#1  
قديم 06-15-2015, 10:13 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,038
ورقة لا تستسلم لكلمات المنهزمين


لا تستسلم لكلمات المنهزمين
ـــــــــــــ

(محمد بن سعد الفصّام)
ـــــــــــ

28 / 8 / 1436 هــ
15 / 6 / 2015 م
ـــــــــــ


المنهزمين


لا تستسلم لكلمات المنهزمين

هل سمعت بحفرة الموت وكيف تحولت إلى منصة بطولات؟

المبدِعُ إنسانٌ يحوِّلُ كلمات المثبِّطين إلى وقودٍ يزيده اشتعالاً وتوهُّجًا في مواصلةِ ما يراه هدفًا يستحقُّ التَّضحية، فإن كنتَ ممَّن يتأثَّرُ بالكلامِ، فلا تستمعْ لهُم، ولا تُعِرْهم من وقتِك لحظةً، وإن كنتَ ممَّن لا تتزعزعُ ثقتُه في نفسِه مهما كثُر المُرجِفون والحسَّادُ، فاجعَلْ تلك الكلماتِ حُدَاءً وألحانًا تتغنَّى بها في عملِك؛ ليقطعَ عليك صعوبتَه.

النَّقد يعني أنَّ لديك ما تُحسَدُ عليه، النقد تصفيقٌ لك بالأكفِّ، وتصفيرٌ بحماسٍ لتواصلَ سَيْرَك.

وأذكِّرُك بذلك الفتى "توماس أديسون" الذي أنار شوارعَ الدُّنيا وبيوتَ النَّاسِ بالكهرباء؛ بصمودِه وتحويلِه مهاتراتِ المنهزمين إلى صيحاتِ تشجيعٍ عنيفٍ؛ فلقد أرسل رسالة إلى مكتبِ براءاتِ الاختراع في واشنطن يخبِرُهم فيه أنَّه يعمل على اختراعِ مِصباحٍ يعمل بالكهرباء، نصحه المكتبُ بعدم الاستمرارِ في مشروعٍ كهذا، وكتبوا له خطابًا جاء فيه: "إنها بصراحة فكرةٌ حمقاءُ؛ حيث يكتفي النَّاسُ عادةً بضوء الشَّمسِ"، فردَّ بخطابٍ قال فيه: "ستقفون يومًا لتسديد فواتيرِ الكهرباء".

وما زالوا يضرِبون همَّتَه بسياطِ السُّخرية، ويحاولون كسرَ عبقريَّتِه بعقولهم البليدةِ، فلم يزِدْهُ ذلك إلا ثقةً في نفسِه وعقلِه، وتصميمًا على تحقيقِ أهدافه.

فحين كان صغيرًا في المدرسة الابتدائيةِ وبعد بَدْءِ الدراسة بأسابيعَ، أرسلت معلِّمةٌ معه رسالةً إلى أمِّه تقترحُ فيها أنْ تُجلسَه في المنزلِ، فهو أفضلُ؛ لأنَّه غبيٌّ.

ولَمَّا ذهب الطِّفلُ إلى المنزل وأعطى أمَّه الخِطابَ وقرأَتْه، قالت: ابني ليس غبيًّا، بل هم الأغبياءُ.

فأنتجت للبشريَّةِ رجُلاً كان السببَ في اكتشافِ تلك الأنوار، التي ما زلنا نستفيدُ منها مع أُسَرِنا، وفي كتاباتِنا، ودعوتنا، وكثير من أمورِ حياتنا.

لذلك أذكر لك:
يُحكَى أنَّ أهلَ قريةٍ كانوا يعيشون في سفحِ جبلٍ، وكان بجانبِهم حفرةٌ ضخمةٌ على حوافِها حجارةٌ، ويتدلَّى منها حبالٌ بالية، وعروقُ أشجارٍ شبه متحلِّلةٍ، ومن سقط فيها، فقد دُفِنَ في قبره، ولا يمكِنُه الخروجُ، ولا لأحد أن يستطيعَ إخراجَه، وقد أسمَوْها: "حفرة الموت"، وبينما هم في صباحِ يومٍ مشتغلين بمكاسب عَيشِهم: فطائفةٌ ترعى أغنامَ المدينة، وأخرى تشتغل بزراعةِ الخضار والفواكهِ، والنَّاس يتبايَعُون في أسواقِهم، إذ بهم يسمعون صِياحًا واستغاثةً: أنقِذُونا أنجِدونا!

وما زالت هذه العبارةُ تتكرَّرُ وترتفع، حتى سمِعَها كلُّ أهلِ القرية، فما كان لهم بدٌّ من السَّعي إلى نجدة المستنجدين، فتفاجؤوا أنَّ هذه الأصواتَ إنما هي لرجُلينِ مسافرين سقطَا من ليلة البارحة في تلك الحفرةِ، وكانا جاهدَيْنِ يحاولان الصُّعودَ لعدة ساعاتٍ، فلمَّا أعيَتْهما الحيلةُ وسمِعَا أصواتَ الأغنام وهي ترعى، وأصوات الناس يذهبون ويَجِيئون، دعَوَا بأعلى أصواتِهما؛ لعلَّهم ينجدونهما، أقبل عليهما النَّاس، فلمَّا أبْصَروهما يحاولان التسلُّقَ عبر تلك الحبالِ، وكلما صعِدَا خمسَ خطواتٍ إلى أعلى، سقَطَا بالخطوة السادسةِ إلى حيثُ بدأا، وهكذا هما؛ كلما تعلَّقا بحبلٍ من الحبالِ أو عِرقٍ من العُروق وجرحَتْهما الحجارةُ، انقطع ذلك الحبل فسقطَا من جديدٍ، ولَم يستطعِ الناسُ أن يفعلوا لهما شيئًا، بل على العكسِ من ذلك، كان مجيءُ الناسِ إعلانًا لهما بوقف سبُلِ النَّجاة، فصار الناسُ يلتفت بعضُهم إلى بعضٍ تصيبهم الدَّهشة والحيرةُ، كيف يفكِّرُ هذان الرَّجلانِ في النَّجاةِ والخروجِ من هذه الحفرة؟! فما كان منهم إلا أن أخذوا يهتفون بهما بأعلى أصواتِهم: "لا تفكروا في النَّجاة، لا يمكِنُ لكما ذلك؛ انظروا إلى ما حولكما من العظامِ؛ إنها لأناسٍ سقطوا فيها من سنتين، ارفقا بنفسيكما، الموتُ ليس منه بدٌّ، ما هذا الهُراء؟! تحاولان الخروجَ؟! مستحيلٌ، أنتما تحلُمان، لا بدَّ أن تخبرانا بوصيَّتِكما إنْ كان لكما وصية، اعذِرونا لا نستطيع إنقاذَكما؛ الحفرةُ عميقة، لا تحاولا الخروجَ؛ فجهودُكما سوف تضيع..."، وكلَّما ازدادت محاولاتُ الرَّجُلينِ، صرَخوا بهما وأشاروا إليهما بأيديهم وبأعلى أصواتِهم: أن يكفُّوا عن محاولاتِهما اليائسة، فما كان من أحدِ الرجلين إلا أن سقط على ظهرِه من الإعياءِ، ومن فِقدان الأملِ بعد كلام الناس، حتى مات.

وأما الآخَرُ، فما زالت محاولاتُه مستمرةً؛ كلَّما صعد خمسَ خطوات أو ستَّ خطواتٍ، سقط، والنَّاسُ يصيحون به: لا تحاوِل، انظر إلى صاحبِك لَم يستطِعْ، ولكنه ما زال يحاول ويتمسَّك بتلك الحجارة، وذلك العِرق، ويغيِّرُ مواطئَ قدميه، فيسقطُ، والنَّاسُ يتعجبون من صمودِه وقوَّةِ عزيمتِه التي لَم تفتُرْ، فما زال يحاولُ حتى شارف على الخروج، ثم وثب قبل أن تزلَّ قدمُه، فإذا هو بينهم جاثيًا على ركبتيه، وقد أخذ منه التَّعبُ كلَّ مأخذٍ، والناسُ في شدة الذُّهول وهم يهنِّئونه مع تعجُّبِهم الشديد، ثم سألوه: ألَم تكن تسمعُ صياحَنا وكلامنا لك؟! يعيدون عليه ذلك السُّؤالَ وهو غير ملتفتٍ إليهم، حتى أخبرهم أحدُ الحاضرين أنَّ الرجلَ الآن لا يستطيع الكلامَ من التعب الشديد.

فأتوا بورقةٍ وكتبوا له هذا السُّؤالَ: كيف استطعت أن تخرجَ من حفرة الموت، ونحن نصرخُ بك - رحمةً وشفقةً عليك - أن تكفَّ عن محاولاتِك اليائسة؟!! فكتب لهم: أنا رجل أصمُّ، ولا أسمعُ شيئًا، وكنت أراكم ترفعون أيديَكم، وأنتم تتكلَّمون وأرى أيديَكم ترتفعُ، فقلتُ: إنَّ هؤلاء يشجِّعونني، ويبدو أنني قد تقدَّمت في محاولاتي، فتقوَّت عزيمتي حتى استطعتُ الخروجَ بحمد الله.

السؤال: يا ترى، لو كان هذا الرجلُ لَم يُصَبْ بالصَّمم، هل كان سوف يخرج ويصمدُ أمام هذه الحفرةِ العميقةِ وهذا التحطيم الهائل؟!

إذًا ليس عليك إلا أن تُصِمَّ أذنيك عن كلامِ الناس المحطِّمين والمثبِّطين، وأن تجعل تثبيطَهم تصفيقًا حارًّا، وهُتافاتٍ مدويةً، تزيدُك اشتعالاً وتقدُّمًا للأمام.

وقل لأولئك الانهزاميين: عند الصباح يحمَدُ القومُ السُّرَى.



----------------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
لكلمات, المنهزمين, تستسلم


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59