#1  
قديم 01-30-2012, 12:28 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي نبـي الـرحمة


نبـي الـرحمة
تأليف
محـمد مسـعد يـاقوت
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

تقديم فضيلة الدكتور
فريد عبد الخالق


www.nabialrahma.com

الناشر
دار الخراز ـ جدة
لشراء نسخ مطبوعة منقحة من الكتاب، يرجى التواصل مع الناشر
5318767-0096650
dar-alkharraz@hotmail.com
الإهـــداء ..
إلى الذي قال الله تعالى فيه :
"عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ "[التوبة128]
"إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ "[الحجر95]
"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ "[الأنبياء107]
"إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [الزخرف43]
"وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ "[القلم4]




[IMG]file:///C:/Users/user/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image002.gif[/IMG]














بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم بقلم فضيلة الدكتور فريد عبد الخالق [1]

أشهد أن لديَ قناعة قد توفرت لهذا المؤَلَف القيِّم بعد الاطلاع على محتوياته؛ كافة المقومات الأساسية التي تسلكه في مجاله كدراسة علمية يعتد بها في موضوعها ومرجعيتها، متمثلة فيما يلي :
أولاً – ما يتعلق بالسبب الذي قام من أجله الكاتب بإعداد هذا الموضوع، ذلك الباحث المدقق الملمّ بجوانب الموضوع ومجالاته الأستاذ محمد مسعد ياقوت ، وأي داعية الكتابة في هذا الموضوع – على الصعيدين الداخلي والخارجي – حيث يشغل التيار الإسلامي السياسي في هذه الحقبة حيّزًا كبيرًا ومتناميًا على المسرح السياسي في دول عربية وإسلامية كثيرة – يثير لدى خصومه من غلاة العلمانية واللبرالية مجموعة تساؤلات وهواجس عن علاقة هذا التيار بالديمقراطية والحريات والتعددية السياسية والمجتمعية – المطروحة حاليًا – وفيها قضية وضع غير المسلمين في الدول الإسلامية، وقضية المرأة وحقوقها المدنية، والحداثة ، وعلاقة الدين بالسياسة، والدولة الدينية وحوار الأديان والحضارات، وهو ما يشغل حيزًا كبيرًا، وحدة أوفر عند الغرب؛ عبروا عنه " بالاسلاموفوبيا"، ومحاربة الإرهاب والتطرف، وربطوا بين ذلك وبين العولمة الاستعمارية الجديدة ، التي تتبعها الإدارة الأمريكية التي ترمي إلى تفكيك عرى الأمة العربية والإسلامية واختراق وحدتها وأمنها ومقوماتها كما حدث في غزو أفغانستان والعراق، وما يحدث من الكيان الصهيوني في المنطقة، في توافق في الاستراتيجية الاستعمارية ، واستخدام القوة في المنطقة لتحقيق أهدافهما وعلى رأسها الاستيلاء على النفط، والإبقاء على الشرق الأوسط دولاً مفككة وسوقًا استهلاكيًا لمنتجاتهم، وإعاقة وحدتها، وتنميتها، بكل الطرق .. وتحت أسماء ودعاوى مختلفة باطلة، ومنها دعوى الحرب الصليبية التي أعلنها بوش في أول كلمة له بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة، وإعلان مشروعه الإمبراطوري الاستعماري المعروف باسم الشرق الأوسط الجديد، الذي أفشلته المقاومة في جنوب لبنان وفي العراق، وفي بؤر المقاومة الشعبية الساخنة في دول المنطقة، وتأبي شعوب العالم العربي والإسلامي على العولمة والعلمنة التي تستهدف سلخه عن دينه وهويته الحضارية وانقياده لأعدائه ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا في محاولات مخططة، ومنها اختراق أنظمته الحاكمة، والتجويع، والمعونات المشروطة، وتهديد الأمن الغذائي، وإقامة القواعد العسكرية في أرض العرب والمسلمين، وتفجير النعرات المذهبية والخلافات العرقية والمشاحنات الأيدلوجية .

ثانيًا : أما العنصر الثاني من بين هذه المقومات الأساسية لبحث الأستاذ ياقوت، فيتمثل في مكانة الموضوع وتداعياته لدى شعوب عالمنا العربي والإسلامي، عقيدة وسياسة وإعلامًا ، وتقدمه في سلم الأولويات التي تشغل اهتمامات عالمنا العربي والإسلامي، والطموحات التي يتطلع إليها لبناء وحدتها وحراسة أمنها القومي وإحياء ثقافتها، وحضارتها ، وتجديد فكرها، وحشد طاقاتها من أجل بلوغ ما الحد الأوفى في الكرامة وتأمين حقوق المواطن وحرياته ، وإتاحة الفرصة للشعوب العربية والإسلامية ممارسة حقوقها الدستورية والسياسية وحقها في اختيار حكامها، وممثليها من البرلمانيين، وحقها في مساءلة الحاكم وتغييره عند المقتضى سلميًا.

إن صفة " الرحمة " موضوع الدراسة التي بين أيدينا، تشكل عنصرًا جوهريًا في هذه الدراسة، الذي اختار المؤلف " نبي الرحمة" عنونًا لها . وهي الرحمة النبوية للبشر التي نجح المؤلف في عرضها بمفوهمها الواسع، دون تكلف خلال فصول دراسته ونصوصها، من تناول جامع في وجازة غير مخلة لسيرة النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل البعثة وبعدها، وفي مكة قبل الهجرة، وفي المدينة بعدها، حيث أقام الرسول – صلى الله عليه وسلم - مجتمعًا مدنيًا، ودولة مدنية على أساس مبدأ المواطنة ومساواة كافة مواطني الدولة في الحقوق والواجبات ...
وقد تناول الكتاب هذه العناصر في مباحث متعددة، في هيكلية تتسم بالموضوعية، وتكامل في التناول، مع الوفاء بجوانب الدراسة، والاعتماد على المصادر الأصلية الموثوقة، ومن ثم يجد القارىء في ذلك تحقيقًا لدعاية القراءة .

وثمت عنصر آخر لابد منه في ذلك ؛ وهو ما أوتي الباحث من توفيق و إخلاص لوجه الله وتحري الصدق والحق دون هوى صارف أو تعصب زميم، أو جهل مقعد، في كل ما قال..
أحيه !
أحييه كذلك ولا أزكي على الله أحدًا ، ولكن من باب معرفة الفضل لأهله. وهذا العنصر لا بديل عنه لكل باحث مصلح، وهو توفيق الله له فيما ابتغاه من إصلاح وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر ماستطاع لا يألو فيه جهدًا، يتوثق بالله في إمضاء الأمر على سنته ويطلب منه المعونة والتأييد من الله، كما في قوله تعالى :
" إن إريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" [ هود : 88].

هذا، وأريد أن أقف على مادة هذا المؤَلَف الموسوعية الواضحة الدلالة ، الأمينة الوصف، في لمحات محدودة فيما يلي :
أولاً – التأكيد على أن " الرحمة " خصيصة سائدة في شرع الإسلام كله ، كتابًا وسنة، ونظامًا وحياة، وتعاملاً مع الآخر ، في كل حال من سلم أو حرب، ومن تمكين أو ضعف، كما في قوله تعالى :
" هذا بصائر للناس، وهدى ورحمة لقوم يوقنون " .
فالقرآن كله بمنزلة بصائر للقلوب، لأقوم حياة للناس كافة، وهداية للناس من الضلال، ورحمة للمهتدين به كما هو رحمة للمارقين من حيث تأخير عقوبتهم في الدنيا، لعلهم يهتدون .. فشريعة الإسلام رحمة كلها ..

ثانيًا – إن رحمة الله بمخلوقاته هي الصفة العظمى التي اختارها الله سبحانه لوصف نفسه بها ، دون غيرها من الصفات، وهي كلها عظيمة وشريفة ..
فذكرها سبحانه في سورة الفاتحة التي لا صلاة لمن لا يقرأ بها – كما في صحيح الحديث – والتي سميت أم الكتاب، لاشتمالها على كليات العقيدة الإسلامية، فاختارها لتتوكد قيمة الرحمة- في كل صلاة- في وجدان المسلم .. بما في ذلك كل معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها ..

ثالثًا - إن الرحمة كانت خصلة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم تفارقه قط في كل سيرته، وفي كل مراحل حياته وأحواله، فكان – صلى الله عليه وسلم – كما قالت عائشة : " خلقه القرآن " الذي هو رحمة !
وقد قال له ربه – يحثه على نهج الرحمة - : " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" .. أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس، وأخلاقهم، ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا .. كقوله – صلى الله عليه وسلم - : " يسروا ولا تعسروا " ..
وقد أمره الله بالمعرف، أي الجميل من الأفعال والأقوال .. ونهاه عن مكافئة السفهاء بسفههم، أو مماراتهم، وأمره بالحلم عنهم، والإعراض عن إساءتهم .
لقد أمره الله أن يصل من قطعه ، ويعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه .. وأرسله ليتمم مكارم الأخلاق، وبشيرًا ونذيرًا ومربيًا ومرشدًا للعالمين .. وحجابًا للعالمين من عذاب الاستئصال والانتقام العام في الدنيا، لقوله تعالى :
" وما كان الله معذبهم وأنت فيهم " .
ومن رحمته – صلى الله عليه وسلم – أن كان على أعلى درجة في الحرص على الناس والخوف الشديد عليهم من الهلاك والضلال، ورغبته الشديدة في رفع العنت عنهم ، قال تعالى :
" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رءوف رحيم " .

رابعًا – لقد رفع الله ذكر نبيه في محكم التنزيل، ومن رفع الله ذكره لا يحط في الناس، وإن اجتمعوا له، وإنما يحطون من أنفسهم. فما صدر من ذلك من قبل الرسوم الكاركاتورية التي تسيء له ولدينه، من رجل دين مسيحي متعصب، أو إعلام غربي مصهين، بدعوى حرية التعبير، إنما هي إساءة لكل البشرية .
وبالمثل تلك الإساءات الأخرى كتصريحات بابا الفاتيكان المسيئة للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أو صدور كتاب " نبي الخراب " على أوسع نطاق لمؤلف يتهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقطع الطريق والشذوذ الجنسي .. كلها تسيء – في حقيقة الأمر - إلى تاريخ الإنسانية في حق الأنبياء والشرائع السماوية . إنها ردة حضارية ! ونزعة إلحادية ! ونكسة آدمية ! تجاهلت حتى آراء المنصفين من علماء الغرب أنفسهم، ممن قالوا كلمة الحق وشهادة الصدق في النبي – صلى الله عليه وسلم – وعرفت له مكانته .

خامسًا - لقد جعل الله تعالى من محمد – صلى الله عليه وسلم – " أسوة حسنة" وقدوة عظمى للمؤمنين، يقتدي به كل إنسان يريد أن يؤدي رسالة حضارية على كوكب الأرض . قال تعالى : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر " .. وهي شهادة من الله تعالى " لكريم خصاله – صلى الله عليه وسلم - .
لقد أوجب الله التأسي به – صلى الله عليه وسلم – في كل أمور الدين ومهام الإصلاح . وهو مع ذلك ليس بدعًا من الرسل، بل كان بشرًا مثلهم ، كما في قوله تعالى : " قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرًا رسولاً " .. أي رسولاً كسائر الرسول، بشرًا كسائر البشر، فالاقتداء به داخل في حدود البشرية، وهو المؤمنون مؤمورن بشرع الله كما في قوله تعالى : " فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير" [ هود: 112]، إنها الاستقامة التي صار عليها الرسول، على جادة الحق، غير عادل عنها، ولا خارج عن حدود الله، وكان المَعلم الأول والمرشد الأكبر في إزالة الطغيان وردع الظالمين وحكام الجور، وهو مع ذلك رحمة للحكام والمحكومين، ورحمة بالأمة جمعاء .

سادسًا- رحمات النبي – صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع، وفي خطبته التاريخية فيها- في السنة العاشرة – حيث حج – صلى الله عليه وسلم – بالناس حجة، ودع فيها المسلمين ولم يحج بعدها ..
كانت سلسلة من الرحمات تلك الوصايا الجليلة التي اشتملت عليه خطبته :
رحمته – صلى الله عليه وسلم - بالناس في تحريم الدماء والأموال، رحمته بالناس في معاملاتهم بتحريم الربا.
رحمته بالناس بأن وضع عنهم دماء الجاهلية، ومآثر الجاهلية ..
رحمته بالنساء إذا قال : "أيها الناس! فإن لكم على نسائكم حقًا ، ولهن عليكم حقًا ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًاتكرهونهوعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوابالنساء خيرًا، فإنهن عندكمعوانلا يملكن لأنفسهن شيئًا ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي ، فإني قد بلغت" .
ورحمته بالمؤمنين، ألا يضرب بعضهم بعضًا .. فقال- في خطابه الخالد - " ألا ! لا ترجعوا بعدي كفاراًيضرب بعضكم رقاب بعض؛ ألا هل بلَّغت .. اللهم أشهد"
" قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله"..
ورحمته بالناس في ألا يتفاضلوا إلا بالتقوى .. " كلكم لآدم وآدم من تراب"،" لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى " ..
ورحمته بالناس بإرساء قيم العدالة، لاسيما بين الأبناء والعدل في الإرث، فلا تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث ..
ورحمته بالأبناء في حفظ النسب،في قوله : " الولد للفراش وللعاهر الحجر"، ومن ادعي إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل من صرف ولا عدل" ..
وقد ختم – صلى الله عليه وسلم – خطبته بقوله : " والسلام عليكم ورحمة الله " . فختم كلمة الوداع ووصاياه بالسلام والرحمة !

وأخيرًا يطيب لي أن أختم مقدمتي هذه بالإعراب عن تقديري وشكري لمؤسسة الزهراء للإعلام العربي التي أصدرت هذا الكتاب الموسوعي القيم من كل الوجوه، وبالدعاء إلى الله لصاحبها الأستاذ الفاضل والإعلامي النابه والكاتب الحاذق " أحمد رائف " بدوام التوفيق في أداء رسالته الدعوية والوطنية، وبحسن الجزاء عما قدم من عطاء لأمته، وبعافية الدين والبدن وبالحفظ من كل سوء ..

كما أدعو الله تعالى أن يرزق مؤلف هذا الكتاب الفذ في موضوعه وفي منهج البحث الذي اتبعه في دراسته، أحسن الجزاء عما تجشم من جهد علمي في إعداد مادته، والوفاء بجوانب الموضوع التي غطّت حاجة ملحة لدى الأمة في التعريف بالإسلام ، وخصائصه الحضارية، ومميزاته التنويرية، وشمائل نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – والتي أهمها الرحمة التي تجلت في كل سيرته، قبل البعثة وبعدها، وفي الحرب والسلم، وفي تعامله مع الصديق والعدو، وإيثار الرفق والتيسير، على العنف والتعسير، والحوار على الصدام والبطش ، والتعاون بين الناس على اختلاف الملل والتوجهات في كل ما تصلح به الحياة، ويوفر الأمن لكل المواطنين، ويحقق للبشرية التنمية والسلام..
أكثر الله من أمثال باحثنا الكريم الأستاذ محمد مسعد ياقوت، وأمده بعونه، وحفظه، وزاده إيمانًا مع إيمان، وعلمًا فوق علم، ونفع به الملة والأمة وهدى به البشر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وكان حق علينا نصر المؤمنين..
فريد عبد الخالق





تأملات في الرسالة والرسول
بقلم فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد إدريس الطعان[2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

}الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ * { آمين .
والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي الصادق الأمين وعلى آله وصحبه الطيبينالطاهرين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :يشعر الكاتب بالضآلة حين ينوي الكتابة عن سيد البشر محمد رسول الله r ، لأنه لا يجد في قاموسه العبارات التي تترجم الشعور بأمانة للقارئ ، يكفيه أن ربّه عز وجل وصفه بقوله :
}وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ {[ سورة القلم آية : 4].
إن هذه الجملة تتعاقب فيها كما هو واضح - لمن يتذوق لغة العرب - عناصر المدح والثناء بإلحاح شديد .
كما يقف الكاتب حائراً وهو يتأمل في قوله عز وجل:
} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ { [ سورة الأنبياء آية 107 ]
فهو عز وجل يحصر رسالة المصطفى r في الرحمة العالمية ، الرحمة الشاملة ، فهل تبقى أية قيمة لحديث البشر بعد هذا الثناء الرباني والتوجيه الرحماني ؟!
لقد كان قلبه يفيض بالرحمة مذ كان طفلاً كيف لا وقد غسلته الملائكة الكرام بها - أي بالرحمة - يوم كان يرعى الأغنام مع أبناء حليمة ! . ولقد رقق اليتم قلبه إذ وُلد يتيم الأب فلم يحظ بحنان الأبوة ، وحين ذهب ذات يوم مع أمه لزيارة قبر أبيه ماتت أمه في الطريق فغسلت دموع أجفانه صفحات قلبه .
وهذبه الفقر حين عاش مُعدماً يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة، فعاش حياة الفقراء واليتامى، يشعر بمشاعرهم ويتألم بآلامهم ، فأكسبه ذلك حساً مرهفاً وشعوراً نبيلاً دفعه لمباشرة العمل بالتجارة، حتى لا يكون عبئاً ثقيلاً على عمه أبي طالب ، فخالط الناس وعاشر أصنافهم ، وخبر أخلاقهم ، وأخذ وأعطى بيعاً وشراء ليعيش الواقع كما هو بحلوه ومره، برخائه وشدته .
ولكي لا ينجرف في تيار الواقع حَبّب الله جل وعلا إليه الخلاء ليعتزل الناس ، ويخلو بنفسه يراجعها يحاسبها ، ويعتني بقلبه تزكية وتطهيراً ، ويتجه إلى ربه عز وجل تعبداً وتلقياً وتفكيراً .
ولم يكن ذلك صدفة بل كان تقديراً إلهياً، وتدبيراً ربانياً لرجل اختاره الباري جل شانه لأعظم مهمة على مر الدهور، مهمة الرسالة الخاتمة ، والرحمة الشاملة .
إنها مهمة ذات وجهين :
الأول : الصلة مع الله عز وجل ، والانخراط في عالم الملكوت، والانسلاخ من عالم الملك والشهادة، والتلقي عن الله تبارك وتعالى .
الثاني : التواصل مع الناس على سبيل البلاغ والبيان والهداية .
إنها مهمة عظيمة وخطيرة، إنها مفترق الطرق بين عالم الشهادة وعالم الغيب ، عالم الدنيا وعالم الآخرة ، إنها صلة الوصل بين عالمين .
ولذلك هيأه الله عز وجل ورباه لتحمل هذه المهمة، فاتصل بالناس، وعرك الحياة بمرها ومرارها ، وخلا بربه عز وجل ليصفو قلبه من أدران الكون، فيتهيأ عقله وتستعد روحه للتلقي عن المكوّن عز وجل .
إن أصعب مهمة يعاني منها الدعاة اليوم هي الانسلاخ من واقعهم العاجي والانخراط في الواقع العادي للناس . يعيش الداعية معاني الإيمان والهداية والتقوى فتصفو روحه وتميل إلى الاكتفاء بربها عز وجل خلوة وعبادة وتبتلاً ، فإذا ما شعر بالمسؤولية تجاه الناس تبرمت روحه وضاقت، لأنه يريد العودة بها من جديد إلى عالم الأذى والهوى.
هذا على مستوى الدعاة المخلصين من آحاد الأمة فكيف بالمصطفى r ؟! إن حالته من أشق الحالات ، لأنها تتضمن الانسلاخ من البشرية إلى الملائكية لتلقي الوحي، ثم الأوب من جديد إلى عالم البشر ، لتحمل مسؤولية كبرى ! ، وهل يرضى الإنسان الذي يدخل الجنة ويعيش نعيمها وسعادتها أن يعود إلى دنيا الهموم والأحزان ؟!
إن أمر الانتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب أو من عالم الملكوت إلى عالم الملك أشق – فيما أحسب - مما نتصور إذا ما نظرنا إلى الأمر من زاوية الأسباب فقط.
ومن هنا كانت رسالة المصطفى r هدفها المحوري هو الارتقاء بالبشرية، والصعود بالإنسانية من المستوى البهيمي أولاً إلى المستوى الإنساني ، ثم من أدنى درجة في الإنسانية إلى أعلى درجة فيها حيث تبدأ الرتبة الملائكية .
إذن فالإنسانية التائهة والبشرية الضائعة وجدت ضالتها في بعثة النبي r من حيث السمو والرفعة والأمان، لأن الهدف هو الإنسان والغاية هي سعادته ونجاته.
وإذا ما نظرنا في جوانب هذه البعثة السمحاء سنجد ذلك متجلياً في مختلف الأوامر والنواهي ،سواء القضايا العقدية أو الوصايا الأخلاقية أو المسـائل التشريعية .
فللإنسان تساؤلاته الكبرى منذ أن ولد على ظهر هذه الأرض : من أنا ؟ ومن أين أتيت ؟ وكيف أتيت ؟ ولماذا أتيت ؟ وإلى أين المصير ؟ وما الغاية ؟ ولقد تتابع الوحي الإلهي تترا كما قال عز وجل: }ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ{ [سورة المؤمنون آية 44 ] .
لكي يطمئن الإنسان ويريحه، ويحل له ألغاز الوجود، وينقذه من عذاب التساؤلات، وظلام الحيرة ، وقلق الشك، وكلما ابتعد الإنسان عن منارة الوحي هاجمته شكوكه، وأقبلت عليه وساوسه، واستبد به شياطين الإنس والجن، وأحدق به أنصار الشر والفساد . فأراد الله عز وجل لهذه البشرية الهائمة رسالة خالدة، تحمل أجوبة خالدة، تظل ماثلة أمام العقول، وملامسة شغاف القلوب، فكانت بعثة المصطفى r ومعجزته الخالدة المشرقة في القرآن الكريم .
ومن نعم الله عز وجل ورحمته بهذه الأمة أنه تفضل عليها بالقرآن ومثله معه )ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه( ([3] ) ليكون بياناً ساطعاً، ونوراً مشرقاً، يسد الباب أمام عشاق الأوهام، وخفافيش الظلام، الذين ينشطون لأشكلة الواضحات وتعويص الهينات . فجاءت بحمد الله عز وجل :
- رسالة كاملة شاملة } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا { [ سورة المائدة آية 3 ] .
غطت كل جوانب الحياة العقدية والتشريعية والأخلاقية، وقام جهابذة العلم فيها بما يشبه المعجزة في التعليم والبيان ، والتأليف والإبداع في الأصول والفقه والحديث والتفسير والكلام ، وكل ذلك ظل دائماً مشدوداً إلى الأصلين العظيمين الكتاب والسنة.
- هادية منيرة مصحّحة مسدّدة } يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا{ [ سورة النساء آية 174 ] }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {[سورة المائدة آية 15 – 16 ] تخرج الناس من الظلمات إلى النور : من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن ظلمة المعصية إلى نور الطاعة ، ومن ظلمة الشك إلى نور اليقين، ومن ظلمة الخوف إلى نور الرجاء والأمان، ومن ظلمة الجور إلى نور العدل والقسط ، ومن ظلمة العصبية والجاهلية إلى نور الأخوة الإنسانية .
- واضحة بينة: " بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك " ([4] ) لا لبس فيها ولا غموض، ولا رموز ولا كتمان ، إنها أجلى من الشمس في رابعة النهار غير أن الأعشى لا يراها والأعمى لا يستفيد من نورها .
- ليس فيها حرج : }وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ{ [ سورة الحج آية 78 ]
- سهلة يسيرة : }لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا{[ سورة البقرة آية 286 ] "" إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه .. "([5] ) . "" يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا ""([6] ).
- فيها تنوع وثراء في تشريعاتها وتوجيهاتها، تمد الوجود الواقعي والحياتي دائماً بمعطياتها ونصائحها دون عسف أو غمط للواقع، ودون إهمال أو تفريط به .
- وفيها تنوع في خطابها بحسب أصناف الناس وقدراتهم وطاقاتهم من تقاعس أو نشاط، وقوة أو ضعف ، فتشجع القوي والنشيط وتحثه على المزيد "" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"" ([7] ) ولكنها لا تقنط الضعيف والفقير "" ففي كل خير "" - وتراعي حال المريض والمحرج والمضطر }لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة التوبة آية : 91 ]}لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ{[ سورة النور آية : 61 ] }فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {[ سورة البقرة آية 173 ]
- ولا تؤيس العاصي والمخطئ بل تدعوه إلى التوبة }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{[سورة النور آية 31 ]}إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ { [ سورة البقرة آية : 160].
"" التائب من الذنب كمن .."" ([8] ) .

- ولا تقطع أمل المنحرف والمسرف على نفسه بل تفتح له نافذة من الرجاء والأمل } قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [ سورة الزمر آية 53 ] لاحظ كيف يصف المسرفين بأنهم عباده ويضيفهم إلى نفسه سبحانه وتعالى ، ثم ينهاهم عن القنوط واليأس من رحمة الله ، ثم يعدهم بمغفرة الذنوب جميعاً دون استثناء ، ثم يعقب ذلك بوصف نفسه جل وعلا بالمغفرة والرحمة . ثم تأمل في هذه الآية كم فيها من معاني الرجاء للعصاة والمذنبين } وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [ سورة آل عمران آية 135 ]
- كما أنها بعدلها وإنصافها لا تسوّي بين الكسول المتقاعس والنشيط الجاد، ولا بين المهمل المقصر وصاحب الهمة والعزيمة ، بل تفتح الباب لكل واحد منهما للرقي والسمو ، وذلك عبر المراتب الثلاث : الإسلام والإيمان والإحسان .
فمن أراد أن يرقى فدونه الجبل لا أحد يمنعه، ودونه القمة فليتسلق إليها لا أحد يدفعه .} وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا {[ سورة الإسراء آية 19 ] فمن يعمل ويسعى ويجاهد ليس كمن ينام ويتقاعس }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ{ [سورة العنكبوت آية 6 وليس الناس على درجة واحدة من الهمة والعزيمة والقصد } ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ{ [ سورة فاطر آية 32 ]
- والإسلام طَموح ويعلم أبناءه الطموح والهمة العالية "" يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ..."([9] )ويربط الرقيّ بالعمل ،بل وبإتقان العمل أيضاً، ويدعو أبناءه إلى طلب القمة والسعي إليها "" إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى ""([10] )
هذه رسالة محمد r ، رسالة الإنسان ، رسالة السعادة ، رسالة الحضارة رسالة العدالة ، رسالة الرحمة . لا تنظر إليها من زاوية من الزوايا إلا وتجد فيها التشوّف إلى سعادة الإنسان وراحته ، ومنفعته وقد يدرك الإنسان أبعاد هذه المنفعة والسعادة وقد تخفى عنه فلا يلاحظها إلا بعد حين .
إنها رسالة تراعي سر الخلق في كيان الإنسان، لأنها تنزيل من العليم الخبير } أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{[ سورة الملك آية 14 ] فالإنسان مكوّن من جسد ونفسٍ وعقل وقلب وروح ، هذه هي كينونة الإنسان، وكل جزءٍ من هذه الكينونة له متطلباته وحاجاته، له غذاؤه الذي يليق به ، فجاءت رسالة الإسلام خاتمة الرسائل متوائمة مع متطلبات هذه الكينونة، تقيم التوازن في تلبية حاجاتها، وإن أي خلل في تلبية أجزاء هذه الكينونة يؤدي إلى شقاء الإنسان، فللروح غذاء العبادة والتبتل، وللجسد غذاء الطعام والشراب،وللنفس الطيبات من الرزق، وللعقل العلم والمعرفة ، وللقلب التفكر والتدبر ، وإذا ما طغى جانب من هذه الجوانب على غيره فإنه يؤدي إلى اختلال في توازن الإنسان ، وانفراط في نظامه فيشقى الإنسان } وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {[ سورة طه آية 124 ] .
فجاءت رسالة محمد r رسالة الرحمة لتحفظ نظام الكيان الإنساني من الانفراط، وعقد الكينونة من الاختلال، فأعطت كل ذي حق حقه "" فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا...""([11] )ورفضت نظام الترهبن والانسحاب من الحياة "" أما إني لأخشاكم لله وأتقاكم له وإني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "" ([12] ) .
فكانت تشريعاً معجزاً بديعاً، تستطيع أن تقول وأنت واثق من نفسك : إن نظام الرسالة المحمدية الكوني ينسجم تماماً مع الكون، وتتطابق بشكلٍ رائع آيات القرآن مع آيات الكون، كذلك إن نظام الرسالة التشريعي يتطابق بشكلٍ عجيب مع نظام الكينونة الإنسانية فرداً ومجتمعاً } أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ{[ سورة الملك آية 14 ] .
هذه رسالة الإسلام ، رسالة الإنسان ، رسالة الرحمة الإلهية ، وفي كثير من الأحيان يجهل الإنسان بدوافع من رغباته وأهوائه كم هو محظوظ، لأنه يتقلب في ربيع النعمة الإلهية ، والبركة المحمدية فيعرض الإنسان فرداً أو جماعة عن الاحتماء بمظلة الإسلام ، ويهيم ملاحقاً شهواته في فيافي الأوهام، ومفاوز الآثام ولا يكتشف ضلاله وضياعه إلا بعد فوات الأوان ، وكان يكفي الإنسان لكي يقي نفسه هذا الضلال والتيه أن يثق بربه عز وجل، ويقبل رسالته الهادية، ويقبل رسوله المبلّغ المبشّر، ويعتصم بحبله المتين ،ونوره المبين، فيوفر على نفسه ألواناً من الضنك وأشكالاً من الخيبة في مسيرة الحياة .
وهذا ما عمل وجاهد من أجله الأنبياء جميعاً عبر الأحقاب الزمنية المتوالية، ثم جاء خاتمهم المصطفى r ليكمل البناء وينير الطريق وينشر العدل ويتمم الهداية .
فكان r المثل الأعلى للبشرية في الأخلاق والأعمال، وكان الأسوة الحسنة لمن أراد أن يرقى في مدارج الكمال، وكان النموذج المتألق في التأنق والتحضر والجمال، وكان العلم الباسق في الرزانة والرصانة والثقة والاتزان والاعتدال r.
ولم يكن منفصلاً عن الناس يعيش في برجه العاجي، بل كان يأكل مما يأكلون ويشرب مما يشربون وينام كما ينامون .
"" ينام على الحصير فيؤثر في جنبه حتى يبكي سيدنا عمر تأثراً على حال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" ([13] )

"" وتمر الليالي والشهور ولا يوقد في بيته نار ""([14] )أي لا يوجد ما يطبخونه.
"" ويشد الحجر على بطنه من الجوع ""([15] )
"" ويمر على نسائه فلا يجد طعاماً فيقول إني صائم ""([16] ) .
"" ويطوي الأيام ثم إذا وجد الخل أكل منه فحمد الله ثم قال نعم الإدام الخل "" .([17] )
}َقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ...{ [ سورة التوبة آية 128 ] . أجل إنه r من أنفُسنا ومن أنفَسنا، حريص علينا ،شفوق بنا ،يحزنه عصياننا وانحرافنا، رؤوف رحيم بنا ، يقف على الصراط ويقول :
" رب سلم رب سلم "" ([18] )ويطيل السجود والدعاء والتبتل يدعو لأمته بالنجاة والسعادة والهداية .ويوم القيامة يسجد تحت العرش فلا يرفع رأسه حتى يقال له : إرفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع ! فيقول : يارب أمتي . ([19] ) لقد جعل همه هماً واحداً هو رضوان الله جل شأنه ، وتفرع عن هذا الهم حرصه الشديد على أمته رحمة ورأفة ورجاءً وهذا ما يعبر عنه هذا الحديث الشريف "" حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ : « إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا ، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِى تَقَعُ فِى النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا ، فَجَعَلَ يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا ، فَأَنَا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيهَا "" . ([20] ) إن غايته الكبرى هي نجاة أمته، نجاتها في الدنيا من دار الغرور ، وفي الآخرة من العذاب الحرور ، فهو لم يكن يخشى علينا
[1] فضيلة الدكتور فريد عبدالخالقأحد رموز الدعوة الإسلامية في القرن العشرين، عمل مديرا عامًا لدار الكتب المصرية ودار الوثائقالقومية في السبعينيات، ثم ****ا لوزارة الثقافة المصرية، وهو صاحب أحد أهم المؤلفات التي تناولت نظام الحكم في الإسلام وهو كتاب "في الفقه السياسي الإسلامي " .

[2] الكاتب الإسلامي والأستاذ بكلية الشريعة جامعة دمشق

([3]) سنن أبي داوود 13 / 324 . ومسند الإمام أحمد 37 / 107 برقم(16546)، وهو صحيح، ومخرج في ( تخريج المشكاة ) ( 163 و4247 )


([4]) راجع سنن أبي داوود – المستدرك على الصحيحين للحاكم – مسند الإمام أحمد – سنن ابن ماجه – المعجم الكبير للطبراني .

([5]) راجع صحيح البخاري برقم (38) – وسنن النسائي .

([6]) راجع صحيح البخاري – وصحيح مسلم .

([7]) راجع صحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجه .

([8]) سنن البيهقي الكبرى وشعب الإيمان للبيهقي أيضاً وسنن ابن ماجه والمعجم الكبير للطبراني .

([9]) سنن الترمذي وسنن النسائي الكبرى وصحيح ابن حبان ومسند الإمام أحمد والمعجم الكبير للطبراني . .

([10]) صحيح ابن حبان والمعجم الكبير للطبراني .

([11]) صحيح البخاري – وسنن النسائي وصحيح ابن حبان وغيرهما .

([12]) صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما .

([13]) صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما .

([14]) بَلْ كَانَ هَدْيُهُ أَكْلُ مَا تَيَسّرَ فَإِنْ أَعْوَزَهُ صَبَرَ حَتّى إنّهُ لَيَرْبِطُ عَلَى بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنْ الْجُوعِ وَيُرَى الْهِلَالُ وَالْهِلَالُ وَالْهِلَالُ وَلَا يُوقَدُ فِي بَيْتِهِ نَارٌ . راجع زاد المعاد لابن القيم 142 / 1 ..

([15]) راجع تهذيب الآثار للطبري 21 / 3 وحلية الأولياء لأبي نعيم 137 / 2 والسيرة النبوية لابن كثير 188 / 3 . وسبل الهدى والرشاد 104 / 7 .

([16]) سنن النسائي وسنن البيهقي الكبرى .

([17]) عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- سَأَلَ أَهْلَهُ الأُدُمَ فَقَالُوا مَا عِنْدَنَا إِلاَّ خَلٌّ. فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ بِهِ وَيَقُولُ « نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ نِعْمَ الأُدُمُ الْخَلُّ ». أخرجه مسلم .

([18]) الحديث في صحيح مسلم .

([19]) الحديث في صحيح البخاري .

([20]) الحديث في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما .
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-30-2012, 12:29 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

الفقر، بل كان خوفه علينا من الدنيا وانبساطها وإغرائها أشد كما قال للأنصار ذات يوم : « فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّى أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ » . ([1] )

وقال لسيدنا علي يوم خيبر : "" فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ »([2] )لأنه سيكون سبباً في إنقاذ رجل - بل ربما أسرة ممتدة إلى يوم القيامة - من الشقاء الأبدي والجحيم السرمدي .
لقد كانت رسالته r أشبه بالمظلة الباردة في اليوم القائظ ، وأشبه بالركن الدافئ في البرد القارس ، وأشبه بالغيث الصيّب في في السنة الجائحة القاحلة، وهكذا شبه رسول الله r بعثته المباركة فقال : « إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إِنَّمَا هِىَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِى دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِى اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ ».([3] )أجل إنه r كالغيث الهامع لهذه البشرية الشاخصة إلى السماء ، أحيا الله به قلوباً غلفاً ، وأعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، بل أحيا به الباري عز وجل أمة كانت في مجاهيل النسيان ، وبراثن الجهل، ومخالب الشتات والفرقة، فجعل منها أمة محورية بين الأمم ، وحضارة مركزية بين الحضارات، أقامت راية السماحة والمحبة ، ونصبت ميزان العدل والمساوة ، وأنارت دروب العلم والمعرفة فكانت مثالاً يُحتذى ونبراساً يقتدى .
هذه رسالة محمد r ذلكم الطفل اليتيم الذي نشأ وترعرع في ربوع مكة يرعى أغنامها ، ويراقب أحلامها ، ويعايش شبابها، ويرافق تجارها، ويخالط زعماءها، ويحضر مجالسها وأحلافها – حلف الفضول – ويشارك في حروبها – حرب الفجار – فكان مثالاً للرجولة ، وعنواناً للأخلاق، ونبراساً للصدق والأمانة، فاستحق بجدارة لقب الصادق الأمين من أعدائه وخصومه قبل أقربائه وأصدقائه . فتهيأ لتحمل المسؤولية العظمى بأن يكون رسولاً للناس أجمعين، ورحمة مهداة للعالمين، ومبلغاً لآيات الوحي المبين .
فكان rبإزاء هذه النعمة الكبرى عليه ، وهذا الفضل الرباني العظيم } وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا {[ سورة النساء آية 113 ] لا يرى نفسه إلا عبداً لله عز وجل "" يجوع يوماً فيصبر ويدعو ويتضرع إلى ربه عز وجل ، ويشبعيوماً فيشكر ربه ويحمده "([4] )يرجو رحمة الله ويخاف عقابه سبحانه وتعالى أليس هو القائل صلى الله عليه وسلم : « لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ » . قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « لاَ ، وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِى اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ » ([5] ) .

وبرغم ما أكرمه الله عز وجل به من النصر العزيز، والفتح المبين لم يشمخ بأنفه إلى السحاب كما يفعل القادة عادة ، ولم يصدع رؤوس الناس بعظمته وانتصاراته كما يفعلون عادة، ولم يُنكّل بأعدائه وخصومه الذين آذوه وطردوه وقتلوا أصحابه وأحبابه، بل قال كلمته المشهورة التي ينبغي أن تُكتب برؤوس الأبر على آماق البصر، وبماء الذهب على شغاف القلب، قال r "" اذهبوا فأنتم الطلقاء ""([6] ) لمن ؟!
لمن طردوه وآذوه أشد الأذى، وقاتلوه أشد القتال، وتكالبوا عليه، وألّبوا عليه العرب، وقتلوا أعز الناس على قلبه ! قال لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء ! .
يدخل الفاتحون المنتصرون عادة إلى البلدان المهزومة بالزغاريد والشموخ والأبهة والعظمة ، فكيف دخل المصطفى r مكة المكرمة ؟
دخل وهو يركب فرسه متواضعاً متخشعاً لله عز وجل، يترنم بسورة الفتح ويتطلع إلى السماء شاكراً لربه عز وجل، ومستمطراً رحمته وكرمه .
إن حالة دخوله r إلى مكة فاتحاً منتصراً وحوله كتيبته الخضراء ، هذه الحالة من التواضع والتذلل في مثل هذا الموطن الذي يدعو إلى الزهو والتعاظم، لهي رسالة إلى كل عقل حر ، وقلب حي ، وإنسان صادق في بحثه عن الحقيقة تخبره عن حقيقة هذا الرجل من هو ؟! أهو طالب ملك ؟ ها هو الملك بين يديه فلماذا لا يتعاظم به؟ أهو رائد دنيا وعظمة ؟ ها هي الدنيا والعظمة تتضاءل بين يديه فلماذا لا يمتلكها ؟ أم هو نبي مرسل يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه ويبتغي رضوانه ؟
أجل لقد اقترب منه رجل أعرابي فرأى حوله جنده وجيشه غاطسون في الحديد، فأخذته رعدة من الخوف فهدأ النبي r من روعه وقال له : ياأخا العرب إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة ([7] )!
أجل إنه r في هذه اللحظة الحاسمة بعد عشر سنوات من الجهاد والحروب ها هي مكة بين يديه ، وأهلها طوع أمره، وعتاتها وطغاتها في قبضته، إنها صورة رائعة تدعو إلى التطاول والكبرياء، وتغري بالانتقام، ولكنه rوقد أدّبه ربه عز وجل فأحسن تأديبه، تذكّر أن هذا فضل من الله عز وجل، وكرم وتوفيق ونصر منه سبحانه وتعالى، ثم عاد مباشرة بذاكرته إلى الأيام الخوالي، يوم كان طفلاً يتيماً فقيراً مُعدما،ً يوم كانوا يرشون التراب في وجهه، يوم كان يرعى الأغنام، يوم الطائف، يوم الجزور، يوم الحصار والجوع، ثم توقف عند صورة مؤثرة هي: يوم كان يأكل القديد مع أمه بمكة !! أجل ياأخا العرب فأنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة ! .
في وسط البهجة والانتصار، وفي وسط المجد والفخار، وفي وسط العزة والاقتدار، يتذكر ويُذكّر النبي rبحالة ضعفه وفقره لينفعل مع جيشه وجنده والناس جميعاً بالشكر لله عز جل ، فكل ما هو فيه الآن هو محض فضل وإنعام من الله جل وعلا.
ولم يستطع بعض أصحابه أن يئد حالة الزهو والفخر في كيانه، فقال وهو يمر على بعض سادة قريش الواجمين المنكسرين : اليوم يوم الملحمة، ونُقل ذلك له r فقال : بل اليوم يوم المرحمة ([8] )، ونزع اللواء من صاحبه وأعطاه لابنه – لابن صاحب اللواء - وهنا تتجلى رحمة النبي r وسياسته في إصلاح الأخطاء، وتأليف القلوب ، وتضميد الجراح ، وتنظيف الصدور ، وتطييب الخواطر .
إنه r قد كف نفسه عن شهوة السلطان والملك، وغرور القوة والتمكين، ورغبة التشفي والانتقام، وأراد للناس جميعاً أن يتعايشوا متحابين متكافلين تحت مظلة التوحيد والعدل .
جاءه عثمان بن طلحة بمفاتيح الكعبة، فتناولها منه النبي r ففتح الكعبة المشرفة وصلّى فيها ثم أعادها إليه وقال له : خذوها لا ينزعها منكم إلا ظالم . ولا شك أن عثمان خجل من نفسه، وتمنى لو تبتلعه الأرض حين فاجأه النبي بهذا الكلام، ذلك لأنه يذكر يوماً آخر في مكة قبل هذا اليوم ، حين كان النبيr فقيراً وحيداً مُكذَّباً طريداً، فقد طلب منه النبي r المفاتيح، فأبى عثمان، فقال له النبي r: كيف بك ياعثمان ذات يوم والمفاتيح بيدي أضعها حيث أشاء؟ فقال له عثمان : لقد ذلّت قريش يومئذ وهانت ، فقال المصطفى r : بل عَمَرت وعزت ([9] ).
وقد ذكّره النبي r بذلك فقال له : ألم يكن الذي قلت لك ؟ ولكن لا ليجرح خاطره، وإنما ليزيده إيماناً بنبوته ، وقد فهم عثمان الرسالة فقال : بلى أشهد أنك رسول الله . وبدلاً من التفكير بالانتقام أكرمه النبي r غاية الإكرام . أجل إنه يتمثّل قول الله عز وجل : }فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ { [ الحجر آية 85 ] وقول سبحانه وتعالى فيه : } فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ { [ سورة آل عمران آية 159 ]
هكذا كانت رسالته r، وهكذا كانت دعوته : المحبة التسامح، والعفو والرحمة، والتواضع لله جل شأنه . تأمل في قوله r : "" عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « إِنَّ مَثَلِى وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ ، وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ » ."" ([10] ) كم يحمل هذا الحديث من دلالات معبرة ، ومعاني مؤثرة، فهو r يرى أن الدين بناء شكل الأنبياء جميعاً فيه لبنات متماسكة، ولم يبق من هذا البناء إلا مقدار لبنة ، وكان البناء جميلاً وبديعاً تعجب منه الناس، وتمنوا لو وضعت تلك اللبنة، فكانت بعثته rهي لبنة الكمال، ولكنه r لم يجعل من نفسه ركيزة البناء، أو أحد جدرانه، وإنما جعل من نفسه لبنة في بناء النبوة، يتراصّ مع إخوانه من الأنبياء السابقين ليتكوّن للبشر بناء يحقق لهم المأوى والمثوى والسعادة في الدنيا والآخرة، فلم يبخس النبيُّ إخوانَه من الأنبياء - عليهم السلام جميعاً - حقهم، ولم ينكر فضلهم وجهادهم .
إنه r يعلمنا كيف نتكامل "" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "" ([11] )ويعلمنا كيف نتواضع فيقول : "" « وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ». "" ([12] ) ويعلمنا كيف نتعاون ونتراصّ ، لكي نكون أقوى في مسيرة الحياة، وأقدر على الإعمار، وأصبر على الشدائد .
أما هو r فقد بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمّة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين، وخُيِّر فاختار الرفيق الأعلى .
ولقد قصّرت الأمة في الوفاء بحقه r في هذا العصر، فلم تحسن عرْض سيرته على الناس، فتعرّض له الناس ، وأساؤوا لأعظم إنسان عاش على ظهر هذه الأرض ، وجاهد لتطهيرها من الفساد والظلم والخداع والكذب والاستبداد .
ومن واجب الأمة الآن أن تخاطب الأمم بلغاتها، ومن خلال ثقافاتها وحضاراتها ، وأن تراعي تغيرات الأفهام، وتبدلات الأعصار، واختلاف الوسائل، والتباس المسائل ، فتكشف الغيوم الداكنة بشمس الحقائق الساطعة ، وتكنس الأوهام المتراكمة، بالحجج النيرة والبراهين الميسَّرة عن سيرة وشخصية وحياة سيدنا رسول الله r ، وأن تخاطب بذلك الناس جميعاً، بمختلف بلدانهم وعقولهم ولغاتهم، وأن تحشد لذلك كل الإمكانات العقلية والفكرية والسياسية والإعلامية والمادية .
وفي هذا الإطار يأتي كتاب الأخ الفاضل، والصديق المكرّم محمد مسعد ياقوت، وهو باحث نشط ، بدايته مشرقة، وأرجو من الله عز وجل أن تكون كذلك نهايته بعد عمر طويل، عامر بالعطاء والثراء، ليقف على ثغر من ثغور الإسلام، يصد عنه المتكالبين بالحجة والبرهان، ويدعو إليه التائهين بالكلمة والحكمة والبيان .
أسأل الله عز وجل له ولي دوام التوفيق والسعادة ، وحسن القصد والريادة، والإخلاص والسداد في القول والعمل إنه سميع قريب مجيب .
وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
والحمد لله رب العالمين .
أحمد إدريس الطعان
عفا الله عنه

داريا 8 / 9 / 2007 م منتصف ليلة الأربعاء .










الحاقدون وصور من الإساءات
صدور كتاب "نبي الخراب":
صدور كتاب باسم "نبي الخراب" Prophet Of Doom – بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 - للمؤلف كريك ونن Craig Winn الذي وصف النبي – صلى الله عليه وسلم - بقاطع طريق استعمل - حسب زعمه – العنف والغدر للوصول إلى الحكم والسلطة، وكان أيضا حسب زعم المؤلف شاذًا جنسًيا ! والكتاب حقق مبيعات خيالية!!

رسوم كاريكاتيرية :
أعلنت صحيفة (يولاندس بوستن) ، في سبتمبر 2005عن مسابقة في الكاريكاتير، وتم اختيار اثنى عشركاريكاتيراً كلها تسيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وتصدر احداها رسماًمزعوماً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يضع على رأسه عمامة على شكل قنبلة شديدةالانفجار. والجريدة أصرت على النشر، ورفضت الاعتذار.
ثم أعادت نشر هذه الرسوم عدة صحف أوروبية بدعوى التضامنمع الصحيفة الدنماركية، ورفضت جميع هذه الصحف الاعتذار عن تلك الرسوم المسيئة، تحت زعم حرية التعبير، كما رفضت الحكومة الدنماركية الاعتذار أيضًا .
هذا، وقد نشرت صحيفة "نيريكيس أليهاندا" -وهي صحيفة سويدية محلية تصدر في أوريبرو- رسومات مسيئة تصور الرسول الكريم- صلى اللهعليه وسلم -في أشكال مهينة بعددها الصادر الأحد 26 أغسطس 2007؛ ما أثار موجةاحتجاجات محلية من جانب الأقلية الإسلامية في السويد.

كتيبات مسيئة:
قامت شركة دار نشر القمر CRESCENT MOON PUBLISHING، الأمريكية، بنشر كتيب كاريكاتيري، سافل، أسمه : "محمد صدق و إلا" ، لحساب رسام إستعمل اسم مستعار و هو "عبدالله عزيز" ، والكتيب عبارة عن 26 صفحة، يتناول السنة النبوية بشكل مهين جدًا، بهدف إقناع السود الأمريكين بعدم التحول إلى الإسلام.

تصريحات همجية :
أدلى مارتين هنريكسن النائب عن حزب الشعب الدانمركي، بتصريح نشرته صحيفة (بيرلنسكةيتذته) وبثه هنريكسن على موقعه الإلكتروني ، والذي قال فيه (إن الإسلام منذ بداياته كان عبارة عن شبكة إرهابية) ووصف المسلمين المنحدرين من جذور دانمركية بأنهم أناس (ساقطون أخلاقياً، إلى مستوى يصعب وصفه، وانهم يخونون جذورهم وإرثهم الحضاري باعتناقهم الإسلام) وأكد هنيكسن أنه لن يتراجع عن هذه التصريحات، .ولم يكن هنريكسن الوحيد الذي وصف المسلمين بهذه الأصواف البذيئة بل سبقه بها نائبة من نفس الحزب تدعى (لويسة فيفرش) التي وصفت المسلمين بأنهم" غدة سرطانية" .

إساءة بابا الفاتيكان لنبي الرحمة :
تطرق البابا بنديكتوس السادس عشر خلال محاضرة شهيرة مثيرة للجدل في جامعة ريغينسبورغ جنوب المانيا – في سبتمبر 2006 - عن العلاقة بين العقل والعنف في الإسلام، وستشهد بهذه المناسبة بكتاب للامبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350-1425)م، ونقل منه عبارة تقول :" أرني شيئا جديدًا أتى به محمد، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف" .. !!
وقال البابا – في نفس المحاضرة - إنّ العقيدة المسيحية تقوم على المنطق لكن العقيدة في الإسلام تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق. كما انتقد فريضة الجهاد في الإسلام بلغة مبطنة.

دعوات بنسف مكة والمدينة ومصادرة المصاحف :
تصريحات صليبية أطلقها نائبا الكونجرس الأمريكي والبرلمان الهولندي حول الإسلام (في أغسطس 2007)؛ حيث طالب "توم تانكريدو " - النائب الجمهوري بالكونجرس - بنسف مدينتَي مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ باعتبارهما مَعقِلَي الإرهاب على حدِّ وقاحته، أماعضو البرلمان الهولندي" غيرت فيلدرز " فقد دعا إلى منع المصحف الشريف وقراءة القرآن حتي في منازل المسلمين، واصفًا القرآنالكريم بالكتاب اللعين. ودعا فيلدرز إلي منع إدخال القرآن إلي المساجد في هولندا ولمنع بيعه في مكتبات هولندا.


مذيع كبير يسب الأمة الإسلامية :
فقد شبّه مذيع أمريكي بارز المسلمين بال "الصراصير" ، لأنهم يصومون في نهار رمضان، ويأكلون في الليل. ففي برنامجه الإذاعي الذي يُبثّ في جميعأنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، انتقد "نيل بورتز" طلب عدد من المستشفياتالحكومية في اسكتلندا العاملين بها بتناول الطعام بعيداً عن المكاتب خلال شهر رمضان، حفاظاً علي مشاعر زملائهم المسلمين الصائمين، معتبراً أن هذا دليل علي ما أسماه أسلمة غرب أوروبا .
تقول جريدة الراية القطرية (في عدد 17/8/2007) : وليست هذه المرة الأولي التي يهاجمفيها "بورتز " المسلمين، حتي صار معروفاً بتصريحاته المعادية لهم. ففي اكتوبر 2006وصف الإسلام أنه فيروس مميت، ينتشر في جميع أنحاء أوروبا والعالم الغربي . مضيفاً: سوف ننتظر طويلاً جداّ حتي نطوّر لقاحاً لنكافحه به . وبحسب نص التصريحات قال بورتز أعتقد أن المسلمين لا يأكلون أثناء النهار في رمضان. إنهم يصومون خلال النهار ويأكلون بالليل. (إنهم) نوع منالصراصير .





















بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
ما أكثر الحروب الإعلامية التي تشن لتشويه صور العظماء ! وما أقبحها حينما تجعل من الفساق فضلاء، ومن الأخيار أشرارًا، حينها نرى وسائل الإعلام المغرضة أبواقًا تنفث سمها يمنة ويسرة، لتتخلى عن رسالتها الإنسانية وترتدي عباءة الذل والعار..
لقد أساءت إلينا جميعًا، وأساءت لكل إنسان، تلك الإساءات المتكررة لجناب نبي الإنسانية وسيد ولد آدم .. رسوم كاريكاتيرية .. كتب .. صحف .. برامج تلفزيونية ..تصريحات من أعلى القيادات السياسية والدينية .. أصبح شغلها الشاغل تشويه صورة " محمد بن عبد الله " ومحاولة النيل من دينه وشرفه وأخلاقه..
إنها محاولات حمقاء، تحاول أن تطعن في أقوى سلاح يمتلكه نبي الإسلام، إنه سلاح "الرحمة ".. إنهم يتهمون نبي الإسلام rفي أخص خصائصه على الإطلاق، ألا وهي خصيصة " الرحمة"، التي ساد وقاد بها العالم .
وكون هذه الإساءات لا تضير نبي الرحمة- فلا يضر السحاب نبح الكلاب- لا يعفي المسلمين المعاصرين من المسئولية أمام الله تعالى، فضلاً عن المسئولية أمام التاريخ الإنساني والإسلامي ..
نعم، نحن مسؤلون أمام الله يوم القيامة عن سكوتنا عن هذا المنكر الفظيع، وسلبيتنا أمام هذا الظلم المريع . ومسؤلون أيضًا أمام التاريخ، وعرضة أكيدة للسب واللعن من أحفادتنا حينما توارينا الأيام والسنون تحت أطباق التراب .. عندها نموت وقد لحق بنا العار؛ أن سُب رسولنا الأعظم– صلى الله عليه وسلم – ونحن في خرص ونيام وسلبية !
سييقول أحفادنا -وهم يلعنوننا – لقد سُب رسول الله في عصركم ولم تفعلوا ما يبيض الوجه ويزيل حمرة الخجل !
آن لنا أن يبرىء كل منا ذمته، على النحو الذي يتفق وقدراته .. فكل مسلم الآن " واجب عليه أن يعرف الناس برسول الله وينصره قدر استطاعته " ..
فالمعلم والمدرس والأستاذ يغرس في نفوس تلاميذه وطلابه قيم حب النبي – صلى الله عليه وسلم - وتوقيره والاقتداء به .
ورب الأسرة يربي الأولاد على منهج النبي – صلى الله عليه وسلم – يحفظهم الغزوة كما يحفظهم السورة من القرآن.
والموظف في مكتبه، يعلي من قيمة حب النبي – صلى الله عله وسلم – بين زملائه وأمام المواطنين .
والمدير في شركته أو مصنعه، يجعل من نصرة النبي – صلى الله عليه وسلم – وتعميق حبه في نفوس العاملين هدفًا ساميًا من أهداف مؤسسة العمل .
والإعلامي والصحفي يرصد كل إساءة لديننا ونبينا، فيفندها، ويناقشها، ويتثير همم الجماهير في الزود عن حياض الدين، واتباع منهج ****** – صلى الله عليه وسلم -
والتاجر والصانع يقاطع منتجات الأعداء ومنتجات كل دولة أو حكومة أساءت لنبينا – صلى الله عليه وسلم - .
إن رجال الأعمال والأغنياء عليهم دور كبير، وواجب أكيد في التعريف بنبي الرحمة ونصرته بأموالهم، عليهم أن يدعموا الكتب والإصدارات والفعاليات التي من شئنها التعريف بنبي الرحمة ونصرته .
أحرى برجال الأعمال المسلمين أن ينفقوا – ولو من ذكاة أموالهم – في تأسيس مثل هذه المشاريع الخيرية التي من شأنها نصرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وليتهم ينفقون معشار ما ينفقه الغرب على الحرب على الإسلام ونبي الإسلام !
ولذلك رأيتأن أقوم – بدوري - وإلقاء الضوء على صفات النبي rالدالة على رحمتة بالبشرية وأخلاقه وشمائله وخصائصه، وتعامله مع المسلمين وغيرهم، وذلك بإسلوب سهل ويسير..وقد جعلت البحث يتحدث بلسان حال علماء الغرب الذين أنصفوا رسول الإسلام r في كتاباتهم ودراساتهم.
ولقد تبين لي من خلال هذا البحث أن الكثير من علماء الغرب قد كشفوا عن الكثير والكثير من الجواهر والدرر في حياة محمد r، فبينوا الكثير من مظاهر الرحمة والدروس والعبر في سيرة ومسيرة النبي محمد r ..

وتنبع أهمية هذا البحث ؛ من كونه رسالة تعريف مبسطة لنبي الإسلام في وقت تكالبت فيه الأقلام المسمومة والألسنة الحاقدة للنيل من مكانته r ..
والدراسة إذ تُّسْهم بمحاولة توضيح صورة نبي الإسلام للعالم، تنطلق من الإيمان بأهمية شهادات العلماء الغربيين المنصفين لنبي الإسلامr.
فرب شهادة باحث غربي أوقع في قلوب الغربيين من نصوص إسلامية كثيرة !

ولقد جعل البحث من أدبيات علماء الغرب وحديثهم عن فضائل النبيr، مصدراً رئيسياً للبحث، ولم يستخدم البحث الأسلوب المعتاد أو التقليدي في الحديث عن شمائل النبي r، بل استخدم أدبيات الغرب أنفسهم في الحديث عن أخلاقيات وشمائل النبي r. هذا، و ركز البحث على تناول مظاهر الرحمة في شخصية محمد r، بلغة سهلة، غير إنها تخاطب العقل، وتحرك الوجدان، واعتمدتُ على الدراسات الإستشراقية المنصفة بالأساس.. إضافة إلى كتب السيرة والشمائل والحديث النبوي والدراسات العربية المعاصرة.
مخطط البحث :
المقدمة :
الفصل الأول: من هو محمد r ؟ ، وفيه :
المبحث الأول: تعريفٌ عامٌ بنبي الرَحْمَة r
المطلب الأول : الميلاد والنشأة
المطلب الثاني : أخلاق وصفات محمد
المطلب الثالث : حال العالم عشية البعثة
المطلب الرابع :النبوة والوحي :
المطلب الخامس : لمحة مختصرة عن سيرة النبيr:
المبحث الثاني: محمد rرحمة للعالمين في أدبيات الغرب
المطلب الأول:شهادة إنجيل برنابا
المطلب الثاني: شهادة الراهب النصراني بحيرا
المطلب الثالث: شهادة العلامة توماس كارلايل
المطلب الرابع : شهادة المفكر البريطاني لين بول
المطلب الخامس : شهادة السير وليم موير
المطلب السادس: شهادة القسيس السابق دُرّاني
المطلب السابع : شهادة الكاتب الإسباني "جان ليك"
المطلب الثامن : شهادة العلامة واشنجتون ايرفنج
المطلب التاسع : شهادة الباحث الفرنسي جوستاف لوبون
المطلب العاشر: شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر
المبحث الثالث: خصائص رحمته r
المطلب الأول: ربانية الرحمة
المطلب الثاني : دعوية الرحمة
المطلب الثالث : عالمية الرحمة
المطلب الرابع : عبقرية الرحمة
المطلب الخامس : وسطية الرحمة
المطلب السادس : عملية الرحمة
الفصل الثاني : رحمته للعالمين في مجال التنوير والحضارة، وفيه :
المبحث الأول: التنوير والتوحيد:
المطلب الأول : محمد r تنويرياً عملاقًا:
المطلب الثاني : نضاله في إخراج الناس من الظلمات إلى النور
المطلب الثالث : نجاح حركة التنوير
المبحث الثاني: التحضر والرقي
المطلب الأول : العرب من القبيلة إلى الدولة والأمة:
المطلب الثاني : إشادة العلماء الغربيين بجهود النبي r
المطلب الثالث: فضل النبي في تحضر العالم
المبحث الثالث: التسامح الديني
المطلب الأول : محمد[r]الحاكم المتسامح الحكيم المشرع
المطلب الثالث: استقبال الوفود النصرانية
المطلب الرابع : الحرية في الاعتقاد وممارسة الشعائر
المبحث الرابع: رعاية العلم والمعرفة
المطلب الأول : بداية عصر العلم والمعرفة:
المطلب الثاني : القراءة أولي تعاليم النبيr :
المطلب الثالث : احترام العقل
المطلب الرابع : حثه على طلب العلم
المطلب الخامس: العلم من وظائف رسالته
المطلب السادس : من توجيهات النبيr
المبحث الخامس: الخطاب التربوي
المطلب الأول : المعلم الرحيم
المطلب الثاني: نماذج رحمته للمتعلمين
المطلب الثالث : أساليبه في الخطاب التربوي:
المبحث السادس: خدمة الإنسانية
المطلب الأول : النبيrخادم الإنسانية
المطلب الثاني: خطبة الوداع : الميثاق الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان
المطلب الثالث: توجيهات إنسانية
الفصل الثالث: رحمتهللعالمين في مجال الأخلاق ، وفيه :
المبحث الأول: الرفق واللين
المطلب الأول: طريق محمد .. طريق الرفق
المطلب الثاني : حثه على الرفق
المطلب الثالث: نماذج رفقهr
المبحث الثاني: العفو
المطلب الأول : محمد rالعفو .
المطلب الثاني : نماذج عفوه r
المبحث الثالث: العدالة والمساواة
المطلب الأول : محمد r حاكمًا عادلاً
المطلب الثاني : العدالة ومساواة في معاملاته اليومية
المطلب الثالث: نماذج عدله في سنته وسيرته r :
المبحث الرابع: الحب والإخاء
المطلب الأول : الأُخوة مكان العصبية
المطلب الثاني : لماذا نجح النبي r في تحقيق الحب والإخاء ؟
المطلب الثالث : نماذج تعاليمه r :
المبحث الخامس: سماحته في المعاملات المالية
المطلب الأول : حثه على السماحة في المعاملات المالية :
المطلب الثاني : نماذج سماحته في المعاملات المالية
الفصل الرابع: رحمته للعالمين في مجال التشريع ، وفيه:
المبحث الأول: المرونة والتجديد:
المطلب الأول – شهادة علماء الغرب
المطلب الثاني: الشريعة الإسلامية : ثوابت و متغيرات
المطلب الثالث : في مجال الثابت و مجال المتغير
المطلب الرابع : منطقة الفراغ التشريعي والنصوص المحتملة:
المطلب الخامس : ***** الثابت و تجديد المرن
المبحث الثاني: الوسطية والاعتدال:
المطلب الأول: شهادة علماء الغرب
المطلب الثاني : حثهr على الوسطية وتحذيره من التشدد
المطلب الثالث : وسطية الإسلام في الأحكام
المبحث الثالث: التيسير:
المطلب الأول – شهادة علماء الغرب
المطلب الثاني : نماذج التيسير
المطلب الثالث : حثه على التيسير
المبحث الرابع: الرخص الشرعية:
المطلب الأول : الرخص الشرعية : ماهيتها وشرعيتها
المطلب الثاني : نماذج الرخص الشرعية
المبحث الخامس: التدرج في التشريع:
المطلب الأول : التدرج في التشريع: مفهومه والحكمة منه :
المطلب الثاني : نماذج للتدرج في التشريع :
الفصل الخامس : رحمته للعالمين في ميدان الصراعات السياسية والعسكرية ، وفيه:
المبحث الأول: الحوار لا الصدام
المطلب الأول : الحوار مظهر من مظاهر الرحمة
المطلب الثاني : الإسلام يرفض المركزية الحضارية
المطلب الثالث : نماذج عملية من سيرة النبيr
المبحث الثاني: حرصه r على نشر السلام
المطلب الأول : محمدr رجل السلام
المطلب الثاني : نموذج في حادث بناء الكعبة
المطلب الثالث : نماذج المعاهدات مع القبائل المجاورة للمدينة :
المطلب الرابع: نموذج في معركة الأحزاب
المطلب الخامس : نموذج معاهدة الحديبية
المطلب السادس: نموذج الصلح مع أهل خيبر
المبحث الثالث: رحمته للخصوم والأعداء
المطلب الأول : لماذا القتال ؟
المطلب الثاني : محمد r القائد الرحيم
المطلب الثالث : هدي محمد في المعارك :
المطلب الرابع: فرية العنف ونشر الإسلام بالسيف :
المطلب الخامس : فرية : القتل الجماعي ليهود بني قريظة
المبحث الرابع: رحمتهr للأسرى
المطلب الأول : نماذج في معركة بدر
المطلب الثاني : نموذج معركة بني المصطلق
المطلب الثالث : نموذج معركة حنين
المطلب الرابع : نماذج أخرى.
المبحث الخامس : رحمته لقتلى العدو
المطلب الأول : مواراة جيف قتلى العدو في بدر:
المطلب الثاني : جثة نوفل بن عبد الله
المطلب الثالث : جثة عمرو بن ود
المبحث السادس :رحمته لأهل الذمة
المطلب الأول : من هم أهل الذمة وما موقف نبي الإسلام منهم ؟
المطلب الثاني : شهادات علماء الغرب :
المطلب الثالث : وصايا النبي r بأهل الذمة والتحذير من إيذائهم:
المبحث السابع: قيم حضارية في غزوة بدر الكبرى[ نموذجًا]
المطلب الأول : لا نستعين بمشرك على مشرك :
المطلب الثاني : مشاركة القائد جنوده في الصعاب:
المطلب الثالث الشورى :
المطلب الرابع : النهي عن استجلاب المعلومات بالعنف :
المطلب الخامس : احترام آراء الجنود:
المطلب السادس : العدل بين القائد والجندي :
المطلب السابع : الحوار قبل الصدام :
المطلب الثامن : الوفاء مع المشركين :
المطلب التاسع : حفظ العهود :
المطلب العاشر : النهي عن المثلة بالأسير :
الفصل السادس: رحمته للعالمين في مجال المرأة والطفل، وفيه:
المبحث الأول – تحرير المرأة من الجاهلية:
المطلب الأول : محمد r منقذ المرأة
المطلب الثاني : افتراءات وردود
المبحث الثاني : مميزات المرأة في الإسلام
المطلب الأول: الاستقلال الفكري للمرأة
المطلب الثاني: حقوق المرأة في أمور الزواج
المطلب الثالث: حقوق المرأة في الميراث والتملك
المطلب الرابع: حق المرأة في العمل
المطلب الخامس: تقدير الدور السياسي للمرأة
المطلب السادس: إحترام جوار المرأة
المطلب السابع : تأملات في هذه المميزات
المبحث الثاني: رحمته للبنات
المطلب الأول : فضل النبيr على البنات
المطلب الثاني : نماذج رحمتهr للبنات:

([1]) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

([2]) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

([3]) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

([4]) عن أبي أمامة الباهلي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « عرض علي ربي عز وجل أن يجعل لي بطحاء مكة ذهبا ، فقلت : لا يا رب ، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما ، فإذا شبعت حمدتك وشكرتك ، وإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك ». راجع شعب الإيمان للبيهقي 343 / 21 وحلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني 133 / 8 .

([5]) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

([6]) انظر السنن الكبرى للبيهقي وسيرة ابن هشام وسائر المصنفات في السيرة أثناء الحديث عن فتح مكة .

([7])سنن أبي داود (3303) وهو في " السلسلة الصحيحة " 4 / 496


([8]) أخرجه البخاري وفيه زيادات مختلفة عند البيهقي في السنن ودلائل النبوة له أيضاً والمعجم الكبير للطبراني، وتراجع كتب السيرة المختلفة عند قصة الفتح . .

([9]) راجع : زاد المعاد لبن قيم الجوزية 356 / 3 .

([10]) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .

([11]) أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين 4 / 28 وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وقال الذهبي في تعليقه : على شرط مسلم . وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 10 / 192 والطبراني في المعجم الأوسط 15 / 165 .

([12]) أخرجه مسلم في صحيحه والبخاري في الأدب المفرد وأبو داوود في سننه وابن ماجه والبيهقي في سننهما وغيرهم .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-30-2012, 12:31 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

المبحث الثالث: رحمته للأطفال
المطلب الأول : شهادة علماء الغرب
المطلب الثاني : نماذج رحمته للأطفال :
المبحث الرابع: رحمته للأيتام
المطلب الأول : النبي r اليتيم :
المطلب الثاني : نماذج في رحمتهr لليتيم:
المبحث الخامس: رحمته للأرامل
المطلب الأول: حثه على السعي على الأرامل:
المطلب الثاني : سعيه على الأرامل
الفصل السابع: رحمتهr للضعفاء وفيه:
المبحث الأول: رحمته للفقراء
المطلب الأول : فضل النبي r على الفقراء
المطلب الثاني : نظام الزكاة – نموذجًا
المطلب الثالث: دوره r في مكافحة البطالة :
المبحث الثاني: رحمته للعبيد والخدم
المطلب الأول : تحرير العبيد
المطلب الثاني : فرية سن الإسترقاق:
المطلب الثالث : نماذج رحمته للعبيد :
المطلب الرابع: تحريم الاتجار بالبشر
المطلب الخامس – رفقه وعطفه على الخدم
المبحث الثالث: رحمته بذوي الاحتياجات الخاصة
المطلب الأول : الفئات الخاصة في المجتمعات الجاهلية:
المطلب الثاني : رعاية النبي r لذوي الاحتياجات الخاصة:
المطلب الثالث: الأولوية لهم في الرعاية وقضاء احتياجاتهم:
المطلب الرابع: عفوهr عن سفهائهم وجهلائهم :
المطلب الخامس : تكريمه وموساته r لهم :
المطلب السادس : زيارتهr لهم
المطلب السابع: الدعاء لهم
المطلب الثامن : تحريم السخرية منهم
المطلب التاسع : رفع العزلة والمقاطعة عنهم
المطلب العاشر: التيسير على ذوي الاحتياجات الخاصة
المبحث الرابع : رحمتهr للمسنين
المطلب الأول : حثه على إكرام المسنين والرفق بهم:
المطلب الثاني : نماذج رحمته r للمسنين :
المبحث الخامس: رحمته بالأموات
المطلب الأول : زيارته rلقبور الأموات
المطلب الثاني : مشاركته في دفن الأموات بنفسه r:
المطلب الثالث : حزنه r إذا فاتته جنازة وصلاته عليها
المطلب الرابع :توقيرهr للجنائز والقبور ولو كانت لغير المسلمين :
المطلب الخامس: دعاؤه r للأموات
المطلب السادس : بكاؤه r على الأموات وعند القبور:
الخاتمة : وفيها ملخص البحث ونتائج البحث والتوصيات
المصادر والمراجع
فهذا هو جهدنا المتواضع ..
وأسال الله أن يتقبله، وأن يهدي وينفع به،..وأن يجعله في ميزان حسنات كل من ساهم في نشره .
محمد مسعد ياقوت، مصر
جوال: 0020104420539
www.nabialrahma.com
الفصل الأول
من هو محمد r ؟
المبحث الأول : تعريفٌ عامٌ بنبي الرحمة r
المبحث الثاني : محمد rرحمة للعالمين في أدبيات الغرب
المبحث الثالث : خصائص رحمته r















المبحث الأول
تعريفٌ عامٌ بنبي الرَحْمَة r
المطلب الأول : الميلاد والنشأة :
هو محمد[1] بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، القرشي والذي يمتد نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ .
وللنبي عدة أسماء، أشار إلى بعضها في أحد الأحاديث، فقال " لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي (أي يُحشر الناس إثر بعثه)، وأنا العاقب"[2] والعاقب الذي ليس بعده نبي.
يقول المؤرخ الأمريكي رالف لنتون : "ولد محمد‏[‏r‏]‏ في مكة [20 أبريل 571م] من عائلة ذات مركز حسن، ولكنَّ أباه مات قبل ولادته، كما ماتت أمه عندما كان في السادسة من عمره.. وفي السنوات الأولى من سن المراهقة كان يعمل راعياً.. وعندما بلغ السابعة عشرة[3]من عمره ذهب إلى سوريا مع عمٍّ له[4] - بقصد التجارة –، وعندما أصبح في الرابعة والعشرين كان ينوب عن أرملة غنية – هي السيدة خديجة – في السفر بقافلتها التجارية، وبعد عام آخر- أي في عام 595م - تزوج تلك الأرملة التي كانت في الأربعين من عمرها، وكانت قد تزوجت قبل ذلك مرتين، ولها من زوجيها السابقين ولدان وبنت. وولدت له هذه الأرملة ولدين ماتا عندما كانا طفلين[5]، وأربع بنات. وفي السنوات الواقعة بين عامي 595-610 م كان محمد تاجراً محترماً في مكة، وكان يلقب بالأمين نظراً لما اتصف به من صدق وحكمة في أحكامه"[6] .
المطلب الثاني : أخلاق وصفات محمدr :
أولاً : أخلاقه :
عاش النبيrبعد وفاة عمه أبي طالب - في بيت جده عبد المطلب زعيم مكة، ومن ثم نال حظاً وافراً من الفطنة والفكر السديد، ومعايشة قضايا العالم ومشكلاته ونزاعاته .. فطالع النبي محمد r صحائف البشرية وأحوال القبائل والجماعات والأحلاف، وقد كان النبي r في ذروة الإيجابية مع قضايا أمته ، فهو عضو في " حلف الفضول " للدفاع عن المظلومين، ورفض كل صور الظلم، وأكل الحقوق بالباطل .. كما إنه حكم عدل في فض النزاعات والمشكلات التي تحدث بين القبائل والعائلات .. كان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلقًا، وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا، وألينهم عَرِيكة، وأعفهم نفسًا، وأوفاهم عهدًا.. إنه ـ ببساطة شديدة ـ كما وصفته[7] زوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ ، يصل الرحم، ويحمل الكل، ويُكسب المعدوم، ويُقري الضيف، ويُعين على نوائب الدهر .
1- الامتياز في الأخلاق :
يقول المستشرق آرثر جيلمان : "لقد اتفق المؤرخون على أن محمداً ‏[‏r]كان ممتازاً بين قومه بأخلاق جميلة؛ من صدق الحديث، والأمانة، والكرم، وحسن الشمائل، والتواضع.. وكان لا يشرب الأشربة المسكرة، ولا يحضر للأوثان عيداً ولا احتفالاً"[8] .
2- لم تشبه شائبة :
و يقول كارل بروكلمان:
"لم تشبْ محمداً [‏r]شائبة من قريب أو بعيد؛ فعندما كان صبياً وشاباً عاش فوق مستوى الشبهات التي كان يعيشها أقرانه من بني جنسه وقومه"[9]
3- المفكر الخلوق :
ويتحدث توماس كارلايل[10] عن نبينا محمد r قائلاً:
"لوحظ على محمد [r]منذ [صباه] أنه كان شابًا مفكرًا وقد سمّاه رفقاؤه الأمين – رجل الصدق والوفاء – الصدق في أفعاله وأقواله وأفكاره. وقد لاحظوا أنه ما من كلمة تخرج من فيه إلا وفيها حكمة بليغة . . وإني لأعرف عنه[r] أنه كان كثير الصمت يسكت حيث لا موجب للكلام، فإذا نطق فما شئت من لبّ ! وقد رأيناه[r] طول حياته رجلاً راسخ المبدأ، صارم العزم، بعيد الهم، كريمًا برًّا رؤوفًا تقيًا فاضلاً حرًا، رجلاً شديد الجدّ مخلصًا، وهو مع ذلك سهل الجانب لين العريكة، جمّ الِبشر والطلاقة حميد العشرة حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب، وكان على العموم تضيء وجهه ابتسامة مشرقة من فؤاد صادق.. وكان ذكي اللب، شهم الفؤاد.. عظيمًا بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك.. فأدى عمله في الحياة وحده في أعماق الصحراء"[11].
4- أعظم الناس مروءة
ويتحدث الباحث البلجيكي ألفرد الفانز: عن أخلاق محمد r فيقول:
"شب محمد [r] حتى بلغ ، فكان أعظم الناس مروءة وحلماً وأمانة ، وأحسنهم جواباً، وأصدقهم حديثاً ، وأبعدهم عن الفحش حتى عرف في قومه بالأمين ، وبلغت أمانته وأخلاقه المرضية خديجة بنت خويلد القرشية ، وكانت ذات مال ، فعرضت عليه خروجه إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة ، فخرج وربح كثيراً ، وعاد إلى مكة وأخبرها ميسرة بكراماته ، فعرضت نفسها عليه وهي أيم ، ولها أربعون سنة ، فأصدقها عشرين بكرة، وتزوجها وله خمسة وعشرون سنة، ثم بقيت معه حتى ماتت. "[12] .
5- احترام الناس له :
ويتحدث الباحث الروسي آرلونوف، عن نبي الرحمة، ويقول :
"اشتهر [r] بدماثة الأخلاق، ولين العريكة، والتواضع وحسن المعاملة مع الناس، قضى محمد [r] أربعين سنة مع الناس بسلام وطمأنينة، وكان جميع أقاربه يحبونه حباً جماً، وأهل مدينته يحترمونه احتراماً عظيماً، لما عليه من المبادئ القويمة، والأخلاق الكريمة، وشرف النفس، والنزاهة ."[13].
6- أقوال من عاصروه :
هذه بعض أقوال علماء الغرب المنصفين في حديثهم عن أخلاق محمد ..
فماذا كانت أقوال من عاصروا النبي وكانوا معه كظله ؟ :
يقول علي بن أبي طالب:
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يخزن لسانه إلا مما يعنيهم ويؤلفهم ، ولا يفرقهم ، يكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، ويحذر الناس ويحترس عنهم ، من غير أن يطوي عن أحد بشره وخلقه ، ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس ، ويحسن الحسن ويصوبه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الأمر غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا ، أو يملوا ، لكل حال عنده عتاد ، لا يقصر عن الحق ، ولا يجاوزه إلى غيره ، الذين يلونه من الناس خيارهم ، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة : أحسنهم مواساة ومؤازرة ."[14] .
"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دائم البشر ، سهل الخلق، لين الجانب ، ليس بفظ[15] ، ولا غليظ ولا صخاب[16] في الأسواق ، ولا فاحش ولا عياب ، ولا مداح يتغافل عما لا يشتهي ، ويؤيس منه ، ولا يجيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء[17]، والإكثار ، ومالا يعنيه وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عوراته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه، إذا تكلم أطرق[18]جلساؤه ، كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث من تكلم أنصتوا له ، حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم ، يضحك مما يضحكون ، ويتعجب مما يتعجبون ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه"[19] .
"كان سكوت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكير ، فأما تقديره ففي تسوية النظر ، والاستماع من الناس ، وأما تفكيره ففيما يبقى ، ولا يفنى وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا يغضبه شيء ، ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربع : أخذه بالحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي فيما أصلح أمته ، والقيام فيما هو خير لهم ، جمع لهم خير الدنيا والآخرة"[20].
كان " دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مشاح، يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس منه راجيه ولا يخيب فيه"[21]..
ثانيًا : صفاته :
1- كلام أنس في وصف النبي r
قال أنس بن مالك – خادم النبي - :
"كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليس بالطويل الْبَائِنِ وَلا بِالْقَصِير، ِوَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ، وَلَيْسَ بِالْآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ[22]، وَلَا بِالسَّبْطِ[23]، بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ"[24]
" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – ضَخْمَ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، حَسَنَ الْوَجْهِ، لَمْ أَرَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَكَانَ بَسِطَ الْكَفَّيْنِ"[25]
"كَانَ يَضْرِبُ شَعَرُ النبي – صلى الله عليه وسلم – مَنْكِبَيْهِ"[26].

2- كلام ابن عباس في وصف النبي r
" كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ النبي – صلى الله عليه وسلم – نَاصِيَتَهُ ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ"[27] .
3- كلام البراء في وصف النبي r
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً مربوعًا[28] ، بعيد ما بين المنكبين[29] عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه، عليه حلة حمراء ، ما رأيت شيئا قط أحسن منه"[30].
4- كلام جابر بن سمرة في وصف النبي r
" رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم -في ليلة إضحيان [ أي مضيئة مقمرة ] وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر "[31] .
" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ضليع الفم أشكل العين منهوس العقب " . قال شعبة : قلت لسماك : ما ( ضليع الفم ) ؟ قال : عظيم الفم . قلت : ما ( أشكل العين ) ؟ قال : طويل شق العين . قلت : ما ( منهوس العقب ) ؟ قال : قليل لحم العقب[32] .
5- كلام علي بن أبي طالب في وصف النبي r
" لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم -بالطويل ولا بالقصير، شثن الكفين والقدمين، ضخم الرأس، ضخم الكراديس[33]، طويل المسربة[34]، إذا مشى تكفأ تكفؤًا كأنما ينحط من صبب[35]، لم أر قبله ولا بعده مثله - صلى الله عليه وسلم – "[36].
6- كلام أبي الطفيل في وصف النبي r
"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما بقي على وجه الأرض أحد رآه غيري "
قيل له : صفه لي . قال : " كان أبيض مليحًا مقصدًا "[37] .

7- كلام أبي هريرة في وصف النبي r
"كان أحسن الناس ( صفة و أجملها كان ) ربعة[38] إلى الطول ما هو، بعيد ما بين المنكبين، أسيل الخدين، شديد سواد الشعر، أكحل العينين، أهدب الأشفار، إذا وطئ[39] بقدمه وطئ بكلها، ليس له أخمص إذا وضع رداءه عن منكبيه فكأنه سبيكة فضة ( و إذا ضحك يتلألأ)[40] .
8- كلام أُمّ مَعْبَدٍ في وصف النبي r
وهو أدق وصف – وصفه بشر في النبي- على الإطلاق .. !
قالت أُمَّ مَعْبَدٍ تصف رسول الله لزوجها، لما مر بها في رحلة الهجرة :
"رَأَيْتُ رَجُلا ظَاهَرَ الْوَضَاءَةِ .. أَبْلَجَ الْوَجْهِ[41] .. حَسَنَ الْخَلْقِ ..لَمْ تَعِبْهُ ثُحْلَةٌ..وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ ، وَسِيمٌ ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ[42] ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ[43] ، وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ[44] ،وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ[45] ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ[46] ، أَزَجُّ[47] أَقْرَنُ ..
إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلاهُ الْبَهَاءُ ..
أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبَهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ ،وأَحْلاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ ..
حُلْوُ الْمِنْطَقِ ، فَصْلٌ لا هَذِرٌ وَلا تَزِرٌ [48]، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتٌ[49] نَظْمٌ يَتَحَدَّرْنَ ..
رَبْعٌ لا يَأْسَ مِنْ طُولٍ ، وَلا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ..
غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلاثَةِ مَنْظَرًا ، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ ،
إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ ..
مَحْفُودٌ[50] مَحْشُودٌ[51] لا عَابِسٌ وَلا مُفَنَّدٌ[52] "[53] .
المطلب الثالث : حال العالم عشية البعثة :
"بينما كان العالم الشرقي والعالم الغربي بفلسفاتهما العقيمة يعيش في دياجير ظلام الفكر وفساد العبادة، بزغ من مكة المكرمة في شخص محمد رسول الله [r] نور وضاء؛ أضاء على العالم فهداه إلى الإسلام" [54].

فقد وُلد النبي [r]والبشرية تُعاني صنوف الجهل والتخلف والانحطاط الخلقي والحضاري.. العرب في الجزيرة العربية كانوا يعبدون الأصنام ويقتلون البنات ويتكسبون من وراء الزنى والدعارة .. أما الشعب الفارسي فقد أدمن عبادة النار كما أدمن عبادة الطاغية كسرى، الذي كرث الطبقية والكراهية بين صفوف الشعب الفارسي .. وهذا هرقل أجج الخلاف الطائفي بين الرومان فأخذ يذّبح من يخالفه في المذهب، فضلاً عن فساد السلطة الرومانية الحاكمة مالياً وإدارياً وسياسياً .. حتى وصل بهم الحد أن فرضوا ضريبة على الشعوب تسمى " ضريبة الرأس" .. وهي ضريبة يدفعها المواطن نظير ترك رأسه دون ذبح !
ومن ثم " فإننا نجد استعدادات عامة للانتحار الاجتماعي العام . لم يكن النوع البشري في ذلك الزمان راضيًا بالانتحار فحسب، بل كان يتساقط عليه، ويتهالك فيه !! "[55]
وهكذا كان العالم يموج بالظلم والتخلف .. إلى أن أرسل الله ـ تبارك ـ هذا الصادق الأمين r.
ويبين هنري ماسيه [56] :
أن "بفضل إصلاحات محمد [r]الدينية والسياسية، وهي إصلاحات موحدة بشكل أساسي، فإن العرب وعوا أنفسهم وخرجوا من ظلمات الجهل والفوضى، ليعدّوا دخلوهم النهائي إلى تاريخ المدنية"[57]..

المطلب الرابع :النبوة والوحي :

أولاً : شهادة الكتب السماوية السابقة
لقد أخبرت التوراة والإنجيل عن بعثة محمد r بشكل صريح تارة وبشكل فيه تلميح تارة أخرى :
ففي بشارة سفر العدد: ورد في قصة بلعام بن باعوراء أنه قال: "انظروا كوكباً قد ظهر من آل إسماعيل، وعضده سبط من العرب، ولظهوره تزلزلت الأرض ومن عليها". . قال المهتدي الإسكندراني معلقاً: "ولم يظهر من نسل إسماعيل إلا محمد r، وما تزلزلت الأرض إلا لظهوره r. حقًا إنه كوكب آل إسماعيل، وهو الذي تغير الكون لمبعثهr؛فقد حرست السماء من استراق السمع، وانطفأت نيران فارس، وسقطت أصنام بابل، ودكت عروش الظلم على أيدي أتباعه."[58].
وقد حُرف هذا النص في الطبعات المحدثة إلى: "يبرز كوكب من يعقوب، ويقوم قضيب من إسرائيل، فيحطم موآب، ويهلك من الوغى"[59].

وفي سفر التثنية لما هُزمت جيوش بني إسرائيل أمام العمالقة، توسل موسى إلى الله سبحانه وتعالى مستشفعاً بمحمد rقائلاً: "اذكر عهد إبراهيم الذي وعدته به من نسل إسماعيل أن تنصر جيوش المؤمنين، فأجاب الله دعاءه ونصر بني إسرائيل علىالعمالقة ببركات محمد r" وقد استبدل هذا النص بالعبارات التالية: "اذكر عبيدك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ولا تلتفت إلى غلاظة هذا الشعب وإثمه وخطيئته" ولا يمكن أن يكون هذا الدعاء – الذي في النص الأول – قد صدر من موسى عليه السلام، لأنه ينافي كمال التوحيد[60].
وقال يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله : إن المسيح ـ عليه السلام ـ قال: "إن الفارقليط الذي يرسله أبي باسمي يعلمكم كل شيء" وقال – أيضا – في الفصل السادس عشر: "إن الفارقليط لن يجيئكم مالم أذهب، فإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة، ولا يقول من تلقاء نفسه شيئاً، لكنه يسوسكم بالحق كله، ويخبركم بالحوادث والغيوب"[61]
ويقول عيسىـ عليه السلام ـ في إنجيل برنابا : "لأن الله سيصعِّدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إيّاي. ومع ذلك فإنه حين يموت شر ميتة أمكث أنا في ذلك العار زمنًا طويلاً في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة"[62] .
هذا، وقد شهد بنبوة محمد r رجالات اليهودية، كأمثال الحبر عبد الله بن سلام، ورجلات النصرانية كورقة بن نوفل ..
ليكونا حجة على كل يهودي أو نصراني إلى قيام الساعة !

ثانيًا: شهادات علماء الغرب:
كما شهد بنبوة محمد rكبار المفكرين والباحثين الغربيين في العصر الحديث ، ونذكر من هذه الشهادات :
1- شهادة واشنجتون إيرفنج
يقول الكاتب الأمريكي واشنجتون إيرفنج ( 1783-1859 م):
"كان محمد [r] خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله ؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله"[63]..
2- شهادة مارسيل بوازار
ويثبت "مارسيل بوازار" نبوة محمد r بإسلوب عقلاني وعلمي بكلمات بليغة فيقول :
"منذ استقر النبي محمد [r] في المدينة، غدت حياته جزءًا لا ينفصل من التاريخ الإسلامي. فقد نُقلت إلينا أفعاله وتصرفاته في أدق تفاصيلها.. ولما كان مُنظمًا شديد الحيوية، فقد أثبت نضالية في الدفاع عن المجتمع الإسلامي الجنيني، وفي بث الدعوة.. وبالرغم من قتاليته ومنافحته، فقد كان يعفو عند المقدرة، لكنه لم يكن يلين أو يتسامح مع أعداء الدين. ويبدو أن مزايا النبي الثلاث، الورع والقتالية والعفو عند المقدرة قد طبعت المجتمع الإسلامي في إبان قيامه وجسّدت المناخ الروحي للإسلام.." [64].
ويضيف قائلاً :
" وكما يظهر التاريخ محمدًا [r] قائدًا عظيمًا ملء قلبه الرأفة، يصوره كذلك رجل دولة صريحًا قوي الشكيمة له سياسته الحكيمة التي تتعامل مع الجميع على قدم المساواة وتعطي كل صاحب حق حقه. ولقد استطاع بدبلوماسيته ونزاهته أن ينتزع الاعتراف بالجماعة الإسلامية عن طريق المعاهدات في الوقت الذي كان النصر العسكري قد بدأ يحالفه. وإذا تذكرنا أخيرًا على الصعيد النفساني هشاشة السلطان الذي كان يتمتع به زعيم من زعماء العرب، والفضائل التي كان أفراد المجتمع يطالبونه بالتحلي بها، استطعنا أن نستخلص أنه لابدّ أن يكون محمد [r] الذي عرف كيف ينتزع رضا أوسع الجماهير به إنسانًا فوق مستوى البشر حقًا، وأنه لابد أن يكون نبيًا حقيقيًا من أنبياء الله ! ! "[65].
3-شهادة إميل درمنغم:
أما إميل درمنغم[66] فيدلل علىنبوة محمدr، من خلال حادث وفاة ابراهيم ابن رسول الله، فيقول :
".. ولد لمحمد [r]،[من مارية القبطية] ابنه إبراهيم فمات طفلاً، فحزن عليه [r]كثيرًا ولحّده بيده وبكاه، ووافق موته كسوف الشمس، فقال المسلمون: إنها انكسفت لموته، ولكن محمدًا [r]كان من سموّ النفس ما رأى به ردّ ذلك فقال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد..". فقول مثل هذا مما لا يصدر عن كاذب دجال.."[67].
4- شهادة لايتنر :
يقول لايتنر[68] :
" بقدر ما أعرف من دينيْ اليهود والنصارى أقول بأن ما علمه محمد[r]ليس اقتباسًا بل قد أوحي إليه به ولا ريب بذلك طالما نؤمن بأنه قد جاءنا وحي من لدن عزيز عليم. وإني بكل احترام وخشوع أقول: إذا كان تضحية الصالح الذاتي، وأمانة المقصد، وإيمان القلب الثابت، والنظر الصادق الثاقب بدقائق وخفايا الخطيئة والضلال، واستعمال أحسن الوسائط لإزالتها، فذلك من العلامات الظاهرة الدالة على نبوة محمد [r] وأنه قد أوحي إليه"[69] .
5- شهادة لورافيشيا فاغليري :
أماالكاتبة الإيطاليةلورافيشيا فاغليري[70] فتقول :
"حاول أقوى أعداء الإسلام، وقد أعماهم الحقد، أن يرموا نبي الله [r] ببعض التهم المفتراة. لقد نسوا أن محمدًا [r] كان قبل أن يستهل رسالته، موضع الإجلال العظيم من مواطنيه بسبب أمانته وطهارة حياته. ومن العجب أن هؤلاء الناس لا يجشمون أنفسهم عناء التساؤل؛ كيف جاز أن يقوى محمد [r] على تهديد الكاذبين والمرائين، في بعض آيات القرآن اللاسعة بنار الجحيم الأبدية، لو كان هو قبل ذلك رجلاً كاذبًا ؟ كيف جرؤ على التبشير، على الرغم من إهانات مواطنيه، إذا لم يكن ثمة قوى داخلية تحثه- وهو الرجل ذو الفطرة البسيطة -حثًا موصولاً ؟ كيف استطاع أن يستهل صراعًا كان يبدو يائسًا ؟ كيف وفق إلى أن يواصل هذا الصراع أكثر من عشر سنوات، في مكة، في نجاح قليل جدًا ، وفي أحزان لا تحصى، إذا لم يكن مؤمنًا إيمانًا عميقًا بصدق رسالته ؟ كيف جاز أن يؤمن به هذا العدد الكبير من المسلمين النبلاء والأذكياء، وأن يؤازروه، ويدخلوا في الدين الجديد ويشدوا أنفسهم بالتالي إلى مجتمع مؤلف في كثرته من الأرقاء، والعتقاء، والفقراء المعدمين إذا لم يلمسوا في كلمته حرارة الصدق ؟ ولسنا في حاجة إلى أن نقول أكثر من ذلك، فحتى بين الغربيين يكاد ينعقد الإجماع على أن صدق محمد[r]كان عميقًا وأكيدًا"[71]..
6- شهادة روم لاندو :
ويكشف المفكر البريطاني روم لاندو زيف المكذبين لنبوة محمد r بقوله :
"كانت مهمة محمد [r] هائلة ! كانت مهمة ليس في ميسور دجال تحدوه دوافع أنانية، وهو الوصف الذي رمى به بعض الكتاب الغربيين المبكرين محمد العربي[r] ... إن الإخلاص الذي تكَّشف عنه محمد[r]في أداء رسالته، وما كان لأتباعه من إيمان كامل في ما أُنزل عليه من وحي، واختبار الأجيال والقرون، كل أولئك يجعل من غير المعقول اتهام محمد [r] بأيّ ضرب من الخداع المتعمد. ولم يعرف التاريخ قط أي تلفيق (ديني) متعمد استطاع أن يعمر طويلاً. والإسلام لم يعمر حتى الآن ما ينوف على ألف وثلاثمائة سنة وحسب، بل إنه لا يزال يكتسب، في كل عام أتباعًا جددًا. وصفحات التاريخ لا تقدم إلينا مثلاً واحدًا على محتال كان لرسالته الفضل في خلق إمبراطورية من إمبراطوريات العالم وحضارة من أكثر الحضارات نبلاً !"[72].
المطلب الخامس : لمحة مختصرة عن سيرة محمد r:
أولاً : أول ما نزل عليه r:
كان أول ما بُدئ به رسول الله r من أمر النبوة الرؤيا الصادقة واستمر ذلك ستة أشهر، ثم أكرمه الله تعالى بالنبوة، فجاءه الملك جبريل – عله السلام - وهو في خلوته بغار حراء، وقرأ عليه النصف الأول من سور العلق : ) اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) (.
يقول المفكر البلجيكي جورج سارتون: و" صدع محمد [r] بالدعوة نحو عام 610م وعمره يوم ذاك أربعون سنة... مثل إخوانه الأنبياء السابقين [عليهم السلام].."[73].
ثانيًا: إسلام العالم والكاتب النصراني ورقة بن نوفل :
فبعدما استمع للنصف الأول من سورة اقرأ من فم رسول الله r :
قال ورقة فوراً : "هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك" ، فقال النبي r: "أومخرجي هم؟". قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا[74]، وأسلم ورقة، ليسجِّل التاريخ أن أول رجل يصدِّقُ محمداً ويعتنق دينه هو عالمٌ نصراني.

ثالًثا:أول من أسلم :
أمر الله رسوله r بتبليغ الدعوة سراً لمدة ثلاث سنين، فدعا قومه إلى الإسلام، فحاز قصب السبق صديقه ووزيره أبو بكر، وزوجته خديجة، وابن عمه علي بن أبي طالب، وخادمه زيد من حارثه.
وهؤلاء نواة الإسلام، ومنهم انبثق الدين الإسلامي، وانتشر في الناس، وعم نوره في البقاع.
يقول رالف لنتون : و" اجتذب الوحي الذي نزل على محمد [r] عدداً من الأتباع، وبدأ ينتشر بين الناس.."[75] .
رابعًا: إيذاء المسلمين :
لما دخل الناّسُ في دين الله واحداً بعد واحدٍ، وكثر أتباع محمد r فحينئذ ناصبه الوثنيون العداوة، فحمى الله رسوله rبعمه أبي طالب، لأنه كان شريفًا معظماً في قومه.. وأما أصحابه فمن كان له عشيرة تحميه امتنع بعشيرته، وسائرهم صَبَّ عليهم المشركون العذاب صبَّاً، وفتنوهم عن دينهم فتوناً، منهم بلال بن رباح العبد الأثيوبي وعمار بن ياسر، وأمه سمية وأهل بيته الذين عُذِّبوا في الله عذاباً شديداً، حتى قضى ياسر نحبه، ومرَّ أبو جهل بسمية - أم عمار - وهي تُعذب، فطعنها بحربة في فرجها فقتلها.
كما قام صناديد قريش بتعذيب العديد من النساء اللائي أسلمن[76]، وضربن أروع الأمثلة في الثبات والصبر والاعتزاز بدعوة الإسلام، وكانت من بينهن زِنِّيرَةُ – أمَة رومية قد أسلمت فعُذبت في الله ، وأُصيبت في بصرها حتى عميت- ، وأسلمت جارية عمر بن مؤمل من بني عدى، فكان عمر بن الخطاب يعذبها ـ وهو يومئذ على الشرك ـ فكان يضربها حتى يفتر ، وممـن أسلمـن وعُـذبن أيضاً : أم عُبَيْس والنهدية وابنتها .
خامسًا: الهجرة إلى الحبشة وإسلام ملك نصارى الحبشة:
ويتحدث العلامة آتيين دينيه[77] ، عن مأساة المسلمين في هذه الفترة، قائلاً:
" وامتلأت نفس محمد [r] حزناً ، أمام هذه المآسي التي كان يتحملها ضعاف المسلمين الذين لا يجدون من يحميهم . حقاً إن شجاعة المعذبين والشهداء في سبيل الله برهنت على إسلامهم العميق ، ولكنه رأى أن من الخير ألا يستمر هذا البلاء ، فنصح الضعفاء ومن لم تدعهم الضرورة إلى البقاء في مكة بالهجرة إلى الحبشة حيث المسيحيون ، وحيث التسامح والعدل اللذان اشتهر بهما ملكها النجاشي"[78] .
وهو ملك نصراني صالح، لا يُظلم عنده أحد. فأقام المهاجرون عند النجاشي على أحسن حال، فبلغ ذلك قريشاً فأرسلوا وفداً، ليكيدوهم عند النجاشي،وليخرجهم النجاشي خارج أرضه إلى المشركين فرجعوا خائبين. وأسلم النجاشي على يد رئيس الوفد الإسلامي الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب، بعدما قرأ على النجاشي آيات بينات من سورة مريم. وظلَّ المهاجرون عند النجاشي ينشر عليهم ظله وحمايته حتى رجعوا إلى المدينة المنورة سنة سبع للهجرة.
سادسًا: الحصار وعام الحزن:
اشتد أذى المشركين لرسول الله r، فحصروه وأهل بيته في شِعب (وهو مكان بين جبلين في مكة يشبه السجن المفتوح ) عُرف بشعب أبي طالب، وسُجن النبي r مدة ثلاث سنين، حتى بلغهم الجوع و الجهد وسُمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشِعب، و بدأ حبس محمد rوأصحابه في هلال المحرم سنة سبع من البعثة وخرج من الحصار وله تسع وأربعون سنة، وبعد ذلك بأشهر مات عمه أبو طالب، ثم ماتت خديجة بعد ذلك بيسير، فاشتد أذى الكفار له، وتطاولوا عليه.

وفي شوال سنة عشر من النبوة ( في أواخر مايو أو أوائل يونيو سنة 619 م) خرج إلى الطائف هو وزيد بن حارثة يدعو إلى الله تعالى وأقام به أياماً، فلم يجيبوه وآذوه وأخرجوه ورجموه بالحجارة حتى أدموا قدميه، وكان أشد يوم في حياته ..
وفي ذي القعدة سنة عشر من النبوة ( في آواخر يونيو أو أوائل يوليو سنة 619م ) عاد رسول اللهrليستأنف الدعوة الإسلامية مرة أخرى في مكة .
سابعًا: دعوة القبائل ولقاء الأنصار:
أقام النبي r بمكة يدعو القبائل إلى الله تعالى، ويعرض نفسه عليهم في مواسم الحج، وأن يؤووه حتى يبّلغ رسالة ربه ولهم الجنة ليس غير، فلم تستجب له قبيلة واحدة، فلما رأى الأنصار رسول الله r ، وتأملوا أحواله، وقد سمعوا عنه من أهل الكتاب، قال بعضهم لبعض: "يا قوم ! تعلمون والله ! إنه للنبى الذى توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه ! "[79]. وكان اليهود ينتظرون مبعثه r، ويحذرون قبائل يثرب من اقتراب موعد نبي ..
ثامنًا: الهجرة إلى المدينة المنورة :
وبايع رسول الله r وفد الأنصار، ووعدوه أن ينصروه ويمنعوه – في المدينة المنورة - حتى يبّلغ رسالة الإسلام، ومن ثم أمر رسول الله r أصحابه بالهجرة ..
يقول الباحث الإنكليزي جان باغوت غلوب :
"ولم تنقض سبعة أسابيع أو ثمانية حتى كان جميع المسلمين قد هاجروا من مكة باستثناء النبي[r]نفسه وابن عمه علي بن أبى طالب وولده بالتبني زيد بن حارثة ورفيقه الأمين أبو بكر الصديق ... وجدير بنا أن نعترف هنا بأن محمداً [r] أبدى جرأة منقطعة النظير ببقائه في مكة حيث لم يعد يحظى بحماية عمه أبو طالب كبير بني هاشم .وأدركت قريش خطورة ما وقع من تطور وهالهم أن المسلمين أخذوا يقيمون الآن في يثرب مجتمعاً متلاحم الوشائج خارجاً على نفوذهم وبعيداً عن متناول أيديهم، وأنهم شرعوا يكسبون أنصاراً إلى جانبهم من أبناء القبائل الأخرى الذين قد يتحولون إلى معاداة قريش . واجتمع كبار القوم في دار الندوة يتشاورون في أمر محمد[r]ورأى بعضهم أن محمداً [r]هو سبب كل ما يواجهونه من متاعب، وأن من الخير لهم لو تخلصوا منه في أسرع وقت ممكن قبل أن يتمكن من اللحاق بأصحابه في يثرب[المدينة المنورة] "[80] .

وبالفعل حاول صناديد قريش – كما يقول رالف لنتون " ممن كانوا يكرهون عائلة محمد[r]، ورأوا في تعاليمه ما يهدد مصالحهم، حاولت أن تغتاله؛ ولكنها لم تنجح في محاولتها. وهاجر محمد [r]والجماعة المخلصة القليلة من أتباعه إلى المدينة يوم 16 يوليه622م وهو تاريخ هام يجب أن لا ننساه لأنه عام الهجرة الذي يؤرخ به جميع المسلمين حتى الآن"[81] ..
وهناك في المدينة المنورة جمع الله علي محمدr أهل يثرب من قبيلتي الأوس والخزرج أخوةً متحابين بعد قتال مرير وعداوة وقعت بينهم بسبب قتيل، فلبثت بينهم الحروب والصراعات مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأها الله بمحمد r، وألف بينهم؛ حتى صاروا أمة واحدة، ودولة واحدة، ولكن المشركين ازداد حنقهم على الإسلام وأهله، لاسيما بعد هذا التقدم الهائل لدعوة الإسلام، وقيام دولة للمسلمين، فشن المشركون المكيون على رسول الله r سلسلة من الحروب المتتابعة، ومن ثم أذن الله للمسلمين بالقتال للدفاع عن دينهم وأنفسهم ودولتهم الناشئة.. التي يحاول الوثنيون القضاء عليها في مهدها. فشنوا على المسلمين حروباً، كمعركة بدر (17 رمضان 2هـ/13مارس624م)، ومعركة أُحد ( شوال 3هـ/إبريل624 م)، ومعركة الأحزاب ( شوال 5 هـ\ مارس627م) ..
ولقد بلغ عدد الغزوات التي قادها النبي r 28 غزوة، منها 9 غزوات دار فيها القتال بين الطرفين، والباقي لم يحدث فيها قتال، واستمرت هذه الغزوات من العام الثاني للهجرة حيث غزوة ودَّان ( الأبواء ) ( صفر 2هـ - أغسطس 623 م).وحتى العام التاسع حيث غزوة تبوك (رجب 9 هـ / أكتوبر630م) .
يقول المؤرخ لويس سيديو[82] - معلقًا على هذه المعارك - :
" فدفع الله شرهم ، وهو أولى أن يحفظ نبيه [r]القائم بالدعوة له ، وأحق أن يجعل كيدهم في نحورهم وما زال آخذاً بيمينه، حتى غنى له الزمن ، وصفق له الدهر"[83] .
وعقب هجرة النبي r أسلم عدد من خيار علماء اليهود في المدينة، صدَّقوا بمحمدٍ rواتبعوه بعد أن عرفوه بنعته الوارد في كتبهم، منهم الحبر اليهودي العلامة: عبد الله بن سلام – رضوان الله تعالى عليه - .
تاسعًا: الفتح وانتشار الدعوة:
واستطاع النبي r بعد حوالي 19 سنة – كلها معاناة وإيذاء من المشركين - أن ينتزع من قريش صلحاً سمِّي صلح الحديبية في شهر ذي القعدة سنة ست من الهجرة (فيمارس628 م) ، ليتفرغ للدعوة ونشر
[1] أكدت موسوعة جينيس للأرقام القياسية أن اسم محمد قد حقق أعلى معدل للتسمى به بين البشر، حيث بلغ عدد الذين يحملون هذا الاسم المبارك 70 مليون شخص على مستوى العالم ليصبح أكثر اسم في الوجود .من جهة أخرى كانت صحيفة ديلي تليجراف البريطانية قد كشفت أن اسم محمد الأكثر انتشارا بين المواليد في انجلترا وويلز في عام‏2006،‏ أكثر من اسم جورج !( لندن ـ وكالة الأنباء الإسلامية : بتاريخ 8 \ 1 \ 2007)

[2] صحيح البخاري، ج 2، كتاب المناقب - باب: ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أخرجه مسلم في الفضائل - باب: في أسمائه صلى الله عليه وسلم - رقم: 2354

[3] الصحيح في سن 12 سنة ( ابن الجوزي : تلقيح فهوم أهل الأثر ص 7)

[4] هو أبو طالب

[5] هما القاسم وعبد الله ، وقد ماتا في سن الطفولة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

[6] رالف لنتون : شجرة الحضارة، 1/340

[7] انظر:صحيح البخاري، برقم 4572، وصحيح مسلم، برقم 231

[8] آرثر جيلمان :الشرق، ص117.

[9] نقلاً عن محمد عثمان عثمان : في كتابه (محمد في الآداب العالمية المنصفة) ص110.

[10] توماس كارلايل( 1795 – 1881 م) الكاتب الإنجليزي الشهير، من أعماله (الثورة الفرنسية) و(الأبطال) (1940)، وقد عقد فيه فصلاً كاملاً رائعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم،..الخ.

[11] توماس كارلايل : الأبطال ، ص50، 51.

[12] انظر: محمد شريف الشيباني: الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة ، ص 17.

[13] آرلونوف : مقالة "النبي محمد "، مجلة الثقافة الروسية ، ج 7 ، عدد 9

[14] رواه أبو الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي (16)

[15] الفَظ : سَيِّء الخُلُق

[16] الصخَّب : الضَّجَّة، واضطرابُ الأصواتِ للخِصَام

[17] المراء : المجادلة العقيمة

[18] أطرق : أمال رأسه إلى صدره منصتًا

[19] رواه أبو الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي - (16)

[20] رواه أبو الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي - (16)

[21]الترمذي : مختصر الشمائل المحمدية، 24

[22] القطط: الشعر فيه التواء وانقباض

[23] السبط: الشعر المسترسل.

[24] صحيح البخاري - (5449)، وجعله الإمام الترمذي أول أحاديث كتابه الشمائل

[25] صحيح البخاري - (5456)

[26] صحيح البخاري - (5453)

[27] صحيح البخاري - (5462)

[28] ليس بالطويل البائن ولا بالقصير

[29] المنكب : مُجْتَمَع رأس الكتف والعضد

[30] صحيح – رواه الترمذي في الشمائل ( 3) ، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص 14

[31] صحيح – رواه الترمذي في الشمائل ( 8) ، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص 26

[32] صحيح – رواه الترمذي في الشمائل ( 7) ، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص 26

[33] رؤوس العظام.

[34] المَسرَبة: الشعر الدقيق الذي يبدأ من الصدر وينتهي بالسرة.

[35] الصبب: انخفاض من الأرض.

[36] صحيح – رواه الترمذي في الشمائل ( 4) ، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص 15

[37] صحيح – رواه الترمذي في الشمائل (12) ، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص 27

[38] الربعة : ليس بالطويل ولا بالقصير

[39] وطئ : وضع قدمه على الأرض أو على الشيء وداس عليه ، ونزل بالمكان

[40] حسن- رواه البيهقي (234 ): وحسنه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير (8762)

[41] أبلج الوجه : مشرق الوجه مضيئه

[42] شدة سواد العينين مع سعتهما، دلالة علي شدة جمل العينين

[43] في شعر أجفانه طول

[44] فيه بحة، كانت تجمل الصوت .

[45] طول

[46] الكث : الغزير والكثيف

[47] الحاجب الرقيق

[48] الفصل : البَيِّن الظاهر ، الذي يَفْصِل بين الحقّ والباطل

[49] الخرز : حبات تنظم في عقد تضعه المرأة في رقبتها لتتزين به، دلالة على تنسيق الكلام، وترتيبه، جمال العرض.

[50] المحفود : الذي يخدمه أصحابه

[51] المحشود : الذي يجتمع إليه الناس

[52] لا مفند : يعني لا عابس ولا مكذب

[53] صحيح – رواه الطبراني في المعجم الكبير (3524)،والحاكم في المستدرك (4243)،والبيهقي في دلائل النبوة، وابن عمرو الشيباني في الآحاد والمثاني(3083)، وقال الذهبي – في التلخيص - : صحيح

[54] إبراهيم خليل أحمد(القـس إبراهيم فيلـوبـوس سابقًا): محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، ص 47

[55] أبو الحسن علي الحسني الندوي : السيرة النبوية، ص 467

[56] هنري ماسيه : ولد عام 1886، عمل مديرًا للمعهد الفرنسي بالقاهرة، وعين أستاذًا في جامعة الجزائر (1916-1927)، وعضوًا في المجمع العلمي العربي بدمشق، وانتدبته الحكومة لعديد من المهام الثقافية واختارته اليونسكو في لجنة المستشرقين.من آثاره:كتاب (الإسلام) (1957)، ونشر العديد من الأبحاث في المجلات الاستشراقية الشهيرة .

[57] هنري ماسيه : الإسلام ، ص 55.

[58] انظر: محمد بن عبد الله السحيم: أعظم إنسان في الكتب السماوية. ، فصل : بشارات العهد القديم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ص21، وما بعدها.

[59] انظر: المصدر السابق

[60] انظر: المصدر السابق

[61] انظر: المصدر السابق

[62] إنجيل برنابا ،(80: 112 - 16 )

[63] واشنجتون إيرفنج : حياة محمد ، ص 72 .

[64] مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام ، ص 46

[65] مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام ، ص 46

[66] إميل درمنغم مستشرق فرنسي ، من آثاره : ( حياة محمد) (باريس 1929) وهو من أدق ما صنفه مستشرق عن النبي صلى الله عليه وسلم، و ( محمد والسنة الإسلامية ) (باريس 1955).

[67] إميل درمنغم :حياة محمد ، ص318

[68] لايتنر : باحث إنكليزي، حصل على أكثر من شهادة دكتوراه في الشريعة والفلسفة واللاهوت، وزار الأستانة عام 1854، كما طوف بعدد من البلاد الإسلامية والتقى برجالاتها وعلمائها

[69] لايتنر : دين الإسلام ، ص 4 ، 5 .

[70] لورا فيشيا فاغليري : باحثة إيطالية في التاريخ الإسلامي واللغة العربية.من آثارها: (قواعد العربية) (1937)، و(الإسلام) (1946)، و(دفاع عن الإسلام) (19529).

[71] لورافيشيا فاغليري : دفاع عن الإسلام ، ص37، 38.

[72] انظر: أرنولد توينبي : الإسلام والعرب والمستقبل،ص33، 34.

[73] جورج سارتون : الثقافة الغربية في رعاية الشرق الأوسط ، ص 29، 30،31

[74] صحيح – رواه البخاري، بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم، برقم 3

[75] رالف لنتون : شجرة الحضارة، 1/341.

[76] انظر: صفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم، ص 71

[77] باحث فرنسي ، أشهر إسلامه عام 1927م وتسمى بناصر الدين، وكان شديد الهجوم على المستشرقين المعادين للإسلام، ومن آثاره : "الشرق كما يراه الغرب"، و" أشعة خاصة بنور الاسلام"، و " محمد رسول الله ".

[78] آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص 145

[79] ابن سيد الناس: عيون الأثر 1/ 205، وابن كثير : السيرة النبوية 2/176، وابن القيم : زاد المعاد 3/38

[80] جان باغوت غلوب : الفتوحات العربية الكبرى ، ص80-81 .

[81] رالف لنتون : شجرة الحضارة، 1/341.

[82] لويس سيديو ( 1808 – 1876 ): مستشرق فرنسي. ولد وتوفي بباريس. كان أبوه (جان جاك إمانويل سيديو، المتوفي سنة 1832) فلكياً من المستشرقين أيضاً. وتخرّج بكلية هنري الرابع، وعين مدرساً للتاريخ في كلية «بوربون» سنة 1823 . وهو صاحب كتاب «Histire des Arabes » ألّفه بالفرنسية، وأشرف علي مبارك باشا علىَ ترجمته إلىَ العربية، وسماه «خلاصة تاريخ العرب العام » ومن آثار «سيديو» أيضًا: « جامع المبادىء والغايات في الاَلات الفلكية» .

[83] لويس سيديو : خلاصة تاريخ العرب ص54
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-30-2012, 12:32 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

الرسالة، فبعث رسلاً سفراء من أصحابه، وكتب معهم كتباً إلى الزعماء والملوك، يدعوهم فيها إلى الإسلام، في رسائل وخطابات رفيعة المستوى، سامقة الذوق ..
ونجح النبي r في دعوته على نطاق واسع ، وانتشر الإسلام في الجزيرة العربية كالنار في الهشيم، وزالت الجاهلية بتقاليدها المتخلفة، وعقائدها الفاسدة ..
وفتح رسول الله خيبر معقل الدس والمؤمرات في المحرم سنة 7 هـ ( مايو 628).
ثم فتح مكة في رمضان 8هـ( يناير 630 م) اثر نقض قريش للعهد، وأصدر عفواً عاماً عنهم .. وأعلن الرسول r الأمان العام لكل الناس، فلا طوارىء ولا تعسف ، فقال r : "من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ! ومن أغلق بابه عليه فهو آمن! ومن دخل المسجد فهو آمن !"[1]. وعهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم بدخول مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم[2]..
" فما إن أُقر السلام؛ حتى انتشر الإسلام في كل ناحية، بخطى واسعة، لا..! لقد بدا وكأن قوة غير منظورة كانت تعمل على إدخال الناس في دين الله أفواجاً بعد أفواج "[3]..
وحُطمت الأصنام، وسقطت رموز الوثنية، وتوحدت الشعوب والقبائل المتناحرة، وخرج العربي من عبادة العباد إلى عبادة الخالق رب العباد، وألغيت الطبقيات والعصبيات والنعرات الجاهلية ، وانتشر العدل والسلم والأمن ...‏
وأصبحت دولة الإسلام مهيبة قوية أمام قوى الفرس والرومان ..
ولما اعتدى عامل الرومان شرحبيل بن عمرو الغساني وقَتل سفير النبي r الصحابي السفير/ الحارث بن عمير الأزدي، عندما أرسله النبيr برسالة دعوية إلى عظيم بصرى في الشام، إذا بالنبيr يعلن التعبئة العامة، ويغزو حدود الرومان الجنوبية، في سرية مؤتة( جمادى الأولى 8هـ/ سبتمبر 629 م )، وغزوة تبوك (رجب 9 هـ / أكتوبر630) التي ملئت قلب النظام الروماني بالفزع والهلع، من هذا القطب الدولي الثالث الناشىء المتمثل في دولة الإسلام..
عاشرًا: حجة الوداع، ووفاة النبي
بعد أن نجح النبي r في دعوته، وقويت دولة الإسلام، واستتب الأمن في الجزيرة العربية، ودخل الناس في الإسلام أفواجاً، وشاء اللّه أن يري رسوله r ثمار دعوته، التي عانى في سبيلها ثلاثة وعشرين عاماً، حافلة بالجهد والعمل والبلاء ، وأحس رسول الله r بدنو أجله، ولذلك قصد نبي الله r الحج، ليجتمع بالأمة ، فيأخذوا منه أصول الإسلام وكلياته، ويأخذ منهم الشهادة على أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة .
وفي اليوم التاسع من ذي الحجة (يوم عرفة ) في العام العاشر من الهجرة (6مارس632 م) وقد اجتمع حوله مئة ألف وأربعة وأربعون ألفاً من الناس، فقام فيهم خطيباً، وألقى خطبة بلغية جامعة ‏ تضمنت أول إعلانٍ عامٍ لحقوق الإنسان عرفته البشرية، أعلن فيها الإخاء والمساواة والعدالة وحرمة الدماء والأموال وحقوق المرأة، ووضع تقاليد الجاهلية الفاسدة، فألغى دماء الجاهلية، والمعاملات الربوية والنعرات الجاهلية.
وأهدى للبشرية أعظم وأحكم وأجمل شريعة في التاريخ، تلك الشريعة التي تحدث عنها العلامة"شبرل"[4]-مبديًا فخره واعتزازه بالنبي محمدr - قائلاً:
" إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد[r]إليها ، إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً؛ أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون ؛ لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة "[5].
وعاد رسول الله r إلى المدينة، وسرعان ما أحس بالمرض ودنو الأجل.
وتُوفي رسول الله r يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام 11هـ(6يونيو632)وخلفه في حكم الدولة وزيره وصديقه الجليل أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب – رضي الله عنهم جميعاً –.
هذه لمحة سريعة جداً من سيرة صاحب المعالي محمد r، وهي غيض من فيض، كان لا بدَّ منها بين يدي الدراسة، ولتكون تميهداً للحديث عن صفات النبي وشمائله وأخلاقه وخصائصه الدالة على الرحمة.
المبحث الثاني
محمد r رَحْمَةللعالمين في أدبيات الغرب
المطلب الأول:شهادة إنجيل برنابا:
شهدت أدبيات الغرب وأشادت برحمة محمد r للبشر، ويأتي على رأس هذه الأدبيات إنجيل برنابا الذي بشر برحمة محمد r التي ينالها العالم عند قدومه من أرض الجنوب ( الحجاز ).
فيقول إنجيل برنابا[6]: "سيأتي مسيا [أي محمد r] المرسل من الله لكل العالم،.. وحينئذ يسجد لله في كل العالم، وتنال الرحمة.."[7] .
يقول القـس إبراهيم فيلـوبـوس[8] :
" كلمة إنجيل كلمة يونانية تعني بشارة أو بشرى، ولعل هذا هو الذي نستفيده من سيرة سيدنا عيسى عليه السلام، أنه كان بشرى من الله للرحمة، وبشرى بتبشيره عن المسيا الذي سيأتي للعالمين هدى ورحمة، ألا وهو محمد r"[9].
وجاء في الفصل السادس والتسعين – في إنجيل برنابا - من محاورة بين المسيح ورئيس كهنة اليهود، أن الكاهن سأله عن نفسه فأجاب بذكر اسمه واسم أمه، وبأنه بشر ميت ثم قال الإنجيل ما نصه:
" أجاب الكاهن : إنه مكتوب في كتاب موسى أن إلهنا َسيرسل لنا مسيّا الذي سيأتي ليخبرنا بما يريد الله ، وسيأتي للعالم برحمة الله. لذلك أرجوك أن تقول لنا الحق هل أنت مسيا الله الذي ننتظره؟ . وأجاب يسوع: حقاً أن الله وعد هكذا ولكني لست هو، لأنه خلق قبلي وسيأتي بعدي. أجاب الكاهن : إننا نعتقد من كلامك وآياتك على كل حال أنك نبي وقدوس الله . لذلك أرجوك باسم اليهودية كلها وإسرائيل كلها أن تفيدنا حباً في الله بأية كيفية سيأتي مسيا؟ فأجاب يسوع : لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي. أني لست مسيا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم . قائلاً : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض . ولكن عندما يأخذني الله من العالم سيثير الشيطان مرة أخرى لهذه الفتنة المعونة بأن يحمل عادم التقوى على الاعتقاد بأني الله وابن الله . فيتنجس بسبب هذا كلامي وتعليمي حتى لا يكاد يبقى ثلاثون مؤمناً . حينئذٍ يرحم الله العالم ويرسل رسوله الذي خلق كل الأشياء لأجله . الذي سيأتي من الجنوب بقوة وسيبيد الأصنام وعبدة الأصنام . وسينتزع من الشيطان سلطته على البشر وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به . وسيكون من يؤمن بكلامه مباركاً ." [10].

هكذا يتحدث إنجيل برنابا عن محمد r وأنه "سيأتي للعالم برحمة الله"، بل لن يأتي محمد r– حسب إنجيل برنابا – إلا حين " يرحم الله العالم"، فيبعثه الله من الجنوب حيث أرض الحجاز ويهدم الأصنام في فتح مكة في العام الثامن الهجري، وسيأتي برحمة الله لخلاص الذين يؤمنون به، فيمكنَّ لهم الله في الأرض، ويستخلفهم كما استخلف الذين من قبلهم .
المطلب الثاني: شهادة الراهب النصراني بحيرا :
إن أول جملة قالها الراهب النصراني الشهير "بحيرا "حين رأى محمداً r في رحلته الأولى إلى الشام مع أبي طالب - :
" هذا سيد العالمين ! هذا رسول رب العالمين ! هذا يبعثه الله رحمة للعالمين !"[11] .
وإن في ذلك لدلالة بينة على ما كان يتدارسه الرهبان والقساوسة في الأناجيل، حيث صفة الرحمة التي سجلتها الكتب السماوية السابقة في محمدr.
المطلب الثالث: شهادة العلامة توماس كارلايل
في كلمات تنم عن عميق الحب وعلو التقدير، يتحدث توماس كارلايل( 1795 – 1881م ) الكاتب الإنجليزي المعروف، في إعجاب بصفات الرحمة في شخصيةمحمد rفيقول:
".. لقد كان في فؤاد ذلك الرجل الكبير [r] ... العظيم النفس، المملوء رحمة، وخيرًا، وحنانًا، وبرًا، وحكمة، وحجى، ونهى.. أفكار غير الطمع الدنيوي، ونوايا خلاف طلب السلطة والجاه. وكيف وتلك نفس صامتة كبيرة ورجل من الذين لا يمكنهم إلا أن يكونوا مخلصين جادين ؟ فبينما نرى آخرين يرضون بالاصطلاحات الكاذبة ويسيرون طبق اعتبارات باطلة. إذ ترى محمدًا [r] لم يرض أن يلتفع بالأكاذيب والأباطيل. لقد كان منفردًا بنفسه العظيمة .."[12] .
المطلب الرابع : شهادة المفكر البريطاني لين بول:
لا يُخفي "لين بول" ( 1652 _17 19 ) تأثره بمحمدr، فيتحدث في مؤلفه : "رسالة في تاريخ العرب " عن سجايا خلق الرحمة في شخصية محمدr في إعجاب جم قائلاً :
"إن محمداً [r] كان يتصف بكثير من الصفات كاللطف والشجاعة ، وكرم الأخلاق ، حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات في نفسه ، ودون أن يكون هذا الحكم صادراً عن غير ميل أو هوى، كيف لا، وقد احتمل محمد [r] عداء أهله وعشرته سنوات بصبر وجلد عظيمين، ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكن يسحب يده من يد مصافحه حتى لو كان يصافح طفلاً ! وأنه لم يمر بجماعة يوماً من الأيام رجالاً كانوا أم أطفالاً دون أن يسلم عليهم ، وعلى شفتيه ابتسامة حلوة ، وبنغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسحر سامعيها ، و تجذب القلوب إلى صاحبها جذباً !!"[13].
المطلب الخامس : شهادة السير وليم موير:
وأما الباحث وليم موير فيتحدث في مؤلفه : " حياه محمد " عن أخلاقيات النبي r في تقدير بالغ لرقة النبي r ورفقه ورأفته،ولين عريكته ، فيقول :
"ومن صفات محمد[r] الجليلة الجديرة بالذكر ، والحَرية بالتنويه : الرقة و الاحترام ، اللذان كان يعامل بهما أصحابه ، حتى أقلهم شأناً ، فالسماحة والتواضع والرأفة والرقة تغلغلت في نفسه ، ورسخت محبته عند كل من حوله ، وكان يكره أن يقول لا ، فإن لم يمكنه أن يجيب الطالب على سؤاله ، فضل السكوت على الجواب ، ولقد كان أشد حياء من العذراء في خدرها ، وقالت عائشة[رض الله عنها]، :وكان إذا ساءه شيء تبينا ذلك في أسارير وجهه ، ولم يمس أحداً بسوء الا في سبيل الله ، ويُؤثر عنه أنه كان لا يمتنع عن إجابة الدعوة من أحد مهما كان حقيراً ، ولا يرفض هدية مهداة إليه مهما كانت صغيره، وإذا جلس مع أحد أياً كان لم يرفع نحوه ركبته تشامخاً وكبراً"[14].
المطلب السادس: شهادة القس السابق دُرّاني
يقول العلامة الإنجليزي دُرّاني[15]، مشيراً إلى خلق الرحمة في النبي r :
"أستطيع أن أقول بكل قوة أنه لا يوجد مسلم جديد واحد لا يحمل في نفسه العرفان بالجميل لسيدنا محمد [r] لما غمره به من حب وعون وهداية وإلهام.. فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا حتى نقتفي أثره[r]!"[16] ..
المطلب السابع : شهادة الكاتب الإسباني "جان ليك":
يقول الدكتور جان ليك في كتابه ( العرب) :
"وحياة محمد[r] التاريخية لا يمكن أن توصف بأحسن مما وصفها الله .. بألفاظ قليلة ، بين بها سبب بعث النبي محمد[r])وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( [الأنبياء: 107]، وقد برهن بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات لكل ضعيف ، ولكل محتاج إلى المساعدة ، كان محمد[r]رحمة حقيقة لليتامى، والفقراء، وابن السبيل، والمنكوبين، والضعفاء، والعمال، وأصحاب الكد والعناء ، وإني بلهفة وشوق.. أصلى عليه وعلى أتباعه ! "[17].
المطلب الثامن : شهادة العلامة واشنجتون ايرفنج.
يقول واشنجتون ايرفنج، في كتابه (حياة محمد)، مدللاً على خلق الرحمة في شخصية النبي r بموقفه في فتح مكة وهو القائد المنتصر :
"كانت تصرفات الرسول [r] في [أعقاب فتح] مكة[رمضان 8هـ/ يناير 630 م] تدل على أنه نبي مرسل لا على أنه قائد مظفر. فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه برغم أنه أصبح في مركز قوي. ولكنه توّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو"[18].
المطلب التاسع : شهادة الباحث الفرنسي جوستاف لوبون :
يتحدث جوستاف لوبون[19] في كتابه (الدين والحياة)، عن علو أخلاق النبي محمد r لاسيما رحمته ورقة قلبه، فيقول :
"لقد كان محمد [r]ذا أخلاق عالية، وحكمة، ورقة قلب، ورأفة، ورحمة، وصدق وأمانة"[20].
وهذه الأخلاق هي التي جذبت آراء المنصفين لنبي الإسلام r، وعدَّتُه من أعاظم رجالات التاريخ ..
فيقول جوستاف لوبون في موضع آخر :
"إذا ما قيست قيمة الرجال بجليل أعمالهم؛ كان محمد [r] من أعظم من عرفهم التاريخ، وقد أخذ علماء الغرب ينصفون محمدًا [r] ، مع أن التعصب الديني أعمى بصائر مؤرخين كثيرين عن الاعتراف بفضله !"[21].
المطلب العاشر: شهادة المؤرخ الشهير جيمس متشنر :
ويتحدث جيمس متشنر عن بعض صور الرحمة في شخص النبي r، مشيراً إلى بساطة النبي r ، وإنسانيته، ونبله، وحزمه، فيقول متشنر :
"إن محمداً [r] هذا الرجل الملهم ،
الذي أقام الإسلام ،
ولد في قبيلة عربية تعبد الأصنام،
ولد يتيماً محباً للفقراء والمحتاجين والأرامل واليتامى والأرقاء والمستضعفين.
وقد أحدث محمد[r] بشخصيته الخارقة للعادة ثورة في شبه الجزيرة العربية وفى الشرق كله .
فقد حطم الأصنام بيديه ،
وأقام ديناً يدعو إلى الله وحده ،
ورفع عن المرأة قيد العبودية التي فرضتها تقاليد الصحراء ،
و نادى بالعدالة الاجتماعية وقد عرض عليه في آخر أيامه أن يكون حاكماً بأمره ، أو قديساً ،
ولكنه أصر على أنه ليس إلا عبداً من عباد الله أرسله إلى العالم منذراً وبشيراً"[22] !

المبحث الثالث
خصائص رحمته r
المطلب الأول: ربانية الرحمة:
فمن أسماء الله تبارك وتعالى الرحمن والرحيم ..
وقد افتتح سور القرآن، ببسم الله الرحمن الرحيم ..
وقال الله تعالى ) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ([ الحجر: الآيتان 49 ، 50]
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي"[23].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِr يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ! فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنْ الْجَنَّةِ،وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ النَّارِ"[24] .
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍt قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ rَ يقُولُ :" قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ ! إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ؛ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي،غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي. يَا ابْنَ آدَمَ ! إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً"[25] .
وقد ضرب النبي r مثالاً على رحمة الله للعبد :
فقد رأى امرأة متلهفة على ولدها، تبحث عنه، فلما رأته، تلقفته، فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي r لأصحابه : "أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟". قالوا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها !"[26]
وقد اتصف وتخلَّق محمدٌr بخلق ربه – سبحانه وتعالى – من أخلاق الرحمة والعفو ، حتى زكاه ربه بها وأثنى عليه فقال:) قَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ([التوبة:الآية 128]

المطلب الثاني : دعوية الرحمة :
قال الله تعالى )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( [الأنبياء :الآية 107 ] .
هكذا قالها الله بإسلوب القصر ، يعني النفي ثم الاستثناء، أي أنت لست إلا رحمة لست شيئا آخر غير الرحمة.. كما يقول النبي r "أيها الناس .. إنما أنا رحمة مهداه"[27].
فكما أن دعوة محمد r للعالمين؛ فهذه الرسالة رحمة للعالمين جميعاً .. وهذا القرآن – الذي جاء فيه لفظ رحم ومشتقاته ثلاثمائة مرة[28] - رحمة للعالمين جميعاً .. رحمة في ذاته، ورحمة في تعاليمه، ورحمة في أحكامه ..
وفي ذلك يقول واشنجتون ايرفنج : "يدعو القرآن إلى الرحمة والصفاء وإلى مذاهب أخلاقية سامية"[29].. كما أن القرآن - في رأي جاك ريسلر[30] - " يجد الحلول لجميع القضايا، ويربط ما بين القانون الديني والقانون الأخلاقي، ويسعى إلى خلق النظام، والوحدة الاجتماعية، وإلى تخفيف البؤس والقسوة والخرافات. إنه يسعى على الأخذ بيد المستضعفين، ويوصي بالبر، ويأمر بالرحمة"[31].
وأوامره كما تقول "إلس ليختنستادتر" [32] "هي أوامر العدل للجميع، والرحمة بالضعيف والرفق والإحسان. وتلك هي الوسائل التي يضعها الله في يد الإنسان لتحقيق نجاته، فهو ثم مسؤول عن أعماله ومسؤول كذلك عن مصيره."[33] .
وهو كتاب هداية عظيم للبشرية، وهو أبلغ منهج للهداية ..
يقول نصري سلهب[34] :
".. إن محمدًا [r] كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب. فإذا بهذا الأمي يهدي إلى الإنسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به الإنسانية منذ كانت الإنسانية- ذاك كان القرآن الكريم، الكتاب الذي أنزله الله على رسوله هدى للمتقين ."[35] .
ولا شك أن أخلاق الرحمة هي عامل الجذب الإساس لدخول الناس في الإسلام، أو كما يقول يول[36]: " الإحسان والرحمة والنزعة الإنسانية الخيرة العريقة – هذه وغيرها من العوامل كانت بالنسبة لي أعظم دليل على صدق هذا الدين" [37] .. الأمر الذي يعبر عنه "بشير تشاد بقوله" : " إن الإسلام هو دين الرحمة والحب والتعاطف الإنساني"[38].

المطلب الثالث : عالمية الرحمة :
كذلك نستفيد من قول الله تعالى )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ( [الأنبياء: 107 ] ، أن رحمة النبي رحمة شاملة وعامة وعالمية، وليست عنصرية تقوم على الأعراق أو الألوان أو المذاهب .. بل رحمة لكل البشر، رحمة عامة ومجردة للعالمين جميعاً، ليست رحمة للعرب دون العجم أو للمسلمين دون غيرهم، أو للشرق دون الغرب .. بل هي رحمة للعالمين..
وفي ذلك تقول لورافيشيا فاغليري :"إن الآية القرآنية التي تشير إلى عالمية الإسلام بوصفه الدين الذي أنزله الله على نبيه [r] (رحمة للعالمين)، هي نداء مباشر للعالم كله. وهذا دليل ساطع على أن محمدًا [r] شعر في يقين كلّي أن رسالته مقدر لها أن تعدو حدود الأمة العربية وأن عليه أن يبلغ (الكلمة) الجديدة إلى شعوب تنتسب إلى أجناس مختلفة، وتتكلم لغات مختلفة" [39] .
وعن أبي موسى t: أنه سمع النبي r يقول: "لن تؤمنوا حتى تراحموا !".
قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم! قال: "إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكن رحمة العامة..رحمة العامة!"[40] ..
فهي الرحمة بالعامة، أي بعامة البشر، ويجعل النبي r ذلك من شروط الإيمان، فلا يعد الرجل مؤمنًا حتى يرحم الناس بصفة عامة .
كما في حديث أنس بن مالك ، أن رسول الله r قال: "والذي نفسي بيده ، لا يضع الله رحمته إلا على رحيم" ، قالوا : يا رسول الله ، كلنا يرحم ، قال :" ليس برحمة أحدكم صاحبه .. يرحم الناس كافة "[41] .
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قال :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ "[42]..

فالرحمة بأهل الأرض تتجاوز الإنسان الناطق إلى الحيوان الأعجم، فالمؤمن يرحمه ويتقى الله فيه، ويعلم أنه مسؤول أمام الله عن هذه العجماوات[43].
كما أن الرحمة بالخلق وأهل الأرض شرطٌ لنيل رحمة الخالق، بحسب عبارة الحديث: " ارْحَمُوا أَهْلَ الأرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السّماءِ".
ومن ثم كانت رحمته إنسانية عامة، شملت المسلم وغير المسلم، والمؤمن والمنافق، والعربي وغير العربي، والشرقي وغير الشرقي ، والأفريقي والأوربي، والكبير والصغير، والرجل والمرأة، والإنسان وغير الإنسان، والحيوان والطير والجماد. فهو يعتبر البشرية جميعها أسرة واحدة، تنتمي إلى رب واحد وإلى أب واحد وإلى أرض واحدة ..كما قال النبي r :
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى"[44].
ومن ثم كان رسول الله r رحمة لكل الأمم ، ولأمته خاصة، مهتمًا بأمرها، يخشى عليها من عذاب الله يوم القيامة، وقد كانت مشاعره جياشة في هذه المسألة، فذات مرة قرأ قول الله تعالى في القرآن على لسان عيسى : ] إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[[المائدة: 118]، ففاض ينبوع الرحمة، واهتز قلب النبي r يناجي ربه في خشوع : " اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي وَبَكَى..!!".. وسرعان ما نزل الأمين جبريل مهدئًا من فزع محمد r على أمته، ومبلغًا قائًلا: إن الله يقول لك : " إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ"[45] .
وكان رحمة كذلك لغير المسلمين، بل وأشر الخلق ، فكان رَسُولُ اللَّهِ r يمارس هذه الرحمة مع شرار الناس، حتى يظن الفاجر أنه بخير!
وتأمل قول عمرو بن العاص- رضي الله عنه- :
"كان رسول الله rيقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك ، فكان يقبل بوجهه وحديثه عليَّ حتى ظننت أني خير "[46] .
واستفاد غير المسلمين من رحمة النبي r؛ ولأن الله تعالى كان يهلك من قبل الأمم الكافرة بسبب كفرها وعصيانها للأنبياء هلاكاً جماعياًّ، بينما رفع الله تعالى بعد بعثة محمد هذا الهلاك الجماعي، فاستفاد الناس من خلاصهم من مثل هذا العذاب، فكان ذلك نعمة دنيوية بالنسبة للكفار. يخاطب الله تعالى نبيه في هذا الخصوص فيقول:) وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( [الأنفال: 33 ]
وتأمل قدر النبي rومنزلته عند الله: أي طالما أنت تعيش بينهم فلن يعذبهم الله. طالما أن ذكرك موجود، وتلهج به الألسنة، وطالما أن الناس يتبعون طريقك فلن يعذبهم الله ولن يهلكهم[47].
وكان رحمة للمنافقين أيضًا. فبسبب هذه الرحمة الواسعة لم يرَ المنافقون العذاب في الحياة الدنيا. فقد حضروا إلى المسجد واختلطوا بالمسلمين واستفادوا من كل الحقوق التي تمتع بها المسلمون. ولم يقم رسول الله rبفضحهم وإفشاء أسرار نفاقهم أبداً مع أنه كان يعرف دخائل نفوسهم ونفاقهم، حتى إنه أخبر حُذيفة رضي الله عنه بذلك[48] لذا، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يراقب حُذيفة، فإن رآه لا يصلي على جنازة لم يصلها هو كذلك[49]، دون إحداث ضجة أو تشهير بالمنافق الميت .
ومع ذلك فلم يهتك الإسلام سرهم، فبقوا بين المؤمنين، وانقلب كفرهم المطلق إلى ريبة وشك على الأقل، فلم يحرموا من لذائذ الدنيا؛ لأن الإنسان الذي يعتقد أنه سيفنى ويذهب إلى العدم لا يمكن أن يهنأ في عيشه، ولكن إن انقلب كفره إلى شك وشبهة فإنه يقول في نفسه: "ربما توجد هناك حياة أخروية"، عندئذ لن تكفهر حياته تمام الاكفهرار. ومن هذا المنطلق كان رسول الله r رحمة لهم بهذا المعنى[50].
المطلب الرابع : عبقرية الرحمة :
لقد كانت رحمة النبي r من عوامل نجاحه التي استعملها واستفاد منها في دعوته، قال الله تعالى :
) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك( [آل عمران159:]
يعني : لولا رحمتك يامحمد لانفضوا من حولك رافضين دعوتك ..
كما إن رحمته rمن دلائل عبقريته وفطنته، بمعنى آخر كانت رحمته تشكل بُعدًا آخر من أبعاد عبقريته وفطنته، وكانت هذه الرحمة من عوامل نجاحه التي استعملها واستغلها، وجعل منها شِبَاك رحمة لصيد القلوب ، واتخذ رحمته وسيلة لفتح القلوب السوداء، وتحريك المشاعر الصماء، ولا يعني هذا أنه كان يتصنع الرحمة، ويتخذها ذريعة للوصول إلى مآرب غير شرعية، بل كانت سمته الطبيعي وفطرته التي جبله الله عليها .
وشتان ما بين رحمة خالصة لوجه الله، ورحمة خالصة من أجل منفعة شخصية وضيعة، وشتان بين رحمة من أجل رسالة سامية، ورحمة من أجل زعامة فانية .
"هكذا كانت "الرحمة" في يد رسول الله r مفتاحًا سحريًّا. وبهذا المفتاح فتح مغاليق أقفال صدئة لم يكن أحد يتوقع فتحها بأي مفتاح، وأشعل شعلة الإيمان في القلوب.. أجل، لقد سلّم هذا المفتاح الذهبي إلى محمد المصطفى r ؛ لأنه كان أليق الناس به، والله تعالى دائمًا يسلم الأمانة لمن هو أهل لها."[51] .
المطلب الخامس : وسطية الرحمة:
ومن خصائص رحمة النبي r أيضاً أنها رحمة متزنة وعادلة، فهو رحيم دون ضعف، متواضع بغير ذلة، محاربٌ لا يغدر، سياسيٌّ لا يكذب، يستخدم الحيلة في الحرب ولكن لا ينقض العهود والمواثيق، آمن خصومه بصدقه وأمانته، يجمع بين التوكل والتدبير، وبين العبادة والعمل، وبين الرحمة والحرب[52]..
وهذا وهو الحال في أخلاق محمد r جميعها، فهي تعمل ضمن منظومة متناسقة متناغمة، تتشابك جميعها لتأدية أغراضها، فلا تتوسع صفة أو تقوى على حساب أخرى، ولا تعمل إحداها ضد الصفة التي تقابلها. كالقرآن والسيف في دعوة النبي r، فالقرآن – في يدي النبيr- كتاب هداية لمن أراد الهدى، والسيف معه r وسيلة لردع من يعتدي عليه.
ويشير "جورج حنا"[53] إلى هذا التوازن في شخصية النبي r، فيقول:
" إنه [r]لم يرض بأن يحوّل خدّه الأيسر لمن يضربه على خدّه الأيمن.. بل مشى في طريقه غير هيّاب، في يده الواحدة رسالة هداية، يهدي بها من سالموه، وفي يده الثانية سيف يحارب به من يحاربوه. لقد آمن به نفر قليل في بداية الدعوة، وكان نصيب هذا النفر مثل نصيبه من الاضطهاد والتكفير.. كان هؤلاء باكورة الديانة الإسلامية، والشعلة التي انطلقت منها رسالة محمد[r] "[54]
ومظهرٌ آخر للتوازن، هو ثبات صفة الرحمة فيهr ، فهر رحيم في كل أحواله وأطواره ومواقفه، فالنبي r رحيم قبل البعثة وبعد البعثة، قبل الفتح وبعد الفتح، رحيم في النصر والهزيمة، رحيم في عسره ويسره، رحيم في سفره وحضره ... الخ

المطلب السادس : عملية الرحمة:
ومن خصائص رحمة النبي r أيضاً أنها ليست مجرد تعاليم نظرية، أو تطلعات فلسفية،أو كما يقال حبراً على ورق، بل شأنها كشأن سائر خصاله وأخلاقه التي ترجمها إلى منهج حياة عملية، وواقع حي عاشه المسلمون في العهود الإسلامية العريقة ..
فرحمة النبي محمد r رحمة تطبيقية يمارسها في حياته اليومية، كما تقول عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلقه، فقالت" كان خلقه القرآن "[55]، فقد خرج من تعاليم القرآن المكتوبة إلى واقع الحياة بتطبيق هذه التعاليم وممارستها سلوكاً عمليًا .


الفصل الثاني
رحمته للعالمين في مجال التنوير والحضارة

المبحث الأول : التنوير والتوحيد
المبحث الثاني : التحضر والرقي
المبحث الثالث : التسامح الديني
المبحث الرابع : رعاية العلم والمعرفة
المبحث الخامس: الخطاب التربوي
المبحث السادس : خدمة الإنسانية







المبحث الأول
التوحيد والتوير

المطلب الأول : محمد r تنويرياً عملاقًا:
يقول رودي بارت: "كان من بين ممثلي حركة التنوير من رأوا في النبي العربي [r] أدلة الله، ومشرعًا حكيمًا، ورسولاً للفضيلة، وناطقًا بكلمة الدين الطبيعي الفطري، مبشرًا به"[56]
لقد كان النبي r في رأي علماء الغرب - الذين درسوا سيرته - تنويرياً عملاقاً، وتوحيديًا كبيرًا، فهم يرون أن محمداً rيحمل كتاباً نورانياً لم يعرف التاريخ كتاباً مثله في الإحكام وروعة البيان ومعالجته لمشكلات الإنسانية..
وإذا كان علماء الغرب قد أطلقوا صفة التنويرعلى النبي r، فالحق أن القرآن الكريم سبقهم وأطلقها عليهr ، وهذه الصفة في القرآن تعبر في الغالب عن التوحيد، إضافة إلى العلم والحضارة والمدنية :
قال الله تعالى في ذلك : ) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً ( [الأحزاب:45، 46] .
وقال :) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) [المائدة: 15]
"يجلو الظلمات ، ويكشف الشبهات ، وينير الطريق ، نوراً هادئاً هادياً كالسراج المنير في الظلمات.وهكذا كان رسول الله r وما جاء به من النور. جاء بالتصور الواضح البين النير لهذا الوجود ، ولعلاقة الوجود بالخالق ، ولمكان الكائن الإنساني من هذا الوجود وخالقه ، وللقيم التي يقوم عليها الوجود كله ، ويقوم عليها وجود هذا الإنسان فيه؛ وللمنشأ والمصير ، والهدف والغاية ، والطريق والوسيلة"[57]. .
و"أي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من أبي القاسم [r] ؛ الذي حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة الله رب العالمين، ومن الضياع والانحلال إلى السموّ والإيمان، ولم يفد من جهاده لشخصه أو آله شيئًا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام"[58].
يقول المستشرق الأيرلندي المستر هربرت وايل " :
"بعد ستمائة سنة من ظهور المسيح ظهر محمد [r] فأزال كل الأوهام ، وحرم عبادة الأوهام ، وكان يلقبه الناس بالأمين ، لما كان عليه من الصدق والأمانة وهو الذي أرشد أهل الضلال إلى الصراط المستقيم "[59].
فبعدما كانت عبادة الحجارة والأشخاص والنار والبهائم هي العبادة السائدة المسيطرة على الشعوب، أصبحت عبادة الله ـ تبارك وتعالى ـ هي العبادة السائدة وأكثر انتشاراً، وبذلك يكون النبي r قد أعاد دين إبراهيم وموسى وعيسى ـ ابن مريم ـ عليهم السلام-، إلى الحياة مرة أخرى، بعدما حُرف الدين الحق (دين الأنبياء) من قبل الأنظمة الغابرة المستبدة، التي استعبدت الشعوب،وأغرقته في الظلام والجهل..
إن عظمة النبي r البارزة لكل متبصر ، تكمن في أنه كان حامل رسالة سماوية تنويرية، عنوانها لا إله إلا الله ، تهدف أساساً إلى إصلاح حياة البشرية عامة، تحريرها من عبادة الأوثان والشيطان .. ومن ثم نقلها من البربرية والوثنية إلى الحضارة المستنيرة..
جاء النبي r بشريعة خلقت جيلاً فريداً ضرب المثل الأعلى في النبوغ العقدي والفكري..
الأمر الذي دفع علماء الغرب إلى النظر للإسلام على أنه دين تنويري، أو بعبارة الدكتور مكسيم رودنس "دين عقلاني بعيد كل البعد عن العقائد المسيحية المخالفة للعقل.. ثم إنه وفّق بين الدعوة إلى حياة أخلاقية وبين حاجات الجسد والحواس والحياة في المجتمع. وخلاصة القول فهو كدين كان قريبًا جدًا من الدين الطبيعي الذي كان يعتقد به معظم رجال عصر التنوير.."[60]..
ومن ثم يقول "ناجيمو راموني"[61] :"إن الإسلام هو أعظم الأديان ملاءمة لجيلنا المتحضر ولكل جيل. فالإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا بحيث تتحول الحياة إلى طريقين مختلفين تمامًا، وهذا يشكل خلاصة الأزمة المعاصرة للإنسان. لقد اعتنقت الإسلام لأنه دين طبقات الناس جميعًا، كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، دين الأحرار والعبيد، والسادة والمسودين"[62].
ولذلك يقول الأستاذ القانوني الإنكليزي المستر ولز : " كل شريعة لا تسير مع المدنية في طور من أطوارها فاضرب بها عرض الحائط ولا تبال بها ! لأن الشريعة التي لا تسير مع المدنية جنبًا إلى جنب هي شر مستطير على أصحابها، تجرهم إلى الهلاك، وإن الشريعة التي وجدتُها تسير مع المدنية، أنى سارت هي الشريعة الإسلامية"[63]..
ويدلل على ذلك قائلاً: " وإذا أراد إنسان أن يعرف شيئًا من هذا؛ فليقرأ القرآن وما به من نظريات علمية وقوانين وأنظمة لربط المجتمع، فهو كتاب ديني، علمي، اجتماعي، تهذيبي، خُلقي، تاريخي، وكثير من أنظمته وقوانينيه تستعمل حتى في وقتنا الحالي، وستبقى مستعمله حتى قيام الساعة، وهل في استطاعة إنسان أن يأتي بدور من الأدوار كانت فيه الشريعة الإسلامية مغايرة للمدنية والتقدم ؟ ! "[64].
إن الشريعة الإسلامية كانت خير هدية من الله للعالم المتحضر، على حد قول جوزيف شاخت[65] فهي" تختلف اختلافًا واضحًا عن جميع أشكال القانون، إلى حدّ أن دراستها أمر لا غنى عنه لكي نقدر المدى الكامل للأمور القانونية تقديرًا كافيًا.. إن الشريعة الإسلامية شيء فريد في بابه، وهي جملة الأوامر الإلهية التي تنظم حياة كل مسلم من جميع وجوهها، وهي تشتمل على أحكام خاصة بالعبادات والشعائر الدينية كما تشتمل على قواعد سياسية وقانونية.."[66]
ويبين "ديبورا بوتر" أن الإسلام جاء بعصر التنوير الحقيقي في المجالات الحياتية المختلفة، فيقول:
"لقد جاء الإسلام بعصر التنوير الحقيقي في المجالات العلمية والثقافية والفنية بصورة لم يسبق لها مثيل في عظمتها إلى يوم الناس هذا.. فبين عام 700 و1400 بعد الميلاد، وفي الوقت الذي كانت فيه أوروبا تغط في سبات عميق في عصور الظلام المسماة بالعصور الوسطى، كان العلماء المسلمون قد توصلوا إلى المنهج التجريبي في البحث الذي حلّ محل المنهج المنطقي العقيم الذي كان سائدًا عند الإغريق قبل ذلك.. لقد أنتجت هذه الحقبة من الزمان للدنيا رجالاً عظماء.. ساهموا مساهمة عظيمة في تشييد صرح الحضارة الإنسانية وكانوا يستلهمون هديهم من القرآن الكريم في جميع نشاطاتهم"[67].
المطلب الثاني : نضاله في إخراج الناس من الظلمات إلى النور:
دخل الرسول r في صراع ونضال ضد أصحاب عصر الظلام، والنزعات الرجعية، والموروثات المتخلفة التي عفى عليها الزمن، كما تبين لورافيشيا فاغليري بقولها : "دعا الرسول العربي [r] بصوت ملهم باتصال عميق بربه.. دعا عبدة الأوثان وأتباع نصرانية ويهودية محرّفتين على أصفى عقيدة توحيدية. وارتضى أن يخوض صراعًا مكشوفًا مع بعض نزعات البشر الرجعية التي تقود المرء إلى أن يشرك بالخالق آلهة أخرى.."[68].

ولقد بذل النبي r مجهوداً ضخماً في سبيل تنوير العرب ودحر الوثنية.. يبّين ذلك المؤرخ الأمريكي واشنجتون إيرفنج بقوله :
"لقي الرسول [r] ... كثيرًا من العناء، وبذل عدة تضحيات. فقد شك الكثير في صدق دعوته، وظل عدة سنوات دون أن ينال نجاحًا كبيرًا، وتعرض خلال إبلاغ الوحي إلى الإهانات والاعتداءات والاضطهادات، بل اضطر إلى أن يترك وطنه ويبحث عن مكان يهاجر إليه هنا وهناك، وتخلى عن كل متع الحياة وعن السعي وراء الثراء من أجل نشر العقيدة. "[69].
ويؤكد ذلك هنري دي كاستري (1927-1850) بقوله : ".. ولقد نعلم أن محمدًا [r]مرّ بمتاعب كثيرة وقاسى آلامًا نفسية كبرى قبل أن يخبر برسالته، فقد خلقه الله ذا نفس تمحّضت للدين، ومن أجل ذلك احتاج إلى العزلة عن الناس لكي يهرب من عبادة الأوثان، ومذهب تعدد الآلهة الذي ابتدعه المسيحيون، وكان بغضهما متمكنًا من قلبه، وكان وجود هذين المذهبين أشبه بإبرة في جسمه [r] ، ولعمري ! فيم كان يفكر ذلك الرجل الذي بلغ الأربعين وهو في ريعان الذكاء ومن أولئك الشرقيين الذين امتازوا في العقل بحدة التخيّل وقوة الإدراك.. إلا أن يقول مرارًا ويعيد تكرارًا هذه الكلمات "الله أحد الله أحد". كلمات رددها المسلمون أجمعون من بعده وغاب عنا معشر المسيحيين مغزاها لبعدنا عن فكرة التوحيد.."[70].
وتقول الكاتبة الإنكليزية اللادي ايفلين كوبولد[71]:
"كان العرب قبل محمد [r] أمة لا شأن لها ولا أهمية لقبائلها ولا لجماعتها، فلما جاء محمد [r] بعث هذه الأمة بعثًا جديدًا يصح أن يكون أقرب إلى المعجزات فغلبت العالم وحكمت فيه آجالاً وآجالاً... لقد استطاع النبي [r] القيام بالمعجزات والعجائب، لَمّا تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام وقبول الوحدانية الإلهية.. لقد وفّق إلى خلق العرب خلقًا جديدًا ونقلهم من الظلمات إلى النور"[72].


المطلب الثالث : نجاح حركة التنوير :
وإن المبهر في سيرة النبي r أنه هدّم الأصنام بأيد من صنعوها وعبدوها .. وهذا لاشك من دلائل نجاح حركة التنوير التي قادها النبي r
فهدمها سدنتها أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص و سعد بن زيد بن الأشهلي..
وما أروعهم !
بعدما قاتلوا في سبيل هذه الأوثان والحجارة ..
هُم هُم الذين يهدمونها بأيديهم، ويحطمونها بسواعدهم .. !!
ولا شك أن هذا أوقع في قلوب الناس، لجذبهم إلى طريق التوحيد..
فلما دخل النبي r مكة (في رمضان 8هـ/يناير 630 م) في يوم فتحها، متجهاً إلى البيت، وحوله ثلاثمائة وستون صنماً ، جعل يطعنها الواحدة تلو الأخرى بعود في يده ، وهو يقول:
" جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا، جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد"[73].
وكان في جوف الكعبة أيضا أصناماً فأبى أن يدخل وفيها هذه الأوثان ، وأمر بها فأخرجت وأخرجت صور لإبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام[74]، فقال النبي r
" قاتلهم الله ! لقد علموا ما استقسما بها قط ".. ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت[75].
أما عن الأصنام والأوثان المنتشرة في الجزيرة العربية، فقد أرسل إليها رجاله، ليهدموها واحداً تلو الآخر، ليسدل الستار بذلك على عصر الظلام..
فإليك هذه المشاهد :
1ـ لما اطمأن رسول الله r بعد الفتح؛ بعث خالد بن الوليد إلى صنم العزى لخمس ليال بقين من شهر رمضان سنة 8 هـ(يناير 630 م ) ليهدمها وكانت بنخلة– بين مكة والطائف -، وكانت لقريش وجميع بني كنانة وهي أعظم أصنامهم‏.‏ وكان سدنتها بني شيبان، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسًا حتى انتهى إليها، فهدمها[76].‏
2ـ وبعث النبي r عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى الصنم سواع ليهدمه وهو صنم لهذيل برهاط، على قرابة 150 كيلوا مترا شمال شرقي مكة، فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن‏:‏ ما تريد‏؟‏ قال‏:‏ أمرني رسول الله rأن أهدمه قال‏:‏ لا تقدر على ذلك قال‏:‏ لم ‏؟‏ قال تُمنع قال‏:‏ حتى الآن أنت على الباطل‏؟‏ ويحك فهل يسمع أو يبصر‏؟‏ ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته فلم يجدوا فيه شيئًا، ثم قال للسادن‏:‏ كيف رأيت‏؟‏ قال‏:‏ أسلمت لله‏.‏!! [77] .
3ـ وفي الشهر نفسه بعث r القائد سعد بن زيد بن الأشهلي في عشرين فارسًا إلى الصنم مناة وكانت بالمشلل عند قديد للأوس والخزرج وغسان وغيرهم، فلما انتهى سعد إليها قال له سادنها‏:‏ ما تريد‏؟‏ قال‏:‏ هدم مناة، قال‏:‏ أنت وذاك[78]
أرأيت كيف تحول حال هؤلاء الصحابة من أناس يقدسون الأصنام والأوثان إلى رجال موحدين، وقادة فاتحين، وعلماء ومفكرين .. ؟ !
وهكذا كان النبي كما وصفه جورج حنا بإنه " كان ثائرًا، عندما أبى أن يماشي أهل الصحراء في عبادة الأصنام وفي عاداتهم الهمجية وفي مجتمعهم البربري. فأضرمها حربًا لا هوادة فيها على جاهلية المشركين وأسيادهم وآلهتهم. فكفره قومه واضطهدوه وأضمروا له الموت. فهاجر تحت جنح الليل مع نفر من أتباعه، وما تخلى عن النضال في نشر دعوته، وما أحجم عن تجريد السيف من أجلها. فأخرج من جاهلية الصحراء عقيدة دينية واجتماعية تجمع بين مئات الملايين من البشر في أقطار المعمورة"[79]
وهكذا تتجلى أهم مظاهر رحمة النبي محمد r للعالمين..
والتي تتمثل في كونه r المحرر الأعظم للبشر في إخراجهم من دركات عبادة الحجارة إلى مستوى عبادة الخالق سبحانه وتعالى .. وكون الإنسان لا يعبد مخلوقا؛ً دلالة على حريته وكرامته . أما عابد النار، وعابد الحجارة، وعابد البقرة، فلا شك أنه لا يهنىء بحياة إنسانية كريمة، قد قيدتهها الموروثات العقدية الواهية . فكون النبي محمد r يجعل من جوهر رسالته أن يخرج هؤلاء البشر من هذا الحضيض إلى الحياة الإسلامية الشريفة؛ فذلك مظهر من مظاهر رحمته r، وكان هذا هو ديدنه حتى كان له الفضل الأكبر في تحويل سدنة الأوثان إلى علماء، ودعاة حضارة وتنوير !

[1]ابن سيد الناس :عيون الأثر ، 2 / 188

[2] ابن سيد الناس :عيون الأثر: 2 / 194

[3] مولانا محمد علي : حياة محمد وسيرته : ص221

[4] عميد كلية الحقوق بجامعة "فيينا"،وقال هذه الجملة في مؤتمر الحقوق سنة 1927

[5] انظر : عبد الله ناصح علوان : معالم الحضارة في الإسلام وأثرها في النهضة الأوربية، ص 155

[6] يقول المستشرق سايل : إن مكتشف النسخة الإيطالية لإنجيل برنابا هو راهب لاتيني يسمى " مرينو"...واتفق أنه أصبح حينا من الدهر مقربا من البابا "سكتس الخامس"، فحدث يوما أنهما دخلا معا مكتبة البابا العتقية، فأخذ النوم هذا البابا ، فأحب الراهب مرينوأن يقتل الوقت بالمطالعة إلى أن يفيق البابا ، فكان الكتاب الأول الذي وضع يده عليههو إنجيل القديس برنابا ، فخبأ هذا الإنجيلفي ثوبه ، ولبث إلى أن إستفاق البابا فاستأذنه بالإنصراف حاملاً ذاك الكنز معه ، فلما خلا بنفسه طالعه بشوق عظيم فاعتنق على إثر ذلك الإسلام . اهـ .
وبعد اكتشاف هذا الإنجيل، شاع خبره في بداية القرن الثامنعشر فأحدث دوياً كبيراً، عند النصارى بشتى طوائفهم، وأجمعوا على محاربته وتكذيبه ، بل إن هذا العداء توارثته أجيال النصارى جيلاً بعد جيل ، بل قامأساقفة النصارى بتصنيف الردود على هذا الإنجيل الذي يبشر بشكل صريح جداً بمحمد صلى الله عليه وسلم ..

[7] إنجيل برنابا ، 82 : 16 – 18

[8] أسلم وأطلق على نفسه اسم " إبراهيم خليل أحمد "، وهو حاصل على ماجستير في اللاهوت من جامعــة برنسـتون الأمريكية .ومن كتبه (محمد في التوراة والإنجيل والقرآن) و(المسيح إنسان لا إله) و(الإسلام في الكتب السماوية) و(اعرف عدوك اسرائيل) و(الاستشراق والتبشير وصلتهما بالإمبريالية العالمية) و(المبشرون والمستشرقون في العالم العربي الإسلامي).وقد كان راعياً للكنيسة الإنجيلية ، وأستاذاً للاهوت ، وأسلم على يديه عدد كبير من الناس .

[9] إبراهيم خليل أحمد (القـس إبراهيم فيلـوبـوس سابقاً) : محمد في التوراة والإنجيل والقرآن ، ص 115

[10] إنجيل برنابا ، 96 : 3-16

[11] الحاكم: المستدرك على الصحيحين2\ 672 ، عن أبي موسى برقم 4229، ومصنف ابن أبي شيبة 6\ 317 برقم 31733، وابن عساكر:تاريخ دمشق 3\4، والطبري :تاريخ الأمم والملوك( تاريخ الطبري) 1\ 520، وسيرة ابن حبان 58 . محمد بن يوسف الصالحي : سبل الهدى والرشاد 2\140.

[12] توماس كارلايل : الأبطال، 51، 52

[13] لين بول : رسالة في تاريخ العرب نقلا عن : عفيف عبد الفتاح طبارة : روح الدين الاسلامي ، ص 438.

[14] وليم موير :حياة محمد 14

[15] الدكتور م. ج. دُرّاني : سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحًا من حياته في كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسًا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 حيث عاد إلى الإسلام .

[16] انظر: عرفات كامل العشي : رجال ونساء أسلموا ، 4 / 27 – 28 .

[17] جان ليك" العرب، ص 43

[18] واشنجتون ايرفنج : حياة محمد ، ص 72 .

[19] جوستاف لوبون : ولد عام 1841 وهو مؤرخ فرنسي مشهور، عني بالحضارات الشرقية.من آثاره: (حضارة العرب) (باريس 1884)، (الحضارة المصرية)، و(حضارة العرب في الأندلس).

[20] جوستاف لوبون: الدين والحياة، ص67.

[21] جوستاف لوبون: حضارة العرب ، ص 115 .

[22] انظر: حسين الشيخ خضر الظالمي : قالوا في الاسلام ص 50.

[23] صحيح – رواه البخاري، كتاب بدء الخلق – باب: ما جاء في قول الله تعالى: َ"وهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ" (الروم: 27). ورواه مسلم في التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى ، رقم: 2751.

[24] صحيح – رواه البخاري، كتاب الرقاق – باب: الرجاء مع الخوف. رقم 5988

[25] سنن الترمذي 3463

[26] صحيح – رواه البخاري، كتاب الأدب - باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته / و أخرجه مسلم في التوبة، باب: في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه، رقم: 2754.

[27] صحيح - رواه الحاكم في مستدركه عن أبي هريرة، والبيهقي، باب إنما أنا رحمة مهداة، برقم 61، ورواه ابن أبي شيبة عن ابي صالح 7\ 441، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم 490

[28] انظر: أحمد عبد الرحمن إبراهيم : الفضائل الخلقية في الإسلام، 147

[29] واشنجتون ايرفنج : حياة محمد، ص 304

[30] جاك. س. ريسلر: باحث وكاتب فرنسي معاصر، وأستاذ بالمعهد الإسلامي بباريس. والحاصل على جائزة الأكاديمية الفرنسية، تقديرا لكتابه "الحضارة العربية" بوصفه دراسة أساسية لمعرفة الإسلام.

[31] جاك ريسلر :الحضارة العربية ، ص 51 .

[32] الدكتورة إلس ليختنستادتر: باحثة ألمانية، درست العلوم العربية والإسلامية في جامعة فرانكفورت، ثم في جامعة لندن، وأقامت زهاء ثلاثين سنة بين بلاد الشرقين الأدنى والأوسط، وعنيت عناية خاصة بدعوات الاجتهاد والتجديد والمقابلة بين المذاهب. من مؤلفاتها (الإسلام والعصر الحديث).

[33] إلس ليختنستادتر: الإسلام والعصر الحديث، نقلاً عن: عباس محمود العقاد: ما يقال عن الإسلام ، ص 19

[34] باحث مسيحي لبناني ، يتميز بنظرته الموضوعية نحو الإسلام، وعُرف بنشاطه الدؤوب لتحقيق التعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية في لبنان.. ألقى العديد من المحاضرات في المناسبات الإسلامية والمسيحية على السواء، متوخيًا الهدف نفسه. من آثاره: (لقاء المسيحية والإسلام) (1970)، و(في خطى محمد) (1970).

[35] نصري سلهب : لقاء المسيحية والإسلام ، ص 22

[36] علي يول : دانمركي، تعرف على الإسلام عام 1973 خلال إحدى رحلاته إلى المغرب، وبعد عدد من اللقاءات مع بعض المسلمين هناك أعلن انتماءه للإسلام، وهو الآن يعيش في كوبنهاجن العاصمة.

[37]انظر: عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا ، 4 / 127 .

[38]انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 7 / 21 – 22

[39] لورافيشيا فاغليري : دفاع عن الإسلام ، ص 24 – 25

[40] حسن لغيره - رواه الحاكم في المستدرك، برقم 7418، ورواه الطبراني ورواته رواة الصحيح ، وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب

[41] صحيح - رواه أبو يعلى الموصلي 4145 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 167

[42] صحيح -رواه الحميدي، برقم 619، وأحمد برقم 6206، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 925

[43] انظر: يوسف القرضاوي: الإيمان والحياة، 283

[44] صحيح - رواه أحمد ، برقم 22391، والطبراني في المعجم الأوسط برقم 4905، البيهقي برقم 4921، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 2700

[45] صحيح – رواه مسلم، بَاب دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ وَبُكَائِهِ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ، رقم301

[46] حسن – رواه الترمذي في الشمائل المحمدية ( 295 )، وحسنه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية

[47] انظر: محمد فتح الله كولن : النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية، 2/69

[48] البخاري، فضائل أصحاب النبي، 20؛ ابن الأثير : أسد الغابة 1/468

[49] ابن الأثير : أسد الغابة 1/468

[50] انظر: محمد فتح الله كولن : النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية، 2/69

[51] محمد فتح الله كولن : النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية 1/6

[52] انظر محمد علي الخطيب: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، 33

[53]الدكتور جورج حنا : كاتب نصراني من لبنان، وصاحب كتاب (قصة الإنسان).

[54] جورج حنا : قصة الإنسان ، ص 76 .

[55] صحيح – رواه أحمد برقم 23460، وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم4811 .

[56] رودي بارت : الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 20.

[57] سيد قطب : في ظلال القرآن - (ج 6 / ص 91)

[58] نظمي لوقا: محمد في حياته الخاصة ، ص 12.

[59] هربرت وايل : المعلم الأكبر ، ص 17

[60] انظر : شاخت وبوزورت : تراث الإسلام 1 / 64 – 66 .

[61] منصّر سابق، من غانا، بإفريقية الغربية، ولد لأبوين مسيحيين، وتلقى تعليمه في المدارس التنصيرية، ولما بلغ العشرين بدأ مهمته كمبشر متحمّس، لكنه عثر يومًا على كتاب عن الإسلام قدمه إليه أحد أصدقائه فاهتزّت قناعاته بالنصرانية، واستمر في طريق البحث عن الحق حتى خريف عام 1963 حيث أعلن إسلامه.

[62] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 9 / 57 – 58 .

[63] انظر: حكمت بشير ياسين، عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان، 337

[64] انظر: حكمت بشير ياسين، عناية السنة النبوية بحقوق الإنسان، 337

[65] جوزيف شاخت: ولد عام 1902، وعين أستاذًا في عدد من الجامعات الألمانية (1927-1934)، ومحاضرًا للدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد (1948)، وليدن (1954)، وكولومبيا (1957-1958)، وقد اشتهر بدراسة التشريع الإسلامي وبيان نشأته وتطوره.من آثاره: (دين الإسلام) (1931)، و(نشأة الفقه في الإسلام) (1950)، و(خلاصة تاريخ الفقه الإسلامي) (1952).

[66] انظر : شاخت وبوزورت : تراث الإسلام 3 / 9 .

[67] انظر : عرفات كامل العشي : رجال ونساء أسلموا ، 8 / 1108 – 109 .

[68] لورافيشيا فاغليري : دفاع عن الإسلام ، ص 43.

[69] إميل درمنغم: حياة محمد، ص 300.

[70] هنري دي كاستري: الإسلام: خواطر وسوانح ، ص16، 17

[71] كاتبة إنجليزية، اعتنقت الإسلام وزارت الحجاز، وحجت إلى بيت الله، وكتبت مذكراتها عن رحلتها تلك في كتاب لها بعنوان: (الحج إلى مكة) (لندن 1934) والذي ترجم إلى العربية بعنوان: (البحث عن الله).

[72] اللادي ايفلين كوبولد: البحث عن الله، ص51، 66

[73] انظر: ابن كثير: السيرة النبوية، 3\ 573، والبداية والنهاية 4\ 346

[74] السهام التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر، وهو عمل سخيف، يعيق الإنسان عن العمل والحركة، إلا بقرار من هذه الأزلام !

[75] المصدر السابق

[76] انظر : صفي الرحمن المباركفوري : الرحيق المختوم ، 471.

[77] انظر : المصدر السابق

[78] انظر : المصدر السابق

[79] جورج حنا : قصة الإنسان ، ص 25
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-30-2012, 12:34 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

المبحث الثاني
التحضر والرقي
من مظاهر رحمته r أنه ارتقى بالعرب إلى مستوى التحضر فوحد صفهم وأقام لهم دولة و جعل منهم أمة، وصفها القرآن بإنها خير أمة أخرجت للناس.. إن في ذلك لرحمة ! رحمة أن يعيش العربي في ظلال دولة مدنية، وأمة متحضرة، وفي سبيل فكرة مستنيرة .. لا أن يعيش في صراعات قبلية، واقتتال على الناقة والعنزة، في سبيل أفكار رجعية أو عصبية منتنة، كما كان يسميها النبي r: " دعوها فإنها منتنة"[1].
هذا ولم يقتصر فضل النبي r على تحضر العرب وحدهم .. بل يمتد خيره ونوره إلى الشعوب والأمم الأخرى، خصوصاً أوربا..
المطلب الأول : العرب من القبيلة إلى الدولة والأمة
أولاً: العرب لم يعرفوا الوحدة الحضارية قبل النبي r
يقول المفكر الألماني رودي بارت[2] :
"كان العرب يعيشون منذ قرون طويلة في بوادي وواحات شبه الجزيرة، يعيثون فيها فسادًا. حتى أتى محمد [r] ودعاهم إلى الإيمان بإله واحد، خالق بارئ، وجمعهم في كيان واحد متجانس"[3].
ويقول رودي بارت ، في موضع آخر، مفصلاً:
"جاء محمد بن عبد الله [r]، النبي العربي وخاتمة النبيين، يبشر العرب والناس أجمعين، بدين جديد، ويدعو للقول بالله الواحد الأحد، كانت الشريعة [في دعوته] لا تختلف عن العقيدة أو الإيمان، وتتمتع مثلها بسلطة إلهية ملزمة، تضبط ليس الأمور الدينية فحسب، بل أيضًا الأمور الدنيوية، فتفرض على المسلم الزكاة، والجهاد ضد المشركين.. ونشر الدين الحنيف.. وعندما قبُض النبي العربي [r]، عام 632م، كان قد انتهى من دعوته، كما انتهى من وضع نظام اجتماعي يسمو كثيرًا فوق النظام القبلي الذي كان عليه العرب قبل الإسلام، وصهرهم في وحدة قوية، وهكذا تم للجزيرة العربية وحدة دينية متماسكة، لم تعرف مثلها من قبل.."[4].
ثانيًا: جهود مضنية من النبيr :
ولقد كانت الحياة العربية قبل الإسلام تقوم أساساً على نمطية خاصة، فالقبيلة هي التنظيم الاجتماعي والسياسي الذي يضمم حياة الفرد في القبيلة ، فكان انتماء العربي الجاهلي انتماء قبلياً ، وليس هناك أية رابطة عملية توحد القبائل وتجمعها ، بل على العكس كانت القبائل متناحرة متحاربة ، وإذا ما قامت أحلاف قبلية ، فلمناصرة قبيلة على أخرى ، وبالتحديد كانت القبيلة العربية تشكل وحدة سياسية مستقلة[5] . .
ومن هنا كان الانقلاب الذي أحدثه الرسول rعميقاً في حياة الجزيرة العربية إذ استطاع بسياسته الكفاحية التي تمليها روح الإسلام أن يحول هذه الوحدات القبلية المستقلة ويرتقى بها لتظهر في إطار الأمة الإسلامية[6].
فيبين "فيليب حتي" هذا الانقلاب الذي أحدثه الرسول r فيقول :" إذا نحن نظرنا إلى محمد [r] من خلال الأعمال التي حققها، فإن محمدًا الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد؛ يبدو لنا بكل وضوح واحدًا من أقدر الرجال في جميع أحقاب التاريخ. لقد نشر دينًا هو الإسلام، وأسس دولة هي الخلافة، ووضع أساس حضارة هي الحضارة العربية الإسلامية، وأقام أمة هي الأمة العربية. وهو لا يزال إلى اليوم قوة حية فعالة في حياة الملايين من البشر"[7]..
وعن ضخامة هذا الجهد العظيم الذي بذله النبي rلإحداث هذا التحول في المجتمع العربي الجاهلي ، يقول إميل درمنغم : "إن النبي [r] لم يعرف الراحة ولا السكون بعد أن أوحي إليه في غار حراء، فقضى حياة يعجب الإنسان بها، والحق أن عشرين سنة كفت لإعداد ما يقلب الدنيا، فقد نبتت في رمال الحجاز الجديبة حبة سوف تجدد، عما قليل، بلاد العرب وتمتد أغصانها إلى بلاد الهند والمحيط الأطلنطي. وليس لدينا ما نعرف به أن محمدًا [r] أبصر، حين أفاض من جبل عرفات[8]، مستقبل أمته وانتشار دينه، وأنه أحس ببصيرته أن العرب الذين ألّف بينهم سيخرجون من جزيرتهم لفتح بلاد فارس والشام وأفريقية وإسبانية"[9] .
ويبين آرنولد توينبي[10] أن النبي قد كرّس حياته لتحقيق رسالته في كفالة مظهرين أساسيين في البيئة الاجتماعية العربية؛ هما الوحدانية في الفكرة الدينية، والقانون والنظام في الحكم. "وتم ذلك فعلاً بفضل نظام الإسلام الشامل الذي ضم بين ظهرانيه الوحدانية والسلطة التنفيذية معًا.. فغدت للإسلام بفضل ذلك قوة دافعة جبارة لم تقتصر على كفالة احتياجات العرب ونقلهم من أمة جهالة إلى أمة متحضرة.. بل تدفق الإسلام من حدود شبه الجزيرة، واستولى على العالم السوري بأسره من سواحل الأطالسي إلى شواطئ السهب الأوراسي "[11].
ثالثًا: تميز فكرة الأمة الإسلامية
ويناقش المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار فكرة " الأمة الإسلامية " ومغايرتها المفهوم الغربي، فيقول:
"ليس لفكرة الأمة الإسلامية مقابل في فكر الغرب ولا في تجربته التاريخية. فالجماعة الإسلامية، وهى تجّمع من المؤمنين يؤلف بينهم رباط سياسي وديني في آن واحد، ويتمحورون حول كلام الله القدسي... و الفرد يندمج في الإسلام بالجماعة المؤمنة بالتساوي عن طريق شهادته، الفردية واستبطان إرادته وصفاته الخاصة كمؤمن، فالنية المعلنة والجهر بالكلام شرطان من شروط الانتماء إلى المجتمع . وبصورة تلازمية يحدد الامتثال لمشيئة الله البنية الاجتماعية . وهكذا تكون النظم التأسيسية للجماعة مشروطة بالعبادة الواجبة عليها نحو الله "[12].
إذًا ليس لفكرة الأمة الإسلامية ما ينافسها في تجارب الغرب على مدار تارخيه..
فتاريخ الغرب عبارة عن مجموعة إمبراطوريات متتابعة قائمة على الطبقية والعرق واللون..
ولم تقم لهم حضارة في تاريخهم تقوم على أساس الرباط الإيماني، اللهم إلا حضارة الإسلام! .
ولم يحدث أن دولة من دول الغرب في عصور الظلام، أن سوت بين أفراد الشعب في المعاملة وتوزيع الثروة والسلطة، اللهم إلا دولة الإسلام !

المطلب الثاني : إشادة العلماء الغربيين بجهود النبي r
هذا، ولقد أثار موضوع فضل الرسول محمد rعلى تحضر العرب، اهتمام علماء الغرب وغيرهم، فهو الذي وحد الجزيرة العربية أول مرة في التاريخ في ظل حكم إسلامي ، متنور نقل العرب من الجاهلية إلى الحضارة والمدنية.. يقول الباحث الروسي آرلونوف:
"في شبه جزيرة العرب المجاورة لفلسطين ظهرت ديانة أساسها الاعتراف بوحدانية الله ، وهذه الديانة تعرف بالمحمدية[13] أو كما يسميها أتباعها الإسلام، وقد انتشرت هذه الديانة انتشاراً سريعاً، و مؤسس هذه الديانة هو العربي محمد [r]، وقد قضى على عادات قومه الوثنية، ووحد قبائل العرب، وأثار أفكارهم وأبصارهم بمعرفة الإله الواحد، وهذب أخلاقهم ولين طباعهم وقلوبهم وجعلها مستعدة، للرقي والتقدم، ومنعهم من سفك الدماء ووأد البنات، وهذه الأعمال العظيمة التي قام بها محمد[r] تدل على أنه من المصلحين العظام، وعلى أن في نفسه قوة فوق قوة البشر، فكان ذا فكر نير ، وبصيرة وقيادة "[14] .
وهكذا فإن فضل الرسول r على العرب لا حد له، إذ أخرجهم من الجاهلية إلى نور الإسلام.
ويضيف "هنري سيرويا"[15] أن "محمداً [r] لم يغرس في نفوس الأعراب مبدأ التوحيد فقط، بل غرس فيها أيضًا المدنية والأدب"[16] .
ويتحدث الباحث الأمريكي "جورج دي تولدز"( 1815-1897) ، عن فضل الرسول rعلى العرب حين نقلهم من الهمجية إلى المدنية، وعن دور الرسالة في تبديل أخلاق عرب الجاهلية ، حين عمر ضياء الحق والإيمان قلوبهم ، فيقول :
" إن من الظلم الفادح أن نغمط حق محمد [r]، و العرب على ما علمناهم من التوحش قبل بعثته، ثم كيف تبدلت الحالة بعد إعلان نبوته ، وما أورته الديانة الإسلامية من النور في قلوب الملايين من الذين اعتنقوها بكل شوق وإعجاب من الفضائل ، لذا فإن الشك في بعثة محمد[r]إنما هو شك في القدرة الإلهية التي تشمل الكائنات جمعاء"[17].
ويؤكد ذلك القس السابق دُرّاني[18] بقوله:
".. وأخيراً أخذت أدرس حياة النبي محمد [r] فأيقنت أن من أعظم الآثام أن نتنكر لذلك الرجل الرباني الذي أقام مملكة لله بين أقوام كانوا من قبل متحاربين لا يحكمهم قانون، يعبدون الوثن، ويقترفون كل الأفعال المشينة، فغير طرق تفكيرهم، لا بل بدل عاداتهم وأخلاقهم، وجمعهم تحت راية واحدة وقانون واحد ودين واحد وثقافة واحدة وحضارة واحدة وحكومة واحدة، وأصبحت تلك الأمة، التي لم تنجب رجلاً عظيمًا واحدًا يستحق الذكر منذ عدة قرون، أصبحت تحت تأثيره وهديه تنجب ألوفًا من النفوس الكريمة التي انطلقت إلى أقصى أرجاء المعمورة تدعو إلى مبادئ الإسلام وأخلاقه ونظام الحياة الإسلامية وتعلم الناس أمور الدين الجديد"[19].

كان فضل النبي r في تحضر العرب من العمق وبُعد الأثر لا يحصره زمان أو يحده مكان، يقول الباحث قسطاكي حمصي (1858-1941) :
"إذا كان سيد قريش نبي المسلمين ومؤسس دينهم، فهو أيضا نبي العرب ومؤسس جامعتهم القومية، وكما أنه من الحمق والمكابرة أن ننكر أن ما لسيد قريش من بعيد الأثر في توحيد اللهجات العربية ، وقتل العصبيات الفرعية في نفوس القبائل، بعد أن أنهكها القتال في الصحراء ، و تناحر ملوكها في الشام والعراق تناحراً أطال أمد الحماية الرومانية والفارسية في البلدين الشقيقين حتى الفتح الإسلامي. فمن الخطأ أن ننكر ما للرسول العربي الكريم [r] وخلفائه من يد على الشرق ! ... والمنافحة لتحرير الشرق من رق الرومان وأسر الفرس .إن سيد قريش هو المنقذ الأكبر للعرب من فوضى الجاهلية، وواضع حجر الزاوية في صرح نهضتهم الجبارة المتأصلة في تربة الخلود !! "[20].
المطلب الثالث: فضل النبي في تحضر العالم
ويبين المستر سنكس أن لمحمدr الفضل الأكبر ليس فقط في رقي العرب بل في رقي العالم كله حتى اليوم ، فيقول سنكس :
" ظهر محمد [r]بعد المسيح بخمسمائة وسبعين سنة، وكانت وظيفته ترقية عقول البشر، بإشرابها الأصول الأولية للأخلاق الفاضلة، وبإرجاعها إلى الاعتقاد بإله واحد، وبحياة بعد هذه الحياة .... " إلى أن قال:
إن الفكرة الدينية الإسلامية، أحدثت رقياً كبيراً جداً في العالم، وخلّصت العقل الإنساني من قيوده الثقيلة التي كانت تأسره حول الهياكل بين يدي الكهان. ولقد توصل محمد [r] بمحوه كل صورة في المعابد وإبطاله كل تمثيل لذات الخالق المطلق ، إلى تخليص الفكر الإنساني من عقيدة التجسيد الغليظة"[21]. .

أما المفكر " برتلي سانت هيلر " فيبين أن فضل النبي محمد r ، يمتد إلى كل شعوب العالم، بقوله :
"وقد كان دينه [r] الذي دعا الناس إلى اعتقاده، جزيل النعم على جميع الشعوب التي اعتنقته"[22].
أما الكاتب الفرنسي موريس بوكاي فيخص أوربا والغرب ، على أساس أن الشعوب الغربية هم أكثر الشعوب إستفادة من حضارة الإسلام، فيقول بوكاي: "إن الإسلام ينظر إلى العلم والدين كتوءمين، وأن تهذيب العلم كان جزءاً من التوجيهات الدينية منذ البداية، وأن تطبيق هذه القاعدة أدى إلى التقدم العلمي العجيب في عصر الحضارة الإسلامية العظمى، التي استفاد منها الغرب قبل نهضته"[23] .
ويؤيده العلامة " سان سيمون " في كتابه " علم الإنسان " بقوله:
" إن الدارس لبنيات الحضارات الإنسانية المختلفة ، لا يمكنه أن يتنكر للدور الحضاري الخلاق الذي لعبه العرب والمسلمون في بناء النهضة العلمية لأوربا الحديثة "[24] .
ويقارن "كويليام " حال العالم بعد عهد محمد r وبين عصر الجاهلية فيقول : "لما شرف محمد r ساحة عالم الشهود بوجوده الذي هو الواسطة العظمى والوسيلة الكبرى إلى اعتلاء النوع الإنساني وترقيّه في درجات المدنية، أكمل ما يحتاجه البشر من اللوازم الضرورية على نهج مشروع وأوصل الخلق إلى أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة. ومن نظر بعين البصيرة في حال الأنام قبله r وما كانوا عليه من الضلالة.. ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من الترقّي العظيم رأى بين الحالين فرقًا عظيمًا كما بين الثريا والثرى"[25].
و".. امتدت أنوار المدنية بعد محمد [r]في قليل من الزمان ساطعة في أقطار الأرض من المشرق إلى المغرب حتى إن وصول أتباعه في ذلك الزمن اليسير إلى تلك المرتبة العلية من المدنية قد حيّر عقول أولي الألباب. وما السبب في ذلك إلا كون أوامره ونواهيه موافقة لموجب العقل ومطابقة لمقتضى الحكمة"[26].
ويبين المستشرق الأمريكي "إدوارد رمسي"أن الإسلام منح" المدنية والحضارة قوة جديدة وشجع العالم على درس العلوم باتساعٍ متناهٍ، وهكذا خرج إلى الدنيا فلاسفة وخطباء وأطباء ومؤرخون يفخر بهم الإسلام أمثال: أبي عثمان – الجاحظ – والبيروني والطبري وابن سينا وابن رشد والفارابي وابن باجه والغزالي وغيرهم.. والمسلمون بلا نزاع هم مخترعو علم الكيمياء ومؤسسوه، أما علم الطب والصيدلة فقد حسنوهما تحسيناً عظيماً، وبواسطة المسلمين تقدم علم الفلك سريعاً حتى الطيران، وهم مخترعو علم الجبر ومكتشفو علم الطيران"[27]..
و" قليلون من هم على علم بما أسهم به العالم الإسلامي من جهود متميزة في تقدم الإنسانية "[28] .
كل هذا وغيره دفع المفكر الفرنسي - أحد عمالقة فلاسفة الاجتماع- جوستاف لوبون (1841-1931) إلى أن يدعو أبناء عصره إلى الإقتداء بمحمدr ، واعتناق دعوته لأن فيها صلاح المجتمعات الإنسانية ، فيقول في كتابه "الحضارة الإسلامية" :

"أنني لا أدعو إلى بدعة محدثة ، ولا إلى ضلالة مستهجنة ، بل إلى دين عربي قد أوحاه الله إلى نبيه محمد، فكان أميناً على بث دعوته بين قبائل تلهت بعبادة الأحجار والأصنام ، وتلذذت بترهات الجاهلية ، فجمع صفوفهم بعد أن كانت مبعثرة ، ووحد كلمتم بعد أن كانت متفرقة ، ووجه أنظارهم لعبادة الخالق ، فكان خير البرية على الإطلاق حباً ونسباً وزعامة ونبوة ، هذا هو محمد الذي اعتنق شريعته أربعمئة مليون مسلم ، منتشرين في أنحاء المعمورة ، يرتلون قرآناً عربياً مبيناً ".
"فرسول كهذا جدير باتباع رسالته ، والمبادرة إلى اعتناق دعوته ، إذ أنها دعوة شريفة ، قوامها معرفة الخالق ، والحض على الخير والردع عن المنكر ، بل كل ما جاء فيها ما يرمي إلى الصلاح والإصلاح ، والصلاح أنشودة المؤمن ، وهو الذي أدعو إليه جميع النصارى"[29]

المبحث الثالث
التسامح الديني
إن التسامح الديني- بين الطوائف والجماعات والدول - الذي تبناه النبي r يعد من أهم مظاهر رحمته r.. وقد كان r نموذجًا فذا في التسامح الديني . فالنبي rلم يُكره اليهود و لا النصارى على قبول دينه، لأنهم أهل الكتاب. بل أمرأعفى النبي r بإكرام علماء أهل الكتاب كالبطاركة والرهبان وخدمهم وحرم r قتل الرهبان - على الخصوص - حتى في حال الحرب.
المطلب الأول : "محمد[r]الحاكم المتسامح الحكيم المشرع"[30]:
التسامح عند سيدنا محمد r كما يقول الباحث الفرنسي مارسيل بوازار "هو واجب ديني وأمر شرعي"[31].
ويقول الفيلسوف الألماني الشهير "غوته" في كتابه (أخلاق المسلمين وعاداتهم): "ولا شك أن التسامح الأكبر أمام اعتداء أصحاب الديانات الأخرى، وأمام إرهاصات وتخريفات اللادينيين، التسامح بمعناه الإلهي، غرسه رسول الإسلام[r] في نفوس المسلمين، فقد كان محمد [r] المتسامح الأكبر، ولم يتخذ رسول الإسلام[r] موقفاً صعباً ضد كل الذين كانوا يعتدون عليه بالسب أو بمد الأيدي أو بعرقلة الطريق وما شابه ذلك، فقد كان متسامحاً؛ فتبعه أصحابه وتبعه المسلمون، وكانت وما زالت صفة التسامح هي إحدى المميزات والسمات الراقية للدين الإسلامي، وللحق أقول: إن تسامح المسلم ليس من ضعف؛ ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه، وتمسكه بعقيدته"[32] ..
وتتحدث لورافيشيا فاغليري عن مظهر التسامح الديني عند النبي r، فتقول:
"كان محمد [r] المتمسك دائمًا بالمبادئ الإلهية شديد التسامح، وبخاصة نحو أتباع الأديان الموحدة. لقد عرف كيف يتذرع بالصبر مع الوثنيين، مصطنعًا الأناة دائمًا اعتقادًا منه بأن الزمن سوف يتم عمله الهادف إلى هدايتهم وإخراجهم من الظلام إلى النور.. لقد عرف جيدًا أن الله لابد أن يدخل آخر الأمر إلى القلب البشري"[33]
إن سياسة التسامح الديني التي انتهجها محمد r تجاه أصحاب الديانات الأخرى حظيت باحترام وتقدير المفكرين الغرب فعقدوا المقارنة بين تسامح الإسلام وتعصب الصليبيين.. يقول القس الألماني ميشون :
"إن الإسلام الذي أمر بالجهاد متسامح نحو أتباع الأديان الأخرى ، وهو الذي أعفى البطاركة والرهبان وخدمهم من الضرائب وحرم قتل الرهبان -على الخصوص -لعكوفهم على العبادات ولم يمس عمر بن الخطاب النصارى بسوء حين فتح القدس ..وقد ذبح الصليبيون المسلمين و حرقوا اليهود عندما دخلوها "[34].
ويضيف الكاتب نفسه في موضع آخر ، متحدثاً عن تاريخ العلاقات الإسلامية المسيحية ، وكيف أن المسيحيين تعلموا الكثير من المسلمين في التسامح وحسن المعاملة ، يقول :
"وإنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن المسلمين روح التعامل وفضائل حسن المعاملة ، وهما أقدس قواعد الرحمة والإحسان عند الشعوب والأمم، كل ذلك بفضل تعاليم نبيهم محمد[r]"[35].
المطلب الثاني: دستور المدينة نموذجًا:
لقد كان التعايش بين مختلف الطوائف والفصائل في الدولة الإسلامية الأولى هو أحد أهداف الدستور الإسلامي الذي وضعه النبي r عقب هجرته إلى المدينة ، والذي ضمن تنظيم العلاقات ما بين المسلمين من جهة ، وأصحاب الديانات الأخرى من جهة أخرى ، في إطار من التسامح الديني والحرية الدينية في ممارسة الشعائر، ويقول في ذلك "كونستانس جيورجيو" [36]:
"وقد حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بنداً ، كلها من رأي رسول الله[r] . خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى ، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان . وقد دون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية ، ولهم أن يقيموا شعاثرهم حسب رغبتهم ، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء . وضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أى عام 623م . ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده "[37] .

وقد نص دستور المدينة على حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر فجاء فيه :
وجاء في هذا الأصل:
"وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأَثِم فإنه لا يوتغ[ أي يُهلك] إلا نفسه وأهل بيته"[38] .
ونص على الاستقلال المالي لكل طائفة، فكان من ضمن مواد دستور المدينة:
"وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم"[39]
فمع وجوب التعاون المالي بين جميع طوائف الدولة لرد أي عدوان خارجي، فإن لكل طائفة استقلالها المالي عن غيرها من الطوائف.
كما نص الدستور على النصح والبر بين المسلمين وأهل الكتاب:
فيقول الدستور :
"وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم"[40]
فالأصل في العلاقة بين جميع طوائف الدولة –مهما اختلفت معتقداتهم– هو النصح المتبادل، والنصيحة التي تنفع البلاد والعباد، والبر والخير والصلة بين هذه الطوائف.
المطلب الثالث: استقبال الوفود النصرانية :
وتجلت مظاهر التسامح الديني في عهد النبي r عام الوفود حين استقبل وفوداً نصرانية وبعث برسالة إلى أسقف نجران . .
ومن ثم يتحدث "كونستانس جيورجيو" عن أوضاع أصحاب الديانات السماوية في ظل الحكم الإسلامي فيقول[41] :
" مع أن الإسلام عم الجزيرة كلها في السنة التاسعة فإن محمداً [r] لم يُكره اليهود و لا النصارى على قبول دينه، لأنهم أهل الكتاب . و قد جاء في رسالة محمد [r] إلى أبي الحارث أسقف نجران أن وضع المسيحيين في الجزيرة بعد الإسلام تحسن كثيراً، يقول في الرسالة :
"بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد النبي، إلى الأسقف أبي الحارث، وأساقفة نجران، وكهنتهم، ومن تبعهم، ورهبانهم : إن لهم ما تحت أيديهم، من قليل أو كثير من بيَعهم وصلواتهم، ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله، لا يُغيّر أُسقف من أُسقفيتّه، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته. ولا يُغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه . [على ذلك جوار الله ورسوله أبدًا ]، ما نصحوا واصطلحوا فيما عليهم، غير مثقَلين بظلم ولا ظالمين"[42]...
يقول جيورجيو معلقًا :
"تشير هذه الرسالة إلى أن المسيحيين ( وكذلك اليهود ) في الجزيرة أحرار في أداء شعائرهم، ولن يزاحمهم من المسلمين مزاحم . وقد قدْم في السنة التاسعة وفد من مسيحي نجران يرأسهم أبو الحارث الأسقف الأكبر، وعبد المسيح الأسقف ، والأيهم رئيس القافلة ، وحين أرادوا الدخول على النبي [r] ارتادوا ألبستهم الدينية الرسمية الكاملة... وبعد أن زاروا النبي [r]سألوه أن يسمح لهم بأداء شعائرهم فطلب منهم أن يؤدوا صلواتهم في مسجد المدينة، فدخلوا واتجهوا نحو بيت المقدس، و تعبدوا هناك . . ولا شك أن النبي [r] كان يحترم النصارى احتراماً خاصاً ، لأن القرآن ذكرهم وأكرمهم . وقد أشار الله تعالى إلى هذه النقطة في محكم كتابه في سورة المائدة (الخامسة) في الآية ( 82 ) : ]لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [، ويقول في الآية التي بعدها : ]وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ[ [المائدة :83].."[43]
ويعلق آتيين دينيه على ما فعله النبي r مع وفد نجران النصراني قائلاً :
".. من الحقائق التاريخية أن النبي [r] أعطى أهل (نجران) المسيحيين نصف مسجده ليقيموا فيه شعائرهم الدينية. وها نحن أولاً نرى المسلمين إذا بشروا بدينهم فإنهم لا يفعلون مثل ما يفعل المسيحيين في الدعوى إلى دينهم، ولا يتبعون تلك الطرق المستغربة التي لا تتحملها النفس والتي لايحبها الذوق السليم. وقد أنصف القس ميثون الحقيقة في كتابه (سياحة دينية في الشرق) حيث يقول: إنه لمن المحزن أن يتلقى المسيحيون عن المسلمين روح التسامح وفضائل حسن المعاملة وهما أقدس قواعد الرحمة والإحسان عند الشعوب والأمم"[44] .
المطلب الرابع : الحرية في الاعتقاد وممارسة الشعائر :
يقول جيمس متشنر :
" القرآن صريح في تأييده لحرية العقيدة ، والدليل قوي على أن الإسلام رحب بشعوب مختلفة الأديان ، ما دام أهلها يحسنون المعاملة ، وقد حرص محمد [r]على تلقين المسلمين التعاون مع أهل الكتاب، أي اليهود والنصارى ، ولاشك أن حروباً نشبت بين المسلمين وغيرهم في بعض الأحيان ، وكان سبب ذلك أن أهل هذه الديانات الأخرى أصروا على القتال، وقد قطع الرهبان بأن أهل الكتاب كانوا يُعاملون معاملة طيبة وكانوا أحراراً في عبادتهم ، ولعل مما يقطع بصحة ذلك ، الكتاب الذي أرسله البطريرك النسطوري إيشوياب الثالث إلى البطريرك سمعان ، زميله في المجمع ، بعد الفتح الإسلامي وجاء فيه: ( ها ! إن العرب الذين منحهم الرب سلطة العالم وقيادة الأرض أصبحوا عندنا ، ومع ذلك نراهم لا يعرضون للنصرانية بسوء ، فهم يساعدوننا ، ويشجعوننا على الاحتفاظ بمعتقداتنا ، وإنهم ليجلون الرهبان والقديسين !).. "[45].
وفي ذلك يقول روبرتسون : " إن المسلمين وحدهم هم الذين جمعوا بين الجهاد والتسامح نحو اتباع الاديان الاخرى الذين غلبوهم وتركوهم احراراً في اقامة شعائرهم الدينية "[46].
وكان لهذا التسامح أثره في أن يصبح الدين الإسلامي ديناً عالمياً ، بدءاً من مراحله الأولى أيام الرسول في جزيرة العرب إلى أن عم أماكن شاسعة، يقول العلامة جولد تسهير :
"سار الإسلام لكي يصبح قوة عالمية على سياسة بارعة ، ففي العصور الأولى لم يكن اعتناقه أمراً محتوماً فإن المؤمنين بمذاهب التوحيد أو الذين يستمدون شرائعهم من كتب منزلة كاليهود والنصارى والزرادشتية كان في وسعهم متى دفعوا [ الإشتراك السنوي للدولة - الجزية ] أن يتمتعوا بحرية الشعائر وحماية الدولة الإسلامية ، ولم يكن واجب الإسلام أن ينفذ إلى أعماق أرواحهم إنما كان يقصد إلى سيادتهم الخارجية . بل لقد ذهب الإسلام في هذه السياسة إلى حدود بعيدة ، ففي الهند مثلاً كانت الشعائر القديمة تقام في الهياكل و المعابد في ظل الحكم الإسلامي ! "[47].
لقد أثارت مبادئ التسامح الديني وحرية الاعتقاد في الإسلام فيما أثارته احترام المفكرين والعلماء والمستشرقين المنصفين من الغرب وكذلك الكتاب والباحثين العرب النصارى، فقد تطرق "يوسف نعيم عرافة" في خطبة له في مناسبة المولد النبوي عام 1346هـ 1927م ، إلى معاهدة الرسول مع أصحاب الديانات الأخرى ، لاسيما المسيحيين منهم، فيقول:
" إن محمدا ً [r]هو باني أساس المحبة والإخاء بيننا ، فقد كان يحب المسيحيين ويحميهم، من ذلك: ما قام به في السنة السادسة بعد الهجرة ، حيث عاهد الرهبان خاصة والمسيحيين عامة ، على أن يدفع عنهم الأذى ، ويحمي كنائسهم وعلى أن لا يتعدى على أحد من أساقفتهم ولا يجبر أحداً على ترك دينه ، وأن يُمدوا بالمساعدة لإصلاح دينهم وأديرتهم ، كما أن القرآن نطق بمحبة المسيحيين للمسلمين وبمودتهم لهم ، وإن الآية الشريفة : ]وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ [48][‏‏، لتبعث على شد أواصر الصداقة بين الطرفين ، بل حتى مع الشعب الإسرائيلي في أكثر الأوقات ، إننا لنعلم أن ما أتى به الرسل موسى وعيسى ومحمد[عليهم والصلاة والسلام]ما هو إلا لإصلاح العالم لا لإفساده وخرابه ، وما الكتب الثلاثة المنزلة إلا نور صادر من بؤرة واحدة ينعكس نورها في ثلاثة أشعة، كل منها للبشر"[49]
هذا ، ومن أهم النصوص الإسلامية في التسامح الديني وحرية الاعتقاد ..
قول الحق تبارك وتعالى: ]‏لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [‏‏ [البقرة: 256] .
يقول الأستاذ سيد قطب – رحمه الله - في ظلال هذه الآية : " إن قضية العقيدة - كما جاء بها هذا الدين - قضية اقتناع بعد البيان والإدراك؛ وليست قضية إكراه وغصب وإجبار . ولقد جاء هذا الدين يخاطب الإدراك البشري بكل قواه وطاقاته . يخاطب العقل المفكر ، والبداهة الناطقة، ويخاطب الوجدان المنفعل ، كما يخاطب الفطرة المستكنة . يخاطب الكيان البشري كله ، والإدراك البشري بكل جوانبه؛ في غير قهر حتى بالخارقة المادية التي قد تلجىء مشاهدها الجاء إلى الإذعان ، ولكن وعيه لا يتدبرها وإدراكه لا يتعقلها لأنها فوق الوعي والإدراك ... فكيف بالمذاهب والنظم الأرضية القاصرة المتعسفة وهي تفرض فرضاً بسلطان الدولة؛ ولا يسمح لمن يخالفها بالحياة؟!"[50].

المبحث الرابع
رعاية العلم والمعرفة
المطلب الأول : بداية عصر العلم والمعرفة:
إن الحركة العلمية والثقافية التي قام بها محمد r متعددة الجوانب، اجتماعياً وسياسياً ودينياً وثقافياً . لقد كان العهد الإسلامي الذي بدأ مع إقامة أول دولة إسلامية بقيادته r في المدينة المنورة ، فاتحة عهد جديد وخير للبشرية جمعاء : عهد علم وثقافة ومعرفة.
فلقد افتتح النبي محمدr حسب رأي العديد من علماء الشرق والغرب عهداً جديداً،وعصراً للنور والعلم والمعرفة ، فكان كفاحه حين صدع بالدعوة الإسلامية ، لنشر رسالة الله ، لإزالة ما تراكم في ذلك المجتمع الجاهلي الوثني من معتقدات خرقاء ، وأنماط اجتماعية سوداء . . وهذا ما دفع الدكتور ماركس إلى إعلان قولته الشهيرة التي نصها:
" هذا النبي [r] الذي افتتح برسالته عصر العلم والنور والمعرفة لا بد أن تدون أقواله وأفعاله على طريقة علمية خاصة ، وبما أن هذه التعاليم التي قال بها[يعنى النبي محمد r]، هي وحي الله المنزل ورسالته ، فقد كان عليه[r] أن يمحو ما تراكم على الرسالات السابقة من التبديل والتحوير ، وما أدخله عليها الجهل من سخافات لا يعول عليها عاقل "[51]. وهذا ما فعله النبي r !
"ومنذ عام 700م بدأت إشراقة الحضارة العربية الإسلامية تمتد من شرقي المتوسط إلى بلاد فارس شرقاً وإسبانيا غرباً، فأعيد اكتشاف قسم كبير من العلم القديم، وسجلت اكتشافات جديدة في الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم.. وفي هذا المجال كما في غيره؛ كان العرب معلمين لأوربة، فساهموا في نهضة العلوم على هذه القارة"[52].
المطلب الثاني : القرأة أولي تعاليم النبيr :
يقول نصري سلهب: "أولى الآيات البيّنات.. كانت تلك الدعوة الرائعة إلى المعرفة، إلى العلم عبر القراءة.. )اقْرَأْ([53].. وقول الله هذا لم يكن لمحمد [r] فحسب، بل لجميع الناس، ليوضح لهم، منذ الخطوة الأولى، بل منذ الكلمة الأولى أن الإسلام جاء يمحو الجهل وينشر العلم والمعرفة"[54] .
وهذا ما يشيد به أيضاً "واجنر"، حيث يقول : ".. الإسلام دين العلم، ويكفي أن أول آية في القرآن أنزلت على محمد [r]هي قوله تعالى: )اقْرَأْ (، وهذا اتجاه فريد يصعب وجوده في تاريخ الكنائس والأديان الأخرى. ولهذا تجدني وصلت من خلال الدراسات الإسلامية وما قرأته في كتاب الله تعالى الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وصلت إلى ما أبغيه لنفسي من الاستقرار والأمان..!!"[55]..
المطلب الثالث : احترام العقل:
يبين "ليون"[56] أن من روائع دعوة محمدr أنها تحترم العقل، وأن الإسلام " لا يطالب أتباعه أبدًا بإلغاء هذه الملكة الربانية الحيوية. فهو على النقيض من الأديان الأخرى التي تصرّ[57] على أتباعها أن يتقبلوا مبادئ معينة دون تفكير ولا تساؤل حرّ، وإنما تفرض هذه المبادئ فرضًا بسلطان الكنيسة. أما الإسلام فإنه يعشق البحث والاستفسار ويدعو أتباعه إلى الدراسة والتنقيب والنظر قبل الإيمان... إن الإسلام يؤيد الحكمة القائلة: برهن على صحة كل شيء ثم تمسّك بالخير. وليس هذا غريبًا، إذ أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. فالإسلام دين العقل والمنطق... فالإسلام هو الحق ! وسلاحه العلم! وعدوه اللدود هو الجهل! "[58].
ويتحدث المفكر الشهير " أوجست كونت" عن هذه النقطة، وعن قدرة الإسلام في التعامل واحتواء جميع العقول والفلسفات والأفكار الإنسانية .. فعبّر عن ذلك بقوله :
" إن عبقرية الإسلام وقدرته الروحية لا يتناقضان البتة مع العقل كما هو الحال في الأديان الأخرى ؛ بل ولا يتناقضان مع الفلسفة الوضعية نفسها ؛ لأن الإسلام يتمشى أساساً مع واقع الإنسان، كل إنسان، بما له من عقيدة مبسطة ، ومن شعائر عملية مفيدة ! "[59]..
ويقول المؤرخ العلامة سيديو – في مقارنة رائعة - : "لم يشهد المجتمع الإسلامي ما شهدته أوربة من تحجر العقل وشل التفكير، وجدب الروح، ومحاربة العلم والعلماء حيث يذكر التاريخ أن اثنين وثلاثين ألف عالم قد أحرقوا أحياء! ولا جدال في أن تاريخ الإسلام لم يعرف هذا الاضطهاد الشنيع لحرية الفكر، بل كان المسلمون منفردين بالعلم في تلك العصور المظلمة، ولم يحدث أن انفرد دين بالسلطة ومنح مخالفيه في العقيدة كل أسباب الحرية كما فعل الإسلام"[60] ..
ومنذ حوالي ألف عام، عندما كان العلماء في أوربة يُحرقون أحياء كما قال سيديو؛ كان العالم الأندلسي المسلم (ابن حزم) يعلن في كتابه (الفِصَل في الملل والأهواء والنحل) عن كروية الأرض[61] منطلقاً من القرآن الكريم ومن التنظيم المطرد لمواقيت الصلاة في محيط الأرض[62].
رغم أن أوربا في عهد الكنيسة وفي ذلك الوقت، اعتبرت" أن من الكفر والضلال القول بأن الأرض كروية؛ فمعلم الكنيسة لاكتانتيوس يتساءل مستنكراً: أيعقل أن يُجنَّ الناس إلى هذا الحد فيدخل في عقولهم أن البلدان والأشجار تتدلى من الجانب الآخر من الأرض، وأن أقدام الناس تعلو رؤوسهم ؟ !"[63] .
المطلب الرابع : حثه على طلب العلم :
يقول ول ديورانت : "تدل الأحاديث النبوية على أن النبي [r] كان يحث على طلب العلم ويعجب به، فهو من هذه الناحية يختلف عن معظم المصلحين الدينيين"[64] .. وتقول هونكه[65] :" لقد أوصى محمد [r] كل مؤمن رجلاً كان أو امرأة بطلب العلم، وجعل من ذلك واجبًا دينيًا. وكان يرى في تعمق أتباعه في دراسة المخلوقات وعجائبها وسيلة للتعرف على قدرة الخالق. وكان يرى أن المعرفة تنير طريق الإيمان.. ويلفت أنظارهم إلى علوم كل الشعوب، فالعلم يخدم الدين والمعرفة من الله وترجع إليه، لذلك فمن واجبهم أن يصلوا إليها وينالوها أيًا كان مصدرها ولو نطق بالعلم كافر. وعلى النقيض تمامًا يتساءل بولس الرسول Paulus مقرًا: (ألم يصف الرب المعرفة الدنيوية بالغباوة)؟ ..."[66]
وهي لفتة ذكية من هونكه في الفرق بين وجوب طلب العلم في تعاليم محمدr، وتحريم المعرفة في تعاليم بولس ومِن خلفه الكنائس النصرانية في عصور الظلام !
تماماً كما قارنت الدكتورة هونكة في موضع آخر ، حيث قالت : "نادى النبي بالطموح إلى المعرفة والسعي إلى العثور عليها، وقد أدى ذلك إلى اندفاع العرب بأسرهم إلى المدارس يعلِّمون ويتعلمون، بينما كان الغربيون يتباهون بجهلهم للقراءة والكتابة !"[67].
ومن ثم تقول تزفسكن[68] :
" لم يتبيّن لي الفرق الشاسع بين تعاليم الإسلام وبين كثير من العادات الشرقية إلا عندما دخلت عالم الإسلام الروحي عن طريق القرآن والكتابات الإسلامية.. فشعرت ببطء كيف يجذبني الإسلام. وكانت تعاليمه تخاطب عقلي وفطرتي. وكان من أهم ما شدّني ...الاجتهاد في طلب العلم الذي يُعتبر فريضة على كل مسلم ومسلمة.. "[69].
وهوالأمر الذي نال إعجاب وتقدير لامير[70] التي تقول: "في الوقت الذي تهاوت فيه تعاليم الأديان الأخرى ومبادئها أمام جبروت العلم؛ أخذ علماء الدنيا في الوقت الحاضر يتطلعون إلى الإسلام طالبين السلوى، لأن تعاليمه أقرب إلى العلم من أي دين آخر. بل إن الإسلام يحض على العلم. وهو دين تقدمي يناسب كافة المناخات والبلاد، كما يصلح لجميع العصور"[71] .

[1] صحيح البخاري، برقم 4525 ، قال هذه الكلمة عندما ضرب رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلا مِنْ الْأَنْصَارِ " فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا للأ نْصَارِ !! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ !! فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ:" مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ !!" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ :كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ : " دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ" يعني العصبية والتفاخر بالقبائل .

[2] مفكر وباحث ألماني، عكف على الدراسات الشرقية في جامعة هايدلبرج، وكرس حياته لدراسة الإسلام، وصنف عددًا كبيرًا من الكتب والأبحاث، منها ترجمته للقرآن الكريم ، التي أصدرها في عامي 1964 و1965، وله كتاب عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

[3] رودي بارت : الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 20.

[4] رودي بارت : الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية ، ص 20.

[5] انظر للباحث : " دور النبي صلى الله عليه وسلم في تحضر العرب"، المقالة الفائزة بمسابقة " انصر نبيك وكن داعياً " من الموقع الإسلامي " الألوكة" .. فرع المقالة الصحفية- 2006

[6] انظر: محمد شريف الشيباني : الرسول في الدراسات الإستشراقة المنصفة، ص 68 وما بعدها.

[7] فيليب حتى :الإسلام منهج حياة ، ص56.

[8] يقصد حجة الوداع، في اليوم التاسع من ذي الحجة، في العام العاشر من الهجرة (6مارس632 م)

[9] إميل درمنغم :حياة محمد

[10] آرنولد توينبي : المؤرخ البريطاني، الذي انصبت معظم دراساته على تاريخ الحضارات، وكان أبرزها مؤلفه الشهير (دراسة للتاريخ) الذي شرع يعمل فيه منذ عام 1921 وانتهى منه عام 1961، وهو يتكون من اثني عشر جزءًا عرض فيها توينبي لرؤيته الحضارية للتاريخ.

[11] سومر فيل، وإشراف: آرنولد توينبي : مختصر دراسة للتاريخ 10 / 381

[12] مارسيل بوزار : إنسانية الإسلامية ، ص 182-183.

[13] خطأ ! بل الإسلام، أما مصطلح المحمدية، فيستخدمه المعادون للإسلام عى أساس أنه دين من اختلاق محمد صلى الله عليه وسلم .

[14] آرلونوف : مقالة "النبي محمد " ، مجلة الثقافة الروسية ، ج 7 ، عدد 9

[15] مستشرق فرنسي، من آثاره: (موسى بن ميمون: ترجمته وآثاره وفلسفته) (1921)، (الصوفية والمسيحية واليهودية)، (فلسفة الفكر الإسلامي).

[16] هنري سيرويا : فلسفة الفكر الإسلامي ، ص 8

[17] انظر : محمد شريف الشيباني: الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، 182

[18] سليل أسرة مسلمة منذ القدم، أصبح نصرانيًا في فترة مبكرة من حياته وتحت تأثير إحدى المدارس التبشيرية المسيحية، وقضى ردحًا من حياته في كنيسة إنكلترا، حيث عمل قسيسًا منذ عام 1939 وحتى عام 1963 ، ثم عاد إلى دين الإسلام.

[19] عرفات كامل العشي :رجال ونساء أسلموا، 4 / 28 – 29

[20] قسطاكي حمصي : مجلة الفتح القاهرية، عام 1930، نقلاً عن : محمد شريف الشيباني، 183

[21] انظر: آن بيزينت: حياة وتعاليم محمد ، ص5.

[22] انظر : محمد شريف الشيباني، الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، ص 204.

[23] موريس بوكاي : التوراة والإنجيل والقرآن والعلم، ص 14

[24] انظر : رشدي فكار: نظرات إسلامية للإنسان والمجتمع خلال القرن الرابع عشر الهجري ، ص 31.

[25] عبد الله كويليام : أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ، ص 21 ، 22.

[26] عبد الله كويليام : أحسن الأجوبة عن سؤال أحد علماء أوروبا ، ص 22 ، 23.

[27] انظر : محمد عثمان عثمان : محمد في الآداب العالمية المنصفة، ص107

[28] هذه الجملة للمؤرخ : ستانورد كب : المسلمون في تاريخ الحضارة، 21

[29] جوستاف لوبون : الحضارة الاسلامية ، ص 67.

[30] هذه الجملة للباحث الفرنسي: مكسيم رودنسن، انظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام ص 112

[31] مارسيل بوزار : إنسانية الإسلام ، ص 183

[32] انظر: محمد عثمان عثمان : محمد في الآداب العالمية المنصفة، ص20.

[33] لورافيشيا فاغليري : دفاع عن الإسلام ، ص73.

[34] ميشون : تاريخ الحروب الصليبية، نقلا عن عفيف عبد الفتاح طبارة، ص 383

[35] ميشون : سياحة دينية في الشرق ، ص 31.

[36] المستشرق والوزير الروماني كونستانس جيورجيو ( المولود عام 1916) صاحب كتاب : "نظر ة جديدة في سيرة رسول الله"

[37] كونستانس جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 192 وما بعدها

[38] ابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503

[39] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261 وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503

[40] ابن سيد الناس : عيون الأثر 1/261 وابن كثير: السيرة النبوية 2/ 322، ابن هشام : السيرة النبوية 1/ 503

[41] كونستانس جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 371، 372.

[42] انظر : محمد حميد الله : الوثائق السياسية،ص 179، وقد نقلنا النص الأصلى، وليس النص المترجم عن جيورجيو.

[43] كونستانس جيورجيو : نظرة جديدة في سيرة رسول الله ، ص 372.

[44] آتيين دينيه : أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 18 – 19 .

[45] انظر: محمد أمين حسن : خصائص الدعوة الإسلامية ، ص 166

[46] انظر : شوقي أبو خليل: الإسلام في قفص الاتهام ، 125

[47] انظر: محمد أبو فارس: النظام السياسي في الاسلام ، ص 21

[48] سورة المائدة :الآية 82، والاستشهاد للباحث النصراني يوسف نعيم عرافة.

[49] انظر : محمد شريف الشيباني : الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة 110.

[50] سيد قطب: في ظلال القرآن، المجلد الأول، تفسير الآية 256 من سورة البقرة.

[51] انظر : محمد شريف الشيباني: الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة ، 178

[52] دانييل بريفولت: نشأة الإنسانية، ص84

[53] قول الله تعالى )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ( سورة العلق : الآية الأولى .

[54] نصري سلهب : لقاء المسيحية والإسلام، 92

[55] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا 5 / 37 .

[56] البروفيسور هارون ليون: باحث إنكليزي، اعتنق الإسلام عام 1882، وكان زميلاً وعضوًا فخريًا في العديد من الجمعيات الدينية في أوروبا وأميركا، وكان أستاذًا قديرًا في علم اللغويات، وقد تلقى العديد من الأوسمة الفخرية، أحدها من السلطان عبد الحميد الثاني – رحمه الله - .

[57] هكذا، ولعلها : "تفرض"

[58]انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 7 / 6 – 7 .

[59] انظر : عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، ص 32

[60] انظر: محمد حسام الدين الخطيب: نبي المسلمين ودين الإسلام والحضارة الإسلامية 41، 42

[61] انظر ابن حزم : الفصل في الملل والأهواء والنحل، مطلب (بيان كروية الأرض)، 2\78

[62] انظر: محمد حسام الدين الخطيب: نبي المسلمين ودين الإسلام والحضارة الإسلامية، ص 42

[63] انظر: زيغريد هونكه:شمس الله تسطع على الغرب، ص 370

[64] ول ديورانت : قصة الحضارة ،13 / 167

[65] دكتورة زيغريد هونكه : مستشرقة ألمانية معاصرة، وهي زوجة الدكتور شولتزا، المستشرق الألماني المعروف الذي تعمق في دراسة آداب العرب والمسلمين والاطلاع على آثارهم ومآثرهم. من آثارها: (أثر الأدب العربي في الآداب الأوروبية) ، و(الرجل والمرأة) وهو يتناول جانبًا من الحضارة الإسلامية (1995)، و(شمس الله تسطع على الغرب) الذي ترجم بعنوان: (شمس العرب تسطع على الغرب).

[66] زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب، ص 369

[67] زيغريد هونكه: شمس العرب تسطع على الغرب، ص 369

[68] فاطمة تزفسكن: من تشيكوسلوفاكيا كانت تحمل اسم (مونيكا). ولدت عام 1943م، قرأت كثيرًا واتصلت بعدد من المسلمين الألمان، وبعد أن اقتنعت بالإسلام دينًا، أعلنت انتماءها إليه عام 1963م.

[69] انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 2 / 98 – 99 .

[70] فاطمة سي لامير : ألمانية، لم تقنعها الديانة النصرانية، فأخذت تتصل منذ مطلع عام 1951، عن طريق المراسلة، بعدد من المسلمين الذين شرحوا لها مبادئ الإسلام، فانشرح صدرها له وانتمت إليه.

[71]انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 3 / 96 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-30-2012, 12:35 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

المطلب الخامس: العلم من وظائف رسالته:
يقول آتيين دينيه:
".. إن الإسلام منذ البداية في أيامه الأولى قد أخذ في محاربة الخرافات والبدع، وهو نفس العمل الذي يقوم به العلم إلى يومنا هذا"[1] ..
وبالتالي فإن "المنجزات العلمية تتفق تمامًا مع مبادئ الإسلام، لأن الإسلام هو دين العلم"[2]، على حد قول فيلويز[3] .
ومن هنا يذكر جوستاف لوبون أن:"الإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم"[4].
وعلى هذا الأساس يعرّف "جارودي "[5] الإسلامَ، فيقول :"إنما الإسلام هو تلك الرؤية لله .. وللعالم وللإنسان، التي تنيط بالعلوم وبالفنون وبكل إنسان وبكل مجتمع مشروع بناء عالم إلهي وإنساني لا انفصام فيه باقتضاء البعدين الأعظمين، المفارقة والجماعة، التسامي والأمة"[6] ..
ويبين روم لاندو العلاقة بين الدين والعلم في الإسلام، فيقول :
".. في الإسلام لم يول كل من الدين والعلم ظهره للآخر ويتخذ طريقًا معاكسة لا، والواقع أن الأول كان باعثًا من البواعث الرئيسية للثاني"[7] .
ويُفصِّل روم لاندو القول في هذه العلاقة، قائلاً : "العلم الإسلامي لم ينفصل عن الدين قط ! والواقع أن الدين كان هو ملهمه وقوته الدافعة الرئيسية. ففي الإسلام ظهرت الفلسفة والعلم معًا إلى الوجود لا ليحلا محل ألوهية الدين (البدائية) ولكن لتفسيرها عقليًا، لإقامة الدليل عليها وتمجيدها.. إن المسلمين وفّقوا، طوال خمسة قرون كاملة، إلى القيام بخطوات حاسمة في مختلف العلوم من غير أن يديروا ظهورهم للدين ...وأنهم وجدوا في ذلك الانصهار عامل تسريع وإنجاح لا عامل تعويق وإحباط"[8] ..
ومن ثم بلغوا مبلغاً عظيماً في ميادين العلوم الإنسانية والطبيعية، وظهر منهم مسلمو إسبانيا " الذين أهدوا إلى الغرب اللاتيني هباتهم النفيسة في ميادين العلم والفلسفة.. وكان الطب كالرياضيات من مفاخر العلوم العربية وأركانها الوطيدة"[9] على حد قول سرارنست باركر (1874-1960).
وكانت هذه العلوم التي نبغ فيها المسلمون في عصورهم الذهبية – كما يقول الدومييلي – هي "حلقة الاتصال والاستمرار بين الحضارة القديمة وبين العالم الجديد"[10] .
وهنا يحذر "الدومييلي" من شبهة، فيقول: "ينبغي ألا نظن أن العرب لم يضيفوا شيئًا جديدًا إلى العلم الذي كانوا أوصياء عليه ! بل على النقيض من ذلك ."[11]

وعن رسالة المسلمين في هذه العلوم يقول "أرنست بانرث" [12] : إنهم – أي المسلمين - " لم يخربوا ما وجدوه من عناصر ثقافية، بل اهتموا بها وبذلوا جهدهم لهضمها ومن ثم تطويرها. ونرى هنا أن العرب فتحوا باب التعرف على الحضارة اليونانية ... بواسطة المترجمين، وعلى هذه الطريقة تطورت الثقافة تحت حماية الإسلام بالعربية التي هي واسطة ممتازة للتعبير عن الأفكار العليا والتي لا تفوقها في هذا لغة من لغات الدنيا. ولا أراني بحاجة إلى ذكر أسماء الفلاسفة[ المسلمين ] الذين فتحوا آفاقًا جديدة لفهم أسرار الطبيعة والوجود، ...ولا شك أن الحضارة الإسلامية ارتفعت في القرون الوسطى إلى علوّ لم ينتبه إليه قوم آخرون. ولا يخفى أن هذا الاعتلاء كان ثمرة الاجتهاد في كل نواحي الثقافة وتطبيق الطرق العلمية. أما الغرب الأوروبي فلم يستطع حينئذ فهم الثقافة وتطويرها. وكذلك دولة بيزنطية فقد تجمدت، والآن نرى كيف تعجبت الأقوام الأوروبية من جمال الثقافة العربية التي امتدت من حدود الصين والهند إلى جبال البرانس"[13] .
المطلب السادس : من توجيهات النبي r:
وهذه باقة من توجيهات نبينا العظيمr، وحثه على طلب العلم، ونشر المعارف والثقافات، وأمره بمحو الأمية والخرافات:
فيقول – صلوات ربي وسلامه عليه - :
"طلب العلم فريضة على كل مسلم"[14] ..
" .. و إن طالب العلم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر"[15]
"إن الله أوحى إلي : أنه من سلك مسلكاً في طلب العلم سهلت له طريق الجنة، و من سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة، و فضل في علم خير من فضل في عبادة، و ملاك الدين الورع"[16] .
"ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع حتى يرجع"[17] .
"من علم علماً، فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل شيء"[18] ..
"إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته : علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه..."[19]
وعن صفوان بن عسال المرادي t قال:
أتيت النبي r وهو في المسجد متكىء على برد له أحمر فقلت له: يا رسول الله، إني جئت أطلب العلم .
فقال: " مرحبًا بطالب العلم .. إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضًا حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب"[20] .
وعن أبي أمامة قال: ذُكر لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- رجلان : أحدهما عابد والآخر عالم.. فقال - عليه أفضل الصلاة والسلام - : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم "..ثم قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم -:
"إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير"[21]
قال ابن عباس:
كان ناس من الأسارى يوم بدر ليس لهم فداء، فجعل رسول- الله صلى الله عليه وسلم - فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة[22]؛ وبذلك شرع الأسرى يعلمون غلمان المدينة القراءة والكتابة، وكل من يعلم عشرة من الغلمان يفدي نفسه. وقبول النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في ذلك الوقت الذي كانوا فيه بأشد الحاجة إلى المال يرينا سمو الإسلام في نظرته إلى العلم والمعرفة، وإزالة الأمية[23]..
هذه كانت توجيهات محمدفي العلم والمعرفة ...
صور رائعة وتعاليم رفيعة، يقف أمامها العاقل المتبصر وقفة خشوع وإجلال، لاسيما لهذا المظهر العظيم من مظاهر الرحمة من النبيr، ألا وهو رعاية العلم والمعرفة.. وفي ذلك رحمة للبشر من زعيم كبير ونبي جليل ..
مما دفع "لبيب رياشي" أن يرفع قبعته تقديراً لهذه التعاليم قائلاً : "حقاً يا محمد ... إنك (السوبرمان)[24] الأول العالمي، رسول الثقافة والعلم، رسول الهداية والتضحية، رسول الفلسفة الجديدة، رسول الإنسانية الجديدة"[25]..
"بدّل الضلال بالهدى ، والجهل بالعلم ، والهمجية بالمدنية"[26]..
"علمه الله العلم والحكمة ، فوجب علينا أن نصغي إليه قبل كل شيء !"[27]..

المبحث الخامس
الخطاب التربوي
لم يكن خطابه rإلى الناس خطابًا دكتاتوريًا مستبدًا، أو براجماتيًا نفعيًا، إنما كان خطابه إلى الناس خطابًا تربويًا .. لم يكن يغلب عليه طابع الحاكم بقدر ما غلب عليه طابع المعلم الوقور الذي يتحدث إلى تلاميذه .. وهذا من تجليات رحمته r..
المطلب الأول : المعلم الرحيم :
كان النبيr هو المعلم الرحيم والمصلح الكبير لإبناء الإنسانية، علمهم الحياة ، والحضارة، فأصلح شؤونهم بعد فساد، يقول الباحث الهولندي وث ( 1814 – 1899م) :
"لقد جاء قرآن العرب[28] على لسان نبيهم محمد العظيم [r]! ، وعلمهم كيف يعيشون في هذه الحياة ، وقد وحد صفوفهم وجمع كلمتهم وأدبهم حتى لا ترى أمة من الأمم أحسن منهم، وبالنهاية اعتمدوه في كل أمورهم ، وكان يتلقى الوحي من ربه الذي يوحي إليه ، ثم ينقله إلى الناس ، بعد أن يكتبه له الكتاب الذين انتدبهم لذلك"[29] ..

كما كان النبيrفي سائر مراحل حياته القدوة الإنسانية والمثل الأعلى والنموذج الأمثل للمعلم الكبير، وقد جاء في القرآن الكريم:]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [[ الأحزاب : 21]
"فهو القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًا بنا ،حتى نقتفي أثره"[30]
وهذه القدوة التي تمسك بها المسلمون، عادت عليهم بانتشار هذا الدين في تلك الرقعة الفسيحة في الأرض كما يقول توماس آرنولد، و"وقفوا حياتهم على الدعوة إلى الإسلام، متخذين من هدي الرسول [r] مثلاً أعلى وقدوة صالحة"[31].
المطلب الثاني: نماذج رحمته بالمتعلمين :
فمن نماذج رحمته r في التربية ما رواه مُعَاوِيَةَ بنِ الْحَكَمِ السّلَمِيّ قال: صَلّيْتُ مَع رسولِ الله rفَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ. فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ الله, فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمَيّاهُ! مَا شَأْنُكُم تَنْظُرونَ إلَيّ؟ ! قال:
فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأيْدِيهِمْ عَلَى أفْخَاذِهِمْ فَعَرَفْتُ أنّهُمْ يُصَمّتُونِي، فَلَمّا رَأيْتُهُمْ يُسكّتُونِي سكَتّ، فَلَمّا صَلّى رسولُ الله r - بِأبِي وَأُمّي - مَا ضَرَبَني وَلا قهَرَني وَلا سَبّنِي. ثُمّ قال:"إنّ هَذِهِ الصّلاَةَ لا يَحِلّ فيها شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النّاسِ هَذَا. إنّمَا هُوَ التّسْبِيحُ وَالتّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"[32].
ومن أعاجيب المواقف التي تدل على سعة صدره ورحمته للمتعلمين، قصة الأعرابي الذي بال في المسجد.. فعن أنس t قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله r إذ جاء أعرابي[33] فقام يبول في المسجد وأصحاب الرسول r يصيحون به: مه مه! (أي اترك)، فقال رسول الله r: "لا تزرموه دعوه!" (لا تقطعوا عليه بولته)، فترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله، ثم دعا الرسول r الأعرابي، فقال رسول الله r للأعرابي: " إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر؛ إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن". وهنا قال رسول الله r لإصحابه: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين صبوا عليه دلوا من الماء". فقال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا!!! فقال الرسول r: "لقد تحجرت واسعًا، (أي ضيقت واسعًا)"[34] .

وهكذا نرى نبي الرحمة r في مثل هذه المواقف، التي يغلب عليها الجانب التربوي السمح، لا الجو العسكري الصارم . وإن كان رسول اللهr هو "الرجل والمعلم والخطيب ورجل الدولة والمجاهد"[35] في آن واحد .
المطلب الثالث : أساليبه في الخطاب التربوي :
وأساليبه r في الخطاب التربوي والتعليم، رحمة للمتعلمين، رحمة لكل من يستمع إليه ..
فتراه r وهو يحدث الناس، يمهد لحديثه ليفهموه، ويكرر المعلومة ويوكدها ليعقلوها، ويضرب الأمثلة ليصل المعنى إلى السامعين، ويتخولهم بالموعظة مخافة الملل، ويرسم بيده على الأرض، ويستخدم أصابعه ممثلاً...كل هذا رفقًا ورحمة بالمستمعين والمتعلمين[36] .
أولاً: التمهيد والتهيئة:
كان النبي r يمهد للمعلومة قبل إيصالها للمتعلم، بحيث يستوعبها السامع، بسهولة ويسر، ومثال ذلك :
1- ما رواه أبو هريرة t عن النبي r قال: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا.. ويرفع به الدرجات؟ " قالوا: بلى يارسول الله قال: " إسباغ الوضوء على المكاره.. وكثرة الخطى إلى المساجد... وانتظار الصلاة بعد الصلاة؛ فذلكم الرباط.. فذلكم الرباط... فذلكم الرباط "[37].
2- وعن أبي هريرة أن رسول الله r قال: " أتدرون من المفلس؟".
قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا.. وقذف هذا.. وأكل مال هذا.. وسفك دم هذا... وضرب هذا... فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته... فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم.. فطرحت عليه ثم يطرح في النار "[38] .
ففي المثال الأول مهد للمستمعين قائلاً : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا.. ويرفع به الدرجات..؟" ، ليتهيىء السامع، ويتجاوب مع السؤال، ويُعمل عقله، في محاولة الإجابة، ومن ثم يقوم النبي بالإجابة على السؤال بنفسه وقد استثار عقل السامع نحو فكرة الموضوع . فتدخل المعلومة إلى العقل، وقد اشتاق إلى المعلومة، كما تشتاق الأرض العطشى للمطر !
وبالمثل في المثال الثاني، فالسامع في اشتياق لمعرفة هذا المفلس وصفاته، بعدما تحرك العقل يمينًا وشمالاً لمعرفة الجواب الصحيح . فلا يزال العقل في حيرة حتى تصل إليه المعلومة الشافية، فتحصل الفائدة وترسخ المعلومة.

ثانيًا: التكرار والإعادة:
فعن أنس بن مالك t عن النبي r أنه " كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه.. "[39].
ومثال ذلك:
1- قوله r: " ألا وقول الزور " فما زال يكررها...
2- ويقول ابن عمر: قال النبي r : " هل بلغت؟ " ثلاثًا .
3- وعن عبد الله بن عمرو عن النبي r قال: " ويل للأعقاب من النار " مرتين أو ثلاثاً.
والتكرار في هذه النماذج للتفهيم والحفظ. وهذه من قبيل رفقه وتنبيهه للمستمع.

ثالثًا: التأني أثناء العرض:
فتصف عائشة طريقة عرض النبي r فتقول : " ما كان رسول الله r يسرد كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بيّن، فصل، يحفظه من يجلس إليه "[40] .
والنبي r بطريقة عرضه هذه، إن دلت على شيء فإنما تدل على رفقه ورحمته بالمستمعين..

رابعًا: مراعاة طاقة المتعلمين:
فلقد كان النبي r، يقتصد في دروسه وخطبه ومواعظه، حتى لا يمل المتعلمين من تعاليمه r، وحتى ينشطوا لحفظها ويسهل عليهم فهمها ..
فقد كان النبي r يحسن اختيار أوقات النشاط الذهني، والاستعداد النفسي لدى المتعلمين.. ومباعدته بين الخطبة وأختها، والموعظة وأختها.. حتى تشتاق النفوس، وتنشرح الصدور لتلقي العلم..
فعن عبد الله بن مسعود t قال: " كان النبي r يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا "[41].

خامسًا: ضرب الأمثال:
وقد كان هذا الأسلوب هو المعتاد والمفضل في منهج النبي r في العرض والتفهيم، ومثال ذلك قوله r :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد... إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "[42]
وفي ذلك أثر كبير في إيصال المعنى إلى المتعلم، ذلك أنه يقدم القيمة المعنوية في صورة حسية ملموسة، فيربطه بالواقع ويقربه إلى الذهن .
سادسًا: استخدام الوسائط المتعددة:
كان النبي r يستخدم ما يسمى اليوم بالوسائل التعليمية أوالوسائط التوضيحية، لتبيين المعنى، وتوضيح المغزى في عقول السامعين، وشغل كل حواسهم بالموضوع:
ومن هذه الوسائط:
1- التعبير بحركة اليد والأصابع:
كتشبيكه r بين أصابعه وهو يبين طبيعة العلاقة بين المؤمن وأخيه. فعن أبى موسى الأشعري t... عن النبي r قال: " المؤمن للمؤمن كالبنيان.. يشد بعضه بعضا " وشبك بين أصابعه[43].
2- التعبير بالرسم والمجسمات:
أ) أما الرسم : فعن عبد الله بن مسعود t قال: " خط النبي r خطًا مربعًا.. وخط خطًا في الوسط خارجا منه ـ وقد أحاط به ـ وهذا الذي هو خارج أمله... وهذه الخطوط الصغار الأعراض.. فإن أخطأه هذا؛ نهشه هذا. وإن أخطأه هذا؛ نهشه هذا"[44] .
ففي هذا الحديث بين لهم النبي r بالرسم على الأرض كيف يحال بين الإنسان وبين آماله الكثيرة الواسعة بالموت .. وفيه حض على الاستعداد للموت قبل هجومه المفاجئ.
ب) وأما المجسمات : فعن علي بن أبي طالب t قال: " إن نبي الله r أخذ حريرًا فجعله في يمينه وأخذ ذهبًا فجعله في شماله: ثم قال: " إن هذين حرام على ذكور أمتي... حل لإناثهم "[45].
3- التعليم التطبيقي العملي:
ولقد انتهج الرسول r هذا الأسلوب في التعليم عندما كان يعلم الصحابة الصلاة حيث قال بعد ما فرغ من الصلاة ذات يوم : " أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي "[46] .
كل هذه الوسائط والأساليب من قبيل الرحمة بالمتعلمين، تبين لك عظيم رحمة النبيr، وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على عظم قدر العلم والمعرفة والثقافة في نفس محمدr، وتقديره البالغ لرسالة التربية والتعليم، وممارسته الماهرة لشتى الوسائل التي تفيد المنظومة التربوية ..


المبحث السادس
خدمة الإنسانية
المطلب الأول : محمد rخادم الإنسانية:
وفي رعايته للإنسانية وحقوق الإنسان مظهر آخر من مظاهر رحمته r ..
لقد عاش النبيr حياته يخدم الإنسان، ويهذب الإنسان، ويعلم الإنسان، ويدافع عن الإنسان.. !
لقد كان إنسانًا بكل ما في الكلمة من معان. وكانت سعادة نفسه ورضاها، في كونه إنسانًا، يأكل كما يأكل العبد، ويلبس كما يلبس العبد، يسأل ربه دومًا أن يحيه مسكينًا وأن يمته مسكينًا، وأن يحشره في زمرة المساكين .. و لا يأنف أن يطمئن رجلاً دخل علي حضرته – صلوات الله وسلامه عليه - ، وقد ارتعدت أوصال الرجل، من شدة هيبة النبي r، ظنًا منه أنه إنما دخل على جبار أو ملك، والنبي يهدىء من روعه قائلاً :
" هون عليك ! فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد !"[47].
"لقد كان محمد [r] أنموذجًا للحياة الإنسانية بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة. بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل بث رسالته الإلهية خير دليل على سموّ ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته... وما حياة الرسول [r] سوى سلسلة وقائع تاريخية عظيمة الشأن نبيلة المرمى يتجلى فيها مقامه السامي من الحلقة الإنسانية "[48] ..
تقول "اللادي ايفلين كوبولد":
".. لعمري، ليجدن المرء في نفسه، ما تقدم إلى قبر محمد [r] روعة ما يستطيع لها تفسيرًا، وهي روعة تملأ النفس اضطرابًا وذهولاً ورجاء وخوفًا وأملاً، ذلك أنه أمام نبي مرسل وعبقري عظيم لم تلد مثله البطون حتى اليوم.. إن العظمة والعبقرية يهزان القلوب ويثيران الأفئدة فما بالك بالعظمة إذا انتظمت مع النبوة، وما بالك بها وقد راحت تضحي بكل شيء في الحياة في سبيل الإنسانية وخير البشرية"[49].
ويؤكد القس "دافيد بنجامين كلدانى" في مؤلفه : " محمد في الكتاب المقدس " هذه الحقيقة بأن النبي r "خادم الإنسانية" بقوله :
"إن الخدمة الجليلة العظيمة المدهشة التي قدمها محمد [r] لله .. ولصالح البشر، لم يقدمها أي مخلوق من عباد الله ملكاً كان أو نبياً... فإنه [r] أقلع جذور الوثنية من جزء كبير من الأرض، وأما خدمته للإنسان فقد قدم له أكمل دين وأفضل شريعة لإرشاده وأمنه "[50].
ويتابع القس كلدانى القول :
" أقام دين الإسلام الذي وحد في أخوة حقيقية ، جميع الأمم والشعوب التي لا تشرك بالله شيئاً . إن جميع الشعوب الإسلامية تطيع رسول الله[r] وتحبه تحترمه! لأنه مؤسس دعائم دينها، ولكنها لا تعبده أبداً ولا ترفعه إلى مقام التقديس والتأليه"[51]..
ويقول الباحث السويسري ماكس فان برشم ( 1863 _ 1921 ) :
" إن محمداً [r]نبي العرب من أكبر مريدي الخير للإنسانية، وإن ظهور محمد[r]للعالم أجمع إنما هو أثر عقل عال ، وإن افتخرت آسية بأبنائها فيحق لها أن تفتخر بهذا الرجل العظيم .."[52] ..
و تلخص الموسوعة البريطانية السيرة الكفاحية لحياة الرسول r واجتهاده في خدمة الإنسانية عربياً وعالمياً فتقول :
"إن محمداً [r]، اجتهد في الله .. وفي نجاة أمته ، وبالأصح : اجتهد في سبيل الإنسانية جمعاء" [53]..
و"ما أجمل ما قال المعلم العظيم [r]:(الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ.).. "[54]
المطلب الثاني: خطبة الوداع : الميثاق الإسلامي لحقوق الإنسان :
وقد جاء في هذه الخطبة الجامعة :
"أيها الناس ! إني والله لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا، بمكاني هذا، فرحم الله من سمع مقالتي اليوم فوعاها، فرب حامل فقه ولا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"[55] .
‏" ‏إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا‏.‏ ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ـ وكان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هُذَيْل ـ وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع من ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله‏"[56] .
"لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا يُؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه!"[57] .
" واعلموا أن القلوب لا تغل على ثلاث إخلاص العمل لله ومناصحة أولي الأمر وعلى لزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم "[58]
‏"‏فاتقوا اللّه في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة اللّه، واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏..وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به ..كتاب الله[59] .
"أيها الناس ! إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم واعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأطيعوا ولاة أمركم تدخلوا جنة ربكم.‏ "[60] .
"‏وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون‏؟‏‏" ‏ قالوا‏:‏ نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت‏.‏
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس‏:‏ ‏"‏اللهم اشهد‏!!"ثلاث مرات‏[61].
ويعلق "هربرت جورج ولز "على هذه الخطبة فيقول :
"إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة، كما أنها إنسانية السمة ممكنة التنفيذ، فإنها خلقت جماعة إنسانية يقل ما فيها مما يغمر الدنيا من قسوة وظلم اجتماعي، عما في أي جماعة أخرى سبقتها"[62] .
ويعلق العلامة إميل درمنغم ، على هذه الرحلة العظيمة، وهذه الخطبة البليغة، قائلاً:
".. تجلت بهذه الرحلة الباهرة [حجة الوداع] ما وصلت إليه من العظمة والسؤدد رسالة ذلك النبي [r]الذي أنهكه اضطهاد عشر سنين وحروب عشر سنين أخرى بلا انقطاع، وهو النبي الذي جعل من مختلف القبائل المتقاتلة على الدوام أمة واحدة.."[63]
المطلب الثالث: توجيهات إنسانية :
وإلى جانب خطبة الوداع الجامعة هناك توجيهات وتعاليم أخرى للنبي r، تعنى بحقوق الإنسان، لاسيما في مسألة الدماء :
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: قُتِلَ قَتِيلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r لا يُعْلَمُ قَاتِلُهُ، فَصَعِدَ مِنْبَرَهُ ، فَقَالَ:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ! أَيُقْتَلُ قَتِيلٌ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لا يُعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ؟ لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ اجْتَمَعُوا عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِلا عَدَدٍ وَلا حِسَاب"[64]
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ سَرِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ r غَشُوا أَهْلَ مَاءٍ صُبْحًا فَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَاءِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَخْبَرُوا النَّبِيَّ r بِذَلِكَ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْمُسْلِمِ يَقْتُلُ الرَّجُلَ وَهُوَ يَقُولُ إِنِّي مُسْلِمٌ" فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّمَا قَالَهَا مُتَعَوِّذًا. فَصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ r وَجْهَهُ وَمَدَّ يَدَهُ الْيُمْنَى فَقَالَ : " أَبَى اللَّهُ عَلَيَّ مَنْ قَتَلَ مُسْلِمًا "ثَلَاثَ مَرَّاتٍ[65]..
و"مثل هذه الأقوال وهذه الأفعال ترينا في محمد[r] أخا الإنسانية الرحيم ، أخانا جميعاً الرؤوف الشفيق ، وابن أمنا الأولى وأبينا الأول"[66] .


الفصل الثالث
رحمته للعالمين في مجال الأخلاق
المبحث الأول : الرفق واللين
المبحث الثاني : العفو
المبحث الثالث : العدالة والمساواة
المبحث الرابع : الحب والإخاء
المبحث الخامس : السماحة في المعاملات المالية






















المبحث الأول
الرفق واللين واللطف
المطلب الأول: طريق محمد .. طريق الرفق :
ماهي طريقة محمد r في دعوة الناس إلى منهج الله القويم ؟
يجيب عن هذا السؤال توماس أرنولد ، ويقول :
" قد جاءهم محمد [r]من طريق الرفق"[67] !
أما لويس سيديو، فيفصل في الإجابة، ويقول :
"كان[r] يستقبل بلطف ورفق جميع من يودّون سؤاله، فيسحر كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلاً فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له.. "[68].
ويقول " برتلي سانت هيلر ": "كان محمد [r]أزكى العرب في عهده وأكثرهم تقوى وديناً، وأرحبهم صدراً ، وأرفقهم بأعدائه"[69] ..
ولهذا قال هنري دي كاستري: " هكذا جذب الإسلام قسمًا عظيمًا من العالم... بما اشتمل عليه من الترفق بطبيعة البشر حيث أتاح للناس شيئًا مما يشتهون !"[70] .. فهو دين واقعي، يتعامل مع حاجات الإنسان بفهم ورفق، أو بعبارة كويليام :" ليس بين الأديان أقرب للفهم من الدين الإسلامي للذين يفقهونه، كما أنه ليس بينها أثبت ولا أرفق منه."[71]
ويقول "هربرت جورج ولز": "هذا الإلحاح على الرفق والرعاية في الحياة اليومية إنما هو واحد من فضائل الإسلام الكبرى بيد أنه ليس الفضيلة الوحيدة فيه"[72].، ولا زال الغرب يتعلم أخلاق الرفق من الإسلام ونبي الإسلام، كما يقول "ريشار وود" حتى صار النصارى يتعلمون من الدولة الإسلامية، و"ما يرمي إليه الدين [ الإسلامي ] من الحضّ على الرفق واللين"[73] ..!
ومن ثم يدعو "سوسة"[74] أتباع موسى وعيسى [عليهما السلام] " أن يراجعوا التاريخ الإسلامي ليقفوا على ما يأمر به الإسلام بشأن الرفق بالأطفال والنساء والشيوخ وغير المقاتلين بصورة عامة. ويثبت لنا التاريخ... أن المسلمين ساروا وفق شريعتهم القاضية بوجوب عدم مس الأطفال والنساء والشيوخ، بكل أمانة وحرص حتى في الظروف التي كان فيها العدو المقابل يقتل الأطفال والنساء وغير المحاربين من المسلمين"[75]..
المطلب الثاني : حثه على الرفق :
أولاً : الرفق يحبه الله :
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: " يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ"[76]
و عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أن النَّبِيِّ r قال:
"إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَى بِهِ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ..."[77].
ثانيًا: الرفق جمال وذوق:
عَنْ عَائِشَةَ:
أن النَّبِيِّ r قَالَ : "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"[78] ..
ثالثًا: الرفق ي*** الخير:
و عَنْ جَرِيرٍ:
عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : "مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ !"[79] .
المطلب الثالث: من نماذج رفقهr:
أولاً: الرفق بالمتعلمين:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ ( ليضربوه )، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:
"لَا تُزْرِمُوهُ !"
ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ[80] .
ثانياً: الرفق بالسفهاء :
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r . فَقَالُوا: السَّامُ[81] عَلَيْكُمْ . قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا. فَقُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " مَهْلًا يَا عَائِشَةُ ! ! إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ".
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟
فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : "قَدْ قُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ"[82] ..
وهذا وهو خلق رسول الله r دومًا إذا سابه أحد أو شاتمه..
ثالثًا : الرفق بالعصاة :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا !! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا : مَهْ مَهْ !!!
فَقَالَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ادْنُهْ " ..
فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا.. فَجَلَسَ
قَالَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ "
قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ !
قَالَ : "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ."
"أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ "
قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ
" أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ "
قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ..
قَالَ : "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ "
" أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ "
قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ
قَالَ:" وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ "
"أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ " .
قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.
قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ" .
فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ :
"اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" ..
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ[83].
رابعًا: الرفق بالشعب والرعية :
عن حَرْمَلَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ:
أَتَيْتُ عَائِشَةَ، أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ ..
فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ ؟
فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ
فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ
فَقَالَ : مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ ..
فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ - فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر-ٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي بَيْتِي :
"هَذَا اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ، عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ "[84] .
خامسًا : الرفق بالمستفتي وصاحب المسألة :
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ قَالَ
كُنْتُ امْرَأً أَسْتَكْثِرُ مِنْ النِّسَاءِ لَا أَرَى رَجُلًا كَانَ يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ مَا أُصِيبُ! فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ، فَبَيْنَمَا هِيَ تُحَدِّثُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ انْكَشَفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا فَوَاقَعْتُهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي ، وَقُلْتُ لَهُمْ : سَلُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!!
فَقَالُوا : مَا كُنَّا نَفْعَلُ إِذًا يُنْزِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِينَا كِتَابًا أَوْ يَكُونَ فِينَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلٌ فَيَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهُ، وَلَكِنْ سَوْفَ نُسَلِّمُكَ لِجَرِيرَتِكَ، اذْهَبْ أَنْتَ فَاذْكُرْ شَأْنَكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -..
قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "أَنْتَ بِذَاكَ ؟ "
فَقُلْتُ : أَنَا بِذَاكَ، وَهَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَابِرٌ لِحُكْمِ اللَّهِ عَلَيَّ .
قَالَ: " فَأَعْتِقْ رَقَبَةً" .
قُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ إِلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ !
قَالَ : " فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" .
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ دَخَلَ عَلَيَّ مَا دَخَلَ مِنْ الْبَلَاءِ إِلَّا بِالصَّوْمِ !
قَالَ: " فَتَصَدَّقْ أَوْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا " .
قُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ مَا لَنَا عَشَاءٌ !!
قَالَ : " فَاذْهَبْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ، فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ، وَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَانْتَفِعْ بِبَقِيَّتِهَا !!!" .
فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ :
وَجَدْتُ عِنْدَكُمْ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ وَوَجَدْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأْيِ، وَقَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ !
قال : فَادْفَعُوهَا لِي[85] .
سادسًا: الرفق بالحيوانات :
نهى النبي r عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه روح، فقد مَرَّ أنس بن مالك فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نصبوا أمامهم دجاجة، وجعلوها هدفًا لهم، وأخذوا يرمونها بالحجارة فَقَالَ أَنَسٌ: " نَهَى النَّبِيُّ r أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ."[86]
أي تحبس أوتعذب أوتقيد أوترمي حتى الموت.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى؛ رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلَامِ مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلَامَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ r نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ."[87] .
وقال" إنَّ النَّبِيَّ r لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا"[88] .

وقال : " إن رسول الله r لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا .."[89]
أي :هدفًا يُتدرب عليه ونحو ذلك .
و عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ"[90].
وفيه دلالة على حرمة إيذاء الحيوان حيًا أو ميتًا، ألإ لضرورة أو منفعة .
وقد بين النبي r أن الله سبحانه قد غفر لرجل؛ لأنه سقى كلبًا كاد يموت من العطش .
فبّين " أن رجلاً رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له، فأدخله الجنة ."[91].
بينما دخلت امرأة النار؛ لأنها حبست قطة، فلم تطعمها ولم تَسْقِهَا حتى ماتت !
فقال : " عُذبت امرأة في هرة، حبستها حتى ماتت جوعًا، فدخلت فيها النار "[92] .
ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى لا يتعذب، يقول النبي r:
"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ [أي: في الحروب والمعارك]، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ.وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ [السكينة التي يذبح بها الطير ونحوه]وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"[93].
ويروي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
جاء بعير يشتد حتى سجد لرسول الله r، ثم قام بين يديه، فذرفت عيناه، فقال رسول الله r: "من صاحب هذا البعير؟" قالوا: فلان. فقال "ادعوه، فأتوا به"، فقال له رسول الله r"يشكوك" فقال: يا رسول الله، هذا البعير كنا نسنو[94] عليه منذ عشرين سنة، ثم أردنا نحره.
فقال رسول الله r: "شكا ذلك، بئسما جازيتموه، استعملتموه عشرين سنة حتى إذا أرق عظمه، ورق جلده أردتم نحره بعينه" قال: بل هو لك يا رسول الله. فأمر به رسول الله r فوجه نحو الظهر، أي الإبل [95] .
و عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله r في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش ، فجاء النبي rفقال:
" من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ! "
ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال :
"من حرق هذه ؟ "
قلنا: نحن ..
قال : "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار" [96].

المبحث الثاني
العفو
العفو ترك المؤاخذه بالذنب[97]، وقد ضرب النبي r المثل الأعلى في الصفح عن محاربيه ومعانديه ومن له عليهم قصاص . وذلك من تجليات رحمته r.
المطلب الأول : النبي rالعفو
يذكر مارسيل بوازار عفو محمدr فيقول:
" وبالرغم من قتاليته ومنافحته ، فقد كان يعفو عند المقدرة "[98] .
ويتناول الكاتب الهندي "مولانا محمد علي"[99] مظهر العفو في أخلاق الرسولr، كمظهر من مظاهر رحمة محمدr للبشر ، بشيىء من التفصيل والتدليل ويقول :
"وكان العفو جوهرة أخرى بالغة الإشعاع في شخصية الرسول r. لقد وجدت فيه تجسدها الكامل . ولقد أوصاه القرأن الكريم بـأن يأخذ بالعفو ويأمر بالمعروف ويعرض عن الجاهلين .
ولقد جاءه تفسير ذلك من لدنه تعالى . على هذا النحو : ( صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، واغفر لمن أساء إليك )... لقد عاش [r] وفقها حتى في أحرج المواقف . وفي معركة أحد [ شوال 3هـ/إبريل624 م] ، عندما جُرح وسقط على الأرض ، سأله أحد الصحابة أن يستنزل اللعنة على العدو، فأجاب : ( أنا لم أبُعث لعاناً للعالمين ، ولكن بعثت هاديًا ورحمة . . اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون !). وذات مرة جذبه بدوي طارحاً دثاره حول عنقه ، وحين ُسئل الرسول r لمِ َلـم ْيعامله بالمثل أجاب قائلاً : إنه لا يرد على الشر بالشر أبداً ."[100]..
ويقول : "إن تاريخ العالم ليعجز عن تزويدنا بنظير لهذا الصفح الكريم الذي أغدقه الرسول [r] على أمثال أولئك المجرمين الكبار . إن الضرب على وتر المواعظ الداعية إلى الصفح والغفران لا يكلف المرء شيئاً كثيراً ، ولكن عفو المرء عن معذبيه ليحتاج إلى قدر من الشهامة عظيم ، و بخاصة حين يكون أولائك المعِذبون تحت رحمته"[101].
ولا غرو أنْ وجدناه r أحسن الناس عفواً، وألطفهم عشرة، يعفو عن المسيء، ويصفح عن المخطئ حتى وصفه الخالق سبحانه وتعالى : ] لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ] [التوبة : 128].
فقد أمره الله تعالى بانتهاج نهج العفو في دعوته .. قال الله تعالى :]فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ [المائدة : 13] .
المطلب الثاني : نماذج عفوه r:
أولاً: عفوه عن مشركي مكة عام الفتح( رمضان ـ/ يناير 630 م ):
يضرب الكاتب الهندي " مولانا محمد علي"، مثالاً بعفو النبي r عن مشركي مكة بعدما فعلوا به ما فعلوه.. فيقول:
"والمكيون الذين أخضعوه وأصحابه ، دائماً وأبداً ، لأشد التعذيب بربرية؛ منحهم عفواً عاماً"[102]!
ويقول " اللورد هيدلي" ، معقباً على عفو النبي rفي فتح مكة:
"عفا بلا قيد ولا شرط عن كل هؤلاء الذين اضطهدوه وعذبوه ! آوى إليه كل الذين كانوا قد نفوه من مكة ! وأغنى فقراءهم، وعفا عن ألد أعدائه ؛ عندما كانت حياتهم في قبضة يده وتحت رحمته...!"[103]..
يقول "كولن" :
"تأملوا معي كيف أنهم أخرجوه هو ومن يقف معه من بيوتهم إلى منطقة صحراوية معلنين عليهم المقاطعة، ومعلقين بنود هذه المقاطعة الشريرة على جدار الكعبة، وكانت تقضي بعدم التعامل معهم بيعًا وشراء وعدم التزوج من بناتهم أو تزويج بناتهم لهم.
وقد دامت هذه المقاطعة ثلاث سنوات بحيث اضطروا إلى أكل العشب والجذور وأوراق الأشجار، حتى هلك منهم الأطفال والشيوخ من الجوع دون أن تهتز منهم شعرة، أو تتحرك عندهم عاطفة رحمة. ولم يكتفوا بهذا، بل اضطروهم لترك بيوتهم وأوطانهم والهجرة إلى أماكن أخرى بعيدة. ولم يدعوهم في راحة هناك فبدسائسهم المختلفة سلبوا منهم طعم الراحة والاطمئنان.
وفي غزوات بدر وأُحد والخندق اشتبكوا معهم في معارك ضارية، وحرموهم حتى من أبسط حقوقهم كزيارة الكعبة، وأرجعوهم إلى ديارهم بعد إبرام معاهدة ذات شروط قاسية. ولكن الله تعالى أنعم عليهم ففتحوا مكة ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس جيش عظيم.
فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضًا؟ لقد قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء" .. "[104]

ولو كان محمد r من ملوك الدنيا لسالت دماء أهل مكة ولكنه قابله صنيعهم بالعفو فما كان منهم إلا أن دخلوا في دين الله أفواجا ..
ثانيًا: عفوه عن أهل الكتاب :
يقول "مولانا محمد علي" :
"ولقد أسبغ عفوه على أتباع الأديان جميعاً - يهود ، ونصارى ، ووثنيين، وغيرهم - إنه لم يقصر إحسانه على أتباع دينه فحسب"[105]..
ومثال ذلك عفوه عن قبيلة بني قينقاع اليهودية الذين ناصبوه العداوة، وقد كان في استطاعته أن يفنيهم عن بكرة أبيهم في معركته معهم، في 15 شوالسنة 2 هـ/9 إبريل624. رغم ما صدر منهم من جريمة نكراء، قد تواطئوا فيها على كشف عورة سيدة مسلمة في مكان عام. وتواطئهم في قتل رجل مسلم، دافع عن عرض السيدة المسلمة وحاول رد العدوان ..
ومثال آخر ، عفوه عن قبيلة بني النضير اليهودية، بعد أن خططوا لعملية اغتيال فاشلة للنبي r، وقد كان باستطاعته أن ينفذ فيهم حكم الإعدام في من شرعوا في محاولة اغتياله كما هو الحال في الأعراف والأدبيات الدولية، وقد كانوا جميعًا تحت رحمتهr بعد هزيمتهم في معركتهم ضد المسلمين (في ربيع الأولسنة 4 هـ/ أغسطس 625م)،ولكنه – صلوات الله وسلامه عليه – أصدر عفوًا عامًا لهم، مقابل أن يرحلوا خارج حدود الدولة.

ثالثًا: عفوه عن الضعفاء أثناء الحروب:
"إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء، والمسنين، والأطفال، والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة"[106].
وقد كان محمد r ينبه على هذه التعليمات، ويوصي بها جنوده، ويأخذ عليهم العهود في ذلك، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة .

[1] آتيين دينيه :أشعة خاصة بنور الإسلام ، ص 18

[2] هذه الكلمة لفيلويز، انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 6 / 61 .

[3] ح. ف. فيلويز : ضابط بحرية بريطاني، شارك في الحربين العالميتين الأولى والثانية، نشأ في بيئة نصرانية، تأصلت فيها التقاليد المسيحية بشكل عميق، ومع ذلك فقد هداه الله إلى الإسلام بعد أن اطلع على القرآن الكريم وقرأ عددًا من المؤلفات الإسلامية، وذلك عام 1924.

[4] فيلويز : حضارة العرب ، ص 126

[5] روجيه جارودي : المفكر الفرنسي المعروف، وأحد كبار زعماء الحزب الشيوعي الفرنسي، سابقًا، تتميز ثقافته بالعمق والشمولية، والرغبة الجادة في البحث عن الحق. أتيح له منذ مطلع الأربعينات أن يحتك بالفكر الإسلامي والحياة الإسلامية. وازداد هذا الاحتكاك بمرور الوقت، وتمخض عن اهتزاز قناعاته المادية وتحوله بالتدريج إلى خط الإيمان، الأمر الذي انتهى به إلى فصله من الحزب الشيوعي الفرنسي، كما قاده في نهاية الأمر (أواخر السبعينات) إلى اعتناق الإسلام، حيث تسمى بـ(رجاء جارودي). كتب العديد من المؤلفات منها: (حوار الحضارات)، (منعطف الاشتراكية الكبير)، (البديل)، (واقعية بلا ضفاف)، وبعد إسلامه أنجز سيرة ذاتية خصبة وعددًا من المؤلفات، أبرزها: (دعوة الإسلام)، فضلاً عن العديد من المحاضرات التي ألقاها في أكثر من بلد.

[6] روجيه جارودي: دعوة الإسلام ، ص 22

[7] روم لاندو : الإسلام والعرب، 246

[8]روم لاندو: الإسلام والعرب ، ص 280 – 281

[9] انظر: سير توماس أرنولد (إشراف) : تراث الإسلام ، ص105

[10]الدومييلي: العلم عند العرب ، ص 10 – 11 .

[11] الدومييلي : العلم عند العرب،144

[12] أرنست بانرث : ولد في مدينة ليبزج، سنة 1895، نال الدكتوراه في اللغات الإسلامية من جامعة فينا. وعين أستاذًا للفلسفة والتاريخ والآداب الألمانية. من آثاره: (الإسلام اليوم وغدًا) (1958)، (التفاهم بين الشرق والغرب) (بتكليف من اليونسكو)، وله دراسات عن الفلاسفة المسلمين.

[13] أرنست بانرث : تأثير الفلسفة الإسلامية في تطور الفكر الأوروبي ، ص 8 – 9 .

[14] صحيح – رواه ابن ماجة عن أنس( 1\ 81) ، برقم 224، وصححه الألباني في الجامع الصغير، برقم 7360

[15] صحيح – رواه ابن عبد البر في العلم عن أنس ، برقم 24، وصححه الألباني في الجامع الصغير، برقم 7361

[16] صحيح – رواه البيهقي عن عائشة، وصححه الألباني في الجامع الصغير، برقم2607

[17] صحيح – رواه أحمد والبيهقي وابن حبان والحاكم، عن صفوان بن عسال وصححه الألباني الجامع الصغير، برقم 10639

[18] حسن لغيره - رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب 1\19، برقم 80

[19] حسن - رواه ابن ماجه بإسناد حسن والبيهقي ورواه ابن خزيمة في صحيحه، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1 \ 18 )، برقم 77

[20] حسن – رواه رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد واللفظ له وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد وروى ابن ماجه نحوه باختصار، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1 \ 17 ) برقم 71.

[21] حسن لغيره - رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب 1\19، برقم 81

[22] ابن كثير : السيرة النبوية،2\ 512

[23] على محمد الصلابي : السيرة النبوية 2\46

[24] لا بأس بها ! فهي تعنى الرجل الأفضل أو الأعظم. أو ذو القدرات الخارقة !

[25] لبيب رياشي : نفسية الرسول العربي، نقلاً عن: محمد شريف الشيباني 100

[26] ميخائيل طعمة : جريدة الكرمل، نقلاً عن: محمد شريف الشيباني 150

[27] توماس كارلايل: الابطال ، ص 60، 70

[28] بل هو قرآن البشر كلهم !

[29] وث : محمد والقران ، ص 78.

[30] هذه الكلمة للقس السابق الدكتور دُرّاني، انظر: عرفات كامل العشي: رجال ونساء أسلموا ، 4 / 27 – 28 .

[31] توماس آرنولد :الدعوة إلى الإسلام ، ص 27

[32] صحيح - أخرجه مسلم في الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ماكان من إباحة.

[33] هو ذو الخويصرة اليماني رضي الله عنه.

[34] متفقٌ عليه، صحيح البخاري، باب صب الماء على البول في المسجد، رقم 217

[35] هذه العبارة لفيليب حتي: الإسلام منهج حياة ، ص 56

[36] انظر: سعيد رفعت راجح: الوسائط التعليمية في الأحاديث النبوية، بحث منشور على موقع alukah.net

[37] صحيح - رواه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، رقم 251

[38] صحيح - رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، رقم 2581.

[39] صحيح – رواه البخاري في كتاب العلم ، باب من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه، رقم 95

[40] صحيح - رواه الترمذي في كتاب المناقب، باب كيف كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم 191، وقال الألباني : صحيح .

[41] صحيح - رواه البخاري في كتاب العلم، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة، رقم 68.

[42] صحيح - رواه البخاري في كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، رقم 5665.

[43] صحيح - رواه البخاري، بَاب تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ، رقم 459

[44] صحيح - رواه البخاري في كتاب الرقاق. باب في الأمل وطوله، رقم 5938

[45] صحيح - رواه أبو داود في كتاب اللباس، كتاب في الحرير للنساء، رقم 3535، وقال الألباني: صحيح.

[46] صحيح - رواه البخاري في كتاب الصلاة، بَاب الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، رقم 866.

[47] صحيح - رواه الحاكم عن أبي مسعود، رقم 3692، قال الألباني في السلسلة الصحيحية (1876) : صحيح .

[48] أحمد سوسة : في طريقي إلى الإسلام ص 1 / 174 – 175.

[49] اللادي ايفلين كوبولد: البحث عن الله ، ص52.

[50] دايفد بنجامين كلداني (عبد الأحد داوود ) : محمد في الكتاب المقدس ، 82.

[51] المصدر السابق.

[52] ماكس فان برشم : العرب في آسية، 57

[53] الموسوعة البريطانية

[54] جان ليك : العرب ، ص 43. والاستشهاد بالحديث من جان ليك. وحديث :(الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ.) هو حديث رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم 9891، وفي رواية البيقهي في شعب الإيمان، « الخلق كلهم عيال الله ، وأحب الخلق أنفعهم لعياله » برقم 7193، ولقد ضعف الألباني هذه الصيغة في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " 4 / 372، لكنه صحح الصيغة الآخرى في حديث: " الخلق كلهم عيال الله ، و تحت كنفه ، فأحب الخلق إلى الله من أحسن إلى عياله " في الصحيحة " ( 427 ).

[55] صحيح - سنن الدارمي1\ 86 ، برقم 227، قال حسين سليم أسد : إسناده حسن والحديث صحيح.

[56] صحيح – رواه ابن حبان، عن جابر، 1457 ، وقال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح

[57] صحيح - السلسلة الصحيحة، رقم 1974

[58] صحيح - سنن الدارمي 1\ 86 ، برقم 227، قال حسين سليم أسد : إسناده حسن والحديث صحيح

[59] صحيح – رواه مسلم 2 \886 ، برقم 1218

[60] صحيح – رواه الطبراني في المعجم الكبير 8 \ 136 ، برقم 7617، عن أبي أمامه . وقال الألباني : صحيح (ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم رقم 1061)

[61] صحيح – رواه ابن حبان، عن جابر، 1457 ، وقال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح

[62] هربرت جورج ولز : معالم تاريخ الإنسانية ، 3 / 640 – 641

[63] اميل درمنغم :حياة محمد، ص 359

[64] رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم 12513

[65] رواه أحمد في مسنده، برقم 16395

[66] هذه الجملة لتوماس كارلايل : الابطال ، ص 84-85

[67] توماس كارلايل: الابطال ، ص 75 – 76

[68] لويس سيديو : تاريخ العرب العام ، ص103

[69] برتلي سانت هيلر: مع الشرق، 77.

[70] هنري دي كاستري : الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 13

[71] عبد الله كويليام: العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 62

[72] هربرت جورج ولز : معالم تاريخ الإنسانية ، ص 3 / 642 .

[73]ريشار وود: الإسلام والإصلاح ، ص 21 .

[74] أحمد سوسة : كاتب عراقي ، كان يهودياً، ومن مؤلفاته: "مفصل العرب واليهود في التاريخ " و في طريقي إلى الإسلام " الذي تحدث فيه عن سيرة حياته وكيف أسلم .

[75] أحمد سوسة : في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 94

[76] صحيح- رواه مسلم ، باب الرفق، برقم 469

[77] صحيح - موطأ مالك، برقم 1551 ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير، رقم 2651

[78] صحيح- رواه مسلم ، باب الرفق، برقم 4698

[79] صحيح – رواه مسلم، باب الرفق، رقم 4694

[80] صحيح- رواه البخاري، برقم 5566

[81] السام : يعني الموت، والسام عليكم : يعني الموت لكم .

[82] صحيح- رواه البخاري، باب الرفق في الأمر كله، رقم 5565

[83] صحيح - رواه أحمد - (21185) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني وقال:
رجاله رجال الصحيح 1/129، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم 370 .

[84] صحيح – رواه مسلم - كتاب الجهاد، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم (3407)

[85] صحيح - رواه ابن ماجه (2052) أحمد(15825) ، وأبو داود (1892) ، والترمذي( 1121)، ،وصححه الألباني في الإرواء ( 2091 ) ، صحيح أبي داود ( 1917 ) وصحيح وضعيف سنن ابن ماجة - (2062) وغير ذلك من الكتب التي حققها .

[86] صحيح – رواه البخاري، برقم 5089

[87] صحيح – رواه البخاري، برقم 5090

[88] صحيح – رواه البخاري، رقم 5091

[89] صحيح – رواه مسلم، باب النهي عن صبر البهائم، برقم 3617

[90] سنن النسائي 4366، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي.

[91] صحيح – رواه البخاري (1 /75 )، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، برقم 171

[92] صحيح – رواه البخاري ( 2 / 834 )، حديث رقم 2236، وأخرجه مسلم في السلام، باب تحريم قتل الهرة . وفي البر والصلة والآداب باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها، رقم 2242

[93] صحيح – رواه مسلم، عن شَدَّاد بْنِ أَوْس، بَاب الْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الذَّبْحِ وَالْقَتْلِ وَتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ ، رقم 3615

[94] أي نستقي

[95]حسن – رواه الطبراني في الأوسط (11245) ، والهيثمي : مجمع الزوائد (14166) 9/9؛ السيوطي : الخصائص الكبرى 2/95 ، ورى أحمد بمثله عن عائشة بإسناد جيد . وقال الهيثمي : ورواه البزار بنحوه وفي إسناد الأوسط زمعة بن صالح وقد وثق على ضعفه وبقية رجاله حديثهم حسن وأسانيد الطريقين ضعيفة

[96] سنن أبي داود (2675 )، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود

[97] أحمد عبد الرحمن إبراهيم : الفضائل الخلقية في الإسلام، 180

[98] مارسيل بوزار : انسانية الاسلام ، ص 46.

[99] زعيم هندي كبير، معروف بنشاطه في خدمة الإسلام، وصاحب ترجمة معروفة لمعاني القرآن إلى الانجليزية ومن مؤلفاته " الدين الإسلامي "، و" حياة محمد و رسالته" و" ساعات حاسمة في حياة الرسول".

[100] مولانا محمد علي، حياة محمد و رسالته : 273-274.

[101] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، ص 207.

[102] مولانا محمد علي: حياة محمد و رسالته ، ص 269-270.

[103] انظر: آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص-27

[104] محمد فتح الله كولن : النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية ، 2/100

[105] مولانا محمد علي: حياة محمد و رسالته ، ص 269-270.

[106] إميل درمنغم: حياة محمد، 350
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 01-30-2012, 12:37 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

رابعًا: عفوه عن الأعراب الغلاظ :
1- الأعرابي الذي رد على النبيr بوقاحة:
قال أبو موسى الأشعري: كنت عند النبي r وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبيَّ r أعرابيُ، فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: " أبشر" فقال: قد أكثرت عليَّ من أبشر!! فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: "رد البشرى، فاقبلا أنتما!!" قالا: قبلنا. ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال: "اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا !" فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة[1] .
2- الأعرابي الذي اتهم النبي r بالظلم:
لما كان يوم حنين [شوال 8 هـ/ يناير 630 م]، ويوم توزيع الغنائم على الجيش، آثر رسول الله r ناسًا في القسمة، فأعطى أناسًا أسلموا حديثًا و أناسًا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل من الأعراب: والله ! إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله !. فرفع الصحابي عبد الله بن مسعود إلى حضرة النبي تقريرًا بذلك. فتغير وجه النبي r حتى كان كالصرف. ثم قال: "فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!" ثم قال: "يرحم الله موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"[2] .
3- الأعرابي الذي قابل إحسان النبي بالإساءة :
عن أبي هريرة ، أن أعرابيا ، جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -يستعينه في شيء ، فأعطاه شيئا ، ثم قال :" أحسنت إليك ؟ "
فقال الأعرابي : لا ، ولا أجملت !
قال : فغضب المسلمون ، وقاموا إليه ، فأشار إليهم أن كفوا .
ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم - فدخل منزله ، ثم أرسل إلى الأعرابي ، فدعاه إلى البيت ، فقال : "إنك جئتنا فسألتنا ، فأعطيناك ، فقلت : ما قلته" ، فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم قال :" أحسنت إليك ؟ " !
قال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا ..
فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- :" إنك كنت جئتنا فسألتنا ، فأعطيناك ، وقلت ما قلت ، وفى أنفس أصحابي شيء من ذلك ، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى تذهب من صدورهم ما فيها عليك " !!
قال : نعم .
فلما كان الغد أو العشي ، جاء فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن صاحبكم هذا كان جاء فسألنا ، فأعطيناه ، وقال ما قال ، وإنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ، أكذلك؟"
قال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا .
فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:" ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه ، فاتبعها الناس ، فلم يزيدوها إلا نفورًا ، فناداهم صاحب الناقة : خلوا بيني وبين ناقتي ، فأنا أرفق بها وأعلم ، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها وأخذ لها من قمام الأرض ، فردها هونا هونا هونا حتى جاءت واستناخت وشد عليها ، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال ، فقتلتموه، دخل النار !"[3] .
وهذا الموقف قد ازدحمت فيه العديد فضائل وأخلاق محمد، فاشتمل الموقف على وكرمه وحسن تصرفه ولطفه ورفقه ، إلا جانب خلق العفو الذي سطرنا تحته الحديث– صلوات الله وسلامه على صاحب الخلق العظيم - .

المبحث الثالث
العدالة والمساواة
نبين في هذا المبحث، مظهر آخر من مظاهر الرحمة في شخصية نبينا محمد r.. فلقد تحدث علماء الغرب عن أخلاق العدالة والمساواة في سلوك النبيr ، لاسيما وهو يمثل الحاكم الأول لدولة المسلمين؛ التي تمخض عنها أعرق حضارة في تاريخ البشرية .. !
ولنتحدث عن أخلاق العدالة والمساواة في شخصية النبيr ..!
فجل الأنظمة الحالية التي تحكم كوكب الأرض تتشدق بقيم العدل، والمساواة بين الناس، وأنى لهذه الأنظمة أن تتطلع لهذه الأخلاق السامقة .. بعدما جعلت من العدالة والمساواة شعارات براقة جوفاء خالية من التطبيق على أرض الواقع .
فإلى هذه الأنظمة هذا النموذج الفذ ..
المطلب الأول : محمد r حاكمًا عادلاً:
يقول برتلي سانت هيلر[4] :
"كان محمد[r] رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي [r] بين ظهرانيها، فكان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة."[5]

كان الرسول r كمعلم ورئيس دولة ورجل سياسي؛ بالغ الحرص على تطبيق المساواة على الجميع، خاصة وقد وضع نفسه على قدم المساواة مع سائر المسلمين، يقول"مولانا محمد علي" :
"وفي إقامة العدالة كان الرسول[r] منصفاً حتى التوسوس . كان المسلمون وغير المسلمين، والأصدقاء والأعداء ، كلهم سواء في نظره . وحتى قبل أن يُبعث إلى الناس كانت أمانته وتجرده واستقامته معروفة لدى الخاص والعام، وكان الناس يرفعون منازعاتهم إليه حتى يحكم فيها . وفي المدينة رضي الوثنيون واليهود به حكماً في منازعاتهم كلها . وعلى الرغم من حقد اليهود العميق الجذور على الإسلام فإن الرسول[r] حكم - عندما عرض عليه ذات مرة نزاع بين يهودي ومسلم - لليهودي بصرف النظر عن أن المسلم قد ينفر بذلك من الإسلام ، بل ربما بصرف النظر عن أن قبيلته كلها قد تنفر بذلك من الإسلام . ولا حاجة بنا إلى تبيان أهمية خسارة كهذه بالنسبة إلى الإسلام في أيام ضعفه ومحنته تلك ، فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى بيان . "[6] .
"ولقد نبه[r] ابنته فاطمة، إلى أن أعمالها وحدها سوف تشفع لها يوم القيامة . وقال أيضاً : " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "[7]. وفيما كان على فراش الاحتضار ، قبيل وفاته بقليل ، سأل كل من له عليه دين أن يتقاضاه ذلك الدين ، ولكل من أساء إليه ذات يوم أن يثأر لنفسه منه"[8].
إن صفة العدالة/ المساواة التي تخّلق بها نبي الإسلام ونظام الإسلام قد دفعت الكثيرين إلى اعتناق الإسلام، فالمساواة والعدالة في الإسلام – كما يقول"جاوبا "[9] –" تختلف عنها في البلشفية التي تعمل على سحق الأغنياء لصالح الفقراء، ولا هي كالمساواة عند النصارى حيث يجلد الرجل الزنجي لا لشيء إلا لأنه وقع بصره على امرأة بيضاء. ويعبد الزنوج ربهم في كنائس خاصة بهم مستقلة عن كنائس البيض. أما في الإسلام فجميع المساجد مفتحة أبوابها لكل مسلم غنيًا كان أم فقيرًا، أسودَ كان أو أبيضَ، ملكًا كان أو عبدًا. وهذه الصفة تقيم صرح وحدة حقيقية راسخة بين المسلمين. ومن أجل ذلك فإن الدين الإسلامي لا يقيم مراسيم خاصة لكل داخل في الإسلام كما تفعل الأديان الأخرى، وإنما حسب المرء أن ينطق بالشهادتين حتى يغدو عضوًا في أعظم أخوة عالمية يتساوى في ظلها الناس جميعًا في الواقع العملي الملموس إلى جانب الناحية النظرية المجردة.. وليس في العالم كله أشمل وأصدق من هذه الأخوة الإسلامي"[10].
المطلب الثاني : العدالة والمساواة في معاملاته اليومية :
كان النبيr يمارس سلوكيات العدالة والمساواة في أدق تفصيل حياته اليومية، مع الغريب والقريب، في السفر والحضر، كمدين وكدائن .. بل نراه إيجابيًا عندما شارك في تأسيس هيئة خيرية تعنى بنصرة المظلوم !
يقول "مولانا محمد علي" :
"وفي معاملات النبي [r] مع الآخرين لم يكن يضع نفسه على مستوى أرفع من غيره البتة. كان يضع نفسه على قدم المساواة مع سائر الناس . وذات يوم، وكان قد احتل في "المدينة" مقاماً أشبه بمقام الملك، وفد عليه يهودي يقتضيه ديناً ما ، وخاطبه في جلافة وخشنونه قائلاً : إن بني هاشم لا يردون أيما مال اقترضوه من شخص آخر . فثارت ثائرة عمر بن الخطاب لوقاحة اليهودي ، ولكن الرسول[r] عنفه ذاهباً إلى أن الواجب كان يقتضي عمرأن ينصح كلاً من المدين والدائن : أن ينصح المدين - الرسول[r] - برد الدين مع الشكر ، وأن ينصح الدائن بالمطالبة به بطريقة أليق . ثم دفع إلى اليهودي حقه وزيادة، فتأثر هذا الأخير تأثراً عظيماً بروح العدل والإنصاف عند الرسول[r] ، ودخل في الإسلام."[11]

"وفي مناسبة أخرى وكان مع أصحابه في أجمة من الآجام ، حان وقت إعداد الطعام ، فمهد إلى كل امرئ في القيام بجانب من العمل، وانصرف هو نفسه إلى جمع الوقود . لقد كان برغم سلطانه الروحي والزمني يؤدي قسطه من العمل مثل رجل عادي . وكان يراعي ، في معاملته خدمه ، مبدأ المساواة نفسه، وقال أنس : " خدمت رسول الله r عشر سنين فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعته لم صنعته ، ولا لشيء تركته لم تركته[12]. " .
ولقد كان رسول الله r من مؤسسي حلف الفضول، الذي ما أُوسس إلا لنصرة المظلوم ونشر العدل بين الناس، فتحرك رسول الله في إيجابية شديدة في دعم وتأييد هذه الحلف، وقال عنه:
" شهدت حلف المطيبين مع عمومتي - و أنا غلام - فما أحب أن لي حمر النعم و أني أنكثه "[13].
وقال : "لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت "[14].

المطلب الثالث: نماذج العدالة في سنته وسيرتهr :
أولاً: تحذيره من استعباد الناس :
لقد رسخ الرسولr قيم العدالة والمساواة في نفوس وزرائه وأتباعه ، فكان يقول ـ محذراً من استعباد الناس ـ : " لا يقولن أحدكم عبدي وأمَتي .. كلكم عباد الله وكل نسائكم إماء الله . ولكن ليقل : غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي . ولا يقل العبد : ربي ولكن ليقل : سيدي "[15]..
ثانيًا: نهيه عن التمييز العنصري :
فيقول : " كلكم بنو آدم و آدم خُلق من تراب. لينتهين قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان "[16].
ولقد عنّف الرسول r أبا ذر t تعنيفاً شديدا ً لما عير بلالاً بأمه ..
فعَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّبِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ -أى كيف تلبس حلة ويلبس خادمك أو صبيك نفس الحلة التى تلبسها؟ - ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ. فَقَالَ لِي النَّبِيُّ r:" يَا أَبَا ذَرٍّ ! أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ ! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ .. إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"[17]
فكأن أبي ذر رفع شعار المساواة بعد هذا التعنيف من رسول الله r، فأصبح أبو ذر يأكل ما يأكل منه خادمه، ويلبس ما يلبس منه خادمه !
ثالثًا: العدل بين الأولاد :
عن النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ
أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ : لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي! فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ "
قَالَ : نَعَمْ .
فَقَالَ: " أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟؟"
قَالَ: لَا
قَالَ : "فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"[18] .
رابعًا: عدله مع غير المسلمين:
1- العدل مع فصيل يهودي:
لقد حدث أن عبدالله بن رواحة t لما بعثه رسول الله r يقدر على أهل خيبر محصولهم من الثمار والزروع لمقاسمتهم إياها مناصفة حسب عهد رسول اللهr بعد فتح خيبر أن حاول اليهود رشوته ليرفق بهم، فقال لهم : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ، ولأنتم والله أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم !!
فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض[19] ..!
لقد كان t قد تخرج في مدرسة الرسول rعلى المنهج الرباني المتفرد القائم على العدل والمساواة .
2- العدل مع رجل يهودي:
أ) رد الحق إلى رجل يهودي :
عن ابنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ
أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ ..
فَقَالَ اليهودي - شاكيًا إلى رسول الله - : يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لِي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَاّ!
فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – آمرًا المسلم بالسداد- : "أَعْطِهِ حَقَّهُ " ..
قَالَ المسلم – معلالاً سبب المماطلة -: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا !
قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مؤكدًا على ضرورة التنفيذ فورًا - : " أَعْطِهِ حَقَّهُ"!.
قَالَ المسلم : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا! قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إِلَى خَيْبَرَ فَأَرْجُو أَنْ تُغْنِمَنَا شَيْئًا فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيهِ..
قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مكررًا الأمر - : "أَعْطِهِ حَقَّهُ" .
قَالَ الرواي : وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إِذَا قَالَ ثَلَاثًا لَمْ يُرَاجَعْ !!!
فَخَرَجَ بِهِ (ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ) إِلَى السُّوقِ، وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ، وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدٍ، فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا، وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ فَقَالَ : اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ الْبُرْدَةَ .
فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ الدَّرَاهِمِ ..
فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ : مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: هَا دُونَكَ هَذَا بِبُرْدٍ عَلَيْهَا ، طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ [20] .
ب) آيات تنزل لتبرأة رجل يهودي :
ولقد أنزل الله نحو خمس آيات في سورة النساء، على رأسها قول الله تعالى :] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا][ النساء : 105]، لتبرأ رجلاً يهوديًا، اتهمه بعض المسلمين ظلمًا !
هذه الآيات تحكي قصة لا تعرف لها الأرض نظيراً ، ولا تعرف لها البشرية شبيهاً . . وتشهد - وحدها - بأن هذا القرآن وهذا الدين لا بد أن يكون من عند الله؛ لأن البشر - مهما ارتفع تصورهم ، ومهما صفت أرواحهم ، ومهما استقامت طبائعهم - لا يمكن أن يرتفعوا - بأنفسهم - إلى هذا المستوى الذي تشير إليه هذه الآيات؛ إلا بوحي من الله . . هذا المستوى الذي يرسم خطا على الأفق لم تصعد إليه البشرية - إلا في ظل هذا المنهج - ولا تملك الصعود إليه أبداً إلا في ظل هذا المنهج كذلك!
إنه في الوقت الذي كان اليهود في المدينة يطلقون كل سهامهم المسمومة ، التي تحويها جعبتهم اللئيمة ، على الإسلام والمسلمين؛ في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون الأكاذيب؛ ويؤلبون المشركين؛ ويشجعون المنافقين ، ويحاولون تفسيخ المجتمع المسلم من الداخل ، في الوقت الذي يؤلبون عليه خصومه ليهاجموه من الخارج . . في هذا الوقت الحرج ، كانت هذه الآيات كلها تتنزل ، على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لتنصف رجلاً يهودياً ، اتهم ظلماً بسرقة؛ ولتدين الذين تآمروا على اتهامه ، وهم بيت من الأنصار في المدينة . والأنصار يومئذ هم عدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجنده ، في مقاومة هذا الكيد الناصب من حوله ، ومن حول الرسالة والدين والعقيدة الجديدة . . . !
أي مستوى هذا من النظافة والعدالة والتسامي! ثم أي كلام يمكن أن يرتفع ليصف هذا المستوى؟ وكل كلام ، وكل تعليق ، وكل تعقيب ، يتهاوى دون هذه القمة السامقة؛ التي لا يبلغها البشر وحدهم . بل لا يعرفها البشر وحدهم. إلا أن يقادوا بمنهج الله ، إلى هذا الأفق العلوي الكريم الوضيء[21] ؟!
فقد كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِن الأنصار يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ ... وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ... فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنْ الشَّامِ فَابْتَاعَ لرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنْ الدَّرْمَكِ فَجَعَلَهُ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ وَفِي الْمَشْرَبَةِ سِلَاحٌ وَدِرْعٌ وَسَيْفٌ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْبَيْتِ فَنُقِبَتْ الْمَشْرَبَةُ وَأُخِذَ الطَّعَامُ وَالسِّلَاحُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رِفَاعَةُ إلى قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّهُ قَدْ عُدِيَ عَلَيْنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ فَنُقِبَتْ مَشْرَبَتُنَا وَذُهِبَ بِطَعَامِنَا وَسِلَاحِنَا. قَالَ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ : فَتَحَسَّسْنَا فِي الدَّارِ وَسَأَلْنَا فَقِيلَ لَنَا : قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَا نَرَى فِيمَا نَرَى إِلَّا عَلَى بَعْضِ طَعَامِكُمْ. فلما أشارت أصابع الاتهام لبَنُي أُبَيْرِقٍ، َقَالَ رِفَاعَةُ إلى قَتَادَةَ – صاحب المال المسروق – لقتادة : يَا ابْنَ أَخِي لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَذَكَرْتَ ذَلِكَ لَهُ ..
قَالَ قَتَادَةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ : إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلَ جَفَاءٍ عَمَدُوا إِلَى عَمِّي رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ فَنَقَبُوا مَشْرَبَةً لَهُ وَأَخَذُوا سِلَاحَهُ وَطَعَامَهُ فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلَاحَنَا فَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " سَآمُرُ فِي ذَلِكَ"..
فَلَمَّا سَمِعَ بَنُو أُبَيْرِقٍ، وخافوا الفضيحة، أَتَوْا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَيْرُ بْنُ عُرْوَةَ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ.
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ عَمَدَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إِسْلَامٍ وَصَلَاحٍ يَرْمُونَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبَتٍ !!
قَالَ قَتَادَةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمْتُهُ .
فَقَالَ : " عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلَامٌ وَصَلَاحٌ تَرْمِهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْرِ ثَبَتٍ وَلَا بَيِّنَةٍ !" .
قَالَ قتادة : فَرَجَعْتُ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ مَالِي وَلَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ .فَأَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا صَنَعْتَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ[22]..
وفي رواية : لما رأى السارق ذلك عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي ( اسمه زيد ابن السمين )[23]
وما لبث أن اتهم الناسُ هذا الرجل البريء – وإن كان من غير المسلمين - بسرقة هذا الدرع..

فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ :
] إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا[ [24]
خامسًا: الكل سواء أمام القانون :
فعن عائشة رضي الله عنها:
أن قريشًا، أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت .. فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله r؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة ابن زيد حب رسول الله r فكلمه أسامة ..فقال رسول الله r : " أتشفع في حد من حدود الله ؟ ! " . ثم قام فاختطب. ثم قال : " إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .. وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ! "[25]
سادسًا: عدله بين فصائل الدولة :
1- عدله بين قريظة والنضير في مسألة الديات:
و ما أروع عدله ! حتى بين غير المسلمين وبعضهم، فقد تحاكم إليه يهود قريظة والنضير، في مسألة تتعلق بالديات، فقد كانت بنو النضير أعز من بني قريظة، فكانت تفرض عليهم دية مضاعفة لقتلاها، فلما ظهر الإسلام في المدينة امتنعت بنو قريظة عن دفع الضعف، وطالبت بالمساواة في الدية، وتحاكمت إليه نبي الرحمة، فعدل بينهما[26]، ونزلت الآية: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [المائدة: 45][27].
فعن ابن عباس قال:
لما نزلت هذه الآية (فإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [المائدة42]، قال : "كان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة، فسوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم"[28] .
وفي رواية :
"فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة، فودي بمائة وسق من تمر ! فلما بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل رجلٌ من النضير رجلا من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله ، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت"[29] الآية، وحكم بينهم بالعدل ..
2- عدله بين الفصائل في مسألة الري وتوزيع المياه :
فقد اتاه أهل مهزور من قريظة، يتحاكمون إليه في مشكلة تتعلق بالمياة والري، فحكم بينهم ..
عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع ... أن رجلاً من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في [ سيل ]مهزور[30] يعني السيل الذي يقتسمون ماءه، فقضى بينهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل[31]
وفي رواية : قال ثعلبة بن أبي مالك :
"قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في سيل مهزور، الأعلى فوق الأسفل . يسقي الأعلى إلى الكعبين ثم يرسل إلى من هو أسفل منه"[32] .
ومذينب ومهزور واديان بالمدينة معروفان يستويان يسيلان بالمطر ويتنافس أهل المدينة في سيلهما فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سيلهما أنه للأعلى فأعلى والأقرب إلى السيل، فالأقرب يمسك الأعلى جميع الماء حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله إلى من تحته ممن يليه[33]
سابعًا: مبادىء المساواة والعدالة في خطبة الوداع:
هذا، وتعد خطبة الوداع دستوراً عظيما في إقامة العدالة والمساواة في ربوع العالم .. ويعلق هربرت جورج ولز[34] على هذه الخطبة بقوله :
" حجّ محمد [r] حجة الوداع [في ذي الحجة 10هـ/ مارس632 م] من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم"[35].
إن دروس العدالة والمساواة في سيرة النبي r ودولته ونظامه، جلية بينة لكل ذي بال ، وهي تمثل مظهر من مظاهر رحمته r للبشر، بيد أن الخرص كثيراً ما يصيب طائفة من الحاقدين والحانقين على سيرة محمد r؛ فيغضون الطرف عن هذه القيم الزاهية في سيرة النبي r ..
المطلب الرابع : الناس سواء كأسنان المشط:
يقول رسول الله r، في جملة مشهورة للقاصي والداني:
" الناس كأسنان المشط "[36] ..
ويشرح المستشرق والمؤرخ بودلي هذه العبارة البليغة قائلاً:
أي" ليس هناك أي عائق لوني للمسلم فلا يهم أكان المؤمن أبيض أو أسود أو أصفر، فالجميع يعاملون على قدم المساواة"[37].
ويتعرض توماس كارلايل لهذه القيمة في إعجاب شديد فيقول :

"في الإسلام خلّة أراها من أشرف الخلال وأجلّها وهي التسوية بين الناس. وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأي. فنفس المؤمن راجحة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء. "[38]!
و تأسيساً على مبدأ الأخوة الإنسانية بين الأجناس والشعوب، حقق نبينا محمد r واقعياً عملية توحيد مختلف الأجناس في ظل المساواة والعدل الإسلاميين ، يقول "برج"مؤكداً :
"إنه ليس هناك من مجتمع آخر سجل له التاريخ من النجاح كما سجل للإسلام في توحيد الأجناس الإنسانية المختلفة ، مع التسوية بينها في المكانة والعمل وتهيئة الفرص للنجاح في هذه الحياة"[39].

فلقد ساوى الإسلام بين الناس في إيجاب العبادات وتحريم المحرمات ، وكما ساوى بينهم في الفضل والثواب بحسب أعمالهم] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] [النحل : الآية 97 ] .
وساوى بينهم في كل حق ديني ودنيوي ، ولم يجعل لأحد منهم ميزة في مال أو لون أو عرق أوحسب أو نسب ، إنما الميزة والتفضيل بالصلاح القلبي والتقوى : فقال الله تعالى: ] يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [‏‏[ الحجرات : 13 ]
وهذا مظهر من مظاهر رحمة النبي r.. فلم تكن العدالة والمساواة في اعتبارات زعماء العرب أو في أسلوب حكمهم للعرب، قبل بعثة الرسول r، فقد كان قبل عهده r، الإسترقاق على أشده، والتمييز العنصري في ذروته .. حتى أكرم اللهُ العرب برسالة محمد r
ولقد كان رسول الله r حريصاً على تربية أصحابه تربية عملية، بغرس قيم العدالة والمساواة في نفوس أصحابه ..فتخرج من مدرسة محمد r رجال؛ ملئو الأرض عدلاً ورحمة كما ملئت ظلماً وجوراً .. من هؤلاء الرجال عمر بن الخطاب صاحب المقولة الشهيرة : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ".ولقد ضرب المسلمون الأوائل في فتوحاتهم أروع الأمثلة في تحقيق العدل والمساواة بين الشعوب، حتى قال جوستاف لوبون - في إعجاب وتقدير - : " ما عرف التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب"[40] .


المبحث الرابع
الحب والإخاء
المطلب الأول : الأُخوة مكان العصبية :
يقول آتيين دينيه:
"لقد دعا عيسى [عليه السلام] إلى المساواة والأخوة، أما محمد [r] فوفق إلى تحقيق المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته"[41].
فليس من الطبيعي ـ في اعتقاد رسول الله r ـ أن يعيش الناس على هذه الأرض في شقاق و تمزق وتفرق، و قد أوجدهم الخالق سبحانه من أصل واحد، خلقهم جميعًا من آدم، أبيضهم وأسودهم، شرقيهم وغربيهم، عربيهم وعجميهم، غنيهم و فقيرهم ، بل إن أشد ما يتنافى مع الفطرة، ويتعارض مع العقل، أن يوحد الله عباده في الخَلق والمنشأ، ثم يتفرقون في المرجع والمصير. ولأجل هذا اتخذ الإسلام كل أساس وقاعدة تحمي هذا الكيان من الانشقاق والتصدع، وتمكنه من أداء مهمته على الوجه الأمثل ومن بين تلك القواعد : الإخاء.. الذي يمحو أمامه جميع الفوارق بين أفراد هذا الكيان ،و امتيازاتهم من نسب أو جاه أو مال ..
ويتحدث المفكر "وليم موير " عن هذا المبدأ الكبير في الإسلام – مبدأ الإخاء - ، فيقول :
"ومن عقيدة الإسلام أن الإنسان أخو الإنسان "[42] .
ويبين المفكر الكبير "برج " :" أن مبدأ الإخاء الإنساني هو أساس فلسفة الأخلاق الاجتماعية في الإسلام "[43] .
ويشير "فيليب حتي" إلى " أن إقامة الأخوة في الإسلام مكان العصبية الجاهلية (القائمة على الدم والقرابة) للبناء الاجتماعي كان - في الحقيقة - عملاً جريئًا جديدًا؛ قام به النبي العربي [r].."[44].
إن النبي r أسس الدولة الإسلامية الأولى، على قاعدة الإخاء الإسلامى ما بين الأوس والخزرج والمكيين المهاجرين، وأسس الدستور المدني الإسلامي الذي نظم العلاقات ما بين قوى الشعب، ونجح هذا الدستور في تحقيق التعايش والإخاء بين المسلمين وبعضهم، وبين المسلمين وغيرهم، وتطورت جوانب هذا التعايش مع قيام الدولة الإسلامية التي ضمت شعوباً وأُمماً مختلفة، حققت بينها الانسجام والإخوة بين أبناء الوطن الواحد، بعيداً عن العصبية العرقية أو التعصب الديني .

ومن أجل تحقيق الحب والإخاء بين فصائل الشعوب، اعترف الإسلام بصدق الرسالات السماوية السابقة .. يقول مارسيل بوازار[45]– في ذلك -:
" وقد فتح الإسلام الباب للتعايش على الصعيد الاجتماعي والعرقي حين اعترف بصدق الرسالات الإلهية المنزلة من قبل على بعض الشعوب ، وجعل المسلمين منحدرين من نسل مشترك مع اليهود والنصارى عبر إبراهيم ...) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ([46] .. "[47].
المطلب الثاني : لماذا نجح النبي r في تحقيق الحب والإخاء ؟
يبين توماس آرنولد أن السبب في نجاح النبي r في نشر قيم الحب والإخاء سواء بين الشعوب الإسلامية والقبائل والعشائر المختلفة، هو حسن الخلق والمعاملة الحسنة والجاذبية التي كان يتمتع بها رسول الله r، فيقول آرنولد:
".. إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من النبي [r] واهتمامه بالنظر في شكاياتهم، والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم، والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع من الأرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب الإسلام وإظهار العطف على المسلمين، كل ذلك جعل اسمه[r] مألوفًا لديهم، كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه الجزيرة.. سيدًا عظيمًا ورجلاً كريمًا. وكثيرًا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على النبي [r] بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعيًا إلى الإسلام جادًا في تحويل إخوانه إليه.."[48].
ولعل الفيلسوف إدوار مونته – هو الآخر - يبين السبب الأساس في قدرة النبي الكريم r في نشر الحب والإخاء بين الناس، و هو ما عرف عن رسول الله r " بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد[r] أزكى وأدين وأرحم عرب عصره، وأشدهم حفاظاً على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم"[49].
وكلها عوامل وأسباب أدت إلى نجاح محمد r في تحقيق الحب والإخاء بين فصائل وطوائف العرب .
وكان لمبادىء الحب والإخاء في الإسلام وأثرها على باقي الشعوب، في الشرق والغرب، أن حفرت عمقاً عميقاً في وجدانها.. تلك النزعة الإنسانية الخيرة ( الحب / الإخاء) التي ترفض التقسيم العرقي أو الطبقي.
ويتحدث "جواهر لال نهرو"[50] ، عن هذا الجانب، ممثلاً بنموذج الهند، فيقول :
" إن نظرية الأخوة الإسلامية ... التي كان المسلمون يؤمنون بها، ويعيشون فيها، أثرت في أذهان الهندوس تأثيرا عميقاً . وكان أكثر خضوعاً لهذا التأثير البؤساء الذين حَرَّم عليهم المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق الإنسانية "[51] .
المطلب الثالث : نماذج تعاليمه r :
لقد جعل النبيr من الحب والإخاء في الإسلام عبادة رفيعة يُتقرب بها إلى الله تعالى، ويُستظل بها في ظل عرش الله يوم القيامة .. ومن جملة أحاديثه r في ذلك :
أولاً : المسلمون المتآخون المتحابون كالجسد الواحد :
روى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عن رسول الله r أنه قال :
" مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[52].
ثانيًا: المسلمون المتآخون المتحابون كرجل واحد :
قال النبي r : " الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ"[53].
ثالثًا: المسلمون المتآخون المتحابون في ظلال الله :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي ؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي ."[54] .
رابعًا: المسلمون المتآخون المتحابون وجبة لهم محبة الله :
عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله r يقول :
" قال الله تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين فيّ"[55].
خامسًا: المسلمون المتآخون المتحابون يغبطهم الأنبياء والشهداء :
قال النبي r " يقول الله تعالى : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"[56].
وعن أبي الدرداء t قال : قال رسول الله r" ليبعثن الله أقوامًا يوم القيامة في وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ". قال : فجثا أعرابي على ركبتيه، فقال : يا رسول الله حلهم لنا نعرفهم ! قال : " هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه "[57].
هكذا رسّخ رسول الله r قيم الحب والإخاء بين شعبه، ورسخها r عملياً، فيرغبهم في الحب والإخاء وثوابهما، ويرهبهم من التباغض والشقاق وعواقبهما في الدنيا والآخرة .
إن هذا مظهر من مظاهر رحمة النبي r ، فلقد نجح النبيr في تحقيق الأخوة والحب بين الشعب، حتى أصبح أبناء الدولة في عهده كالجسد الواحد أوكالرجل الواحد ..

المبحث الخامس
سماحته في المعاملات المالية
من مظاهر رحمتهr، سماحته وسهولته في المعاملات المالية ، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنات، و تجنب إرهاق الناس بالمطالبة أو المماطلة ..وكان يحث على إنظار المعسر والرفق به، والتساهل في المعاوضات المالية، والمشاركة في سداد الديون عن المدينين، والكرم والعطاء بين المتعاقدين.
المطلب الأول : حثه على السماحة في المعاملات المالية :
أولاً: في البيع والشراء والقضاء :
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا[58] إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى"[59] ..
وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: "غفر الله لرجل كان قبلكم، كان سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى"[60].
وعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ t قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :"الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"[61].
ثانيًا: التيسير على المعسر :
عن أبي هريرة t أن رسول الله rقال: "كان الرجلُ يُداينُ الناس، فكان يقولُ لفتاهُ: إذا أتيتَ مُعسِراً فتجاوَز عنه، لعلَّ اللهَ أن يَتجاوَز عنا .. فلَقِيَ اللهَ فَتجاوَزَ عنه"[62].
المطلب الثاني : نماذج سماحته في المعاملات المالية :
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَعْرَابِ جَزُورًا أَوْ جَزَائِرَ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ - وَتَمْرُ الذَّخِرَةِ الْعَجْوَةُ - فَرَجَعَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى بَيْتِهِ وَالْتَمَسَ لَهُ التَّمْرَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r ..
فَقَالَ: " لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُورًا - أَوْ جَزَائِرَ- بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخْرَةِ، فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ !" ..
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَا غَدْرَاهُ !!
قَالَتْ : فَنَهَمَهُ النَّاسُ. وَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ ! أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ r ؟ !
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : "دَعُوهُ ! فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا " .
ثُمَّ عَادَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ: " يَا عَبْدَ اللَّه .. إِنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزَائِرَكَ وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ عِنْدَنَا مَا سَمَّيْنَا لَكَ فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ " ..
فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَا غَدْرَاهُ .. ! فَنَهَمَهُ النَّاسُ وَقَالُوا : قَاتَلَكَ اللَّهُ ! أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ ..؟ !
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " دَعُوهُ ! فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا" .. فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا .
فَلَمَّا رَآهُ لَا يَفْقَهُ عَنْهُ؛ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ : " اذْهَبْ إِلَى خُوَيْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقُلْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَقُولُ لَكِ إِنْ كَانَ عِنْدَكِ وَسْقٌ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ؛ فَأَسْلِفِينَاهُ حَتَّى نُؤَدِّيَهُ إِلَيْكِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ..
فَذَهَبَ إِلَيْهَا الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ فَقَالَ: قَالَتْ : نَعَمْ هُوَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلرَّجُلِ : "اذْهَبْ بِهِ فَأَوْفِهِ الَّذِي لَهُ" .
فَذَهَبَ بِهِ فَأَوْفَاهُ الَّذِي لَهُ ..
قَالَتْ عائشة : فَمَرَّ الْأَعْرَابِيُّ بِرَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَوْفَيْتَ وَأَطْيَبْتَ.
قَالَتْ عائشة : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ"[63].








الفصل الرابع
رحمته للعالمين في مجال التشريع

المبحث الأول : المرونة والتجديد
المبحث الثاني : الوسطية والاعتدال
المبحث الثالث : التيسير
المبحث الرابع : الرخص الشرعية
المبحث الخامس : التدرج التشريعي













المبحث الأول
المرونة والتجديد
المطلب الأول – شهادة علماء الغرب
من مظاهر الرحمة في شخصية النبيr في ميدان التشريع، أن أحكامه الشرعية تتسم بالمرونة، وقابلية تشريعاته للتجديد[64]، والتمشي مع مقتضيات العصر والحاجات والمسائل المستجدة، رحمة بالناس ..
فتعاليم نبينا محمد r بسيطة وسهلة ومرنة .. وهي تتسم بالتطور الخصب[65] كما يقول توماس آرنولد، "وإن بساطة هذه التعاليم ووضوحها لهي على وجه التحقيق؛ من أظهر القوى الفعالة في الدين وفي نشاط الدعوة إلى الإسلام.."[66] ..

ويقول الدكتور "إيزيكو انسابا توحين" أحد علماء القانون:
" إن الإسلام يتمشى مع مقتضيات الحاجات الظاهرة فهو يستطيع أن يتطور دون أن يتضاءل خلال القرون ، ويبقى محتفظاً بكل ما لديه من قوة الحياة والمرونة . فهو الذي أعطا العالم أرسخ الشرائع ثباتاً، وشريعته تفوق كثيرًا الشرائع الأوربية"[67] .
فالتشريع الإسلامي بعيد عن الجمود رغم تخرصات الكثير من الحاقدين..وتحمل ذاتيته قوة التجدد لما يمتلكه من مرونة في استيعاب التحولات الاجتماعية ، فقد ثبتت مكانته العالية ورفعة شأنه .
ومن هنا ظهر الإسلام في مرحلتنا المعاصرة كشريعة عالمية إنسانية، وكحل أمثل من الحلول المشتركة التي تطرحها فكرة مستقبل الإنسان والمجتمع ..
ويقول "دافيد دي سانتيلانا" :
"لما كان الشرع الإسلامي يستهدف منفعة المجموع، فهو بجوهره شريعة تطورية غير جامدة خلافًا لشريعاتنا[68] من بعض الوجوه. ثم إنها علم ما دامت تعتمد على المنطق الجدلي.. وتستند إلى اللغة.. إنها ليست جامدة، ولا تستند إلى مجرد العرف والعادة، ومدارسها الفقهية العظيمة تتفق كلها على هذا الرأي. فيقول أتباع المذهب الحنفي أن القاعدة القانونية ليست بالشيء الجامد الذي لا يقبل التغيير. إنها لا تشبه قواعد النحو والمنطق. ففيها يتمثل كل ما يحدث في المجتمع بصورة عامة.."[69]

المطلب الثاني: الشريعة الإسلامية : ثوابت و متغيرات :
الثابت والمتغير، المطلق والنسبي، بُعدان أساسيان في خلود الرسالة الإسلامية وخاتميتها، وصلاحيتها ورفقها بالمكلفين.
و لما كانت الشريعة الإسلامية شريعة البشرية من يوم أرسل الله بها النبي r إلى يوم يرث الله الأرض ومن عليها، كان لابد لها ـ لتتضمن وتؤمن مصالح البشر دائماً ـ من أن تكون نصوصها مرنة تحتمل كل تطور الأزمنة وتبدل العصور وتواكب الجديد [70].
إن هذه الشريعة بما فيها من مرونة وشمول، استجابت لمطالب حياة البادية، كما استجابت فيما بعد لحياة الدولة الناشئة في عهد النبي r ، المتوسعة في عهد عمر t. ثم ظلت تستجيب لحياة الحضارة فيما بعد[71].
و الحق، أن المبدأين كليهما من الثبات والتغير يعملان معاً، في الكون والحياة ، كما هو مشاهد و ملموس .. فلا عجب أن تأتي شريعة الإسلام، ملائمة لفطرة الإنسان و فطرة الوجود ، جامعة بين عنصر الثبات و عنصر المرونة .. وبهذه المزية يستطيع المجتمع المسلم أن يستمر و يرتقي؛ ثابتاً على أصوله و قيمه وغاياته، متطوراً في معارفه و أساليبه وأدواته. فبالثبات، يستعصي هذا المجتمع على عوامل الانهيار والفناء، أو الذوبان في المجتمعات الأخرى ، أو التفكك إلى عدة مجتمعات ، تتناقض في الحقيقة و إن ظلت داخل مجتمع و احد في الصورة .. بالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة و تبنى المعاملات والعلاقات على دعائم مكينة ، وأسس راسخة، لا تعصف بها الأهواء والتقلبات السياسية والاجتماعية ما بين يوم و آخر ... وبالمرونة ، يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه وعلاقاته حسب تغير الزمن، وتغير أوضاع الحياة ، دون أن يفقد خصائصه و مقوماته الذاتية[72]..
وإن المبدأين كليهما ( الثبات و التغير ) يعبران عما هو أكثر من سمة من سمات هذا الدين؛ إنهما يعبران عن مكونات هذه الشريعة .. فأحكام الشريعة نجدها تنقسم إلى قسمين أساسيين : قسم يمثل الثبات و الخلود، و قسم يمثل المرونة و التطور .. ولكن ما هو مجال الثبات ومجال المرونة في شريعة الإسلام ؟ و ما دلائل ذلك .. نبين ذلك في المطلب التالي.
المطلب الثالث : في مجال الثابت و مجال المتغير :
يقول ابن القيم ـ يرحمه الله ـ :
" الأحكام نوعان : نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة و لا الأمكنة ، و لا اجتهاد الأئمة ، كوجوب الواجبات ، و تحريم المحرمات ، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ، و نحو ذلك ، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ، و لا اجتهاد يخالف ما وُضع عليه . و النوع الثاني : ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً و مكاناً و حالاً ، كمقادير التعزيرات .. "[73].
ويبين الدكتور يوسف القرضاوي مجال الثابت و مجال المرن في شريعة الإسلام على نحو أشمل فيقول: " .. إنه الثبات على الأهداف و الغايات، والمرونة في الوسائل و الأساليب.. الثبات على الأصول و الكليات، والمرونة في الفروع والجزئيات.. الثبات على القيم الدينية و الأخلاقية، والمرونة في الشئون الدنيوية و العملية"[74].
وإن للثبات والمرونة مظاهر و دلائل شتى، نجدها في مصادر الإسلام وشريعته وتاريخه..يتجلى هذا الثبات في المصادر الأصلية النصية القطعية للتشريع من كتاب الله، وسنة رسوله r، فالقرآن هو الأصل والدستور، والسنة هي الشرح النظري، والبيان العملي للقرآن ، وكلاهما مصدر إلهي معصوم ، لا يسع مسلماً أن يعرض عنه ..وتتجلى المرونة في المصادر الاجتهادية التي اختلف فقهاء الأمة في مدى الاحتجاج بها ما بين موسع ومضيق ، ومقل ومكثر، مثل الإجماع، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، و أقوال الصحابة، وشرع من قبلنا، وغير ذلك من مآخذ الاجتهاد، و طرائق الاستنباط [75].

وهكذا، يتضح مدى سعة المساحة المفتوحة للجانب المرن القابل للتجديد، ومدى ضخامة باب الاجتهاد. وأن الثابت الذي لا اجتهاد فيه، يمثل الجانب الأقل من حيث حجم التكاليف والأحكام المنصوص عليها .. وبعد ذلك يجد المجتهد نفسه أمام مساحات شاسعة ترحب بكل تجديد واجتهاد يتفق وأصول الشرع .. مثل تلك المساحة التي يسميها الفقهاء " منطقة الفراغ التشريعي " إلى جانب النصوص المتشابهات ..
المطلب الرابع : منطقة الفراغ التشريعي والنصوص المحتملة:
أولاً : منطقة الفراغ التشريعي :
هذه المساحة الكبيرة التي يسميها علماء الشريعة الإسلامية: " منطقة الفراغ التشريعي "، أو " العفو " ..! تلك المنطقة التي تركتها النصوص – قصداً- لاجتهاد أولي العلم وأولي الأمر والرأي ، وأهل الحل و العقد في الأمة .. يكشف الهدي النبوي عن هذه المساحة في بعض الأحاديث الشريفة .. و منها قول النبي r:
" ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، و ما سكت عنه فهو عفو ! فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً . و تلا : ] وَمَاكَانَرَبُّكَنَسِيًّا [‏‏[76].."[77]
وقول النبي r: " إن الله حد حدوداً فلا تعتدوها ، و فرض فرائض فلا تضيعوها، و حرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم ؛ من غير نسيان فلا تبحثوا عنها"[78] .

فالحدود التي قدرها الشرع ؛ لا يجوز اعتداؤها .. مثل تحديد نصاب الزكاة، و مقدار الواجب منها ، و تحديد أنصبة الورثة في تركة الميت،.. ومثل ذلك الفرائض التي أوجبها الله كالعبادات الأربع التي هي أركان الإسلام، ومبانيه العظام ، و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و بر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والإحسان إلى الجار، وأداء الأمانات، والحكم بالعدل وغيرها .. فلا يجوز لأحد أن يسقط أو يلغي شيئًا من هذه الفرائض، أو يتساهل فيها ، ففرضيتها ثابتة في شريعة الإسلام ، لا تقبل نسخاً و لا تجميداً و لا تطويراً و لاتعديلاً، ولا يجوز أن تضيع في مجتمع مسلم .. و كذلك المحرمات اليقينية، مثل : الشرك، و القتل، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، و الزنا و شرب الخمر، والسرقة، وأكل المال العام، و شهادة الزور، ونحوها.. فهذه كلها ثابتة لا تلين للعصور ، و لا يُتهاون فيها يوماً، فيفتي بحلها مجتهد، أو يرخص فيها حاكم[79].
فما عدا هذه الحدود و الفرائض و المحرمات المنصوص عليها ، فهي ـ كما سمها الهدي النبوي ـ : " مسكوت عنها " رحمة بالبشر ..
ويكلف الشرعُ علماء المسلمين أن يستغلوا هذه النعمة العظمى من المشرع – سبحانه وتعالى - ؛ فعليهم أن يملئوا هذا الفراغ التشريعي بكل جديد ونافع يتفق مع مقاصد الشريعة الغراء !

وذلك من خلال طرائق ومسالك عديدة أقرها الشرع؛ مثل القياس بقيوده و شروطه.. و الاستحسان،.. والاستصلاح أو اعتبار المصلحة المرسلة ؛ و هي التي لم يجيء نص خاص من الشارع ـ الحكيم ـ باعتبارها و لا بإلغائها .. و هناك اعتبار العرف بقيوده وشروطه ..
ثانيًا: المتشابهات:
فيما يتعلق بمنطقة النصوص المتشابهات، التي اقتضت حكمة الشارع أن تجعله هكذا محتملات، تتسع لأكثر من فهم، و أكثر من رأي ، ما بين موسع و مضيق ، و ما بين قياسي و ظاهري ، و ما بين متشدد و مترخص، و ما بين واقعي و مفترض . و في كل هذا رحمة، وفسحة لمن أراد الموازنة و الترجيح ، و أخذ أقرب الآراء إلى الصواب، وأولاها بتحقيق مقاصد الشريعة، فقد يصلح رأي أو مذهب لزمن و لا يصلح لآخر ، أو يصلح لبيئة ولا يصلح لأخرى ، أو يصلح لحال و لا يصلح لغيره[80] .
و بذلك يمكننا أخذ ما نراه أقرب إلى مقاصد الشرع الحنيف بالنظر إلى ظروف المجتمعات العصرية المتسارعة في التغير و التطوير.. إذاً شاء الله أن يكون من مصادر هذا الدين النص القطعي الراسخ الذي لا يقبل التجديد ..كما شاء – سبحانه – أن يكون بجوارها المصادر الاجتهادية التجديدية.. و الأدلة الظنية .. لتتسع دائرة النظر والترجيح.
المطلب الخامس : ***** الثابت و تجديد المرن:
هذا و***** الثابت في الشرع والحفاظ عليه واجب من الواحبات، تماماً كما التجديد والاجتهاد في المرن مأمور به ! وسوف نتناول الثابت وحفظه ، و المرن و تجديده ؛ من خلال ثلة من الأمثلة المتنوعة من سنة النبيr :
أولاً: يتمثل الثبات في رفضه r التهاون أو التنازل في كل ما يتصل بتبليغ الوحي أو يتعلق بكليات الدين، و قيمه، وأسسه العقائدية والأخلاقية .. ومهما حاول المحاولون أن يُثنوا عنانه عن شيء من ذلك بالمساومات أو التهديدات، أو غير ذلك من أنواع التأثير على النفس البشرية ، فموقفه هو الرفض الحاسم ، الذي علمه إياه القرآن في مواقف شتى .. فحين عرض عليه المشركون أن يلتقوا في منتصف الطريق ، فيقبل شيئاً من عبادتهم ويقبلوا شيئاً من عبادته ؛ أن يعبد آلهتهم مدة ، و يعبدوا إلهه مدة ! كان الجواب الحاسم ؛ من رسول الله rيحمله الوحي الصادق ، في سورة قطعت كل المساومات و حسمت كل المفاوضات، و هي قوله تعالى : ]قُلْ يَأَيّهَا الْكَافِرُونَ (1) لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ(3)وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مّا عَبَدتّمْ (4) وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ(5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[[ سورة الكافرون] .
و هكذا تعلم r من وحي الله : أن لا تنازل و لا تساهل في أمور العقيدة و ما يتصل بها. وفي مقابل ذلك ؛ نجد مرونة واسعة في مواقف السياسة والتخطيط و مواجهة الأعداء ؛ بما يتطلبه الموقف المعين ، من حركة ووعي و تقدير لكل الجوانب والملابسات ، دون تزمت أو جمود.. نجده في معركة الأحزاب( شوال 5 هـ\ مارس627م) .. مثلاً يأخذ برأي "سلمان الفارسي " t في حفر الخندق حول المدينة ، و يشاور بعض رؤساء الأنصار في إمكان إعطاء غطفان جزءاً من ثمار المدينة ، ليردهم و يفرقهم عن حلفائهم ، كسباً للوقت إلى أن يتغير الموقف .. و يقول لـ "نعيم بن مسعود الأشجعي" – وقد أسلم و أراد الانضمام إلى المسلمين - : " إنما أنت رجل واحد ، فخذل عنا ما استطعت"[81].. فيقوم الرجل بدور له شأنه في التفريق بين تحالف القبائل المحاربة للدولة الإسلامية ..وفي يوم الحديبية (في ذي القعدة 6هـمارس628 م) تتجلى المرونة النبوية بأروع صورها ..تتجلى في قوله في ذلك اليوم : " و الله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها"[82]. و في قبوله r أن يكتب في عقد الصلح : " باسمك اللهم " بدل : " بسم الله الرحمن الرحيم "[83].. وهي تسمية رفضتها قريش ..! و في قبوله من الشروط ما في ظاهره إجحاف بالمسلمين ، و إن كان عاقبته الخير .. كل الخير ..

[1] صحيح – رواه البخاري، كتاب المغازي رقم 4328.

[2] صحيح – رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم، عن ابن مسعود، حديث 1062.

[3] رواه أبو الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي (170)، وانظر: محمد بن نصر المروزي: تعظيم قدر الصلاة (861) . ولم أقف على سنده . ولم أسأل عنه .

[4] العلامة برتلي سانت هيلر ( 1793 ـ 1884 ) مستشرق ألماني ولد في درسدن.

[5] برتلي سانت هيلر : الشرقيون وعقائدهم، ص 39.

[6] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته، ص 270 وما بعدها

[7] صحيح – رواه البخاري برقم (3216) ومسلم، برقم(3196).

[8] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته، ص 270 وما بعدها

[9] ك . ل . جاوبا : هندوكي مثقف، ومحامي كبير بالمحاكم العليا، درس الإسلام، ولم يرض أن يظل على دينه الذي ورثه عن آبائه وأجداده، وأخذ يقارن بين الأديان، وانتهى الأمر به إلى اعتناق الإسلام.

[10] انظر: عرفات كامل العشي : رجال ونساء أسلموا ، 3 / 83 – 84 .

[11] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، 260

[12] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، 261

[13] صحيح - رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 567 ) و ابن حبان ( 2062).

[14] صحيح - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 367)، وصححه الألباني في تحقيق كتاب فقه السيرة، ص 67.

[15] صحيح - رواه مسلم وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح ، ج 3 / ص 31

[16] صحيح – صححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير ،ج 18 / ص 344

[17] صحيح – رواه البخاري، برقم ( 29)

[18] صحيح- رواه البخاري (2456) و مسلم - (3056)، واللفظ لمسلم

[19] ابن القيم : زاد المعاد، ج 2، ص 11.

[20] صحيح - رواه أحمد(14942) ، وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة 2108

[21] انظر: سيد قطب: في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 231)

[22] حسن – رواه الترمذي، رقم 2962، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الأنصاري ، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي .

[23]وهذه الرواية التي ذُكر فيها اليهودي ، رواية ضعيفة، انظر: تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 405)، وقد رواه الطبري في تفسيره (9/183) وإسناده مسلسل بالضعفاء.

[24] حسن – رواه الترمذي، رقم 2962، عَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الأنصاري ، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي .

[25] صحيح – رواه البخاري برقم 3288، و أخرجه مسلم في الحدود باب قطع السارق الشريف وغيره رقم 1688

[26] أكرم ضياء العمري: السيرة النبوية الصحيحة 1/291

[27] علي محمد الصلابي : السيرة النبوية 1/331

[28] حسن – رواه أبو داود (3591 ) والنسائي ( 4733 ) ، ( 4411 ) ، وقال الألباني – في صحيح وضعيف سنن أبي داود -: حسن صحيح الإسناد .

[29] صحيح – رواه ابو داود (4494)، والنسائي ( 4732 - 4733 )، ( 4410 – 4411)، وأحمد (3434)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود . وقال شعيب الأرنؤوط : حسن.

[30] سيل مهزور : اسم واد لبني قريظة بالحجاز

[31] صحيح – رواه ابن ماجه (2481)، وأبو دواد(3638) ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود

[32] صحيح - رواه ابن ماجه (2481)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه.

[33] ابن عبد البر : الاستذكار، ج 7 / ص 189

[34] هربرت جورج ولز (1866 – 1946) الكاتب البريطاني المعروف.. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي وله كتابات في التاريخ ، مثل (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ العالم). وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته) .

[35] هربرت جورج ولز : معالم تاريخ الإنسانية ، 3 /640 ، 641.

[36] مسند الشهاب القضاعي عن أنس بن مالك، برقم 186، أي متساوون في الأحكام، لا يفضل شريف لشرفه على وضيع، كأسنان المشط متساوية لا فضل لسن منها على أخرى ( العزلة للخطابي ص 144).

[37] انظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام ص 137.

[38] توماس كارلايل : الأبطال ، ص 65

[39] توماس كارلايل : الأبطال ، ص 65

[40] جوستاف لوبون :حضارة العرب، ص 40

[41] آتيين دينيه: محمد رسول الله ، ص 323.

[42] وليم موير : حياة محمد، 80.

[43] انظر: أحمد أمين : التكامل في الإسلام ، ج 2، ص 101.

[44] فيليب حتى : الإسلام منهج حياة ، ص 19 ، 20.

[45] مفكر وقانونى فرنسى ، وله كتابات مشهورة عن الإسلام، أهمها : " إنسانية الإسلام"، و الإسلام اليوم". ويعد كتابه الشهير " إنسانية الإسلام"، علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام، بما تميز به من موضوعية، وعمق، وحرص على اعتماد المراجع التي لا يأسرها التحيز والهوى، وريادته في تناول الجانب الأخلاقي في الإسلام.

[46] سورة الحجرات: الآية13 ، والاستشهاد بالآية من قبل مارسيل بوزار.

[47] مارسيل بوزار : إنسانية الإسلام ، 184-185.

[48] توماس آرنولد : الدعوة إلى الإسلام ص 55 .

[49] كلمة للفيلسوف الفرنسي إدوار مونته الذي ولد في بلدته لوكادا( 1817 ـ 1894 )، وقال هذه الكلمة في آخر كتابه (العرب).

[50] زعيم الهند الراحل ، وباني نهضتها الحديثة.

[51] انظر : محمد شريف الشيباني : الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، ص 192

[52] صحيح – رواه مسلم، برقم 4685.

[53] صحيح – رواه مسلم، برقم 4686

[54] صحيح – رواه مسلم، برقم 4655، ورواه مالك في الموطأ، برقم 1500

[55] صحيح - رواه مالك، برقم 1503، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم 5011.

[56] صحيح – رواه الترمذي، برقم 2312، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم 5011.

[57] صحيح - رواه الطبراني بإسناد حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 1509

[58] كريماً متساهلاً يوافق على ما طُلب منه.

[59] أي إذا طلب حقه

[60] صحيح – رواه البخاري في البيوع، بَاب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ رقم 1934

[61] صحيح- رواه البخاري 1937

[62] متفق عليه- البخاري برقم 1936


[63] صحيح - رواه أحمد، برقم 25108، وعبد الرزاق، برقم 15358، وهو في السلسلة الصحيحة برقم 2677

[64] للباحث : دراسة تحت عنوان : التجديد والمجددون في الإسلام ( تحت الطبع )

[65] La propagande chretienne et ses adversaires musulmans, pp. 17-18

[66] المصدر السابق

[67] انظر: عبد المجيد بن عزيز الزنداني وآخرون: شرح كتاب الإيمان، 222

[68] يقصد الشريعة الوضعية .

[69] انظر: سير توماس أرنولد (إشراف) : تراث الإسلام ، ص 433 – 434

[70] انظر: أحمد الحجي الكردي : بحوث في علم أصول الفقه، ص44، 45.

[71] انظر: سيد قطب : معركة الإسلام والرأسمالية ، ص67 .

[72] انظر: يوسف القرضاوي :الخصائص العامة للإسلام ، ص203.

[73] ابن القيم : إغاثة اللهفان، ج1، ص 346 ، 349.

[74] يوسف القرضاوي : الإسلام و العلمانية وجهاً لوجه ، ص151

[75] يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، ص 203 ، 204

[76] سورة مريم : الآية 64.

[77] حسن ـ عن سلمان: رواه البزار و الحاكم وصححه . وحسنه الألباني في الجامع الصغير (551)

[78] ضعيف ـ رواه الدارقطني و حسنه النووي في الأربعين ، و نوزع في ذلك كما في شرح هذا الحديث لابن رجب في كتابه :" جامع العلوم و الحكم"، وضعفه الألباني في الجامع الصغير (352 ).

[79] انظر: يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، ص224

[80] انظر: يوسف القرضاوي : الخصائص العامة للإسلام ، ص224

[81] تاريخ ابن خلدون 2\440 ، والفصول في السيرة 1\163، ومختصر سيرة الرسول 1\131.

[82] صحيح ـ البخاري (2\974 ) و أبو داود ( 2\93) و أحمد (4\323)، وابن حبان ( 16\211)

[83] ابن كثير : البداية و النهاية 4\175،وابن جرير : تاريخ الطبري 2\122 ، و مختصر سيرة الرسول
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الـرحمة, نبـي


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع نبـي الـرحمة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يا نبـي الله عـذرا ... فبـك العليـاء تفخـر ام زهرة أخبار ومختارات أدبية 0 06-21-2013 07:32 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:47 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59