على كل أرجاء المعمورة في السياسة والاقتصاد والثقافة بما يهدد المحلي لا في خصائصه فحسب بل في مقومات وجوده أيضا، فإن هذا الأخير لا يزال قادرا على المقاومة وفق استراتيجيات مختلفة. فالمحلي ليس فقط بناء يخترق اليوم عبر قنوات الاتصال والتبادل الاقتصادي والثقافي وإنما هو أيضا ديناميكية تجسد أوّلا قدرة الفاعل على الفعل والحركة وتؤكد البعد التراكمي للمحلي كمحصلة تفاعل مستويات وأبعاد متعددة.ولذلك فإنه سرعان ما يعيد ترتيب استراتيجياته في الفعل دفاعا وهجوما تبعا للمتغيرات المحلية وغير المحلية.

44تجد استراتيجيات المعولم نفسها أمام واقع جديد قد لا يكون منتظرا في الغالب على اعتبار أن هذا الفاعل يعول أساسا على تغيير المحلي وإلحاقه بركبه الشامل / المعولم. إذ تجد كل محاولات الصهر السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي التي تندرج في إطار عولمة المحليات استراتيجيات محلية موازية تعول على رساميلها المحلية التاريخية والثقافية.

28 ومثال ذلك نشاط جماعة "الباسك" بإسبانيا ? "الستر" ببريطانيا وحركة "كورسيكا" بفرنسا. لمزيد التوسع انظ (...)
29 دلالة، ******: مرجع سابق، ص.108.
45يظهر هذا المحلي عبر تلك الحركات الاجتماعية الجديدة التي تعوّل على مبادئ العدالة والمواطنة والتنمية كقيم عالمية ولكنها توظفها لإحياء مبادئ قومية أو عرقية أو قبلية جد خصوصية ولبناء استراتيجيات مضادة لنفس تلك المنطلقات العالمية. ففي نفس الوقت الذي تعلن فيه الدول دخولها في العولمة وتمضي فيه الحكومات اتفاقيات الشراكة والتبادل الحر، تقوم في أغلب بقاع العالم حركات انفصالية جديدة تعول على انتماءات عرقية أو خصوصيات ثقافية جدّ مميزة28. وفي نفس الوقت الذي تعقد فيه اتفاقيات نقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات والموارد المالية العالمية، يتدعّم القطاع غير المنظم والتجارة الموازية والهجرة غير القانونية وتنشط السوق السوداء في الاقتصادات الوطنية كاستراتيجيات محلية قد تجسد ما يمكن أن يحصل من ردود فعل شعبية أمام عجز الحكومات عن الاضطلاع بمهمة التنمية وتمويل البرامج الاجتماعية29.

46تتخذ صورة المحلي وفق هذا سمات مخصوصة تبعا لاستراتيجيات فاعليه المحليين وأنماط تفاعلهم مع بعضهم البعض ومع هذا الوافد كذلك. فالفاعل المعولم، وبرغم قوة نفوذه وإمكانياته لم يقو على فرض الصبغة النمطية التي أرادها على المحلي. فهذا الأخير هو أولا وبالذات نتاج فعل فاعليه الاجتماعيين باعتباره مجالا للتفاوض الاجتماعي بغض النظر عن استراتيجيات الدولة أو الحكومات التي لم تمانع في قبول هذا الوافد وفسح المجال أمامه للفعل في المجال المحلي، وأحيانا فإنها تنازلت عن بعض أدوارها لفائدته وخاصة في مجال التنمية.

47إن الأوضاع الجديدة التي صار يعيشها المجتمع المحلي تطرح رهانات جديدة على الفاعل التنموي وتتطلب استراتيجيا أكثر صرامة وفاعلية تعول على فهمها لحقيقة العلاقة بين الفاعلين الاجتماعيين المحليين والفاعل المعولم، ومن ثمة تؤسس لنشأة فاعل اجتماعي جديد قادر على فهم المستجدّات المحلية والعالمية وتغيير استراتيجياته تبعا لمتطلباته الموضوعية التي لا تحددها فقط ظروفه المحلية بل تنبني كذلك على مراعاة قدرة هذا الوافد وإمكانياته في الفعل في المجال المحلي.

48وتبعا لذلك، تقتضي الاستراتيجيا التنموية الجديدة مراعاة النقاط الآتية:

30 أقر المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان في فيينا سنة 1993 أن "الحق في التنمية هو حق عالمي وجزء لا (...)
31 العربي، البشير: مقاربات سوسيولوجية في التنمية والثقافة والمجتمع، تونس، دار سحر للنشر، 1998، ص. 56.
49أوّلا: إن تحول المجتمع المحلي إلى مجال استراتيجي للتنافس بل وحتى للصراع بين فاعلين متعدّدين- معروفين وغير معروفين- يجعله في حاجة ماسة وأكيدة إلى كل فاعليه بدءا بالدولة مرورا بالجماعات ووصولا إلى الأفراد. فالحاجة للدولة يؤكدها الطابع الإنساني للتنمية باعتبارها حقّا من حقوق الإنسان الأساسية30 قد يتهدّد في غياب سلطة مشرفة على العملية التنموية وعلى توزيع عائداتها. أما الحاجة للأفراد والمجموعات فيبرّرها مبدأ أن "التنمية بذرة تزرع وتترعرع في الداخل وتتفاعل مع الخارج حتى تنمو وتثمر"31. ومن ثمة كانت الحاجة ماسّة إلى كل القوى الداخلية لتقبل بخيارات التنمية وتسهم في إنجاحها.

50ثانيا: إن الفاعلين الاجتماعيين قادرين باستمرار على الفعل في التنمية وفق أهدافهم واستراتيجياتهم الفردية والجماعية فهم قادرون على تغيير استراتيجياتها وتحويل وجهتها إلى حيث يطمحون، وذلك عبر إخضاعها لمبادئ التبادل والتفاوض الاجتماعيين ومحددّاتها الذاتية والموضوعية، وهو ما يؤكد ضرورة مراعاة مطامح الأفراد وتطلعاتهم –وفق ظروفهم المحلية التراكمية- في استراتيجيات التنمية.

51ثالثا: إن الأهمية التي يكتسبها الأفراد والجماعات كعناصر إستراتيجية في علاقة التنافس بين "متطلبات المحلي" ? "إكراهات المعولم" تجعل الحاجة أكيدة لرفع كفاءة الفاعلين الاجتماعيين على تنوعهم حتى تتدعم قدرتهم على المنافسة التي تحتاج منهم باستمرار تغيير استراتيجيات فعلهم وتستوجب بالتالي مرونة في الفعل والتخطيط وهو ما لا يتوفر إلاّ عبر تحصيل المعارف والتقنيات والخبرات الضرورية التي تمكن من الاستفادة من علاقة التنافس هذه في إطار التفاوض الإيجابي بين الفاعلين الاجتماعيين بما يزيدهم كفاءة وثقة بالنفس.

Haut de page
Notes
1 ورد بـ: الهرماسي، عبد اللطيف، الدولة والتنمية في المغرب العربي تونس أنموذجا، تونس، سراس للنشر، 1993، ص.73.

2 بوطالب، محمد نجيب، القبيلة التونسية بين التغير والاستمرار. تونس، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، سلسلة علم الاجتماع، المجلدVIII، 2002، ص. 246.

3 بن جنات، زهير، "التنمية والحراك الاجتماعي من خلال تجربة القروض الصغرى بتونس، جبنيانة نموذجا"، أطروحة شهادة الدراسات المعمقة في علم الاجتماع، إشراف الدكتور محمد العزيز نجاحي، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، 2002- 2003 ص.62.

4 انظر: لبيب، الطاهر، "التنمية الاجتماعية واتجاهاتها بالبلدان العربية"، مجلة المستقبل العربي، عدد22، السنة 2000، ص. 253.

5 الببلاوي، حازم، النظام الاقتصادي الدولي المعاصر: من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى نهاية الحرب الباردة، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 2000، ص. 77.

6 Delcourt, Jacque, Globalisation de l'économie et progrès social: L'Etat à l'heure de la mondialisation, Futuribles, N°164, Avril 1992, p.11.

7 Lecerf, Jean, « Espoirs au tiers monde », in Panorama Mondial, Edition Académique de Paris, 1992, p.141.

8 Blardone, G., « Stratégie de développement et ajustement structurel: une alternative à la politique du FMI. Application à Madagascar et à la Tanzanie », Revue canadienne des études de développement, Volume XIII, N°3, 1992, p.334.

9 Programme des Nations Unies pour le Développement : Rapport mondial sur le développement humain, Paris, Edition Economica, 1993, pp.3-5.

10 قبرصي، عاطف، "إعادة النظر في دور الدولة في التنمية الاجتماعية- الاقتصادية"، مجلة المستقبل العربي، السنة 77، العدد 25، ص.282.

11 Programme des Nations Unies pour le Développement, op. cit., p.43.

12 Ibid., p. 42.

13 قبرصي، عاطف، مرجع سابق، ص.59.

14 دلالة، ******، وجوه الإشكال في جغرافية التنمية، تونس، مكتب النشر الجامعي، 2002، ص.55.

15 رشوان، حسين أحمد، المجتمع: دراسة في علم الاجتماع، الإسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، الطبعة الثالثة، 2002، ص.ص. 111-112.

16 المرجع السابق، ص 111

17 Mendras, Henry et Forsé, Michel, Le changement social : Tendances et paradigmes, Paris, Armond Colin, 1983, pp. 39-40.

18 نسبة إلى عالم الاجتماع الفرنسي آلان توران

19 Touraine, Alain, Pour la Sociologie, Paris, Ed. Seuil, 1974, p.64.

20 Remy, Jean, Sociologie urbaine et rurale. L'espace et l'agir. Entretien et ****es présentés par Etienne Lecercq, Paris, L'Harmattan, 1998, p.117.

21 الصديقي، سعد، هل تستطيع الدولة الوطنية أن تقاوم تحديات العولمة ?، المستقبل العربي، عدد 293، جويلية 2003، ص. 88.

22 سلامة، غسان، نقد الفكرة العربية من موقع التمسك بها، مجلة المستقبل العربي، عدد 275، جانفي 2002.

23 Organisation de Coopération et de Développement Economique. Créer des emplois pour le développement rural, Paris, OCDE, 1995, p.19.

24 ****** دلالة، مرجع سابق، ص. 63.

25 انظر: الصوراني، غازي، العولمة وطبيعة الأزمات في الوطن العربي، مجلة المستقبل العربي، العدد 293، جويلية 2003.

26 الزيدي، المنجي، "الثقافة والمال: دراسة في مستقبل التنمية الثقافية في الوطن العربي"، مجلة المستقبل العربي، عدد 293، جويلية 2003، ص.61.

27 انظر: كاظم والي، عبد الجليل، "جدلية العولمة بين الاختيار والرفض"، مجلة المستقبل العربي، عدد 75، جانفي 2002، ص.ص 67-69.

28 ومثال ذلك نشاط جماعة "الباسك" بإسبانيا ? "الستر" ببريطانيا وحركة "كورسيكا" بفرنسا. لمزيد التوسع انظر: بيترتيلور وكولن فلنت: الجغرافيا السياسية لعالمنا المعاصر: الاقتصاد العالمي، الدولة القومية، المحليات، ترجمة عبد السلام رضوان وإسحاق عبيد، الكويت، عالم المعرفة، عدد 283، 2002، ص.ص. 45-47.

29 دلالة، ******: مرجع سابق، ص.108.

30 أقر المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان في فيينا سنة 1993 أن "الحق في التنمية هو حق عالمي وجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية".
انظر: "تقرير بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة في الدورة 48 الجمعية العامة". مجلة دراسات دولية، تونس، عدد 53، 1993.

31 العربي، البشير: مقاربات سوسيولوجية في التنمية والثقافة والمجتمع، تونس، دار سحر للنشر، 1998، ص. 56.

Haut de page
Pour citer cet article
Référence papier
زهير بن جنات, « استراتيجيات الفاعل التنموي بين متطلبات المحلّي و إكراهات المعولم », Insaniyat / إنسانيات, 28 | 2005, 39-53.

Référence électronique
زهير بن جنات, « استراتيجيات الفاعل التنموي بين متطلبات المحلّي و إكراهات المعولم », Insaniyat / إنسانيات [En ligne], 28 | 2005, mis en ligne le 06 août 2012, consulté le 25 avril 2022. URL : http://journals.openedition.org/insaniyat/5292 ; DOI : https://doi.org/10.4000/insaniyat.5292

Haut de page
Auteur
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع استراتيجيات الفاعل التنموي بين متطلبات المحلّي و إكراهات المعولم
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
" يجمع عينات من خطوط آلاف الكوريين لمعرفة الفاعل عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 01-05-2022 08:10 AM
جرائم .. الفاعل قساوسة والضحايا أطفال Eng.Jordan أخبار منوعة 0 02-06-2017 03:45 PM
ورقة عمل حول استراتيجيات التدريس Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 11-01-2012 02:39 PM
عرض بوربوينت عن التخطيط التنموي Eng.Jordan عروض تقدمية 0 06-25-2012 01:35 PM
استراتيجيات وأساليب التدريس Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 01-10-2012 12:46 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:38 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59