#1  
قديم 06-23-2013, 11:37 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,372
افتراضي الصوم جهاد النفس


وهو أرقى أنواع الجهاد. جهاد النفس هو ردُّها عن جماحها، وتخليصها مما عَلِق بها من شوائب الدنيا وآثامها.

فيا سعادةَ من جاهد نفسه ابتغاءَ مرضاة الله.

1.jpg


جهاد النفس لا جزاء له إلا الجنة. فالإمساك عن الطعام والشراب جهادٌ، والاعتكاف جهاد، وذكر الله جهاد، كل ذلك في الشهر المبارك شهر القرآن العظيم.

وأنواع الجهاد كثيرة، وسنذكر من الآيات الكريمة التي نزلت في الجهاد، ونذكر بعض سير أبطال الإسلام في الجهاد.

قال الله تعالى في كتابه الكريم: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، وروي في الأثر: "علموا أولادكم الرمي والسباحة وركوب الخيل"، وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف".

لقد أذن الله للمسلمين بالقتال في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق والذود عن الديار بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 39-40]، وقال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].

وأمرنا الله بقتال المشركين ومن يقاتلوننا بقوله: {وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36]، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]، ولقد بشرنا الله بحسن المآب لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [الصف: 10-12]، وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ} إلى قوله {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 111-112].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: لا أجده؛ ثم قال: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟ قال: "ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات.

وعن أبي هريرة أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا نبشر الناس؟ قال: "إن في الجنة مائةَ درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله؛ ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهارُ الجنة". وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يُكْلم أحد في سبيل الله -والله أعلم بمن يكلم في سبيله– إلا جاء يوم القيامة اللونُ لون الدم والريح ريح المسك".

ولقد أوصانا الله أن نكون أشداءَ على الكفار رحماءَ بيننا؛ كما وصف سبحانه وتعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم ومن معه في الآية: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّه وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وَجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]. كما أمرنا الله أن نعود للسلم إذا ما ألقى العدو السلاح وجنح للسلم بقوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً} [النساء: 90]، وقال تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [الأنفال: 61]، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله، وأن نكون رحماء في قتالنا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بتقوى الله ومن معكم من المسلمين خيرًا؛ اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليدًا ولا امرأة ولا كبيرًا ولا منعزلاً بصومعة، ولا تحرقوا نخلاً، ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بناء".

والمؤمنون يعتقدون أن الله يحيى ويميت، وهو المصرف وحده لقوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ المَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78]، أليس في ذلك ضمانٌ وترغيب لهم وتهديد ووعيد للكافرين؟!

وتالله أيها المسلمون لئن قتلتم في سبيل الله أو متم، فهناك مغفرة الله ورضوانه.

أليس خالد بن الوليد -لله دره!- مثلاً من أمثلة المؤمنين في قوله في مرض الموت: "ما في جسمي شبرٌ إلا وفيه ضربةُ سيف أو طعنةُ رمح أو رمية سهم، وها أنا أموتُ على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعينُ الجبناء".

وقول الشاعر:
وإذا لم يكن من الموت بُدٌّ فمن العجز أن تموتَ جبانًا

{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} [النساء: 84].

ولقد نصحَنا الله في القتال بالوحدة في طاعة الله والصبر في القتال لنفلح في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [الأنفال: 45-47].

ولقد حذرنا الله من ترك الجهاد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 38-40].

فيا أيها الذين اتصفتم بالإيمان واهتديتم بالقرآن الكريم هل بعد هذا تتثاقلون ولا تنفرون؟!

أفلا تتجهزون لقتال المعتدين من شراذمة الصهيونيين الذين نهبوا ديار الإسلام في فلسطين وشردوا أهلها، ألم نسمع قول الله تعالى في المتخلفين: {فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 81-82].

وقد ذكر المفسرون وعلماء الحديث أن الجندي يشمل الجندي المحارب والجندي غير المحارب، إذ إن كليهما متمم للآخر، ولا غنى لذا عن ذاك... والجندي غير المحارب هو كل فرد ذي صفة ومسئولية تتعلق بالمعركة يستوى في هذه المسئولية الكبرى القريبُ من ميدان المعركة والبعيدُ عنها، فما كان لجيش مهما كان عددُه ومهما كانت شجاعتُه وقوته أن ينعقد له لواءُ النصر إلا إذا كانت من ورائه قوةٌ ثانية من غير المحاربين، وأولئك هم جنود الصف الثاني المنوط بهم خدمة هذا الجيش المحارب بإطعامه وشرابه وتضميد جراحه ومده بما يحتاج إليه من مؤنة وعتاد وباقي مستلزمات القتال، وعلى هذا التقدير يصبح كل فرد من أفراد الجيش وقت الحرب من الجندي الصغير إلى القائد الكبير (مجاهدًا في سبيل الله)، وكل من يساعد في القيام بخدمة هذه القوات بما يعينها ويشد من أزرها (مجاهد في سبيل الله)، بل إن كل متكلم بكلمة خير يَقصد بها وجهَ الله وخير الأمة ترفع من معنوية الجند وتلهب العزائم والهمم (مجاهد في سبيل الله)، وهؤلاء جميعًا هم المجاهدون حقًّا وصدقًا، وممن اصطفاهم ربهم وفضلهم على من عداهم بقوله: {لاَ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].

من هذا نستخلص أن الجهاد في سبيل الله هو غاية الفضل ونهاية العمل، وأن شهداء الجهاد على موعد مع الله أنهم من ساعة استشهادهم أحياء يرزقون {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: 169-170].

فطوبى لعبد قتل شهيدًا وبعث شهيدًا وحشر شهيدًا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

ألا فليعلم كلُّ من لا يعلم أنه لا يوجد شيء في هذه الحياة يعدل الجهاد في سبيل الله والاستشهاد في سبيله. فهذا عبد الله بن رواحة يبعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سرية وافق غدوها يوم جمعة فيتباطأ ساعات قليلة لا هربًا من القتال، ولكن طمعًا في أن يؤدي فريضة الجمعة خلف رسول الله، فلما انتهت الصلاة سأله الرسولُ قائلاً: "ما بال عبد الله لم يغد مع أصحابه"، فقال: أحببت أن أصلي الجمعة معك يا رسول الله، وها أنا ذا لاحقٌ بهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما أدركت فضل غدوتهم".

وهذا سعد بن الربيع يُبلي في غزوة أحد أفضل البلاء، ويصول ويجول في ساحة المعركة حاملاً على المشركين حملات قاتلة، حتى إذا ما خبا صوته وهدأت جلجلته يتفقده رسول الله ولا يجده، فيكلف زيد بن ثابت البحث عنه ويقول له: إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له: كيف تجد نفسك؟ قال زيد: فأتيته فإذا هو في النزع الأخير وبه نحوٌ من سبعين ضربة؛ ما بين طعنة رمح وضربة سيف. فقلت له: أمرني رسول الله أنظر إليك أأنت في الأحياء أم في الأموات، قال: إني في الأموات، فأقرئ رسول الله مني السلام، وقل له: إن سعدًا يجد ريح الجنة، فجزاك الله عني وعن أمتك أحسن الأجر والجزاء، ألا وبلغ القوم بهذا، وقل لهم: إن سعدًا يقول لكم: لا عذر لكم بعد اليوم إن خلَص إلى رسول الله مكروهٌ وفيكم عينٌ تطرف، ثم استشهد رضوان الله عليه بعد ما رأى مقعده في الجنة وبعد ما ربحت تجارته مع الله وبيعته؛ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة: 111].

ويحدثنا التاريخ عن أمٍّ مسلمة من الأمهات الصادقات، وواحدة من أعلام النساء المجاهدات الصابرات، وهي (الخنساء)؛ لقد وقفت يومًا تحض بنيها الأربعة على القتال والخروج مع جيش المسلمين في حرب القادسية، فقالت لهم كلمتها المشهورة التي سجلها لها التاريخُ بأحرف من نور، وما زالت حتى وقتنا هذا تتناقلها كتبُ التاريخ والأدب وألسنة الخطباء والدارسين.

"أي بني: لقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد وبنو امرأة واحدة، ما خنتُ أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا غبرت أصلكم ونسبكم، فإذا رأيتم الحرب قد شمَّرت عن ساقيها فيمموا شطرها وخوضوا غمارها ووطيسها، وجالدوا رئيسها، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، أي بني: اطلبوا الموت توهب لكم الحياة".

وحينما جاءها الخبرُ بمصرع بنيها الأربعة وما كان منهم من حسن البلاء، ما صاحت ولا ولولت، وما أنت وما تضررت، بل قالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وحباني بجهادهم واستشهادهم، اللهم إني أسألك الرحمة والغفران، وأن تجمعني وإياهم في جنتك يا أرحم الراحمين.

فسلام على الخنساء في قبرها، وسلام عليها يوم بعثها ونشورها، وسلام على أم الشهداء في دار الخلد والبقاء.

وأخيرًا فهذا عمرو بن الجموح حينما يرى أبناءه ذاهبين إلى ساحة الجهاد لا يتمالك نفسه، ويصر على مصاحبتهم للقتال، فيحولون دون ذهابه قائلين له: نحن نكفيك وإن الله عذرك لعرجتك وكبر سنك، ولكنه يصيح فيهم: ما لكم تمنعونني من دخول الجنة، ثم يذهب شاكيًا للرسول صلى الله عليه وسلم الذي يخلي بينه وبينهم، ثم يقول: يا رسول الله؛ أإذا استشهدت في سبيل الله أأدخل الجنة بعرجتي هذه؟ فيطمئنه رسول الله ويقول له: بل تدخلها صحيحًا، فيرفع يديه إلى السماء ويقول: اللهم إن أرجعتني فأرجعني منصورًا، وإن قبتضني فاقبضني شهيدًا، ثم يخرج من حضرته إلى ساحة القتال مبتغيًا الشهادة لا مرائيًا ولا مخادعًا، وحينما يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم بنبأ استشهاده يقول: والله لكأني أرى عمرو بن الجموح يمشي بعرجته هذه سليمًا في الجنة.

أجل يا رسول الله.. فوالله ما أصدقَك... لقد تاجر عمرو مع الله لا بمال أو عرض، وإنما تاجر بروحه ونفسه فكان حقًّا على الله أن يدخله الجنة وينزل في حقه كتابًا يقرأ وقرآنًا يتلى. اقرءوا إن شئتم قول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التوبة: 20-22].

تلك صفحة عابرة من تاريخ أمتكم... وأمتكم كما تعلمون كانت وما برحت خيرَ أمة أخرجت للناس؛ تقرؤها عليكم ونحن مقبلون على أيام عصيبة، إيمانًا منا بأن الحق والباطل ضدان لا يتفقان. فقد قُضي الأمر، وتكشف الظلم، وظهر الجشع، وكشر العدو عن أنيابه، وبانت أحقاده وأضغانه، وأقام دولة صهيون بين ربوعكم وفوق قطعة غالية من أرضكم ودياركم كانت من قبل مهبطًا للوحي والرسالة، ومصدرًا للنور والهداية... وما كان المسلمون وهم الصفوة من الأخيار والأحرار أن يقبلوا على أنفسهم مواقفَ الذل والمهانة، ويرتضوا وضعًا فيه استعبادُهم واستغلالهم، وفيه هتك أعراضهم وتذبيح أبنائهم، ألا فاعملوا أن الصهيونية عدوة الله في الأرض، فضحها القرآن، ولعنها محمد وعيسى وموسى عليهم الصلاة والسلام، فأجمعوا أمركم وصفوا صفوفكم {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].



المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الصوم, النفس, جهاد


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الصوم جهاد النفس
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جرائم روسيا تستوجب جهاد الدفع عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 02-12-2016 07:59 AM
قتال الحوثيين من جهاد الدفع عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 04-07-2015 07:43 AM
جهاد النفس... صباح الورد شذرات إسلامية 0 06-09-2014 08:52 AM
رداً على أكذوبة جهاد المناكحة عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 10-14-2013 05:29 AM
السوء الكامن عبدالناصر محمود الملتقى العام 0 02-08-2013 06:07 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:48 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59