#1  
قديم 11-03-2012, 01:07 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي ابن ماجد شهاب الدين أحمد بن ماجد النجدي


- محمود عصام الميداني
شهاب الدين أحمد بن ماجد النجدي
سيد بحار الجزيرة العربية وشاعرها
836 - 923 هـ / 1432- 1517م

في تاريخ العرب الطويل رجالات حباهم الله بالقدرات الخارقة والهمم العالية فبرزوا عن أقرانهم واستحقوا أن تسجل أسماؤهم في عداد العظماء.
ففي فيافي الجزيرة العربية وفوق بحار الرمال فيها، أتقن العربي فن الاهتداء بالنجوم واقتفاء الأثر والتنبؤ بأحوال الطقس ونظم القوافي وهو على ظهر سفينته في الصحراء، وعلى هوامش الجزيرة العربية فوق أمواج البحار فاضت هذه الصفات على سكانها فبرز منهم ملاحون عظام منهم أسد البحر الهائج وليث الليوث شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد بن عمرو بن فضل بن دويك بن يوسف بن حسن بن حسين بن أبي معلق السعدي بن أبي الركائب النجدي، فكان ملاّحاً وشاعراً وفلكياً وجغرافياً ومصنفاً في علوم البحر.




6-4fcc73b3352ff.jpg


حياته ومكانته: عربي من أصل نجدي وقيل إنه من بني تميم، ولد حوالي العام 836 هـ/ 1432م، وقيل إنه ولد عام 821هـ/1431 وعاش في بيئةٍ بحرية في مدينة جُلّفار على ساحل الإمارات العربية المتحدة حيث تقوم إمارة رأس الخيمة اليوم، إلا أن بعض المصادر تنسبه إلى منطقة َظفار على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية ولربما كان التشابه في رسم اسم المدينتين هو السبب في هذا اللبس إذ إن له شعراً يقول فيه:
رعى الله جلّفار ومن نشا بها
وأسقى ثراها واكفٌ متتابع
بها من أسود البحر كل مجربٍ
وفارس يمٍّ في الشدائد بارع
كما أن محقق كتابه إبراهيم الخوري وبعض الباحثين في تاريخه يجعلون ولادته في مدينة صعدة في اليمن معتمدين على بيت من الشعر لابن ماجد يقول فيه:
تِهامة مشتانا ونجد مصيفنا
ونجران دارنا الذي نتخرف
وبأن مرتفعات اليمن تسمى نجداً عند المقدسي وأن أسماء أجداده حسن وحسين إضافةً إلى حبّه لآل البيت وقصيدته في الإمام علي التي عنوانـها: أسد الله المظفر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كل هذا يجعلنا نغلب الظن أنه ولدفي صعدة ونشأ في جلّفار وأنه من آل البيت.
كان ابن ماجد سليل أسرةٍ بحريةٍ، فأبوه ماجد كان ملاحاً وكان يسمى ربان البرّين (برُّ العرب وبرُّ العجم) وجده عالماً بفنون البحر، ويقول ابن ماجد في ذلك: (وقد كان جدّي عليه الرحمة محققاً فيه ومدققاً، ولم يقرأ لأحد فيه، فزاد عليه الوالد رحمه الله بالتجريب والتكرار ففاق علمه علم أبيه، فلما جاء زمننا جربنا هذا وكررناه أكثر من أربعين سنة، وقد حررنا وقيدنا علم الرجلين النادرين وأرّخناه وفهمنا جميع ما جربوه)، وقد تلقى علوم البحر على أبيه وجده، وقرأ معرّب المجسطي لبطليموس (وهو كتاب النظام الرياضي للنجوم: mathematike syntaxi الذي عرِف باسم المجسطي maCIste al أي الأعظم) وقرأ البتّاني وأبي حنيفة الدينوري والمشترك لياقوت الحموي، وكُتب ابن سعيد وابن حوقل، والمعلومات عن حياته قليلة باستثناء إشارات عابرة تنبئ عن حاله مما ذكره عن نفسه في مؤلفاته وبخاصة كتابه "الفوائد في أصول علم البحر والقواعد"، وقد نال نصيباً من علم الحساب العربي والهندي والزنجي وأهل جاوه والصين ويقول عن نفسه:
قد راح عمري في المطالعات
وكثرة التسآل في الجهات
كم نظرت في الحساب العربي
وحسبة الهند مذ كنت صبي
فلم أر في اتفاق أصلحا
في القمر والزنج صحيح النقل
وتدل كتاباته أنه كان يعرف أسماء الكواكب بالعربية واليونانية ويستخدم الإسطرلاب بمهارة، وقد كتب في التاريخ والجغرافيا والأدب والفلك، وكان يعرف من اللغات التاميلية والفارسية والسواحلية وملماً بالزنجية.
ويعد ابن ماجد رابع أربعة مشهورين بالملاحة البحرية هم: محمد بن شاذان وسهل بن أبان وليث بن كهلان ولكنه فاقهم جميعاً.. ويبدو إنه لم يتزوج لقوله:
تركت اشتغالي بالمها والجآذر
وصرت مغرى بالنجوم الزواهر
فهو يعلمنا بأنه ترك الانشغال بالنساء والأطفال واشتغل بالنجوم الزواهر، ولربما جرّب حظه ففشل، وليس ذلك بمستغرب على من يعيش حياة التنقل والترحال وجوّاباً للبحار، وقد كان ابن ماجد مؤمناً بالعلم ويقول في ذلك:
خليليّ هيّا واسمعا درّ منطقي
فلا عاش من يخفي العلوم ولا بقي
وبنبئنا كتابه عن أخلاقه فهو يطلب من الربّان أ ن يتحلّى بالمعرفة بفنون الملاحة ومواقع الجزر والتيارات البحرية ومهابِّ الرياح، ويطلب من المعلم (رئيس المركب) أن يكون عارفاً عالماً بالأشياء عزَّاماً فتّاكاً لّين الكلام في قوله، عدلاً تقيّاً لا يظلم أحداً لأحد، مقيماً على طاعة الله، متقياً بالله حقّ تقاته تعالى، كثير الاحتمال، عالي الهمّة، صبّاراً، لبيباً، أديباً حسن الخلق طيب الكلام، وكان يحضر جلسات ربابنة السفن فكان يبذّهم جميعاً فما يتعلق بملاحة البحر الأحمر، مما استدعى إيغار صدور حسّاده فكان يتمثل بقول الشاعر:
إن يحسدوني فإني غير لائمهم
قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
وكان جريئاً في ارتياد البحر حمل أسماء عدة: أسد البحر الهائج، وليث الليوث، وناظم القبلتين مكة وبيت المقدس، وكان من عادة البحّارة حين خروجهم من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي أن يقرؤوا الفاتحة زيادةً في شرف الشيخ أحمد منفِّذين وصيته في شعره القائل فيه:
اسأل الرحمن يا معواني
إذا تلوت النظم والمعانــي
اقرأ لي الحمد مع الإخلاص
تنفعني في العرض والخلاص
وقد بقيت عادة قراءة الفاتحة لروحه عند البحّارة حتى حوالي منتصف القرن التاسع عشر، ويذكر المستشرق برايتون إنه حتى عهدٍ قريب كان البحّارة في المحط الهندي يستعينون بكتاب ابن ماجد في تنقلاتهم بين الجزر.
من أعمال ابن ماجد في الملاحة البحرية: كان ابن ماجد يهتم بالملاحة البحرية الليلية مستعيناً بالنجوم ويعرض طريقته في كتاب الفوائد في التوجه إلى الموانئ والجزر إذا لم تكن لديه بوصلة بحرية باستخدام وتقدير الزوايا بالقبضة والإصبع وبالاعتماد على تقسيم الدائرة إلى 32 قسماً (أو خناً) والدائرة 32 قبضة وبذلك يكون ربع الدائرة 8 قبضات = 90ْ والقبضة تعادل 11,2 ْ بقياسنا الحالي، وتقسم القبضة إلى 7 أصابع فيكون الإصبع 1,6ْ واستخدمها لقياس الزوايا الأفقية والسمتية، أما الزوايا العمودية والشاقولية فقد استخدم في تقديرها الأصابع (والذي يفهم من وصفه من الكتاب) باستخدام راحة اليد اليسرى أمام العين والذراع ممدودة إلى الأمام ووضع راحة اليد عند العين بحيث يلامس أعلاها نجم القطب أو نجم سهيل في النصف الجنوبي أو نجم آخر معروف ونهايتها السفلى هو موقع الميناء أو الجزيرة المطلوبة مستخدماً أصابع اليد الواحدة أو أصابع اليدين الاثنتين. كما يشير إلى طريقة أخرى للقياس بواسطة قطع خشبية مثقبة يربطها خيط، وينصح الملاحين بالاطلاع على (الرهمانجات) وهي الكتب التي ترشد إلى الطرق الملاحية.
ولعل من أبرز ابتكاراته تطوير الإبرة المغناطيسية من قطعة معدنية رقيقة ممغنطة مغروسة في نبات خفيف (البيلسان) كانت توضع في الماء تدور لتدل على الشمال المغناطيسي على الحقّة(هي بيت الإبرة المغناطيسية)، فحوَّلها ابن ماجد إلى إبرة ممغنطة توضع فوق سن إبرة في وسطها بحيث تتحرك بحرّية فوق قرصٍ رُسِمت عليه الأخنان (أقسام الدائرة) ويقول عن ذلك (ومن اختراعنا في علم البحر تركيب المغناطيس على الحقة ولنا فيه حكمة كبيرة لم توضع في كتاب) وقد سبق بذلك الملاح الإيطالي( فلافيوجيولا) الذي ادّعى أنه ابتكر تعليق الإبرة المغناطيسية.
مؤلفات ابن ماجد ومعارفه في الفلك والجغرافيا:
ترك ابن ماجد الكثير من المعلومات الملاحية وصحّح الكثير من الأخطاء السابقة وذكر أسماء المدن والبلدان والسواحل والقياسات البحرية ومطالع النجوم وشرح المسالك البحرية بين سـاحلٍ وآخر.. وتقدر عدد مؤلفاته بخمسة وثلاثين مؤلفاً عُثر منها على خمسةٍ وعشرين أبرزها كتاب "الفوائد في علم البحر والقواعد" ومنها عدد من الأراجيز بلغ عددها 4603 أبيات من الشعر معظمها في فنون البحر ومواقع النجوم، ولربما كانت أراجيزه من أفضل ما كتب حتى زمانه في علم البحر والأنواء عرضها شعراً لما عرف من ميل العرب إلى الشعر وقدرتهم على حفظه، ويلاحظ فيها عدم التقيد بأوزان الشعر وقواعد اللغة ونحوها وصرفها، ويعزى السبب إلى أنه عاش في منطقة ساحلية تعرضت للاختلاط مع الهنود والإفريقيين والجاويين مما أضعف لغتهم، عاش عصراً انتشر فيه السجع الذي أفقد اللغة رونقها فبلاغة العرب في الإيجاز، إلا أن ذلك لم يضعف من قيمة المعلومات العلمية الوافرة والغزيرة التي جمعها ابن ماجد في كتاباته وأراجيزه التي استرعت انتباه المستشرقين من جنسيات مختلفة فضلاً عن دراسته من العلماء العرب فقد اهتم بدراستها كل من: كراتشكوفسكي وشوموفسكي ودومومبين وغيرهم.....

مؤلفاته:
الرقم الأرجوزة أبياتها والمضمون
1 عدة الأشهر الرومية قصيدة نونية من 13 بيتاً لعدد أيام الشهر
2 الأرجوزة المخمسة وتشمل 17بيتاً مخمسة تبحث في شؤون البحر
3 القافية وهي رائية مؤلفة من 33 بيتاً في قياس النجوم التي يستعملها أهل البحر
4 التائية من 55 بيتا ًتصف المجاري (طرق البحر) وتعطي قياسات البحر الكبير من جدة إلى عدن
5 نادرة الإبدال من 57 بيتا ًتبحث في الأسفار وقياساتها
6 الفائقة نوني من 57 بيتاً والقياس من نجم سهيل .
7 البليغة من 64 بيتا ًتقتصر على قياس سهيل والسماك الرامح في القياسات البحرية
8 ميمية الإبدال 64 بيتًا تعالج قياس ارتفاع النجوم ب6 طرائق مختلفة
9 كنز المعالمة وذخيرتهم 71 بيتا ًتبحث عن المجهولات في البحر والنجوم والبروج وأسمائها وأقطابها .
10 أرجوزة العرب 100 بيت تبحث في مطالع الجزر المشهورة في الخليج العربي
11 الهادية 155 بيتاً في قياس النجوم والفتحات والأسفار
12 القصيدة المكية 171 بيتاً مع مقدمة نثرية في السفر من جدة إلى سواحل المحيط الهندي وقياساتها.
13 الأرجوزة المعربة عربت الخليج البربري (خليج عدن) وصححت قياساته من حافوني (رأس هافون) إلى باب المندب .ألّفها سنة 89 هـ
14 ضريبة الضرائب 192 بيتاً تعطي قياسات فلكية حصل عليها ابن ماجد من قياساته الملاحية .
15 الذهبية 193بيتاً تبحث في المرور والفتحات بالكوس واستخدام أدوات الملاحة .
16 قسمة الحجة
17 أرجوزة في الفتحات إلى بر الهند 255 بيتاً من عدن إلى جاوه تشرح الاقتراب من سواحل الهند وبر العرب .
18 المعلقية 273 بيتاً تصف المجاري وقياساها من الهند إلى سيلان وسومطرة وبر السيام وجاوه وما في طريقها من الجزر والشعبان .
19 تصنيف قبلة الإسلام في جميع الدنيا 295 بيتاً وتسمى أيضاً تحفة القضاة شرح فيها القبلة وتحديدها في البحر بأربع طرائق كتبها في 893 هـ أوائل المحرم.
20 السبعية 307 بيتاً فيها سبعة علوم من علوم البحر غير الفراسة والإشارات
21 السفالية 807 أبيات تصف المجري والقياسات إلى مالابار وجزارات (كوجارات) السند والزنج وأرض سفالة وجزيرة القمر (مدغشقر حالياً ).
22 حاوية الاختصار في أصول علم البحار 1082 بيتاً من 11 فصلاً يستفيد منها ربابنة ودير بر العجم والزنج العرب وضعها 866 هـ .
23 الفوائد في أصول علم البحر والقواعد 12 فائدة في فنون علم البحر/ركوب البحر/ منازل القمر/الأخنان/دورة البحر في جميع الدنيا /الجزر الكبار المشهورات /بحر قلزم العرب ( البحر الأحمر)......
24.
كتاب المول وهو أشبه برهمانج يستعرض فيها سواحل المحيط الهندي
25 كتاب الفصول: تسعة فصول خالية من العنوان .

والمعتقد أن له مؤلفات مفقودة وقصائد يعددها في كتبه ويذكر مطالعها.

ابن ماجد الجغرافي:
والمدقق في كتب ابن ماجد يجد في ثناياها فكراً جغرافياً محللاً ومعللاً لما يشاهد هو يصف الشعاب والمسارات (خطوط الملاحة) والجزر وجهات الرياح ومواعيد هبوبها وخير زمان للإبحار فيها رابطاً ذلك بمواقع النجوم، ومصنفاً نفسه مع الفلكيين بقوله: (ففي الآفاق من هو أخبر مني فموجود، أما في رؤية النجوم والهداية فما رأيته في هذا الزمان ولا في أهل الرصد من المعالمة، ومحالٌ أن يبصر ذلك في شخص إلا إذا اهتدى بتصانيفي في أول عمره وزاد في التجارب بنفسه وساعده الله بطول العمر) ويقول في الفوائد ص 190:
(لابد لهم (المعالمة) من الكتاب الكبار التي لا تتمم معرفة صنعتهم إلا بها مثل: لباب المبادئ والغايات تصنيف رجل مغربي من مراكش، وكتاب التصاوير، وكتاب تقويم البلدان وزيج الغبيك (ألوغ بيك).. ومن كتب هذا الزمان كتاب البتاني وزيج ابن الشاطر المصري (سوري درس قي مصر) والمجسطي لبطليموس وكتب أبي حنيفة الدينوري، وكتاب الطوسي وكتاب إسماعيل بن إبراهيم الموصلي والمشترك لياقوت وكتاب ابن سعيد وكتاب ابن حوقل..). وفي وصفه للجزيرة العربية يقول: (إنها ثلاثة أجزاء طوليات غير العروض وهي: تِهامة ونجد وبينهما الحجاز. وجبال الحجاز حاجز بين التهائم والنجود فما كان على مشارقه فهو نجد وما كان على مغاربه فهو تِهامة. فلذلك سُمّي النبي صلى الله عليه وسلم المكي التِّهامي) وهو يقسِم الجزيرة العربية إلى وحدات وكأنه اطلع على علم أشكال الأرض(الجيومورفولوجية).
وفي حديثه عن الجزر في كتاب الفرائد لا يكتفي بالإشارات الملاحية بل يتعداها إلى وصف بشري اقتصادي اجتماعي: (الجزيرة السابعة هي زنجبار، ممتدة على أرض الزنج، وهي ذات أشجار وأنهار وفيها أربعون خطبة يحكم عليها سلاطين الإسلام). ( الجزيرة الثامنة وهي البحرين.. وتسمى أُوال وفيها ثلاثمئة وستون قرية وفيها الماء الحالي من جملة نواحيها، وأعجب ما فيها يقال له القصاصير يغوص الإنسان في البحر المالح بالقربة ويملؤها من الماء ا لحالي (العذب) وهو غرقان في الملح كما في قوله تعالى: ((هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج)).. وفيها من جملة قبائل العرب وجملة تجار وفيها كثير من النخيل المثمرات.. وفيها الخيل والإبل وفيها عيون جارية).
ويصف ابن ماجد نسيم البر والبحر وهي الظاهرة التي تميِّز المناطق الساحلية فيقول عنها: (ولا تأتي الرياح في الغالب إلا في النهار لتوقّد الرمل بالنهار وبرودة البحر بالليل، وفي الليل يأتي من البحر) وهذا هو التعليل العلمي لهذه الرياح بسبب اختلاف درجة التسخين بين البر والبحر، ومن المؤكد إنه لولا كتاباته عن المحيط الهندي واختلاف مواعيد هبوب الرياح الموسمية التي يسميها فتح البحر وغلق البحر؛ أي عندما تكون الرياح مواتية للسفر أو غير مواتية، (عندما تتوافق مع اتجاه الرياح الموسمية الصيفية - الجنوبية الغربية، أو الشتوية الشمالية الشرقية) لولا هذه الكتابات لما تأتّى للسفن الشراعية اجتياز المحيط الهندي دون التعرض لأخطار جسيمة؛ وهذا ما دفع ملاحاً شهيراً هو سليمان المهري من الشحر (تلميذ ابن ماجد) إلى تأليف كتاب "العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية) عام 1511م وكتاب آخر بعنوان "المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر" ولا يخرج عن عادة المؤلفين في التعرض لأحداثٍ تاريخية وذكر الأشعار التي وردت فيها أسماء الكواكب والنجوم ويتعرض للأنســاب أيضاً، وقد مثّل العرب النجوم بأشكالها مستمدة من أسمائها كأبي الحسين الصوفي، أما ابن ماجد فيشرح معانيها.. ولهذه النجوم والصور بروج ودرجات وبُعد.

جاء في تسمية الإكليل في كتاب الفوائد ص 86: (سُمي الإكليل بذلك لأنه كلل على رأس- العقرب ودار به وتكلل عليه)، وكان أرسطوطاليس يسمّي البحر المحيط بالإكليل لأنه كلل بالدنيا ودار بهـا.
العقرب: وأحسن ما سمعته في التشبيه بقلب العقرب قول القائل شعراً: صادفتها والريح يضرب عقرباً
في وسط خدٍّ مثل خد العقرب
فسألتها عند التواصل قبلةً
فتسترت عني بقلب العقرب

(استعنا لتوضيح النجوم عند ابن ماجد بكتاب أبي الحسين عبد الرحمن الرازي الصوفي 291 - 386 هـ من كتابه صور الكواكب الثابتة).
ويقول ابن ماجد في كتابه علوم البحر: (فرتبنا هذا الكتاب ليرتقي الإنسان به إن أمكنه معرفة الدائرة والأطوال والعرض ومعرفة جهات الكعبة ومعرفة الأرياح الأربع وهي: الشمال والدبور والجنوب والصَّبا... وقد قيل فيها بيتان من الشعر:
مهب الصّبا من مطلع الشمس مائلٌ
إلى الجدي والشمال حتى مغيبها
وبين سهيل والمغيب تحققت
دبورها ومطلعها إليه جنوبها

وهكذا فقد أكمل ابن ماجد عمل الجغرافيين العرب الذين وصفوا البر فأتى ابن ماجد ليضيف في تصانيفه إلى الموسوعات الجغرافية ما كان ينقصها عن المحيط الهندي والبحر الأحمر والخليج العربي ورسم خارطةً لها ولكن على صفحة السماء محدداً مواقع الموانئ والجزر والتيارات البحرية على نحو ما تهتم به أطالس العالم الحديثة اليوم، فكان من المسهمين في استكمال المعلومات الجغرافية بعامة والفلكية منها بخاصة بحيث يمكن اعتباره من رواد الجغرافيا الفلكية.
ابن ماجد وفاسكو دوغاما:
جرت أقلام بعض الكتاب على اتهام ابن ماجد بأنه من دلّ البحار البرتغالي فاسكو دوغاما على طريق الهند معتمدين على قصة ذكرها خوانيو دوباروس يقول فيها: صعد بعض الهنادكة (الهنود) إلى سفينة فاسكو دوغاما الراسية في ميناء مالندي على الساحل الإفريقي ومعهم مُسلم من كاجورات اسمه (ماليمو كان) فأحب هذا المسلم أن يستجيب إلى طلب ملك مالندي وينعم برفقة دوغاما وبحارته ورضي أن يذهب معهم ويدله على طريق الهند، وفي روايةٍ أخرى يذكر فرنانيو لتيز دو كاستانهيدا في كتابه تاريخ كشف البرتغال للهند وفتْحهم لها أن فاسكو دوغاما وصل إلى ماليندي على الساحل الشرقي لإفريقيا فزاره أحد خواص ملك مالنـدي فاحتجزه فاسكو دوغاما ولم يطلقه إلا بعد أن أرسل الملك إلى السفينة نوتياً من كاورات اسمه كانكا (اصطلاح استعمل في ساحل مالابار وهو لفظ سنسكريي ويعني الخبير بالشؤون الملاحية والفلكية) ليدله على طريق الهند، وما اطّلعنا عليه من المصادر لا تحدد اسماً لهذا البحار باستثناء كتاب البرق اليماني لقطب الدين النهروالي يقول فيه: بعد أن يتحدث عن الصعوبات التي لاقاها البرتغاليون: (فما زالوا يتوصلون إلى معرفة هذا البحر إلى أن دلّهم شخص ماهر يقال له أحمد بن ماجد صاحبه كبير الفرنج وكان يقال له الملندي وعاشره في السُكر فعلّمه الطريق في حال سكره وقال لهم لاتقربوا الساحل من ذلك المكان، وتوغلوا في البحر ثم عودوا فلا تنالكم الأمواج، فلما فعلوا ذلك صار يسلم من الكسر كثير من مراكبهم).
وأمام هذه الحادثة ينقسم القائلون بهذا الرأي إلى فريقين فريق يرى في هذا الإرشاد إسهاماً عربياً في الكشوف الجغرافية فيمتدحه، وفريق ينكر هذا الإرشاد الذي أدى إلى فقدان الوطن العربي أهميته التجارية كطريق للمواصلات التجارية بانتقال الطرق التجارية إلى رأس الرجاء الصالح فقضى على طرق القوافل البرية التي كانت مصدر غنىً للعرب، وباعتقادي أن هناك لبساً في تحديد الشخص الذي دلّ دوغاما للأسباب الآتية:
1 - فالنهروالي كتب الحادثة بعد مرور 50 سنة عليها ولربما نُسبت لابن ماجد لشهرته البحريـة.
2 - إنه دلّ دوغاما وهو في حالة سكر ولم يعرف عن ابن ماجد إلا التقى والورع.
3 - هل يغامر فاسكو دوغاما ويخاطر بنفسه وسفينته ليدله شخص وهو في حالة السكر؟!
4 – لا يعقل أن يكون هذا المرشد ابن ماجد فهو المتضرر الأول من هذا الإرشاد، يضاف إلى ذلك مهاجمته لوصول البرتغاليين في أرجوزته السفالية ومنها:
جاءتها في عام تسعماية
مراكب الإفرنج يا أخايه
فجروا عامين كاملين
فيها ومالوا الهند باليقين
وبعدها في عام تسعماية
وست جاؤوا الهند يا أخايه
واشتروا البيت ثم سكنوا
وصاحبوا وللسوامر ركنوا

وفي الأرجوزة يصفهم بالفجـور ويعطي فكرة إنه غير راض عنهم وعن وصولهم إلى الهند، وباعتقادي إنه لو أظهرت الأيام المقبلة صحة إرشادهم من قبل ابن ماجد فإن ذلك عن غير دراية بالفرق بين الأهداف التي كان يسعى إليها البرتغاليون الذين أصابتهم حمَّى النهم إلى التوابل من الشرق وحمى الذهب من الغرب وبين الأهداف العملية والعلمية والدينية التي حملها التجار والبحّارة العرب والتي أوصلت الإسلام إلى الهند والصين وإندونيسيا والفيليبين فكانوا رسل سلام ومحبة إلى تلك الشعوب.
كتب ابن ماجد مؤلفاته وقصائده بين عامي 867 و896 هـ1462 و1490م أهمها وآخرها كتابه الفوائد البحرية، نشره غابرييل فرّان في باريس عام 1921مصوراً النسخة الباريسية المحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس. مع مؤلفات بحار آخر هو سليمان المهري تلميذ ابن ماجد، ونشره مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1971. وكشف بذلك عن جزءٍ من التراث العربي الذي ضاع معظمه الذي لفّه النسيان أو السطو على آلاف المخططات العربية.


المراجع:
1 - كتاب الفوائد في علم البحر والقواعد / شهاب الدين أحمد بن ماجد/ تحقيق إبراهيم خوري وعزة حسن/ مجمع اللغة العربية / دمشق 1971.
2 - الأعلام / خير الدين الزركلي.
3 - أعلام الجغرافيين العرب / د عبد الرحمن حميدة / دار الفكر /دمشق 1980.
4 - البرق اليماني في الفتح العثماني/ قطب الدين النهروالي/ منشورات دار اليمامة / حمد الجاسر/ 1967./
5 - تاريخ الأدب الجغرافي العربي أغناطيوس كراتشكوفسكي/ ترجمة صلاح عثمان / الخرطوم 1960
6 - الفوائد في أصول البحر والقواعد /أنور عبد العليم/ مجلة العرب/ حزيران 1970.
7 - ابن ماجد الملاح / أنور عبد العليم/ دار الكتاب / 1970.
8 - أحمد بن ماجد، الربان النجدي/عبد الله بن علي الماجد/ مجلة العرب /1968
9 - الملاحة العربية في المحيط الهندي/ جورج فاضلو حوراني/
10 - مجلة الخفجي/ هل أرشد ابن ماجد فاسكو دوغاما / بسام ملص/ كانون 1/ ديسمبر 1989 العدد التاسع.
11 - الموسوعة العربية (السورية) مج 17/ 2007م/ ص399.
12 - ابن ماجد الملاح الفلكي /د. محمد حسن العيدروس/ دار المتنبي للطباعة والنشر/ سبتمبر 1992/ ص12.
13 - الندوة العلمية لإحياء تراث ابن ماجد /اتحاد كتاب وأدباء الإمارات/ سورية - اللاذقية/1991.





المصدر : الباحثون العدد 60 حزيران 2012
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
ماجد, محمد, الدين, الوحيد, ابن, شهاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع ابن ماجد شهاب الدين أحمد بن ماجد النجدي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ماجد عويضة... يفضح وهن الدولة العبرية عبدالناصر محمود أخبار الكيان الصهيوني 0 03-28-2016 08:12 AM
ماجد فرج..سلطة في خدمة العدو عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 01-27-2016 08:57 AM
ال cia تكرم اللواء ” ماجد فرج ” لدوره في عملية اختطاف أبو أنس الليبي ابو الطيب أخبار عربية وعالمية 0 11-21-2013 03:13 AM
دليل مادي علي وفاة عرفات مسموما‏ يقيني بالله يقيني أخبار عربية وعالمية 0 07-13-2012 01:53 AM
أم لاحد شهداء سوريا تثأر لإبنها تراتيل أخبار عربية وعالمية 1 07-07-2012 02:06 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:23 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59