#1  
قديم 08-31-2019, 08:50 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي الخصخصة وتأثيرها على الأقتصاد العراقي


الخصخصة وتأثيرها على الأقتصاد العراقي

حمل المرجع كاملا من المرفقات


أعداد
عباس كاظم جياد الفياض



المشرف
الأستاذ المساعدالدكتور صباح قاسم الأمامي



قدمت هذه الرسالة أستكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الدكتورا في
علم الاقتصاد السياسي


المحتويات
الباب الاول
الجوانب النظرية للفلسفة الاقتصادية الليبرالية

الفصل الاول: التوجهات الاستراجية لليبرالية الجديدة ومشاريعها
المبحث الاول: الانظمة ذات اللبرالية الاقتصادية.
1- عرض مكثف لليبرالية القرن الثامن عشر ومبرراتها.
2- أزمة السبعينات في القرن العشرين وما أفضت اليه من نتائج.
3- اللبرالية الجديدة والبحث عن مخارج للازمة الرأسمالية" التاتشرية -الريكانية".
المبحث الثاني : الاصول الفكرية لليبرالية التكيف في البلدان النامية.
- الخطوط التي رسمها تقرير لستر بيرسون .
- استراتيجيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
- الاهداف الاساسية لليبرالية التييكف.
المبحث الثالث : أقتصاد السوق.
- اقتصاد السوق واشكالياتة النظرية وفرضياته وتجلياته.
- الديمقراطية واللبرالية والعلاقة بينهما.

الفصل الثاني : الاصلاحات الاقتصادية
المبحث الاول: التكيف في المنظور التاريخي.
المبحث الثاني: الازمة الاقتصادية العالمية وفخ المديونية.
المبحث الثالث: الاثار الاقتصادية-الاجتماعية "لبرنامج التكيف" على طبيعة الدولة وعلى الطبقات والفئات الاجتماعية.

الفصل الثالث: العولمة والازمة المالية 2008 – 2009
المقدمة
المبحث الاول: العولمة الظاهرة والمفهوم : الاهداف الاشكاليات .
1- جذور العولمة .
2- الظاهرة، المفهوم، الاهداف، الاشكاليات.
المبحث الثاني : الليبرالية الجديدة وعولمة الاسواق المالية .
المبحث الثالث : الازمة المالية الحالية 2008-2009 .
المبحث الرابع : الاثار الاقتصادية للعولمة على البلدان النامية.

الباب الثاني
الخصخصة : بعض التجارب التاريخية

الفصل الرابع : نماذج في الخصخصة من بلدان مختلفة
المبحث الاول : تجارب بلدان من أميريكا اللاتينية.

المبحث الثاني : تجارب بلدان من القارة الافريقية.
المبحث الثالث : تجارب من البلدان العربية .
هـ
خلاصات: المشترك والمختلف في هذه التجارب.
الفصل الخامس: الاقتصاد العراقي بقطاعاته المختلفة ، منذ منتصف السبعينات حتى
2003
المبحث الاول - نمو القطاع العام وتطوره.
المبحث الثاني- نمو القطاع الخاص وتطوره.
المبحث الثالث- دور القطاعين(العام والخاص) في التنمية.

الفصل السادس:- التجربة التاريخيه للخصخصة في العراق عام 1987, ومساراتها
وآثارها
المبحث الاول: التجربة ومساراتها .
ا-البيع
ب-التأجير
ج-اسلوب تحويل القطاع العام الى شركات مساهمة.
المبحث الثاني: البيئة الاقتصادية في التسعينيات "أوضاع الحصار".
المبحث الثالث: التضخم.
المبحث الرابع: الاثار الاجتماعية والاقتصادية.
المبحث الخامس: مؤشر التنمية الاقتصادية.

الباب الثالث
السياسة الاقتصادية في العراق

الفصل السابع: جذور ومسببات الازمة الاقتصادية الراهنة في العراق
المبحث الاول: السياسة الاقتصادية التي انتهجها النظام السابق.
المبحث الثاني: الاستراتيجية الاقتصادية التي طبقها الاحتلال"المشروع الاقتصادي للحاكم المدني- "بول بريمر" وآثار الحرب.
1- المرحلة الانتقالية.
2- دور وكالات التنمية الامريكية "USAID " والبريطانية.
3- عائدات النفط وصندوق التنمية.
4- برنامج الامم المتحدة الانمائي.
5- السيناريوهات المطروحة حول التوجهات الاقتصادية.
المبحث الثالث: السياسات التي طبقتها الحكومات المتعاقبه منذ سقوط النظام والقوانين الاقتصادية التي صدرت.

الفصل الثامن: الاصلاحات الاقتصادية وخصخصة الاقتصاد العراقي : ضروره أم امكانيه ؟
المبحث الاول: تحديد الاولويات ...الخدمات الاساسية..أعادة التأهيل... والبنأء .. البطالة ..الديون والتعويضات..العمله التضخم... الاصلاحات الاقتصادية.
1- ماهي الاصلاحات الاقتصادية الضرورية , أين , وكيف, وماالاليات للتحقيق ؟
2- ما مضمون هذا الاصلاح, كيف ينظر اليه من قبل المدارس المختلفة في العراق .
3- ماهي الاهداف للاصلاحات ؟
المبحث الثاني: مدخل للجوانب الاقتصادية للخصخصة.
و
ا- آليه السوق
ب- قانون الاستثمار
ج- سعر الصرف
د- الاسعار والخدمات
المبحث الثالث: الدوافع الاساسية للخصخصة واهدافها.
المبحث الرابع: البرامج المقترحة للصندوق والبنك الدوليين للخصخصة وشروطهما.
المبحث الخامس: الاثار السياسية – الاجتماعية للخصخصة على الطبقات والشرائح الاجتماعية.

مقاربة فكرية

الاستنتاجات

التوصيات

المصادر























مراجعة الدراسات السابقة

حاولت الرسالة أن تطلع على بعض المؤلفات والدراسات العراقية السابقة التي تبحث في موضوع الخصخصة غير أن ما وقعت عليه الدراسة هي المؤلفات التالية :
1- مؤلف هشام ياس شعلان بعنوان: آليات التحول من نظام التخطيط المركزي الى نظام أقتصاد السوق ، دراسة دكتوراء من الجامعة المستنصرية بغداد 2001، وتعكس الرسالة تجربة بلدان أوربا الشرقية التي تحولت الى أقتصاد السوق ، وهي دراسة مهمة أستفاد منها البحث للأطلاع على التغيرات التي حصلت في أقتصاديات هذه البلدان ، غير إنها تختلف عن تجربة الاقتصاد العراقي .
2- مؤلف عبدالله أحمد بعنوان: أشكالية المفاضلة بين القطاع العام والخاص في تفعيل عملية التنمية في العراق ، رسالة دكتوراء غير منشورة من الجامعة المستنصرية بغداد 2001 . ولم يتسنى الحصول عليها رغم مابذل من مجهود .
3- هنالك بحوث نذكر منها:
أ- د. صالح ياسر حسن – دراسة " الليبرالية - الخوصصة برنامج التكيف الهيكلي بين أوهام الخطاب الايديولوجي وحقائق إعادة أنتاج التبعية" ، وهو بحث من 67 صفحة ، تحدث فيه عن تاريخ نشوء الليبرالية ومبرراتها وعن مذهب الحرية الاقتصادية وكيف ظهر في المجال الاقتصادي أولاً ، ثم تحول الى الديمقراطية ثانياً هذا بالاضافة الى ما تضمنه من التنظيرات النقدية للفكر الليبرالي من داخله ومن خارجه ومراحل تطورها ، وقد أفادت المعلومات البحث وأشير لها في الدراسة .
ب- د. محمد سلام المياحي بعنوان: الخصخصة كأداة التحول نحو أقتصاد السوق في العراق من 17 صفحة ، يتحدث فيها عن تجربة العراق عام 1987، رابطاً ذلك بما يجري في العراق الآن .
جـ- كما تناولت مقالات عراقية موضوع الخصخصة ومن جوانب عديدة ، ولا يتسع المجا ل لذكرها تبعاً للحجم وعدد الكتاب .
د- مؤلف د. صبري زاير السعدي – التجربة الاقتصادية في العراق الحديث – النفط والديمقراطية والسوق في المشروع الاقتصادي الوطني – 1951 – 2006 . وفيه تناول بعض المعطيات العلمية والأكاديمية والسياسية الهامة في الشأن العراقي ، طبع عام 2009، وجرت الاستفادة منه وبخاصة في الفصول المتأخرة من الدراسة.
هـ أما عربياً أستفادت الدراسة من مجموعة مؤلفات:
1- د. رمزي زكي .نذكر منها اللبرالية المستبدة ،فكر الازمة ،محنة اليون وسياسا ت التحرر في دول العالم الثالث ،في وداع القرن العشرين وغيرها.
2- عبد المجيد راشد دراسة ماجستير حول سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي لصندوق النقد الدولي و البنك الدولي في مصر.
كما أستفادت الدراسة من مؤلفات و بحوث أجنبية عديدة، متفقة مع بعضها أو مختلفة مع البعض الآخر ، وتأتي هذه الدراسة على تواضعها أستكمالاً للجهود المبذولة في هذا الميدان .



ك
الخصخصة وتأثيرها على الاقتصاد العراقي

أعداد
عباس كاظم جياد الفياض

المشرف

الاستاذ د. م . صباح قاسم الامامي
ملخص :

تناولت هذه الدراسة موضوع الخصخصة وتأثيرها على الاقتصاد العراقي كأسلوب تنموي لليبرالية الجديدة هادفة الى أظهار الافكار والاراء لمفكروهذه الظاهرة ، لغرض إيجاد مخارج وحلول للدول الصناعية الكبرى لمعالجة الاشكالات والازمات التي يعانيها الاقتصاد الرأسمالي. ومن الجانب الآخر محاولة هولاء، فرض هذا المفهوم أو الوصفة الجاهزة والترويج لها من قبل مؤسسات التمويل الدولية وبخاصة الصندوق والبنك الدوليين، وتطبيقها على البلدان النامية، بصرف النظر من أختلاف أقتصادياتها عن تلك الدول إثر وقوعها في فخ المديونية وبعد فشل التجارب التنموية فيها .
وبينت الدراسة إن ظاهرة الخصخصة ، تبدو مركبة ، ففي الوقت الذي تتفاعل بعدد من العوامل الداخلية التي ترتبط بأقتصاد البلد المعين ، فإنها من الناحية الاخرى تتعاطى وترتبط بعوامل خارجية في الاقتصاد العالمي ، لما لهذين العاملين من تأثير .
وعلى ضوء ذلك ، تعاملت الدراسة مع مسارين من التحليل النظري والفكري والتحليل التطبيقي العلمي ، ففي المسار الاول ، جرى التعرض الى الجوانب النظرية لفكر الليبرالية "دعه يعمل.. دعه يمر"، منذ نشوئها والمساجلات الفكرية التي ظهرت من داخلها أو من خارجها ، وما لوحظ من متغيرات في المفاهيم بين رواد الفكر الكلاسيكي على أختلاف مدارسهم حتى داخل المدرسة الواحدة وصولاً الى الليبرالية الجديدة ، وصعودها في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. كبديل عن النظرية الكينزية، التي أخفقت مفاهيمها عن تفسير ظاهرة الركود التضخمي التي ظهرت في الاقتصاد الرأسمالي آنذاك . وما أتت به المدرسة النقدية من الأطروحات ودعوتها بالعودة الى الاصول من جديد "دعه يعمل .. " الداعية الى إبعاد الدولة عن النشاط الاقتصادي وجعل القيادة في هذا الميدان للقطاع الخاص .
لاحظ البحث إن مفاهيم الليبرالية الاقتصادية والديمقراطية وأقتصاد السوق والاصلاحات الاقتصادية والخصخصة، ينظر لها كنتاج فكري للأقتصاد الرأسمالي المنتصر ، لا تحتاج الى مناقشة أو تحليل خاصة، بعد فشل التجربة الاشتراكية في بلدان أوربا الشرقية .
وفي هذا الإطار تبين الدراسة إن هذا الفكر، يبدو أنه يعاني من أزمة عميقة رافقته منذ بداية السبعينات من القرن الماضي . وأمتدت مظاهرها المالية والاقتصادية في الثمانينات والتسعينات، وبداية الألفية وتعمقت أكثر إثر الازمة المالية عام 2008-2009 التي دفعت المسؤولين الكبار الى الاعلان والتصريح ، بأن النظام المالي على حافة الانهياروبسقوط نظرية الرأسمال الحر "الليبرالية الجديدة" وحتى مجموعة العشرين ، لم تضع أفقاً أو توقعات لمعالجة الازمة المالية العالمية وتداعيتها الاقتصادية ، لمواجهة آليات نظام السوق السائد ، مما دعى هذه الدول للبحث عن مخارج وضوابط

ل
وأنماط للحد من الانحدار للنمو الاقتصادي ومعالجة ما أفسدته الاسواق المالية ، وذلك بضخ الاموال
العامة لانقاذ المؤسسات في البلدان المتطورة صناعياً . هذه مخالفة نظرية تتعارض مع المدرسة النقدية.
وفي المسار الثاني للتحليل العملي والامبريقي فقد تبين ، إن تجارب البلدان النامية المشابهة لظروف العراق ، الخاضعة لوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشروطهما ، أثبتت الدراسة عدم ملاءمتها ، بل تفاقمت المشاكل فيها .
أظهرت الدراسة أيضاً،أنما يعطي "الاصلاحات الاقتصادية" وصولآ الى الخصخصة أهمية أستثنائية في العراق تبرر، بأنها تأتي أبتداءً للتخلص من التركة الثقيلة الموروثة من النظام الدكتاتوري السابق بما حملته من نتائج وأثار كارثية على مستوى الاختلالات العميقة في تركيبة الاقتصاد وحالة عدم التوازن بين قطاعاته المختلفة ، وما صاحبها من شعارات وأجراءآت أرتجالية وفردية .فضلآ عما تركته الحروب والحصار وتداعياتها ، أدت الى دمار الاقتصاد الوطني . هذا وبينّ البحث أن مسيرة الاحداث والتغيرات التي حصلت عام 2003 لم تقدم أي معطيات أو مؤشرات ،تعبر عن أحتمال بناء سيا سة أقتصادية وتنموية جديدة، وأنما أتت سيا سة الاحتلال بفرض مشروع أقتصادي ينطلق من مصالح استراتيجية وآيديولوجية" للمحافظين الجدد" في الادارة الامريكية ، لصالح التحول نحو إعادة هيكلة الاقتصاد نحو الخصخصة ،
كما لاحظت الدراسة أن "الاصلاحات الاقتصادية" المعلنة لا تعالج المشكلة ، إذ لا زالت الاختلالات الهيكلية شاخصة ، ولا زال الاقتصاد العراقي وحيد الجانب ، يعتمد على ريع النفط الخام ولم يجر تنويعه ، وبخاصة في الميدانيين الصناعي والزراعي ، أو في غيرهما من سياحية وخدمية ، بل جرت المعالجة بالصدمة .حيث أقتصاد السوق والتجارة الحرة والانفتاح على الاسواق العالمية دون ضوابط ودخول الشركات المتعدية الجنسية وتأهيل المؤسسات العامة تمهيدأ لخصخصتها .غير أن هذه الاجراءآت لا توفر الحد الادنى من الطمأ نينة للاقتصاد الوطني "العام و الخاص" في ظل المنافسة الحرة ، بل عرضت المنتجات الوطنية الى التلاشي والأنقراض .
هذا بالأضافة الى التأثيرات السلبية لقطاعات واسعة من الصناعيين والزراعيين . و تضرر مصالح قطاعات أخرى من المواطنين وبخاصةً الفقراء منهم، من الارتفاعات الهائلة الحاصلة في أسعار السلع والخدمات والنقل وتدني مستوى الدخول الحقيقية وحالة التضخم وضعف الخدمات العامة ، وتزايد عدد العاطلين عن العمل ، والفجوة الكبيرة في توزيع المداخيل ، وعدم معالجة الديون بشكل صحيح ، وأنتشار مظاهر الفساد المالي والاداري وأرتفاعها الى مستويات قياسية وتنامي مؤشر الفقر.
ومن خلال هذين التحليلين ، أمكن التعرف على عدد من المشكلات النظرية والعملية للأقتصاد العالمي وأنعكاسات على البلدان النامية ومنها العراق .أذ أن الاجراءآت الاقتصادية الجديدة لم تتناول الاولويات لمعالجة الاختلالات في الهيكل الاقتصادي وأنما زادت من أرتباطه وتبعيته للسوق العالمية وللشركات المتعدية الجنسية ، في حين يتطلب الامرتهجين وتزاوج قطاعي" الدولة والقطاع الخاص الوطني" وتشجيعهما للتعاون بينهما، للقيام بدور أكبر في التنمية الاجتماعية وتوسيع قاعدة الانتاج والارتقاء بنوعيته،وذلك بالاستفادة من الخيرات المادية التي تحفل بها البلاد لصالح التنمية،وتوظيف الاستثمارات الاجنبية في المواقع التي يحتاجها الاقتصاد الوطني. هذا وبينت الدراسة إن أفتراضات الليبرالية الجديدة وأنفتاح السوق وأبعاد دور الدولة الاقتصادي والانفتاح الاستثماري بلا ضوابط يكون من الصعب تطبيق نموذج محدد وحيد للتنمية . كما وبينت المقاربة الفكرية المؤشرة في البحث الى ضرورة الابتعاد عن الخصخصة .

م
Abstract

Privatisation and Its Effect on Iraqi Economy

By: Abbas Kadhem Jiad Al-Faiadh

Supervisor: Prof. Sabah Kasim Al-Imami

This study approaches the topic of privatisation and its effect on the Iraqi economy as a developmental method of the neo-liberalism aiming at shedding light on the opinions and views of the thinkers of this phenomenon in order to find ways out and solutions for the great industrial countries to deal with the crises facing the capitalist economy. On the other hand the study reveals the attempts by the international finance institutions, especially the International Monetary Fund (IMF) and the World Bank (WB) to impose this prepared conception on the developing countries regardless of their economical differences as they are trapped by the indebtedness and the failure of their developments experiments.
The study shows that the issue of privatisation appears to be complex. On the one hand it interacts with some internal factors related to the economy of a certain country. On the other hand it is related to external factors of the world economy.
In this light the study deals with two courses of theoretical and practical analyses. In the first course the study touches on the theoretical aspects of the neo-liberal thought since its beginning and the intellectual debates emerging from within and outside and the noticed variables in conceptions among the varieties of classical thought even inside the one school of thought up to the neo-liberalism and its rise in the late seventies and the early eighties as an alternative to the Keynesianism that failed in interpreting the phenomenon of inflationary recession in the capitalist economy at the time. Besides the theses of the critical school and its call to going back again to the origins through keeping the state off the economic activity and giving the leading role in this field to the private sector.
The research notices that the concepts of economic liberalism, democracy, market economy, economic reforms and privatisation are seen as an intellectual product of the victorious capitalist economy. There is no need to discuss or analyse them especially after the failure of socialist regimes in Eastern Europe.
In this con**** it seems that this thought suffers from a deep crisis since the seventies of the 20th century. Its economic and financial manifestations extended to the eighties, nineties and the start of the millennium. It deepens more due to the 2008-2009 financial crisis that forced the high-ranking managers to declare that the financial system was on the verge of collapse and the theory of free capital, i.e. neo-liberalism, ceased to be valid. Even the 20 Group didn’t have expectations regarding treating the world financial crisis and its economic aftermaths to face the mechanisms of the prevailing market system. This called the Group to search for solutions and regulations to limit the economic growth decline and save what the financial markets undermined by pumping the public funds to save the institutions in the developed industrial countries. This is a theoretical violation that is contradictory to the critical school.
ن
The second course of the practical and empirical analysis reveals that the practices of the developing countries that are similar to Iraq and are subject to the conditions of the IMF and the WB are not suitable. Rather their problems worsened.
The study shows that what gives the economic forms an exceptional importance in Iraq is justified through the fact that these reforms, ****ly privatisation, aim at getting rid of the burden of the dictatorial regime with the catastrophic aftermaths of the wars and the embargo, deep disorders on the structure of economy, imbalances in its different sectors which are all accompanied by extemporary and single-handed slogans and procedures.
The research makes clear that the change after 2003 didn’t offer any indications regarding the potentiality of creating a new developmental economic policy. Rather the occupation policy imposed an economic project ****d on the ideological and strategic interests of the neoconservatives in the American administration in favour of the transition of restructuring the economy towards the privatisation.
The study notices that the declared ‘economic reforms’ did not deal with the problem. Rather the structural disorders still exist and the Iraqi economy is still one-sided depending on the returns of the crude oil and is not diversified especially in the industrial, agricultural and services fields. Rather the situation is treated by shock where the market economy, the free trade and the openness to the world markets are without regulation and the multinational companies are ready to qualify the public sector in preparation of privatisation. These procedures don’t offer the minimum of security to the public and private sectors in the national economy under the free competition. Rather they expose the national products to be vanished and ruined.
In addition there are the negative effects on wide sections in industry and agriculture and the disadvantages to the interests of the other people especially the poor because of the huge rising in the prices of commodities, services and transport, the dropping in the level of the real incomes, the high inflation rate, shortage of public services, unemployment increase, the huge gap in the distribution of revenues, the incorrect treatment of debts, the spread of corruption and the rise in the poverty indicator.
On the basis of these two analyses the study realizes a number of theoretical and practical of the world economy and its impacts on the developing countries and Iraq. The new economic procedures don’t treat the priorities to deal with the disorders in the economic structure. Rather they increase its dependence on the world market and the multinational companies, while the situation requires the integration between the state and the private sectors, encouraging them to cooperate in order to play a greater role in the social development and widening the production **** and its quality through making use of the material resources of the rich country in favour of the development and the foreign investment in the needed sites of the national economy.
The study reveals that with the assumptions of neo-liberalism, market openness, keeping off the state economic role and the investment openness without regulations it becomes difficult to apply a certain sole model of development.
The approach of the research confirms the necessity of keeping away from privatisation.


ص







الخصخصة وتأثيرها على الاقتصاد العراقي
المقدمة

تعد الخصخصة واحدة من الظواهر التي شغلت ولا تزال تشغل ساحة واسعة من الجدل والنقاش ، ما بين المختصين والمهتمين بالشأن الاقتصادي ، من مفكرين وباحثين أقتصاديين وسياسيين وغيرهم . فقد نظمت سيمنارات وحورات وأنبثقت بحوث وكتابات عديدة عالمية وأقليمية ، عربية وعراقية ، تطرقت لها ، بتناول ودراسات هامة، تحدثت فيها عن تطورمفهوم الخصخصة ، وكيف أنتقل من البلدان المتقدمة صناعياً وتحديداً، بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية والبلدان الغربية الأخرى ، أثر عجز مفاهيم المدرسة الكنزية عن لأجابة عن حالة الركود التضخمي التي عمت الاقتصاد العالمي من السبعينات وصعود المدرسة النقدية في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ، ووقوع البلدان في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا في فخ المديونية أثرفشل تجارب التنمية ، وتعممت أكثر أثر سقوط التجربة الاشتراكية في بلدان أوربا الشرقية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ، وتبنت هذه وصفات المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغيرها من المنظمات المنفذة " توافق واشنطن" وكيف شددت هذه المنظمات على تطبيق هذه الوصفات "التثبيت والتكيف الهيكلي" وأقتصاد السوق والانفتاح التجاري وأبعاد الدولة عن النشاط الاقتصادي تمهيدأ للدخول الى الخصخصة، بصرف النظر عن طبيعة الاقتصاد وظروفه في هذا البلد أو ذاك .
وأنطلاقاً من هذه الافكار ، تطلب الامر بلا شك دراسة النشاط الاقتصادي في العراق وما يعانيه من مشاكل عديدة وأختلالات في البنية الاقتصادية الاجتماعية في ظل أنعدام أستراتيجية تنموية واضحة وما أعترى ذلك من تداعيات سلبية أثر فشل مسيرة التنمية وزيادة معاناة المجتمع العراقي ، جراء النظام الدكتاتوري السابق وما أقترفه من أخطاء خطيرة في السياسة الاقتصادية أدت الى فشل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من النهوض الاقتصادي ، وجاءت التغيرات 2003 أثر الأحتلال ، بأجراءات جديدة ، تفترض تحقيق النهوض عبر العلاج بالخصخصة . غير أن الخصخصة ليست نظرية أومنظومة فكرية وأنما أسلوب أوجدته المنظمات المالية المذكورة كعلاج للبلدان النامية بعد فشل التنمية في هذه البلدان،وبطبيعة الحال يختلف تناول الخصخصة من خلال تعدد المدارس الفكرية للكتاب والباحثين والمفكرين ، بين مؤيد ورافض ، لكن البحث يستند في كل الاحوال الى قاعدة فكرية ومنهجية ، وضعت منذ البداية ، تقوم على إن "الفكر الاقتصادي ، لا يوجد بعيداً عن الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، التي تعطيه شكله وفقاً لأحتياجاتها"، وهذا جوهر الاقتصاد السياسي الذي يدرس الجانب الاجتماعي أثناء عملية الانتاج ، وهو أيضاً كعلم يهدف الى تعريف الظواهر الاقتصادية أنطلاقاً من أسبابها ...

اهمية البحث: ان اهمية موضوع البحث ، تكمن في انه يعتبر من المواضيع المعاصرة والجديدة المطروحة الى حدما على الاقتصاد العراقي وأصلاحه وأعادة أعماره "باعتباره خيارا مفروضاً من بعض الدوائر والمنظمات الدوليه"، علما أن "اعادة الاعمار" ليس مفهوما علميا ، بل هو مفهوم ايدولوجي ينظرالى اعادة بناء الاقتصاد العراقي وكأنه هندسة جينات ، يمكن وضعها أمام الاختبار بالشكل الذي يريده اصحاب القرارات . ومن بين ماتتضمن، ليس فقط معالجة قطاعات الاقتصاد ، وانما ايضا تشمل معالجه الحالة الاجتماعية ، وهنالك تحديات كبيرة لابد من مواجهتها . فبالاضافة الى المديونية وعملية سدادها او اطفائها المشروطة بشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي تحتم شروطه، رفع جميع "الاعانات" فضلا عن "رفع الاسعار" في العديد من مرافق البنية الاقتصادية دون الأهتمام لكيفية انعكاساتها على معيشة المواطن العراقي ، فضلا عن تحويل ممتلكات الدولة نحو الخصخصة، وحسب توجيهات العولمة .لذا تسارعت تصريحات بعض السياسيين وتبارى المعنيون في موضوع الخصخصة وأعادة الاعمار. على ما يبدو أن معالجة الاختلالات في الاقتصاد بالخصخصة ترتبط بتداعيات فلسفية اكثر مما ترتبط بالقوانين الموضوعية . واهمية البحث تكمن في محاولة ، تسليط الاضواء على هذه الطروحات ومناقشة هذه الافكار بطريقة نقدية هدفها ايجاد مقاربات علمية لبعض الطروحات ، ومن مختلف المدارس الفكرية متفقا أو مخالفأ بعض الافكار،وأيجاد رؤى ومقاربات تساهم في حلحلة الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد العراقي .

أهداف البحث: ان اهداف البحث تشير،الى ان ما يميز اعتماد العراق على اقتصاد السوق وآليات الخصخصة ، هو تجلي العملية بتأثير مباشر من المديونية الخارجية وفرض الاصلاح الاقتصادي في اطار "المعونة الدولية" من خلال الدول والمؤسسات المانحة. واذا اتفقنا بهذه التركيبة امكننا القول، ان هذه العملية "الانقاذية" في جزئها الاعظم ، انما تتجلى مشروطة بالتحول الى اللبرالية الاقتصادية ،هذا مع العلم ، ان عدم اخضاع هذه المسائل الى النقاش المفتوح مع كل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يحول دون التداول المسؤول في حاجات الاصلاح. وهدف البحث هو تسليط الضوء على الاهداف المنشودة او المقترحة وغايتها المستقبلية الحقيقيه ومن وراء ذلك، هذا اولا. وثانيا يهدف البحث الى تسليط الضوء على مضمون هذا الاصلاح الذي تروج له مدارس عديدة تشترك في الفلسفة والغايات والاهداف ؛التي تهدف الى اعتماد السوق محورا للنشاط الاقتصادي والترويج لمفهوم وممارسة الخصخصة .

فرضيه البحث:يعاني الاقتصاد العراقي من مشاكل وصعوبات هيكلية عديده، في ظل أنعدام استراتيجية تنموية واضحة وتزداد صعوبتها في ظل تعقيدات الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي . كما ان عملية الاختيار هي الاخرى ، ترتبط بعدة معايير ومفاهيم من بينها طبيعة فلسفة النظام ، في ظل تعدد وتنوع التجارب العالمية ، فتجارب الخصخصة متعددة ، ولمعالجة الاختلال في الاقتصاد وفق تصورات معينة وبكيفية يفترض أن تنقله الى الوصول لمستوى يحقق طموحات الاقتصاد العراقي ، من خلال تقديم جملة من المعا لجات التي تندرج في رفع المسؤولية عن " قطاع الدولة " واعطائها " للقطاع الخاص" في ادارة الاقتصاد ، حسب استشارات القائمين على الاقتصاد العراقي ، علما ان القطاع الخاص الوطني لا يلبي هذه الطموحات ، نظرا لضعفه وتخلفه وعدم مقدرته على تحمل هذه المسؤولية . كما ان الحكومات المتعاقبة بعد سقوط النظام عام 2003 وحتى كتابة هذا البحث ، تعاني ايضا أختلالات هيكلية ومديونية كبيرة ، فهل العراق مهيأ للاصلاح الاقتصادي ، وعن أي أصلاح يدور الحديث؟ وكيف؟وماهي القوى الاجتماعية المعنية بهذا الاصلاح ، والقوة المستفيدة منه؟. يضاف الى ذلك ، هل أن السوق العراقية وطبيعة الامكانات التمويلية والاستثمارية يمكن ان تستوعب الشركات العملاقة ، هذا بالاضافة الى البيئة التنظيمية والتشريعية والقانونية ، فهل مشاكل الاقتصاد العراقي تتوقف على وصفات " الصندوق والبنك الدوليين" ، التي تفترض ،أن البلاد التي تقبل بها ،يمكنها أن تخطط للمستقبل على أساس أنها سوف تواصل الحصول على مقادير ضخمه ، لأ جل غير مسمى ... وما الغرض الحقيقي للنصائح المرتبطه بقوة المليارات من الدولارات التي تدفع ... ولماذا الاصراروالتمسك بالنهج والنمط الرأسمالي كمسلمات وأعتباره السبيل الوحيد للحلول! . يحاول البحث وضع هذه الفرضيات في مكانها الصحيح ،ومناقشة أفكارها بموضوعية ، وتقديم بعض المقاربات العلمية لتفنيد هذه المبررات .

أشكالية البحث :هل ان الاقتصاد العراقي يعاني من مشاكل؛ واذا كان ذلك صحيحا، هل يمكن اللجوء الى الخصخصه فقط ؟، كطريق واحد ووحيد- كوسيله لحل بعض المشاكل في الاقتصاد العراقي ؛وما هو الاسلوب المناسب للقيام بهذه العملية؟، وما هي القطاعات أو الانشطة التي يمكن خصخصتها؟، وكيف يمكن تجاوز بعض السلبيات والنتائج المؤثره على شرائح معينة من السكان نتيجة للقيام بهذه العملية ؟، وهل هناك بلدان ظروفها مشابه لظروف اقتصاديات العراق، سارت بهذا الاتجاه واستطاعت ان تتجاوز الفجوة الكبيرة بين النمو الاقتصادي العالمي والفارق الزمني في نمو اقتصادياتها (البلدان الناميه)، وكيف؟.يحاول البحث ، أن يعالج هذه الاسئلة ويتقرب منها أكثر وتشخيص الحالة، من منطلق رؤية الفرضية الاساسية للاطروحة ، وتقديم بعض الافكار التي تخدم اهمية وأهداف البحث ، ومعالجة الاشكالية انطلاقا من مقاربة تستند للفكر الاقتصادي الحاضن للخصخصه.

منهجية البحث: في اطار اشكالية البحث، تحاول الدراسة ان تتابع المتغيرات التي حصلت في الاقتصاد العراقي بطرق علمية وعملية للوصول للحقيقة عبر مقاربة ، تستند الي "الفكر الاقتصادي" اما عرض تجارب "أمبريقية" البلدان مع الخصخصه يتم عبر" المنهج التاريخي" ، من خلال جملة من القواعد التي تحقق هدف الدراسة، وتقديم بعض القرائن العلمية التي تتطابق مع موضوع الخصخصة قيد الدراسة، بالارتباط مع حركة واقع الاقتصاد العراقي وبمنهجية علمية ، وباسلوب يهدف الى الوصول الى نتيجة عملية وتطبيقية لمعرفة قوانين ظاهرة الخصخصة وصياغتها نظريا ، وشرح تلك الظاهرة او العملية والربط بين جوانبها المتعددة ودراسة الجوانب الداخلية والخارجية للظاهرة وتحليل مضمونها الداخلي بالترابط مع الاقتصاد العالمي ، فأن منهجية البحث المعتمدة، وحاولت الدراسة الاحاطة بالاشكالية والحافظ على الخيط الاساسي لها من خلال بعض المفاهيم والمعايير العلمية ،التي نستخدمها في تحليل الافكار المطروحة ، ومعالجة بعض الجوانب النقدية للفكر الاقتصادي الخاص بالخصخصة، على ضوء الوقائع الاقتصادية الملموسة في العراق، وتبيان الاصول الفكرية" للبرالية التكيف" المقترحة من قبل "الصندوق والبنك" ألدوليين واهدافهما ، ويحاول البحث من خلال ذلك ، ان يسلط الضوء على موضوع الخصخصة من الناحية العلمية ، كونها لا تشكل مدخلا او نظرية اقتصادية قائمة بذاتها وانما ادات او وسيلة اقتصادية، يتم استخدامها من خلال راسمي السياسات الاقتصادية .

هيكل الدراسة :
تتضمن الدراسة ثلاثة أبواب وثمانية فصول وتسعة وعشرون مبحثاً أو أثنا وثلاثون بالاضافة الى المقاربة الفكرية والاستنتاجات والتوصيات والجداول والرسوم والبيانات والمصادر .

الباب الاول:
الجوانب النظرية للفلسفة الاقتصادية الليبرالية
وتناول علم الاقتصاد السياسي وكيف جرى تعريفه من حيث موضوعه ومنهجه ومتابعة العملية التاريخية التي ولد من خلالها هذا العلم وتطور والتعرف على مصدر الافكار المختلفة الخاصة بموضوعه ، بتحديد مجال الظواهر التي ينشغل بها ومعرفة طبيعة هذه الظواهر، وهل هي علاقات أجتماعية أو علاقات بين الانسان والاشياء تنجم عن سلوك أفراد من قبيل دعه يعمل..دعه يمر،والرجل الاقتصادي؟، وهل هي أجتماعية ومتغيرة وتاريخية أم أبدية وخالدة وهل تحكمها قوانين موضوعية أم لا؟، وهل هذه القوانين مستقلة عن إرادة الانسان أم لا؟ والتعرف على الافكار الخاصة بالمنهج التجريدي أو المنهج الديالكتيكي كل هذه وغيرها من أفكار كانت نتاج مفكرين مختلفين أتيح للبحث فرصة التعرف على أسمائهم . مفكرين عاشوا في مراحل مختلفة لتطور علم الاقتصاد ، هذه الافكار وغيرها جسدتها البحوث التي أحتوتها الدراسة. وكيف تكونت مجموعة من المفاهيم والنظريات حول موضوعه ومنهجه ، وعبر مراحل تاريخية منذ الحضارة اليونانية والرومانية بدأً من أفكار أ فلاطون وأرسطو وتاريخ الفكر الاقتصادي منذ البدايات من تطور الفكر الانساني والصراع مع الاقطاع والكنيسة مروراً بالمدرسة التجارية والمدرسة الفيزياوية وخصائصهما وصولاً الى الليبرالية والتعرف على الجوانب الفكرية للأيديولوجيات المختلفة وأمكانية التوسع فيها من خلال المناقشة النقدية للأفكار المطروحة وأدواتها المؤثرة وتوضيح أهدافها بالشكل الذي لا يتعارض مع أهداف البحث، وتضمنت هذه الجوانب النظرية ثلاثة فصول وتسعة مباحث :

الفصل الاول: التوجهات الاستراتيجية لليبرالية الجديدة ومشاريعها
وقد أحتوى على ثلاثة مباحث هي:
المبحث الاول: الانظمة ذات الليبرالية الاقتصادية تحت ثلاثة عناوين :
1- عرض مكثف لليبرالية القرن الثامن عشر ومبرراتها ،وفيه يتحدث عن ظهور الفكر الليبرالي والمساجلات الفكرية بين العلماء الاوائل والمفكرين من الاقتصادين وظهور الليبرالية الكلاسيكية ومناقشة أفكار كلٍ من ديفيد هيوم وآدم سمث وريكاردو وكارل ماركس وغيرهم حول أقتصاد السوق والتوازن وخلية النحل واليد الخفية وفائض القيمة والرجل الاقتصادي وغيرها من المفاهيم.
2- أزمة السبعينيات من القرن العشرين وما أفضت إليه من نتائج أثر تزامن ازمة الركود التضخمي الاقتصادية وأزمة الفكر الاقتصادي في السبعينيات من القرن الماضي .وعجز الكنزية
3- الليبرالية الجديدة والبحث عن مخارج للأزمة الرأسمالية "التاتشرية – الريجانية" وفيه جرت مناقشة أسباب فشل النظرية الكنزية ومفاهيمها من أعطاء إجابة حول أزمة الركود التضخمي وظهور المدرسة النقدية كبديل عنها .

المبحث الثاني: ناقش الاصول الفكرية لليبرالية التكيف في البلدان النامية تحت ثلاثة عناوين :
- الخطوط التي رسمها لستر بيرسون .
- ستراتيجيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي .
- الاهداف الاساسية لليبرالية التكيف ،وأظهر مناقشة أفكار لستر بيرسون وتوصياته الاممية حول البلدان النامية وحثهاعلى فتح أسواقها وخضوعها لشروط الأستثمارات الاجنبية. هذا بالاضافة الى توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وما يهدفان إليه من خلال ليبرالية التكيف . كلها وضعت كمخارج لأزمة الرأسمالية في السبعينيات التي تجلت بالتطبيق العملي لسياسة تاتشر وريجان بأتجاه التوجه للخصخصة .

المبحث الثالث: تضمن أقتصاد السوق
1- أقتصاد السوق وأشكالياته النظرية وفرضياته وآلياته وتجارب البلدان .
2- الليبرالية والديمقراطية .
وتضمن هذا المبحث متابعة تطور أقتصاد السوق والتعارضات فيه حتى في داخل المدرسة الواحدة ،آراء ريكاردو المخالفة لآراء سمث وآراء جيمس ستيوارت ميل المخالفة للأثنين كما ظهرت آراء كارل ماركس التي يتعارض فيها مع الجميع . ويعتبر إن النظام الراسمالي الاقتصادي هو المشكلة ويطالب بتغيير النظام ككل وليس الحديث عن أصلاح في هذه الجزئية أو تلك .ثم ظهرت المدرسة الحدية النمساوية التي أظهرت أسباب الازمة، ترتبط بالجوانب السيكولوجية وليس في نظرية "القيمة – العمل". ثم ظهرت النظرية العامة لجون ميلينارد كينز، التي تؤكد على جانب الطلب أثناء الازمة العامة للراسمالية عام 1929-1933 ومعالجة بعض جوانب النظرية الكلاسيكية والتي نجح في أيجاد الحل وذلك بضرورة تدخل الدولة وخلق حالة التوازن بين العرض والطلب .
غير أن أزمة الركود التضخمي التي ظهرت في السبعينات من القرن الماضي وعجز الكنزية في تقديم مفاهيم مقنعة حولها ، بالوقت الذي أستطاعت النظرية النقدية الذي يقودها هايك النمساوي وفريدمان هملتون الامريكي في تقديم نظرية العرض والدعوى من جديد الى العودة الى الاصول "دعه يعمل" وعدم تدخل الدولة في القضايا الاقتصادية .
وفي الجانب الثاني من المبحث أظهرتجارب بعض البلدان حول أقتصاد السوق والصراعات الفكرية بين الليبرالية والديمقراطية، وكيف ظهرت اليبرالية في البدء في الجانب الاقتصادي ثم تمقرطة وظهور عدة مدارس حول ذلك وصولاً الى القرن العشرين .

الفصل الثاني: الاصلاحات الاقتصادية ويتضمن ثلاثة بحوث :
المبحث الاول: التكييف من المنظور التاريخي .
المبحث الثاني : الازمة الاقتصادية وفخ المديونية .
المبحث الثالث: الاثار الاقتصادية والاجتماعية لبرامج التكيف على طبيعة الدولة وعلى الطبقات والفئات الاجتماعية . تناول هذا الفصل عملية التكيف من المنظور التاريخي بدأً من تكيف الاقتصاد الراسمالي تبعاً للظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي وكيف أنعكست هذه على أقتصاديات البلدان النامية وكيف أثرت الازمة الاقتصادية في السبعينيات التي أستطاعت المنظمات المالية الدولية وتحديداً "الصندوق والبنك الدوليين" ونجاحهما في تدوير الاموال أثر الفجوة النفطية لصالح النظام الرأسمالي ووقوع البلدان النامية في فخ المديونية . وفيه يشير الى الاثار الاقتصادية لبرامج التكيف التي تؤكد على أبعاد الدولة ووضع برامج أنكماشية وأطلاق العنان لقوى السوق وقوانين العرض والطلب وتأثير ذلك على أرتفاع الاسعاروأرتفاع مناسيب البطالة وتأثير ذلك على الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة في هذا البلد أو ذاك .

الفصل الثالث: العولمة والازمة المالية 2008-2009 وتضمن أربعة مباحث :
المبحث الاول: العولمة المفهوم الاهداف الاشكاليات .
المبحث الثاني: الليبرالية الجديدة وعولمة الاسواق المالية .
المبحث الثالث: الازمة المالية الحالية 2008-2009 ، وتضمن هذا المبحث عدة عناوين .
المبحث الرابع: الاثار الاقتصادية للعولمة على البلدان النامية .
وفي هذا الفصل أشارت الدراسة الى آثار جذور العولمة الظاهرة والمفهوم بالتفصيل وكيف أستطاعت الليبرالية الجديدة أن تلعب دوراً فكرياً وسياسياً بأتجاه عولمة الاسواق المالية .
وفي المبحث الثالث حول الازمة المالية الحالية جرى تناولها موسعاً ومن جوانب عديدة تاريخية وتفسيرات النظرية للأزمة المالية وظهور تيارات عديدة "الاصلاحي والراديكالي والليبرالي والمتطرف" وجملة من الافكار والتنظيرات حول الازمة وأنعكاساتها وتأثيراتها على البلدان المتطورة صناعياً وصولاً الى قمة العشرين، وما تمخض عنها من أفكار بأتجاه لملمة تداعيات الازمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالمجتمع الدولي.
وفي المبحث الرابع التأثيرات الاقتصادية للعولمة على البلدان النامية أثر الازمة المالية وكيف أثرت على أقتصاديات هذه البلدان .
وأستطاعت الدراسة أن تقدم عرضاً موسعاً لهذه النظريات معتمدة على كتب ومؤلفات عديدة وعلى وثائق غاية في الاهمية وتطلب الامر الرجوع الى مصادر عربية وأجنبية وبعضها غير منشورة كعوامل مساعدة لتوضيح المعالم النقدية للأفكار المطروحة في هذه الوثائق كما وأسهمت ببعض وجهات النظر التي تتعلق بأقتصاد السوق أو في الشروط المطروحة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبعض الاراء المتعلقة بالازمة المالية الاخيرة يمكن الرجوع إليها في فصول الدراسة. هذا وبعد أن أستكملت الدراسة الميدان النظري والفكري وبعض التطبيقات في الجانب العملي في الباب الاول، فأنها أنتقلت في الباب الثاني الى مناقشة الجوانب العملية .

الباب الثاني:
الفصل الرابع: الخصخصة ، بعض التجارب التاريخية
تضمن ثلاثة فصول : يحتوي على ثلاثة مباحث :
المبحث الاول: يتحدث عن تجربة بلدان أمريكا اللاتينية والنماذج هي :
1- تجربة المكسيك .
2- تجربة فنزويلا "الجديدة".
المبحث الثاني: تجارب من القارة الافريقية هي:
3- تجربة أنغولا "الجديدة".
4- تجربة أثيوبيا .
المبحث الثالث: تجارب من البلدان العربية :
5- تجربة مصر .
6- تجربة الجزائر.
7-عنوان خلاصات المشترك والمختلف من هذه التجارب .
يجري فيها تحديد تجارب هذه البلدان وأقتصادياتها وطبيعة نظمها المتقاربة أو المشابهة لظروف العراق، والاسباب التي دفعتها الى تبني الخصخصة ومدى فعاليتها و تأثيرها في حلحلة الثغرات ومعالجة النواقص في اقتصادياتها،وأخذ التجارب الميدانية لهذه الدول التي تسمح بأن تكون مرجعاً خصباً لتلاقح هذه الافكار. أو إنها عملت على تنمية أقتصادياتها وأخرجتها من حالة التبعية. غير إن التجارب المطروحة وغيرها قد أوقعت هذه البلدان في مصاعب عمقت الهوة بين المواطنين وزادت من التبعية، وكلفت هذه البلدان خسائروتضحيات كبيرة في الاقتصاد الوطني والسيادة الوطنية .حرصت الدراسة على تقديم ثلاثة بحوث لتجارب في الخصخصة أثنان منها للبلدان من أمريكا اللاتينية هي تجربة فنزويلا "جديدة" ، تجربة المكسيك "قديمة"، بالاضافة الى تجربتين لبلدان أفريقية هي تجربة أثيوبيا وتجربة أنغولا "جديدة"، وتجربتين من بلدان عربية هي التجربة المصرية والتجربة الجزائرية لوجود بعض التشابه أو التقارب مع هذه البلدان بأعتمادها على النفط كأحد مصادر الاقتصاد الوطني عدى أثيوبيا ، وذات أنظمة جمهورية، بالاضافة الى التعداد السكاني المتقارب عدى المكسيك ومصر. كما وتتشابه في المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وجميعها خضعت بدرجة أو بأخرى لوصفات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بفعل الديون. هذا بألاضافة الى إن الاختيار فرض من الخارج ، وقدمت الدراسة هذه التجارب ، كنماذج جديرة بالدراسة وخاصةً تجربة فنزويلا وأنغولا التي أعادت النظر في علاقاتها مع الصندوق والبنك الدوليين من مواقف وطنية أثر الخلافات الشديدة بينهما . أو من مطلق مواقف وطنية والخلافات بينهما كما في تجربة أثيوبيا والجزائر،أو كما في حالة الرفض في المكسيك ،بالاضافة الى المعانات الخطيرة للاقتصاد في مصر وبشهادة مسؤلين كبار في الدولة اللذين دعوا و يدعون الى إعادة النظر بسياسة الخصخصة .

الفصل الخامس: - الاقتصاد العراقي بقطاعاته المختلفة منذ منتصف السبعينيات حتى 2003 .
وتضمن ثلاثة مباحث هي:
المبحث الاول: القطاع العام ومبررات نشأته.
المبحث الثاني: القطاع الخاص ودوره
المبحث الثالث: القطاعين العام والخاص ودورهما في التنمية .
تضمن الفصل رحلة متابعة من السبعينات حتى 2003 وما صاحبها من أجراءآت ومؤشرات أرتجالية وعبثية في الاستخدام غير العلمي للموارد ،هذا وأحتوى البحث على جداول وبيانات رسمية.
الفصل السادس:- بعنوان التجربة التاريخية للخصخصة في العراق 1987 ومساوئها وآثارها
وتضمن خمسة مباحث .
المبحث الأول: التجربة ومساراتها
المبحث الثاني: البيئة الاقتصادية في التسعينيات "أوضاع الحصار.
المبحث الثالث: التضخم .
المبحث الرابع: الآثار الاجتماعية والاقتصادية.
المبحث الخامس: مؤشر التنمية الاقتصادية.
ناقشت الدراسة فيها المشكلات الاقتصادية والتنموية للعراق منذ الفترة المحددة في "الدراسة" من منتصف السبعينات الى 2003. معتمدة على دراسات منجزة ومصادر هامة حاولت الدراسة الاحاطة بها ،وأستخدمت هذه الحقائق لأمكانية الاصلاحات الانسب للاقتصاد من خلال الاشارة الى تجاوز الاتجاهات التلقائية والافكار أو النظريات الذاتية والشخصية والارتجالية. لمهندسي السياسة السابقة التي أدت الى دمار الاقتصاد وزجه في أتجاهات أثرت على التوجهات العامة في التنمية، وفرطت في الاموال الهائلة التي جنيت من خلال الموارد المالية النفطية لصالح فئة منتفعة. على حساب الاقتصاد الوطني، وقدراته والحفاض على البيئة الاقتصادية وعلى مستقبل العراق وأجياله القادمة، وعدم الاستفادة من خبرات القطاع العام والقطاع الخاص بأتجاه تحفيز الدولة التنموية وأستخدامها لإدارة الاقتصاد الوطني. بأتجاه تنويعه و أعطاء دور مهني وتخصصي بعيداً عن الفردية والمصالح الشخصية لقادة النظام السابق، وذلك في ترشيد قرارات الدولة الاقتصادية . كما تضمن الفصل التجربة الفاشلة للخصخصة في العراق في عام 1987 هذا وقد أحتوت الدراسة على فصلين وثمانية بحوث .

الباب الثالث:
الفصل السابع:- جذور ومسببات الازمة الاقتصادية في العراق
وتضمن ثلاثة مباحث .
المبحث الاول: السياسة الاقتصادية التي أنتهجها النظام السابق
المبحث الثاني: الاستراتيجية الاقتصادية التي طبقها الاحتلال "المشروع الاقتصادي للحاكم" المدني"بول بريمر" وآثار الحرب وتضمنت المرحلة الانتقالية خمسة عناوين :
1- المرحلة الانتقالية.
2- دور وكالة التنمية الامريكية والبريطانية.
3- عائدات النفط وصندوق التنمية .
4- برنامج الامم المتحدة الانمائي .
5- السيناريوهات المطروحة حول التوجهات الاقتصادية .
تطرقت الدراسة الى السياسة الاقتصادية التي أنتهجها النظام السابق وتوقفت عند النواقص والثغرات والمعالجات الخطيرة التي مورست والتي أدت الى أنهيار الاقتصاد ، والى معاناة المواطنين جراء الحروب وعمليات الحصار وما تمخض عنها من أجراءات أدت الى فشل أجراءات النظام في الحقلين الاقتصادي والسياسي وأدت الى دخول البلاد في هاوية التدهور والدمار.
وفي المبحث الثاني، توقفت الدراسة ملياً عند الاستراتيجية الاقتصادية التي طبقها الاحتلال أثناء المرحلة الانتقالية، ودور الوكالات الدولية ومنظمات الامم المتحدة والسناريوهات المطروحة. كما وأدت سياسات الحكومات المتعاقبة، في تعميق الفجوة بين فئات المجتمع العراقي وأدت الى تعمقيق الازمة وتدهور الاقتصاد الوطني. من خلال التغير المفاجئ للأقتصاد والانفتاح على أقتصاد السوق والتجارة الحرة ودخول الشركات المتعدية الجنسيات، التي أدت بشكل أو بآخر الى دخول الاقتصاد في أرتهانات جديدة عمقت من تبعيته للأقتصاد العالمي .

الفصل الثامن :- الاصلاحات الاقتصادية وخصخصة الاقتصاد العراقي ضرورة أو أمكانية
ويتضمن هذا الفصل خمسة مباحث:
المبحث الاول: الاولويات ...الاصلاحات الاقتصادية وما مضمونها وما أهدافها.
المبحث الثاني: مدخل للجوانب الاقتصادية للخصخصة .
المبحث الثالث: الدوافع الاساسية للخصخة وأهدافها .
المبحث الرابع: دور كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وأهدافهما .
المبحث الخامس: الاثار الاقتصادية والاجتماعية للخصخصة على الطبقات والفئات الاجتماعية داخل المجتمع العراقي .
قدمت الدراسة مناقشة نقدية وفكرية لتجربة التنمية في العراق ولتوجهات الاحتلال في ظل حكومة "بول بريمر" والحكومات المتعاقبة وأستطاعت الدراسة أن تعالج الجوانب النظرية والفكرية للخصخصة بتطبيق علم الاقتصاد ومنهجه العلمي ودراستة النقدية التحليلية ومنطق الاستقراءات التاريخية والامبريقية في مراقبة التجارب ، وفيه أبرزت الدراسة الجوانب العلمية لرفع أداء العمل التحليلي وتنمية قدراته على أعطاء أحكام في التعبير النقدي والفكري في الجوانب التاريخية وتسهيل تقديم المقارنات بين التجارب وصولا الى تقارب الافكار وأبراز بعض الصفات والخصائص المشتركة من خلال الاطلاع على هذه الخبرات وبعضها أجرى معالجات أحصائية وتلخيص هذه التجارب والمقارنات وأظهار عوامل الاختلاف وقياس الاهمية ودليل التشابه والترابط وتجاوز بعض المصاعب الخطرة التي ستواجه بلادنا والتوصية لتوطين بعض التجارب النافعة أو الخيارات التي تخدم الاقتصاد الوطني .
الجانب الاخر حاولت الدراسة التمييز مابين أقتصادنا والاقتصاديات الاخرى، من خلال مجموعة من البيانات التي تتعلق بالدخل والاسعار والتضخم والبطالة والخدمات،ومعالجة هذه الثغرات وتقديم تحليل علمي لما يعانيه الاقتصاد العراقي الآن . علماً إن البحث حرص أن يعالج القضية الاقتصادية بالترافق مع القضايا الاخرى السياسية والاجتماعية. بما يتلائم وظروف العراق أو في أيجاد مقاربة مناسبة ، يمكن من خلالها المزاوجة والتهجين بين القطاعين العام والخاص. في عملية البناء الاقتصادي ، بتنويع إطاراته وقطاعاته وتوطين القرارات الوطنية .
لقد صادفت الدراسة وهي تتناول هذه المعالجة ، صعوبات غير قليلة ترتبط بضعف الترابط والتنسيق بين أوجه العملية السياسية في العراق. بالاضافة الى عدم التجانس والانسجام في محاورها الفكرية وذلك بسبب تعدد المنابع الفكرية للمرجعيات، وبخاصةً صاحبة القرار إذ يضفي عليها الابتعاد عن المعالجات العلمية. فلا توجد أستراتيجية للتنمية الاقتصادية ولا أسترتيجية للتصنيع، وأنما أجتهادات فكرية أو سياسية لهذا الفصيل أو ذاك ، وهذا "ما صعب البحث" مما أضطر الدراسة الى تقديم بعض الآراء الفكرية التي تساعد على أنجاز هذه المهمة،وذلك بالبحث عن المشتركات والمقاربات بين سياقات القوى السياسية التي تقود العملية التنموية في العراق .
هذا وتحتوي الدراسة على مقاربة فكرية وأستنتاجات وتوصيات، بالاضافة الى ملحق بالمصادر.
كما وأحتوت الدراسة على أثنى وخمسون جدولأ وعشرة أشكال ورسوم وبعض الوثائق والمعلومات التي ترفق معها .

























الباب الاول
الجوانب النظرية للفلسفة الاقتصادية الليبرالية

تشيرمعظم البحوث الى أن علم الاقتصاد السياسي لايشكل أستثناءاً عن بقية العلوم الاجتماعية فهو قد تحقق تاريخياً عبر فترات زمنية ، وتكون من مجموعة من المفاهيم والنظريات وتبلور موضوعه ومنهجه ومحتواه على شكل مفردات علمية ولم يدخل " الاقتصاد السياسي " الى حياتنا العملية دفعة واحدة ، وأنما نما عبر مراحل ، فمصطلح الاقتصاد جاءنا عبر أرسطو ، الذي قصد فيه علم" قوانين الاقتصاد المنزلي " ولم يدخل المصطلح بصورته الحالية إلا في بداية القرن السابع عشر وهو ما تحقق على يد مجموعة من المفكرين يأتي في المقدمة منهم أنطوان دي مونكريتان عام 1575-1621، وليم بيتي 1623-1687، جيمس أستيوارت1712-1780، وكارل ماركس 1818-1883 ،و الفريد مارشال 1843 -1924 . ولا تهدف دراستنا هذه عن الاقتصاد السياسي كعلم لأن بحثها في مكان آخر، أنما تهدف الدراسة الى الجوانب النظرية للفلسفة الاقتصادية الليبرالية.
وتعود الدراسة النظرية للفلسفة الاقتصادية الليبرالية، الى موضوع التاريخ الاقتصادي الذي يهتم بدراسة النشاطات الاقتصادية Activities Economic، كما هي في الواقع او حسب تعبير أندريه بيتر Andre Pieter الذي يعني الحياة الاقتصادية أوتاريخ الوقائع الاقتصادية Vie حسب تعبير مؤرخي الاقتصاد الفرنسيين او بتاريخ الخبرات والتجارب الاقتصادية Fiats Experiences حسب تعبير شومبيتر Schumpeter او بتاريخ تطور العمليات الاقتصادية متجسدة عبر الزمن Process Economic System حسب تعبير اوسكار لانجه او تاريخ تعاقب النظم الاقتصادية*. ومفهوم الليبرالية Liberalism، وهي مفردة لاتينية وتعني" الحرية" وتعود جذورها الفلسفية الى مذاهب حركة التنوير** وفلاسفتها ومفكريها من امثال توماس هوبز 1588-1679 وجون لوك 1632 -1704 وجان جاك روسو 1712 -1778 وجون ستيوارت 1806 – 1873 وترددت مفاهيم "العقد الاجتماعي***" من قبل غيرهم من امثال ايما نوئيل كنت وفرانسيس بيكون 1694 – 1778 القائل "لا اتفق مع ما تقول ، ولكني سأدافع حتى الموت عن حقك في القول "عن آرائك" ، وديفيد هيوم ... والليبرالية عكست آمال الطبقات الصاعدة ، التي تتضارب مصالها مع السلطة الملكية المطلقة والارستقراطية من ملاك الاراضي من الاقطاعيين . وكانت الافكار تسعى للأصلاحات الجذرية وللتغيير الثوري ، فالثورة الانكليزية في القرن السابع عشر والثورات
______________________
* راجع المصادر التالية :- 1 مؤلف الاستاذ أبراهيم كبة – دراسات في تاريخ الفكر الاقتصادي – مطبعة الارشاد – بغداد – طبعة الاولى – الجزء الاول 1970 ص49 فما فوق.
2- د. دويدار ، محمد مبادئ الاقتصاد السياسي - الجزء الاول – الاقتصاد السياسي علم أجتماعي – تاريخ الاقتصاد السياسي- الاسكندرية -1993-ص 105 فما فوق .
3- بحث دراسات في الفكر الاقتصادي عباس الفياض منشور على موقع الجامعة العربية المفتوحة على الانترنيت .
**حركة التنوير اوعصر التنوير :Enlightenment- Age of مصطلح يشير الى القرن السادس عشر في الفلسفة الاوربية وغالبا، يعتبر جزء من عصر العقلانية، وهو يشير الى نشوء حركة ثقافية تاريخية ، دعيت بالتنوير والتي قامت بالدفاع عن العقلانية ومبادئها كوسائل لتأسيس النظام الشرعي للاخلاق والمعرفة " بدلا من الدين ومن هذا نجد ان ذلك العصر هو بداية ظهور الافكار المتعلقة بتطبيق العلمانية ، ورواد هذه الحركة كانوا يعتبرون مهمتهم قيادة العالم الى التطور والتحديث وترك التقاليد الدينية والثقافية القديمة والافكار اللاعقلانية ضمن فترة زمنية دعوها بالعصور المظلمة"4
*** العقد الاجتماعي : هو مصطلح يتردد على امتداد تاريخ ادبيات الفكر الانساني منذ القدم وفي عدة مجالات مختلفة ، ابتداءاً من ظهوره في فلسفات ( افلاطون وسقراط 400 ق.م ) ومن ثم دراسته وبلورته بشكل" نظرية علمية" على يد بعض علماء الاجتماع امثال ( توماس هوبز 1588- 1679، وجون لوك وجان جاك روسو 1712-1768) لتظهر انعكاساته كرمز محرك لأ حداث سياسية عبر مجرى التاريخ مثل الثورة الفرنسية 1789 ،ويعرف بأنه ، اتفاق مجموعة من الافراد فيما بينهم لتكوين " مجتمع" ،بناءً على قاعدة الفائدة المتبادلة وتجنب الاضرار ، مقابل تسليم الفرد لإرادة الجماعة ، ممثلة بالسلطة .
الفرنسية والامريكية في أواخر القرن الثامن عشر ، كانت افكارها مغايرة للسلطة المطلقة وللحكم الملكي القائم على مبدأ "الحق الالهي للملوك" ونادى الليبراليون بالحكم الدستوري والبرلماني ، وانتقدوا الامتيازات السياسية والاقتصادية ، لملاك الاراضي وللنظام الاقطاعي ، وهاجمت افكارهم مؤسسات الكنيسة والدولة آنذاك ، وشكلوا فلسفة سياسية واقتصادية ، تأسست على التقليد التنويري ، الذي حاول الاحاطة بقيود السلطة السياسية وتعريف ومساندة "الحرية الشخصية والملكية الخاصة".وهي برنامج ايديولوجي للبرجوازية الصاعدة من رماد الاقطاع ، وعن حاجياتها الملحة اقتصاديا وسياسيا لتحطيم. كافة الحواجز القائمة في طريقها وبطبيعة وقوانين وآليات النظام المدعوم من الاكليروس الكنيسي "النظام الاقطاعي" الذي لم يعد يلائم "آنذاك" النمط الجديد وموجات الجديدة المناسبة لمقتضيات حركة رأس المال في نهوضه وتوسعه ، وبما ان تلك الضرورات في مستوى البنية التحتية ، كان لابد لها من تحولات كبرى تناسبها في مستوى البناء الفوقي ٍٍSuper Structure.
وعلى مايبدو هناك من المفكرين*، من يربط مراحل التطور الاقتصادي بمراحل حضارة البحر المتوسط والتي يمكن تلخيصها من الحضارات اليونانية والرومانية والغربية الحديثة ، مرت بثلاث مراحل:-
المرحلة الاولى: تميزت بخضوع الاقتصاد Subordinate للتقاليد الدينية والاخلاقية ، حتى القرن الثامن عشر .
المرحلة الثانية: فأنها تتميز بتحرر المجتمع من التقاليد وينتزع الاقتصاد نحو التحرر ويتحول من أقتصاد خاضع الى اقتصاد مستقل Independent ، ودخلت اوربا هذه المرحلة أبتدا من القرنين الثامن والتاسع عشر. اذ يعتبر القرن التاسع عشر مرحلة هامة في تاريخ اوربا حيث تميز بالصراع بين الانظمة المحافظة الاقطاعية والحركات الليبرالية التحررية والقومية التي تزعمتها البرجوازية كما تتميز في بداية التوسع الاستعماري ونتشرت الافكار الليبرالية في أواخر القرن السابع عشر في أنكلترا ويقوم هذا الفكر على مبدأ الحرية الاقتصادية في المجال الاقتصادي والحريات الفردية والسياسية في المجال السياسي ، وانحصرت مبادئ الليبرالية في فكر الانوار ، الذي تبنته الثورة الفرنسية كمبادئ سياسية وأصبحت كأيديولوجية للبرجوازية ضد الانظمة الاستبدادية تلخصت في شعارالثورة الفرنسية -الحرية- المساواة – الاخاء.
المرحلة الثالثة : تتميز بأنحلال عناصر الفردية وتحول الحرية الى فوضى والسلطة الى استبداد، بسبب الطابع اللااخلاقي لتراكم الثروة ، وتضطر الدولة للتدخل في الحياة الاقتصادية ، ويتحول الاقتصاد الى الاقتصاد الموجه Dirge مرحلة تدخل الدولة Estates ... ولا تخلو هذه النظريات من المثالية والسطحية في علاقة الاقتصاد بالدولة لأن "جوهر المراحل يتحدد بطبيعة قوى الانتاج بعلاقات الانتاج والتفاعل بينهما" وأنطلاقا من هذه الرؤيا علينا ان نفرق بين المراحل التي مرت بها اي Economic Process النشاطات المتعلقة بأنتاج وتوزيع الوسائل المادية "أي السلع والبضائع" الضرورية لاشباع الحاجات البشرية والتي سبق وان جرت الاشارة اليها ، او ان العملية الاقتصادية الانسانية ، وان هذه العلوم تقسم الى علوم اقتصادية نظرية Theoretical ، اي دراسة قوانين التاريخ الاقتصادي وتاريخ الفكر الاقتصادي وتذهب بعض المؤلفات الاكاديمية الى اعتبار __________________________
* 1- هيوتن Heaton - الذي يدرس التاريخ الاقتصادي حسب التقسيم الاكاديمي التقليدي للتاريخ العام الى عصور قديمة ووسطى وحديثة – ومؤلفه: التاريخ الاقتصادي لأوربا .
2- بيرني Brinie - دراسة التاريخ الاقتصادي من زاوية القطاعات الاقتصادية ، زراعية ، صناعية ، تجارية – ومؤلفه: التاريخ الاقتصادي .
3- G. D. H Cole يدرس التاريخ الاقتصادي من زاوية التوزيع الجغرافي والاقليمي للعملية الاقتصادية – في مؤلفه : مقدمة للتاريخ الاقتصادي . وغيرهم ... للمزيد من التفاصيل راجع مؤلف أ. كبة ، أبراهيم دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي ص49-262.
Factual ان التاريخ الاقتصادي، هو علم وضعي يتناول الواقع التاريخي، للعملية الاقتصادية، علم وقائع، ان الوجه الواقعي "وجود- واقع" وجزء من القاعدة الاقتصادية Economic **** ، جزء من علاقات الانتاج ، والوجه النظري للعملية الاقتصادية "فكر– نظرية" وجزء من مفهوم الايديولوجية او مفهوم البناء الفوقي – العلوي Super Structure ، وعليه فأن التاريخ الاقتصادي هو الاساس المادي لتاريخ الفكر الاقتصادي الاجتماعية التي تحكم العملية الاقتصادية والنظم الاقتصادية والتاريخية المختلفة "البدائي ،العبودي ، الاقطاعي والرأسمالي". وتقوم هذه النظم المختلفة على اساس مشترك هو الانتاج والتوزيع، وكلها اقسام من علم الاقتصاد السياسي، وتشمل ايضا "تاريخ الفكر الاقتصادي "أو مايسمى احيانا بتاريخ المذاهب الاقتصادية"، وهناك العلاقة بين طبيعة الافكار النظرية ، ان يكون الحقل المجتمعي هو الاختيار الحقيقي ، فليس التنظيرات فقط مفاهيم تجريدية يمكن انتكتفي بمعاييرها ودلائلها بمقاييس محدودة وبموازنات ذهنية مجردة ، ولكي نفعل منهجية ملاحظاتنا ، لابد من التزود بمعطيات ملحوظة حول هذا النظام او ذلك الفكر في مختبرها المجتمعي ، لأستخلاص النتائج العملية والمراجعات النقدية على تلك الحالة المستقرة .

1- الرأسمالية التجارية

يشيرمؤرخو تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي الى أنه ظهر في بداية القرن الخامس عشر تيار جديد من الافكار الاقتصادية اطلق عليه أسم مدرسة التجاريين" Mercantilism " ، وقد استمر هذا التيار سائدا حتى منتصف القرن الثامن عشر ،" وأن الاقصاد الذي سبق المدرسة الكلاسيكية مباشرة ًً Pre-Classical Economy "بين أواخر القرن الخامس عشر وأواخر القرن الثامن عشر" يعبر عن نوعين مختلفين من الرأسمالية ، فالمدرسة الماركينتيلية تعكس آيدولوجية نشوء وتطور الرأسمالية التجارية Commercial Capitalism وأما رأس المال الصناعي الذي بدأ ينشأ ويتطور قبيل الثورة الصناعية "أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر" فقد انعكست حاجاته ومستلزماته في فريق اخر من الاقتصاديين سبقوا "آدم سمث" مباشرةً وتوماس* من اعتبارهم المؤسسين الحقيقين لعلم الاقتصاد السياسي ولا شك ان على رأس هؤلاء "توماس من ووليم بيتي" William Petty 1623-1687**. ومن البديهي ان تيارا فكريا ، يستمر طيلة هذه المدة ، لايمكن ان ينسب الى باحث أو مفكر واحد أو حتى لمجموعة صغيرة من المفكرين ، ولا يمكن أن يختصر الامر على الاقتصاديين بل شمل هذا التيار افكار مجموعة من السياسيين والاداريين ورجال الاعمال ، ولكن ما يجمعهم من افكار مشتركة انه رغم أختلافاتهم الجزئية ولكنهم "يلتقون في أفكارهم التجارية" ما يجمعهم افكارهم التجارية والتي خلص" آدم سمث" لتسميتهم بالتجاريين او المدرسة التجارية. والذي يمكن فهمه ان ظهور هذه المدرسة ، جاء استجابة للمتغيرات التي حصلت في المجتمع اثر تطور في الجوانب السياسية والاقتصادية والفكرية والنفسية ، كما كان عليه المجتمع في العصور الوسطى ،وعلى هذا لا نجد لدى المدرسة التجارية
__________________________
* توماس من 1571-1641 Thomas Mun أحد أبرز مفكري المدرسة التجارية في أنكلترا وقد ضمن أهم أفكاره في كتابه England Treasure by Foreign Trade. . والذي نشر بعد وفاته بعقدين من الزمن (1664) ، ويعد هذا المؤلف مرجع لمعرفة أفكار" المدرسة التجارية " في أنكلترا تحديداً وفي أوربا بشكل عام ... الذي أعتقد فيه "توماس" ، بأن المعدن النفيس هو مصدر الثروة القومية لأنكلترا وأساس قوتها ، بأعتمادهما عليه في تجارتها الخارجية وفي تأمين حاجتها من الذهب والفضة.
** وليم بيتي (1623-1687) William Petty ولد في هامشاير في 16 ديسمبر 1623 منحدر من أسرة فقيرة ، وكان والده نساجاً ، وعرف عنه إنه كثير الترحال ، الامر الذي أكسبه خبرة واسعة في الحياة كان طبيباً، وهجر الطب ليهتم بالقضايا الاقتصادية ، له العديد من المؤلفات الاقتصادية ، منها -1- مقالات في الحساب الاقتصادي ، 1660 -2- مقال في الضرائب 1662 .-3- بحث في النقود 1682 .

تحليلا اقتصاديا واسعا ، ولكنهم طرحوا أسئلة فحواها مايلي:ماهي الثروة ؟ وكيف توزع؟ ولماذا ترتفع الاسعار،؟ التي كان ظاهرة عامة في البلدان الاوربية آنذاك ، وللاجابة على ذلك ، توصلوا
الى ضرورة ان تكون الدولة قوية ، وان تكون غاية النظام الاقتصادي هو تحقيق القوة ، وسميت نظريتهم " الاقتصاد للقوة " ومن ان الثروة هي اهم ما يحقق قوة الدولة وان تسعى الدولة لتنمية ثرواتها. ومنذ آراء التجارين "فيما يتعلق بالثروة" التي يشيرون لها بأن ثروة اي بلد تتمثل ما بحوزته كما وتوصلوا الى ان كل بلد تسعى دولته للحصول على هذه الثروة ، لابد وان يكون على حساب من ذهب وفضة ، وقدموا رؤيا مغايرة للثروة ، أذ بينوا أن الارض والعمل هما عماد الثروة ، فحسب "بيتي" أن " العمل هو أب الثروة والارض أمها" Labour is the fatherland active principle of wealth , and lowed is the mother . وسادت هذه النظرة ، منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى ظهور الحدية . وتأثر مفكرو "المدرسة الطبيعية" برأي بيتي وفكرة الارض "بينما أخذ الاقتصاديون الكلاسيكون" والاشتراكيون بفكرة العمل ، أساس للثروة . ويعتبر الاب الفعلي لعلم الاقتصاد السياسي .
ولذلك نادى "التجاريون" في كل بلد بأن يسعى للحصول على الذهب والفضة من البلاد الاخرى ، وبصرف النظر عما يحدث لهذه البلدان ، وان كل دولة يجب ان تنظر لمصلحتها هي وان تحققها على حساب مصالح الغير ،ومما يلاحظ أن ظاهرة أرتفاع الاسعار في بلدانهم ، انما يعود لزيادة كمية النقود التي دخلت اوربا على اثر زيادة ورود الذهب والفضة اليها من "العالم الجديد" اي إن الدول الاوربية تصدر سلعا الى الدول وبالذات المستعمرات وبأسعار مرتفعة ، وتستورد منها الخامات والموارد الاخرى بأسعار منخفضة ، والحصول على الفرق بالحالتين، والذي يمثل فائضا في ميزانها التجاري مع الخارج لصالحها*، في مرحلة الماركنتيلية "التجارية" كانت التجارة تقوم بوظيفة خاصة ومتميزة ، تنحصر بأستجلاب الفائض الاقتصادي وتركيمه محليا ، والحيلولة دون نفوذه الى الخارج ، وقد استوجب ذلك ، ضرورة تدخل الدولة عبر سياسات متنوعة "قوانين الملاحة ، احتكار التجارة مع المستعمرات ، فرض الحماية الكمركية ....الخ" .
ويمكن أعتبارالماركنتيلية ، في واقع الامر، اول نظرية حول التبادل اللامتكافئ ، اي انعدام المساواة بين الشركاء المنخرطين في التجارة الدولية . وكانت تعكس وجهات نظر البلدان القوية والمهيمنة**. وأستوعبت الطبقة التجارية الصاعدة ، حاجاتها الى بناء علاقة متينة مع الملوك في إطار الدولة القومية على حساب الاقطاعين ، وبنشوء الدولة القومية ، في اكثر بلدان أوربا تعززت المصالح القومية ، الامر الذي دشن نشوء عصر جديد ، هو "عصر التوسع الاستعماري" وتحت ضغط المصالح القومية ، نشبت حروب طاحنة ، وذهب ضحيتها الآلاف من البشر بهدف الأستئثار بالمغانم من العالم الجديد ومن المستعمرات ، وأبرز هذه الحروب التي حصلت بين بريطانيا وفرنسا وهولندا واسبانيا . ونجحت بريطانيا في بسط نفوذها على شبه القارة الهندية بالأعتماد على شركة الهند الشرقية ، وكانت المستفيد الاكبر في عملية التوسع الاستعماري . ومما هو جدير بالاهمية ، ان دول أوربا الاستعمارية، قد اعتمدت سياسة عرفت " بسياسة العهد الاستعماري" والتي كانت تقوم على مجموعة من الضوابط والاجراءات التي تحكم هذه العلاقة ، ونوجزها :
- تعتبر المستعمرات مناطق نفوذ تابعة للدول الاستعمارية المعنية . تقوم هذه المستعمرات بحكم التبعية المطلقة، بخدمة المصالح الاقتصادية والسياسية للدول المستعمرة "بفتح العين".
_______________________
* راجع المصادر التالية :- 1- الاستاذ كبة، أبراهيم – دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي - مصدر سابق ص432 فما فوق .
2-مؤلف د. دويدار ، مبادئ الاقتصاد السياسي – الجزء الاول – مصدر سابق ص122 ص123.
3- دراسات في الفكر الاقتصادي - بحث عباس الفياض – مصدر سابق .
** راجع كتاب د. ياسر حسن ، صالح – العلاقات الاقتصادية الدولية –مطبعة دار الرواد المزدهرةللطباعة والنشر –بغداد 2006 ص 138
- ووفقا للعهد الاستعماري لايجوز لتجارة الدولة المستعمرة شراء السلع الخارجية إلا من مستعمرات الدولة التي ينتمي اليها هولاء التجار .
- والأهم من كل ماتقدم وبموجب العهد الاستعماري ، لايجوز للمستعمرات ،ان تنشئ صناعتها الخاصة بها ، مما يعني بالنتيجة ، ان تبقى هذه المستعمرات مجرد مصدر للمواد الخام التي تمد الدول الاستعمارية من جهه ، وسوقا مفتوحة امام منتجات هذه الدول من جهه ثانية*. أما المبادئ العامة لفكر المدرسة التجارية ، فقد أستطاع جوزيف شومبيترJ.SchumPeter في مؤلفه القيم " تاريخ التحليل الاقتصادي " والتي يمكن ان نوجزها بـ :
1- العلاقة بين ثروة الأمة ومالديها من معدن نفيس .
2- الاهتمام بدراسة ظاهرة ارتفاع الثمن .
3-تحقيق ميزان تجاري مناسب .
4- تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية .
5- ترتيب أوجه النشاط الاقتصادي للمجتمع وأعطاء الأولوية للتجارة الخارجية .
6- زيادة حجم السكان .
عرفت أوربا تجارب وتطبقات متنوعة ومتباينة في السياسات الاقتصادية طبقت خصائص كل بلد ، وهذا التمايز والتنوع يوحي وكأنه ثمة تيارات متمايزة داخل هذه المدرسة ، ولكن هنالك ايضا مشتركات بين مفكري هذه المدرسة ، خلصوا فيها ان الدولة القومية تكمن في ما تمتلكه من ثروة ممثلة بالذهب والفضة ، الامر الذي دفع بأتجاه تحسين الميزان التجاري** مع العالم الخارجي لصالحها*** ساد فكر المدرسة التجارية في أوربا وتحديدا في أنكلترا وفي عدد من الدول الاوربية، ومع وجود بعض الاجتهادات في الافكارمثل "الفرنسيين والاسبان وغيرهم" ، وفي انتهاج سياسات اقتصادية مستمدة من هذا الفكر ، ويمكن اعتبار كتاب توماس من Thomas Mun 1571- 1641 England’s Treasure by Foreign Trade .

التجاريون الفرنسيون

أستهدفت سياسة الفرنسين التجارية للحصول على الذهب والفضة وتشجيع أستيراد المواد الاولية والاشراف على نوعية المنتوج ، على تخفيض اسعار المنتجات الزراعية بهدف تأمين متطلبات الصناعة الوطنية من مواد خام وبأسعار مخفضة، وأن تتجه لزيادة الصادرات على الواردات ، وأن تكون الصادرات على المنتجات الصناعية وليس المحاصيل الزراعية ، وقد تسببت هذه السياسة في ألحاق ضرر بمصالح المزارعين... وقامت الدولة على تشجيع الصناعات الوطنية والحماية الرسمية لها وحضر تصدير أدواة الانتاج ومنع هجرة الايدي العاملة الماهرة وعلى فرض رسوم جمركية باهضة على السلع الخارجية وأسست شركات كبيرة لتصريف الصناعة بالخارج ، وشجعت الافراد على الاكتتاب في رؤوس أموال تلك الشركات ، وكان مهندس هذه السياسة كولبير**** الذي تعرض لنقد شديد في الوقت اللاحق ، نتيجةً لهذه السياسة التي ألحقت الاذى الشديد بمصالح المزارعين الفرنسين .
_______________________
* أنظر مؤلف د. حسن يحيى، أنيس– تاريخ الفكر الاقتصادي قبل آدم سمث – أبوظبي الامارات العربية المتحدة– المجمع الثقافي، 2003-ص 100.
** الميزان التجاري هو جزء من الحساب الجاري :Current Accoun ويشمل جميع الصادرات و الاستيرادات من السلع فقط،ويسمى بالتجارة المنظورة Visible Trade .
*** للمزيد راجع مؤلف أ . أبراهيم كبة - مصدر سابق ص 482
**** كلوبيرColbert وهو وزير فرنسي أسس مجموعة نظرية وسياسية للماركنتيلية سميت بأسمه "الكولبيرتيه" راجع مؤلف أبراهيم كبة مصدر سابق ص615.
التجاريون الاسبان

ركزت السياسة الاسبانية كثيراً على أهمية تدفق المعادن النفيسة اليها من العالم الجديد "الاكتشافات الجغرافية والمستعمرات" وبخاصةً الزيادات في كمية الذهب والفضة المتدفقة اليها والتي لم تصاحبها زيادة ملموسة في الانتاج ، الامر الذي تسبب في أرتفاع مستوى الاسعار أرتفاعاً تضخمياً . وفسر " بودان " هذه الظاهرة في دراسته عن النقود ، من أن أرتفاع الاسعار العام التي حدثت في أوربا أثر الاكتشافات الجغرافية وتدفق الذهب والفضة الى أسبانية ثم عن علاقاتها مع مستعمراتها قد خلفت و"سببت" أفقار شعوب المستعمرات وتكريس هذا التخلف في ظروف لاحقة*. وبالمقابل أيضاً دفعت أسبانيا بتأسيس صناعتها أنتعاش أسواقها .

أسباب أنحسار النظرية التجارية

تجدر الاشارة الى إن فكر المدرسة التجارية يختلف حسب تجارب الدول الاوربية التي طبقت هذه السياسة . فالتجربة الاسبانية تختلف عن التجربة الفرنسية وهذه تختلف عن النمسا وألمانيا أو في أنكلترا. ومما من شك إن هذا الفكر عانى من عدد من نقاط الضعف التي رافقته عند التطبيق ويمكن تحديدها بالنقاط التالية**:-
1- أخطأ مفكرو هذه المدرسة في تحديد معنى الثروة وخلطوا بينها وبين المعدن النفيس من الذهب والفضة . وفي حقيقة الامر، فإن الثروة في أي بلد لا تحدد بما يملكه من ذهب وفضة وإنما بما ينتجه .
2- أخطأوا في تشديدهم على ضرورة تحقيق فائض في الميزان التجاري للدولة، وفرض ضرائب جمركية على الواردات ، وهي سياسة ذات حدين، فهي تؤمن الحماية للمنتجات الوطنية من المنافسة، ولكنها ألحقت أضراراً فادحة بهذه البلدان نفسها . كما تسببت هذه السياسات في أندلاع حروب ضارية بين البلدان المتنافسة بهدف الاستأثار بالاسواق العالمية .
3- شاب الفكر تشوش كبير من الناحية النظرية في ما يتعلق بدراسة مسألة القيمة .
4- عجزوا عن تقديم تعريف دقيق وعلمي للنقود بأعتبارها مقياساً للقيمة ، ويعود ذلك الى الخلط بين النقود والثروة .
5- أدى تطبيق السياسات التجارية في بعض البلدان الى تكبد بعض الطبقات أضراراً جسيمة .
6- نظر الفكر التجاري للمستعمرات ، على أنها مصدر للمواد الاولية الخام لصناعات الدول الاوربية المستعمرة وسوقاً لتصريف منتجات هذه الصناعات . وبعبارة أخرى نظر التجاريون الى المستعمرات على أنها بقرة حلوب وسعوا الى أبقائها على وضعها دون تغيير . ومن هنا يمكن القول إن غنى كثير من الدول الاوربية جاء على حساب تأخر المستعمرات وأملاقها وأستغلالها ، كما جرى لأستخدام الرقيق الأفريقي في الامريكيتين غير مكترثين بالابعاد الأنسانية لهذه السياسات، ويمكن أعتبار هذه السياسة الاستعمارية أهم إدانة للفكر التجاري .
________________
* للمزيد أنظر مؤلف سنتيش ، توماس – نقد نظريات الاقتصاد العالمي –ترجمة عبد الاله النعيمي –الجزء الاول-مركز الابحاث و الدراسات الاشتراكية في العالم العربي الطبعة الاولى 1990
** للتفاصيل أكثر: راجع المصادر التالية: 1- مؤلف د. يحيى ، أنيس حسن – تاريخ الفكر الاقتصادي – مصدر سابق ص 142 . 2 - راجع أيضاً : كتاب كاظم ، محسن – تاريخ الفكر الاقتصادي أبتداء بنشأته وأنتهاء بالماركسية – صادر 1989 – الكويت ذات السلاسل للطباعة والنشر ص72 .



2- المذهب الطبيعي او الفيزوقراطي* Physiocrats

مذهب نشأ في فرنسا في القرن الثامن عشر وذهب اصحابه الى القول بحرية الصناعة والتجارة وبأن الارض هي مصدر الثروة كلها، وذهب المفكرون الفرنسيون وعلى رأسهم فرانسوا كينيه** بنظرية اقتصادية ترتكز بالاساس على فكرة القانون الطبيعي وتنطلق من معرفة العلاقة بين الانسان والطبيعة وعرفت مدرستهم بمدرسة الطبيعيين وأخذ هؤلاء المفكرون يكتسبون معرفة جديدة اكثر دقة وذلك عن طريق دراسة الطبيعة بموضوعية وأدركوا بأن الارض ليست مركز العالم بل تدور حول الشمس والكشف الذي أهتدى اليه هارفي بشأن الدورة الدموية والنظريات التي طلع بها نيوتن عن الجاذبية والحركة، وأصبح البحث ينصب على تفسير النتائج والاسباب التي تتعلق بشأن تنظيم المجتمع لاسيما من ناحية توزيع الثروة بطريقة عادلة إلا ان الجامع المشترك بينهم حول حرية العمل التي يعبر عنها شعارهم المعروف "دعه يعمل دعه يمر او دع الامور وحدها تسير" فالطبيعة كفيلة بالتوازن ،ومما يجدر الاشارة إليه الى ان جذور فكرة القانون الطبيعي تمتد بعيدا في تاريخ الفكر البشري، فقد بدأت هذه الفكرة مع أرسطو ثم انتقلت الى المفكرين الرومان الذين بلوروها على نحو اعمق ، ثم انتقلت بعد ذلك الى المفكرين "المدرسيين" في القرون الوسطى في أوربا .
أما المذهب الطبيعي ، الذي يؤكد على الزراعة ويعتبرها القطاع الاساسي المنتج في الاقتصاد ، انطلاقاً من أفكار وليم بيتي بصدد الثروة –وفكرة الارض كأساس للثروة ،ولذلك هاجم دعاة المذهب الطبيعي القيود التجارية بأعتبارها تحد من تحقيق زيادة في الطلب على المنتجات الزراعية . ودعوا الى حرية التجارة، وعدم فرض قيود على الاستيراد من العالم الخارجي، لان الاستيراد لدولة معينة يشكل صادرات لدولة أخرى . وحسب رأيهم عندما تلجأ دولة معينة الى اتباع سياسة تقييد الاستيرادات، فأنها تفرض قيودا على الصادرات اليها، التي تمثلها أستيراداتها من الدول الاخرى. ويعتقد "مفكرو المدرسة الطبيعية" بوجود قوانين طبيعية تحكم المجتمع الانساني وتؤمن له سعادته وهذا الاعتقاد ينطبق على الظواهر الاقتصادية في كل زمان ومكان...والى أفتراض وجود تفاوت في الثروة بتفاوت قدراتها وتوصلوا الى جملة من المبادئ :
1- مبدأ الحرية الفردية
2- مبدأ المنفعة الشخصية
3- مبدأ المنافسة
ويمكن تلخيص فكر السياسة الاقتصادية التي نادى بها مفكرو هذه المدرسة ... بعبارة مكثفة "دع الامور تسير بأعنتها " مما يعني أن مفكري هذه المدرسة كانوا يتشددون على ضرورة بقاء النشاط الاقتصادي حرأ، وبعيدأ عن تدخل الدولة . "وهو توجه جديد في الحياة الاقتصادية، ويتعارض كلياً مع السياسات الاقتصادية التي تبناها " التجاريون " في حقبة تاريخية سابقة".



__________________
* المذهب الطبيعي : يطلق أسم الطبيعيين على مجموعة من المفكرين في المقدمة منهم فرانسوا كينية 1694 – 1774، كان طبيباً بارزاً وأنشغل بالأقتصاد . وفكرة النظام الطبيعي خلفها "النظام الكنسي" وسارت في القرن الثامن عشر، كما ظهر ماكيز ديميرابو 1715 – 1789، و مرسيه ديلافير 1720 – 1793، و ديبون دينمور وشكلوا مدرسة لها أساس نظري وسياسي .
** للمزيد أكثر أنظر المؤلفات التالية:- 1- مؤلف سنتش ، توماس – مصدر سابق – ص 17 وما يليها .
2- كبة ، أبراهيم – مصدر سابق – ص 27 وما يليها .
3- مؤلف د. دويدار ، محمد – مصدر سابق – ص137 .
4- دراسات في تاريخ الفكر الاقتصادي بحث عباس الفياض – مصدر سابق .
5- ويكيبيديا الموسوعة الحرة .
تقويم الفكر الطبيعي*
كان للفكر الطبيعي حسب مايشار في الكتابات الى إنه اللبنة الاولى في تأسيس علم الاقتصاد السياسي كعلم مستقل ، فقد أستخدموا أسلوب النموذج في التحليل الاقتصادي "ولذا يمكن أعتبارهم بحق مؤسسي علم الاقتصاد الحديث" كما أسهمت أفكارهم في التخفيف الى حدٍ كبير من القيود التي تحكمت بالنشاط الاقتصادي في عصر التجاريين وسادت مجتمعات أوربا تحت تأثيرهم. ويعود الفضل لمفكري الطبيعيين فرانسوا كينيه وأصحابه في أدراك "إن الثروة والناتج وتوزيع الناتج جديرة بأن تعزل عن بقية مشكلات المجتمع" بهدف بحثها ودراستها ، بشكل مستقل علمي رصين ولهم الفضل في أستحداث الجدول الاقتصادي، وإن الانتاج يقوم على أساس دورات سنوية متتابعة يستهلك أنتاج كل سنة أما في السنة نفسها، أو يصبح من المدخلات Inputs لأنتاج العام اللاحق، وجعل الطبيعيون الزراعة النشاط المحوري للأقتصاد والقطاع الوحيد التي ينتج ناتجاً صافياً ، كما وأدخلوا الى سيادة القانون الطبيعي في أوربا وذلك بالأعتماد على فكرة القانون الطبيعي وتمكنوا في الانتصار للمذهب الفردي أو الحر، وهو المذهب الذي ساد في الاوساط الفكرية في أوربا حتى منتصف القرن العشرين وتبنوا فلسفة أقتصادية – أجتماعية، تتعارض كليةاً مع فكر التجاريين وتتناقض معها في كل شئ بأعتبارهم الزراعة أساس ومصدر ثروة المجتمع .
وقد تأثر لاحقاً آدم سمث بفكر الطبيعين عند بحثه في العوامل التي تحكم توزيع التجارة الخارجية بين البلدان الداخلة في علاقات تجارية فيما بينها ، كما وتأثر أيضاً بأعتقاده بوجود أنسجام بين المصلحة الخاصة للفرد والمصلحة العامة للمجتمع .

3- المدرسة الكلاسيكية
تجري الاشارة الى فكر جون لوك** عند الحديث عن الجوانب السياسية للمدرسة الكلاسيكية وفي جوانبها الاقتصادية لفكر آدم سمث و ديفيد ريكاردو التي كانت تقنن مستلزمات الرأسمالية الصناعية في أنكلترا بعد الثورة الصناعية ، "آدم سمث"*** 1723 - 1790،وديفيد ريكاردو ومالتس وجون ستيوارت مل .
وهي ترتكز في جوانبها السياسية على ثلاث اسس:
أ- فصل الدين عن الدولة .
بـ- التعددية البرلمانية "الديمقراطية".
جـ- ضمان حرية الافراد .
وهي تبحث في طبيعة الحكم ، هل هي "تعاقدية ، او ائتمانية" بين الحاكم والمحكوم ام حق مطلق للحاكم ، وهذا البحث ادى الى التحليل في احوال وانظمة الحكم السائدة في اوربا ، حيث الصراع آن ذاك بين الملكيات والقوى البرلمانية ، فالملكية كانت تعتبر " الحكم حقها المطلق الموروث ، والممنوح لها من خالق الكون، وحكمها بمشيئة إلهية" وهو في هذه الحالة ، ليس مسؤولا تجاه المحكوم بشئ .
اما القوى البرلمانية فقد رفضت ادعاء هذا الحق وقررت ان الحكم ليس حكرا لفئة معينة "دون ___________
* للتفاصيل أكثر راجع المؤلفات التالي :-1- مؤلف د. يحيى، حسن أنيس - تاريخ الفكر الاقتصادي قبل آدم سمث – مصدر سابق – ص178 وما يليها.
2- مؤلف د. محسن ، كاظم – تاريخ الفكر الاقتصادي بتداءً بنشأته وأنتهاء بالماركسية – مصدر سابق – ص68 فما فوق .
** للمزيد أكثر راجع :- 1- أبراهيم كبة – مصدر سابق –ص 27 وما يليها . 2- د. دويدار ، محمد – مصدر سابق –ص 137 .
*** آدم سمث 1723 – 1790 يعتبر أبو الرأسمالية وأبرز ممثلي الاقتصاد السياسي الاكلاسيكي ، ألف كتاب "دراسات في طبيعة وأسباب ثروة الامم" – صادر عام 1776 ، وهو أول دراسة علمية لقضايا الاقتصاد السياسي ، ولعب دوراً بارزاً في وضع نظرية "القيمة ، العمل"وأعتبر أن مصدر القيمة هو كل عمل بصرف النظر عن شكل العمل أز نوعيته ، كما صور بنية المجتمع البرجوازي الطبقية "عمال مأجورين ، رأسماليين ، مالكين زراعيين"
واضعاً العمال على طرفي نقيض من الطبقتين الاخريتين ، ويعتبر إن الاجر ثمن العمل .
غيرها" ، وأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة "ائتمانية تعاقدية" وتذهب هذه الافكار، ان الانسان له حقوق طبيعية في الحرية والكرامة وحب الاقرار ، بأن الحكم يجب ان يكون مبنيا على رضا المحكوم، فالشعب هو مصدر الحكم، والحكم حينئذ مسألة امانة لا مسألة حق للحاكم. ويبدو إن مسألة سوء استعمال السلطة قديمة ، قدم التاريخ البشري وأختلف حولها المفكرون، فأفلاطون على سبيل المثال ، كان يرى إن المشكلة، تحل اذا اجتمعت السلطة والفلسفة* في شخص واحد . غير ان "توماس هوبز" وقف بالضد من ذلك، ورفض معادلة "افلاطون" مشددا ان السلطة وحدها ، هي العنصر الاهم في بناء مجتمع مستقر، وهو أيضاً كان معارضاً للحل الليبرالي ، وفلسفته التي تقوم على ان هناك علاقة عكسية بين الحرية والاستقرار، وهو يعطي "هوبز" الحاكم سلطة شبه مطلقة ، مشيرا الى ان بدون السلطة المطلقة ، لا نظام ولا استقرار ولا أمان... اما الحل الليبرالي الذي وضعه "جون لوك" وطوره "مونتسيكو"، يرفض حصر الخيارات، بأفكار "هوبز" ويقدمان خياراً ثالثاً ، وهو حكم القانون وسيادته وأصلاح مؤسسات المجتمع وتطويرها .
وفي الجوانب الاقتصادية فقد وضعت الفلسفة الليبرالية منهاج عمل لتنظيم الشؤون الاقتصادية في المجتمع، وشكلت اطارا نظريا وفكريا، تنطبق فيها مجموعة السياسات الاقتصادية "الجزئية والكلية"، التي تتحكم بمجموع النشاطات الاقتصادية في المجتمع ، ودعت الى عدم تدخل الدولة في الاقتصاد والى حرمانها من تولي وظائف صناعية اوتجارية ولا يحق لها التدخل في العلاقات الاقتصادية ، التي تقوم بين الافراد او الطبقات او الفئات او الامم، والسبب في هذه النظرة، حسب "آدم سمث" هي تضرر المصلحة الاقتصادية الفردية والجماعية متى تدخلت الدولة. وبنى "سمث" فرضيته في ذلك ، الى إن المحرك الوحيد للانسان، والدافع الذي تكمن ورائه، كل تصرفاته الطوعية هو الرغبة في خدمة مصالحه وأرضاء إرادته ، وأعتبر ان الاقتصاد تنظمه مجموعة قوانين خاصة ، كقانون العرض والطلب وقوانين الطبيعة الانسانية ، وكانت لديه قناعة تامة ، إن هذه القوانين ، أذا ماسمح لها ان تأخذ مجراها دون تدخل الدولة ، تقوم بمهامها على اكمل وجه ، فتخدم مصلحة المجتمع وتحقق رغبات الفرد.
وعلى ما يبدو ان آدم سمث ، وضع هذه القوانين بقناعته وتصميمه ، في انها تشكل نظاما غائيا متعمدا ، وحقيقة الامر ، هي ليست كذلك او على الاقل هذه افكاره ، في ظل نظام اقتصاد السوق الحره ، لا تسمح للدولة الحارسة او الراعية إلا بالوظائف التالية :
أ- الوظيفة الاولى : حددت في البنية الاساسية "القاعدة التحتية" من طرق وجسور ، وشبكة مياه وصرف صحي ... وغيرها من الانشطة الخدمية .
بـ- الوظيفة الثانية : الحفاظ على توفير الامن والأستقرار الداخلي ، وحماية الديمقراطية وضمان تحقيق الحياة السياسية.
جـ- الوظيفة الثالثة: الدفاع عن الوطن من الاعتداءات الخارجية. وتبلور هذا الفكر في اوربا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وشكل فلسفة سياسية واقتصادية، تأسست على التقليد التنويري كما ذكرنا الذي حاول الاحاطة بقيود السلطة السياسية،وتعريف ومساندة "الحرية الشخصية والملكية الخاصة" ويعتبر ذلك بمثابة برنامج أيديولوجي للبرجوازية الصاعدة من رماد الاقطاع، وعن حاجتها الملحة اقتصاديا وسياسيا لتحطيم كافة الحواجز والعراقيل القائمة في طريقها، المقترنة بطبيعة وقوانين وآليات النظام الاقطاعي المدعوم من الاكليروس الكنسي، القسري الذي لم يعد مناسبا آنذاك للطموحات الجديدة ولمقتضيات حركة رأس المال في نهوضه وتوسعه،وبما ان تلك الضرورات في مستوى البنية التحتية كان لا بد لها من تحولات كبرى تناسبها في مستوى البناء الفوقي .
_______________
* الفلسفة : جاءت من Phio – Sophi وتعني " حب الحكمة ".
ويستند هذا النظام على مجموعة من المصادر التي تقدم القاعدة الفكرية التي يرتكز عليها النظام الجديد ، والذي تنبع منها مجموعة من المعاني والتفسيرات المتعلقة بالعديد من الوظائف والخصائص، واسلوب سير النظام الاقتصادي وكيفية ادائه لوظائفه لتحقيق الارباح.
بالاضافة لتقويض وتدمير آليات النظام القديم الذي كانت "النباله" فيه عنوانا لـ "أمتياز" كما كانت "الحقوق" هي المعادل الموضوعي لـ "حيازة الارض" وبشروا نظريا بمجتمع جديد وانظمة سياسية بديلة عن انظمة القرون الوسطى ، بحيث ادت هذه الانظمة الى نزع الصفة الالهية عن سلطة الملوك ، وعزلت الدين عن الدولة ، واحدثت نظاماً اجتماعياً مصدر الثروة فيه " رأس المال" القائم على الملكية الخاصة وحرية السوق المستندة الى حرية المنافسة.
وقد ابرز آدم سمث "1790" الليبرالية الاقتصادية ، وهي الحرية المطلقة في المال دون تقييد او تدخل من الدولة ومنعها من تولي وظائف صناعية او تجارية وتبنت الليبرالية شعار الثورة الفرنسية " دعه يعمل " وهذه في الحرية الاقتصادية ودعه يمر في الحرية السياسية .
ويعتبر كتاب "ثروة الامم" لآدم سمث ، اول كتاب يدرس في علم الاقتصاد الذي اقتبس افكاره من الطبيعة الانسانية بشكل ملحوظ من الافتراضات الليبرالية والعقلانية ، وكان له اسهامه المؤثر في الجدل حول الدور المرغوب فيه للحكومة داخل المجتمع المدني ، ومثل جوانب اخرى من الليبرالية الاولى كان ظهور علم الاقتصاد السياسي الكلاسيكي في بريطانيا كما وتبنت هذه الافكار ايضا الولايات المتحدة الامريكية .
كما وجاء كتاب" سمث" في وقت فرضت فيه الحكومة قيودا صارمةعلى النشاط الاقتصادي في ظل الراسمالية الماركنتيلية "التجارية" التي كانت مسيطرة في القرنين السادس عشر والسابع عشر حيث تدخلت الحكومات في الحياة الاقتصادية من اجل تشجيع التصدير والحد من الاستيراد . كما ويأتي الكتاب ردا على الفيزوقراطية الفرنسية التي أكدت على ضرورة قيام علاقات توازن في الاقتصاد الوطني وتطوير الزراعة على الضد من التجارة الخارجية وبناء صناعة موجهه نحو التصدير ، وراحوا يبحثون في الطبيعة من ناحية توزيع الثروة وتحت شعار "دعه يعمل دعه يمر" اودع الاموروحدها تسير، فالطبيعة كفيلة بالتوازن .
وجاء "سمث" ليقول بأن، الاقتصاد يكون في اوج نشاطه مع عدم تدخل الدولة . وفي رأيه ،ان السوق تعمل حسب رغبات وقرارات الافراد الاحرار ، وان الحرية في السوق هي حرية الاختيار، مقدرة المنتج على اختيار السلعة التي يصنعها ، ومقدرة العمال على اختيار اصحاب الاعمال، ومقدرة المستهلك على اختيار السلع والخدمات للشراء ، فالعلاقات في هذه الاسواق بين صاحب العمل والعمال وبين البائعين والمستهلكين علاقات تطوعية او عقدية.
وتقوم النظرية الاقتصادية الليبرالية، على فكرة "الرجل الاقتصادي" وهي ان الانسان يسعى الى اكبر قدر من المنفعة، وذلك بالكسب المادي، كما واستخدموا في مراحل لاحقة فكرة" اليد الخفية" لشرح كيف إن المشكلات الاقتصادية تحل مثل البطالة والتضخم والعجز في ميزان المدفوعات – يمكن القضاء عليها من خلال آليات السوق ،وهكذا يمكن القول، ان الليبرالية الاقتصادية والسياسية الاكلاسيكية نمت وترعرعت في رحم النظام الراسمالي، كنتاج لمرحلة السوق الراسمالية ولتبرير المفهوم النظري لحقوق الطبقة البرجوازية الصاعدة والتي بدورها استندت الى العديد من النظريات ، كنظرية الحقوق والحريات الطبيعية ونظرية العقد الاجتماعي*، والنظريات التجريدية.
- فأذا كانت الماركنتيلية فيما يتعلق الامر بالعلاقات الاقتصادية الدولية الرأسمالية ، كانت تعكس على نحو مكشوف وسافر وجهات نظر البلد القوي المهيمن ، الذي تبوأ موقفا متفوقا على مواقع البلدان الاخرى ، ويسعى الى استغلالها .
- كانت الفيزيوقراطية تعبر عن وجهة نظر الدفاعية للبلدان الاقل نجاحا، المتخلفة عن الركب ، المطالبة بالمساوات في العلاقات الدولية والتي تحتاج الى سياسة اقتصادية توجه انظارها بقدر اكبر الى الداخل .
فكان علم اقتصاد "سمث و ريكاردو " البرجوازي الكلاسيكي ، قد وضع الاقتصاد الدولي على نحو يوحي وكأنه يعبر عن مصالح الجميع بما في ذلك مصالح الشركاء الاضعف ، مع ان وصفه كان ينطلق من مصالح البلد الاكثر صراع بين الطبقات .

4-الاشتركية الطوباوية
هي أفكار وجدت في مراحل وعصور عديدة يطمح فيها الانسان أن يعطي تصوراً لمجتمع افضل من المجتمع الدي يعيشه بما فيه من فقر وظلم وقسوة ولقد لعبت هذه الافكار دوراً هاماً في التمهيد لظهور الفلسفة الماركسية خاصًةً "المادية التاريخية" منها حيث كان بعض المفكرين ينظرون الى "الاشتراكية" بأنه النظام الذي ينقل الناس الى مجتمع افضل وأكثر رخاء .
لقد ارتكزت افكار هؤلاء الرواد بمطالبتهم بضرورة انتشار الملكية العامة والعمل الجماعي بما يسمح بالقضاء على بؤس الجماهير، لكنهم لم يروا السبل المؤدية الى التحول الاشتراكي وانكروا دور الثورة والصراع الطبقي او أنهم لم يفهموه ، واعتبروا ان الطريق الى الاشتراكية يمر عبر التنوير وتعاون الطبقات، وأصيبت أفكارهم بالاخفاق عند التطبيق وأهم رموزها سان سيمون 1760-1825 ، وفوربيه 1772-1837 وروبرت أون 1771-1858 .

5- المدرسة الماركسية :
أن "كارل ماركس" جاء في تنظيراته وطريقة عرضه فيما يتعلق بدراسة الاقتصاد السياسي مختلفاً عن سابقيه من المفكرين وقد درس كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع وانتقالها من شكل الى شكل آخر ومن مجتمع الى مجتمع آخر ، وحينما يكشف ، أستنتاجات قد بلغت الهدف ، يفحص بالتفصيل النتائج التي تظهر بها في الحياة الاجتماعية ... ويقيم الدليل على ضرورة النظم الاجتماعية المعينة للعلاقات الاجتماعية ، ويستمد عناصره ومعطياته وبالتالي قوانينه من الدراسة العلمية الملموسة للواقع الاقتصادي والاجتماعي والفكري . من خلال تتبعه لحركة التاريخ ، وهو ناقد للأفكار والنظريات او المرجعيات او الخبرات ، وأن كان يستلهمها ، لكن مشروعه العلمي ، يشكل قطيعة وخروجاً عما هو مألوف ، وفي الوقت نفسه يقدر ويحترم كل الافكار المطروحة وفي مختلف الظروف، وافكاره ليست مجرد نظرية معرفية، وانما تتضمن ايضا موقفا موضوعيا كنظرية لتغيير الواقع تغيرا جذريا، ولأقامة واقع آخر يتخلص فيه الانسان من استغلال اخيه الانسان . ودراسته للاقتصاد السياسي ومشاركته في الاحداث الثورية في المانيا وفرنسا، اكتشف لأول مرة الدور التاريخي للبروليتاريا "العمال الصناعيين"، وتوصل الى النتيجة القائلة إن كيفية الثورة الاجتماعية تتطلب ضرورة توحيد حركة الطبقة العاملة، ومن خلال تحليلاته للنظام الرأسمالي، الذي تحولت فيه "قوة عمل" الانسان الى بضاعة، حلل البضاعة "صنمية البضاعة" تمكن من خلالها وضع نظرية "فائض القيمة" الشهيرة التي تمثل حجر الزاوية في الاقتصاد السياسي الاشتراكي التي تكشف بوضوح عملية الاستغلال الراسمالي ، فهو قد ناقش النظريات الاقتصادية، التي وضعها كل من "آدم سمث" و"ريكاردو" وبخاصة نظرية "القيمة- العمل"، واهميتها ،حسب "ماركس" كونها أوضحت ولاول مرة اهمية الاساس الاقتصادي لنشاط الناس ، كما بينا "سمث وريكاردو"، ان تطور المجتمع يرتكز الى التفاعل الاقتصادي بين الناس ، لكنهما ، كونهما من المدافعين عن الرأسمالية، عملا على تبرير استغلال الرأسمالين للعمال ، وصورا لهذا الاستغلال تفاعلا بين شريكين متكافئين في إطار علاقات السوق . اما الارباح ، فأعتبراها مكافئة للرأسمالي على تنظيم الانتاج وادارته .
كما عالج ماركس مشكلة التبادل اللامتكافئ واعتبر في تفسيره للتجارة الدولية من الناحية التاريخية كمظهر من مظاهر التناقض بين قوة الانتاج وعلاقات الانتاج، وإن مذهب الحرية الاقتصادية والملكية الخاصة هما السبب في تردي الاوضاع المعيشية للطبقة المحرومة من وسائله ، وان عملية الانتاج حسب "ماركس" ، التي هي الاساس الذي يحدد حجم وهيكل التجارة الدولية. ولكنه ايضا انتقد مذهب الحرية الاقتصادية.
وحين نضع هذه المقدمات في دراسة وتتبع الفكر الليبرالي ودراسة تاريخ المذاهب الاقتصادية على اختلاف المراحل التاريخية التي مرت لكونها "الافكار والنظريات والقوانين" قدمت منابع فكرية هامة للمجتمع البشري ، الذي نعيشه الان ، ووفرت أرضية ننهل منها ، معارف نظرية عن حياة الناس وفي تحديد طابع الاقتصاد ، ليس لكونه "الاقتصاد" مذهب اونظرية وانما لكونه يرتبط بقوانين ، نظام انتاج الثروة المادية وتوزيعها على الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة، عبر هذا السفر التاريخي المحدد . هذا بالاضافة الى ان هذا التحديد يرتبط بمجموعة من العناصر المرتبطة بهذه القوانين "العلاقات الداخلية والترابط فيما بينها وبين الظواهر التاريخية وعلاقاتها بالنظام الانتاجي" اي بمجموعة العلاقات البشرية اثناء عملية الانتاج الاجتماعي، وفي خلق الثروة المادية وتوزيعها على الطبقات والافراد ، وعلاقتها بمالك وسائل الانتاج في المجتمع .























الفصل الاول
توجهات الاستراتيجية لليبرالية الجديدة ومشاريعها

يشير معظم الباحثين الى الليبرالية من حيث وجودها النظري والفلسفي تشهد تباينات وأختلافات شديدة في الرؤى والتفسير، فالفكر الليبرالي عند جون لوك يتميز عن ليبرالية ماديسون ، ولبرالية فريدريك هايك تختلف عن ليبرالية توكفيل، والليبرالية بمنظورها التحرري الاطلاقي عند فريدمان او بوشنان او نوزيك تختلف عن الليبرالية بمنظورها عن ملينارد كينز . وفي الواقع العملي تبدو الليبرالية تتشكل من عدة أجتهادات مختلفة ، وهي أكثر تعقيد، وتتطلب عند معالجتها امتلاك أدوات منهجية عميقة. ولكن مايميزخطابها "الكلاسيكي والمعاصر" هو الاهتمام المفرط بمبدأ الحرية ، وتعتبر بأن الحرية الغاية الرئيسية التي يتطلع اليها الفرد ، ونظراً لعدم اتفاق الغايات والمصالح لدى الافراد ، فأن المفكرين والمنظرين عموما ، قد فشلوا تاريخيا في الاتفاق على الاجابة ، حول السؤال العريض، وهو ماهي الحياة المثلى للانسان؟. التي يتطلع من خلالها لتحقيق حريته وسعادته ...ودون وصول الفكر الفلسفي للاجابة على ذلك ، ترك المكان للفكر السياسي من قبول حقيقة، انه لكل فرد الحق والحرية في اختيار اسلوب الحياة وفي اختيار مفهوم الخير والسعادة الذي يناسبه . ولكون الفرد لا يعيش في غابة اومنعزلاً، او سائبا بل انه محكوم بالحياة مع بقية الافراد، وهو محكوم بنظام اجتماعي محدد، وفي منطقة جغرافية محددة، فهو بالضرورة محكوم في نطاق الدولة...ونقطة الانطلاق في الفكر الليبرالي هو الحرية، فأن هذا المفهوم يصطدم ذاته بالدولة فهو رافضا لها، في حين يرتكز المبدأ الفكر الليبرالي ، على مفهوم ليس للدولة دور فيه ، سوى تأمين المسار السليم للوصول الى هذه الحرية كما يريدها الفرد . وهي في هذا المقام لا تنشأ لكي تدافع عن سعادة وفضيلة قررها الفرد بعيدا عن رقابتها ، بل اختزل دورها في الفكر الليبرالي ، في خلق "حالة من التعايش بين الافراد في داخل المجتمع" .
وفي الجوانب الاقتصادية ، يرى هذا المذهب ، لاينبغي للدولة ان تتولى أدارة الاقتصاد او تبني وظائف صناعية او تجارية ولا يحق لها التدخل في العلاقات الاقتصادية ، التي تقوم بين الافراد والطبقات او الامم ، وكما "أشير من قبل" ولا يختلف المنظور السياسي عن المنظور الاقتصادي حيث يعتقد الليبراليون، ان الحكومة التي تحكم بالحد الادنى يكون حكمها أفضل...ويعتقدون ايضاً، إن الاقتصاد ينظم نفسه بنفسه اذا ماترك بمفرده حراً "دعه يعمل" وان الاقتصاد الذي نظمه آدم سمث من خلال مؤلفه "ثروة الامم" وهوالنظام الاقتصادي لحركة الرأسمالية، وان مفهوم الحرية التي يطالب بها الليبراليون هي حرية حركة المال والتجارة وحرية العمل، وحرية التعاقد الاجتماعي...وان الذي يحكم قواعد اللعبة هو قانون العرض والطلب في السوق .
ويعتبر القرن التاسع عشر في كثير من جوانبه قد تحققت فيه نجاحات لصالح الافكار الليبرالية مع انتشار التصنيع في البلدان الغربية ، حيث قيام النظام الصناعي وأقتصاد السوق الخالي من تدخل الحكومة ، حيث يسمح فيه الاستحواذ مباشرة على الارباح من خلال عمليات الاستغلال العديدة، وتسود فيه التجارة الحرة بين الدول بدون قيود . وقد نشأ هذا النظام في البداية في أنكلترا في منتصف القرن الثامن عشر، وأصبح راسخاً في أوائل القرن التاسع عشر، ثم انتشر في أمريكا الشمالية ثم غرب أوربا وتدريجياً طبق في أوربا الشرقية .
وتغلغل في القرن العشرين في الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وخاصةً ان التنمية الاجتماعية والسياسية تم تعريفها بالمنظور الاقتصادي الغربي المتمثل في نظرية التقدم المادي*.
_____________
* نظرية التقدم المادي "حسب المفهوم الليبرالي" تعني ان بمقدور الانسان ، التوسع في المعرفة فيمكن للناس من خلال الثورة العلمية ليس فقط أن يهتموا ويفسروا العالم وانما وتشكيله ايضاً.. "حتى لو جرى بالفتوحات الاستعمارية من أجل الاسواق".
ونجحت اليابان في تطبيق الرأسمالية ولكنها جاءت على اساس النظم التعاونية وليست الفردية،ولذا جاءت الطريقة اليابانية في ميدان الصناعة مختلفة عن غيرها ، فهي قد تأسست على الافكار التقليدية من خلال الوفاء للجماعة والشعور بالواجب الاخلاقي ، وليس على أساس طموحات فردية .. ومما يمكن الاشارة اليه بهذا الصدد، وثيقة صندوق النقد الدولي* التي تقول إنه خلال الخمسين سنة قبل الحرب العالمية الاولى، حدث تدفق هائل لرؤوس الاموال من البلدان الصناعية في أوربا "أنجلترا،فرنسا ،المانيا..." الى البلاد المتسارعة في النمو ،مثل الامريكيتين وأستراليا ونيوزيلندا، وبلاد أخرى،ويكفي للدلالة على ضخامة حجم هذه الاموال ،أن نعلم، أن التدفقات الرأسمالية التي خرجت من بريطانيا خلال الفترة قدرت بحوالي 9% من الناتج القومي الاجمالي لبريطانيا ، ونفس هذه النسبة تحققت أيضأ "تقريبأ" في حالة فرنسا وألمانيا وهولندا ، وليس يخفي أن هذا الحجم الهائل من رؤوس الاموال الفائضة التي صدرت خلال تلك الفترة قد أدت الى عدة نتائج هامة للبلدان المصدرة لهذه الاموال ، فقد قدم هذا التصدير علاجأ "موقتأ" لمشكلة فائض رؤوس الاموال ، ومن ثم تعطيل حدوث الازمة ، ووسيلة للحد من مفعول قانون أتجاه معدل الربح نحو التدهور على المدى الطويل . كما تمخض أستثمار هذه الاموال بالخارج عن حدوث أرباح وعوائد ضخمة سرعان ما أنسابت الى المتروبولات الرأسمالية الصناعية التي وفرت ،من خلالها ، تمويلا جزئيأ لزيادة أجور العمال بهذه البلدان دون كثيرأ بمعدلات الربح ، كما لآيجوز أن ننسى الدور الذي لعبه أستثمار هذه الاموال بالخارج في توفير المواد الخام والمواد الغذائية بأسعار منخفضة للبلاد صاحبة هذه الاموال .
ونظرأ لاهمية هذه النتائج التي تمخضت عن تصدير رؤوس الاموال أنذاك كما يقول د.رمزي زكي**،فقد خلق التنافس الضاري بين البلدان الصناعية على مناطق الاستثمار والسيطرة عبر
البحار صراعأ وتناحرأ أدى الى أندلاع الحرب العالمية الاولى... ومن هنا يمكن تفسير،طبيعة
التوجهات الاستراتيجية للبلدان الرأسمالية "ذات النزعة الاستعمارية أو الامبريالية" ،التي تركز على أهداف محدده كمشاريع لها ، وفي موضوعنا هذا، نشير الى تركيزها على تصدير رؤوس الاموال والمنافسة ،وكيف ادت الى الحرب والى اقتسام العالم "كمناطق للنفوذ والسيطره" بين كبريات الدول الصناعية وكيف مثلت أنذاك"نفيأ جزئيأ لتناقضات النظام الرأسمالي_الليبرالي".
كما تروي لنا الاحداث أيضأ ،كيف بدأت بعض البلدان النامية "التي كانت أنذاك مجرد مستعمرات وأشباه مستعمرات وبلاد تابعه" تعرف ظاهرة المديونية الخارجية "سيأتي الحديث عنها لاحقأ" حيث أقترض عدد من حكومات هذه البلاد بعض القروض الاجنبية لتمويل تنفيذ بعض مشروعات البنية الاساسية لتغطية عجز الموازنة العامة .
كما وأقترنت النظم السياسية الغربية بقيم وأفكار الليبرالية ومشاريعها ، وهي نظم دستورية تحد من سلطة الحكومة وتحافظ على الحريات المدنية بالاضافة الى الشكل البرلماني او التمثيلي ، حيث يتميز أحتلال المناصب السياسية من خلال أنتخابات تنافسية... وفي نهاية الثمانينات من القرن العشرين ، تصاعدت موجه جديدة، تمثلت بنشوء تطور حركة عالمية النطاق من اجل دمقرطة النظم السياسية في مناطق مختلفة من العالم ، المفتوح على آفاق متنوعة ومتضاربة ، وبأندفاعة ، نحو "تحرير قوى السوق" تصحبها شعارات ذات طبيعة أيديولوجية صارخة ، تلح على تأكيد تفوق القطاع الخاص على القطاع العام بشكل مطلق ... وهكذا تطرح الليبرالية الجديدة نفسها كبديل وحيد
________________
* وثيقة صندوق النقد الدولي آفاق الاقتصاد العالمي الصادرة في مايو/ آيار عام 1997 – ص137 .
**ا للمزيد أنظرمؤلف د. زكي،رمزي –العولمة المالية- دار المستقبل العربي،القاهرة-الطبعة الاولى 1999ص28 .

صالح للتطبيق على صعيد عالمي يتجاوز المناطق والحدود ... داعية للانفتاح على كل شئ ، دون قيد او شرط*. ومن دون شك، ادت المتغيرات العاصفة التي شهدتها أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق منذ نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين، الى ترسيخ القبول بهذه الأطروحات .
فأزمة نموذج الاشتراكية وأنهيار نمط مخالف لتسيير الاقتصاد على النمط الرأسمالي أدى الى دعوات الانتاج الليبرالي والانتشار وهيمنته على الاقتصاد والمجتمع العالمي . وأنحصر دور الدولة في سن القوانين والانظمة التي تحفظ حقوق والحريات الفردية دون اكراه أو تدخل ، وأختصرت وظيفتها بدور"البوليس المحايد" يضمن سير الحقوق والحريات للجميع دون انحياز**.
ان هذا الفكر بالرغم من كل استنتاجاته المنطقية والواقعية ، لم يستطيع ان يحقق نفسه عبر الممارسة حتى النهاية، وذلك بسبب عدم قدرته النفاذ من مسار المصالح الانانية للطبقة البرجوازية الممثل الاساسي لحامله الاجتماعي .
فالطبقة البرجوازية القائدة للثورة الرأسمالية التي استخدمت هذا الفكر التنويري سلاحا لها ضد سلطة الملك والنبلاء والكنيسة ، هي نفسها بعد وصولها الى السلطة ، اصبحت تعمل على تفريغ هذا الفكر التقدمي الانساني آنذاك من مضمونه ، والاكتفاء برفعه كشعارات شكلية وتسويقها فيما بعد ، عبر نظريات فكرية مثالية ، محاولة تفسير التاريخ وحركته بعيدا عن الظروف الموضوعية والذاتية الحقيقية المتحكمة في هذه الحركة. وان الافكار التي عبرت عنها هذه الفلسفة ، حول مسألة الحرية ، كونها غاية ومنطق حياة الفرد في المجتمع الغربي وهو أمر يفتخر به الانسان في الغرب او غيره ، بيد ان هذه الحرية التي يتبناها هذا الفكر ، يجد من ينظر الي آلياتها ونشاطها ، يراها حرية بعيدة ومعزولة عن سياقها التاريخي وقاعها الاجتماعي ، لترتبط بغايات ومصالح افراد منعزلين لكل منهم عالمه الخاص او جوانبه، تعمل على تحديد هذه المصالح والغايات ودرجة نشاطها ، وهذا ما عرقل عملية خلق اتفاق بين هذه الغايات والمصالح على مر التاريخ لدى كتلة اجتماعية محددة، حسب منظور هذا التيار ، وبالتالي فقدان كل الوسائل المساعدة على وضع حلول او اجابات واحدة لحياة مثلى للجميع من قبلهم ايضا. ففي التجارة الدولية . وكانت تعكس وجهات نظر البلدان القوية والمهيمنة .."وحين اكتملت شروط التراكم البدائي لرأس المال، جرى الانتقال الى مرحلة جديدة، هي مرحلة الثورة الصناعية، المرتبطة بالانجازات الكبيرة للثورة الصناعية في أنكلترا***" .
ومنذ نشأتها تطلعت البرجوازية الصناعية الى الاسواق الخارجية، وتغيرت وظائف التجارة الخارجية، وأن المتغيرات الجديدة فرضت على منظري الفكر البرجوازي ، ممثلي الطبقة الصاعدة ، ضرورة التكيف وان يشرعوا في صياغة بناء نظري يعالج الجوانب والمظاهر الجديدة للمجتمع الجديد ، فكانت الليبرالية ، التي عكست آمال هذه الطبقات الصاعدة والتي تتضارب مصالحها مع مصالح السلطة الملكية المطلقة والارستقراطية من ملاك الاراضي ، وكانت هذه الافكار في بدايتها افكار اصلاحية وثورية، فالثورة الانكليزية في القرن الثامن عشر، كانت تحمل مقومات ليبرالية . ويسجل واقع نشؤ النظام الرأسمالي اثر انفجار الثورات السياسية للبرجوازية في القرن السابع عشر والثامن عشر، اذ تشير بعض الدراسات الى اعتبار النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي بداية نقطة التحول من نظام

__________
* أنظر د. ياسر حسن ، صالح – مجموعة مقالات – مصدر سابق – ص27.
** راجع مؤلف د. ياسر ، صالح حسن –
*** أنظر د. ياسر ، صالح حسن – العلاقات الاقتصادية الدولية – دار الرواد المزدهرة للطباعة والتوزيع الحدودة بغداد 2006- ص141 فما فوق.

الرق الى النظام الاقطاعي، كما يمكن اعتبار القرن الخامس عشر الميلادي، الفترة الحاسمة للانتقال من الاقطاع الى الرأسمالية*.
أما مشاريع الليبرالية في الجوانب الاقتصادية فأنها تدعو على خلاف التجارية الى عدم تدخل الحكومة في الاقتصاد ويعارضون كافة انواع الضرائب وهم يدعون الحكومة الى حماية حرية الفرد والملكية الخاصة والسوق الحرة .





























_________
* تراجع المصادر التالية :- 1- الاستاذ أبراهيم كبه - مصدر سابق – ص27 .
2- د. ديويدار ،محمد – مصدر سابق –ص154 .
3-عباس الفياض، دراسات في تاريخ الاقتصاد الفكر الاقتصادي – بحث، مصدر سابق .


المبحث الاول:
الانظمة الليبرالية الاقتصادية :

أن أبرز النظم الاقتصادية الليبرالية هو نظام الرأسمالية الذي رتب أفكاره عالم الاقتصاد الاسكوتلندي آدم سمث . وهي النظم التي تؤكد على حرية حركة المال والتجارة وحرية العمل وحرية التعاقد بالاضافة الى حرية ممارسة اي مهنة شعاره "دعه يعمل" وتندرج بعدها معظم البلدان النامية والتحقت بها بلدان أوربا الشرقية بعد فشل التجربة الاشتراكية ، ويحكم قواعد اللعبة الاقتصادية وقيمها هو أقتصاد السوق والعرض والطلب دون تقيد من الحكومة أو النقابات ، وتفترض الانظمة ذات الليبرالية الاقتصادية عدة أفتراضات لتحقيق التوازن الاقتصادي معتمدة في تنفيذها على مؤسسات مالية وأقتصادية دولية ، ويفترض الاقتصاديون الليبراليون أن الافراد يسعون وراء تحقيق مصالحهم الشخصية مادياً بدافع الرغبة في التمتع باللذه أو السعادة ، وذلك عن طريق تكوين وأستهلاك الثروة ، وتقوم النظرية الاقتصادية الكلاسيكية لحد كبير على فكرة "الرجل الاقتصادي" بالاضافة الى أستخدامهم فكرة "اليد الخفية" لحل المشكلات الاقتصادية . ولكي نتعرف أكثر نضع العناوين التالية:
1-عرض مكثف لليبرالية القرن الثامن عشر ومبرراتها .
2- أزمة السبعينات في القرن الثامن عشر وما أفضت اليه من نتائج .
3- الليبرالية الجديدة والبحث عن مخارج للازمة الرأسمالية " التاتشرية – الريجانية".

1 - عرض مكثف لليبرالية القرن الثامن عشر ومبرراتها

تشير مؤلفات كثيرة الى إن نهاية القرن السابع عشر شهدت بداية أنحسار تنظيم الدولة للحياة الاقتصادية ، حيث جرى تفكك نظام الطوائف وتقلص كبار الشركات التجارية . إلا إن الاسباب الحقيقية وراء ذلك ، تكمن في تطور الانتاج الصناعي تطوراً متسارعاً خلال النصف الاول من القرن الثامن عشر، وهي الفترة التي أعلن عن الثورة الصناعية في أنكلترا اي ظهور تحولات كيفية في أدوات الانتاج وطرق تنظيمها، وبهذا تحققت أول ثورة في ميدان التكنولوجيا ، في القرن الثامن عشر*.
ووجد هذا التحول الكبير الذي شكل نقلة نوعية "الانتقال من الانتاج اليدوي الى الانتاج الآلي" عن طريق الاستخدام المنظم للآلات في الانتاج ، هذا في جانب ومن جانب لوحظ أن طرق التنظيم الصناعي ، تمثلت في التحول الكيفي في الانتقال الى نظام المصنع "القائم على التقسيم الفني للعمل".
وفي هذا التغير الكبير ، لوحظ تركز الانتاج الصناعي في عدد من المصانع وعلى نطاق متسع "اي الانتاج الكبير" الذي لايقتصر الانتاج فيه للسوق الداخلية "الوطنية" وأنما للسوق الخارجية "الدولية" . ونشط اصحاب المشروعات القائمة على استخدام العمل الاجير ، والتي تنتج لغرض السوق . كما تؤكد " سيطرة رأس المال على الزراعة من خلال الثروة الزراعية ، "في انكلترا" في القرن الثامن عشر ، حيث بلغت حركة النسيج ذروتها مؤدية بذلك الى تركيز الملكية العقارية ، ونضوج روابط الانتاج الرأسمالية في الزراعة ، وهذا ما خلق وفرة في الانتاج وفائض في المنتوج الزراعي ، المعد للتسويق لتغذية العاملين في الصناعة ، ولتوسيع السوق الداخلية "اذ زيادة القدرة من الفائض الزراعي المعد للتسويق تعني زيادة أمكانية أهل الريف شراء السلع الصناعية" وفي تكون الطبقة العاملة ساهما في سرعة النمو السكاني في القرن الثامن عشر .
_____________
* راجع مؤلف د. دويدار ، محمد – مصدر سابق – ص 139 وما يليها .

كما شهد منتصف القرن الثامن عشر تسارع نمو تجارة الصادرات ، وقد تمتعت أنكلترا في هذا
القرن بالمركز التجاري المتميز الذي كانت تشغله هولندا في القرن السابع عشر . ويمكن ان نوجز المتغيرات والتحولات الجذرية التي حصلت بفعل الثورة الصناعية في أنكلترا في منتصف القرن 18 ، بالأشياء التالية :
1- نضوج اشكال جديدة للأنتاج .
2- ظهور اشكال جديدة في العلاقات الاجتماعية .
3- ظهور حكومات وأفكار أجتماعية جديدة .
ولكي نعمق هذه المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية خلال هذه المرحلة ، تطلب ذلك رصد هذه الظواهر الاقتصادية ، بفعل المجهود الكبير رواد المدرسة التقليدية "او المدرسة الكلاسيكية" من الانكليز والفرنسين، وبقية المفكرين الآخرين .
ويعتبر وليم بتي* مؤسس علم الاقتصاد ، الذي أنشغل بحثه عن الثروة ، التي عرفها بأنها من المنتجات او السلع ، وتركيزه على أنتاج المبادلة ، التي تتم عن طريق النقود، ويضع نفسه في مواجهة القيمة وأدراكه لها بأنها الثمن الطبيعي "Natural price " ، والتي تجد نفسها بالعمل، ويجيب بكلمة مشهورة "العمل هو أبو الثروة والارض أمها" وهنا يقصد الثروة = القيمة ، الارض= الطبيعة، كما وأجاب "وليم" عن القيمة بأنها تقاس بكمية العمل ... كما ان "بتي" له مساهمات كبيرة في مسألة الريع الذي يعرفة بأنه الجزء من الانتاج الذي يحصل عليه مالك الارض هذا الجزء يساوي، الناتج الكلي مطروحاً منه الاجور والبذور**، أما الرواد الفرنسيون للمدرسة الكلاسيكية "الطبيعيون"، فيرى فرانسوا كينيه Francois Quesnay الذي جعل من الاقتصاد السياسي علماً ، وهو أيضاً أشار الى أن الثروة تتمثل في الاموال اللازمة للحياة ولتجدد الانتاج السنوي لهذه الاموال. فالثروة تتمثل في المنتجات : فيما يلزم منها لأعاشة افراد المجتمع وما يلزم منها لضمان أستمرار الانتاج في الفترات الانتاجية المقبلة، هذه الثروة تنتج في مجال الانتاج لا في مجال التبادل .
ولا نريد هنا أن نتعمق في دراسة تاريخ المذاهب الاقتصادية التي جرى بحثها في بحوث سابقة، عبرت بشكل جلي عن ترابط الفكر الاقتصادي بالواقع الاقتصادي ، فالفكر الاقتصادي اليوناني والروماني مرتبط مباشرة بطبيعة فائض النظام الانتاجي لعمل الرقيق كما وان الفكر المدرسي في العصور الوسطى "السوكولائي" "توما الاكويني" مرتبط مباشرة بخصائص النظام الاقطاعي ، وأن الماركينتيلية ، التي جرى الحديث عنها ، عكست بصورة مباشرة مصالح التجار"بين القرن الخامس عشر ومنتصف القرن الثامن عشر". وان المدرسة الكلاسيكية ، التي يحددها معظم الباحثين ، بمرحلتين ، المرحلة الاولى ، التي تحدد بالرواد من جيل وليام بتي و فرانسوا كينيه ، والمرحلة الثانية التي تحدد بجهود "آدم سمث و ديفيد ريكاردو" وولادة علم الاقتصاد السياسي ، "يضاف لها المناقشات السجالية والخلافية المتعلقة بالنقود والفائدة والتي بدأت في القرن الخامس عشر حتى القرن السابع عشر".
كل هذه الافكار بالاضافة الى مجموعة الآليات الفكرية لفلاسفة القرن الثامن عشر "خاصةً فكرة النظام الطبيعي" والاستفادة من منهجية البحث العلمي ، الذي تحقق بالبناء الكلاسيكي ، بفضل جهود ديفيد هيوم وآدم سمث وليم بتي وكينيه، "الذي جرى الحديث عنهما" . ومع هذا البناء الكلاسيكي"
________
*أهم الرواد : وليم بتي 1623-1687 ،د. نورث Padly North 1641-1691، جون لوك 1630 -1704 ، جون لو John Law 1671-1729، ديفيد هيوم David Hume 1711-1776 جيمس ستيوارت 1712- 1780 .
** راجع د. دويدار ، محمد - مصدر سابق – ص137.
ولد علم الاقتصاد الكلاسيكي". أما المدرسة الكلاسيكية الثانية "آدم سمث و ريكاردو" ، فكما اشير من قبل ان الوسط التاريخي ينشأ من الواقع أو من الفكر الاجتماعي بشكل عام ،الذي تشكل فيه الفكر الكلاسيكي، ومن وجهة نظر الواقع الاقتصادي شاهدنا المرحلة التي تطورت الراسمالية من مرحلة التجارية الى المرحلة الراسمالية الصناعية "مرحلة التوسع الصناعي وانعكاسها على الزراعة "، هذا التوسع الذي تحول الى توسع كيفي من خلال الثورة الصناعية ،وما تحقق من تصنيع على نطاق الاقتصاد الوطني "اي بناء الاساس الصناعي" التي يتمثل في الصناعات الانتاجية الاساسية، ليس فقط على القطاع الصناعي وأنما شمل الاقتصاد الوطني عموماً ، حيث جرى أنتاج الصناعات المنتجة لسلع الاستهلاك ، التي خلق وجودها طلباً على منتجات الصناعات المنتجة للسلع الانتاجية ، اوكما يسميها البعض منتجات الخط الثاني "أنتاج وسائل الانتاج" ومنتجات الخط الاول انتاج وسائل الاستهلاك*، على نحو حقق للاقتصاد الوطني تدريجياً وجود نوعين من الصناعات، محققاً في النهاية الصناعات الانتاجية الثقيلة الوزن في البناء الصناعي . وفي الجوانب الاجتماعية، فقد لوحظ ان الفكر الاجتماعي في مرحلة تكوين البناء النظري للمدرسة الكلاسيكية تميز بالخصائص التالية**.
1- أنتصار النظرة العلمية للامور واحلالها محل النظرة الدينية "الكنسي والكهنوت الاقطاعي" كما أشير له من قبل ، تحت تأثيرالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية .
2- كان الموقف يتميز أيضاً بسيادة المناخ الفكري ، الذي تكونت فيه العلوم الاجتماعية وخاصة النظرية السياسية والاقتصادية .
3- أنهيار نظم الاساس الفكري والاخلاقي لصورة المجتمع القديم "الكينسي – الاقطاعي" بوسائل عدة ، تأتي في المقدمة منها النقد الفلسفي من جانب ديفيد هيوم David Hume 1711 – 1776 ،وبايل Bayle 1647-1706 "والنظرة المادية للكون وجعل المادية اساس فلسفة الكون والفلسفة الاجتماعية"...وفي فرنسا بفضل تعاليم اصحاب الموسوعة ديدروDiderot و المبيرتAlmbert و هولباك Holbllbact وهلفتيس Helvetius وتلاقى هذا الفكر مع فكر ديكارت Descartes 1596-1650،وهو التيار الذي طوره لاميتري Lamettrie 1709- 1751 ،مع التيار المادي الانكليزي الذي تطور على يد فرنسيس بيكون F. Bacon (1561- 1626) وجون لوك...وهذه الأفكار معرفية لايمكن أستخلاصها إلا بأستخدام المنهج التجريدي أولاً. وثانياً : فكرة النظام الطبيعي، التي خلفها الفكر المدرسي، وأحتفظ بها فلاسفة القرن الثامن عشر، وطبقاً لهذه الفكرة، فأن للنظام الطبيعي قوانين موضوعية ويقابلها قوانين وضعية يمكن لنور العقل أكتشافها.
4- تميز الفكر الكلاسيكي وفلسفته بالفرد "الانسان" وانما ليس بالفرد بصفة عامة ، وانما بالفرد الذي ينتمي الى طائفة معينة من الافراد – الفرد الناجح "، برجل الاعمال في الراسمالية ، ثم بتحليل هذه الشخصية وطبيعتها ومصالحها الشخصية ومنافعها وأجراء مقارنة بينيه "على حد تصورها" وبين المجتمع*** .
وعلى ضوء هذا التنسيق الفكري والتاريخي يدخل الكلاسيكيون النظام الاجتماعي في حالة بحث اقتصاد مرتبط بالظواهر الخاصة للانتاج وتوزيعه ، هذا التوزيع الذي يحدد شروط الانتاج ، ففي مجال الانتاج ، يجري البحث عن مصدر ثروة الأمة ، كما يتعين البحث عن مصدر ومقياس القيمة ______________
* يقصد بالمدرسة الكلاسيكية الثانية : مجموعة المفكرين الذين نظروا في محاولاتهم الاقتصادية دراسة العلاقات الحقيقية للانتاج الراسمالي ، والذي تبلور في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر . وهذا الابداع النظري وجد تعبيره في آدم سمث وديفيد ريكاردو في عملهم الخلاق هذا .
** وهذه الطريقة على عكس الطريقة في نمط السوفيتي " السابق" يتم التصنيع بصورة مخططة تتضمن اعطاء الاولوية للصناعة الاساسية ( انتاج وسائل الانتاج ) ومن ثم انتاج وسائل الاستهلاك خلال عملية بناء الاساس الصناعي .
*** راجع مؤلف د.دويدار مصدر سابق ص154 ص155 .
أبتداً من العمل ، ثم يواصل المفكرون والباحثون دراسة دور العمل وتقسيم العمل وأثر الاخير على انتاجية العمل ، ودراسة راس المال والارض ودراسة ظاهرة الاسعار وتوزيع الناتج الاجتماعي بين الطبقات الاجتماعية المختلفة المكونة للمجتمع ، بالاضافة الى دراسة الدخول النقدية "الربح ، الفائدة ، الاجور والريع" ودراسة الظاهرة النقدية وظاهرة التبادل مع الخارج وما تتضمنه من تقسيم دولي للعمل . وما يشكل ذلك من تطور العملية الاقتصادية بشكل عام وما يجد في تطور محوره في تراكم رأس المال. هذه الظواهر والافكار الاقتصادية التي ميزت فترة أفكار الكلاسيكين في القرن الثامن عشر، ارتباطاً بالمفاهيم السائدة آنذاك من خلال فكرة "النظرة المادية للكون و فكرة النظام الطبيعي"، وتحت تأثير هاتين الفكرتين توصل المفكرون الكلاسيكيون، الى إن القوانين خالدة لا تتغير جاعلين من هذه الظواهر الاقتصادية ، نظاماً أقتصادياً أبدياً. هذا بالاضافة إن ما يميز الخطاب الليبرالي الكلاسيكي، هو الاهتمام المفرط بمبدأ الحرية، وفلسفة الفرد والى أفراد من نوع "الرجل الاقتصادي Homo economics"، هذا الرجل الاقتصادي، يعبر في نظرهم "عن طبيعة الانسانية في جانبها الخاص بالنشاط الاقتصادي، حيث يفترض الاقتصاديون الكلاسيكيون، ان الافراد يسعون وراء تحقيق مصالحهم الشخصية مادياً بدافع الرغبة في التمتع باللذة والسعادة وذلك عن طريق تكوين وأستهلاك الثروة، وتقوم النظرية الاقتصادية الكلاسيكية لحد كبير على فكرة "الرجل الاقتصادي" وهي أن الانسان يسعى الى اكبر قدر من المنفعة وذلك بالكسب المادي ، وهذا يتطلب منه القيام بحساب رشيد لمقارنة بين النتيجة للجهد المبذول ومعرفة دقيقة بالظروف المحيطة ، بالاضافة الى أستخدام فكرة "اليد الخفية" لشرح كيف ان المشكلات الاقتصادية مثل البطالة والتضخم والعجز في ميزان المدفوعات، يمكن القضاء عليها من خلال آليات السوق، وحينما يحلل الكلاسيكيون هذه الظواهر الاقتصادية من حيث حدودها وطبيعتها ، فهم يضعون ثلاث طبقات متعايشة في المجتمع المحدد وفقاً لوظائفها من وسائل الانتاج ، الطبقة الرأسمالية التي تمتلك وسائل الانتاج والطبقة الارستقراطية تمتلك الارض ، والطبقة العاملة ، التي تقدم العمل ولا تمتلك اي شئ ، سوى قوة عملها . وهذه القوة المرتبطة مع بعضها في عملية الانتاج ، وهنا نتوقف ،عند نقطة في غاية الاهمية ، في تحليل المفكرين الكلاسيكين لها ، فهم يفترضون ، بأن الروابط الاجتماعية التي تنشأ بين الافراد أثناء عملية الانتاج ، أنما تمثل العامل الرئيسي الاقتصادي، مصلحة المجتمع ، من خلال ما يسميه آدم سمث "اليد الخفية" التي هي في الواقع القوى التلقائية للسوق " وفي هذا التحليل يختلف سمث الذي يتحدث عن الانسجام عن ريكاردو الذي يتحدث عن التناقض وليس التجانس بين الطبقات، وهكذا يجري التحليل للظواهر الاقتصادية في مجتمع تسوده المنافسة الحرة، ليس فقط في داخل البلد وأنما كذلك على مستوى الاقتصاد الدولي في هذا المجتمع "لا تقوم الدولة إلا بدور الدولة الحارسة التي يقتصر وظيفتها على الحفاظ على النظام العام ، من خلال حماية الملكية الفردية ضد كل عدوان داخلي او خارجي دون التدخل في الحياة الاقتصادية للمجتمع إلا في المجالات التي يحجم عنها رأس المال الفردي"*.
بالرغم مما قدمه "سمث و ريكاردو" من تصورات وأراء حول الظواهر الاقتصادية ، فهما في ذلك يهدفان الى الكشف عن القوانين الموضوعية التي تحكم هذه الظواهر ، ويركنان في تحليلهما على المظهر الكمي، المبني على اساس طريقتهما التجريدية ذات الطبيعة الأستقرائية – الاستنتاجية ويتوصلا من خلال هذه المنهجية ، الى مجموعة من النظريات تشكل الاطار النظري العام لهذا العلم ويمكن ايجاز أعمالهما** :
_________________
* دحسن ، صالح ياسر– مصدر سابق – ص 152 وما يليها.
**1– كارل ماركس - نقد الاقتصاد السياسي– الجزء الاول ترجمة محمد عيتاني – مكتبة المعا رف بيروت – ص60. 2 - للمزيد راجع مؤلف آدم سمث ثروة الامم ص 564 -561.- آدم سمث " ثروة الامم " Wealth of nations 1,1 ch.v نقلاً عن كتاب "رأس المال"، "نقد الاقتصاد المطلقة - والمنفعة النسبية".

- نظرية للانتاج تركز على نظرية العمل في القيمة ، وجوهرها المنفعة شرط القيمة ... ونظرية توزيع الدخل السياسي الوطني بين الطبقات الاجتماعية " التي جرى الحديث عنها " وما
يرتبط فيها من نظرية الربح والفائدة ، ونظرية رأس المال ونظرية الاجور ، ونظرية الربح بالأضافة الى النظرية النقدية ، التي تبحث في النقود وطبيعتها وأثرها في التداول ... ونظرية التجارة الدولية "التي تقوم على أساس التقسيم الدولي للعمل"، وأيضاً على أساس القيمة ، تقوم نظريتهما في التطور الاقتصادي .
إلا ان مذهب الحرية الاقتصادية تعرض الى الانتقاد من داخله" بفعل تزايد البؤس الانساني وتفشي البطالة وتحول المنتجين الصغار الى عمال مأجورين ، نتيجة تطور الآله في عملية الانتاج الصناعي والمنافسة بين الرأسمالين بهدف زيادة الارباح " ، والى أستخدام عمل الاطفال والنساء والى "إطالة يوم العمل وتحقيق فائض القيمة المطلقة أو تخفيض يوم العمل "بأدخال آلات جديدة "وتحقيق فائض القيمة النسبية" .
واحياناً يجري شرح "اليد الخفية " بسذاجة ، كأنها تعمل بقدرة قادر ،او يد الله هي التي تعمل ... غير أن حقيقة الامر غير ذلك. وتعميق أنقسام المجتمع الى طبقتين رئيسيتين ، هما طبقة الرأسمالين وطبقة العمال المأجورين، أثر الثورة الصناعية...وهنا أنقسم الفكر الاقتصادي "للكلاسيكين" وطال حتى المعتقدين والمؤمنين بالحرية الاقتصادية ، فها هو "جون ستيوارت مل John Stuart mill – ونظرية القيم الدولية "يعلن قائلا" اذا كانت قوانين الانتاج هي قوانين ازلية وشاملة فأن قوانين التوزيع هي قوانين وضعية " من وضع الانسان " وبالتالي فهي قابلة للتبدل والتغير..."، وبذلك وجه ضربة قوية لمذهب آدم سمث وديفيد ريكاردو "الحرية الاقتصادية" وبالوقت نفسه ، نسف الأسس الفكرية للنظام الطبيعي والقانون الطبيعي ، ويمكن اختصار مساهمته، بأن الكيفية التي تتحدد بها المعادلات التي ستتبادل السلع والكيفية التي تتوزع بها المنافع الناتجة عن التقسيم العمل الدولي بين البلدان التي تتمتع بمميزات نسبية في انتاج سلع معينة وتتخصص بها وتتبادل بها بسلع أخرى لا تتمتع بمميزات نسبية في انتاجها ".
أن المساهمة لنظرية "القيم الدولية" تعتبر مكملة لنظرية النفقات النسبية "ديفيد ريكاردو" والتي تبحث عن الكيفية التي يجري فيها اقتسام الكسب المشترك بين الدولتين ، وبعبارة أخرى هو "يطرح كيف تتحدد نسبة التبادل الدولي ، أذ بين ان القيمة الدولية للسلعة لا تتحدد على أساس نفقة أنتاجها ، وانما تتحدد عند ذلك المستوى الذي يحقق التعادل بين طلب كل من البلدين على السلع الاخرى . وتبعاً لذلك ، فأن نسبة التبادل الداخلي بين السلعتين هي التي تضع الحد الادنى، والحد الاقصى لمعدل التبادل الدولي الذي ينشأ بعد قيام التجارة الدولية ، فالطلب المتبادل لكل البلدين على سلع البلد الأخرى ، هو الذي يحدد النسبة الجديدة التي يجري وفقاً لهذا التبادل".
ويتوصل " ميل" الى أن معدل التبادل يتأثر بعاملين هما الكمية المطلوبة او المعروضة للتبادل أولاً وثانياً مرونة العرض والطلب ، حيث يميل التبادل في صالح أي دولة ، بتأثر حجم الطلب كثيراً بالتغيرات السعرية*.
أن مفهوم هذه النظرية "الكلاسيكية" بما جرى عليها من تصحيحات وأضافات أو صياغات جديدة لجعل الصورة أكثر واقعية ،بل على العكس من ذلك أزدادت تشوهأ وغموضأ وتناقضات لاحقة لتمويه وتبرير تناقضات الاقتصاد الرأسمالي العالمي المتزايد حدة **" وتتعمق الحدة أكثر حتى في ظروفنا الحالية أثر الازمة المالية العالمية" وأنطلاقاً من ديالكتيك التطور والتخلف وأنقسام الاقتصاد
_________________
* د. حسن ، صالح ياسر– مصدر سابق – ص 168 .
** أنظر مؤلف سينتش - مصدر سابق ص28.
العالمي الى مركز متطور مهيمن وأطراف متخلفة ، هكذا كان الحال في الاقل الى أن تسبب
التناقض المحتدم في حدوث أنفجارات وتوترات ، تهدد بمزيد من الانفجارات في السياسة والاقتصاد الدولين ، وطوال الوقت الذي يعني فيه الاقتصاد غير الماركسي أمتيازاً للبلدان المتطورة. كثيرا بالتغيرات السعرية. غير ان ما يمكن التأكيد عليه ان مذهب "سمث وريكاردو" الاقتصادي ، كان ولازال منطلقا للبحث اللاحق للعلاقات الاقتصادية وللكشف عن التناقض بين العمل والرأسمال من حيث هو التناقض الاساسي في المجتمع البرجوازي . بالأضافة الى ذلك فأن ماركس قد اسهم في تحليله في الافتصاد الرأسمالي .

التنظيرات الماركسية
بدأً ماركس ببناء نظري ، ينتقد الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وقدم بديلاً مخالفاً لقوانين الاقتصاد الرأسمالي وحركته، وقدم جملة من الملاحظات يمكن تلخيصها كالآتي :-
1- إن الكلاسيكيين لايعيرون اهتماماً لكيفية الظواهر الاقتصادية، وانشغلوا بالمظهر الكمي "العددي" وأذا جردنا ذلك لأ اصبحت الظواهر متجانسة غير ان الواقع ليس كذلك.
2- يضاف الى ذلك إن الكلاسيكيين ، يربطون الكل المتجانس من الظواهر الاقتصادية بحاجات فرد أقتصادي "الاستلهام للفرد فلسفياً" ذات طبيعة أنانية وحسبه رشيده "الرجل الاقتصادي"، هذا الرجل يستمد قواعد سلوكه من طبيعة الانسان التي لا تتغير عبر التاريخ.
3-أما النقد الثاني يرتبط بالثالث بأعتبار الكلاسيكيين يعتبرون الظواهر الاقتصادية ظواهرأبدية وأنها صالحة لكل زمان ومكان . يقوم بدراسة التطورالاقصادي وثوراته عبرمنظور المنطق الجدلي ، وان كل تطور في العلاقات الاقتصادية يخضع لقوانين الديالكتيك ، مقدماً مثلاً وحدة وصراع المتناقضات في بيئة الاقطاعي والفلاح التي تؤدي الى أستمرار مفعول الكم الى كيف من خلال الثورة البرجوازية ، ومن ثم يبدأ عمل نفي النفي ليظهرالعامل ورب العمل في الرأسمالية ،وفي هذه الحالة تكون القوانين الاقتصادية نتاج خاصية محددة للحالة النفسية للانسان بصفة عامة عندما يمارس نشاطه الاقتصادي وهو ما ينتقده ماركس .
فالقوانين الاقتصادية بالنسبة له ، نتاج الروابط الاقتصادية بين الافراد "وهي روابط أجتماعية" تنشأ على نحو ملموس في المجتمع ، بمعنى آخر، تؤسس فكرة" الرجل الاقتصادي" الصفة الاقتصادية للظواهر على الانسان المجرد ككائن له حاجات، وهو ما يرفضه ماركس ، على أساس ان الظواهر تستمد صفتها الاقتصادية من انها اجتماعية وليس لخصيصة مجردة ترد الى الانسان بصفة عامة .
النقد الثالث لماركس للكلاسيك يرتبط بالنقد الثاني، وهو خاص بأعتبارالكلاسيك يعتبرون الظواهر الاقتصادية ظواهر أبدية لاتتغير، وما يترتب عليه من أعتبار القوانين الاقتصادية النظرية صالحة لكل زمان ومكان. يتعلق موضوع الاقتصاد السياسي بالنسبة لماركس بعملية الانتاج والتوزيع بطبيعتها الديالكتيكية ، فالظواهر الاقتصادية التي تحتويها هذه العملية لها طبيعة ديناميكية . ومن ثم يكون للقوانين التي تحكمها ذات الطبيعة فالحركة من طبيعة هذه الظواهر التي هي اجتماعية ، ومن ثم تاريخية .
يقول د, دويدار "ان مايتصف بالطبيعة الديناميكية في نظر ماركس" ، هو موضوع الاقتصاد السياسي كعلم يهدف الى أستخلاص قوانين الحركة للاشكال الاجتماعية المختلفة للانتاج اي العمليات الديالكتيكية الحقيقية المحددة تاريخياً ، ومن ثم لموضوع الاقتصاد السياسي طبيعة تاريخية ...فهو تاريخي أولاً بمعنى ان موضوع تحليل المجتمع الحديث ، محدد للباحث تاريخياً. ثانياً وهوتاريخي ، بمعنى ان موضوع التحليل ، طريقة الانتاج الرأسمالي ، ليست كما اعتقد الكلاسكيون "الشكل المطلق النهائي للانتاج الاجتماعي ، لا تعدو ان تكون" مرحلة عابرة في التطور التاريخي لهذا الانتاج . وتحليلات ماركس للاقتصاد السياسي الكلاسيكي ، تشكل بديلاً للتحليل الكلاسيكي، أن ظهور الماركسية في أربعينات القرن التاسع عشر، ترافق مع تطور الرأسمالية وتكشفت طبيعتها وتناقضاتها الطبقية وجوهرها ومبدأ القائم على الاستغلال والقهر*.
حيث أستطاع ماركس في كتابه الثري "رأس المال" ان يكتشف القانون العام للتراكم الراسمالي ، من خلال تحليله للبضاعة وقدم مثالاً رائعاً في هذا البحث الملموس للقوانين الشاملة لكل تطور ، والذي يعكس "القانون" العلاقة بين أثراء طبقة الراسمالين وبين تفاقم وبؤس الطبقة العاملة وبقية الشغيلة، وكلما ازداد تراكم في أحد قطبي المجتمع، يزداد بالمقابل تراكم البؤس والفقر في القطب المعاكس، ولذا لايؤدي التراكم الراسمالي للقضاء على الفقر، كما تروج له الافكار الليبرالية بل بالعكس يوسع من دائرة الفقر ويجعلها أعمق، وكما يقال أن الفقر هو الشرط الاساسي للغني في صيغة الرأسمالية "ويمكن في هذا الصدد نجد بالتجربة هنالك دلائل على صحة هذا اللأستنتاج. كما استطاع ايضا ان يكتشف الدور التاريخي للطبقة العاملة ، من خلال دراسته للاقتصاد السياسي ومشاركته في الاحداث الثورية في ألمانيا وفرنسا ومعايشة لظروف العمال في أنكلترا ، كما تمكن أن يضع نظرية "فائض القيمة" ، التي تمثل حجر الزاوية في الاقتصاد السياسي الاشتراكي ، وكشف بوضوح عملية الاستغلال الرأسمالي، كما وحدد قيمة اي سلعة بعدد ساعات العمل الضروري لانتاجها ، فأساس القيمة ومصدرها عنده هو العمل ، اي أن العامل يبيع قوة عمله في السوق ، ليشتريها منه الرأسمالي ، وتجري خلال عملية الاستغلال للعامل ، وعكس ماركس ، كيفية أن الراسمالي في سعيه لتخفيض نفقة الانتاج وذلك بزيادة أنتاجية عماله "بأستخدام آلات جديدة" وفي ظل المنافسة يلجأ الى تكبير حجم مشروعه ويراكم رأس المال، وفي ظل قانون المنافسة، فأنه يميل الى مضاعفة حجوم أرباحه ليس فقط على حساب العاملين في مشروعه الخاص وأنما على حساب صغار المنتجين في السوق ، وبذلك يميل الرأسمالي الى تقوية أنقسام المجتمع الى طبقتين مختلفتين " طبقة الراسمالين وهم الاقلية وطبقة العمال وبقية الشغيلة ، وهم الغالبية العظمى الذين يعيشون على بيع قوة عملهم ، وتستغل الطبقة الاولى ، الطبقة الثانية ، وأستنتج من خلال تحليلاته حول الراسمالية مآلها حتمي ، نحو الانفجار والزوال وحلول الاشتراكية محلها. وبالرغم من طروحاته، حول الاستعمار وتجريداته العميقة لعمليات التبادل اللامتكافئ ومن خلال سعيه أيضا في تقديم تصور واضح حول العلاقات التجارية الدولية . يقول ماركس إن كل عمل هو من جهة، أنفاق بلمعنى الوظيفي العضوي لقوة بشرية وبهذه الصفة من العمل البشري المساوي يشكل قيمة البضائع . ومن الحهة الاخرى ، كل عمل هو أنفاق للقوة البشرية تحت هذا العمل المنتج أو ذاك ، المحدد بغاية خاصة ، ومنزاويته هذه بوصفه عملاً ملموساً نافعاً ينتج قيماً أستعمالية أو منافع . وكما إن البضاعة يجب قبل كل شئ أن تكون منفعة لتكون قيمة ، كذلك العمل يجب أن يكون نافعاً ، قبل أن يكون أي شئ آخر ، كي يمكن أعتباره أنفاق قوة بشرية ، وعملاً بشرياً بمعنى الكلمة . وفي معرض نقده لآدم سمث حول هذه النقطة يبين سمث إن "العمل ... هو المقياس الواقعي والنهائي الوحيد الذي يستطيع أن يساعدنا في جميع الازمان وفي جميع الامكنة على تقدير قيمة جميع البضائع ومقارنتها .": "إن الكميات المتساوية من العمل يجب أن تكون حتماً ذات قيمة متساوية بالنسبة الى الذي يعمل ، في جميع الازمان والامكنة ففي حالته العادية ، من الصحة والقوة والنشاط ، وتبعاً للدرجة العادية من البراعة أو الحذاقة التي يمكن أن تكون لديه ، يجب أن يقدم دائماً الجزء نفسه من راحته وحريته وسعادته." نص من كتاب "ثروة الأمم" لآدم سمث . في معرض رده يقول كارل ماركس "فمن جهة يخلط آدم سمث هنا "وهو أمر لا يقوم به دائماً" بين تحديد قيمة البضاعة بكمية العمل المنفقة في أنتاجها، وتحديد قيمتها بقيمة العمل، ويحاول ____________________
* يقتصر البحث ، الحديث عن الجوانب الاقتصادية للفكر الماركسي دون التطرق لجوانب الفلسفة الماركسية .
بالتالي أن يثبت إن كميات متساوية من العمل لها دائماً القيمة نفسها ، ومن جهة أخرى يحس والحق
يقال ، بإن كل عمل ليس إلا أنفاقاً لقوة عمل بشرية ، بقدر ما يتمثل في قيمة السلعة ، ولكنه يفهم هذه القيمة فقط بوصفها تضحية ، تضحية للراحة والحرية والسعادة ، وليس في الوقت نفسه بوصفه تأكيداً طبيعياً للحياة . صحيح أيضاً إنه يولي وجهه شطر العامل المأجور الحديث ، وثمة واحد من العلماء "حسب ماركس" الذين جاؤوا قبل آدم سمث يقول على نحو أكثر صحة بكثير "أنفق رجل أسبوعاً لتقديم شئ ضروري للحياة ... وذلك الذي يعطي شيئاً آخر لقاء ما قدمه لا يستطيع أن يقدر ما يعادله إلا بحساب كلفة العمل نفسه والوقت نفسه ، وليس ذلك في الواقع إلا مبادلة عمل أنسان ما ، في شئ من الاشياء ، خلال وقت معين لقاء عمل أنسان آخر في شئ آخر خلال الوقت نفسه* .
في دراسته للظواهر في المجتمع الرأسمالي ، ينطلق من التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج . كما عالج ماركس مجموعة من المفاهيم والقضايا من قبل القيمة الوطنية والقيمة الدولية، وتحول القيمة الى سعر ، والفرق بين معدلات الاجور الوطنية في مختلف البلدان ، كما عالج بدوره ايضاً قضية التجارة الدولية ، من منظور الموقف الطبقي للعمال وتبادل المعرفة والخبرات ونقل القيم في البلدان الاخرى ، وبالضد من موقف القوى الرجعية المتمثلة بالاقطاع والكنيسة في ذلك الوقت ، وكان له موقف إيجابي للرأسمالية في قضية التجارة الدولية**. كما سعى ماركس لبلورة تفسير نظري لقضية التبادل التجاري الدولي وقضية نقل القيم دولياً وأدخل التناقض الجوهري وما يعتريه في إطار المبادلات الدولية . كما انتقد الانتاج "العمال" من قبل الاشتراكيين الاخرين ، حيث اثارت مأساة العمال الاجتماعية، ردة فعل لهؤلاء المفكرين ، الذين قاموا بدراستها وغيرهم . فقد علل العلاقة بين مذهب الحرية الاقتصادية وما بين البؤس الانساني ، هذا ما قادهم الى الاعتقاد بأن، مفاهيم هولاء "الاشتراكيين" شكلت فكرا جديدا منافيا للملكية الخاصة ، والى احلال الملكية العامة لوسائل الانتاج، والى تغيير القوانين التي تحكم الانتاج والتوزيع ، الى تغيير اساس النظام الرأسمالي القائم على الاستغلال الطبقي ... كما يمكن الاشارة الى مساهمات المفكر النمساوي رودولف هلفردنج، بوخارين، روزا لوكسنبزرغ، لينين والرواد المحدثين بول باران، بول سويزي وموريس دوب ، ونظرية التبادل اللامتكافئ لأيمانوئيل ، بالاضافة الى مساهمات سمير أمين وتوماس سنتش وغيرهم من الماركسيين .

الكلاسيكية الجديدة
في أواخر القرن التاسع عشر ، بدأ التنظير الكلاسيكي الجديد ، يأخذ مكانه في بلورة الافكار للاقتصاد الحدي والذي ظهر بفضل جهود الجيل الاول من المفكرين الحديين من أمثال وليام استانلي جفونس W.S.Jevons وماري– لين فالراس L.Walra M وكارل منجرC.Menger ، وتطور هذا الفكر أكثر من خلال مؤلفين الجيل الثاني من أمثال " الفريد مارشال Alfred Marshall وفون بوم بافرك Van Bohm Bowerk وفون فايزر F. Ven Wieser*** وغيرهم . وقد نشأ هذا الفكر الاقتصادي في وسط تاريخي ، من تطور النظام الراسمالي ، ليكون النظام العالمي لبقيه الاجزاء المختلفة من العالم ، وعلى المستوى الداخلي شهد أيضاً تبلور قوى أجتماعية "الطبقة العاملة" التي تمثل نقيض المجتمع الراسمالي وتطور تنظيمها "النقابي __________________________
* راجع مؤلف ماركس ، كارل - رأس المال - نقد الاقتصاد السياسي – ترجمة محمد عيتاني مكتبة المعارف – بيروت – نص المعتمد من النسخة الفرنسية – 195- - ص60 .
** كارل ماركس في معرض مداخلة له باللغة الانكليزية في عام 1848 في التجمع الديمقراطي في بروكسل – سعى فيها ماركس لبلورة تفسير نظري لقضية التبادل التجاري الدولي وقضية نقل القيم دولياً ، وادخل التناقض الجوهري بكافة ما تعتريه في إطار المبادلات الدولية.. ويسجل البحث بإنه أول من تحرى على هذه الوثيقة وعالج بعض مفرداتها باللغة العربية بما يخدم الدراسة . نرفق الوثيقة مع البحث .
*** للتفاصيل أكثر حول نظرية الحديين راجع مؤلف د. دويدار ، محمد – مصدر سابق – ص180 وما يليها .


والسياسي"*. وقد أنعكس تنظيم هذه القوى في التوصل الى تحديد الاهداف ، أي في رسم سياسة
تتبعها هذه القوى ، وقد تبنت مثل هذه السياسة بواسطة" غالبية النقابات العمالية البريطانية ، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكذلك بواسطة النقابات الالمانية التي تطورت تدريجياً بعد 1868 ، وأيضاً بواسطة النقابات التي تنتمي الى أتحاد العمل الامريكي الذي تكون في 1886... وكان العدد الاكبر من نقابات القارة "الاوربية" حليفاً للأحزاب الاشتراكية الماركسية ، وأعتنقوا برامج تنادي بالثورة الاجتماعية كهدف نهائي.... وبتفسير أكثر ، أنهم "العمال" أعتنقوا كأساس نظري لنشاطهم النقابي والسياسي النظرية الماركسية ، وخاصةً نظرية "العمل في القيمة" التي نجد جذورها في تحليلات ديفيد ريكاردو.
هكذا اذن ، ان التنظير الجديد أخذ في شروط أنتهاز الفرص، أكثر من التفكير في شروط بعض الجوانب العقدية ، التي صاحبت السوق في فترة القرن الثامن عشر، لكنهم بنفس الوقت أنتبهوا الى دور الحكومة وضرورته على الاقل من أجل توفير الشروط التي يمكن ان تحد من الاختلالات في السوق والتي تسهم في حلحلة بعض الازمات التي تصاحب الاقتصاد الرأسمالي .
تعلقت الكلاسيكية الجديدة بالتطور في التنمية الصناعية والتي ***ت معها ثروات مهولة للبعض ومن جانب آخر الفقر والجهل للبعض الآخر، وحدثت تباينات عريضة في السلم الاجتماعي "كما أشرنا" ، حيث أفرزت البرجوازية وأرباحها المطلقة ، والطبقة العاملة المحرومة من جراء الاجور المنخفضة والبطالة وتدني شروط العمل وظروف المعيشة . وكان لهذه الظروف واقعها الأشد في أنكلترا، منذ أواخر القرن التاسع عشر، وظهرت فيما بعد في الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول الاوربية.
في مثل هذه التغيرات التاريخية ، كان من الصعب التمسك بالأفكار السابقة للكلاسيكية القديمة "من أن الرأسمالية ت*** الرفاه والعدالة للجميع وانما ضرورة أعادة النظر بهذه المذاهب" وتمحور تفكيرهم وأنشغالهم في سلوك الافراد الذين يسعون في مجال النشاط الاقتصادي، الى تحقيق اقصى أستمتاع او اقل ألم "على حد قول جفونس"، هم افراد يعرفون "بتشديد الراء" بالحاجات ، هذه الحاجات يتم أشباعها على حد تعبير فالرأس "بالاشياء المادية وغير المادية " التي تكون الثروة الاجتماعية ، تلك الثروة التي تعرف ، بـ "الندره" وهذه الندره تضمن المنفعة ، وهي الصفة التي بفضلها يستجيب الشئ الى ما نبتغيه، ويكسب حقاً في أن تكون له صفة الناتج ويكون ذا منفعة، كما يمكن أن ينتج أستمتاعاً او يوفر جهداً "جفونس".
على ما يبدو أن الصياغات الجديدة، في الفكر الكلاسيكي الجديد "النظرية الحدية"، لم تفعل شيئاً لجعل الصورة أكثر واقعية، بل على العكس أزدادت الصورة أكثر تشوهاً، وابتعدت اكثر عن فكر الكلاسيكية القديمة فكر "آدم سمث و ريكاردو" والاكتشافات الجديدة للنظريات الحدية وما أشتملت من صياغات لنظرية التوازن الدولي، على التقدم التقني ، وبموجب أفتراض واحد هو ان هذا التقدم التقني، الذي ظهرذلك في كتابات "جفونس" أنما يهدف الى التوصل الى بديل عن نظرية ريكاردو ، وحاول يغير من مسار الاقتصادي بطريق آخر، أو حاول يبين أن الاجور "أي العمل" هي أثر لقيمة الناتج وليس سبباً لها**".
__________________
* بداية تطور الحركة العمالية في أنكلترا يعود الى تنظيمات القرن الرابع عشر الذي أخذت صورة جمعيات Associations ، تضم العمال الاجراء ، ومع تطور طريقة الانتاج الرأسمالية ، خاصةً في الصناعة ، برزت صراعات وتنظيماتهم ، تتوصل الى مرحلة مختلفة كيفياً في " صناعة النسيج " في القرن السابع عشر والثامن عشر ، مرحلة أبرزت القوانين التي تحرم هذه التنظيمات والتي أمتزجت بما يسمى The Combination Laws ( قوانين التجمعات ) التي صدرت في 1799 و 1800 أنظر:E. Lipson . The Economic History of England. Vo 1. 11.p.xxx1& vo l 111.p 389& s 99 W. Ashworth. Ashort History of the International Economy since1850.Longmans .London 2nd edition.
مقتبس من مؤلف د. محمد دويدار – مصدر سابق ص 186 .
** أكثر راجع مؤلف د. دويدار ، محمد – مصدر سابق – ص187.

قد حاول الحديين في بحثهم هذا أن يديروا النقاش في دائرة التبادل او التداول بعيداً عن دائرة الانتاج "لكنهم على خلاف التبادل الذي أهتم به التجاريون "التبادل المرتكز على الانتاج"، "الذي جرى الحديث عنهم من قبل". التبادل بدءاً من حاجات الافراد الاقتصادية في تحقيق أقصى أشباع للحاجات ، الى تحقيق أقصى ربح نقدي، ولذلك ركزوا أهتمامهم على سلوك "الفرد الاقتصادي" المجرد الذي لا علاقة له بالواقع الاجتماعي، وأنشغلوا بأفكار أكاديمية بعيدة عن الواقع الاجتماعي، الامر الذي يفسرسيادة فكر آخر في العمل السياسي والنقابي في المجتمع وأدت الى عجزهم أمام الاقتصاد الرأسمالي .
أما في الالية الداخلية لنظام التوازن العام "الاقتصاد الوطني". يقول توماس سنتش "فأن أفكارهم تشير الى أن، أنتظام سوق العمل أنتظاماً ذاتياً يرتبط بأنتاجية العمل الحدية "النظرية الحدية"، وتوزيع الدخل المرتبط بها ، عوضاً عن قانون الكفاف الفسلجي "الوظيفي" وما يتصل به من آثار سكانية "ديموغرافية"، في حين يرتبط توازن سوق رؤوس الاموال بسعر الفائدة الطبيعي الذي تحدده الانتاجية الحدية لرأس المال" ... وبذلك يستنتج توماس سنتش* الى أن "الحدية" تستبعد حتى عن علاقات التوزيع أمكانية وقوع صراعات أجتماعية ، وأصبحت مكافاءات العمل لرأس المال تحدد على ما يبدو، بمبادئ متطابقة على الضد من نظرية ريكاردو في التوزيع ... وعلى هذا التفسير ، تعتبر العلاقات الاقتصادية علاقات بين الافراد والأشياء المادية ، ويصبح الاقتصاد بالتالي علم "الندره"، الامر الذي يعني أن العلاقات الاقتصادية ليست علاقات أجتماعية على حد تعبير "باريتو"، بل علماً طبيعياً كالفسيولوجية "علم وظائف الاعضاء والكيمياء"...الخ.
وسواءً كان باريتو وطريقته في الاستقصاء والترتيبات المتتالية ، أو منحنيات مارشال أو فالراس وفكرة الندرة وفكرة تحدد ثمن التوازن عند تساوي العرض والطلب في السوق التي تحقق التوازن وعلى صعيد الفكر عمقت الازمة الاقتصادية الراسمالية ووجدت النظرية الحدية نفسها عاجزة عن مواجهة مشكلات الاقتصاد القومي ، وضعت النظرية الاقتصادية للحديين موضع الاختبار التاريخي بحدوث الكساد الكبير أبتداءاً من عام 1929**.

تنظيرات جون ميلينارد كينز

إن مذهب الحرية الاقتصادية القائم على فكرة النظام الطبيعي والقانون الطبيعي ونظام السوق ، الذي يعمل بفعل قوى العرض والطلب وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ، وطروحاته لم تصمد أمام تكرار حدوث الازمات الاقتصادية والتي أشدها حدة ، الازمة الاقتصادية لعام 1929. الامر الذى شكل مراجعة جدية لفكر الليبرالية واقتصاد السوق وتطلب العودة الى الاعتراف بدور الدولة الاقتصادي ، واهمية هذا الدور في إعادة التوازن الاقتصادي ، وقد جاءت الدعوة من داخل الفكر الليبرالي ، من قبل الاقتصادي الانكليزي جون ميلينارد كينز ، وهوبمثابة اعادة نظر بالفكر السائد "دعه يعمل" اي ترك العمل بآلية السوق ، اذ كان يعتقد "كينز" ان آلية السوق لا تحقق المصلحة الوطنية للدولة ."أن البطالة المزمنة والطاقات المعطلة وكذلك الحركة الدورية للاقتصاد الرأسمالي مفضية ألى- الكساد العظيم – أنجبت –الثورة الكنزية- في الاقتصاد البرجوازي"
من هنا اصبحت افكاره بديلة عن النظرية الكلاسيكية التي أعطت الامل للانظمة الرأسمالية ، في ان تتجاوز ازماتها الهيكلية بشرط ان يتحقق التوازن بين الادخار والاستثمار، وفسر الازمة بأنها نقص الطلب ، ولذلك يجب العمل على زيادة هذا الطلب بشقيه الاستثماري والاستهلاكي ، ___________
* للمزيد راجع مؤلف توماس سنتش مصدر سابق -ص 30 .
** راجع د. دويدار ، محمد – مصدر سابق – في الصفحات 185، 246 ، 269 .
واعطت هذه الافكار، المبررات الاقتصادية لزيادة القدرة الشرائية لذوي الدخول المنخفضة ، نتيجة ارتفاع الميل الحدي للاستهلاك ولم تعد الاجور المنخفضة عامل دفع اقتصادي للعملية الاقتصادية ولم ينظر الى انها بمثابة تكاليف انتاج، وانما بمثابة منافذ التصريف ... واحدثت الراسمالية نظام "الرفاه الاجتماعي" كأحد الاجراءات ، دون حصول الازمات ، وحسب كنز ، ان على الدولة ، ان تعمل على تعويض النقص في الطلب الاستثماري الخاص وان تعمل على تحفيز الاستثمار الخاص من خلال زيادة الكفاية الحدية لرأس المال من خلال تخفيض معدل الفائدة ، وذلك من خلال تخفيض الميل وتخفيض السيوله، وذلك في طريق زيادة الكتلة النقدية في التداول أو زيادة العرض من النقود ، بأستخدامه سياسة نقدية متوازنة.
كما وأولى كينز اهمية للسياسة المالية في زيادة الانفاق العام لغرض زيادة الاستخدام والتشغيل والى اهمية المشتريات الحكومية في تحريض الطلب الكلي ، وحسب النظرية العامة لكنز أن الطلب هو الذي يحكم الانتاج وليس العكس . كما أولى أهمية لدور الدولة الاقتصادي ، في تنظيم النشاط الاقتصادي ، وفي أفكاره هذه أعاد أحياء الافكار الماركنتيلية أو التدخيلية وأن لاتكتفي الدولة بالحياد وأنما العمل على تحقيق النمو الاقتصادي. وبذلك استطاعت الدولة ، ان تقوم بأنشاء العديد من المصانع والمشاريع الاستثمارية ذات الطابع الانتاجي . واستطاعت افكار كينز ، ان تضع توازن للرأسمالية العالمية على امتداد "20-25" سنة ، وأن تقف "الدولة" في حالة منافسة شديدة ، تقارع الانظمة الاشتراكية ما بعد الحرب العالمية الثانية ، في تقديمها الخدمات الاجتماعية – نظام " welfare " الخدماتي من ضمان صحي ومنح عائلية وتعويضات بطالة...الخ. ومن خلال هذا العرض الموجز لليبرالية القرن الثامن عشر ومبرراتها ، نتوصل الى أراء الكلاسيك حول عمل الاقتصاد الرأسمالي العالمي- حسب سينتش*- حول التجارة الدولية ، حول تقسيم العمل والتخصص وتوزيع عوامل الانتاج ، على النقيض من الموضوعات العامة لعلم أقتصاد سمث وريكاردو نفسه حول الاقتصاد الوطني . وظلت حتى ظروفنا الحالية هي النظرية السائدة في علم الاقتصاد غير الماركسي معدله بهذا القدر أو ذاك ، من الانتقادات والتصحيحات والاضافات الجزئية فقط ، على ايدي ممثلي النظرية الكلاسيكية الجديدة، وقد بين في هذا، من جهة مفارقة تاريخية وتناقضا، لأن هذه النظرية كانت وقت صياغتها، تعكس علاقات حقبة تاريخية محددة، والثورة الصناعية ومصالح بلد بذاته هو انكلترا، الاكثر تطوراً حينذاك ،ولأن فرضياتها ومنطقها كانت تتصل بنظرية معينة حول الاقتصاديات الوطنية "هي نظرية قيمة العمل" التي هاجمها سائر العلماء غير الماركسين بعد ظهور الماركسية بأجماع وحماس كبيرين محاولين وأدها الى الابد . وهو من جهه ثانية ، امر مفهوم لان هذه النظرية أثبتت كونها وسيلة منافسة جدا – وخاصة بما أجري عليها من تصحيحات واضافات لاحقة ، لتمويه تناقضات الاقتصاد الرأسمالي العالمي المتزايد حدة ، وديالكتيك التطور والتخلف وانقسام الاقتصاد العالمي الى مركز متطور مهيمن وأطراف متخلفة خاضعة "وفيما يتعلق بأطراف أيضا ثمة" أزدواجية "وطنية". وهكذا كان الحال في الاقل الى إن تسبب التناقض المحتدم في حدوث انفجارات وتوترات ، تهدد بمزيد من الانفجارات في السياسة والاقتصاد الدوليين وطوال الوقت الذي يعنى فيه الاقتصاد غير الماركسي أمتيازا للبلدان المتطورة** .
كما وجرى تصحيحات للفرضيات والمسلمات الكلاسيكية ،وصياغتها صياغة جديدة وسميت هذه الصياغات الجديدة بالنظريات الكلاسيكية الجديدة . والليبرالية ومختلف النظريات الانتقائية، وبعضها ابتعد عن الواقع ، مابعد سمث وريكاردو ، مثل النظرية الذاتية في القيمة ونظرية الكلفة _____________
* راجع كتاب سنتش ، توماس – مصدر سابق – ص 17.
** سنتش – مصدر سابق – ص18 .
البديلة Opportunity Lost ، كمشتقة لها او بسبب احلال الوحدات الجزئية "مايكرو" شركات منفردة او سلع محددة ، محل الاقتصاديات الوطنية في العلاقات الدولية . ومن جهه اخرى فأن الواقع قد تغير ايضا ليبعد بصورة متزايدة في الدولة المثالية المفترضة ، فكانت نظرية"مارشال" في الطلب المتبادل أو منحنيات الطلب /العرض "المتبادل"... وبالرغم من المجهودات التي بذلت ، فأن صورة الاقتصاد العالمي بمفهوم التوازن الذي يعيد نفسه تلقائيا وأفتراض المساواة بين الشركات وتحقيق التشغيل الكامل للايدي العاملة ، تظل صورة وهمية وغير واقعية في هذا النظام .
ورغم الطروحات الكنزية التي قدمت تنظيرات انتقادية للفكر الليبرالي القديم ، الذي يتعلق بآلية التوازن التلقائي للاقتصاد الدولي في تدوينه مجددا علاقات الاقتصاديات الوطنية بوصفها وحدات انتاجية اقتصادية كلية "ماكرو" في مركز تحليله للاقتصاد الدولي. ولكن اغفاله للارادات السياسية للدولة القومية في صراعها بعضها البعض قللت من الاثر التثويري للكنزية على حد سينتش* ، على مفهوم التوازن الدولي الى ادنى حد .
على ما يبدو ان الفكر الليبرالي حاول معالجة العيوب والمتناقضات المتأصلة في التنظير، من سمث حتى كينز، ومقولات الاستيعابapproach absorptionالى التناول المرن elasticity approach ،كما وأثير التوفيق بين التجارة الحرة وسياسة التشغيل الكامل بوصفه مسألة يمكن حلها بالوسائل الكنزية – القديمة والجديدة للسياسة النقدية والمالية "سياسة الأئتمان والتبادل الخارجي، تخفيضات في قيمة العملة ، أسعار صرف عائمة" ، وحقيقة ان منحيات العرض والطلب ومرونتهما قد حلت محلها أو استكملتها المقولات الخاصة بمنحيات وميول الدخل والاستيراد "التي تعتبر بالمثل معطيات وبالتالي لا تتأثر بتطور العلاقات التجارية" ولم تغير شيئ يذكر في جوهر المفهوم عن التوازن . إن الازمة مالبثت ان تعود في بداية السبعينات في القرن الماضي ، وبعد عقدين من النمو الاقتصادي ، تعود ، فما هي الاسباب لهذه الازمة ، وماهي التفسيرات الاقتصادية لها ؟... التي واكبت الرأسمالية من المرحلة الصناعية الى مرحلة المالية الاحتكارية . وتعد مرحلة الليبرالية الجديدة ، هي وليدة الازمة العامة للرأسمالية في بداية السبعينات من القرن العشرين ، ودخول الرأسمالية مرحلة جديدة في العلاقات الاقتصادية الدولية حيث بروز الشركات المتعدية الجنسيات والمنظمات المالية الدولية " صندوق النقد الدولي والبنك الدولي" وغيرها وفكرها الداعي ، الى وقف تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية...

2- ازمة السبعينات في القرن العشرين وما أفضت إليه من من نتائج

في بداية السبعينات من القرن العشرين ، بدأت الامور تتغير وبخاصة أثر الفورة النفطية وارتفاع الاسعار للنفط ، ارتفاعا كبيرا ورافق هذا الارتفاع ، ارتفاع الاسعار والاجور ، انعكس على الاقتصاد الدولي واطلق انكماشا اقتصاديا وبطالة ، وتضخما في الاسعار ، زاد على 20% وزامن العجز في الدول النامية ، وتصاعدت خدمات ديونها الى مرتفعات خيالية .
وبرهنت النظرية الكينزية عن عجزها ، في معالجة احتواء الازمة ، في ظل الاضطرابات الجديدة ، التي شملت البلدان المتطورة صناعيا . ولا يقتصر عجزها ، كما يفكر المنظرون الرأسماليون ، بل حملوا " الكينزية" بأنها احد اسباب الازمة في الدرجة الاولى . وتظهر ازمة الفوائض النفطية وتزداد عجز موازين مدفوعاتها مختلف دول العالم ، والظروف الجديدة، تطلبت اسلوبا جديدا من ادارة اقتصاد – الكبح المالي والتحكم في عرض النقود .
_______________
* للمزيد أنظر مؤلف سنتش ، توماس – نقد نظريات الاقتصاد العالمي – مصدر سابق ص32 .
وعلى الصعيد الدولي ، تكون شركات متعدية الجنسية TNCs ، قد دخلت مرحلة حاسمة في تاريخ زيادة نشاطها الانتاجي والتسويقي والتمويلي ،وحدوث تغيرات بارزة في خريطة العلاقات الاقتصادية الدولية ، وذلك من خلال تزايد الوزن النسبي لأقتصاديات أوربا واليابان والدول المصنعة حديثا في آسيا على حساب تراجع نسبي للاقتصاد الامريكي .
وعلى الصعيد الداخلي ، دخلت اقتصاديات الدول الرأسمالية المتطورة صناعيا ، في ازمة هيكلية طويلة المدى ، كان اهم معالمها ، هو ظهور الركود التضخمي- stagflation "أي تعاصر ارتفاع البطالة مع ارتفاع معدلات التضخم" وهي ظاهرة يستحيل فهمها في إطار النظرية الكينزية –ودخول الرأسمالية، في مرحلة كساد طويلة المدى ، وبروز اتجاه واضح في تدهور معدل الربح في قطاعات الانتاج المادي ، وظهور مشكلة فوائض رؤوس الاموال ،التي راحت تبحث عن فرص للربح والتراكم .
إن مشكلة الفوائض النقدية وفوائض رؤوس الاموال داخل البلدان الصناعية والفوائض المجتمعية قي السوق الاوربية للدولارEurodollar ، في وقت عم فيه الكساد والبطالة والتضخم في هذه البلدان. في هذه الاجواء وجدت فيه الاتجاهات الجديدة –الربوية والمضاربية– لرأسمال المال الدولي.
يهمنا بهذا الخصوص التعرف على ما جرى في السبعينات ، اذ كشفت التطورات عن جانب من ظاهرة التضخم لم تكن معروفة من قبل ، فلأول مرة يقول د.فؤاد مرسي*، "أصبحت الازمة الاقتصادية التي حلت في منتصف السبعينات التي تتصف بالتضخم ، وكانت الازمات عادةً مصحوبة من قبل بأنكماش نقدي . وفيما بين عامي 1970-1973 فقد بلغ معدل الارتفاع بالاسعار ضعف معدل الزيادة السنوية المسجلة في عقد الستينات بأكمله ، وفي عام 1974 ، ومع رفع اسعار النفط ، تصاعدت الاسعار بشكل اكثر حدة بينما كانت اوضاع الركود تخيم على الاقتصاد الرأسمالي العالمي .
وبدأ الحديث علنا من وزراء مالية جميع الدول الغربية تقريبا يتحدثون عن الحاجة الى محاربة التضخم وكبح القطاع العام**. وقد جعل مقدمو القروض للبلدان المأ زومة من تبني هذه الروح الجديدة شرطاً لتقديم القروض، كما وأصبحت هذه الحركة المتصاعدة لقوة رأس المال المالي ، وممثليها على الصعيدين المحلي أو على الصعيد العالمي، فعلى الصعيد المحلي "اصبحت البرلمانات تعج بممثلي رجال البنوك وصناديق الاستثمار الذين يعرفون جيداً كيف يدافعون عن مصالح رأس المال المالي ، ونجحوا في تصفية كثير من المكاسب التي حققها العمال والطبقة الوسطى في فترة المصالحة الموقتة بين العمال ورأس المال، أبان عصر دولة الرفاه الكينزية "1945-1975" وهو ما كان يصب في النهاية في تبرير تخفيف الضرائب والدخول المقتطعة من اصحاب رأس المال المالي ، وهو ما كان يصب ايضا في زيادة ارباح الشركات الكبرى، ومن ثم زيادة قيمة اسهم هذه الشركات في البورصات***".
يشير "ماجدوف وسويزي" بصفة خاصة الى ان حركة الاسعار في الولايات المتحدة ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وخلال فترات الركود التي وقعت في اعوام 48/1949 و53/1958، وكانت الاسعار تهبط وترتفع بنسب ضئيلة ، ومع حرب فيتنام وتخفيض الدولار وانفجار المديونية وزحف ركود ، ارتفعت الاسعار بأكثر من5%، وأستمر الصعود طوال الستينات ، وطوال خمسة عشر عاماً من1952الى 1967 ، أرتفعت الاسعار بمتوسط سنوي يبلغ 2% ، ولكن متوسط المعدل _______________
* للمزيد أكثر راجع مؤلف د. مرسي ، فؤاد – الرأسمالية تجدد نفسها – عالم المعرفة -الكويت -1990 ص209
** لمزيد راجع هيرتس ، نورينا – السيطرة الصامته ترجمة صدقي حطاب عالم المعرفة – الكويت-2007 ص26 .
*** أنظر رمزي ، زكي - مصدر سابق – ص 153 وما يليها .
للارتفاع في عامي 1965-1966 كان اعلى نسبة 50% ، ومنذ عام 1967 والاسعار في أرتفاع بتأثير ثلاثة عوامل هي :
1- الضغوط التي فرضتها حرب فيتنام على الاقتصاد الامريكي .
2- انهيار نظام برتيون وودز بعد تخفيض الدولار مرتين .
3- انفجار مشكلة الديون الخارجية .
وبدأت في عام1969 موجة جديدة من أرتفاع الاسعار ، تحولت فيما بعد الى تضخم لم يسبق له مثيل ، فلقد تعرضت البلدان الصناعية عندئذ لأزمات نتيجة التوسع في منح القروض ، وهي أزمات لم تعد ذات طابع محلي بل اكتسبت طابعاً دولياً ، واصبح التضخم ظاهرة دولية مظهرها ارتفاع أسعار الفائدة الى مستويات لم تعرف منذ العصور الوسطى .
تقول ، هيرتس* "ومنذ تلك اللحظة أخذت الكينزية ومعها الحكومة الكبيرة تحتضران ، ان لم تكونا قد ماتتا بالفعل ، ونعاهما رئيس وزراء العمال آن ذاك، جيمس كالاهان" James Callaghan" في خطبته التي القاها في مؤتمر حزب العمال " كنا نعتقد ان بأمكانكم ان تتدبروا اموركم للخروج من الانكماش الاقتصادي ، وان تزيدوا من فرص العمل....بزيادة الانفاق الحكومي كثيرا . وأقول بصراحة ، ان هذا الخيار لم يعد موجوداً" . وفي الولايات المتحدة ، كان الرئيس كارتر قد توصل الى هذا الاستنتاج فأختصر النفقات العامة .
وبذلك انتقل العالم من مرحلة ثبات اسعار الصرف الى مرحلة التعويم Floating ، ونبذت فكرة اسعار الصرف الثابتة ، وشاع آنذاك فكر المدرسة النقدية Monetarism ، الذي كان يرى ان نظام اسعار الصرف المعومة، يمكن ان يدير نطام النقد الدولي، بقدر ما يقلل من الذهب والاحتياطيات النقدية الدولية، ويعيد الحياة لنظام السوق وقوى العرض والطلب .مما يلاحظ ان عقد السبعينات، وحالة الاوضاع التي تغيرت بشكل عميق في منظومة الاقتصاد العالمي ، تميزت:-
1- بأنهاء " عصر الازدهار "ًوالكينزي".
2- وانهيار نظام بريتون وودز وتعويم اسعار الصرف .
3- ومن جانب آخر نجد ان الدول المصدرة للنفط " أوبك " أتخذت قرارها التاريخي في أكتوبر من عام 1973 برفع اسعار البرميل الواحد من النفط .
4- ومن الناحية الأخرى إن الرأسمالية شهدت ظاهرة جديدة لم تألفها من قبل وهي تواكب عملية البطالة مع التضخم Stagflation وتعمق الركود الاقتصادي في الدول الصناعية ، حيث تنخفض معدلات الربح في قطاعات الانتاج المادي ، وتدهور معدلات الاستثمار والنمو والانتاجية .
5- تعمق التفاوت في علاقات القوى الفاعلة في السوق الرأسمالية وتزايد علاقات الصراع والمنافسة فيما بينهما . والمظهر الآخر هو تسجيل موازين مدفوعات كثير من الدول الاوربية عجز واضح، ناهيك عن العجز في الاقتصاد الامريكي وفي البلدان النامية . إن هذه المظاهر والانتقالات التي يصفها د.رمزي زكي**، بأنها تختلف عن العصر الكينزي ، وكان آخرها ، هي تعاظم ظاهرة التدويل Internationalization وعلى كافة الاصعدة أنتاجياً ومالياً وتكنولوجياً وتسويقياً ، وهي الظاهرة التي قادتها كبريات الشركات المتعدية الجنسيات التي حولت العالم مسرحا لنشاطها .
مما يمكن الاشارة اليه، الى أن بعض التحليلات الاقتصادية ذهبت، الى ان نمط الرأسمالية قد دخل مرحلة جديدة ، تختلف الى حد بعيد ، عن رأسمالية الدولة الاحتكارية لعالم مابعد الحرب العالمية الثانية ، حيث تسارعت عمليات تدويل النشاط الاقتصادي التي قادتها الشركات الاحتكارية الدولية،
________________
* أنظر هيرتس ، نورينا – مصدر سابق ص 27 .
** راجع د. رمزي ، زكي – مصدر سابق – ص172
حيث بدأت ، مرحة جديدة هي مرحلة "رأسمالية الاحتكارات العالمية" ولقد خلق ذلك تناقضا بين مصالح الرأسمالية على صعيدها المحلي " مؤسسات احتكارية في الداخل "وبين مصالح الرأسمالية على الصعيد العالمي "مؤسسات احتكارية دولية النشاط" الامر الذي انعكس وافرز صعوبات وتناقضات ، تطلب من التنظير الرأسمالي ، ضرورة التنسيق والموائمة بين السياسات الداخلية والعالمية . مما دفع مفكري العالم الرأسمالي ، بأن الحاجة باتت ماسة لأصلاح النقد الدولي وتعديل مهام الصندوق حتى يتجنب الاقتصاد الرأسمالي تكرار الاحداث المؤلمة لأزمة الكساد الكبير لحقبة الثلاثينيات . كان الجميع يرون إنه من المهم التوصل الى حلول تكبح النتائج المترتبة على وقف قابلية تحويل الدولار الى ذهب . وتوصل مفكرو العالم الرأسمالي في أتفاقية "السيموثونيان" في ديسمبر عام 1971* لكي يتجنب العالم الرأسمالي السياسات العشوائية المؤدي الى الفوضى في نظام أسعار الصرف وتصاعد نزعة الحماية وأفقار الجار. وهكذا يمكن القول ان ثمة تناقضاً أصبح بادياً يتجلى بين فاعلية السياسات الكنزية التي اعتمدت على التدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي المحلي وبين نشاط الرأسمالية على صعيدها العالمي ، على ضوء هذه الظواهر الجديدة ، التي جرى تقديمها . فما هي المخارج للأزمة الجديدة؟.

3-الليبرالية الجديدة والبحث عن مخارج للأزمة الرأسمالية
"التاتشرية – الريجانية "

اذا كانت الليبرالية "كما جرى الحديث عنها" كفلسفة سياسية فكرية ومنظومة اقتصادية ، قد بدأت التشكل والتبلور النظري في القرن الثامن عشر ، فأن الليبرالية الجديدة – النيوليبرالية- حسب مؤيديها تعبر عن رؤية جديدة داخل التيار الليبرالي الذي ظهر في بداية عقد السبعينات من القرن العشرين ، كبديل عن النظرية العامة للفكر البرجوازي جون ميلينار وكينز . غير ان لفهم اسباب ظهورلا بد من البحث في جملة من السياقات النظرية التي تتعلق بفكر الليبرالية والتغيرات السريعة في داخله ، متى ما اصطدم بواقع جديد ، ولكي نمسك بمجمل العملية الفكرية ، علينا بالعودة الى الخمسينات من القرن الماضي ، حيث نلاحظ تباين النقد الايديولوجي لليبرالية ، وخضوعها لمراجعات عديدة ، تكشف عن الاختلالات الكامنة في اسسها النظرية منذ آدم سمث مروراً بالمراحل التاريخية التي مرت هذه الايديولوجية والتطبيقات على الواقع .
تلك المراجعات التي خلصت الى المناداة بالحد من حرية الفعل الاقتصادي ، والحديث عنها بوصفها آيديولوجية ونظاماً اقتصادياً قد تخطته البشرية او هي في طريقها " واذا كان هذا الرأي واضحاً في الاطروحات النقدية التي ظهرت في حقل الاقتصاد السياسي ، من المدرسة الماركسية ومن خارجها .تاريخياً ، ربما بروز ظاهرة جديدة بعد الحرب العالمية الاولى وهي أنتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية ، ولاحقاً ظهور الانظمة الفاشية في ألمانيا وفي أيطاليا ، وبخاصةً حصلت انتقالات نوعية على مستوى التصنيع ، بفعل قوة الدولة وأدارتها للاقتصاد ، وبفعل "الازمة العالمية سنة 1929" أيضاً والتي هزت الاقتصاد العالمي الى درجة الانهيار .
وعلى ما يبدو هذه المظاهر الجديدة فرضت على التنظير الليبرالي ، ضرورة أيجاد معالجات للمأزق الفكري ، في توجهات السياسة الاقتصادية الرأسمالية .
___________
*اتفاقية السمشونيان : تضمنت اتفاقية سمشونيان التي انعقدت في واشنطن من عشرة دول مجموعة من الاجراءات لأنهاء الازمة النقدية الدولية لاصلاح نظام النقد الدولي وأعادة النظر في قيم العملات الرئيسية وتخفيض قيمة الدولار الامريكي ، وبعد فشل هذه الاتفاقية من قبل ست دول في السوق الاوربية المشتركة في أجتماعها في 7آذار 1972 الذي تقرر فيه تقليص حدود التقلبات في أسعار صرف عملاتها أتجاه الدولار في حدود 2,25% وأستحدثت حدود جديدة في أسعار صرف عملاتها في مستوى 1,25%على جانبي السعر المركزي الاسمي غير المباشر وسميت هذه الاتفاقية الثعبان الاوربي داخل النفق . (The European snake in the Tunnel
لقد ظهرالإطار النظري للنظرية الكنزية ، كمعالجة للخط السائد في التفكير الاقتصادي الراسمالي ، حيث خرج اللورد البريطاني جون ميلينارد كينز في مؤلفه الشهير "النظرية العامة" سنة 1936 ، الذي يؤكد فيه ضرورة تدخل الدولة في الاقتصاد ، ويشكل ذلك معارضة شديدة ، للنمط الفكري الليبرالي منذ آدم سمث. وقد بنى كينز منطلقاته الفكرية بعد تحليله للاقتصاد السياسي الليبرالي وتطبيقاته العملية ، وضع امامه مؤشرين رئيسين هما كيفية معالجة البطالة ، وتوظيف النقد ، منتقداً بذلك النظريات الليبرالية الكلاسيكية ونظرتها الى سوق العمل ، وعدم اهتمامها بمشكلة البطالة وكيفية حلها "وانتقد التفكير بمعطيات " دعه يعمل".
أما بما يتعلق بالنقد ، فهو ايضا منذ التصور الليبرالي الكلاسيكي ونظرته للنقد كونه مجرد ظاهرة ثانوية ، لا أهمية لها في العملية الاقتصادية ، واعتباره وسيط . غير ان كينز أعتبر النقد ، عاملا مهماً في الواقع الاقتصادي .
ولم يكتفي" كينز " بملاحظاته النقدية حول النظرية الليبرالية الكلاسيكية ورؤيتها الاقتصادية ، والى أفتقارها الى النظرة الكلية للواقع الاقتصادي حيث كان الفكر الاقتصادي ، قبل كينز مهتماً بالنظرة الجزئية للواقع الاقتصادي " بسبب من اهتمامها بالفرد والحرية الشخصية والمطلقة ، على القلاقات المنظمة للافراد".
عموما ان الازمة العامة للرأسمالية قدمت معطيات مغايرة ، عصفت بالاقتصاد الرأسمالي وحتمت ضرورة تدخل الدولة ، لترشيد السلوك اوالنمط الاقتصادي ، هذا بالاضافة الى النظرية الكينزية قدمت حزمة من البراهين والادلة العلمية التي تحدد الكم الكلي للمداخيل والاستهلاك والاستثمار وسعر الفائدة ، ليتم على ضوئها ضبط العملية الاقتصادية ، على المستوى الداخلي وعلى المستوى الدولي . وحظى الطرح الكينزي التأييد في اقتصاديات العديد من الدول الرأسمالية مابعد الحرب العالمية الثانية ، كما وحظيت بالقبول في السياسة الجديدة التي انتهجها الرئيس الامريكي روزفلت ، وحكومة ليون بلوم في فرنسا . غير ان عقد السبعينات اوجد مظاهر جديدة للازمة الاقتصادية العالمية ، حيث ارتبطت الازمة بأنهيار نظام النقد العالمي " بريتون وودز" وتقويم اسعار الصرف التضخم والركود الاقتصادي والبطالة وبذلك انتقل العالم في مرحلة ثبات اسعار الصرف الى مرحلة التعويم Floating . وهذه المظاهر الجديدة ، والتغيرات التي يصفها د. رمزي زكي ، بأنها تختلف عن العصر الكينزي، وكان اخطرها، هي تعاظم ظاهرة التدويل Internationalization .
وشاع حينئذ فكر المدرسة النقدية Monetarism ، الذي كان يرى ان نظام اسعار الصرف المعومة ، يمكن ان يدير نظام النقد الدولي "تقليل من الذهب والاحتياطات النقدية الدولية" سيعيد الحياة لنظام السوق وقوى العرض والطلب .
وبرهنت النظرية الكينزية عن عجزها في معالجة احتواء الازمة، في ظل الاضطرابات الجديدة والتي سبق وان تطرقنا لها "التي شملت البلدان الرأسمالية المتطورة صناعياً، ولم يقتصر النقد عن عجزها، بل حملوا المنظرين البرجوازين "الكينزية" بأنها احد اسباب الازمة في الدرجة الاولى . وجرت مراجعة نقدية للنظرية بلورة إطار نظري مغاير للاطار النظري الكينزي . أذ زعمت هذه الافكار– ان سبب الازمة لايمكن فقط في ارتفاع سعر النفط وانما ايضا بأرتفاع نفقات الدولة في ميدان الخدمات العامة التي تقدم للطبقات الفقيرة، اي الاستهلاك "الرفاه الاجتماعي"، وجاءت المعالجة للتقليل من النفقات، والعودة الى المنطق الليبرالي "دعه يعمل" القاضي بوجوب عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية، والتقليل من دور الدولة، وجعل السوق حراً ومستقلا بذاته .
تشير هيرتس*" وهكذا صار كينز مع نهاية السبعينات في القرن العشرين مجرد هامش في التاريخ ____________________
* للمزيد أكثر راجع هيرتس ، نورينا – مصدر سابق – ص 28 .
، وهو الذي تم اعتناق تعليماته بحذافيرها في الغرب، في محاولة لإعادة بناء عالم حطمته الحرب ، ولأقامة كتلة رأسمالية ثابتة هي بمنزلة الحصن أمام الشيوعية "الاشتراكية" .. وتقول ايضا وجاءت اللحظة الفاصلة بين عهدين في العامين 1979-1980 بأنتخاب مارغريت تاتشر أولا ثم رونالد ريغان ، وهما سياسيان ينتميان الى اليمين الجديد ، وقد تبنيا بحماس السوق الحرة ، وكأنهما يعاديان، بأصرار، مفهوم الدولة المتدخلة في "شؤون مواطنيها "... وتبنيا آراء اقتصاديين من امثال ملتون فريدمان Milton Friedman وفريديش هايك Friedrich Hayek...اللذان آمنا بأن السوق الحرة قادرة افضل من الدولة على توزيع البضائع والخدمات ، وأن محاولات الحكومة لمحاربة اخفاقات السوق تؤذي أكثر مما تفيد .
وهكذا شكلت مدرسة شيكاغو فريدمان وزملائه من الاقتصادين الامريكين، وهايك وغيره من الاقتصادين البريطانين، مرجعية نظرية لتحليل الاشكالات الاقتصادية والسياسية لليبرالية الجديدة ، وخلق هذا التيار ، تنظيرات تجاوزت حقل الاقتصاد السياسي للبلدان الرأسمالية وأنما للعالم بكل تنوعاته وتعقيداته ، بحيث تبنت افكارها المنظمات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، وأسسوا وفق منظور الفكر الليبرالي الجديد ، برامجهم وتوجهاتهم الاقتصادية . ومهما يكن من صراعات فكرية وخلافات بين "الكنزية والنقدية" فإنها حقيقةًً لم يكن تناقضاً جوهرياً على مستوى التنظير لأنهما ينطلقان من مواقف مبدئية ثابتة وهي الايدولوجية البرجوازية والايمان بحرية وآليات السوق وأن أختلفوا فأنما خلافهما بالوسائل والطرق المقترحة وتحديدا فيما يتعلق في الحد الامثل لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي . وأنعكس هذا على واقع اقتصاديات الدول النامية والفقيرة وذلك بالضغط على هذه البلدان ، من خلال سياسة التثبيت والتكيف الهيكلي الاقتصادي ، وتبني الخيارات المطروحة من قبل المنظمات المالية الدولية ، وتصاعد هذا الفكر "الجديد – القديم" اثر سقوط النظام الاشتراكي في التسعينات وتوفرت أمكانية الهيمنة على العالم وقيادته ، من خلال الواقع الدولي الجديد ، وفي إطار يتسم بأنفتاح الاسواق ورفع الحواجز الجمركية امام تناقل السلع ، وتقليص نفوذ الدولة ، تحت إطار العولمة.
ففي المملكة المتحدة قامت حكومة "تاتشر" بعمليات بيع واسعة للأصول من القطاع العام الى القطاع الخاص خلال الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين .كما خفضت معدلات الضريبة المفروضة على المؤسسات والأفراد. وألغيت القيود المفروضة على الصرف الاجنبي وأرباح الاسهم "دون الاعارة على أنعكاسها على المواطنين"، وألغي الاقراض والشراء بالتقسيط، ورفعت القيود عن الاذاعة والاتصالات والنقل والاعلان...وفي الولايات المتحدة الامريكية ألغت أدارة الرئيس رونالد ريجان القيود عن أسعار النفط وخففت القيود عن النقل بالسكك الحديدية وعن الاذاعة وعن صناعات النفط والغازالطبيعي ، وكانت غير متحمسة لفرض تشريع يقاوم الاتحادات الاحتكارية. وإزالة القيود عن الاقتصاد وهي عملية بدأها "جيمي كارتر" في سبعينيات القرن العشرين .
كما وقفا "تاتشر و ريغان" ضد النقابات. وسرعان ما انتشر مذهب الليبرالية الجديدة "رأسمالية السوق الحرة" المبنية على النموذج الانجلو امريكي في العالم، من امريكا اللاتينية الى شرق آسيا والهند ومعظم دول افريقيا، ومن الامم الرأسمالية القديمة مثل المملكة المتحدة الى اقتصاديات الرأسمالية النشطة في المانيا، والى بلدان اوربا الشرقية والى البلدان العربية والعراق من ضمنها .وساعدت وسائل الاعلام ووسائل الاتصالات على انتشار أفكار الليبرالية الجديدة ، وكذلك مؤسسات الاقراض الدولية الليبرالية الجديدة ذات الاهداف المحددة ، وصندوق البنك الدولين الذين يروجان ماسمي "بأتفاق واشنطن" وأصبحت كلمة "السوق" هي الكلمة الشائعة في الثمانينات والتسعينات وفي الالفية الثالثة، وكانت الافكار منصبةالى اطلاق العنان للقطاع الخاص وتقييد الدولة...ووجدت الليبرالية الجديدة رؤيتها وعلاجاتها للتدخل في ميدان الاقتصاد في الخصخصة ...ومع بداية التسعينات في القرن الماضي أصبحت الرأسمالية ومفردات حرية العمل وحرية التجار ةالليبراليةالجديدة والعولمة،التي تبناها "ريجان وتاتشر" هي الطوطم الجديد المهيمنة على العالم .



































المبحث الثاني :
الاصول الفكرية لليبرالية التكيف في البلدان النامية

أن الحديث عن الليبرالية ومفهومها الفلسفي والسياسي والاقتصادي ، الذي جرى الحديث عنه ، غارق في االألتباس ، وتأسيساً على ذلك ، يبدومعاودة التفكير بهذا المفهوم ومعيانة دلالاته وتعدد مفاهيمه مقدمة ضرورية في بلورة أفكار معرفية فاعلة وجادة في خطابنا السياسي والاقتصادي ، ولا يقتصر الامر على البلدان العربية وأنما البلدان النامية مجتمعة . فقد بات الجميع يتحدث عنها ، وفي مختلف المناسبات السياسية والفكرية ، وأنقسم حولها الاطراف المتجادلة . ففي الميدان الاقتصادي والسياسي المعاصر ، يلاحظ أنها تبوأت واجهة النقاش مع بداية التسعينات من القرن العشرين ، وهي الفترة التي أدت الى أنهيار الانظمة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان أوربا الشرقية والذي شكل أنهيارها دعما لموقف دعاة الحرية الاقتصادية ، الذي يركز على ضرورة عدم تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي، والأعلان عن الايديولوجية الليبرالية ، بوصفها النموذج الفكري والسياسي البديل لتنظيم المجتمع وأدارة مشكلاته السياسية والاقتصادية .
والواقع أن فشل تجربة البلدان الاشتراكية، لا يبرر بالضرورة أبعاد الدولة كلياً عن النشاط الاقتصادي، ومما لاشك فيه أن الاقتصاد الحر، وأقتصاد السوق ، أو التعويل على القطاع الخاص ، لا يعمل من فراغ ، حيث لا بد للحكومة من توفير الارضية المناسبة ، لهذا القطاع أو ذاك ، هذا أذا أتفقنا وفق منظور دعاة الحرية الاقتصادية...غير أن ما يستغرب الحديث عن الليبرالية ، بوصفها نظاماً مجتمعياًمن بين أنظمة أخرى منافسة ، في إنها أصبحت تقدم بوصفها النظام الوحيد "فوكوياما"، بتسرع مرتكزاً على رؤية هيجيلية للتاريخ ، الى القول "بأن ليس في الامكان أبدع مما كان، ومن أن الايديولوجية الليبرالية ، تؤشر على نهاية التاريخ ، وتشكل النظام العالمي الجديد" .
وعلى مستوى تحليل الواقع ، فأن الامر أكثر أشكالاً وتعقيداً ، إذ إن توجهات الليبرالية متعددة ومتنوعة ، والبحث في سياقاتها التاريخية والمجتمعية ، يتطلب أن نتزود بأفكار وأدوات منهجية أعمق ، لا مجرد شعارات وقراءات سريعة ، تملى بحجج غير واقعية ، على سبيل المثال ، ان تجربة البلدان المتطورة صناعياً التي أعتمدت الليبرالية " دعه يعمل" بالاعتماد على آلية السوق لتنمية اقتصادياتها ، خلال المراحل التاريخية الاولية التي مرت من تطورها الاقتصادي "وتحديداً في مرحلة التراكم الاولي ، الذي له أسباب عديدة ، تمت الاشارة لبعضها " يصعب تكرارها بالنسبة للبلدان النامية المعاصرة وذلك لأختلاف الظروف الاقتصادية المحلية والدولية ، يضاف الى ذلك ، أن هناك عدة أعتبارات ، تفسر محدودية دور أقتصاد السوق في عملية التنمية في البلدان النامية ، والتي بدورها تبرر التدخل للدولة في الاقتصاد الوطني . ونعتقد أن القراءة الميدانية لمجمل التجارب التي مرت بها البلدان النامية ، والقراءة النظرية لتفسير الايديولوجية الليبرالية ، تعطي مؤشراً مقنعاً مفاده ، لا بد من أن نحترس من مزلق الاختزال وأن نصوغ مفردات تعيننا للتجربة آخذين في الاعتبار تباين الظاهرة سواءً على المستوى النظري أو على المستوى الواقعي .
وقد حاول النموذج الرأسمالي الصناعي المدعوم بالفكر الليبرالي الاقتصادي ، أثناء القرن العشرين التغلغل الى البلدان النامية ، وبخاصةً ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وحصول معظم بلدان حركات التحرر الوطني على الاستقلال السياسي ، في آسيا وأفرقيا وأيضاً تغلغل النموذج في أمريكا اللاتينية ، وبخاصةً ، أن التنمية الاجتماعية والسياسية ، التي تم تعريفها ، منذ ذاك "فشلت "، لبلوغ أهدافها ولأسباب عديدة . أن النموذج الرأسمالي الان وبعد فشل التجارب لبعض البلدان الاشتراكية "الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية" تم التعريف به بالمنظور الاقتصادي الرأسمالي الغربي كنموذج للتقدم . غير أن هنالك بحوث أقتصادية تشير وتؤكد ، على أن فشل التدخل الحكومي في الحياة الاقتصادية "دعوة الليبراليين" لا يعني بالضرورة فشل القطاع العام ، وبالتالي تفوق أو نجاح آلية السوق أو القطاع الخاص في عملية تخصيص الموارد الاقتصادية لتحقيق الكفاية الأنتاجية ، مؤكدين أن هذه المسألة بالواقع لا تعتمد أساساً على الملكية بقدر ما تعتمد على نوعية الادارة ، وبناءاً على ما تقدم يتطلب الامر معاينة الفكر الليبرالي ودلالاته وتباينته في البلدان النامية، يُعدُ مقدمة ضرورية ومعرفية لحوارٍ شامل حول التوجهات السياسية والاقتصادية والاصول الفكرية لليبرالية التكيف بهذه البلدان والتي نوجزها :-
- الخطوط التي رسمها تقرير لستر بيرسون .
- أستراتيجيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
- الاهداف الاساسية لليبرالية التكيف.

1- الخطوط التي رسمها تقرير لستر بيرسون*

تعد الاستثمارات الاجنبية Foreign Investment كأحد مصادر التمويل الى الدول النامية وذلك لردم فجوة الموارد – الداخلية او المحلية – التي تعاني منها معظم هذه البلدان ... وتاريخياً تجري الاشارة الى ان تلك المصادر ساعدت على تنمية بعض الدول الاوربية وأمريكا الشمالية وبعضاً من الدول النامية ... لما تتمتع به هذه الاستثمارات من مزايا سواءً في الجانب "المالي او التنموي" او في الاستثمارات المباشرة " FDI Foreign Direct Intvestement أو الاستثمارات غير المباشرة Foreign Indirect Investment .
ولسنا بصدد الدخول بتفاصيل مصادر التمويل "لأنها ليس من مهمة البحث" ذلك بقدر ماتجري الاشارة الى ان الاستثمار الاجنبي ، يتدفق الى المجالات التي تتوفر " فيها الفرص وحيث تتحقق العوائد والارباح بأمان" ولكي يحصل الاستثمار ، هنالك جملة من الاجراءات والشروط ، على البلدان النامية ان توافق عليها وتطبقها حرفياً ، ولعل أهمها ، السمات العامة لاقتصاد السوق ومدى تحرر الانشطة الاقتصادية في سيطرة القطاع العام ،وعلى اثر الجدل السياسي بين قرارات الشركات الاجنبية وأستثماراتها وتحفظات البلدان النامية حاولت الرأسمالية العالمية أن تحل أزمتها حينما أعتمدت سياسة القروض السهلة وبكميات هائلة على البلدان النامية لغرض أدماج هذه البلدان في الاقتصاد العالمي على أسس جديدة ولغرض تفكيك الخطاب الليبرالي وتحديد عناصره الاساسية ومصادره الفكرية صاغ مؤسسو هذا الفكر "ليبرالية التكيف" والتي تشتمل على المصادر التي خلفتها الخطوط التي رسمها لستر بيرسون عام 1969 "بناءاً على طلب من روبرت مكنمارا الرئيس السابق للبنك الدولي" وذلك لدراسة المناخ الاستثماري المطلوب ان توفره الدول النامية لتشجبع أنسياب الاستثمارات الاجنبية ... وكان هدف أعداد التقرير وأعطاء غطاء أممي له من قبل "الامم المتحدة" وتقديم مقترحات محددة لرسم أستراتيجية جديدة في السبعينات حول توجه رؤوس الاموال الفائضة في البلدان الرأسمالية ، التي تبحث عن معدلات أعلى للارباح ، تفوق تلك الارباح في داخل بلدانها** "كما وتنبع أهمية هذا التقرير في أنه ، جاء ليبحث عن اسباب ذلك الضمور الشديد ، الذي شهدته حركة تصدير رؤوس الاموال الخاصة للبلدان المتخلفة في عقدي الخمسينات والستينات ، خصوصاً بعد الرياح العاتية من حركة التحرر الوطني ، التي أطاحت بالكثير من ____________
* لستر بيرسون : رئيس وزراء كندا سابقاً ، والذي ترأس اللجنة الدولية للتنمية يطلب من البنك الدولي ، أعد تقريره الشهير لدراسة مشاكل التنمية والاستثمار في البلدان النامية .
** نص البنود مقتبس من عدة مصادر:- 1- لستر بيرسون وأخرون "ماذا يجري في العالم الفقير- شركاء في التنمية " ترجمة أبراهيم نافع . 2 -د. رمزي زكي الليبرالية المتوحشة القاهرة دار المستقبل العربي 1993 . 3- دراسة عبد المجيد الراشد "المفاهيم الخادعة "الاصلاح الاقتصادي نموذجاً".
مصالح الاستثمارات الاجنبية الخاصة في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية"....وراح خطاب التقرير يؤكد بأن الاستثمار الاجنبي المباشر هو أمر لاغنى عنه لتلك البلدان ، نظراً لما تحمله هذه الاستثمارات من موارد حقيقية وخبرات ونقل للتكنلوجيا ، ولكن هذا لا يحصل مالم توفر البلدان النامية مناخاً استثمارياً مناسباً لنشاط رؤوس الاموال الاجنبية . كي تستفيد من تلك المزايا ، فما هي تلك الخطوط التي رسمها تقرير لستر بيرسون ، والتي بدورها تشكل الوصفة الجديدة لفكر ليبرالية التكيف ، والتي يمكن أن نوجزها بالبنود التالية:
- البند الاول: هو أن يتعين على الدول المتخلفة ، البدء فوراً في تحسين المناخ العام بالنسبة للاستثمار الخاص ، محلياً كان أم أجنبياً ، ذلك أن " المستثمرين الاجانب يحسون بالخطر أذا
كانت البيئة التي تحيط بهم لا تتعاطف مع أي من أنواع المشروعات الخاصة.. ويكاد يكون من المؤكد بصورة عامة، أن تحسين وضع القطاع الخاص ككل يعتبر من أهم الخطوط الفردية نحو تحسين المناخ بالنسبة للاستثمار الاجنبي في الدول النامية ، ولذا فنحن "تقرير لستر بيرسون" نوصي بأن تتخذ الدول النامية الخطوط الفورية ، التي تتماشى مع الاهداف القومية المشروعة لتعريف وأزالة العوائق التي تقف أمام الاستثمار الخاص المحلي".
-البند الثاني: يختص بأبطال مفعول القوى السياسية القابلة للانفجار التي غالباًما يؤدي إليها نشاط الاستثمارات الاجنبية الخاصة ، وهنا يشير التقرير صراحة : "يبدو انه من السبل الهامة لتحقيق ذلك تحقيق أستخدام اوسع للمشروعات المشتركة " أما مع رأس المال الوطني أو مع القطاع العام .
- البند الثالث: يختص بالضمانات التي يطلبها المستثمرون الاجانب لحماية نشاطهم ولتفادي الصراعات المعطلة لمصالحهم ، وهنا يقترح التقرير فكرة أتفاقيات ضمان وحماية الاستثمارات الاجنبية الخاصة التي تؤمن المستثمرين ضد مخاطر التأميم والمصادرة وفرض الحراسة ، وتكفل لهم تعويضاً ملائماً وحرية تحويل هذا التعويض الى الدولة الام ، حينما تتعرض الاستثمارات الاجنبية لخطر تعديل او تصفية نشاطها .
-البند الرابع: يتعلق بالحوافز التي على الدول المتخلفة والنامية ان توفرها لجذب رؤوس الاموال الاجنبية الخاصة ، وهنا يشير التقرير الى "الامتيازات الضريبية التي تمنحها الدول النامية للاستثمارات الاجنبية فضلاً عن تقديم الاراضي بأسعار رخيصة .
-البند الخامس: ويختص بكيفية أكتشاف الفرص الاستثمارية بالدول المتخلفة وضرورة العمل على تنفيذ دراسات أقتصادية حول الامكانات المختلفة للاستثمار بهذه الدول.
- البند السادس: يتضمن ضرورة توطيد قوانين الشركات لتحقيق درجة أكبر من الانفتاح المالي للمشروعات الاجنبية والمحلية .
-البند السابع: يقضي بضرورة السماح للشركات الاجنبية بالاقتراض من أسواق رأس المال المحلية .
-البند الثامن: يتعلق بتصفية القطاع العام ونزع مضمونه الاجتماعي ، بأعتباره ملكية عامة للشعب . وهنا يقول صانعوا تقرير "لستر بيرسون " بصراحة شديدة مايلي " اننا نوصي ، بأن تقوم حكومات هذه الدول بأنشاء نظام من الحوافز الايجابية لجميع الشركات الاجنبية والمحلية على السواء للمشاركة في الملكية العامة عن طريق بيع الاسهم في أشكال ملائمة ".
هذه البنود الثمانية التي أحتوتها وثيقة السيد لستر بيرسون الاممية، وهي البنود التي في جوهرها ، تشكل الشروط الجائرة على البلدان النامية وهي شروط ليست سهلة ، وأنما تستهدف بالاساس الاذعان للشركات الاستثمارية الاجنبية من قبل هذه الدول .
ومما يلاحظ ان الدول النامية وبخاصةً التي أنتهجت نهجاً وطنياً في تنميتها الاقتصادية في الخمسينات والستينات ، رفضت الاذعان في البداية ، لكنها وافقت في النهاية ، أثر فشل التنمية المستقلة في بلدانها وأثر تراكم المديونية وطبيعة وضعها الخاص اللامتكافئ في التقسيم الدولي ، وهكذا تولت المنظمات الدولية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مهمة هندسة الاذعان في الاستراتيجية الجديدة ، ووضعت الضوابط التفصيلية لتنفيذ هذا الاذعان .
لقد تزايد تعاظم دور البلدان النامية " المتخلفة" أثر تأسيس حركة عدم الانحياز Non Aligned Movement في مؤتمر باندونغ عام 1955 ، حيث أصبحت هذه الدول مجموعة ضغط دولية لخدمة مصالح البلدان النامية "على الرغم من الملاحظات عليها" ولاسيما خلال أجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في القضايا المطروحة للتصويت التي تخص بلدانهم " كما ساهمت في خلق الظروف السياسية لتكوين كتلة العالم الثالث كقوة سياسية مهمة ضمن النظام العالمي ، لاسيما بعد ظهور مايسمى بمجموعة الـ 77 "والتي تضم الان أكثر من 120 بلداً" والتي اصبحت تشكل قوة تصويتية داخل الامم المتحدة خلال الفترة من الستينات الى اوائل الثمانينات*".
كما يبدو، بأن النظام الاقتصادي العالمي الجديد، لم يتشكل بين ليلة وضحاها، وأنما نمى في الستينات وبداية السبعينات، أثر الازمة للاقتصاد العالمي، والتي يمكن نوجز خصائصها بالنقاط التالية :
1- أنهيار نظام بريتون وودز 1971 – 1973 ، بأعلان الولايات المتحدة الامريكية وقف تحويل الدولار الى ذهب وظهور نظام تعويم العملات - البديل .
2- منذ أواخر الستينات بدأت معدلات النمو في الاقتصاد العالمي بالتراجع وأزدادت معدلات البطالة ، وواكب ذلك لهيب التضخم ، وظهرت معالم " التضخم الركودي " وهي ظاهرة جديدة ، لم تعهدها الرأسمالية من قبل .
3- أحتدام التنافس بين الدول الرأسمالية الثلاث "الولايات المتحدة الامريكية ، ودول غرب أوربا واليابان".
4- تعظمت ظاهرة الحماية التجارية ، وأشتد التناقض بين الدول المصدرة والدول المستوردة للبترول .
5- تعاظم ظاهرة التدويل Internationalization أنتاجياً ومالياً وتكنلوجياً وتسويقياً ، وهي الظاهرة التي قادتها الشركات المتعددة الجنسية وأدت الى أنتقال الرأسمالية " من مرحلة رأسمالية الدولة الاحتكارية ، الى رأسمالية الاحتكارات العالمية**".
6- هيمنة الولايات المتحدة الامريكية على وسائل الاعلام في العالم .
7- زيادة الضغوط على البلدان النامية لتتخلى عن أسلوب التدخل الحكومي في توجيه أقتصاداتها وتبني آليةالسوق كبديل عنها. هذه الاسباب مجتمعة ، عجزت الدول النامية من التصدي لها ، بعد أن تبخرت الاحلام السياسية وظهور الخلافات ما بين مصالحها الاقتصادية ، وتشتت الائتلاف السياسي مابين بلدانها، وتزايد حدة المديونية وغيرها من الاسباب الكثيرة ، التي أدت الى تبخر وموت دول عدم الانحياز، " لامجال لشرحها الان " وبالتالي رضخت ولم تلتزم بالخط الذي تبنته في عقد الخمسينات والستينات وذلك بأنتهاج خط وطني في تنميتها الاقتصادية وفي علاقاتها الخارجية ، وقبلت مبادئ تقرير "لستر بيرسون" بعد أن تراكمت عليها آنفاً وطأة الازمة الاقتصادية العالمية في مواصلة السير عن طريق التنمية المستقلة .
أما النوع الثاني فهو الشروط والمبادئ التي طورتها المنظمات الاقتصادية الدولية المتخصصة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمات المالية الدولية والشركات المتعدية الجنسية... ______________________
* راجع مؤلف دالامين،عبدالوهاب-التنمية الاقتصادية-دار حافظ للنشر والتوزيع –المملكة العربية السعودية--جدة 2000 ص414
** أنظر مؤلف د. رمزي ، زكي – محنة الديون وسياسات التحرر في دول العالم الثالث- مصدر سابق –ص156
ويأتي تقرير"لستر بيرسون" والذي يعرف أيضاً على الصعيد العالمي بأسم "شركاء في التنمية" ليشكل طوقاً على البلدان النامية.... أن أهمية وخطورة هذا التقرير تكمن في أنه صيغ ولاول مرة ، وعلى أساس عالمي " الامم المتحدة " عند تعاملها مع الاستثمارت الخاصة الاجنبية .

2- أستراتيجيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي

1- صندوق النقد الدولي

صندوق النقد الدولي تأسس عام 1944 أثر مؤتمر الامم المتحدة في مدينة بريتون وودز Briton Woods بولاية نيو هامشير في الولايات المتحدة الامريكية ، عندما أتفق ممثلي 44 دولة على إطار للتعاون الاقتصادي ، بهدف تجنب تكرار كارثة السياسات الاقتصادية الفاشلة التي أسهمت في حدوث الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن العشرين وأسهمت في الأزمة العامة للرأسمالية وأدت أشعال الحرب العالمية الثانية في ديسمبر 1945 جاء صندوق النقد الدولي الى حيز الوجود عند توقيع 29 بلداً على أتفاقية تأسيسه، وأعتباره" وكالة متخصصة" من وكالات منظومة الامم المتحدة للمساعدة على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي من خلال أدارة نظام أسعار الصرف الثابتة ، وهو مؤسسة مركزية في النظام النقد العالمي ، أي نظام المدفوعات الدولية وأسعار صرف العملات االذي يسمح بأجراء المعاملات التجارية بين مختلف البلدان ،ويقع مقره في واشنطن ويديره أعضائه البالغ عددهم 184 دولة ويعمل فيه 2800 موظف ينتمون الى 133 بلداً ويشكل الاقتصاديون، ثلثي الموظفين الفنين في الصندوق ،الذي يضم 22 أدارة ومكتب، يرأسها مديرون مسؤولون، أمام المدير العام، ومعظمهم يعملون في واشنطن، وهناك 80 ممثلاً مقيماً للصندوق في البلدان الاعضاء لتقديم المشورة، ويتولى القيام بالاعمال اليومية" مجلس تنفيذي"، يقوده المدير العام وثلاثة نواب للمدير "علماً بأن كل عضو في فريق الادارة يتم أختياره من منطقة مختلفة من العالم ،وتأتي صلاحيات المفوضية للمجلس التنفيذي في تسيير أعمال الصندوق من مجلس المحافظين" وهو "صاحب السلطة الاشرافية العليا"- ويجتمع في العادة مرة واحدة في السنة "خلال الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك" ويتكون المجلس التنفيذي من 24 مديراً يرأسه المدير العام للصندوق، يجتمع ثلاث مرات في الاسبوع ويمكن عقد أجتماعات أضافية في مقر الصندوق في واشنطن، ويقوم كل بلد بتعين محافظ عادةً مايكون وزير المالية أو محافظ البنك المركزي في ذلك البلد ، ومحافظ مندوب، ويبت مجلس المحافظين في قضايا السياسات الكبرى، في حين يبت المجلس التنفيذي في أتخاذ القرارات اليومية. ويجري النظر في القضايا الاساسية مرتين سنوياً في إطار لجنة من المحافظين يطلق عليها أسم" اللجنة الدولية للشؤن النقدية والمالية" ، أما لجنة التنمية ، وهي لجنة مشتركة بين مجلس المحافظين في الصندوق والبنك الدولي لتقديم المشورة للبلدان النامية .

البنك الدولي
تأسس أثر مؤتمر بريتون وودز في عام1944 وكان الغرض من أنشاءه هو" "الحد من مشاكل ميزان المدفوعات في الأجل القصير" وهومؤسسة من الناحية الرسمية ، تابعة للامم المتحدة والوكالة الرئيسية للتنمية، ومهمته ووظيفته هي توفير الاعتمادات الاطول أجلاً للأستثمار للمشروعات الانتاجية. كانت العضوية فيه مشروطة "للحصول على قروضه" بأن يكون عضواً في صندوق النقد الدولي، ويعتبر"البنك" أحد أكبر مصادر مساعدات التنمية الدولية ، ويضم في عضويته 184 دولة حتى عام 2005 وتتحدد مسؤليته في كيفية تمويل هذه المؤسسات، وكيفية صرف الاموال على المشروعات الانمائية.
ويتشكل من مجلس محافظين "كل دولة عضو فيه لها محافظ في هذا المجلس وعادةً مايكون وزير المالية أو من يشغل منصباً مكافئاً له في هذه الدولة" بالاضافة الى مجلس مدراء مقره
المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc download (4).doc‏ (5.01 ميجابايت, المشاهدات 1)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأقتصاد, الخصخصة, العراقي, وتأثيرها


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الخصخصة وتأثيرها على الأقتصاد العراقي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الخصخصة وأثرها على التنمية في الوطن العربي Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 02-19-2017 04:14 PM
نتائج الخصخصة .. 31 مليون دينار ذمم على مياه اليرموك لصالح كهرباء اربد Eng.Jordan الأردن اليوم 1 02-07-2017 11:18 AM
دور الجهاز المصرفي في تدعيم وتنشيط برنامج الخصخصة دراسة التجربة الجزائرية Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 0 04-22-2013 12:33 PM
الخصخصة وتقليص دور القطاع العام Eng.Jordan بحوث ومراجع في الإدارة والإقتصاد 6 03-12-2013 02:09 PM
ملف الخصخصة في الأردن.. من أين جاءت الأموال وفيما أنفقت! Eng.Jordan الأردن اليوم 0 01-18-2013 06:55 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:01 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59