#1  
قديم 07-16-2014, 03:55 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة حقبة جديدة من الصراع


العدوان على غزة.. حقبة جديدة من الصراع
ـــــــــــــــــــ

( محمد سليمان الزواوي)
ــــــــــــ

18 / 9 / 1435 هــ
16 / 7 / 2014 م
ــــــــــ

815072014063015.png

مثّل العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة حقبة جديدة تمامًا من الصراع في فلسطين؛ حيث استطاعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لأول مرة أن تحدث اختراقات نوعية من حيث تقنيات الحرب الإليكترونية والتقليدية، واستطاعت أن تحدث تقدمًا ملموسًا في "توازن الرعب" بين الجانبين؛ واخترقت عمق الكيان الصهيوني بصواريخها التي غطت كل الكيان الآن، وبطائرة بدون طيار حملت صواريخ واستطاعت أن تصل إلى مسافات لم تصل إليها طائرة عربية من قبل، كما أنها اخترقت البث التليفزيوني للقناة العاشرة الإسرائيلية وأوصلت رسائل تهديد ووعيد لكل الشعب الإسرائيلي، بالإضافة إلى قدرتها على اختراق قاعدة "زيكيم" البحرية بقوات كوماندوز بحرية لأول مرة في تاريخ الصراع بين الجانبين.
كل تلك النجاحات مثلت نقلة نوعية غير عادية في معادلة الصراع، فبالرغم من الدماء التي تسكب، وبالرغم من الحصار البري والبحري والجوي، إلا أن حركة حماس استطاعت ولأول مرة أن تقترب من معادلة التوازن مع الكيان الصهيوني، الذي وقف عاجزًا ومترددًا عن اجتياح غزة بالرغم من استدعائه للاحتياط، بالرغم من كونه أحد أقوى جيوش المنطقة بل والعالم كله، وضربت حركة حماس مثالاً غير مسبوق لحركات المقاومة التي استطاعت تطوير تسليحها وتكتيكها في ظل تلك الظروف المحلية والإقليمية والدولية الخانقة لأي مقاومة ضد إسرائيل.
فقطاع غزة عبارة عن شريط مكتظ بالسكان محاصر من جميع جهاته حتى من الجانب المصري، الذي يختلف نظامه الحالي أيدلوجيا مع حركة حماس، التي ترى أن خيار المقاومة يجب أن يظل خيارًا مطروحًا في معادلة القوة في المنطقة، في حين ترى قوى إقليمية أخرى وعلى رأسها مصر أن السلام مع إسرائيل هو المخرج الوحيد للقضية الفلسطينية بتطبيع للعلاقات مع الكيان الصهيوني، اتساقًا مع الرؤية الاستراتيجية للنظام المصري منذ اتفاقية كامب ديفيد وهي أن الالتحاق بالمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة هو ضمان الأمن الإقليمي، وأن حرب أكتوبر هي آخر الحروب مع إسرائيل، مما يعني ضرورة التعايش مع حقيقة وجود الكيان في المنطقة كأحد حقائق الجغرافيا.
وتتفق مع الرؤية المصرية رؤى العديد من الدول الأخرى في المنطقة، فقد صرح رئيس شرطة دبي السابق ضاحي خلفان قائلاً أن "إسرائيل لا تشكل خطرًا على الوطن العربي ما دامت كبريات البلدان على هذا الوئام فما في مشكلة (...) إسرائيل لا تشكل خطرًا على الوطن العربي لأن الوطن العربي غير قادر على مواجهة إسرائيل، لذلك لايوجد معركة مع إسرائيل"[1]، وهذا في معرض رده على سؤال عن أهم التهديدات على المنطقة؛ وتفترض تلك الرؤية أن إسرائيل يمكن التعايش معها نظير ثمن يدفعه العرب وهو التنازل عن الأراضي التي احتلتها وأن ذلك هو نهاية الاستسلام العربي.
إلا أن الوقائع على الأرض تتحدى تلك الرؤية وتثبت أن الكيان الصهيوني هو كيان توسعي دموي لا يفهم إلا لغة القوة، وأن أهدافه لا تقتصر على الأراضي التي يحتلها حاليًا، وأنه بمجرد تغير الظروف الإقليمية والدولية فإنه لن يتورع عن سفك مزيد من الدماء واحتلال مزيد من الأراضي خارج نطاق فلسطين، لذا فإن استمرار حركة حماس في المقاومة وتطويرها من أساليبها وتكتيكاتها وتقنياتها العسكرية تثبت الرؤية الأخرى للأمن القومي العربي، وهي أن الاستسلام ليس حلاً، وأن السلام ليس بالضرورة خيارًا استراتيجيًا إلا إذا جنح الطرف الآخر للسلم، وأن مقولة أن العرب عاجزون عن مواجهة إسرائيل هي مقولة مرفوضة شكلاً وموضوعًا.
إن إسقاط خيار المقاومة وضرب الحركات التي تتبناها في الوطن العربي ووسمها بالإرهاب لن يصب سوى في مصلحة الكيان الصهيوني، وسيؤدي إلى مزيد من الانقسامات الداخلية في الأوطان صعودًا حتى المستوى الإقليمي بشيطنة حركات سياسية لها رؤى مغايرة للرؤية الرسمية للأمن القومي العربي، بينما تقوم إسرائيل باستيعاب الحركات التي تصفها بالمتطرفة، وتسمح لها بالممارسات السياسية والانخراط في جيشها، من أجل الحفاظ على اللحمة الداخلية لكيانها، في الوقت الذي تعمل فيه بعض الأنظمة الإقليمية على وأد كل صوت معارض، بل وتعمل من أجل القضاء عليه.
فقد صرح الدكتور داني روبنشتاين، أستاذ العلوم السياسية فى الجامعة العبرية، إن التحركات التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد قطاع غزة، تقوم بالتعاون والتنسيق مع النظام المصري لإسقاط سيطرة حركة حماس عن قطاع غزة. وأضاف روبنشتاين فى نشرة قناة الجزيرة الإخبارية، أن ما تقوم به مصر ليس تنسيقًا لتهدئة الأوضاع ووقف القصف، ولكن لتشديد الخناق على حماس ومن ثم إسقاطها من حكم القطاع، معتبرًا أن فى ذلك فائدة مزدوجة لتل أبيب والقاهرة، وهو أن مصر ستتخلص من جوار حركة حماس التابعة للإخوان وتل أبيب تفرض سيطرتها على القطاع.[2]
بل وصل الأمر إلى تسليم السلطات المصرية رسالة تهديد إسرائيلية لكل من حركتي حماس والجهاد، مفادها أنه مالم يتوقف إلقاء الصواريخ من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية الجنوبية، فإن غزة ستُضرب بقوة، حسبما كشف قيادي فلسطيني رفيع عن اتصالين هاتفيين أجراهما مسؤول في الاستخبارات المصرية مع كل من القيادي في «حماس» موسى أبو مرزوق، ونائب الأمين العام لـ «الجهاد»زياد النخالة مفادها بأن إسرائيل ستضرب غزة بيد غليظة في حال لم تلتزم الحركتان التهدئة[3].
وربما تشجع تلك الظروف الإقليمية الجديدة إسرائيل على اجتياح غزة من أجل القضاء على حركة حماس، لاسيما بعد تفوقها النوعي وتطويرها لقدراتها الصاروخية، إلا أن الثمن الباهظ المتوقع من الدماء في كلا المعسكرين سيجعل إسرائيل تفكر ألف مرة، لاسيما مع توقع انتفاضات شعبية عبر العالم الإسلامي في حالة سقوط عدد كبير من الشهداء في تلك العملية البرية، وما سيمثله ذلك من زعزعة استقرار البلدان المجاورة لاسيما تلك التي تعاني من أوضاع داخلية هشة مثل الدولة المصرية.
كما أن التوغل البري الإسرائيلي سيأتي بتكلفة عالية من دماء الجنود الصهاينة، وسيحيد سلاحها الأساسي بتفوقها التقني وإمكانيتها للضرب من بعيد عن طريق طائراتها، فسقوط دماء إسرائيلية وارتفاع تكلفة الحرب عليها وامتداد أمدها سيؤدي إلى تقويض قدرات الردع الإسرائيلية لاسيما في ظل عدم تمكنها من حسم المعركة كما حدث في حرب ديسمبر 2008 وعدم قدرتها على تجفيف منابع المقاومة الفلسطينية، وإنهاء العدوان في النهاية بدون حسم عسكري، وهو ما يعني انتصار مبدأ المقاومة الفلسطينية.
لذلك فإنه في كل الأحوال فإن حماس استطاعت تحقيق انتصارات ملموسة في الميدان بعدم الاستسلام أمام الآلة العسكرية الصهيونية، وتمكنت في الوقت ذاته من تطوير قدراتها العسكرية، مما يعني أن عامل الوقت ليس في صالح الكيان الصهيوني، وأنه بالرغم من نجاة إسرائيل من تضييق الربيع العربي الخناق عليها بعد صعود ثم إسقاط نظام د. مرسي في مصر، إلا أن التهديد الأمني عليها ازداد بعد وصول الصواريخ الحمساوية إلى مفاعل ديمونة في صحراء النقب، وإلى مطار "بن جوريون"، مما يعني قدرة تلك الصواريخ، بالرغم من وصفها بـ "العبثية"، إلا أنها قادرة على شل الحياة في الكيان الصهيوني في أي وقت وإيقاف حركة الطائرات، والتهديد الأمني الكبير بضربها مفاعل ديمونة.
لذلك فإن المرحلة القادمة من الصراع ربما تشهد تطويرًا حمساويًا للقوة التفجيرية لتلك الصواريخ التي استطاعت أن تغطي كافة الأراضي المغتصبة من الكيان الصهيوني، وهنا ستتمكن حماس من تحقيق توازن الردع بقدرتها على إسقاط قتلى من قصفها للمدن الصهيونية، تمامًا كما تفعل إسرائيل الآن بقصفها لمنازل المدنيين في غزة، وهنا لن تستطيع إسرائيل أن تستخدم دماء المدنيين كورقة للضغط على حماس، وسيدخل الصراع في مرحلة جديدة تمامًا لاسيما مع المتغيرات التي تجري على الأرض من حول الكيان الصهيوني، والتي ربما تؤدي إلى توسيع نطاق الحرب عليه من أقطاره الأربعة، وإدخاله في حرب استنزاف وحروب عصابات ممتدة تؤدي إلى إرهاقه ربما إلى درجة الكسر في وقت ليس ببعيد، وهذا هو الكابوس الذي يخشاه نتنياهو، ويجعله مترددًا ألف مرة قبل اجتياح غزة ودخوله في صراع ممتد بتداعيات إقليمية غير مأمونة العواقب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] يمكن مراجعة تصريحاته في حوار مع قناة "دبي" على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=jXB7o3VxviM
[2] تصريحات لبرنامج ما وراء الخبر على فضائية الجزيرة،
http://www.youtube.com/watch?v=wyc2QSxQpTY
[3] مصرسلمت «حماس»و«الجهاد»رسالةتهديدإسرائيلية،الحياةاللندنية، 8 يوليو 2014،علىالرابطالتالي:
http://alhayat.com/Articles/3458531

-------------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الصراع, جديدة, حقبة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع حقبة جديدة من الصراع
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حقبة جديدة في الفيزياء بعد اكتشاف صدى الإنفجار الكبير Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 03-19-2014 03:50 PM
الجسيم هيغز خصائصه الغريبة المميزة تشير إلى بزوغ فجر حقبة جديدة في الفيزياء Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 11-14-2013 04:49 PM
مسئول سابق بـ"الأمن القومى": حقبة هيمنة أمريكا على العالم انتهت ابو الطيب أخبار عربية وعالمية 0 10-24-2013 05:02 AM
الصراع الاداري Eng.Jordan رواق الثقافة 0 04-24-2013 09:37 AM
كتاب حقبة من التاريخ احمد ادريس كتب ومراجع إلكترونية 0 01-10-2012 07:00 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:29 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59