#1  
قديم 05-23-2012, 09:53 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي أوروبا تغلي


التاريخ: 23 مايو 2012


أوروبا غاضبة ومئات الآلاف في الشوارع، من مدريد لأثينا ومن إيطاليا للبرتغال. ورغم أن الكثير من المراقبين يصورون ما يجري في أوروبا، باعتباره معركة بين الديمقراطية وتوحش اقتصاد السوق، إلا أنك إذا دققت النظر في ما يجري على أرض الواقع، ستجد أن ما يجري حقيقة هو معركة بين المؤسسات الديمقراطية التي اشتراها السوق، وبين جموع المواطنين.
فمنذ بداية شهر مايو الجاري، تعيش أوروبا على صفيح ساخن. فإسبانيا التي صارت نسبة البطالة فيها هي الأعلى بين الدول الصناعية، حيث وصلت إلى 24%، خرج فيها مئات الآلاف إلى الشوارع احتجاجا على سياسات التقشف المفروضة على بلادهم، مقابل القروض الخارجية من الاتحاد الأوروبي.
وفي اليونان، تجمع عشرات الآلاف في أكبر ميادين العاصمة أثينا، احتجاجا على تلك الشروط ذاتها التي تفرضها "الروشتة" الأوروبية على بلادهم، والتي خربت الاقتصاد ودمرت حياة الكثيرين. وفي الوقت الذي خرج فيه مئات الآلاف في إيطاليا يتظاهرون احتجاجا على السياسات الاقتصادية، خرج الشباب في إيرلندا والبرتغال اللتين توشكان على الإفلاس للأسباب نفسها.
والحقيقة أن الغليان الحادث في تلك الدول الديمقراطية، مصدره موافقة النخب الحاكمة فيها على تلك السياسات المفروضة أوروبيا، بل وصنع سياسات داخلية تؤدي لإفقار الملايين ولا تمس الأقلية الثرية على الإطلاق.
ففي إسبانيا مثلًا، رفع المتظاهرون لافتات تقول "لا يمثلوننا". وهو المعنى نفسه الذي استخدمته حركة "احتلوا وول ستريت" الأميركية، حين أطلقت شعار "نحن الـ99%". وفي الحالتين فإن المقصود هو أن النخب السياسية والاقتصادية، تختلف مصالحها عن مصالح الأغلبية الكاسحة من المواطنين، وأن ما يجري هو باختصار تقشف مفروض على المواطنين، وتدليل للشركات والبنوك العملاقة التي أسهمت في حدوث الانهيار الاقتصادي. فسياسات النيوليبرالية الاقتصادية والمالية التي اتبعتها تلك النخب، ثبت فشلها الذريع، بل وتأثيرها المدمر على النسيج الاجتماعي في بلد بعد الآخر؛ من أميركا غرباً إلى اليونان شرقاً.
والآلاف التي خرجت للشوارع في البلدان الديمقراطية، فعلت ذلك لأنها أدركت أن المؤسسات الديمقراطية المنتخبة لم تعد تمثلها، لأن المال صار يلعب دورا جوهريا في اختيار من يقومون عليها. باختصار، فشلت المؤسسات الديمقراطية في الاستجابة لمطالب الناس، فخرجت تلك المطالب من المؤسسات للشوارع.
ومن يتأمل أحوال العالم هذه الأيام، يجدنا إزاء موجة عالمية جديدة. فمن ثورات العالم العربي إلى الحركات الاحتجاجية في أوروبا وأميركا، توجد قواسم مشتركة لا تخطئها العين.
صحيح أن الكثير من الحركات الاحتجاجية في أوروبا وحركة وول ستريت في أميركا، لا تنكر أن الثورة المصرية تحديدا كانت مصدر إلهام لها، إلا أن المشتركات تذهب لما هو أبعد من ذلك بكثير. فقد كسرت الأجيال الجديدة في كل مكان، حاجز الصمت وحاجز الابتعاد عن السياسة، حين أدركت أن مقدراتها ستتحدد بناء على معركتها التي تخوضها الآن.
والهدف المشترك حول العالم، هو العدل الاجتماعي. ففي مصر رفعت الثورة شعار العدل الاجتماعي والكرامة والحرية، بينما رفع الإسبان شعار "الحق في الوجود الإنساني"، وهم طالبوا بجمهورية جديدة تعتبر أن حق 99% من المواطنين في الوجود أصلاً حق جوهري.
ومما يؤكد أن ما يجري في أوروبا ليس معركة بين الديمقراطية والسوق، وإنما بين الناس والمؤسسات الديمقراطية التي اشتراها السوق، هو أن الغاضبين في أوروبا أطاحوا بالنخب المتصالحة مع مصالح الأقلية الثرية على حساب الأغلبية الكاسحة، في أول انتخابات جرت عندهم.
ففي فرنسا، اختار الفرنسيون فرانسوا هولاند، وعاقبوا ساركوزي الذي كان أحد الداعمين لتلك السياسات التقشفية. وهولاند بنى حملته على فكرة رئيسية، مؤداها أن هناك حاجة للتركيز على النمو الاقتصادي كأولوية، لا على سياسات التقشف.
وفي الانتخابات المحلية في بريطانيا، عاد حزب العمال يكسب أرضية ضد حزبي السلطة؛ حزب المحافظين والحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكمين، بينما طرد الناخبون أحزاب الوسط المهادنة لتلك السياسات من الحكم، في فنلندا والبرتغال وإيرلندا.
وحتى في ألمانيا، صاحبة الصوت الأكثر قوة وراء تلك السياسات الفاشلة وصاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، تعرض حزب أنغيلا ميركل لهزيمة محرجة في الانتخابات المحلية. وفي اليونان تقلصت مقاعد الحزبين الحاكمين، من الثلثين إلى الثلث.
والجدير بالاهتمام والتأمل حقاً، هو أن الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، لأنها هي الأخرى تناهض سياسات التقشف، قد حققت نجاحات انتخابية، وكان أكثرها إثارة للقلق هو فوز الحزب النازي في اليونان المعروف باسم "الفجر الذهبي"، بعدد من مقاعد البرلمان وصل إلى عشرين مقعدا.
فالحزب رغم عنصريته الفجة، استطاع أن يقنع قطاعا من الناخبين بأن الحل هو في القومية اليونانية ومعاداة المهاجرين.ورغم أنه لم يتضح بعد حجم التغيير الذي سيحدث في السياسات بموجب تغيير النخبة الحاكمة، إلا أن المؤكد أن الاستجابة للمطالب الشعبية صارت واحدة من بديلين فقط أمام أوروبا.
أما البديل الثاني فهو الإصرار على السياسات البائسة نفسها، الأمر الذي سيعني بالضرورة مزيدا من الراديكالية في مواقف الحركات الاحتجاجية، ومزيدا من النمو لتيارات التطرف الأوروبية التي تتبنى العنصرية، والتي تكون ضحيتها دوما الفئات الأقل حظا والأكثر ضعفا في المجتمع.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
أوروبا, بغلي


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع أوروبا تغلي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأمم المتحدة: نظام الأسد تعمد قصف مصادر المياه بدمشق عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 03-15-2017 07:29 AM
عذراً أوروبا صابرة مقالات وتحليلات مختارة 0 11-19-2015 09:36 AM
تعمد تحطيم الطائرة الألمانية عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 03-27-2015 07:38 AM
أنوف الجِمال تفرز فيروس كورونا... والوقاية بغلي حليبها Eng.Jordan أخبار منوعة 0 06-17-2014 11:06 AM
التحقيقات تؤكد تعمد تدمير مسجد بابري التاريخي عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 04-10-2014 08:31 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:25 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59