#1  
قديم 09-22-2014, 08:36 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة مفهوم عصمة الأنبياء عند أهل السنة


مفهوم عصمة الأنبياء عند أهل السنة*
ــــــــــــــــــ

27 / 11 / 1435 هــ
22 / 9 / 2014 م
ـــــــــــ

الأنبياء _8579.jpg


مما لا شك فيك أن الأنبياء قد بلَّغوا كل ما أمرهم الله بتبليغه، ولم يكتموا شيئا، ولم ينسوا شيئا، ولم يخونوا ولم يكذبوا، ومن شك في ذلك طرفة عين أو ظن بهم نقصا أو عيبا فقد كفر، وخرج عن ملة الإسلام بلا أوبة، إلا أن يصحح اعتقاده في أنبياء الله وصفوة خلقة.

فالأنبياء معصومون في كل ما يخص أمور الرسالة والنبوة، ومعصومون من كل كبيرة وصغيرة مستقبحة، ومن كل خارم للمروءة، فهم الأوصياء والأمناء على وحيه الدالين عليه خلقه، و«من المقطوع به أن الأنبياء والرسل هم صفوة البشر، خلقهم الله تعالى على الفطرة السليمة، النقية عن الآفات الخلقية، وقد هيأ لهم الله -جل وعلا- نشأة أعدهم بها لتحمل أمانة دعوة الخلق إلى التوحيد والعمل الصالح، فهم مكلفون من الله عز وعلا بهداية الخلق بالبيان الواضح، وإقامة الحجة الدامغة ومقارعة الخصوم، يزين ذلك عقل راحج، وفطانة راشدة تبهت عقول المعاندين والمجادلين بالباطل»(1).

والعصمة من الصفات الواجبة في حق الرسل والأنبياء، اللازمة لمقام النبوة، وهي جماع خصال الخير التي تنوء بالنبي عن كبائر الذنوب وتجنبه صغيرها المتعمد.

وقبل الكلام عن العصمة وموقف الفرق منها يحسن بنا بيان معنى العصمة لغة واصطلاحا.

تعريف العصمة لغة:
-------------

العصمة في لغة العرب جاءت بمعنى الوقاية والمنع والحفظ.

قال ابن منظور: «العِصْمة في كلام العرب المَنْعُ، وعِصْمةُ الله عَبْدَه أن يَعْصِمَه مما يُوبِقُه، عَصَمه يَعْصِمُه عَصْماً منَعَه ووَقَاه وفي التنزيل: (لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ)(2)... واعْتَصَمَ فلانٌ بالله إذا امتنع به، والعَصْمة: الحِفْطُ، يقال: عَصَمْتُه فانْعَصَمَ، واعْتَصَمْتُ بالله إذا امتنعْتَ بلُطْفِه من المَعْصِية، وعَصَمه الطعامُ: منَعه من الجوع، وهذا طعامٌ يَعْصِمُ: أي يمنع من الجوع، واعْتَصَمَ به واسْتَعْصَمَ: امتنعَ وأبَى، قال الله عز وجل حكايةً عن امرأَة العزيز حين راودَتْه عن نفْسِه(فَاسَتَعْصَمَ)(3)، أي تَأَبَّى عليها ولم يُجِبها إلى ما طلبَتْ»(4).

تعريف العصمة في الاصطلاح:
--------------------

قال الراغب: "عصمة الأنبياء-عليهم الصلاة والسلام- حفظهم بما خصوا به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الأخلاق والفضائل، ثم بالنصرة وتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق"(5).

وعرفها صاحب كتاب نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض بأنها: "لطف من الله تعالى يحمل النبي على فعل الخير، ويزجره عن الشر مع بقاء الاختيار تحقيقاً للابتلاء"(6).

وقال الشوكاني: "واختلفوا في معنى العصمة فقيل: هو أن لا يمكن المعصوم من الإتيان بالمعصية، وقيل: هو أن يختص في نفسه أو بدنه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه عليها، إنها القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية، وقيل: إن الله منعهم منها بألطافه بهم فصرف دواعيهم عنها، وقيل: إنها بتهيئة العبد للموافقة مطلقا، وذلك يرجع إلى خلق القدرة على كل طاعة"(7).

وقيل: "المراد بالعصمة الحفظ من صدور الذنب"(8).

وعرفها أحد الباحثين بقوله: "أي يكون الرسل والأنبياء معصومين في تحمل الرسالة والتبليغ عن الله فلا ينسون شيئا مما أوحاه الله إليهم، ولا يكتمون شيئا منه"(9).

أما أجمع وأدق تعريف كان للدكتور أحمد عبد اللطيف، قال: "العصمة: هي حفظ الله ظواهر الأنبياء وبواطنهم، مما تستقبحه الفطر السليمة قبل النبوة، وحفظهم من الكبيرة وصغائر الخسة بعدها، وتوفيقهم للتوبة والاستغفار من الصغائر، وعدم إقرارهم عليها"(10).

الأنبياء معصومون من الكبائر والخلاف في الصغائر غير المستقبحة.

لا خلاف بين أهل السنة وبين غيرهم من الفرق في عصمة الأنبياء من الكفر والكبائر وما استقبح من الصغائر، ولم يشذ في ذلك إلا أتباع ابن كرام (الكرامية).

واختلف السلف في عصمة النبي من الصغائر غير المستقبحة فذهب فريق إلى عدم عصمتهم منها، قال ابن تيمية:"القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدى أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول"(11).

وفي المقابل من هذا القول رأى آخرون أن مذهب السلف يقول بعصمة الأنبياء من كل صغيرة وكبيرة، قال ابن حجر إن السلف قد "اختلفوا فيما عدا ذلك كله من الصغائر(12)، فذهب جماعة من أهل النظر إلى عصمتهم منها مطلقا، وأولوا الأحاديث والآيات الواردة في ذلك بضروب من التأويل، ومن جملة ذلك أن الصادر عنهم إما أن يكون بتأويل من بعضهم أو بسهو أو بإذن.."(13).

والراجح في المسألة أنهم معصومون من الكفر ومن الكبائر ومما يزري من الصغائر، دون سائر الصغائر، والقول بوقوع الصغائر من الأنبياء لا ينافي القول بالعصمة، وذلك لأنهم لا يصرون على المعصية، بل يتوبون منها فور وقوعها، وذلك لأنهم مؤيدون بالوحي.

قال الكفوي: "واعلم أن الأنبياء عصموا دائما عن الكفر، وقبائح يطعن بها أو تدني إلى دناءة الهمة، وعن الطعن بالكذب، وبعد البعثة عن سائر الكبائر لا قبلها، وعن الصغائر عمداً، لا الصغائر غير المنفرة خطأ في التأويل، أو سهوا مع التنبه، وتنبيه الناس عليها لئلا يُقتدى بهم فيها، أما المنفرة كسرقة لقمة أو حبة، أو غير ذلك مما يدل على دناءة الهمة، فهم معصومون عنها مطلقا"(14).

أما الشواهد الدالة على العصمة من كتاب الله عز وجل فهي كثيرة جدا، فمنها على سبيل المثال قوله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحَى)(15)، و(سَنُقْرِؤُكَ فَلاَ تَنسَى إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى)(16)، وغيرها من الآيات التي تثبت تأييد الله لرسله ووقايتهم وحفظهم.

فأنبياء الله معصومون من كبائر الذنوب وكذا قد عصمهم الله وجنبهم ما يستقبح من الذنوب، وإن أذنبوا وفقهم إلى التوبة والأوبة، وكذلك قد عصمهم الله في تحملهم لرسالته وتبليغهم إياها للناس، وعصمهم من كل ما يستقذر من الأمراض، وينفر الناس عنهم.

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) جلال الدين السيوطي وآراؤه الاعتقادية– سعد خليفة: (2/364).

(2) سورة هود من الآية: (43).

(3) سورة يوسف، من الآية: (32).

(4) لسان العرب مادة :(عصم): (12/403).

(5) روح المعاني للآلوسي: (6/199).

(6) نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض، وبهامشه شرح الشفا لعلي القاري- للشيخ أحمد شهاب الدين المصري: (4/39).

(7) إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول- الشوكاني: (1/70).

(8) روح المعاني للآلوسي: (6/199).

(9) منهج الإمام الشوكاني في العقيدة – عبد الله نومسوك: (ص:671)، والكتاب أصله بحث حصل به البحث على درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لعام 1412هـ.

(10) عصمة الأنبياء- د. أحمد عبد اللطيف آل عبد اللطيف: (ص24)– رسالة ماجستير مقدمة لجامعة أم القرى– نقلا عن د. سعد خليفة- جلال الدين السيوطي وآراؤه الاعتقادية: (2/366).

(11) مجموع الفتاوى لابن تيمية: (4/319).

(12) أي فيما عدا الكفر والكبائر وما يزري بفاعله من الصغائر.

(13) فتح الباري لابن حجر: (11/440).

(14) الكليات– لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي: (1/645).

(15) سورة النجم الآيات: (3و4).

(16) سورة الأعلى الآيات: (6و7).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مفهوم, الأنبياء, السنة, عزلة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مفهوم عصمة الأنبياء عند أهل السنة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا غسلت يد أمي وبكيت ؟؟؟ صباح الورد الملتقى العام 0 09-02-2014 10:50 AM
حجية السنة بين ضوابط أهل السنة وأهواء الشيعة عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 1 08-24-2013 03:11 PM
عصمة النبي صلى الله عليه وسلم يقيني بالله يقيني شذرات إسلامية 0 02-15-2012 06:01 PM
مضخم الصوت رقم واحد عالميا لتشغيل كل مشغلات الصوت DFX Audio Enhancer 10.122 Eng.Jordan الحاسوب والاتصالات 0 01-27-2012 08:24 PM
حمل بحث تحقيق الكلام في إدعاء عصمة أئمة الشيعة بين الحقيقة والزيف مهند دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 01-11-2012 05:05 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:41 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59