#1  
قديم 08-24-2019, 01:44 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
23 معركة الوعي الحضاري


معركة الوعي الحضاري (1)
________________

(د.محمد إبراهيم منصور )
_______________

23 / 12 / 1440 هــ
24 / 8 / 2019 م
______________

الحضاري 77.png


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالوعي الحضاري هو: إدراك المنتمين لتلك الحضارة أن لحضارتهم ماضٍ مشرفٍ، واليقين أن لها مستقبلًا مشرقًا، وإدراك أن واقعهم الحاضر واقع مؤلم؛ لبعده عن مقومات الإحياء الحضاري.

وفي نفس الوقت: إدراك أن الانتقال مِن هذا الواقع المؤلم إلى ذلك المستقبل المشرق لابد له مِن أسبابٍ، وأن كل شخص منتمٍ لهذه الحضارة هو أحد هذه الأسباب، ويلزمه بذل ما يمكن بذله في سبيل ذلك الإحياء.

وخلاصة المعركة هنا: أن أعداء هذه الأمة يعملون جاهدين لتغييب ذلك الوعي بأبعاده ومعالمه المختلفة، بينما يعمل المخلصون مِن أبناء هذه الأمة المدركون لتلك المعالم والأبعاد على إيقاظ ذلك الوعي وغرسه في النفوس والأجيال.

والحقيقة: أن الغرب يدرك حقيقة أمر الوعي الحضاري وأثره بما لا يدركه كثير مِن أبناء هذه الأمة.

يقول السناتور الجمهوري الأمريكي (بات بوكانان): "إن مسألة عودة الإسلام كنظام حياة، مجرد وقت لا أكثر... ".

ويضيف: "الحقيقة: أن أمريكا وجيوشها وترساناتها لا تستطيع مقاومة الحضارة القادمة؛ لأن ثبات الإسلام وقدرته على الاحتمال مبهرة حقًّا... فقد تمكَّن مِن الصمود خلال قرنين مِن الحروب المتلاحقة، بل تصدَّى للشيوعية بسهولة عجيبة... وما نراه الآن أنه يقاتل أمريكا آخر قوة عالمية كبرى... ".

يقول السير وليام ناتنج في كتابه (العرب): "بما أن محمدًا قد جمع أتباعه في القرن السابع الميلادي، وبدأ في الانتشار المذهل في العالم، فإن على الغرب أن يحسب حساب الإسلام كقوة دائمة صلبة عنيدة تواجهنا عبر المتوسط".

ولذلك ذكرنا في مقال سابق بعنوان: "عوامل الإحياء الحضاري عند الكلام على عامل الوعي الحضاري": "أن معركة الوعي الحضاري اليوم معركة شرسة، يبذل فيها العلمانيون وأتباعهم بذلًا هائلًا في تشويه التاريخ الحضاري لهذه الأمة لدى الجميع، وخصوصًا أبناء الأمة أنفسهم؛ ليكونوا ناقمين على ماضيهم بدلًا مِن أن يكونوا فخورين به لتجعلهم هذه النقمة حريصين على الهروب مِن ذلك التاريخ، يحاولون طمسه تحت شعارات: تنقية التراث، وتجديد الخطاب، وغيرها مِن الشعارات، ومثل هؤلاء المغيبين المخدوعين لا يمكن أن يعملوا عملًا حقيقيًّا للإحياء الحضاري، وهذا هو المراد للعلمانيين".

معالم الوعي الحضاري:

هذا الوعي الحضاري له معالم:

المعلم الأول: إدراكك "بل وإيمانك": أن حضارتك لها ماضٍ وتاريخ مشرف تفخر به وترفع به رأسك؛ هذا الماضي المشرِّف له ثلاثة أبعاد:

1-المنهج (الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة).

2- الحَمَلة (الصحابة والتابعون وتابعوهم).

3- الأثر (أقاموا حضارة أنارت الدنيا قرون عديدة).

أي تشكيك في شيءٍ مِن هذه الأبعاد هو محاولة للتغييب للأمة، وإبعاد لها عن طريق الإحياء الحضاري؛ ولذلك فإن الوعي الحضاري أن تفخر بذلك الماضي المشرف بأبعاده الثلاثة، وترفع به رأسك رغم أنف مَن يحاول أن يشوِّه ذلك التاريخ مِن معتنقي نظرية صراع الحضارات وأذنابهم ممَن يصرون على تشويه المرجعية التي قامت على أساسها تلك الحضارة، كما يصرون على تمييع ثوابتها وعوامل تميزها وتفردها، ويصرون أيضًا على إخفاء آثارها وفضائلها وآثارها على الإنسانية، ويختزلونها في تاريخٍ مزيفٍ مكذوبٍ؛ ليصرفوا الناس عمومًا وأبناء هذه الأمة خصوصًا عن العمل على إزاحة الغبار عنها، ورؤيتها على حقيقتها المبهرة التي إذا رأوها على النحو الصحيح كانت العامل الملهم لهم؛ للعمل على إحيائها والاعتزاز بها.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.




______________________________________
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-24-2019, 01:48 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
23 معركة الوعي الحضاري (2)

معركة الوعي الحضاري (2)
_________________

(د.محمد إبراهيم منصور )
_______________

23 / 12 / 1440 هــ
24 / 8 / 2019 م
______________




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المعلم الثاني مِن معالم الوعي الحضاري:
------------------------
العلم أنه وإن ضعف الحَمَلة للمنهج وتلاشي الأثر الحاضر لها عبر تقلبات الظروف التي تمر بها الأمة، فإن الحضارات لا تموت، بل تبقي متوارثة مِن خلال بذرتها النقية حتى تجد مَن يحملها ويغرسها في عقول وقلوب الأجيال فتستعيد نفسها مرة أخرى وبصورة مذهلة إذا وجدت مَن يرفع بها رأسه، والبذرة النقية للحضارة الإسلامية هي إحياء العمل بالوحيين: "الكتاب والسنة" بمعيار فهم اعلم الناس بالكتاب والسنة سلف الأمة.

قال الله -تعالى-: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) (النور:55)، والدين المرضي هو الدين الكامل بالفهم الأول، قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة:3)، "فما لم يكن يوم هذه الآية مِن الدين؛ فليس اليوم مِن الدين"، كما قال الإمام مالك -رحمه الله-، وقال مالك أيضًا: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال الله -تعالى-: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) (البقرة:137)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) الكتاب والسنة (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) فهم سلف الأمة (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء:115).

قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ) أي: ومَن يخالف الرسول -صلى الله عليه وسلم-ويعانده فيما جاء به (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية، (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم".

فلإيقاظ وإحياء الوعي الحضاري لابد مِن بيان هذا الأمر، وأن الإحياء الحقيقي الذي وعد الله به له منطلق واحد وهو البذرة النقية التي إذا غُرست في قلوب الأحيال أنبتت شجرة الإحياء، والتي لا تلبث أن تزدهر وتترعرع وتثمر ثمارها المنشودة -إن شاء الله-.

وأي تشكيك في المرجعية للوحيين: "الكتاب والسنة"، أو في معيار فهم نصوصهما إنما المقصود به تغييب الوعي الحضاري لتضل الأجيال عن طريقها وهدفها المنشود.

المعلم الثالث: إدراك أن الواقع أليم:
------------------------------
وأن سبب هذا الواقع الأليم هو بعده عن المقومات الصحيحة للإحياء الحضاري، وأهمها: أن الإحياء لأي حضارة لا يكون إلا مِن خلال البذرة النقية لها، والتي تغرس في عقول وقلوب جيل يحملها ويعمل بها، والبذرة النقية للحضارة الإسلامية هي الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة -كما تقدَّم-.

ومحاولة تفسير أسباب التخلف الحضاري بمعزلٍ عن هذا السبب الأول إنما هو يصب في صالح التضليل وتغييب الوعي؛ لأن هذا هو السبب الرئيس للتخلف عن ركب الحضارة، فالحضارة والقوة على إحيائها، لها جناحان خاصة ما يتعلق بأمة الإسلام:

الجناح الأول: الجناح الشرعي المتمثل في غرس البذرة النقية، وإحياء العمل بها في الأجيال المتتالية.

الجناح الثاني: الجناح المادي وهو الأخذ بأسباب القوة المادية بضوابط الشريعة أيضًا.

حينها ستكون القوة المادية عامل تقدم ورخاء للعالم، وليست أداة إفناء! كما هي الآن في يد الحضارة الغربية التي تسببتْ في قتل مئات الملايين في الحروب العالمية، وغيرها.

المعلم الرابع: الثقة واليقين أن لتلك الحضارة مستقبلًا مشرقًا وعودة مرة أخرى لإنارة الدنيا:
-----------------

وهذا مهما شكك أعداء هذه الحضارة وأذنابهم، والمخدوعون بهم؛ لأن هذا هو وعد الله، ووعد رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (النور:55-57).

المعلم الخامس من معالم الوعي الحضاري:
------------------------------
العلم أن هذا الانتقال سيكون بأسبابه المشروعة المأمور بها، وليس بالتواكل الصوفي أو الإرجائي، وانما هو بالأخذ بالأسباب المشروعة المستطاعة.

المعلم السادس من معالم الوعي الحضاري:
--------------------------------------
أن أول هذه الأسباب هو بذرتها النقية، يحملها كيان ليغرسها في عقول وقلوب الأجيال حتى يتشكل الجيل الذي يستحق أن يتم الإحياء على يديه، وأول خطوة مِن هذه الأسباب هي: "أنتَ أنت ولو كنت وحدك"؛ فمَن أدرك هذه الأمور الستة، وكان عنده استعداد للعمل بها؛ فذلك عنده الوعي الحضاري، والذي إن وُجد هذا الوعي وتمكَّن مِن قلوب وعقول أبناء هذه الأمة، وعمل الجميع من خلال عوامل الإحياء الحضاري، والتي ذكرتُ بعضها في المقال السابق المشار إليه، فإن عودة الريادة الحضارية ستكون أسرع مِن كل التصورات.





___________________________________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
معركة, الحضاري, الوعي


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع معركة الوعي الحضاري
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
خولان ودورها الحضاري في موكب الإسلام عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 1 10-14-2019 08:14 PM
الشباب المسلم وتجديد المسار الحضاري عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 11-10-2018 07:38 AM
أردوغان من معركة العملاء إلى معركة الأعداء عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 07-22-2016 08:18 AM
الإسلام الحضاري.. قراءة في تحليل المضمون عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 05-30-2013 09:49 AM
المنظور الحضاري وإستراتيجيات الترجمة Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 12-11-2012 08:28 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:04 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59