العودة   > >

بحوث ودراسات منوعة أوراق بحثية ودراسات علمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #1  
قديم 06-05-2013, 09:29 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي المؤلفات العربيّة في علمَي الفِلاحَة والنّبات ـــ د.محمد زهير البابا




مقدمة:‏

يقولالعالم ديورانت: "إننا نستطيع إن نقول أن التاريخ الإنساني يدور حول انقلابين:‏

-الانقلاب الأول حدث في العصر الحجري الحديث، فانتقل الإنسان منالصيد إلى الزراعة.‏

-والانقلاب الثاني حدث أخيراً، فنقل الإنسان من الزراعة إلىالصناعة".‏

انتقلالإنسان العاقل بالحقيقة من حياة الصيد والقنص إلى الحياة المعتمدة على الزراعة فيأزمنة تتفاوت في القدم من شعب لآخر، ومن منطقة لأخرى. وتعتبر شعوب الشرقين الأدنيوالأوسط، حسب رأي أكثر المؤرخين وعلماء الآثار، من أقدم الشعوب التي مارست الزراعة،وأدخلت فيها تقنيات متقدمة، استفادت منها الشعوب المجاورة لها، منذ العصور القديمةحتى أوائل العصر الحديث.‏

دلتالأبحاث الجيولوجية والأثرية على أن بلاد الرافدين كانت مقراً لظهور الإنسان العاقلمنذ ما يقرب من (120) ألف عام. وقد اكتشفت، في منطقة تقع بين كركوك والسليمانية،بعض الهياكل البشرية، محفوظة داخل الكهوف، ويعود أقدمها إلى ما يقرب من ستين ألفعام.‏

كماوجد علماء الآثار الفرنسيون، في موقع مدينة سوس ومدينة لكش، جنوب بلاد الرافدين،آثاراً بشرية يرجع عهدها إلى عشرين ألف عام قبل الميلاد، وقد ثبت تاريخياً أن العصرالحجري الوسيط بدأ في بلاد الرافدين منذ الألف العاشر قبل الميلاد. وأعقبه العصرالحجري الحديث الذي امتد من الألف السابع إلى الألف الخامس قبل الميلاد. وفي العصرالأخير بدأ الإنسان في بقاع مختلفة يمارس الزراعة وتدجين الحيوانات والطيور.‏

عثرالباحثون في تل حسونة، الواقع بين مدينتي سامراء والموصل، وكذلك في تل حلف، الواقعقرب رأس العين شمال سورية، على بيوت طينية تعود إلى ذلك التاريخ، وتمتاز بيوت حلفبظهور القرميد فيها، إلى جانب التماثيل والأواني الفخارية المتقنة الصنع، ممايجعلنا نظن أن شمال بلاد الرافدين كان في ذلك الوقت أكثر تقدماً من جنوبه.‏

ولكنمنذ الألف الرابع قبل الميلاد تطورت الحضارة في بلاد سومر تطوراً كبيراً، وخاصة فيالقسم الجنوبي منه، فأصبحت المناطق الشمالية متخلفة عن مناطق الجنوب.‏

إنانتقال الإنسان من حياة الصيد والقنص إلى حياة الزراعة المستقرة جعله أكثر تماسكاًمع عالمي النبات والحيوان، وهذا ما زاد من تجاربه وعمق ثقافته، واضطره لاختراعأدوات تساعده على استغلال الأرض وحماية نفسه من الوحوش.‏

ولماازدادت لديه الغلال وتنوعت سعى إلى خزنها لوقت الضيق. وكانت بعض الشعوب المجاورةالفقيرة تغزو محاصيل الشعوب الغنية أو تتبادل معها السلع.‏

يقولالمؤرخ جاك بيران "تعود سرعة النمو الثقافي في وادي النيل ووادي الرافدين وحوضالأندوس إلى النشاط الاقتصادي للسكان. وقد تبين أن التجارة العالمية هي التي كانتسبب ذلك النشاط" ثم يضيف إلى ذلك قوله:‏

"كانوادي الرافدين، مركز العالم القديم الاقتصادي، لأنه يكون الخط الكبير لآسيةالأمامية ومصر نحو الهند".‏

ويقولالدكتور أحمد فخري، في مقدمة كتاب (من ألواح سومر): لقد نشأت وازدهرت في كثير منبلاد الشرق حضارات ومدنيات. ولم تكن تلك الحضارات بمعزل عن بعضها، بل اتصلت وأخذتوأعطت. وكان من أهم تلك الحضارات حضارتا مصر وبلاد الرافدين. ولكل من الحضارتين قصةطويلة، عن أصلها ومولدها وتطورها..." ثم يقول بعد ذلك:‏

"وقدثبت ثبوتاً قاطعاً أنه كانت هناك صلة بين مصر والعراق، في العصر السابق مباشرةللأسرة الأولى المصرية. وإن كثيراً من مصنوعات وفنون بلاد الرافدين وصلت إلى مصر،كما ثبت أيضاً أن بعض السفن العراقية الأصل، والتي تمتاز بارتفاع مقدمتها ومؤخرتها،ارتفاعاً يكاد يكون عمودياً، وقد وصل إلى مصر، وانتشر رسمها على الآثار المصرية" وحينما تساءل عن أي الحضارتين أقدم أجاب:"إن الحضارة نشأت مستقلة في كل من البلدين،في الألف الخامس قبل الميلاد. وفي أواخر الألف الرابع وأوائل القرن الثالث كانتالحضارة السومرية قد تقدمت في بعض نواحيها، إلى درجة فاقت الحضارة في مصر.‏

ولكنفيما تلا ذلك من قرون تقدمت الحضارة المصرية تقدماً كبيراً، بعد أن تحققت وحدةالبلاد".‏

لمتكن سورية في معزل عن تلك الحضارات القديمة. ويقول المؤرخ أسد الأشقر:‏

"إنالحضارة السورية الأولى ترعرعت في وادي الرافدين، وعلى الشاطئ الكنعاني السوري،الممتد من خليج اسكندرون إلى حدود مصر، كما ترعرعت معاصرتها في وادي النيل".‏

إنهذا القول يعني بالحقيقة تاريخ تلك الحقبة الممتدة بين الألف الثالث والألف الأولقبل الميلاد، حيث كانت المدن السورية والفلسطينية تخضع بين آونة وأخرى إما لسلطةملوك بابل وآشور، أو لحكم فراعنة مصر.‏

ولكنإذا رجعنا خطوات إلى الماضي البعيد، ودرسنا الأبحاث الأثرية التي قام بها بعض علماءالآثار، في مناطق عديدة في بلادنا لوجدنا أن الإنسان العاقل المتطور قد ظهر علىالأرجح في فلسطين وسورية قبل أن يظهر في جنوب بلاد الرافدين. لقد قام العالم ألفرددروست الألماني، منذ الثلاثينات، بحفريات اكتشف فيها وجود عدة مواقع لإنسانالنياندرتال في منطقة يبرود ثم توالت بعد ذلك المكتشفات الأثرية في مغائر تدمروالساحل السوري، حيث عثر على حوالي ثلاثمائة موقع تعود إلى العصور الحجريةالمختلفة. كما تشير الاكتشافات في كهوف جبال الكرمل في فلسطين إلى وجود هياكل عظميةسليمة للنياندرتال. علماً بأن هذا الكائن الأخير، يعتبر حسب رأي علماءالأنتروبولوجيا المرحلة التي سبقت ظهور الإنسان العاقل المتطور، والذي انتقل منحالة الصيد إلى حالة الاستقرار والزراعة، فسكن الكهوف والأكواخ، وذلك خلال الفترةالممتدة بين (35 –120) ألف سنة.‏

إننظام ممالك المدن، الذي ساد سورية الطبيعية منذ فجر التاريخ، بالإضافة إلى الحروبالمحلية، التي كانت تنشب بين تلك الممالك أو بينها وبين الفاتحين الغزاة، كل ذلكجعل الممالك السورية ضعيفة عسكرياً وحضارياً، فتخضع لحكم الشعوب القوية الظافرة،كما جعلها تصطبغ بحضارتها، وتكتب بخطها، وتتكلم لغتها أحياناً.‏

آ- أقدم المؤلفات المعروفة في علم الفلاحة والنبات:‏

1-مبادئ علم الفلاحة السومرية:‏

أدتالتقنيات الأثرية، التي أجرتها عام (1949 –1950)م، بعثة مؤلفة من المعهد الشرقيلجامعة شيكاغو، ومتحف جامعة بانسلفانيا، في خرائب مدينة (نفر) السومرية، إلى العثورعلى لوح من الألواح يؤلف الجزء المتمم لثمانية ألواح مماثلة، اكتشفت سابقاً.‏

ولماضمت هذه الألواح بعضها إلى بعض تشكلت وثيقة كاملة تتألف من (108) أسطر.‏

وتحويهذه الوثيقة، التي يعود تاريخها إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، المبادئالأساسية لما يمكن أن نسميه "مبادئ علم الفلاحة السومرية".‏

يقولمؤلف تلك الوثيقة في مقدمتها "في الأزمان القديمة زوَّد فلاح ابنه بهذه الإرشاداتثم أخذ بعد ذلك يذكر الأعمال الزراعية الهامة، التي ينبغي على الفالح أن يقوم بها،ليضمن محصولاً وافراً. ويمكننا أن نلخص تلك الإرشادات بما يلي:‏

أولاً-قدم المزارع لابنه نصائح تتعلق بأعمال الري، حتى لا يرتفعمستوى الماء فوق سطح الحقل فيفسد الأرض.‏

ثانياً: ضرورة تطهير الحقل من الأعشاب وجذور النباتات الباقية منموسم الحصاد السابق.‏

ثالثاً: ضرورة تصوين الحقل بالسياج، لحفظه من عبث الإنسانوالحيوان.‏

رابعاً: ولخدمة الأرض يعدد المزارع الآلات والأدوات الضرورية للحرثوالعزق والتعشيب والدراس. ثم يرشد ابنه إلى الطرق المفضلة لحرث الأرض، وبذر البذور،وإزالة المدر...‏

خامساً: وحينما ينمو الشعير نمواً كافياً فيجب على الفلاح أن يرويهفي أوقات معينة ومتتالية.‏

سادساً: إذا لاحظ الفلاح وجود احمرار يكسو زرعه المسقي، فذلك دليلوجود آفة زراعية مهلكة. إلا أن مؤلف تلك الوثيقة لم يذكر الطريقة الناجحة في مداواةتلك الآفة، كما لم يشر إلى أسبابها‏

سابعاً: على المزارع، حينما تبدأ البذور بشق سطح الأرض،لتخرج إلىالهواء، أن يقدم الصلاة إلى الآلهة (نن –كِلم)، فهي المختصة بإهلاك جرذان الحقلوحشراته وديدانه. وهناك معلومات أخرى تتعلق بالحصاد والدراس... لا مجال لذكرها.‏

وممايلفت النظر في هذه الوثيقة أن كاتبها يقول في خاتمتها "إن المبادئ الزراعية الواردةفيها ليست من ابتكاره، وإنما هي مبادئ وضعها الإله نيمورتا، الفلاح الحقيقي، وابنكبير الآلهة السومرية (انليل).‏

2-المؤلفات اليونانية في علم الفلاحة والنبات:‏

لميشتهر الشعب اليوناني قديماً بعلم الفلاحة، نظراً لطبيعة بلادهم الجبلية، وضيقمساحة الأراضي القابلة للزراعة فيها. أما من ناحية التأليف في علمي الفلاحة والنباتفيذكر المؤرخ فورفوريوس الصوري، في أخبار الفلاسفة وقصصهم وآرائهم، أن لفيثاغورس (1) الحكيم مجموعة من المؤلفات، تبلغ الثمانين جمعها أرخوطس الفيلسوف الطارنطي.‏

وهنالك عدد من الكتب التي نحلت لفيثاغورس، يبلغ عددها المائتين، منجملتها كتاب تكوين العالم، وكتاب بذر الزرع، وكتاب الآلات..‏

ويذكرابن أبي أصبيعة وكذلك القفطي أسماء عدد كبير من مؤلفات أرسطو (2)، من جملتها كتابفي النبات مقالتان، وكتاب في الفلاحة عشر مقالات، وهما مما ورد ذكره في كتاببطليموس إلى (أغلس) ولم يذكرهما ابن النديم في كتابه الفهرست.‏

يقولالعالم سارتون "إن كتاب أرسطو النبات، والمعروف باللغة اللاتينية باسم Opuscula de plantis، هو رسالة منحولة، ليست لأرسطو بل لعالم سوري يدعى نقولاوس الدمشقي، عاش فيالنصف الثاني من القرن الأول للميلاد".‏

وإذاكان الأجل لم يفسح لأرسطو لوضع مؤلفات في علم النبات فإن تلميذه تيوفراست (المتوفىعام 288 ق. م) قام بهذا العمل، فوضع كتابين أحدهما بتاريخ النباتHistoria de plantis والثاني أسباب وعلل النبات De Causis plantarum.

لقدأورد كل من ابن النديم وابن أبي أصيبعة في مؤلفيها اسم الكتاب الأخير لتيوفراست،ولكن لم يذكر اسم كتاب تاريخ النبات. ويضيف ابن أبي أصيبعة أن كتاب أسباب النبات هوتفسير كتاب قاطيغورياس، وقيل منحول إليه؟!‏

لقدوصف تيوفراست في كتابه الأول النباتات ومختلف أجزائها، وسعى في كتابه الثاني إلىإبراز العلة أو الحكمة في اختلاف تلك الأوصاف، متبعاً في ذلك خطوات معلمه أرسطو.‏

تكلمتيوفراست في كتابيه على عدد من النباتات المزروعة، يبلغ الخمسمائة، بين نوع وصنف،وأشار إلى بعض النباتات المستوطنة والأجنبية. لقد وصف تين البنغال، علماً بأنه لميقم بزيارة الهند، حيث ينمو هذا النبات، ووصف عملية التلقيح الاصطناعي للنخل (التأبير)، علماً بأن الآثار الآشورية تؤيد معرفتهم لهذه الطريقة منذ القرن التاسعقبل الميلاد. لذلك يقول العالم سارتون:‏

"وهذادليل على أن كثيراً من معلومات تيوفراست إنما جاءته من غيره من الناس".‏

أماإذا أردنا أن نبحث عن المصادر التي استقى منها فلاسفة اليونان معلوماتهم في علميالنبات والفلاحة فنجدها في كتب أصحاب الأخبار والمؤرخين:‏

يقولمحمد بن اسحق النديم، في كتابه الفهرست، إن أبا سهل بن نوبخت ذكر في كتاب النهمطانأن الملك الضحاك بن قيّ بنى بأرض السواد مدينة اشتق اسمها من اسم (كوكب) المشتري. فجمع فيها العلماء، وبنى فيها اثني عشر قصراً، على عدد بروج السماء، وسماهابأسمائها، وخزن كتب أهل العلم، وأسكنها العلماء... وكان فيها عالم يقال له هرمس،كان من أكملهم عقلاً، وأصوبهم علماً وألطفهم نظراً. فسقط إلى أرض مصر فملك أهلها،وعمر أرضها، وأصلح أحوال سكانها، وأظهر علمه فيها... ولما خرج الاسكندر ملكاليونانيين غازياً أرض فارس قتل دارا بن دارا الملك، واستولى على ملكه، وهدمالمدائن، وأهلك ما كان في صنوف البناء من أنواع العلم، الذي كان منقوشاً مكتوباً فيصخور ذلك وخشبه... ونسخ ما كان مجموعاً من ذلك في الدواوين والخزائن بمدينة اصطخر. وقلبه إلى اللسان الرومي والقبطي، ثم أحرق، بعد فراغه من نسخ حاجته منها، ما كانمكتوباً بالفارسية..".‏

وإذارجعنا إلى كتب التاريخ فإننا نجد كثيراً من الحوادث التي تؤيد ما ذكره ابن النديم. فمثلاً كانت المستعمرات اليونانية منتشرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وكانت كثيرةومزدهرة منذ زمن الاخمينيين (3). وكانت العداوة مستعرة بين اليونان والفرس، وكانالفينيقيون حلفاء للفرس في منافستهم لليونان وكرههم لهم. وقد أدى ذلك إلى نشوب عدةمعارك مشهورة في التاريخ. وكان النصر فيها مرة للفرس وأخرى لليونان.‏

ولماارتقى فيليب الثاني عرش مقدونيا عام (360 ق. م) كانت بلاد اليونان تعيش في فوضىسياسية بسبب الحروب الأهلية التي دامت فيها زهاء قرن من الزمان. لذلك قام فيليببتدريب فيلق من الجنود المقدونيين، استطاع بواسطته أن ينتصر على خصومه عام (338 ق. م) وأن يؤلف الحلف الهليني. وكان في نية فيليب أن يتوجه بعد ذلك لمنازلة خصومهالفرس لكنه اغتيل عام (336 ق. م).‏

خلفالاسكندر المقدوني أباه وكان عمره لا يتجاوز العشرين عاماً فبدأ بإخماد الثوراتالتي شبت بعد مقتل والده، ثم توجه لحرب الفرس فاشتبك مع دارا الثالث في معركة إسوس،شمال سورية (عام 333 ق. م) فهزمه، ثم لاحق فلول جيشه، فعبر الفرات ودجلة ثم هزمدارا مرة ثانية عند مدينة اربيل عام (331 ق. م).‏

استباحت جيوش اليونان أرض فارس، وقامت بتدمير عاصمتها اصطخر (4)،الغنية بكنوزها وآثارها. وليس بمستبعد أن يسطو الاسكندر على خزائن العلم فيها، وفيغيرها من بلاد فارس وبلاد الرافدين، وأن يرسل ما يجده فيها إلى صديقه ومؤدبه أرسطو،الذي كان يعمل وتلامذته في مدرسة (اللوقيون) بأثينا.‏

3-المؤلفات الرومانية في علم الفلاحة والنبات:‏

لميهنأ الشعب اليوناني بانتصارات الاسكندر، ذلك لأنه توفي عام (343 ق. م)، وكانتقواته مبعثرة بين الشرقين الأدنى والأوسط. فاستقل قادة جيوشه في المقاطعات التيكانوا يحتلونها، وظهرت ثلاث أسر حاكمة، وهم البطالسة في مصر، والسلوقيون شمالسورية، البارثيون جنوب بحر قزوين.‏

ازدادت القوة العسكرية للإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت،فاستطاعت أن تهزم هانيبال وتحتل قرطاجة عام (203) ق. م، ثم تجتاح بلاد اليونانوتخرب مدينة كورنث عام (146 ق. م).‏

إنتنظيم التموين لهذه الجيوش كان يستدعي العناية بالزراعة وانتخاب الأراضي الجيدةلاستثمارها، لا سيما أن الشعب الروماني كان مشهوراً بولعه وإسرافه في الملذات، منأكل وشرب وغيره.‏

يقولالعالم سارتون "إن الرومانيين قد سمعوا عن رسالة في الزراعة كتبت في تاريخ غيرمعلوم، من قبل عالم قرطاجي يدعى (ماجو). وبعد دمار قرطاجة على يد الرومان، أمر مجلسالشيوخ في روما بترجمة تلك الرسالة إلى اللغة اللاتينية" –لقد ظهر في مدينة روماموسوعتان في علم الفلاحة، تحملان نفس الاسم وهو De Re Rustica، الأولى قام بتأليفهارجل يدعى كاتون الرقيب porcius Caton، عمل جندياً ومزارعاً ومحامياً ووزيراً للمالفي عهد الإمبراطور سيبيون الإفريقي (235 –183 ق. م). وتضم موسوعته مجموعة منالنصائح، تفيد كل مزارع يعيش في منزل ريفي وفيها وصفات طبية تتعلق بالعناية بالجروحومعالجة أمراض الإنسان والحيوان، بطرق بدائية وسحرية أيضاً. وهي كتاب صغير لايتجاوز عدد صفحاته الثمانين، مقسمة إلى (162) فصلاً.‏

والثانية ألفها رجل من عظماء الرومان، عاصر شيشرون وفرجيل، يدعىمرقس فارون Marcus varron (116 - 27 ق. م). وكتابه أوسع بكثير مما كتب كاتون، كماأن أسلوبه أكثر فصاحة وبلاغة.‏

عدَّدفارون أسماء من سبقه من المؤلفين في علم الفلاحة، ثم قال "إن جميع هؤلاء يفوقهمشهرة ماجو القرطاجي، الذي جمع في ثمانية وعشرين كتاباً، كتبت باللغة الفينيقية،جميع الموضوعات التي عالجوها مستقلين".‏

لقدترجمت كتب ماجو إلى اليونانية من قبل رجل يدعى دونيسيوس كاسيوس، عام (88م). ويقولالعالم سارتون "إننا لا نعرف فيما إذا كان كاسيوس قد نقلها عن اللاتينية أم عنالفينيقية الأصلية، ولكن العجيب ألا توجد أية بقايا من الترجمة اللاتينية".‏

كاندونيسيوس كاسيوس عالم نبات، وينسب إليه وضع رسالتين إحداهما عن العقاقير، تعرف باسم Rhizotomica، والأخرى عن النباتات وكان كتابه الأخير موضحاً بالرسوم الملونة.‏

ويعتبر نيقولاوس الدمشقي آخر نباتي يستحق الذكر في العصر الهلنستي،ولد في دمشق عام (64 ق. م)، وكان صديقاً لملك اليهود هيرود. عمل مؤرخاً، وألف رسالةفي النبات على طريقة أرسطو، أي اهتم بحياة النبات أكثر مما اهتم بأوصافه، لذلك نسبترسالة أرسطو إليه.‏

إنجميع المؤلفات اليونانية واللاتينية السابقة، في علمي الزراعة والنبات، عدا رسالةنيقولا الدمشقي، كانت مجهولة من قبل علماء الشرق العربي. وقد بدأت المطابع في أوربامنذ عام 1472م بطبع مؤلفات كاتون وفارون وغيرهما باللغة اللاتينية. ثم ظهرت ترجمةتلك المؤلفات في ألمانيا عام 1884م، وفي أمريكا 1913م، وفي انكلترا عام 1934م.‏

وفيالعصر الروماني ظهرت أيضاً موسوعتان في زمان واحد تقريباً، وهما تضمان معلوماتكثيرة تتعلق بعلم الزراعة والحرب والخطابة والقانون والفلسفة والطب. الأولى منهماتنسب إلى سلزيوس Celsius، الذي اشتهر في عهد الإمبراطور تيبر Tibere (42 ق. م –37م)، والثانية تعرف باسم التاريخ الطبيعي Historia Naturalis، قام بتأليفها عالمروماني مشهور اسمه بلين الكبير Caius plinus Secondus (23 –79م). كان قائداًللأسطول البحري، وتوفي أثناء إنقاذ سكان مدينتي بومبي وهيراكولوم، عقب ثورة بركانفيزوف.‏

ويقولالعالم ديورانت "ومما يؤسف له أن العلماء قد أجمعوا على أن كتاب سلزيوس ليس في أكثرأجزائه إلا جمعاً أو شرحاً لنصوص يونانية قديمة. وقد فقد هذ ا الكتاب في القرونالوسطى، ثم عثر عليه خلال القرن الخامس عشر".‏

أماموسوعة بلين فقد جمع مؤلفها، كما يقول ديورانت أيضاً، خلاصة علم زمانه وأخطائه. وبحث في عشرين ألف موضوع، واعتذر عما تركه من الموضوعات الأخرى، وتضم هذه الموسوعة (37) جزءاً، كتبت باللغة اللاتينية، ولكن لم تترجم إلى اللغة العربية حسب ما نعلم.‏

ب) مؤلفات علم الفلاحة في التراث العلمي العربي:‏

1-المؤلفات العربية الأصل‏

ابتدأالعرب بالتدوين والتصنيف في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة.‏

وكانهدفهم من التدوين ضبط آيات القرآن والأحاديث الشريفة، وشرح معانيها.‏

كانتالقبائل العربية تتكلم لغة ذات لهجات وألفاظ مختلفة. ونظراً لاختلاط العرب بالأعاجمفقد بدأ اللحن بالظهور في صدر الإسلام، وخاصة عند أهل الأمصار.‏

كمابدأت الكلمات الأعجمية والعامية تتسرب إلى اللغة الفصحى فتفسدها. لهذه الأسباب كلهاأصبح من الضروري وجود مؤلفات لغوية يوضِّح فيها طريقة كتابة الحروف والكلمات،وتنقيطها وضبط تشكيلها. واعتمدت لغة القرآن ومصحف عثمان ولهجة قريش الأساس في كلذلك.‏

إنأول مؤلف ظهر باللغة العربية، تكلم فيه صاحبه على أسماء النبات والشجر وصفاتها هومعجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، المتوفى بين عامي (170 –180ه‍). لقد كثرالجدل حول كتاب العين من ناحية تأليفه ومؤلفه، فقال بعضهم بأن الخليل لم يؤلفه ولاصلة له به، وقال آخرون بأن صاحب الفكرة في تأليفه، أو أنه اشترك بذلك، فوضع أصولهورتب أبوابه، ولكن غيره حشا المفردات الواردة فيه.‏

وعلىكل فإن هذا المعجم بقي معروفاً وموجوداً حتى القرن الرابع عشر للميلاد، ثم فقدتنسخه بعد ذلك، وأهمل بسبب ظهور معجمات أوسع مادة وأسهل تناولاً –ويعود الفضل إلىالأب أنستاس الكرملي الذي نشر بحثاً مطولاً عنه في مجلة (لغة العرب)، وذلك عام (1914م) في بغداد. وأعلن في مقاله اكتشاف نسخة من هذا المعجم في مدينة كربلاء وأخرىفي الكاظمية.‏

وكتابالعين معجم ضخم يضم نحو (2500) صفحة موزعة على خمسة أجزاء.‏

وقدقام الدكتور عبد الله درويش، من جامعة القاهرة، بتحقيق الجزء الأول منه عام (1967م). وبيَّن أهمية هذا المعجم للأسباب الآتية:‏

أولاً: إن مؤلفه من اللغويين القلائل الذين انحدروا من أصل عربي،فهو أزدي عُماني، نشأ وترعرع في مدينة البصرة.‏

ثانياً: لقد رتب الخليل معجمه هذا حسب نمط فريد من نوعه، لم تعرفهالأمم السابقة، فقد قسم الحروف الأبجدية إلى تسع مجموعات، كل مجموعة منها متشابهةمن ناحية الصوت الناتج عند النطق بها.‏

ثالثاً: اعتبر الفعل الثلاثي أساساً للغة العربية، وجاء بعدهبالمصدر، ثم قام بتفسيره، وأتى بشواهد من أشعار العرب تتضمن معنى الفعل أو الاسم. فاتخذت طريقته سنة لمن جاء بعده، عند وضع المعجمات. وسأذكر فيما يلي بعض الأمثلةالتي وردت في معجم العين التي تهمنا في علمي الفلاحة والنبات:‏

العِضّ: ما صغر من شجر الشوك.‏

العُضّ: النوى المرضوض تُعلفه الإبل.‏

العِيص: منبت خيار الشجر.‏

الوعر: شجر لا زال أخضر ويسمى بالفارسية السرو.‏

لقدنشأ في مدينة البصرة أولاً، ثم في مدينة الكوفة بعد ذلك، مجموعة من علماء اللغةوالنحو والأدب، تتلمذ بعضهم على يد البعض الآخر. قاموا بوضع مؤلفات لغوية هامة منالناحيتين الزراعية والنباتية وسنكتفي بذكر آشهرها:‏

أولاً: كتاب الصفات للنضر بن شميل:‏

وهومؤلف مفقود اقتبس منه أبو عبيد القاسم بن سلام المسمى (غريب الصفات). وقد نقل ابنالنديم عن أبي الحسن بن الكوفي في أسماء الأبحاث التي وردت في كتاب الصفات مما يدلعلى أنه لم يشاهد هذا الكتاب في زمانه.‏

يتألفكتاب الصفات من خمسة أجزاء:‏

الجزءالأول: تكلم فيه المؤلف عن خلق الإنسان –الجود والكرم –صفات النساء.‏

الجزءالثاني: ذكر فيه أشكال الأخبية والبيوت، وصفات الجبال والشعاب والأمتعة.‏

الجزءالثالث: خصصه للكلام عن الإبل.‏

الجزءالرابع: تكلم فيه عن الغنم والطير، والشمس والقمر، والليل والنهار، الألبانوالكمأة، الحياض والأرشية والدلاء، صنعة الخمر.‏

الجزءالخامس: يضم أبحاثاً عن الزرع والكرم والعنب، وأسماء البقول والأشجار، والرياحوالأمطار.‏

ثانياً: كتاب النبات للأصمعي:‏

طبعهالأب لويس شيخو في بيروت عام 1908م، بالاشتراك مع أوغست هافنز A. Haffner، وفيمايلي لمحة موجزة عن أهم المواضيع التي وردت فيه:‏

آ)أسماء الأرض (التربة) في حالاتها المختلفة، وما يصلح فيها منزرع.‏

ب)أسماء أقسام النبات في حالات نموه وازدهاره وإدراكه.‏

ج‍)تصنيف النباتات بحسب صفاتها إلى أحرار –ذكور –حمض –خلة.‏

فأحرار النبات هي ما حسن ورق من البقول، وذكور النبات هي ما غلظوخشن منها.‏

الحمضهي ما كان في طعمها ملوحة، والخلة ما كان طعمها مستساغاً ليس فيه ملوحة.‏

د)عددأسماء بعض النباتات والأشجار التي تنمو في السهل، وما ينمو منها في الرمل. وبلغ عددأسماء ما ذكره منها نحو (280) نباتاً، إلا أن الأوصاف التي ذكرها غير كافية تماماًللتعرف عليها.‏

ثالثاً: كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري:‏

ممالا شك فيه أن أشهر وأعظم من تكلم عن النباتات، من نحاة ولغويين، كان أبو حنيفةالدينوري، المتوفى عام (282ه‍ -895م). لقد استفاد هذا العالم من مؤلفات البصريينوالكوفيين، ووضع كتاباً في علم النبات جاء في ستة مجلدات، استقصى فيه جميع ما جاءعلى ألسنة العرب من أسماء النبات. وسعى لمعاينة تلك النباتات في أماكنها والتأكد منصفاتها. وصار كتابه عمدة للمؤلفين من أطباء وصيادلة وعشابين، كما اعتمدته جميعالمعجمات اللغوية التي ظهرت بعده.‏

لقدقام بتحقيق كتاب النبات لأبي حنيفة، المستشرق برنهارد دلفين، ونشر بعض أجزائه عام (1953م) ثم أتم جزءاً آخر عام (1974م). ونظراً لأن هذا الكتاب قد فقدت بعض أجزائه،أو عزَّ وجودها، لذلك فقد قام الدكتور أحمد عيسى بك بجمع ما نقل من كتاب أبي حنيفة،والموجود في كتب مفردات الأدوية وكتب النبات ومعاجم اللغة، ورتبها حسب حروف ألفباء. ولم يترك حسب قوله نباتاً واحداً مما ذكره أبو حنيفة في كتابه. وأضاف إليه ماقاله بعض علماء اللغة في النبات، وأطلق على مؤلفه اسم الجامع لأشتات النبات، مقلداًما فعل الشريف الإدريسي في الاسم والعمل. ولكن كتاب الدكتور أحمد عيسى لم يظهر إلىالوجود حسب ما نعلم.‏

2-الكتب المترجمة إلى اللغة العربية في علمي الفلاحة والنبات:‏

أولاًالكتب اليونانية الأصل وتعرف باسم Géoponiques أو الفلاحة اليونانية:‏

يقولالأب بولس سباط، في محاضرة له ألقاها في المعهد المصري في القاهرة عام 1931م، أنجميع المؤلفات اليونانية القديمة قد فقدت بدون استثناء. أما أشهر هذه المؤلفاتوأقدمها فهو الكتاب الذي ترجمه كوسيوس ديونيسوس Cassius Dionysius عام (88م) إلىاليونانية. أما أصل الكتاب فهو موسوعة ماجو القرطاجي، والتي كانت تتألف من عشرينجزءاً. وحوالي عام (100م) قام رجلان هما: Diophanés, Asinius باختصار كتابديونيسيوس، ولكن ضاع الأصل والترجمة والمختصر.‏

ويضيفالأب سباط إلى ذلك قوله "لقد ظهر في القرن الرابع للميلاد كتابان في الفلاحةاليونانية أيضاً، أحدهما ينسب إلى أناطوليوس البيروتي Vindanius Anatolius de Berytos ويتألف من اثني عشر جزءاً. والثاني ينسب إلى ديديموس الاسكندراني Didymos d, Alexandrie إلا أن الأصل اليوناني الكامل لهذين الكتابين مفقود أيضاً.‏

لقدأعلن سباط في بحثه، أنه عثر في مصر على مخطوطة عنوانها "كتاب فلاحة الأرضلابطرليوس" ثم قال بأن اسم المؤلف محرَّف من قبل الناسخ وأصله أنطوليوس (البيروتي)،أي صاحب الكتاب المار الذكر.‏

والمخطوطة نسخة جيدة وفريدة، كتبت في 11 شعبان (839ه‍ -1436م).‏

وقدجاء في مقدمتها ما يلي "هذا كتاب لأنطوليوس الحكيم، جمعه من حكمة الحكماء القدماء،الذين جربوا الأمور في سالف الدهور. ووضعوا الحكم في التدبير لكل أمر. وهو حكم طريفيسير، يدل على كثير... وهو من الحكمة التي استخرجها بطرك الاسكندرية، ومطران دمشقأوسطاث الراهب، ليحيى بن خالد بن برمك. وفسره من الرومي إلى العربي في شهر ربيعالآخر عام (179ه‍). وهذه أسماء الحكماء: بقراطيس –أرسطوطالس –أراسيسطراطس –أدريطسدمقراطيس –جالينوس –أفرقانوس –أبلطراخس –أبولينوس –سرابيون –أسقلبيون".‏

أمابطرك الاسكندرية فهو، حسب رأي الأب سباط، بلطيان politianus، الذي بقي في سدةالبطركية مدة (46) سنة. وقد ورد ذكره في كتاب عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة. كانطبيباً عالماً، اشتهر زمن الخليفة الرشيد، وقام بمعالجة وشفاء إحدى نسائه، فلقيحظوة لديه. توفي عام (186 –802م)، فخلفه الراهب أوسطاث Eustathe الذي كان رئيساًلدير (القصير) في سورية، وبقي بطركاً مدة أربع سنوات ثم توفي.‏

يتألفكتاب أناطوليوس البيروتي، كما ذكرنا سابقاً من اثني عشر جزءاً، (أو مصحفاً كما كانيقال قبل القرن الثالث للهجرة). ويقول الأب سباط أن هذا الكتاب، كبقية كتب الفلاحةاليونانية ينقصه الترتيب، وخاصة من الجزء السابع إلى آخر الكتاب.‏

ممالا شك فيه أن أشهر كتاب في الفلاحة اليونانية، ترجم إلى اللغة العربية، هو الكتابالذي ألفه قسطوس بن اسكوراسكينه، وترجمه إلى اللغة العربية سرجيس بن هليا.‏

ويقولصاحب كشف الظنون إن هذا الكتاب نقله أيضاً قسطاً بن لوقا البعلبكي، واسطات، وأبوزكريا يحيى بن عدي، ولكن ترجمه سرجيس كانت أكمل وأصلح من غيرها.‏

ويقولالأب بولس سباط إن هذا الكتاب قام بجمعه رجل عاش في القرن السادس للميلاد، واسمهالحقيقي Cassianus Bassus Scolas ticus، وهو يتألف من عشرين جزءاً، ويضم أبحاثاًكثيرة وردت في كتاب أناطوليوس المار الذكر.‏

وفيمنتصف القرن العاشر للميلاد اختصر الكتاب السابق، وقدم إلى قسطنطين السابع ملكبيزنطة. ثم قام بنقله إلى اللغة العربية سرجيس بن هليا، وذلك في القرن الحادي عشر. ويوجد لهذه الترجمة ثلاث نسخ، واحدة في كل من مكتبات لايد وبرلين واكسفورد.‏

وقدطبع هذا الكتاب في القاهرة عام 1293ه‍، دون الإشارة إلى النسخة المخطوطة التي أخذعنها، كما لم يُشَر إلى اسم المحقق أو الناشر. وإنما سجل على غلافه خطأ أنه منتأليف قسطا بن لوقا البعلبكي (المتوفى 311ه‍ -924م).‏

يعتبركتاب قسطوس الرومي خلاصة ما جمعه وألفه قومه في علمي الفلاحة والنبات.‏

وهوكتاب متوسط الحجم، جيد الترتيب والتبويب، ويتألف من اثني عشر جزءاً، ذات مواضيعمتسلسلة، تهم أصحاب المزارع والحقول، وسنوجزها فيما يلي:‏

الجزءالأول: ابتدأ فيه بذكر أسماء الشهور والبروج والكواكب عند الروم. ثم تكلم عن مسيرالشمس والقمر في البروج والمنازل، ومعرفة أوقات طلوع القمر ومغيبه وفصول السنة،والرياح، والعلامات التي تدل على أحوال السنة وما يدفع عوارض الجو.‏

الجزءالثاني: تكلم فيه عن اختيار المساكن، ومواضع المياه، وصفات الأراضي وما يستعمل منالسماد في إصلاحها.‏

الجزءالثالث: خصصه للكلام عن البذر، وما يصلح لكل أرض من أنواعه، وانتهى إلى الكلام عنالحصاد والدراس وخزن المحصول.‏

الجزءالرابع: تكلم فيه عن شجرة الكرمة وكل ما يتعلق بأمورها.‏

الجزءالخامس والسادس: ذكر فيهما ترتيب البساتين وغرس الأشجار فيها، وتركيبها (تطعيمها) وادخار ثمارها، مع مداواة الآفات التي تعرض لها. وخص بالذكر شجرة الزيتون.‏

الجزءالسابع: تكلم فيه عن البقول والمقاتي، طرق زرعها ومنافعها.‏

الجزءالثامن: تكلم فيه عن الخيل –توالدها –تربيتها –مداواتها –وصفاتها المحمودةوالمذمومة.‏

الجزءالتاسع والجزء العاشر: خصصهما للكلام عن تدجين وتربية الحيوانات والطيور وأحوالها.‏

الجزءالحادي عشر، والجزء الثاني عشر: ذكر فيهما أموراً كثيرة، تتعلق بأحوال البشروعلاجهم وزينتهم وغير ذلك.‏

ثانياً-الكتب المترجمة عن اللغة السريانية القديمة (أي الآرامية) إلى العربية:‏

يقولالعالم (ولفنسون) في كتابه تاريخ اللغات السامية "إن الهجرة الآرامية إلى نواحيسورية حدثت حوالي القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وقد استقرت جماعات من الآراميين،في نواحي دمشق، واستوطن بعضهم جنوب الفرات. وسعى ملوك بابل وآشور إلى طرد القبائلالآرامية من مناطق العمران فلم يفلحوا. وقد ساعد الآراميين على توطيد أقدامهم فيتلك المناطق ظهور الحثيين، حوالي القرن الثاني عشر ق. م، في آسيا الصغرى، وإغاراتهمعلى سورية والعراق، فانشغل البابليون والآشوريون عن الآراميين.‏

استطاع الآراميون بعد ذلك أن ينشئوا عدة ممالك صغيرة، كان من أشهرهاآرام دمشق، وآرام صوبا في حوران، وآرام بيت رحوب على ضفاف اليرموك. كما أسسوا بعضالدويلات في سورية الشمالية، كان أهمها في منطقة شمأل وجرجوم.‏

لقدقام ملك آشور، تغلات فلاسر، بتقويض تلك الدويلات عام 738 ق. م، إلا أن الآرامييناحتفظوا بوجودهم ونفوذهم السياسي فانتشرت حضارتهم ولغتهم بين جميع الشعوب الساميةفي سورية حتى إيران.‏

ويقولغبطة المرحوم مار أغناطيوس يعقوب الثالث، بطرك أنطاكية وسائر المشرق "إن لغة اليهودكانت الآرامية، سحابة الجيل الأول الرسولي وما سبقته من أجيال حتى المائة الخامسةقبل المسيح. حتى إن اليهود كتبوا بعض أسفارهم باللغة الآرامية أو بالأبجديةالآرامية".‏

ولماانتشرت الديانة المسيحية بين بعض سكان سورية وبلاد الرافدين، أصبح اسم السريانييطلق على من اعتنق تلك الديانة، كما أن اللغة الآرامية انقلب اسمها إلى السريانية. وفي عهد الإمبراطورية البيزنطية أصبحت السريانية أهم لغة بعد الإغريقية، ولعبت دورالوسيط بين الإغريقية وبين اللغتين العربية والفارسية.‏

لقداضطررت إلى وضع هذه المقدمة التاريخية –اللغوية، لأمهد للكلام عن كتاب يعتبر أشهرمؤلف في علم الفلاحة ظهر في القرون الوسطى، وعنوانه "كتاب إفلاح الأرض وإصلاح الزرعوالشجر والثمر ودفع الآفات عنها" وقد استفاد منه جميع من ألف في علم الفلاحة وعلمالنبات وعلم الأدوية حتى عصر النهضة، ويطلق على هذا الكتاب عادة اسم (الفلاحةالنبطية لابن وحشية).‏

(كتابالفلاحة النبطية)‏

يقولابن النديم في كتابه الفهرست إن ابن وحشية هو أبو بكر أحمد بن علي بن المختار... الكسداني الصوفي، من أهل قسَين. وكان يدعي أنه ساحر يعمل أعمال الطلسمات ويعملالصنعة (السيمياء). ثم يقول بعد ذلك ومعنى كسداني: نبطي، وهم سكان الأرض الأولى،وهو من ولد سنحاريب. ثم يعدد بعد ذلك أسماء الكتب التي صنفها، ومن بينها كتابالفلاحة الكبير والصغير.‏

كانابن وحشية بالحقيقة طبيباً وعالماً موسوعياً، وفيلسوفاً متصوفاً. قام بوضع مجموعةمن المؤلفات والترجمات في علم الفلاحة وعلم الأدوية وعلم السموم والسيمياء، إلىجانب مؤلفاته في ***** والطلسمات وأسرار الكواكب والقرابين والأصنام وطرد الشياطين. لذلك حشره ابن النديم في زمرة المشعبذين و*****ة، ولم يصنفه في جملة العلماءوالأطباء.‏

لقدأطلق ابن النديم على ابن وحشية لقب الكسداني والنبطي، ومن الواضح أن كلمة كسداني هيتحريف كلداني، أما كون ابن وحشية نبطياً فهو أمر يحتاج إلى تفسير.‏

إنأكثر المؤرخين يعتبرون الأنباط قبائل عربية نزحت من اليمن إلى سورية. وكان منهمالبتراء وأنباط حران. وقد روى أصحاب الأخبار أن نابت أو نبط أو نبايوت هو الابنالأكبر لإسماعيل بن إبراهيم الخليل.‏

لقداستطاع الأنباط أن يؤسسوا مملكة شملت، وهي في أوج مجدها، منطقة واسعة من سورية. ضمتدمشق والبقاع والأقسام الجنوبية والشرقية من فلسطين وحوران، بالإضافة إلى بعض مدنشمال البحر الأحمر. واتخذ بعد ملوك الأنباط مدينة بصرى عاصمة لحكمهم، كما كانتمدينة غزة المرفأ المفضل لتجارتهم. وقد سقطت مملكة الأنباط على يد الإمبراطورالروماني تراجان عام (106)م.‏

يقولالدكتور جواد علي إنالأنباط عرب وإن تبرأ العرب منهم، وسبب ذلك كما يقول، لأنهم قدتثقفوا بثقافة آرامية وكتبوا بكتابتهم، وتأثروا بلغتهم، حتى غلبت الآرامية عليهم. وهم فضلاً عن ذلك خالفوا سواد العرب بانشغالهم بالزراعة وباحترافهم الحرفاليدوية...". وقد درج العرب على إطلاق اسم النبطي على كل رجل يعمل بالأرض ويستنبطالماء، ويتكلم برطانة أعجمية ممزوجة بكلمات عربية.‏

إنكتاب الفلاحة النبطية لما يزل على شكل مخطوطات قليلة، مجزأة ومبعثرة في بعض خزائنالكتب العالمية. وقد جرت محاولات عديدة لتحقيق بعض أجزائه، منذ أوائل القرن التاسععشر. ويقوم حالياً الدكتور توفيق فهد الأستاذ في كلية العلوم الإنسانية بجامعة ستراسبورغ في فرنسا بإنجاز تحقيقه وطبعه.‏

وفيمعهد التراث العلمي العربي بحلب يوجد نسخ مصورة لبعض مخطوطات كتاب الفلاحة النبطية،استطعنا بعد دراستها الإطلاع على كامل أجزاء الكتاب.‏

يقولابن وحشية، في كتاب الفلاحة النبطية، إن هذا الكتاب ألفه منذ القديم حكيم من مدينةسورا يدعى فوتامي القوفاني، معتمداً على مجموعة من قصائد وأقوال ومؤلفات لحكماء أوكهنه وأنبياء أمثال صغريت ونيبوشاد، عاشوا قبله بزمن بعيد.‏

وقدقام ابن وحشية بنقله من اللغة السريانية القديمة (الآرامية) إلى العربية عام (291ه‍ -904م)، وأملاه على تلميذه أبي طالب علي بن محمد الزيات عام (318ه‍ -930م).‏

وإذاتصفحنا كتاب الفلاحة النبطية نجده موسوعة علمية –فلسفية –دينية واجتماعية، تضممجموعة من الأخبار والأقوال الغريبة، نسبها المؤلف إلى أنبياء لم نسمع بذكرهم، أوجاءت أسماؤهم محرفة، أو غير خاضعة للتسلسل الزمني.‏

والكتاب مملوء بالكلام عن الأصنام والطلاسم وعبادة الكواكب، وغيرذلك من معتقدات صابئة حران وأهل بلاد الرافدين من بابليين وكنعانيين وغيرهم.‏

وممايلفت النظر في هذا الكتاب أن مترجمه (أو كما يقال مؤلفه) أي ابن وحشية، بالرغم منادعائه اعتناق الإسلام، إلا أنه يحن بصورة واضحة إلى أفكار ومعتقدات وتقاليد أهلهوعشيرته، من قدماء الكسدانيين الوثنيين، ويفتخر بهم وبمجدهم، وخاصة في مقدمةكتابه.‏

لقدلفت هذا الكتاب أنظار العلماء اليهود، لما فيه من أخبار تتعارض مع ما جاء في سفرالتكوين وأخبار بني إسرائيل. وكان أول من تكلم عنه، كما يقول المستشرق ارنست رينان،هو العالم والطبيب اليهودي موسى بن ميمون، في كتابه دليل الحائرين. وعنه نقل القديستوماس الاكويني وغيره من رجال الدين.‏

إنأغرب ما جاء في كتاب الفلاحة النبطية هو قصة آدمي الذي لقبه بأبي البشر. وهو الذيعلم الناس الزراعة، كما علمهم أسماء الكائنات من نبات وحيوان وجماد، وكان له كتابوصحائف جمع فيها علمه.‏

ولكنآدمي هذا لم يكن أول إنسان ظهر على وجه الأرض، فالجرامقة ليسوا من نسل آدم، بينماالكسدانيين كانوا من نسله، ولهذا تختلف لغة الجرامقة عن لغة الكسدانيين والجرامقةهم من نسل الشابرقان الأول، الذي لا يعتبر قريباً لآدمي ولا نظيراً له.‏

ويقولقوثامي أن أذوناي، الذي لقبه بمعلم البشر، كان أيضاً أقدم من آدمي. وهو الذي وضععلم الفلك وسن الشرائع. وقد أقيمت له المعابد، واعتبر إلهاً فناناً، وهو أول من نحتصورة الكرمة.‏

وإلىجانب هؤلاء الأنبياء أو الحكماء البابليين ورد أسماء بعض النظراء لهم منالكنعانيين، أمثال أنوحا وطامثري وصردانا. وقد سعى بعضهم إلى نشر فكرة التوحيد بينعبدة الأوثان، كما فعل ينبوشاد، قبل إبراهيم الخليل، ومن جاء من بعده من أنبياء بنيإسرائيل، ولم يرد أي ذكر للسيد المسيح.‏

رأيالباحثين والمستشرقين في كتاب الفلاحة النبطية:‏

يضمهذا الكتاب ما يقرب من 600 –700 ورقة من القطع الكبير. وإذا أحصينا عدد الصفحاتالتي تحوي دراسات دينية وفلسفية وتاريخية واجتماعية، نجدها لا تتجاوز الخمسين صفحة. وتشمل هذه الدراسات العلاقات الاجتماعية بين المزارعين والملاكين، وأسباب انتشارعبادة الكواكب بين الأكرة، وصلة هذه الكواكب وتأثيرها بالإنسان والحيوان والنبات. وفيها أيضاً تسجيل لبعض المجادلات التي حصلت بين اتباع مذاهب وثنيه ثلاث، كانتمنتشرة في بلاد الرافدين في القرون الأولى للميلاد، وهي الكوكانيه والشيثيةوالماسويه. وإذا استثنينا بعض الأبحاث التي يتكلم فيها مؤلف هذا الكتاب عن تحضيرالطلاسم وتأثيرها في دفع المضار عن النباتات، واستثنينا كذلك الطرق العجيبة التييلجأ إليها لتخليق نباتات جديدة، فإننا نجد أمامنا كتاباً يضم أبحاثاً هامة تتعلقفي صفات عدد كبير من النباتات الغذائية والحراجية والطبية والتزينية، مع طرقزراعتها والعناية بها والاستفادة منها ودفع الآفات عنا.‏

إنأول من قام بدراسة كتاب الفلاحة النبطية دراسة علمية كان العالم الفرنسي Quatremére. وقد قدم بحثاً فيه نشر بالمجلة الآسيوية عام 1835م. ولكن دراسته جاءتناقصة، لأنه اعتمد فيها فقط على مخطوطة واحدة موجودة في المكتبة الوطنية بباريس،رقمها (913). وهي نسخة لا تحوي سوى ثلثي الكتاب الأصلي (الجزء الثاني والثالث). وعلى كل فقد اعتبره كتاباً أصيلاً، ويعود تاريخ بعض ما جاء فيه إلى عصر نابوخذ نصر،أي في القرن السادس قبل الميلاد.‏

إلاأن العالم الألماني M. Meyer، أستاذ علم النبات في جامعة كونغسبرغ نشر بحثاً عام 1856م رفض فيه هذا التاريخ بالاستناد إلى المعطيات العلمية النباتية التي جاءت فيه. وقال إن كثيراً من النباتات الواردة في هذا الكتاب من أصل يوناني، يضاف إلى ذلك أنالمعلومات الفلكية الموجودة فيه تعود إلى العصر الروماني. ولهذا كله يقول الأستاذماير إن تاريخ تأليف كتاب الفلاحة النبطية لا يعود لأبعد من القرن الأول للميلاد.‏

استطاع بعد ذلك العالم Chwolsonأن يطلع على جميع النسخ المخطوطة، منكتاب الفلاحة النبطية، والموجودة في خزائن الكتب بأوربا. وبعد أن قام بدراستهاودراسة مذهب الصابئة الحرانيين، تقدم ببحث إلى أكاديمية مدينة سانت بطرسبرغ، نشرعام 1859م.‏

وخلاصة بحثه ما يلي:‏

1-إنقوثامى الكوكاني هو المؤلف الوحيد لهذه الموسوعة، وليس كما قيل إنها كتبت من قبلمؤلفين مختلفين، وخلال فترات زمنية متباعدة.‏

2-أماتاريخ التأليف فيعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد.‏

لقدظهر قوثامى الكوكاني، حسب رأي العالم شولسون، بعد قرن أو قرنين من اجتياحالكنعانيين لبلاد الرافدين، أي حوالي القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وبما أن قوثامىقام بجمع المواضيع الواردة في كتابه من مؤلفات حكماء ظهروا قبله بزمن طويل، لذلكفإن كتاب الفلاحة النبطية هو أقدم من أي كتاب يوناني أو روماني مشابه له. يضاف إلىذلك أن قوثامي لم يكن يعرف شيئاً عن السلوقيين والبارثيين وظهور الدينين اليهوديوالمسيحي.‏

قامبعد ذلك المستشرق الفرنسي ارنست رينان بدراسة تاريخية ودينية لكتاب الفلاحة النبطيةعام 1861م. وبعد أن عدد أفكار من سبقه في هذا البحث، ناقش كلاً منها على حدة،واستنتج أن كثيراً من أسماء الأنبياء، الواردة في هذا الكتاب مستمدة من كتاب العهدالقديم. ولكنه لم يتعرض لشخصية أذوناي وصغريت ونيبوشاد وصروانا وغيرهم منالكنعانيين. ولعل أذوناي، الذي أقيمت له المعابد، واعتبر إلهاً فناناً، وأول من نحتصورة الكرمة، هو ديونيسوس، إله الكرمة والخمر عند اليونانيين، أو باخوس عندالرومان، فيما بعد.‏

عالجرينان بعض النواحي العلمية، الموجودة في كتاب ابن وحشية، بصورة سطحية وسريعة، فأشارإلى أن تصنيف النباتات، وجميع الكائنات، وبالاستناد إلى طبائعها الأربع، مقتبس منأفكار الفلاسفة اليونان، والتي كانت معروفة منذ زمن تيوفراست. واستنتج رينان أخيراًأن كتاب الفلاحة النبطية لا يتعدى تاريخ تأليفه القرن الأول للميلاد، وأن أصولهيهودية ويونانية –ثم اعتبره نموذجاً للكتب المزورة والمنحولة، والتي ظهرت خلالالقرنين الثاني والثالث للميلاد.‏

رأيابن خلدون في كتاب الفلاحة النبطية:‏

يقولابن خلدون في مقدمته "الفلاحة هي النظر في النبات، من حيث تنميته ونشؤه، بالسقيوالعلاج، وتعهده بمثل ذلك. وكان للمتقدمين به عناية كثيرة، وكان النظر فيها عندهمعاماً في النبات، من جهة غرسه وتنميته، ومن جهة خواصه، وروحانياته، ومشاكلته********ات الكواكب والهياكل. والمستعمل ذلك كله في باب *****، فعظمت عنايتهم بهلأجل ذلك.‏

لقدوجد ابن خلدون في كتاب الفلاحة النبطية مزيجاً من علم وسحر فقال "ولكن لما نظر أهلالملة فيما اشتمل عليه هذا الكتاب، وكان باب ***** مسدوداً، والنظر فيه محظوراً،فاقتصروا منه على الكلام في النبات، من جهة غرسه وعلاجه، وما يعرض له في ذلك. وحذفوا الكلام في الفن الآخر منه جملة".‏

ثمتابع ابن خلدون كلامه فقال "إن ابن العوام قد اختصر هذا الكتاب، واكتفى منه بالقسمالخالي من *****، وبقي الفن الآخر مغفلاً حتى جاء مسلمة المجريطي، فنقل منه في كتبه*****ية أمهات من مسائله".‏

الأبواب التي يتألف منها كتاب الفلاحة النبطية:‏

يتألفهذا الكتاب من مقدمة ومجموعة من الأبواب، مقسمة إلى ثلاثة أقسام، ويمكن تلخيصهافيما يلي:‏

المقدمة:‏

لقدوجه ابن وحشية كلامه في مقدمته إلى ابنه، فبين له السبب الذي دعاه إلى نشر كتابهوهو إيصال علوم قومه، وهم الأنباط الكسدانيون القدماء، إلى الناس وبثها فيهم،ليعرفوا مقدار عقولهم وإدراكهم لعلوم نافعة وغامضة، عجز غيرهم من الأمم عناستنباطها.‏

ولتحقيق ذلك اجتهد ابن وحشية في طلب كتب الكسدانيين، فوجد بعضهامحفوظاً عند جماعة من بقاياهم، وهم في غاية الكتمان والإخفاء لها، والجزع منإظهارها. علماً بأن أفراد تلك الجماعة كانوا يجهلون ما في تلك الكتب من علوم، وكانحرصهم على إخفائها لأن أسلافهم أوصوهم بكتمانها، حتى لا يطلع الناس على تعاليمدينهم وشريعتهم وعلومهم.‏

ويقولابن وحشية أنه يخالف بني قومه في كتمان العلوم، لكنه يوافقهم في كتمان الشريعةوتعاليم الدين. وهكذا قام ببذل المال للوصول إلى بعض تلك المؤلفات، وكان أول مانقله إلى العربية هو كتاب أذوناي البابلي، في أسرار الفلك والأحكام على الحوادث، منحركات النجوم. ثم قام بعد ذلك بنقل كتاب الفلاحة وغيره من مؤلفات قومه الكسدانيين.‏

يتألفكتاب الفلاحة النبطية من ثلاثة عشر باباً ذكر فيها ما يلي:‏

البابالأول: تكلم فيه المؤلف عن شجرة الزيتون، وعن صفاتها، والطرق المستعملة في تغييرأوصاف ثمرتها، عن طريق الإنشاب والتركيب. ويقول ابن وحشية إنني بدأت بذكر شجرةالزيتون لعلة بقائها، فإنها أبقى النبات كله فيما يلينا، فلذلك أضافها قدماؤنا إلىزحل، وقوم أضافوها مع زحل إلى الشعرى اليمانية...‏

البابالثاني: وفيه بحث يتعلق بعلم المياه: البحث عنها –حفر الآبار وزيادة غزارتها –تحسينطعم الماء ونقله.‏

البابالثالث: يشمل دراسة لبعض النباتات ذات الأزهار العطرية، وعددها أحد عشر نباتاً.‏

البابالرابع: وفيه أبحاث عن بعض الشجيرات الطبية أو التزينية العطرية أو الغذائية،وعددها ثلاثة وعشرون نباتاً.‏

البابالخامس: هو يضم المعلومات التي يحتاج إليها كل مزارع في حقله أو مزرعته، وتشملالعلاقات الزراعية –التنبؤ بأحوال الجو وعلامات المطر –معرفة ما يصلح من الزرع لكلنوع من الأراضي –زمن الزرع –دراسة فيزيائية لطبيعة الأراضي –إصلاح الأراضي بأنواعالدبال –استئصال الأعشاب الضارة.‏

البابالسادس: تكلم فيه عن مجموعتين من النباتات:‏

آ)مجموعة الحبوب والقطاني وتضم حوالي ثلاثين نوعاً.‏

ب)مجموعة النباتات ذوات البذور الزيتية وأهمها: القنب –القطنالكتان –السمسم –اللوطس –السيسبان –الخشخاش.‏

البابالسابع والتاسع: وفيهما دراسة لمجموعة من الخضار والفطور، وغيرهما من النباتاتالمستعملة في تحضير الطعام، ويبلغ عددها (70) نباتاً.‏

البابالثامن: عالج فيه المؤلف مجموعة الأبحاث الغريبة والهامة بالنسبة لتاريخ العلوم. وهي دراسات نظرية تأملية أكثر منها عملية تجريبية نذكر منها:‏

-تولدالنباتات واختلاف أشكالها وأسبابها –تولد الروائح والطعوم والألوان في النباتاتوأسبابها.‏

-مقارنة بين خصائص الحيوان والنبات والجماد –ظهور الأوراق والثماروتشكل الأشواك.‏

-الصموغ المواد الراتنجية، وتحول النسغ إلى عصارة لبنية –تأثيرالكواكب في إعطاء الثمار أشكالاً كروية.‏

البابالعاشر: تكلم فيه المؤلف عن شجرة الكرمة، واعتبرها خاضعة لتأثير كوكبين هما المشتريوالزهرة.‏

وبحثفي هذا الباب عن الطرق المختلفة لتكاثر الكرمة، والزمن المناسب لزرعها، واستعمالالمرايا العاكسة لتسخينها ودفع أذى البرد عنها –كما تكلم عن الأمراض التي تصيبهاومعالجتها –وأنهى بحثه بالكلام عن فوائدها الدوائية وتحضير الأدوية الترياقية منعنبها –وفي هذا الباب ينتهي القسم الثاني من الكتاب.‏

البابالحادي عشر: يضم هذا الباب دراسة لعدد كبير من الأشجار، يبلغ ثمانين نوعاً، ثلثهاطبي وثلثها مثمر والباقي نباتات ذات فائدة صناعية أو تستعمل للحرق. وذكر المؤلف فيهذا الباب أشكالاً مختلفة للتطعيم (التركيب) كما استخدم طرقاً سحرية لتحويل نوع منالنبات إلى نوع آخر. كما استخدم المرايا العاكسة لأشعة الشمس للحصول على أزهار أشدرائحة وثمار أكثر عصيراً.‏

البابالثاني عشر: خصصه المؤلف للكلام عما كان يسمى عند الأقدمين بالفن العظيم Ars magna،وهو يشمل الأمور الآتية:‏

آ)الأسباب التي تؤدي لنمو النباتات بصورة عفوية.‏

ب)الحصول على كائنات جديدة بطرق التعفين.‏

ج‍)إمكانية تحول أفراد من إحدى الممالك الثلاث، الحيوانية والنباتيةوالمعدنية، إلى أفراد من مملكة أخرى، وقد جاء المؤلف بعدة أمثلة منها أن عنكبوتاًالساحر قد توصل إلى خلق إنسان وعنزة بيضاء، لكنه لم يستطع أن يمنحهما النطقوالمحاكمة والقدرة على هضم الأغذية.‏

البابالثالث عشر: تكلم فيه عن شجرة النخل، من حيث زراعتها، ونقل فسائلها، ومعالجتها منالأمراض التي تصاب بها، وفضل شجرة النخل على بقية الأشجار، وفوائد ثمرها.‏

لقدجرت العادة في كتب الفلاحة اليونانية أن تخصص الأبواب الأخيرة منها للكلام عن تربيةالنحل والحيوانات والطيور والدواجن. أما مؤلف كتاب الفلاحة النبطية فقد بين الأسبابالتي دعته لإهمال تربية النحل، لأنه عمل لا يزاوله سكان بلاده. أما تربية الأبقاروالأغنام وغيرها من الحيوانات فقد وضع لها كتاباً خاصاً بها، كما قال.‏

المميزات الخاصة والأفكار الأصيلة في كتاب الفلاحة النبطية:‏

يعتبرهذا الكتاب خلاصة ما توصل إليه الشعوب السامية، وخاصة فلسطين وسورية وبلادالرافدين، من خبرة وعلم في نطاق استثمار الأرض وإصلاحها ودفع الآفات الزراعية عنها. كما يمتاز عن الكتب اليونانية المتطورة، والتي ظهرت بعده، باحتوائه على كثير منالأفكار الدينية التي كانت تضطرم في تلك البلاد، ممزوجة ب***** والشعوذة واستعمالالطلاسم. وهي أمور اشتهرت بها بلاد بابل منذ أقدم العصور.‏

وسنورد فيما يلي بعض الأفكار الهامة، الغريبة، والموجودة، في كتابالفلاحة النبطية:‏

آ)إنآدم (أو آدمي كما ورد في الكتاب)، هو إنسان متحضر، لأنه كان عالماً بصفات وأسماءالكائنات، أنزل عليه كتاب وصحف، لذلك دعي بأبي البشر. وقد عاش في العصر الحديدي،لأنه استعمل أدوات من هذا المعدن.‏

ب)لقدسبق آدم إلى الوجود أنبياء آخرون، أشهرهم كاماش النهري وذواناي، ولكل منهما كتاب فيالكرمة، وآدم زاد الناس علماً بإفلاحها.‏

ج‍)كان شيث (أو أشيثا) ابن آدم، مستهاباً، وله أتباع متطرفون يتقيالناس شرهم. وهم يشكلون إحدى فئات دينية ثلاث كانت تتصارع على السلطة في أرض بابل،وهم: الشيثيون (أصحاب شيث) –والماساويون (أصحاب ماسي السوراني) –والكوكانيون، وكانقوثامي، المؤلف الأخير لكتاب الفلاحة النبطية، من أصحاب هذه الطائفة.‏

كانالصراع بين هذه الفئات مبنياً على أسس أيديولوجية، فالمتنبؤون (أي الأنبياءوأشياعهم) يؤمنون بالمعجزات والخوارق، ويمثلهم الشيثيون. أما الفئة الأخرى فكانوامن الفلاسفة الذين يقولون بالاتفاقات الدائمة (أي هنالك قوانين طبيعية وثابتة)،وهؤلاء هم الكنعانيون والكسدانيون. وبما أن مؤلف الكتاب كان من الكسدانيين لذلك كانيظهر الخوف من التصريح بآرائه.‏

إلاأن هذا المؤلف يناقض نفسه أحيانا، بما يتعلق ب***** و*****ة، فهو تارة يعملبنصائحهم ويؤمن بتجاربهم، وتارة نراه يتبرأ منهم. وقد امتزجت آراء المترجم بآراءالمؤلف في بعض الأحيان بحيث يصعب التمييز بينهما.‏

د)يقول ابن وحشية في مقدمة كتابه أن صغريب (أو شجريط) كان صاحبضياع، وهو عالم وشاعر رمزي، يقول قصائد يصعب فهمها، وهو يعتبر المؤلف الأولللكتاب.‏

وقدقام بتصنيف النباتات بحسب الكواكب التي تخضع لها، وقد اتبعه قوثامي (المؤلف الثالث) في ذلك التصنيف، وقال بأن للكواكب طبائع كبقية الكائنات.‏

ه‍)أما المؤلف الثاني لكتاب الفلاحة النبطية فهو نيبوشاد، كانزاهداً، جيد الفكر، ينظر إليه كنبي، وكان وثنياً وعاش قبل إبراهيم. وحينما ماتنيبوشاد صار الناس ينوحون عليه في أوقات معينة من كل سنة، تماماً كما صاروا يفعلونبعد موت تموز (دموزي) وجرجيس. علماً بأن الأول هو أدونيس عند الفينيقيين، والثانيهو القديس المسيحي المعروف.‏

و)كانأنوحا (وهو أخنوخ عند العبرانيين، وإدريس عند العرب المسلمين) موحِّداً، يقطن جنوببلاد الشام. وكان أحذق من طامثري الكنعاني بتربية الكرمة، علماً بأن الأخير كان منعبدة الكواكب.‏

ز)كانبين ماسي السوراني وطامثري الكنعاني مودة ومراسلة، وكان كل منهما يفتخر بقومه ومناخونباتات بلده، ويطعن بقوم وبلد الآخر.‏

ح‍)لقد صرح ابن وحشية أن قومه الكسدانيين، وهم من الصائبة، الذينكانوا يقدسون، الكواكب السبع، وخاصة الشمس والقمر. ويقول أن هنالك فئة من الناستدعي أن الكواكب تكلمهم، وأن الأصنام تجيبهم. وبالرغم من أن ابن وحشية يدعي الإسلامإلا أنه يقول بأن الأصنام تجيب من يسألها، أما الكواكب فلا تكلم البشر. ويقول أنالسبب في عبادة قومه للكواكب وخاصة الشمس والقمر، لأنهم من الأكرة الذين يخدمونالأرض.‏

إنهذه المعلومات المتعلقة بالأنبياء و*****ة والكهنة والفلاسفة، وعلاقتهم بعلمالفلاحة، جعلت المستشرقين، أمثال رينان وغيره، يهتمون بالدرجة الأولى بتاريخ كتابةالفلاحة النبطية. وبما أن الباحثين جميعهم من اليهود أو المسيحيين الغربيين، لذلكسعوا للمقارنة، ولإيجاد الصلة، بين ما جاء في كتبهم المقدسة، ومؤلفات اليونانوالرومان وبين ما جاء في كتاب ابن وحشية. وكانت آراؤهم متضاربة جداً كما ذكرناسابقاً.‏

ممالا شك فيه أن كتاب الفلاحة النبطية هو كتاب مترجم من السريانية، جمعت فيه معلوماتوردت في مؤلفات قديمة، ذكر أسماء بعضها ابن النديم في كتاب الفهرست.‏

وهيمن مخلفات أقوام شتى قطنوا بلاد الرافدين وأرض الشام ومصر.‏

وقداختلطت أفكارهم بنظريات وأفكار يونانية ورومانية وفارسية، بحيث أصبح من المتعذرتحديد التاريخ الصحيح لتأليف كتاب الفلاحة النبطية.‏

لقدكانت العداوة متأصلة بين سكان بابل، من كنعانيين وآشوريين وكلدانيين وأنباط، وبيناليهود. لهذا لم يأت ابن وحشية على ذكر اليهود في كتابه. أما المسيحيون فقد وردذكرهم، تلميحاً لا تصريحاً، عند الكلام عن القديس جرجيس، وكذلك عند الكلام عنالبرهان والزهاد، الذي كانوا يلبسون المسوح، ويلجؤون إلى الصوامع، أو يجوبونالبلاد، دون أن يقوموا بعمل ممتج. وينطبق هذا القول على زهاد النبط والهنودوالنصارى والمسلمين المتصوفين.‏

ط)ممالا شك فيه أن مؤلف كتاب الفلاحة النبطية كان متأثراً بأفكار الفلاسفة والأطباءاليونان، فقد أعاد قول أبقراط العلم أساسه القياس والتجربة. واعتنق نظرية الكونوالفساد التي تكلم عنها أرسطو. كما تكلم عن الاستعمالات الطبية المختلفة لعدد كبيرمن النباتات. وعدد أسماء بعض الأمراض التي يصاب بها البشر وقارنها مع أمراضالنبات.‏

لقداعتبر الشجرة إنساناً مقلوباً، رأسه في التراب وأطرافه في الجو. وقال بأن الأشجار،كبقية الكائنات، تتمتع بالحركة والنمو والزيادة. وهي ذات نفس وشعور، تتألم وتخاف،تبكي وتتكلم، تغضب وترضى.‏

والنباتات ذات مزاج، فهي إما أن تقبل مجاورة نباتات أخرى لها، فيقالبأنها متحابة، أو تؤذيها مجاورة بعض النباتات فيقال بأنها متنافرة أو متباغضة.‏

تصنيفأمراض النباتات:‏

قلنابأن النباتات تصاب بآفات تشبه بأسبابها وأعراضها ومداواتها ما يصاب به الإنسان. ويقسم صاحب كتاب الفلاحة النبطية أسباب هذه الأمراض إلى ثلاثة أقسام: نجومي –طبيعي- فنوي. ثم يقول:‏

-وأماالموت الفنوي (أي المرضي) فهو أكثر الأسباب وجوداً وسعياً. فمنه ما يعرض من العطش،ومنه ما ينشأ من شدة الحر أو البرد، أو من كثرة الرطوبة الناجمة عن المطر والسقي،وهو ما يعبر عنه بالسيل.‏

-والموت الطبيعي هو الذي ينتج عن الجفاف الذي يصاب به النبات بتأثيرالهرم، وبلوغ الغاية المقصودة للطبيعة.‏

أماآفة النجوم فهي تنزل بكل نبات، كبيره وصغيره، وتقسم إلى ضربين:‏

آ)ضربعام يصيب النخل والشجر والكروم وما أشبهها، وهو أن يموت أحدها فجأة، وتزول طراوتهوخضرته، ثم يزداد جفافاً حتى يصير حطباً، فهذا كموت الفجأة للإنسان.‏

ب)وضرب يصيب الكروم بصورة خاصة، فيتغير لون أوراقها، ويصبح أحمر أوبلون قشر البصل.. وتسوُّد أعوادها أو يضرب لونها إلى الزرقة، وتذبل أغصانها الغضة.‏

تأثيرالكواكب في حياة النبات:‏

منالمعلوم أن سكان بلاد الرافدين، بما فيهم الصابئة وهم من بقايا الكلدانيين، قدعبدوا الكواكب السبعة، لما لها من تأثير في حياة الكائنات. ويبين صاحب كتاب الفلاحةالنبطية ذلك فيقول:‏

"ولولا إسخان الشمس لنا ولغيرنا لبطل كل متحرك عن الحركة، وكل حي عنالحياة.‏

وكلشيء على وجه الأرض فهو متحرك لا يمكنه السكون على وجهه البتة، لأن الفلك يتحركفوقه، وجميع ما فيه من الكواكب، إذ حركتها دائمة بما فيها.‏

وتحركات النيرين (أي الشمس والقمر)، والكواكب على الأرض، دائماًينبعث منها بشعاعاتها، حسب قوتها ومرتفعها، وبحسب قربها وبعدها في مداراتهاوتسامُتها، لموضع من الأرض دون موضع، فتتكون الأكوان عنها. وباختلاف هذه الحركات،واختلاف ما ينبعث منها إلى الأرض، بوقوع شعاعها، فإنها عليها يختلف إصلاحاتهاوإفساداتها".‏

لقداعتقد قدماء الكلدانيين أن لكسوف الشمس والقمر تأثيرات عظيمة في أحوال النبات،وقالوا "إن كسوفات الكواكب بعضها لبعض يشبه تأثير كسوفي النيرين. فمثلاً يحدث فيالكروم آفة عقب كسوف المريخ للمشتري. وهذه الآفة إذا تغوفل عن علاج الكرم منهاماتت".‏

ولتعليل حدوث اليرقان (الصدأ) في ورق الحنطة يقول صاحب كتاب الفلاحةالنبطية: "إن زيارة ضوء القمر يمكن أن تحدث في الهواء زيادة حرارة ورطوبة محرقة،ناجمة عن ضوء الشمس الذي ينعكس على سطح القمر، فيجعل الهواء يسخن سخونة تشوبهاالرطوبة فيعفن. ويحدث من ذلك يرقان يضر بالحنطة ضرراً هو أشد وأكثر من ضررهبالكروم".‏

لقدامتزج في هذا الكتاب علم التنجيم البابلي، مع علم الفلك اليوناني –المصري. واعتبرتالكواكب، كبقية الكائنات الحية، ذات طبائع، ولها جنس. فالشمس ذكر حار نهاري، أماالقمر فأنثى بارد –رطب ليلي، وكلاهما مطلعه سعد. فالشمس والقمر هما النيِّراناللذان يمدان الكون بالضياء والحرارة. ويحرضان على النشوء والنمو. والشمس بحركتهاالانتقالية تحدث التغير الكائن في أحوال وطبائع جميع الكائنات.‏

والتغير الحادث عن الشمس إنما هو تغير في العناصر الأربعة، وفيالأجسام المركبة منها (حيوانات –نباتات –معدنيات). أما بالنسبة للنبات فهي تحوله منشدة إلى لين، ومن لين إلى شدة، ومن صغر إلى كبر، ومن رطوبة إلى يبس، ومن حرّ إلىبرد، ومن برد إلى حرّ، ومن مرارة إلى حلاوة، ومن حلاوة إلى مرارة، ومن اختلافات فيالطعوم والطبائع والأفعال والحجوم والصور. يضاف إلى ذلك أن التدوير هو الغالب علىصور جميع (ثمار) النباتات، لأن الشمس كروي الشكل، فالمفعول شبيه بالفاعل.‏

-والمشتري وزحل كلاهما ذكر، إلا أن الأول حار يابس نهاري، ومطلعهسعد. والثاني، أي زحل، بارد يابس نهاري، ومطلعه نحس.‏

-والمريخ والزهرة كلاهما أنثى، إلا أن الأول حار يابس ليلي ومطلعهنحس، والزهرة باردة رطبة ليلية، ومطلعها سعد.‏

تصنيفالكائنات بحسب الكواكب التي تشبهها بطبائعها:‏

يقولمؤلف كتاب الفلاحة النبطية:‏

"اعلموا أن كل حيوان أسود اللون فهو لزحل، وكل حجر كذلك فهو له، وكلنبات أسود رزين فهو له" وبما أن شجرة الزيتون قد اجتمع في ثمرتها السواد وفي خشبهاالرزانة، لذلك فهي لزحل.‏

وقديشترك كوكبان في التأثير على صفات نبات معين، فمثلاً يقول صغريت "لقد اشترك فيالبطيخ القمر والمريخ، ففرط رطوبته واسترخاؤه وسرعة سيلانه من القمر. وحدته التيفيه والجرد والتحليل والتنفيذ من المريخ" ثم يقول "وكذلك كل نبات وحيوان ومعدني،إنما أفعالها وطبعها ولونها وطعمها وخاصيتها حادثة من التركيب والامتزاج، وتركيبالعناصر وامتزاجها كائن عن تركيب الكواكب".‏

مماسق يتبين لنا أن كتاب الفلاحة النبطية قد ترجم من اللغة السريانية القديمة (الآرامية) إلى اللغة العربية في نهاية القرن الثالث الهجري. وهو كتاب جمع منمؤلفات ظهرت في بلاد الرافدين، والبلاد المجاورة لها، خلال فترات زمنية متباعدة. ويضم إلى جانب ذلك كثيراً من العقائد والتقاليد الاجتماعية والتقنيات الزراعية، مماكا منتشراً في تلك البلاد.‏

وتبينلنا أيضاً أن مؤلفه كان من الصابئة الحرانيين، عبدة الكواكب، وكذلك مترجمه، وإن كانيدعي الإسلام. ووجدنا في هذا الكتاب أفكاراً مقتبسة من ديانات مختلفة، فهو ينصحبحرق جثث الموتى كالهنود، أو ينصح بدفنهم في جرار مسدودة، كما كان يفعل الكنعانيون. ومؤلف هذا الكتاب يهزأ بأصحاب الزهد والتصوف ويفتخر ببني قومه الكلدانيين، الذينيعملون بالأرض. علماً بأن أول من دعا إلى الزهد والعبادة واستقبال الشمس، بالركوعوالسجود، كانوا أتباع ماني، الذي ظهر في بلاد فارس في القرن الثالث للميلاد.‏

وبعدانتشار المسيحية ظهر في مدينة الاسكندرية مذهب فلسفي ديني، عرف بالأفلاطونيةالحديثة، وكان أصحاب هذا المذهب يميلون إلى البحث والتفكير العقلي المجرد، علىطريقة فلاسفة اليونان، ثم انغمسوا في الدين والتصوف، فقادهم تفكيرهم إلى مناقضة بعضالتعاليم المسيحية، وقد شاع بينهم ***** والشعوذة والتنجيم، وصنع الطلاسم وممارسةالصنعة (السيمياء). وظهر أثناء ذلك مجموعة من المؤلفات، في بلاد الشرقين الأوسطوالأدنى، تحوي أبحاثاً من تلك العلوم الخفية، بعضها منسوب لأبرقلس أو بليناس،وأكثرها لهرمس. وهذا ما دعا العالم آرنست رينان إلى اعتبار كتاب الفلاحة النبطيةنموذجاً من تلك المؤلفات.‏

3-كتبالفلاحة العربية:‏

ظهرتفي البلاد العربية والإسلامية بعد انتشار الدعوة، نهضة زراعية كان من أهم أسبابهاتشجيع الرسول ( على الزرع والغرس. فمن أقواله الشريفة:‏

-منأحيا أرضاً ميتة لم تكن لأحد قبله فهي له..‏

-منأحيا أرضاً ميتة فله أجر فيها، وما أكلت العافية فهو له صدقة...‏

-منزرع أو غرس غرساً فأكل منه إنسان أو سبع أو طير فهو له صدقة.‏

كانتطرق الزراعة والري في جنوب الجزيرة العربية وعلى أطرافها متقدمة منذ زمن مملكة سبأوبابل وفراعنة مصر.‏

وكانهنالك كثير من الأراضي الخصبة والمهملة، والتي تحتاج إلى اليد العاملة لإحيائهاواستثمارها. ولكن نظراً لاضطرار المجاهدين العرب في صدر الإسلام إلى متابعة الجهاد،لتثبيت دعائم الفتوحات، فقد منع الخلفاء الراشدون في أول الأمر استقرار القبائلوعملهم في خدمة الأرض. أما في العصرين الأموي والعباسي فقد تسابق الأمراء والولاةوالأغنياء إلى امتلاك الضياع والأحواز، لما كانت تدره عليهم من خيرات، ولما كانتتكسبهم من السلطة والنفوذ.‏

لقداهتم الأمويون بتعميم الري وإصلاح الأراضي وبناء الجسور. وكان زياد بن أبيه يقطعالرجل قطعة من الأرض، ثم يدعه عامين، فإن عمرها أصبحت له وإلا استردها منه" وكذلكفعل من جاء بعده من ولاة العراق والشام.‏

وفيزمن المنصور نُظِّم الري على أطراف الفرات، بشق الجداول والترع، ووصلت بالأقنيةوالأنهار المتفرعة من نهر الدجلة، فتألفت شبكة من المياه أمكن بواسطتها إرواء جميعالأراضي الممتدة بين الصحراء العربية وجبال كردستان، وتحويلها إلى أرض نضرة...".‏

مماسبق يتبين لنا أن الفلاحة في البلاد الواقعة شرق العالم العربي كانت مزدهرة، وأن ماورد في كتب الفلاحة النبطية واليونانية إنما يعبر عن الطرق والأفكار الزراعية التيكانت سائدة في بلاد الهلال الخصيب، لذلك فليس من المستغرب أن كتاب الفلاحة (لآنطوليوس البيروتي) قد ترجم زمن الرشيد (عام 179ه‍)، كما ترجم كتاب ابن وحشية زمنالمسكتفي بالله العباسي (عام 291ه‍)، إلا أنه لم يشع استعمالهما وينتشر ذكرهماوتكثر نسخهما في شرق العالم العربي كما انتشر في مغربه. حتى إن ابن النديم، فيكتابه الفهرست الذي ألفه عام (377ه‍) لم يذكر كتاب قسطوس في الفلاحة الرومية، وكذلكلم يفعل القفطي، المتوفى (عام 646ه‍).‏

أماصاحب كشف الظنون فيقول بأن كتاب الفلاحة الرومية نقل إلى العربية من قبل عدةمترجمين وهم: قسطا بن لوقا –واسطاث الراهب –وأبو زكريا يحيى بن عدي –وسرجيس بنهليا، علماً بأن الأول عاش في القرن التاسع للميلاد وعاش الأخير في القرن الحاديعشر منه وليس لدينا إلا ترجمة سرجيس. وإذا كان كتاب الفلاحة النبطية قد اعتبر منقبل ابن النديم كتاب سحر وشعوذة وطلاسم، فأهمل ذكره ولم ينتشر في المشرق العربي إلاأنه ذاع وانتشر واعتمد كتاباً علمياً في بلاد الأندلس.‏

المؤلفات العربية في علم الفلاحة الأندلسية:‏

لمتدم الخلافة الأموية في الأندلس أكثر من مائة وعشرين عاماً تقريباً (929 –1031م). ولكن على الرغم من قصر هذه المدة فقد استطاع الخليفة عبد الرحمن الناصر، ومن بعدهابنه الحكم المستنصر، وحفيده هشام المؤيد، أن يتداركوا التفاوت الحضاري والعلميالذي كان بين مشرق العالم العربي ومغربه.‏

لقدتم في هذا العصر كثير من الإنجازات العسكرية والعمرانية، وأرسلت البعثات العلميةإلى بغداد ودمشق والقاهرة، و***ت أمهات الكتب العربية، المترجمة والأصيلة، فامتلأتخزائن الكتب العامة والخاصة بها. وكان من جملة المؤلفات التي وصلت إلى الأندلس فيذلك الحين كتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية، والرومية لديمقراطيس وقسطوس، إلى جانبكتاب الأعشاب لديوسقوريدس.‏

ظهرفي الأندلس، اثر ذلك، عدد كبير من الباحثين المهتمين بالعلوم الدينية والطبيعيةوالرياضية والفلسفية. وتشكلت عدة مدارس أولها مدرسة العلوم الطبيعية والرياضيةوالفلكية، وكان على رأسها أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي، صاحب كتاب غايةالحكيم، والمتوفى عام (398ه‍ -1008م).‏

والمدرسة الثانية اهتمت بالعقاقير والنباتات الطبية، وكان على رأسهاأبو داود سليمان بن حسان، المعروف بابن جلجل، المتوفى حوالي عام (385ه‍ -995م) ولهمن المؤلفات: مقالة في ذكر الأدوية التي لم يذكرها ديسقوريدس –كتاب في تفسير أسماءالأدوية المفردة من كتاب ديسقوريدس –مقالة في أدوية الترياق.‏

إلاأن هذه النهضة العلمية والعمرانية لم تبدأ أزهارها بالتفتح حتى سقطت الخلافةالأموية عام (422ه‍ -1031م) بنتيجة المنازعات الداخلية. فزالت هيبة الحكم، وتحولتالأندلس إلى دول طوائف متنازعة، بلغ عددها عشراً وأكثر أحياناً.‏

تنافسملوك الطوائف على بناء القصور، وإحاطتها بالجنات والبساتين المشتملة على أنواعالأزهار والأشجار المثمرة وأنواع الخضار. وأطلقوا على أنفسهم ألقاب الخلافة، فكانمنهم المعتضد والمأمون والمستعين والمقتدر. وقربوا إليهم الأطباء ورجال العلموالأدب وتحاشوا الفلاسفة والطبيعيين.‏

لميظهر في عصر الخلافة كتاب مشهور في علم الفلاحة، ولكن يمكن الإشارة إلى كتاب (أوقاتالسنة)، وهو تقديم زراعي ألفه الطبيب عريب بن سعيد القرطبي (ت 370ه‍ -980م)، وهويعطي فكرة عن تنظيم الحياة الزراعية، وعن المراعي والأنواء، وما يمكن إنتاجه خلالفصول السنة من موارد زراعية.‏

كانتطليطلة إحدى الممالك التي ازدهرت بعد سقوط الخلافة. ومن أشهر ملوكها يحيى بنالمأمون بن ذي النون (ت 429ه‍ -1037م). لقد نشأ حول قصره حديقة تشرف على نهر تاجه،وكان يرعى تلك الحديقة الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن وافد اللخمي، الذياشتهر بوضع بعض المؤلفات الطبية وخاصة بعلم العقاقير. وقد عثر الدكتور خوسيه ماريابيكروسا، الأستاذ في جامعة برشلونة عام 1943، على مخطوط دون باللغة الإسبانية،محفوظ بالمكتبة الوطنية بمدريد، وهو يضم كتابين في علم الفلاحة، منقولين عن اللغةالعربية، أحدهما لابن وافد، والثاني لعالم طليطلي آخر يدعى أبا عبد الله محمد بنإبراهيم بن بصال.‏

وبماأن الأصل العربي للكتابين لم يكن معروفاً لذلك فقد ظلا مجهولين عند أكثر الباحثين.‏

وفيعام 1945م نشر الأستاذ غارسيا غومز مقالاً في مجلة الأندلس، أعلن فيه أنه عثر علىالنص العربي لكتاب ابن وافد، إلا أن المخطوط كان مضطرب الترتيب ومملوءاً بالأخطاء.‏

وبعدذلك ببضع سنوات علم الأستاذ بيكروسا أن النص العربي لكتاب ابن بصال موجوج بشكلمخطوط في حوزة الأستاذ محمد عزيمان، سكرتير وزارة الثقافة المغربية، فاشتركابدراسته وتحقيقه، ونشراه في مدينة تطوان سنة 1955م.‏

كانابن بصال معاصراً لابن وافد، وقيل إنه كان يشرف أيضاً على بستان للسلطان في مدينةطليطلة. وقد مارس الفلاحة علماً وعملاً، وألف فيها كتابين دعا أحدهما (القصدوالتبيين)، والآخر كتاب الفلاحة. لم يجد محققاً كتاب ابن بصال ترجمة كاملة لحياته،ولكن تبين لهما، بعد دراسة نصوص مبعثرة في بعض المؤلفات، أنه غادر مدينة طليطلة عقبسقوطها بيد الإسبان سنة 1085، ثم تنقل بين قرطبة واشبيلية وغيرهما من مدن الأندلس،وساح في بلاد البحر الأبيض المتوسط، فزار صقلية ومصر –وقد أطلق بعضهم عليه اسمالحاج، مما يدل على زيارته للأماكن المقدسة. ونحن لا ندري في أي مكان ألَّف كتابهولا في أي مكان أو سنة توفي.‏

ظهرفي هذا العصر عالم آخر في علم الفلاحة، هو أبو عمر أحمد بن محمد بن حجاج الاشبيلي. وقد صنف كتاباً دعاه (المقنع في علم الفلاحة) ألفه عام (464ه‍ -1072م). ويمتازكتابه بالإيجاز ومتانة الأسلوب، بالإضافة إلى إشاراته المتكررة إلى العلماء الذينأخذ عنهم، وقد بلغ عددهم ثلاثين رجلاً، أكثرهم من اليونان والروم.‏

لقدتعرضت بلاد الأندلس،منذ زمن الخليفة عبد الرحمن الناصر، بسبب الحروب والفتن وإهمالالزراعة وزيادة عدد السكان، إلى قحط شديد عام (202ه‍ -615م)، كما حلت في مدينةقرطبة مجاعة عظيمة في عهد ابنه الحكم المستنصر (353ه‍ -964م). وهذا ما لفت الأنظارإلى ضرورة العناية بالزراعة وتربية الدواجن وحفظ المحاصيل.‏

وممازاد البلية سقوط مدينة طليطلة بيد الإسبان عام (478ه‍ -1085م)، ذلك لأن المسلمينفقدوا إثر ذلك سهولاً خصبة ومياها غزيرة جارية ومحصولات زراعية وافرة. ولما ضاقترقعة الأرض التي كانوا يسيطرون عليها اكتفوا باستثمار السهول الضيقة وسفوح الجبالالشاهقة، يزرعونها بمختلف المحاصيل.‏

كانالمسلمون في ذلك الوقت بأشد الحاجة إلى مرشدين زراعيين يهدونهم إلى الطرق الصحيحةلغرس الأشجار وتقليمها وتطعيمها، وزرع الحقول والبساتين بأنواع الحبوب والخضار،ومكافحة الآفات الزراعية. ولما كان جنوب إسبانيا (الأندلس) أقل أمطاراً ومياهاًجارية من شماله، لذلك كانوا بحاجة لاستنباط المياه، وشق الترع وبناء السدود وإصلاحالتربة وانتخاب البذور وحفظها.‏

مماسبق يتبين لنا الأسباب الحقيقية لظهور عدة مؤلفات في علم الفلاحة، في بلاد الأندلس،خلال الفترة الممتدة بين القرنين الحادي عشر والثاني عشر –وبما أن تربية النحلوالحيوانات والطيور الأليفة تعتبر جزءاً من حياة المزارع، لذلك نجد أن أكثر منألَّف في علم الفلاحة قد أفرد أبواباً خاصة بتلك الأبحاث.‏

أماأشهر كتب الفلاحة، التي ظهرت في الأندلس، والتي تم تحقيقها ودراستها فهي:‏

1-كتاب الفلاحة لابن بصال الطليطلي.‏

2-كتاب المقنع في الفلاحة لابن حجاج الاشبيلي.‏

3-كتاب الفلاحة الأندلسية لابن العوام الاشبيلي. وسأكتفي فيما يليبذكر لمحة موجزة عن المؤلف الأول والأخير وبيان أهمية كل منهما:‏

1-كتاب الفلاحة لابن بصال:‏

كانابن بصال، كما يقول أحد معاصريه،عارفاً بالفلاحة علماً وعملاً، مجرباً خبيراًوبارعاً فيها. ألف كتابه في نهاية القرن الحادي عشر أو في بداية القرن الثاني عشرللميلاد. وقد نقل عنه جميع من ألف في علم الفلاحة من بعده، أمثال ابن حمدونالاشبيلي، المعروف بالحاج الغرناطي وابن حجاج وابن العوام الاشبيلي وغيرهم. وقدأشار المقري، في كتابه نفح الطبيب، إلى أن ابن بصال أخرج من كتابه مطولاً ومختصرا،وأن المختصر يشتمل على ستة عشر باباً، وهو الشائع بين الناس.‏

لقدانتشر كتاب ابن بصال المختصر في الأندلس خلال القرن الثالث عشر. ونظراً لأهميتهوشهرته فقد ترجم إلى اللغة الإسبانية، وانتشرت نسخه العربية في شمال إفريقية. وعلىبعض هذه النسخ تم تحقيقه من قبل العالمين خوسه مارية بيكروسا ومحمد عزيمان (عام 1955م).‏

يمتازكتاب ابن بصال عن بقية المؤلفات التي صدرت قبله أو بعده بعلم الفلاحة بالمميزاتالآتية:‏

1-لقدكانت العادة، عند تأليف الفلاحة، أن يتكلم المؤلف عن تأثير الكواكب والنجوموالأنواء والرياح، وكيف تنتخب الأماكن لاتخاذ المساكن في الريف –التقويم الزراعيالاستعمال الدوائي لبعض النباتات الطبية، بالإضافة إلى إفراد أبحاث خاصة بزراعةشجرة الزيتون والكرمة، وعصر الزيتون والعنب، وتربية النحل والدواجن.‏

أماكتاب ابن بصال فقد جاء خلواً من تلك الأبحاث، وهذا ما يؤيد كونه مختصراً لكتابمطول.‏

2-لقدرتبت فيه المواضيع بشكل علمي وتظهر روح التجربة الشخصية والمزاولة العملية بصورةواضحة.‏

3-لميذكر فيه مؤلفه أي نص مقتبس من مرجع عربي أو أعجمي، علماً أنه يتضمن أفكاراً منتقاةمن عدة كتب وخاصة الفلاحة النبطية والفلاحة الرومية.‏

4-آماالأبواب التي يتألف منها هذا الكتاب فكانت متفاوتة الطول، وسنذكر فيما يلي عناوينهاوأرقام صفحاتها، الموجودة في الكتاب المحقق والمطبوع، وعددها ستة عشر باباً:‏

البابالأول: في ذكر المياه وأصنافها وطبائعها وتأثيرها في النبات ص (39 –40).‏

البابالثانيِ: في ذكر الأرضين (التربة)، وتصنيفها بحسب أنواعها وطبائعها، وتمييز الجيدمنها، ص (41 –48).‏

البابالثالث: في ذكر السرقين (السماد العضوي) وفائدته للنبات. وقد قسمه إلى: زبل حيوانيزرق طيور –سماد نباتي متخذ من الأوراق والأعشاب الجافة، وأضاف إليه أخيراً رمادالحمامات، ص (49 –53).‏

البابالرابع: في اختيار الأرض وإصلاحها (55 –58).‏

البابالخامس والسادس: في غراسة الأشجار المثمرة والحراجية والتزيينية، بواسطة البذور أوالنوامي أو القضبان أو الأوتاد، وتكاثرها بطريقة التكبيس (الترقيد)، مع ذكر الأوقاتالملائمة لذلك، ص (59 –85).‏

البابالسابع: في تشمير الأشجار (التقليم والتشذيب) وإصلاحها بعد هرمها. ص (86 –90).‏

البابالثامن: في تركيب الأشجار بعضها في بعض (التطعيم)، وتصنيفها بحسب قابليتها للتطعيمإلى أربعة أجناس: ذوات أدهان –ذوات ألبان –ذوات أصماغ –ذوات مياه، ص (91 –104).‏

البابالتاسع: تكلم فيه عن أسرار التركيب وبعض غرائب من أعماله، ص (105 –108).‏

البابالعاشر: في زراعة الحبوب من القطاني وما أشبهها. بدا الكلام أولاً عن تقسيم الأرضإلى سبعة أقاليم، وذكر ما يصلح فيها من مزروعات وعددها ثلاثة عشر نباتاً، ص (109 –119).

البابالحادي عشر: في زراعة البذور المتخذة لإصلاح الأطعمة: كمون –كراويا –شونيز –اينسونكزبرة، ص (121 –125).‏

البابالثاني عشر: في زراعة القثاء والبطيخ والقرع وما أشبه ذلك، ص (127 –139).‏

البابالثالث عشر: في زراعة البقول ذوات الأصول، كاللفت والجزر والفجل والثوم والبصل... ص (141 –150).

البابالرابع عشر: في زراعة البقول المختلفة، كالاكرنب والقنبيط والاسبناخ والرجلة... ص (151 –161).

البابالخامس عشر: في زراعة الرياحين ذوات الأزهار وما شاكلها من الأحباق، كالورد والخيريوالبنفسج والسوسن والبهار والنرجس والمزرنجوش والترنجان والفيجن والخطمي والبابونجوالأفسنتين، ص (163 –172).‏

البابالسادس عشر: وهو باب جامع لأبحاث مختلفة منها مكافحة ديدان الحقل برماد النباتوكيفية نقل الأعشاب البرية وزرعها في البساتين –وانتخاب المكان الملائم لفتح البئروفحص مائه –وجه العمل في خزن بعض الثمار، وخاصة التفاح والرمان والقسطل والجوزوالجلوز –طريقة لحفظ باقات الأزهار (شمامات حسان).وأخيراً كيفية العمل في صنعالمصنَّب وحفظه. وهو شراب يصنع من الزبيب والخردل ويوضع في أوعية فخارية (ظروف) يطلى داخلها بمعجون من العسل والخردل (والحكمة من وضع الخردل هي توقف فعل التخمرالغولي وغيره).‏

مماسبق يتبين لنا أن كتاب ابن بصال كان أشبه ما يكون بكتاب مدرسي مختصر وشامل، يصلحللتدريس في المعاهد الزراعية، لذلك كان من أوائل الكتب العربية التي نقلت إلى اللغةاللاتينية. وأجمل ما في هذا الكتاب البابان الثامن والتاسع، وقد تكلم فيهما عنالأشجار التي يمكن أن يتركب بعضها في بعض، وقد صنفها كما ذكرنا في أربعة أجناس: ذوات الأدهان –ذوات الأصماغ –ذوات الألبان –ذوات المياه، ثم قال: اعلم أنه قد يكونمن ذوات المياه ما لا يتركب بعضه في بعض، وكذلك من ذوات الأصماغ والألبان والأدهان،ومنها ما يتركب بواسطة وحيلة، وذلك لتنافرها وتضادها.‏

أماذوات المياه فمنها: التفاح –الأجاص –السفرجل –الكثمرى –العنب وما أشبهها.‏

وذواتالأصماغ مثل: الزيتون –اللوز –عيون البقر –الخوخ –المحلب –حب الملوك وما أشبهها.‏

وذواتالأدهان مثل: الزيتون –الرند –اللبان –الضرو وما أشبهها.‏

وذواتالألبان مثل: التين –الزيتون –والدفلى وما أشبهها. وهنالك جنس خامس يميل مع كل جنس،وهي ذات المياه، والأشجار التي لا يسقط لها ورق.‏

لقداستطاع ابن بصال بهذا التصنيف المبكر أن يجد وسيلة للتفريق بين الأجناس والأنواع،وعدد بعد ذلك الطرق المستعملة في التركيب فقسمها إلى خمسة أضرب، ونعوتها: الروميالشق –الأنبوب - الرقعة–الأنشاب، ص (94 –104). ثم قال:‏

اعلمأنه يدخل على التركيب عوارض وعلل ذلك لقلة معرفة أهل هذا الشأن. ونبه بعد ذلك إلىالاحتياطات التي يجب أن تتخذ لنجاح التطعيم.‏

2-كتاب الفلاحة الأندلسية لابن العوام الاشبيلي:‏

وهوبدون شك أشهر كتاب في علم الفلاحة، ظهر في مغرب العالم الإسلامي، في نهاية القرنالثاني عشر للميلاد. ولكن للأسف تأخر علماء المشرق عن الاطلاع على هذا الكتابومشابهاته، بدليل أن حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون، وكذلك ابن خلكان في كتابهوفيات الأعيان لم يذكرا شيئاً عن كتب الفلاحة الأندلسية.‏

لقدورد في دائرة المعارف الإسلامية لمحة مختصرة عن حياة ابن العوام جاء فيها ما يلي "هو أبو زكريا يحيى بن محمد بن أحمد بن العوام الاشبيلي، صنف كتاباً كبيراً فيالفلاحة عنوانه (كتاب الفلاحة) ولا نكاد نعرف شيئاً عن حياة هذا المؤلف، وكل مانعرفه أنه كان يعيش حوالي نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، وأن أصله من اشبيلية.‏

وقدذكره ابن خلدون دون أن يعرف له هذا المصنف، الذي كان يعتبره موجزاً لكتاب "الفلاحةالنبطية".‏

يوجدلكتاب ابن العوام ثلاث مخطوطات الأولى كانت محفوظة بمكتبة الأسكوريال بإسبانيا ثمانتقلت إلى لندن، والثانية موجودة في مكتبة لايدن Leyden في هولندا، والثالثة ناقصةومحفوظة في المكتبة الوطنية بباريس.‏

لقدقام الراهب الماروني ميشيل غزيري Casiri، بين عامي 1749 –1753م، بفهرسة المخطوطاتالعربية الموجودة في مكتبة الأسكوريال. ووضع فهرساً لها مؤلفاً من جزأين دعاه BibliothécaArabica Hispana Escurialiensis، أحصى فيه تلك المخطوطات، فبلغ عددها (1851) وقد طبع فهرسه بين عامي (1760 –1770)م.‏

كانميشيل غزيري أول من لفت أنظار الباحثين إلى أهمية مخطوط الفلاحة لابن العوام، فقامأحد تلاميذه المدعو Don Banqueri بنشر هذا الكتاب وترجمته إلى اللغة الإسبانية عام 1802 م في مدريد. تم توالت الدراسات لكتاب ابن العوام فقدم الباحث أنطوان باريتقريراً عنه إلى الجمعية الوطنية الزراعية بباريس عام 1859م قال فيه:‏

"لاتقتصر قيمة هذا الكتاب على كونه يحوي الفنون الزراعية القديمة، والتي كانت متبعة فيالأندلس، بل له قيمة ثانية وهو كشف النقاب عن أن العرب كان لهم ملحوظات في الطبيعةوالكيمياء ما كنا نرتقب وجودها لديهم".‏

ثمقام بعد ذلك الأستاذ Clément Mullet بترجمة كتاب ابن العوام إلى اللغة الفرنسية،وطبعه ونشره في جزأين عام 1864 –1866م في مدينة باريس.‏

لقدبين ابن العوام في مقدمة كتابه الأهداف التي سعى إليها عند وضع مؤلفه، وهي مساعدةمن يريد أن يتخذ الفلاحة صناعة يستعين بها بحول الله على قوته وقوت عياله. وأشارإلى عدة أقوال وأحاديث شريفة منها (اطلبوا الرزق في خبايا الأرض).‏

ثمقال بأن كتابه هذا يعين العامل على استصلاح الأرض وإفلاحها والاستغناء عن تقليدالعوام في شأنها، إذ لا يجني اللبيب من تقليدهم فائدة.‏

قسمابن العوام كتابه إلى خمسة وثلاثين باباً، وقال إنه اعتمد على ما تضمنه كتاب الشيخالفقيه الإمام أبي عمر بن حجاج المسمى (بالمقنع)، وهو الذي ألفه في سنة ست وستينوأربع ماية(1074م). وقال ابن العوام إن كتاب المقنع بني على أراء جملة من الفلاحينوالمتكلمين، نقل عنهم ابن حجاج نصوصاً من أقوالهم وعزاها إليهم، وعددهم ثلاثونرجلاً، عدد أسماء المقدمين منهم، ثم ذكر أسماء بعض العلماء الشرقيين، وهم الرازيواسحق بن سليمان وثابت بن قرة وأبو حنيفة الدينوري. ثم أضاف ابن العوام إلى ذلكقوله "واعتمدت أيضاً على ما استحسنه من كتاب الفلاحة النبطية، ورمزت إليه بحرف (ط)،وعلى كتاب الشيخ أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن الفصال الأندلسي، وهو المبني علىتجاربه، وعلامته على وجه الاختصار (ص)، وعلى كتاب الشيخ الحكيم أبي الخير الاشبيليوعلامته (خ) وكتاب الحاج الغرناطي وعلامته (غ)، وكتاب ابن أبي الجواد وكتاب غريب بنسعد وغيرهم".‏

لقداتبع كل من ابن حجاج وابن العوام طريقة أبي بكر الرازي، الواردة في كتابه الحاوي فيالطب، فذكر كل منهم أسماء العلماء الذين أخذ عنهم، والأفكار التي اقتبسها منهم. ثمأضاف إلى ذلك رأيه الشخصي المبني على المحاكمة العقلية والخبرة العملية والتجربةالشخصية. وبما أنه قد تم حديثاً تحقيق ودراسة كتاب (المقنع في الفلاحة) لابن حجاج،من قبل الباحثين السيدين صلاح جرار وجاسر أبو صفية، تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبدالعزيز الدوري، وطبع ونشر من قبل مجمع اللغة العربية الأردني عام 1982م، لذلكيمكننا أن نقوم بالمقارنة بين الكتابين لما في ذلك من الفائدة:‏

أولاً: إن كتاب المقنع لابن حجاج مؤلف موجز، لا تتجاوز عدد صفحاته (124) صفحة، بينما نجد كتاب الفلاحة لابن العوام موسوعة يتجاوز عدد صفحاته (1500).‏

ثانياً: يتألف كتاب المقنع من مجموعة أبحاث، بعضها صغير لا يتجاوزحجمه نصف صفحة أو أقل. وهذه الأبحاث غير مصنفة حسب الطريقة التقليدية إلى فصولوأبواب. بينما نجد كتاب ابن العوام مصنفاً في جزأين، يضم الجزء الأول ستة عشرفصلاً، ويضم الثاني ثمانية عشر فصلاً.‏

ثالثاً: إن المواضيع المدرجة في كتاب المقنع غير مرتبة بصورة جيدة،فهنالك تكرار في الكلام عن زراعة الكرمة والزيتون والأشجار المثمرة وتطعيمهاوالبقول، بحيث نجد قسماً منها في أول الكتاب والقسم الثاني في آخره.‏

رابعاً: لقد خصص ابن حجاج جزءاً من كتابه الموجز للكلام عن تربيةالنحل والحمام والدجاج والأوز والطواويس والحجل، بالإضافة إلى مكافحة بعض الحيواناتالضارية وطرد الفار والزواحف والبق والذباب والبعوض.‏

وبدلاً من أن يجعل موضوعه هذا في نهاية الكتاب، كما هي العادة، جعلهفي منتصفه، ص (70 –84).‏

إنجميع هذه المعطيات التي ذكرناها تدل على أن كتاب المقنع الذي تم تحقيقه ليس سوىمختصر من كتاب مطول وضعه المؤلف نفسه: بدليل وجود كثير من الأفكار التي أعلن ابنالعوام أنه اقتبسها من كتاب ابن حجاج لم يرد ذكرها في كتاب المقنع.‏

خامساً: إذ أردنا أن نقارن بين أسماء المواضيع التي طرقها ابن حجاج،في كتابه المقنع، والأبحاث التي وردت في فصول كتاب الفلاحة الأندلسية لابن العوامفإننا نجد أنها واحدة تقريباً، كما أن المصادر واحدة ولكن الكتاب الأول مختصر عمليوالكتاب الثاني مفصل وموسوعي. وسنذكر فيما يلي الأبواب التي يتألف منها كتاب ابنالعوام:‏

الفصلالأول: معرفة الأراضي وأنواعها.‏

الفصلالثاني: أنواع الأسمدة ومنافعها.‏

الفصلالثالث: أنواع المياه وطبيعتها.‏

الفصلالرابع: إنشاء الجنائن وتنظيمها.‏

الفصلالخامس والسادس: غرس النصوب وإنشاء المشاتل.‏

الفصلالسابع حتى التاسع: زراعة بزر الزيتون وتطعيم شجراته وقطف ثمرها وتقليمها وأنواعالتطعيم.‏

الفصلالثالث عشر: إخصاب الأشجار الاصطناعي –والغاية الزراعية للحصول على ثمار جيدة.‏

الفصلالرابع عشر: مكافحة الأمراض النباتية.‏

الفصلالخامس عشر: استخدام بعض الطرق لإعطاء الثمار طعماً عطرياً والورد ألواناً جديدة.‏

الفصلالسادس عشر: الطرق المستعملة لحفظ الحبوب والبندورة والخضروات والثمار المختلفة.‏

الفصلالسابع عشر حتى الثلاثين: تكلم فيها ابن العوام عن زراعة مختلف أنواع الحبوبوالخضراوات والبقول وبعض النباتات الصناعية.‏

أماالفصول الباقية فقد خصصها للكلام عن تربية البقر والغنم والخيل والحمير والبغالوانتخاب أجودها والعناية بها ومداواتها من بعض الأمراض. وأخيراً تكلم عن تربيةالطيور من حمام وبط ودجاج وأوز وانتهى بتربية النحل.‏

الحواشي:‏

(1)-من القرن الخامس ق. م.‏

(2)-من القرن الرابع ق. م.‏

(3)-أسرة فارسية حكمت إيران بين القرنين السادس والرابع ق. م.‏

(4)-Persepolis.

***

"أسماء المراجع"‏

1-تاريخ العلم لجورج سارتون‏

2-تاريخ الحضارة لجول ديروانت‏

3-كتاب الفهرست لابن النديم‏

4-أخبار الحكماء للقفطي‏

5-منألواح سومر صموئيل كريمر‏

6-سومر واكاد وديع بشور‏

7-ماري أندريه بارو‏

8-تاريخ سورية أسد أشقر‏

9-عيون الأنباء ابن أبي أصبيعة‏

10-معجم العين للخليل بن أحمد‏

11-كشف الظنون حاجي خليفة‏

12-العرب قبل الإسلام جواد علي‏

13-كتاب الفلاحة النبطية مخطوط‏

14-كتاب ابن بصال تحقيق بكروسيا‏

15-كتاب المقنع تحقيق جرار وأبو صفية‏

16-تاريخ الزراعة عادل أبو النصر‏

17-كتاب الفلاحة لابن العوام مخطوط‏

18-مقدمة ابن خلدون‏

19-غاية الحكيم لأحمد بن مسلمة الجريطي‏

20-مقالات ومحاضرات للدكتور توفيق فهد‏

21-تاريخ اللغات السامية ولفنسون‏

22-الحقائق الجلية –البراهين الحسية البطريرك أغناطيوس يعقوب.‏

23-مقالة الأب بولس سباط في المعهد المصري‏

24-المجلة الآسيوية لعام 1835‏



awu-dam.org/trath/29/turath29-008.htm

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المؤلفات, البابا, العربيّة, الفِلاحَة, دمحمد, زهير, علمَي, ـــ, والنّبات


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع المؤلفات العربيّة في علمَي الفِلاحَة والنّبات ـــ د.محمد زهير البابا
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وقائع مؤتمر مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة في دورته الخامسة والأربعين Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 06-21-2013 02:34 PM
اللغَة العربيّة بَين الأصالة والإعجاز والحَداثة Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 06-05-2013 09:30 AM
معلقة زهير بن أبي سلمى عبدالناصر محمود أخبار ومختارات أدبية 0 04-04-2013 06:19 PM
دولة الإمارات العربيّة المتحدة Eng.Jordan الملتقى العام 0 03-19-2012 07:37 PM
ظاهرة الأصول المهملة في العربيّة أبعادها وعللها Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 01-29-2012 07:45 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:01 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59