#1  
قديم 09-25-2015, 08:37 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة الفروع لابن مفلح


الفروع لابن مفلح، موضعان مشكلان في كتاب الحج
ــــــــــــــــــــــــــ

(عبدالله بن جابر الحمادي)
ـــــــــــــ


11 / 12 / 1436 هــ
25 / 9 / 2015 م
ــــــــــــ

2_36-thumb2.jpg

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد

فلا يخفى منزلة كتاب "الفروع" للإمام أبي عبدالله محمد بن مفلح الحنبلي؛ في فقه الحنابلة، وفي فقه شيخه الإمام ابن تيميَّة، فقد كان له اطلاع واسع، ومعرفة تامة بآراء شيخه الإمام ابن تيمية، ونثر في كتابه هذا آراء ابن تيمية في نحو ثلاثمائة موضع، فيها من الدرر والنفائس ما لا يوجد في المطبوع من كتب ابن تيمية.

بل إن في الفروع من الفوائد في عامة المذاهب، وفي معاني الآيات والأحاديث، والعلل، وفي الغريب، والتراجم، والأدب، والزهد، والرقاق، وأحوال الأمصار، وغيرها؛ ما يمكن أن يجمع في مجلد، وبعضها نصوص وفوائد لم أجدها إلا فيه.

وكثيرٌ من طلاب العلم معرضون عنه، ويتهيبون جرده، وتقييد فوائده، لصعوبة في عبارته الفقهية، لكن من اعتاد النظر فيه، وجرَّب دراسة ألفاظه وتحليلها في بعض الفصول؛ سهل عليه القراءة في بقية الكتاب.

وعلى جلالة هذا الكتاب؛ إلا أني وقفت فيه على مواضع؛ وقع فيها تصحيف، أو خطأ في النقل، ولعلي أكتفي بالتنبيه على موضعين؛ لتعلقهما بالحج ومسائله:

الموضع الأول: الإشكال في نقل رأي للإمام ابن تيمية رحمه الله:
------------

ذكر ابن مفلح رحمه الله مسألة المحصر في الحج بسبب مرض، أو ذهاب نفقة، وأن المذهب بقاؤه محرمًا حتى يقدر على البيت، فإن تمكن من الحج وجب عليه، وإن فاته الحج تحلَّل بعمرة.
ثم قال: "وعنه: يتحلل، كمُحْصَرٍ بعدوٍّ، واختاره شيخنا، وأن مثله حائضٌ تعذَّر مقامها، وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف، لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه..".
ومعنى هذا: أن ثَمَّ روايةً عن الإمام أحمد بإعطاء المحصر بسبب المرض، أو للعجز عن النفقة؛ حكم المحصر بسبب العدو.

وحكم المحصر بعدو أنه يتحلل في موضع الإحصار، ولا يُلزَم بالصبر حتى يصل إلى البيت.
ثم صرح ابن مفلح بأن هذا اختيار الإمام ابن تيمية، وأن ابن تيمية خرَّج على هذه المسألة مسألة أخرى؛ وهي: الحائض التي لا تتمكن من البقاء بمكة حتى تطهر وتطوف للإفاضة، فتعطى حكم المحصر، فتتحلل مكانها، ثم ترجع إلى بلدها.

وذكر أيضًا أنه يعطى هذا الحكم؛ الحائض التي رجعت إلى بلدها ولم تطف للإفاضة، إما لجهلها بركنية طواف الإفاضة، أو لعجزها عنه بسبب الحيض، أو ذهاب الرفقة.
فهاتان المسألتان يرى ابن تيمية أن الحائض تعطى فيهما حكم المحصر.
هكذا نقل عنه تلميذه الإمام ابن مفلح رحمه الله، أو هكذا في نسخة الفروع.

ونقل هذا النص:
----------

البرهان ابن مفلح في المبدع (3/ 274)، ولم يعزه لابن تيمية ولا غيره، وإنما قال: (مسألة: مثله حائض تعذر مقامها...).
وكذلك المرداوي في الإنصاف (9/ 326)، وعزاه إلى ابن تيمية، ولم يتعقبه.
وذكره ابن النجار في معونة أولي النهى (4/ 269)، ولم يعزه لأحد؛ فقال: (ومثل المريض في الحكم حائضٌ تعذَّر مقامها وحرم طوافها، أو رجعت ولم تطف؛ لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه..).

ونقله البهوتي في كشاف القناع (2/ 528، 529) عن ابن النجار، فقال: (ومثله أيضًا حائضٌ تعذَّر مقامها، أو رجعت ولم تطف؛ لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرفقة، قاله في شرح المنتهى).

ونقله ابن قاسم في حاشية الروض (4/ 213)، عن البهوتي، فقال: (وفي شرح الإقناع: ومثله حائضٌ تعذَّر مقامها، أو رجعت ولم تطف، لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرفقة).
وظاهر هذا النقل يفيد إعطاء الحائض حكم المحصر في صورتين:

1- إذا تعذر مقامها بمكة حتى تطهر.
2- إذا رجعت إلى بلدها ولم تطف.

فيجوز لها التحلل في هاتين الصورتين.

وقد تبين من النقول السابقة أن أصل هذا التخريج ذكره ابن مفلح عن ابن تيمية، ثم نقله غير واحد من الحنابلة، منهم من عزاه إلى ابن تيمية كالمرداوي، ومنهم من لم يعزه إليه.

وهذا النقل مخالفٌ لرأي ابن تيمية في الصورتين السابقتين:

وحاصل كلام الإمام ابن تيمية -في مواضع- يفيد أن الحائض لا تخلو من أحوال:
الحال الأولى: أن تتمكن من الإقامة بمكة حتى تطهر، ثم تطوف للإفاضة، فيجب عليها ذلك.

الحال الثانية: أن يتعذر عليها الإقامة بمكة حتى تطهر، لكنها لم ترجع إلى بلدها بعد؛ فيجوز لها أن تطوف طواف الإفاضة على حالها، كحال المصلي العاجز عن بعض الواجبات؛ فيجب عليه أن يصلي على حسب حاله.

الحال الثالثة: أن يتعذر عليها المقام بمكة، وترجع إلى بلدها؛ وهذه لا تخلو من صورتين:

1- أن يتعذر عليها الإقامة بمكة، فترجع إلى بلدها، لكنها تتمكن من العودة من بلدها بعد ذلك؛ فيجب عليها أن ترجع فتطوف للإفاضة.

2- أن يتعذر عليها الإقامة بمكة، فترجع إلى بلدها، ويتعذر عليها الرجوع إلى مكة؛ فيرى في هذه الصورة تحديدًا إعطاءها حكم المحصر، فتبعث بالهدي إلى مكة، وتوكل من يذبحه هناك.
وأما إعطاء من تعذر مقامها بمكة حكم المحصر بكل حال؛ فقد ردَّه ابن تيمية، وبين فساده، مع كونه أقوى عنده من احتمالاتٍ أخرى ذكرها، وإنما رأى إعطاءها حكم المحصر في الصورة الأخيرة فقط.
والذي يظهر لي أن صواب العبارة في المصادر السابقة:

(ورجعت) بواو العطف، ويكون المعنى: (ومثله حائضٌ تعذَّر مقامها، وحرم طوافها، ورجعت ولم تطف، لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه)، فهذه هي التي صرح بإعطائها حكم المحصر، وأما إذا لم ترجع فيرى أنها تطوف للإفاضة على حالها، ولا تعطى حكم المحصر.
فإما أن يكون الخطأ من ابن مفلح نفسه، وتابعه في ذلك من جاء بعده، وأستبعد ذلك.
أو يكون وقع تصحيف في الفروع من بعض النساخ، ثم توارد عليه من جاء بعده، والله أعلم.
وقد جاءت العبارة على الصواب في الاختيارات لابن اللحام (ص120)، فقال: (ومثله: حائض تعذر مقامها، وحرم طوافها، ورجعت ولم تطف، لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرفقة).

ومعلوم أن ابن اللحام ينقل كثيرًا في الاختيارات من الفروع لابن مفلح.
وقد بحث ابن تيمية هذه المسألة بحثًا مطولاً، مشتملاً على كثير من الدرر في الفقه وأصوله، ومراعاة مقاصد الشريعة، وذكر أن الحائض التي تعذر مقامها بمكة حتى تطهر؛ لا تخلو من احتمالات خمسة؛ فأبطل الأربعة الأولى، ثم بين صحة الوجه الخامس، وهو إعطاؤها حكم المصلي يعجز عن بعض واجبات الصلاة، فيجب عليه أن يصلي على حسب حاله.
ينظر: (26/ 233، 235، 236، 239-241، 243-245).
وأما كلامه عن الصورة الأخيرة؛ وهي ما إذا رجعت إلى بلدها ولم تطف للإفاضة، ولم يمكنها العودة إلى مكة لتطوف للإفاضة؛ فتعطى في هذه الحال حكم المحصر؛ فقد ذكره في الفتاوى (26/ 246، 247).

الموضع الثاني: الخطأ في النقل عن الإمام ابن القيم:
----------------------------

نقل ابن مفلح في الفروع (6/83) عن ابن القيم في زاد المعاد {ويسميه دومًا في الفروع: الهدي} أنه يقول: بأن المحصر لا يلزمه هديٌ، ولا قضاء.
قال ابن مفلح رحمه الله: (وذكر بعض أصحابنا في كتابه الهدي: لا يلزم المحصر هدي ولا قضاء، لعدم أمر الشارع بهما. كذا قال).

وتبعه في هذا النقل: البرهان ابن مفلح في المبدع (3/273) فقال: (وفي كتاب الهدي: لا يلزم المحصر هدي ولا قضاء، لعدم أمر الشارع بهما. وفيه نظر).
والمرداوي في الإنصاف (9/318) فقال: (واختار ابن القيم في الهدي أنه لا يلزم المحصر هدي).
ونقله ابن قاسم في حاشية الروض (4/ 211) وغيره.
والذي صرح به ابن القيم في زاد المعاد (3/379) إيجاب الهدي دون القضاء.
فقد قال رحمه الله بعد أن ذكر الخلاف في هذه المسألة، وأن فيها أربعة أقوال:
(وظاهر القرآن يرد هذا القول، ويوجب الهدي دون القضاء؛ لأنه جعل الهدي هو جميع ما على المحصر، فدل على أنه يكتفى به منه، والله أعلم).


----------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
لابن, مفلح, الفروع


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الفروع لابن مفلح
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دور الخلفية المعرفية لابن باديس عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 06-02-2014 08:51 AM
وصف الحجيج لابن القيم عبدالناصر محمود أخبار ومختارات أدبية 0 09-15-2013 01:58 PM
التمهيد في تخريج الفروع على الأصول Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 06-17-2013 08:50 AM
حمل كتاب صيد الخاطر ...لابن قيم الجوزي Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 04-10-2012 09:36 PM
من روائع الحكم لابن القيم تراتيل شذرات إسلامية 0 01-27-2012 05:15 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:55 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59