#1  
قديم 11-03-2012, 09:33 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي موضوع عن الهجرة النبوية الشريفة 1434 هـ


السنة الهجرية الجديدة 1434
محمد كنون الحسني
يستقبل العالم الإسلامي هذا اليوم العام الرابع والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من القرن الخامس عشر لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ولقد كان المسلمون رحمهم الله زمن اعتنائهم بأعيادهم ومواسمهم يحتفلون بذكرى حادث الهجرة أيما احتفال، تلك الحادثة التي لا نجد لها مثيلا في الحديث ولا في القديم، لما ترتب عليها من الآثار الجليلة في الإصلاح الاجتماعي وترقية النفوس والأرواح وبث مكارم الأخلاق.



لقد علمتنا الهجرة أن كل عمل ناجح يتطلب مجهودا والأخذ بالأسباب، فالتواكل لا يجدي نفعا، إذ لا يستخرج من الحديد الذهب ولا يجنى من الشوك العشب، وأن طريق الحق والنجاح ليس مفروشا بالورود والأزهار ولكنه طريق شاق يستوجب الصبر والمثابرة ويتطلب الإخلاص والتضحية .
لقد علمتنا الهجرة أن قيمة الرجال تعرف بجلائل الأعمال لا بالإشهار والدعايات، فكل عمل كان خالصا لوجه الله وابتغاء مرضاته يدل على حسن نية صاحبه وصفاء سريرته وطويته أوصل صاحبه غايته وأعطاه ثمرته.
لقد علمتنا هجرته صلى الله عليه وسلم أن الهجرة إلى الله مستمرة وباقية متمثلة في هجرة الباطل والفساد، والذنوب والأوزار ،وأهل الشرك والنفاق.
لقد علمتنا الهجرة أنها ليست موضوعا تاريخيا تسرد أحداثه وينتهي بانتهاء شهر محرم ولكن الهجرة لها معاني سامية، ودروسا ما أحوجنا إلى تطبيقها والعمل بها والأخذ بأنوارها.
لقد علمتنا الهجرة أنه يجب عليها في سبيل الحق والدفاع عن الفضيلة أن نضحي بكل غال ونفيس ولو أدى بنا ذلك إلى أن نخرج من أوطاننا التي تربينا فيها.
فلم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يطلب ملكا ولا جاها، ولم يكن محبا للمال يبغي توفره لذاته وشهواته، بل كان زاهدا في الدنيا قانعا باليسير منها ولم تكن شمائله وأخلاقه بحيث ينفر منه أهله ومعاشريه، بل كان أفضل قومه مروءة وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارا وأعظمهم حلما وأصدقهم حديثا وأكثرهم برا وأطهرهم قلبا ونفسا...، يستجيب لدعوة الضعيف وينصر المظلوم، ويفيض حنانا وعطفا على البؤساء، ومع هذه الشمائل فقد أخرجه قومه من منبته فهاجر فرارا بدينه ، أحيط بالعداوة من كل جانب، وتربص له بالشر في كل جهة وضاق عليه الفضاء والتمس كل وسيلة للبقاء فلم يجد، ولم يكن لهذا من سبب إلا أنه يريد حماية الإنسانية ويريدها عزيزة، ويأبى التقليد والغرور والاعتزاز بما عليه الآباء، ومن شأن التقليد والغرور الحرمان من نعمة التمييز بين الخير والشر،والضار والنافع، فكان من الطبيعي أن يلتمس الوسائل لردع أولئك السفهاء وشق طريق للحرية والحق حتى يصل إلى مأمن يقيمهما هذه الشرور الجامحة ويبعدهما عن نيران هذه البشرية البهيمية الخبيثة ليؤدي الرسول الأمين رسالته عن ربه وينجلي ليل الوثنية وعبادة المادة ويسطع نور الوحي الإلهي يملأ القلوب طمأنينة، ويواسي الضعفاء وينزل الجبابرة من مكانهم العلي إلى مأوى العباد.
كانت الهجرة وتمت ولابستها أحوال وأهوال وأخطار وقى الله نبيه شرها، وكان نصيره ومؤيده وحافظه، «إلا تنصروه فقد ناصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم». فكان من نتائج الهجرة أن أتم الله بها على المؤمنين نعمته وأكمل لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وبها كسر شوكة الباطل وفرق قوته ودخل الناس في دين الله أفواجا، وارتفعت كلمة الله وبدأ التشريع للمجتمع الإسلامي تتفجر ينابيعه وتضيء مصابحه،وقامت دول المدينة الإسلامية في الشرق والغرب تعز ما أعزت كلمة الله وتوحدت نواياها، وتذل وتزول ما استهانت بالحق وتفرقت.
لقد علمتنا الهجرة أيها السادة معنى التفاني في حب الله ورسوله فهاهم المسلمون يفرون بدينهم تاركين الدور والعقار والأهل والمال، وذلك سيدنا علي رضي الله عنه ينام على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرأى من عيون المشركين وسيوفهم، وذلك الصديق أبو بكر رضي الله عنه يجعل نفسه فداء لرسول الله في الطريق وفي الغار وفي اليقظة والمنام.
علمتنا الهجرة معنى الفرج بعد الضيق واليسر بعد العسر والفوز بعد الصبر والعفو عند النصر، وأن المؤمن ليس من خلقه اليأس، فهاهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلت بهم كل الشدائد فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، وهاهي مكة قد وقفت عقبة كأداء في سبيل عقيدتهم فما يئسوا، فإذا بالنور يبدو من جوانب المدينة ويأذن الله لرسوله وللمؤمنين بالهجرة، وهنا كان الفتح على المسلمين فيبدل الله ضعفهم عزا وقوة، وقلتهم كثرة وخوفهم أمنا،وإذا بهم بعد بضع سنوات يدخلون مكة في الكتاتيب الخضراء والجموع الظافرة، فما أبطرهم النصر ولا قابلوا السيئة بالسيئة بل تذكروا العفو عند المقدرة، فقال لهم صاحب الخلق العظيم: ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
لقد علمتنا الهجرة أن الباطل مهما كثرت أعوانه وطغى أهله فلابد أن ينهار أمام صولة الحق وجلاله: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم الوارثين سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا) ليذكر المسلمون أن وعد الله لا يخلف وقد وعد المؤمنين الذين ينسجون على منوال أسلافهم (ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم)، وذلك الوعد إنما هو للمؤمنين الذين حققوا إيمانهم واتبعوا نبيهم فقاموا بتعاليمه الحكيمة التي تكفل لهم سعادة الدنيا والآخرة، فيكون لهم السلطان الكامل إذ ذاك. وبقدر ما ينقص من إيمانهم ينقص من سلطانهم، ويظهر أننا تخلفنا وأصبحنا في مؤخرة الركب بابتعادنا عن قيمنا وجرينا وراء مظاهر المدنية الزائفة، فقارن أخي المسلم بين حال المسلمين اليوم وحالهم عندما كانوا متمسكين بدينهم مقتدين بنبيهم فقد كانوا أعز الأمم على الإطلاق، وكانوا إذ ذاك أساتذة العالم كله، وما ارتقت أوربا ولا نهضت من كبوتها التي كانت فيها إلا بفضل التعاليم التي أخذتها عن المسلمين عندما كانوا بالأندلس وغيرها من بقاع العالم، أما عندما ابتعدنا عن ديننا وتركنا الالتزام بسنة نبينا ولهفنا وراء الغرب فقد وصلنا إلى ما وصلنا إليه من ذل ومهانة انتهت إلى انتهاك حرمة المسجد الأقصى وهو ثالث المساجد المقدسة وإلى اضطهاد المسلمين على مرآى ومسمع من المسلمين الذين أمرهم الله أن يكونوا جميعا كالبنيان يشد بعضه بعضا.
ولننظر أين نحن من أوامر هذا الدين وأحكامه وآدابه وأخلاقه لنرى أن آية الإيمان قد انعكست فينا فتركنا أحكامه وأهملنا آدابه وصرنا إلى بحر لجي يغشاه موج من فوقه سحاب إذا أخرج يده لم يكد يراها.
فبالإيمان الصادق والإخلاص وإقامة الدين ارتفع شأن العرب والمسلمين، وبتوطيد النفس على نصرة الدين وتحمل كل المكروهات في سبيله انتصر المسلمون على أعدائهم وأعداء دينهم في الجزيرة العربية وغيرها.
فيجب على الأمة التي ترغب في صلاح أمرها وإعادة عزها ومجدها أن تهاجر إلى الله ورسوله بترك الباطل والإقبال على الحق، والتحلي بالقيم والمبادئ العالية، وعمل الخير لنفع المسلمين. فقد أبقى لنا رسولنا الكريم حظنا من الهجرة وهو حظ لا ينقطع إلى يوم القيامة. أخرج البخاري مرفوعا:» المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» فالنبي بهذا الحديث يرينا أن الإسلام ينظر إلى ثمرة الهجرة قبل النظر إلى مظاهرها، فظاهرها انتقال من مكان إلى مكان وباعثها وثمرتها يتعلقان بالروح والنية الحسنة والقصد الجميل، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وبالجملة فإن حادث الهجرة النبوية درس عملي للعظة والاعتبار، وأن تكون أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم هي القدوة، وأن لا تلهينا المدنية الحديثة وزخرف الدنيا عن ما في الأخلاق والدين من جمال، وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا من كل شيء في الوجود اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحاب الهجرة رضوان الله عليهم.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
1434, موضوع, الشريفة, الهجرة, الوثنية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع موضوع عن الهجرة النبوية الشريفة 1434 هـ
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من أساليب التأديب في السنة النبوية الشريفة عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 05-09-2014 06:59 AM
أصول وضوابط في دراسة السيرة النبوية الشريفة Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 5 11-08-2013 05:44 PM
الهجرة النبوية Eng.Jordan شذرات إسلامية 0 11-02-2013 08:11 PM
تطبيق صحيح البخاري للأحاديث النبوية الشريفة Eng.Jordan الحاسوب والاتصالات 0 12-17-2012 07:49 PM
فنون التعامل في ظل سيرة النبوية الشريفة احمد ادريس كتب ومراجع إلكترونية 0 01-10-2012 07:06 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:55 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59